هي سبع عشرة آية وهي مكية بلا خلاف قال ابن عباس نزلت بمكة وعن خالد العدواني
" أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سوق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصا حين أتاهم يبتغي النصر عندهم. فسمعه يقرأ ