ﰡ
مدنية وآياتها ١٤ نزلت بعد التغابن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الحواريين) لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ في سببها ثلاثة أقوال: أحدها قول ابن عباس أن جماعة قالوا: وددنا أن نعرف أحب الأعمال إلى الله فنعمله، ففرض الله الجهاد فكرهه قوم فنزلت الآية والآخر أن قوما من شبان المسلمين كانوا يتحدثون عن أنفسهم في الغزو بما لم يفعلوا، ويقولون فعلنا وصنعنا وذلك كذب، فنزلت الآية زجرا لهم والثالث أنها نزلت في المنافقين، لأنهم كانوا يقولون للمؤمنين: نحن معكم ومنكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك وهذا ضعيف، لأنه خاطبهم بقوله: يا أيها الذين آمنوا إلا أن يريد أنهم آمنوا بزعمهم، وفيما يظهرون. ومع ذلك فحكم الآية على العموم في زجر من يقول ما لا يفعل كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ كان بعض السلف يستحي أن يعظ الناس لأجل هذه الآية ويقول: أخاف من مقت الله، والمقت هو البغض لريبة أو نحوها، وانتصب مقتا على التمييز وأن تقولوا فاعل وقيل: فاعل كبر محذوف تقديره: كبر فعلكم مقتا وأن تقولوا بدل من الفاعل المحذوف أو خبر ابتداء مضمر إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ورود هذه الآية هنا دليل على أن الآية التي قبلها في شأن القتال، وقال بعض الناس: قتال الرجالة أفضل من قتال الفرسان، لأن التراص فيه يتمكن أكثر مما يتمكن للفرسان. قاله ابن عطية وهذا ضعيف، خفي على قائله مقصد الآية، وليس المراد نفس التراص، وإنما المراد الثبوت والجد في القتال كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ المرصوص هو الذي يضم بعضه إلى بعض. وقيل: هو المعقود بالرصاص ولا يبعد أن يكون هذا أصل اللفظ.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي كانوا يؤذونه بسوء الكلام وبعصيانه وتنقيصه وانظر في الأحزاب لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى [٦٩] وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي
هذا إقامة حجة عليهم وتوبيخ لهم، وتقبيح لإذايته مع علمهم بأنه رسول الله، ولذلك أدخل قد الدالة على التحقيق فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ هذه عقوبة على الذنب بذنب، وزيغ القلب هو ميله عن الحق وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إنما قال موسى يا قوم، وقال عيسى يا بني إسرائيل، لأنه لم يكن له فيهم أب مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ معناه مذكور في [البقرة: ٤١] في قوله مصدقا لما معكم ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ عن كعب أن الحواريين قالوا لعيسى: يا روح الله هل بعدنا من أمة؟ قال نعم أمة أحمد حكماء علماء أتقياء أبرار اسْمُهُ أَحْمَدُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الله الناس على قدمي وأنا العاقب فلا نبي بعدي «١» وأحمد مشتق من الحمد، ويحتمل أن يكون فعلا سمي به، أو يكون صفة سمي بها كأحمد، ويحتمل أن يكون بمعنى حامد أو بمعنى محمود كمحمد فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ «٢» يحتمل أن يريد عيسى أو محمدا عليهما الصلاة والسلام ويؤيد الأول اتصاله بما قبله، ويؤيد الثاني قوله وهو يدعى إلى الإسلام لأن الداعي إلى الإسلام هو محمد ﷺ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ «٣» ذكر في براءة [٣٢] تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الآية تفسير للتجارة المذكورة، قال الأخفش: هو عطف بيان عليها يَغْفِرْ لَكُمْ جزم في جواب تؤمنون لأنه بمعنى الأمر، وقد قرأه ابن مسعود آمنوا وجاهدوا على الأمر لأنه يقتضي التحضيض وَأُخْرى تُحِبُّونَها ارتفع أخرى على أنه خبر ابتداء مضمر تقديره:
ولكم نعمة أخرى، أو انتصب على أنه مفعول بفعل مضمر تقديره: ويمنحكم أخرى نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ تفسير لأخرى فهو بدل منها وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ قال الزمخشري عطف على تؤمنون
(٢). بقية الآية: سحر مبين: قرأها حمزة والكسائي: ساحر مبين.
(٣). بقية الآية: متم نوره، قرأ نافع وأبو عمرو وغيرهما: والله متمّ نوره بالتنوين.
أحدها : قول ابن عباس أن جماعة قالوا : وددنا أن نعرف أحب الأعمال إلى الله فنعمله ففرض الله الجهاد فكرهه قوم فنزلت الآية.
والآخر : أن قوما من شبان المسلمين كانوا يتحدثون عن أنفسهم في الغزو بما لم يفعلوا ويقولون : فعلنا وصنعنا وذلك كذب فنزلت الآية زجرا لهم.
والثالث : أنها نزلت في المنافقين لأنهم كانوا يقولون للمؤمنين نحن معكم ومنكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك وهذا ضعيف لأنه خاطبهم بقوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ إلا أن يريد أنهم آمنوا بزعمهم وفيما يظهرون ومع ذلك فحكم الآية على العموم في زجر من يقول ما لا يفعل.
﴿ كأنهم بنيان مرصوص ﴾ المرصوص هو الذي يضم بعضه إلى بعض، وقيل : هو المعقود بالرصاص ولا يبعد أن يكون هذا أصل اللفظ.
﴿ وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ﴾ هذا إقامة حجة عليهم وتوبيخ لهم وتقبيح لإذايته مع علمهم بأنه رسول الله ولذلك أدخل قد الدالة على التحقيق.
﴿ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ﴾ هذه عقوبة على الذنب بذنب وزيغ القلب هو ميله عن الحق.
﴿ ومبشرا برسول ﴾ عن كعب أن الحواريين قالوا لعيسى يا روح الله هل بعدنا من أمة قال : نعم أمة أحمد حكماء علماء أتقياء أبرار.
﴿ اسمه أحمد ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الله الناس على قدمي وأنا العاقب فلا نبي بعدي "، وأحمد مشتق من الحمد ويحتمل أن يكون فعلا سمي به أو يكون صفة سمي بها كأحمد ويحتمل أن يكون بمعنى حامد أو بمعنى محمود كمحمد.
﴿ فلما جاءهم بالبينات ﴾ يحتمل أن يريد عيسى أو محمد عليهما الصلاة والسلام ويؤيد الأول اتصاله بما قبله ويؤيد الثاني قوله :﴿ وهو يدعى إلى الإسلام ﴾ لأن الداعي إلى الإسلام هو محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ نصر من الله ﴾ تفسير ﴿ لأخرى ﴾ فهو بدل منها.
﴿ وبشر المؤمنين ﴾ قال الزمخشري : عطف على تؤمنون بالله لأنه في معنى الأمر.
كونوا أنصارا لله «١» جمع ناصر وقد غلب اسم الأنصار على الأوس والخزرج، سماهم الله به وليس ذلك المراد هنا كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ هذا التشبيه محمول على المعنى لأن ظاهره: كونوا أنصار الله كقول عيسى والمعنى: كونوا أنصار الله كما قال الحواريون حين قال لهم عيسى: من أنصاري إلى الله وقد ذكر في آل عمران [٥٢] معنى الحواريين وأنصاري إلى الله فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ قيل: إنهم ظهروا بالحجة، وقيل: إنهم غلبوا الكفار بالقتال بعد رفع عيسى عليه السلام، وقيل: إن ظهور المؤمنين منهم هو بمحمد صلى الله عليه وسلم.