ﰡ
سورة الأحقاف١
مكية
وآياتها خمسة وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (٦)شرح الكلمات:
حم: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا: حم ويقرأ هكذا: حاميم.
تنزيل الكتاب: أي تنزيل القرآن.
من الله العزيز الحكيم: أي من لدن الله العزيز في ملكه الحكيم في صنعه.
إلا بالحق وأجل مسمى: أي ما خلقنا السماوات والأرض إلا خلقا متلبسا بالحق وبأجل مسمى لفنائهما.
ما تدعون من دون الله: أي من الأصنام والأوثان.
أروني ماذا خلقوا من الأرض: أي أشيروا إلى شيء خلقوه من الأرض.
أم لهم شرك في السموات: أي أم لهم شركة.
ائتوني بكتاب من قبل هذا: أي منزل من قبل القرآن.
أو أثارة من علم: أي بقيةٍ من علم يؤثر عن الأولين بصحة دعواكم في عبادة الأصنام.
إن كنتم صادقين: أي في دعواكم أن عبادة الأصنام والأوثان تقربكم من الله تعالى.
من لا يستجيب له إلى يوم القيامة: أي لا أحد أضل ممن يدعو من لا يستجيب له في شيء يطلبه منه أبداً.
وهم عن دعائهم غافلون: أي وهم الأصنام أي عن دعاء المشركين إياهم غافلون لا يعرفون عنهم شيئاً.
وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء: أي في يوم القيامة كانت الأصنام أعداء لعابديها.
وكانوا بعبادتهم كافرين: أي وكانت الأصنام بعبادة المشركين لها جاحدة غير معترفة.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿حم﴾ الله أعلم بمراده به إذ هذه من المتشابه الذي يجب الإيمان به وتفويض أمر معناه إلى الله منزله. وقوله ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ أي تنزيل القرآن الكريم من لدن الله العزيز الحكيم العزيز في ملكه الحكيم في صنعه وتدبيره. وقوله تعالى ﴿مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من العوالم والمخلوقات ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ أي إلا لحكم عالية وليس من باب العبث واللعب، وإلا بأجل مسمى عنده وهو وقت إفنائهما وإنهاء وجودهما لاستكمال الحكمة من وجودهما. وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ١ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ ٢ يخبر تعالى بأن الذين كفروا بتوحيد الله ولقائه وآياته ورسوله عما خوفوا به من عذاب الله المترتب على كفرهم وشركهم معرضون غير مبالين به، وذلك لظلمة نفوسهم، وقساوة قلوبهم. وقوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ٣ مَا
(عما أنذروا) جائز أن تكون (ما) موصولة، والعائد محذوف أي: أنذروه وجائز أن تكون مصدرية أي: عن إنذارهم معرضون.
(قل أرأيتم) : الاستفهام تقريري هو بمعنى: أخبروني، وفعل أروني للتعجيز لإبطال دعوى الشرك بالله تعالى، والعاجز عن خلق شيء كيف يستحق العبادة، والتأليه، و (ماذا خلقوا) هو بمعنى ماذا الذي خلقوا أي: أي شيء خلقوه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- إثبات النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزيل الله على رسوله المنزل عليه وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- انتفاء العبث عن الله تعالى في خلقه السموات والأرض وما بينهما وفي كل أفعاله وأقواله.
٣- تقرير حقيقة علمية وهي من لا يخلق لا يُعبد.
٤- بيان أنه لا أضل في الحياة من أحد يدعوا من لا يستجيب له أبداً كمن يدعون الأصنام والقبور والأشجار بعنوان التوسل والاستشفاء والتبرك.
الفال والزجر والكهان كلهم
مضللون ودون الغيب أقفال
٢الاستفهام للإنكار والتعجب معاً، والمعنى: لا أحد أشد ضلالاً وأعجب حالاً ممن يدعون... الخ
٣ الجملة حالية، وجملة: (وإذا حشر الناس) معطوفة عليها.
٤ فالعابدون كالمعبودين سواء في التبرؤ من بعضهم بعضا يوم القيامة وإعلان العداء لبعضهم بعضاً.
شرح الكلمات:
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات: أي أهل مكة من كفار قريش، والآيات آيات القرآن والبينات الواضحات.
قال الذين كفروا للحق لما جاءهم: أي من كفار قريش للحق أي القرآن لما قرأه عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هذا سحر مبين: أي قالوا في القرآن سحر مبين أي ظاهر لما رأوا من تأثيره على النفوس.
أم يقولون افتراه: أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه من نفسه.
قل إن افتريته: أي قل لهم يا نبينا إن اختلقته من نفسي.
فلا تملكون لي من الله شيئا: أي فأنتم لا تملكون لي من الله شيئا إن أراد أن يعذبني.
هو أعلم بما تفيضون فيه: أي هو تعالى أعلم بما تخوضون فيه من القدح والطعن في وفي القرآن.
