ﰡ
وهي مكية. وعدد آياتها سبع عشرة آية، وقد تكلمت على إثبات أن للنفس حافظا يحفظها وهو الله، والدليل على ذلك، ثم على إثبات البعث، ثم ختمت بالكلام على القرآن، وكيد الكفار والمشركين ويتبع ذلك تصديق النبي صلّى الله عليه وسلّم.
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ١ الى ١٧]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤)فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩)
فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)
المفردات:
الطَّارِقِ: كل ما جاءك ليلا فهو طارق، والمراد به النجم. الثَّاقِبُ:
الذي يثقب حجب الظلام بضوئه. لَمَّا: قرئت مشددة بمعنى إلا، وإن على ذلك نافية أى: ما كل نفس إلا عليها حافظ، وقرئت لما بالتخفيف فتكون ما زائدة في الإعراب والمراد بالقراءتين واحد. دافِقٍ دفقت الماء أدفقه: إذا صببته، والمراد ماء مدفوق أى: منصب. الصُّلْبِ: عظام الظهر، أى: فقاره. وَالتَّرائِبِ:
تظهر السرائر وتعلم المكنونات. ذاتِ الرَّجْعِ: ذات الماء أو المطر.
الصَّدْعِ: هو الشق، وقيل: هو النبات الذي يصدع الأرض، أى: يشقها.
فَصْلٌ: فارق بين الحلال والحرام. يَكِيدُونَ كَيْداً الكيد: المكر، وهو إذا أسند إلى الله لا يعقل أن يكون على حقيقته وإنما يكون المقصود منه الوصول بالإنسان إلى جزاء عمله من حيث لا يشعر. فَمَهِّلِ: فتأن عليهم وتريث. رُوَيْداً:
إمهالا يسيرا.
المعنى:
أقسم الحق- تبارك وتعالى- بالسماء وما فيها من أفلاك وأجرام لا يعلمها إلا هو، وبالطارق الذي يطرق ليلا، وهذا توجيه ولفت لأنظار الناس إلى عالم السماء وما فيها.
ولكنا لم نعرف الطارق فأراد الحق أن يبينه فقال: وما أدراك ما الطارق؟ وهذا أسلوب تفخيم للطارق، كأنه لفرط فخامته لا يحيط به وصف، إلا ما سيذكره الله عنه، هو النجم الثاقب الذي يثقب الظلام بشعاعه اللماع، أقسم بالنجم لما له من أثر كبير في الهداية الحسية والمعنوية والشئون الحيوية الأخرى.
والله- جل شأنه- يقسم على أن كل نفس من النفوس عليها رقيب وحفيظ، وليست في النفوس نفس تترك هملا بلا حساب ولا رقابة، ومن هو الحفيظ؟ هو الله فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ «١» وقيل: هو الملك الموكل بالإنسان.
فإذا كنت في شك من ذلك فلينظر الإنسان إلى نفسه وكيف خلق؟! إنه خلق من ماء دافق: ماء مصبوب، يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهذا الماء السائل كيف يتكون منه خلق سوى؟ وإنسان كامل في كل شيء! لا يعقل أن يكون ذلك بمحض الصدفة أو بفعل الطبيعة، وإلا لكانت كل الخلائق سواء.
هذا الخلق بهذا الشكل، وعلى تلك الصورة دليل على أن لكل نفس رقيبا وحفيظا يراقب ذلك كله ويدبره، وينقله من حال إلى حال، ولا يعقل أن تترك تلك النفوس سدى بلا ثواب أو عقاب، الإنسان خلق من ماء دافق خارج من صلب الرجل وترائب
والسماء ذات المطر الذي يحيى الموات، وينبت النبات، والأرض ذات الصدع والشق، أقسم الله بهذا إنه- أى: القرآن- لقول فصل، يفرق بين الحق والباطل، وما هو بالهزل، إنه قول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين، ليس بالشعر ولا بالسحر وإنما هو تنزيل رب العالمين، ذلك هو القرآن المجيد.
أتراه تكلم عن الحفيظ- سبحانه وتعالى- ثم على البعث وتلك دعامتان، أما الثالثة فهي القرآن ومن أنزل عليه.
ثم ختم السورة بتهديد الكفار والمشركين تهديدا يهد كيانهم مثبتا لهم أنهم يكيدون ويمكرون، ولكن الله يمهلهم ولا يهملهم ثم يأتى عذابه من حيث لا يشعرون.
إذا كان الأمر كذلك فمهل الكافرين يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا تستعجل لهم: إن عذاب ربك واقع بهم، وأمهلهم إمهالا يسيرا.