كفى به شهيداً بيني وبينكم: أي كفى به تعالى شهيدا بيني وبينكم.
ما كنت بدعاً من الرسل: أي لم أكن أول رسول فأكون بدعا من الرسل بل سبقني رسل كثيرون.
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم: أي في هذه الحياة هل أخرج من بلدي، أو أقتل، وهل
إن أتبع إلا ما يوحى إلي: أي ما أتبع إلا ما يوحيه إلي ربي فأقول وأفعل ما يأمرني به.
وما أنا إلا نذير مبين: أي وما أنا إلا نذير لكم بين الانذار.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة العرب عامة وقريش خاصة إلى الإيمان والتوحيد فإذا قرأ عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن دعوة لهم إلى الإيمان والتوحيد قالوا رداً عليه ما أخبر به تعالى في قوله ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ أي على كفار قريش ﴿آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ أي ظاهرات الدلالة واضحات المعاني ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله وبرسوله ولقائه وتوحيده قالوا ﴿لَلْحَقُّ١﴾ وهو القرآن ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ بل قالوا ما هو أشنع في الكذب وأبشع في النظر إذ قالوا ما أخبر به تعالى عنهم في قوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ٢ افْتَرَاهُ﴾ أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه وتخرصه من نفسه وليس هو بكلام الله ووحيه إليه. وقوله تعالى ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً﴾ أي على فرض أنني افتريته على الله وقلت أوحي إلي ولم يوح إلي وأراد الانتقام مني بتعذيبي، فهل أنتم أو غيركم يستطيع دفع العذاب عني، وعليه فكيف أعرض نفسي للعذاب بالافتراء على الله تعالى، فهذا لن يكون مني أبداً. وقوله تعالى ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ٣ فِيهِ﴾ أي الله جل جلاله هو أعلم من كل أحد بما تخوضون فيه مندفعين في الكلام تطعنون في وفي القرآن فتقولون في ساحر وفي القرآن سحر مبين وتقولون في مفترٍ وفي القرآن افتراء إلى غير ذلك من المطاعن والنقائص. ﴿كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ٤﴾ أي كفى بالله شهيدا علي وعليكم فيما أقول وفيما تقولون وسيجزي كلا بما عمل ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّ٥حِيمُ﴾ لمن تاب فتوبوا إليه يغفر كفركم وخوضكم في الباطل ويرحمكم فإنه تعالى غفور لمن تاب رحيما بمن آمن وأناب. وقوله تعالى في الآية (٩) ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً ٦مِنَ الرُّسُلِ﴾ يأمر تعالى رسوله أن
(أم) هي المنقطعة المقدرة ببل، والاستفهام أي: أيقولون افتراه والاستفهام وبل للإضراب الانتقالي من نوع إلى آخر من أنواع ضلالهم، والاستفهام للنفي والإنكار معاً.
(تفيضون فيه) أي: من قول الباطل والخوض في تكذيب الحق، إذ الإفاضة في الشيء: الخوض فيه والاندفاع، ومنه: أفاضوا في الحديث: إذا اندفعوا يقولون، وأفاض الناس من عرفات إلى مزدلفة، أي اندفعوا.
٤ إذ هو يعلم صدقي ويعلم أنكم مبطلون.
٥ الغفور لمن تاب من عباده الرحيم بالمؤمنين.
٦ البدع: الأول: والبديع كالبدع بكسر الباء مثل: نصف ونصيف، وأبدع في كذا أتى بالبدع فيه أي بما لم يأت به غيره، والبديع: صفة مشبهة، وهو من أسماء الله تعالى، ومعناه: خالق الأشياء ومخترعها.
﴿قلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٤) ﴾
قل أرأيتم: أي أخبروني ماذا تكون حالكم.
إن كان من عند الله: أي إن كان القرآن من عند الله.
وكفرتم به: أي وكذبتم به أي بالقرآن.
وشهد شاهد من بني إسرائيل: أي وشهد عبد الله بن سلام.
على مثله فآمن: أي عليه إنه من عند الله فآمن.
واستكبرتم: أي واستكبرتم أنتم فلم تؤمنوا ألستم ظالمين.
لو كان خيرا ما سبقونا إليه: أي لو كان ما جاء به محمد من القرآن والدين خيرا ما سبقنا إليه المؤمنون.
وإذ لم يهتدوا به: أي بالقرآن العظيم.
فسيقولون هذا إفك قديم: أي هذا القرآن إفك قديم أي هو من كذب الأوليين.
وهذا كتاب مصدق: أي القرآن مصدق للكتب التي سبقته.
لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا: أي حال كونه بلسان عربي لينذر به الظالمين المشركين.
وبشرى للمحسنين: وهو أي القرآن بشرى لأهل الإحسان في عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم.
ثم استقاموا: أي فلم يرتدوا واستمروا على فعل الواجبات وترك المحرمات.
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون: أي في الدنيا وفي البرزخ وفي عرصات القيامة.
بما كانوا يعملون: أي جزاهم الله بما جزاهم به ينفي الخوف والحزن عليهم بأعمالهم الصالحة وتركهمالأعمال الفاسدة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قريش الذين ردوا الدعوة وقالوا في كتابها سحر مبين وفي صاحبها مفتر فقال تعالى لرسوله قل يا محمد لأولئك المشركين الذين قالوا في القرآن سحر مبين ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ ١ أي أخبروني ماذا تكون حالكم إن كان القرآن من عند الله. وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام على٢ مثله أي على التوراة أنها نزلت من
٢ المثل: المماثل أي: المشابه في فعل أو صفة، وضمير مثله: عائد على القرآن، وجائز أن يكون المراد بالمثل: التوراة، والشاهد هو موسى عليه السلام أو عبد الله بن سلام كما في التفسير، وجائز أن يكون لفظ (مثل) مقحماً زائد نحو: (ليس كمثله شيء) أي: ليس مثله شيء، ويكون المعنى. وشهد شاهد- وهو عبد الله بن سلام- على صدق القرآن وكونه وحي الله أوحاه إلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله تعالى ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً﴾ أي ومن قبل القرآن الذي أنكر المشركون نزوله كتاب موسى التوراة وقد أنزلناه عليه إماما يؤتم به فيقود المؤتمين به العاملين بهدايته إلى السعادة والكمال وأنزلنا اليوم القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين. وهو ما دل عليه قوله هذا كتاب مصدق لما قبله من الكتب لسانا٦ عربيا أي أنزلناه لسانا عربيا لينذر به رسولنا المنزل عليه.
٢ الجملة تعليلية لما هو محذوف في الكلام وهو: ضللتم ضلالا لا يرجى لكم هداية بعده، لأن الله لا يهدي القوم الظالمين.
٣ اللام تعليلية أي: قالوا ما قالوه لأجل الذين آمنوا حتى يردوا دعوتهم ولا يقبلوا الإسلام.
٤ ضمير (سبقونا) عائد إلى غير مذكور وأرادوا به المستضعفين مثل بلال وعمار ووالده وشمية وزنيرة على وزن شريرة، وسكيرة: أمة رومية كانت من السابقين إلى الإسلام.
٥ المضارع هنا مراد به سيديمون قولهم هذا كلما أرادوا رد القرآن: قالوا هذا إفك قديم.
٦ كلمة (لساناً) فيها إيماء إلى أنه عربي اللغة لا الأخلاق والعادات العربية والأحكام القبلية لأنها فسدت بالشرك وانقطاع الوحي وموت العلماء قروناً عديدة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- اعتبار الشهادة وانها أداة يتوصل بها إلى احقاق الحق وابطال الباطل فلذا يشترط عدالة صاحبها والعدالة هي إجتناب الكبائر واتقاء الصغائر غالبا.
٢- تقرير قاعدة من جهل شيئا عاداه، إذ المشركون لما لم يهتدوا بالقرآن قالوا هذا إفك قديم.
٣- بيان تآخي وتلاقي الكتابين التوراة والقرآن فشهادة أحدهما للآخر أثبتت صحته.
٤- وجوب تعلم العربية لمن أراد أن يحمل رسالة الدعوة المحمدية فينذر ويبشر.
٥- فضل الإستقامة٣ حتى قيل أنها خير من ألف كرامة، والإستقامة هي التمسك بالإيمان والعبادة كما جاء بذلك القرآن وبينت السنة.
{وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ
٢ ثم للتراخي الرتبي، إذ الإيمان يحصل بالنظر والتأمل دفعة واحدة وأما الإستقامة فتحتاج إلى مراقبة النفس وذكر الوعد والوعيد في كل طاعة من فعل أو ترك..
٣ روى مسلم والترمذي وغيرهما عن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحداً بعدك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" قل آمنت بالله ثم استقم".
شرح الكلمات:
ووصينا الإنسان بوالديه: أي أمرناه أمراً مؤكداً بالإيصاء.
إحسانا١: أي أن يحسن بهما إحسانا وهو المعاملة بالحسنى.
حملته أمه كرها ووضعته كرها: أي حملته أثناء حمله في بطنها على مشقة وولدته كذلك على مشقة.
وحمله وفصاله ثلاثون شهرا: أي مدة حمله في بطنها وفطامه من الرضاع ثلاثون شهرا.
حتى إذا بلغ أشده: أي اكتمال قوته البدنية والعقلية وهي من الثلاث والثلاثين فما فوق.
رب أوزعني أن أشكر نعمتك: أي ألهمني ووفقني أن أشكر نعمتك بصرفها فيما تحب.
وأن أعمل صالحا ترضاه: أي وبأن أعمل صالحا ترضاه مني أي تتقبله عني.
ونتجاوز عن سيئاتهم: أي فلا نؤاخذهم بها بل نغفرها.
في أصحاب الجنة: أي في جملة أصحاب الجنة وعدادهم.
وعد الصدق الذي كانوا يوعدون: أي في مثل قوله تعالى وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار الآية.
معنى الآيات:
إن الفرد كالجماعة فقد أوصى تعالى الإنسان بالإحسان بوالديه وببرهما في جميع كتبه وعلى ألسنة كافة رسله، والإنسان بعد ذلك قد يحسن ويبر وقد يسئ ويعق، فكذلك الجماعة والأمة من الناس يرسل إليهم الرسول فمنهم من يؤمن ومنهم من يكذب، ومنهم من يتابع ومنهم من يخالف فلما ذكر تعالى اختلاف قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الإيمان بما جاء به، والكفر به ذكر أن هذه الحال
٢ وحمله وفصاله ثلاثون شهراً هذه الآية الكريمة مع قوله تعالى من سورة البقرة: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ دلتا على أن أقل مدة الحمل: ستة أشهر، فلا يثبت الحمل بأقل من ستة أشهر ويثبت بالستة والسبعة والثمانية والتسعة، فمن بنى بامرأة وولدت قبل ستة أشهر من البناء بها فالولد لا يلحق الزوج.
٣ لم خص الدعاء للوالدين في هذا الوقت بالذات؟ لأنه وقت يصبح فيه الولد مشغولا بزوجة وأولاد وتكاليف فهو في هذه الحال أحوج ما يكون إلى عون الله تعالى على بر والديه.
٤ من بركة صلاح الذرية أن يدعو الولد لوالده بعد موته ففي صحيح الحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعوا له).
٥ قرأ نافع: (يتقبل) و (يتجاوز) بالبناء للمفعول، و (أحسن) مرفوع نائب فاعل، وقرأ حفص بنون المتكلم فيهما ونصب (أحسن) على أنه مفعول به.
٦ الوعد: مصدر بمعنى المفعول كالرد بمعنى المردود.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- وجوب البر بالوالدين بطاعتهما في المعروف والإحسان بهما بعد كف الأذى عنهما.
٢- الإشارة إلى أن مدة الحمل قد تكون ستة أشهر فأكثر، وأن الرضاع قد يكون حولين فأقل.
٣- جواز التوسل بالتوبة إلى الله والانقياد له بالطاعة.
٤- فضيلة آل أبي بكر الصديق على غيرهم من سائر الصحابة ما عدا آل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٥- بشارة الصديق وأسرته بالجنة، إذ آمنوا كلهم وأسلموا أجمعين وماتوا على ذلك.
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠)
شرح الكلمات:
والذي قال لوالديه: الذي اسم موصول استعمل استعمال الجنس فدل على متعدد بدليل الخبر عنه وهو أولئك الذين حق عليهم القول.
أن اخرج: أي من القبر حيا بعد موتي.
وقد خلت القرون: أي مضت الأمم قبلي ولم يخرج منها أحد من قبره.
وهما يستغيثان الله: أي يطلبان الغوث برجوع ولدهما إلى الإيمان بعد الإلحاد والكفر.
ويلك آمن: أي يقولان له إن لم ترجع ويلك أي هلاكك أي هلكت آمن بالبعث.
إن وعد الله حق: وقد وعد العباد بالرجوع إليه ومحاسبتهم على أعمالهم ومجازاتهم بها.
فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين: أي ما القول بوجود بعث للناس أحياء بعد الموت إلا أكاذيب الأولين.
أولئك الذين حق عليهم القول: أي وجب عليهم القول بالعذاب يوم القيامة.
في أمم قد خلت من قبلهم: أي في جملة أمم قد مضت من قبلهم من الجن والإنس.
ولكل درجات مما عملوا: أي ولكل من المؤمنين البارين، والكافرين الفاجرين درجات مما عملوا درجات المؤمنين في الجنة ودرجات الكفار في النار.
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا: أي يقال لهم أذهبتم طيباتكم باشتغالكم بملذاتكم في الدنيا.
واستمتعتم بها: أي تمتعتم بها في الحياة الدنيا.
فاليوم تجزون عذاب الهون: أي جزاؤكم عذاب الهوان.
بما كنتم تستكبرون في الأرض: أي تتكبرون في الأرض.
بغير الحق: أي إذ لا حق لكم في الكبر والكبرياء لله، ولم يأذن لكم فيه.
وبما كنتم تفسقون: أي تخرجون عن طاعة الله ورسوله.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى الرجل المؤمن وأعماله الصالحة ومواقفه المشرفة ذكر هنا الرجل الكافر وأعماله الباطلة ومواقفه السيئة وذلك من باب الدعوة إليه تعالى للترغيب والترهيب فقال تعالى {وَالَّذِي١
(أن أخرج) أي: من قبري حياً بعد موتي وفنائي، إنكاراً منه للبعث الآخر.
٣ وقد أجاب الله دعاء أبي بكر وزوجه أم الرمان حيث أسلم ابنهما رضي الله عنهم أجمعين.
(أساطير الأولين) أي: أحاديثهم وما سطروه مما لا أصل له.
٥ الإشارة هنا إلى أولئك الذين ذكرهم ابن أبي بكر كعبد الله بن جدعان وعثمان بن عمرو ومشايخ قريش فقال أين فلان وأين فلان إنكاراً منه للحياة بعد الموت.
٦ خسروا أعمالهم حيث ضاع سعيهم في الحياة الدنيا وخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
(ولكل) التنوين عوض أي: لكل من الفريقين المؤمنين والكافرين الأبرار والفجار درجات مما عملوا، وهي مراتبهم التي لهم في الجنة أو في النار.
٨ قرأ الجمهور (ولنوفيهم) بالنون وقرأ حفص (وليوفيهم) بالياء.
وعن طاعته ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ أي وبفسقكم عن طاعة ربكم وطاعة رسوله. إذاً فادخلوا جهنم داخرين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- حرمة عقوق الوالدين وأنها من الكبائر.
٢- بيان حنان الوالدين وحبهما لولدهما وبذل كل ما يقدران عليه من أجل إسعاده وهدايته.
٣- التحذير من الانغماس في الملاذ والشهوات والاستمتاع.
٤- التحذير من الكبر والفسق وأن الكبر من أعمال القلوب والفسق من أعمال الجوارح.
٥- مدى فهم السلف الصالح لهذه الآية ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾.
١) قرأ يزيد حتى بلغ ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ ثم قال تعلمون والله إن أقواما يسترطون حسناتهم استبقى رجل طيباته إن استطاع ولا قوة إلا بالله.
٢) روي أن عمر بن الخطاب كان يقول لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا، ولكن استبقي طيباتي.
وذكر أنه لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله، قال هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال له خالد بن الوليد لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر رضي الله عنه وقال لئن كان حظنا الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا.
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣)
شرح الكلمات:
واذكر أخا عاد: أي نبي الله هودا عليه السلام.
إذ أنذر قومه بالأحقاف: أي خوف قومه عذاب الله بوادي الأحقاف.
وقد خلت النذر: أي مضت الرسل.
من بين يديه ومن خلفه: أي من قبله ومن بعده إلى أممهم.
ألا تعبدوا إلا الله: أي أنذروهم بأن لا يعبدوا إلا الله.
إني أخاف عليكم: أي إن عبدتم غير الله.
عذاب يوم عظيم: أي هائل بسبب شرككم بالله وكفركم برسالتي.
أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا: أي لتصرفنا عن عبادتها.
فأتنا بما تعدنا: أي من العذاب على عبادتها.
إن كنتم من الصادقين: أي في أنه يأتينا قطعا كما تقول.
قل إنما العلم عند الله: أي علم مجيء العذاب ليس لي وإنما هو لله وحده.
وأبلغكم ما أرسلت به إليكم: أي وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلني به ربي إليكم.
ولكني أراكم قوما تجهلون: أي حظوظ أنفسكم وما ينبغي لها من الإسعاد والكمال وإلا كيف تستعجلون العذاب مطالبين به.
فلما رأوه عارضا: أي رأوا العذاب سحابا يعرض في الأفق.
مستقبل أوديتهم: أي متجها نحو أوديتهم التي فيها مزارعهم.
قالوا هذا عارض ممطرنا: أي قالوا مشيرين إلى السحاب هذا عارض ممطرنا.
بل هو ما استعجلتم به: أي ليس هو بالعارض الممطر بل العذاب الذي استعجلتموه.
ريح تدمر كل شيء: أي ريح عاتية تهلك كل شيء تمر به.
بأمر ربها: أي بإذن ربها تعالى.
كذلك نجزي القوم المجرمين: أي كذلك الجزاء الذي جازينا به عاداً قوم هود وهو الهلاك الشامل نجزي المجرمين من سائر الأمم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في مطلب هداية قوم النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال تعالى ﴿وَاذْكُرْ﴾ أي لقومك للعبرة والاتعاظ ﴿أَخَا عَادٍ﴾ وهو هود عليه السلام والأخوة هنا أخوة نسب لا دين. إذ كره ﴿إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ﴾ إذ خوفهم عذاب الله إن لم يتوبوا إلى الله ويوحدوه، والأحقاف وادي القوم١ الذي به مزارعهم ومنازلهم وهو ما بين حضرموت ومهرة وعُمان جنوب الجزيرة العربية. وقوله ﴿وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ٢ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه﴾ أي وقد مضت الرسل من قبله ومن بعده في أممهم. أي لم يكن هود أول نذير، ولا أمته أول أمة أنذرت العذاب وقوله ﴿لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ﴾ أي كل رسول أنذر أمته عاقبة الشرك فأمرهم أن لا يعبدوا إلا الله، وهو بمعنى لا إله إلا الله التي دعا إليها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته فهي أمر بعبادة الله وترك الشرك فيها، وقوله ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ يوم هائل عظيم وهو يوم القيامة، فكان رد القوم ما أخبر تعالى به في قوله ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا٣﴾ أي تصرفنا عن عبادة آلهتنا. ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ أي من العذاب ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ فيما٤ توعدنا به وتهددنا، فأجابهم هود عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه بقوله ﴿قَالَ﴾ أي هود ﴿إِنَّمَا ٥الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ﴾ أي علم مجيء العذاب وتحديد وقته هذا ليس لي وإنما هو لله منزله، فمهمتي أن أنذركم العذاب قبل حلوله بكم وأبلغكم ما أرسلت به إليكم من الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك والمعاصي، ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ٦﴾ أي بما يضركم وما ينفعكم في الدنيا والآخرة وإلا كيف تستعجلون العذاب وتطالبون به إذ المفروض أن تطلبوا الرحمة والسعادة لا العذاب والشقاء قوله تعالى٧ ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ أي فلما رأى قوم هود العذاب متجها
٢ جائز أن تكون (النذر) جمع نذارة، وكونها الرسل هو الذي عليه المفسرون.
٣ الاستفهام إنكاري والإفك، بفتح الهمزة الصرف، وبالكسر الكذب أو أسوأه.
٤ جواب الشرط محذوف دل عليه ما تقدمه وهو: (فأتنا بما تعدن) ولفظ الصادقين، أبلغ في الوصف مما لو قالوا، إن كنت صادقاً.
(ال) في (العلم) للاستغراق العرفي أي: علم كل شيء، ومنه علم وقت مجيء العذاب.
٦ أي: تجهلون صفات الله تعالى وحكمة إرسال الرسل، وتجهلون حتى ما ينفعكم وما يضركم وإلا فكيف تطالبون بالعذاب، كما في التفسير.
٧ الفاء هنا: للتفريع فما ذكر بعدها متفرع عما تقدمها من قصة هود مع قومه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان سنة الله في الأمم في إرسال الرسل إليهم.
٢- وبيان مهمة الرسل وهي النذارة والبلاغ.
٣- بيان سفه وجهل الأمم التي تطالب بالعذاب وتستعجل به.
٤- بيان أن عاداً أهلكت بالريح الدبور، وأن نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصر بريح الصبا كما في الحديث الصحيح.
٥- بيان سنة الله تعالى في إهلاك المجرمين وهم الذين يصرون على الشرك والمعاصي.
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٢٦) وَلَقَدْ
٢ قرأ الجمهور ومنهم نافع: (لا ترى) بالتاء المفتوحة، وقرأ حفص وغيره (لا يرى) بالياء والبناء للمجهول، والمراد بالمساكن: آثارها وبعض الجدران الشاخصة منها.
٣ في الآية دليل على إفساد الإجرام وأنه سبب كل هلاك، وحقيقته: أنه إفساد الروح بالشرك والمعاصي فعلا وتركاً.
شرح الكلمات:
ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه: أي ولقد مكنا قوم عاد من القوة التي لم نمكنكم أنتم من مثلها.
وجعلنا لهم سمعا وأبصاراً: وجعلنا لهم أسماعاً وأبصاراً.
فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء: أي من الإغناء
إذ كانوا يجحدون بآيات الله: أي لعلة هي أنهم كانوا يجحدون بآيات الله وهي حججه البينة.
وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون: أي نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به.
ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى: أي من أهل القرى كعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين.
وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون: أي كررنا الحجج وضربنا الأمثال ونوعنا الأساليب لعلهم يرجعون إلى الحق فيؤمنون ويوحدون.
فلولا نصر الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة: أي فهلا نصرهم بدفع العذاب عنهم الذين اتخذوهم من دون الله آلهة يتقربون بهم إلى الله في زعمهم.
بل ضلوا عنهم: أي غابوا عنهم عند نزول العذاب.
وذلك إفكهم وما كانوا يفترون: أي خذلان آلهتهم لهم وعدم نصرتهم لهم بل غيابهم عنهم هو إفكهم وافتراؤهم الذي كانوا يفترونه.
معنى الآيات:
ما زال السياق في مطلب هداية قريش أنه لما قص تعالى عليهم قصة عاد وتجلت فيها عظات كثيرة وعبرة كبيرة قال لهم ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ١﴾ أي قوم عاد مكناهم في الأرض فأعطيناهم من مظاهر
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان أن الإعراض عن دين الله والإصرار على الفسق عن أمر الله، والاستمرار على الخروج على طاعته إذا استوجب صاحبه العذاب ونزل به لم يغن عنه ذكاؤه ولا دهاؤه ولا علمه وحضارته ولا علوه وتطاوله.
٢- بيان أن الآيات والحجج وضرب الأمثال وسوق العبر والعظات لا تنفع في هداية العبد، إذا لم يرد الله هدايته ﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ﴾ ويحيق به العذاب ويهلكه جزاء تكذيبه وكفره وإعراضه وفسقه.
٢ التمكين: إعطاء المكنة: بفتح الميم وكسر الكاف وهي: القدرة والقوة، يقال: مكن من كذا وتمكن إذا قدر عليه، وكنه أقدره عليه.
٣ أصل لولا إذا دخلت على الجملة الفعلية كانت للتحضيض على تحصيل ذلك الفعل فإذا كان الفاعل غير المخاطب بالكلام كانت للتوبيخ، إذ لا طائل في تحضيض المخاطب على فعل غيره، والإتيان بالموصول لما في الصلة من التنبيه على الخطأ والغلط في عبادة الأصنام التي لم تغن عنهم شيئاً كقول الشاعر:
إن الذين ترونهم إخوانكم
يشقي غليل صدورهم أن تصرعوا
٤الكلام تضمن التوبيخ للأمم الهالكة على شركهم وعنادهم لرسلهم تعريضاً بقريش المصرة على الخطأ نفسه الذي هلكت به الأمم المجاورة لها لعلهم يتذكرون فيتوبون.
(وذلك إفكهم) هذه فذلكة قوله تعالى: ﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ الخ والإشارة إلى ما تضمنه قوله: اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة والافتراء نوع من الكذب كابتكار الأخبار الكاذبة، ويرادف الاختلاق.
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)
قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢)
شرح الكلمات:
وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن: أي واذكر إذ أملنا إليك نفراً من الجن جن نصيبين أو نينوي.
فلما حضروه قالوا أنصتوا: أي حضروا سماع القرآن قالوا أي بعضهم لبعض أصغوا لاستماع القرآن.
فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين: أي فرغ من قراءته رجعوا إلى قومهم مخوفين لهم من العذاب.
مصدقا لما بين يديه: أي من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها.
يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم: أي من العقائد في الشرائع والاسلام.
ويجركم من عذاب أليم: أي ويحفظكم هو عذاب يوم القيامة.
فليس بمعجز في الأرض: أي فليس بمعجز الله هرباً منه فيفوته.
أولئك في ضلال مبين: أي الذين لم يجيبوا داعي الله وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإيمان.: أي في ضلال عن طريق الإسعاد والكمال ظاهر بين.
ما زال السياق في طلب هداية قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه بعد أن ذكرهم بعاد وما أصابها من دمار وهلاك نتيجة شركها وكفرها وإصرارها على ذلك فقال تعالى ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ﴾ إلى آخر الآيات ذكرهم هنا بما هو تقريع لهم وتوبيخ إذا أراهم أن الجن خير منهم لسرعة استجابتهم للدعوة والقيام بتبليغها فقال تعالى ﴿وَإِذْ١ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ٢﴾ أي اذكر لقومك من كفار مكة وغيرها إذ صرفنا إليك نفراً من الجن وهم عدد ما بين السبعة إلى التسعة من جن نصيبين وكانوا من أشراف الجن وسادتهم صرفناهم إليك أي أملناهم إليك وأنت تقرأ في صلاة الصبح ببطن نخلة بين مكة والطائف صرفناهم إليك يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا٣ أي أصغوا واستمعوا ولا تشوشوا، قاله بعضهم لبعض، فلما قضي أي القرآن فرغ منه، ولوا إلى قومهم أي رجعوا إلى قومهم من الجن بنصيبين ونينوي منذرين إياهم أي مخوفينهم من عذاب الله إذا استمروا على الشرك والمعاصي فماذا قالوا لهم قالوا ما أخبر تعالى به عنهم قالوا يا قومنا٤ إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى٥ وهو القرآن مصدقا لما بين يديه أي من الكتب الإلهية التي سبق نزولها كصحف إبراهيم والتوراة والزبور والإنجيل، ووصفوا القرآن بما يلي يهدي إلى الحق والصواب في كل شيء اختلف فيه الناس من العقائد والديانات والأحكام، ويهدي إلى صراط مستقيم أي طريق قاصد غير جور ألا وهو الإسلام دين الأنبياء عامة.
وقالوا مبلغين منذرين ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ﴾ ٦ وهو محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَآمِنُوا بِهِ﴾ أجيبوه إلى ما يدعو إليه من توحيد الله وطاعته وآمنوا بعموم رسالته بكل ما جاء به من الهدى ودين الحق ويكون جزاؤكم على ذلك أن ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي يغفر لكم الذنوب التي بينكم وبين الله تعالى بسترها عليكم ولا يؤاخذكم بها، وأما الذنوب التي بينكم وبين بعضكم بعضاً فإنها لا تغفر إلا من قبل المظلوم نفسه باستسماحه أو رد الحق إليه، وقوله
٢ النفر: العدد دون العشرين.
(أنصتوا) أمر بتوجيه الأسماع إلى الكلام اهتماماً به لئلا يفوت منه شيء وفي الحديث: " (أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر جابرا في حجة الوداع فقال له: استنصت الناس" قبل أن يبدأ خطبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤ جملة: (قالوا يا قومنا) الخ مبنية لقوله تعالى: (منذرين).
٥ ظاهر الآية أنهم كانوا يهودا مؤمنين بموسى ولم يكونوا على دين عيسى عليه السلام.
٦ قال ابن عباس رضي الله عنهما: استجاب لهم سبعون رجلا من قومهم فأتوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوافقوه بالبطحاء "مكة" فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- إثبات عالم الجن وتقريره في هذا السياق ولذا كان إنكار الجن كإنكار الملائكة كفراً.
٢- وجوب التأدب عند تلاوة القرآن بالإصغاء التام.
٣- وجوب البلاغ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي الحديث بلغوا عني ولو آية.
٤- الإعراض عن دين الله يوجب الخذلان والحرمان.
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (٣٥)
ولم يعي بخلقهن: أي لم يتعب ولم ينصب لخلق السموات والأرض.
بقادر على أن يحييى الموتى بلى: أي إنه قادر على إحياء الموتى وإخراجهم أحياء من قبورهم للحشر.
ويوم يعرض الذين كفروا على النار: أي ليعذبوا فيها.
أليس هذا بالحق: أي يقال لهم تقريعاً: أليس هذا أي العذاب بحق؟.
قالوا بلى وربنا: أي إنه لحق وربنا حلفوا بالله تأكيداً لخبرهم.
فاصبر: أي يا رسولنا محمد على أذى قومك.
أولوا العزم: أي أصحاب الحزم والصبر والعزم وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين وسلم وهم أصحاب الشرائع.
ولا تستعجل لهم: أي ولا تستعجل نزول العذاب لأجلهم.
كأنهم يوم يرون العذاب: أي في الآخرة.
لم يلبثوا إلا ساعة: أي لم يقيموا في الدنيا إلا ساعة من النهار وذلك لطول العذاب.
بلاغ: أي هذا القرآن بلاغ للناس أي تبليغهم لهم.
هل يهلك إلا القوم الفاسقون: أي ما يهلك إلا القوم التاركون لأمر الله المعرضون عنه الخارجون عن طاعته.
معنى الآيات:
ما زال السياق في مطلب هداية قريش الكافرة بالتوحيد المكذبة بالبعث والنبوة فقال تعالى ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ أي أعموا ﴿أَوَلَمْ١ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ إنشاءاً وإبداعا من غير مثال سابق ﴿وَلَمْ يَعْيَ٢﴾ أي ينصب ويتعب ﴿بِخَلْقِهِنَّ﴾ أي السموات والأرض بقادر على أن يحييى الموتى لحشرهم إليه ومحاسبتهم ومجازاتهم بحسب أعمالهم في الدنيا الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها ﴿بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وقوله تعالى ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ٣ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ﴾ لما أثبت البعث وقرره ذكر بعض ما يكون فيه فقال ويوم يعرض الذين كفروا على النار أي تعرضهم الزبانية على النار فيقولون لهم
٢ عيي كرضي وويعي كيرضى وهو: العجز في الحيلة والرأي وأما الإعياء بمعنى التعب ففعله: أعيا يعيى إعياء إذا تعب، وجائز أن يكون عيي بمعنى نصب وتعب.
٣ أظهر في موضع الإضمار للإشارة إلى علة الحكم وهي: الكفر تحذيراً منه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٢- الكفر هو الموجب للنار والكفر هو تكذيب بوجود الله تعالى وهو الإلحاد أو تكذيب بلقائه تعالى أو بآياته أو رسله، أو شرائعه بعضاً أو كلاً.
٣- وجوب الصبر على الطاعات فعلا، وعن المعاصي تركا، وعلى البلاء بعدم التضجر والسخط.
٤- إطلاق الفسق على الكفر باعتباره خروجا عن طاعة الله فيما يأمر به من العقائد والعبادات وينهى عنه من الشرك والمعاصي.
٢ العزم: نية محققة على عمل أو قول دون تردد، والمحمود منه ما كان في امتثال أوامر الله ورسوله واجتناب نواهيهما، ودونه ما كان فيما يجلب خيراً ويدفع شراً.
(من نهار) وصف لساعة، وكونها من إشارة إلى قلتها وعدم طولها بخلاف ساعة الليل فإنها ترى طويلة. و (بلاغ) خبر، والمبتدأ محذوف تقديره: هذا بلاغ.
(فهل يهلك) الاستفهام للنفي ولذا صح الاستثناء منه، و (ال) في (القوم) للجنس ليشمل كل من فسق، والفسق: الخروج عن طاعة الله والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإصرار على الشرك والكفر.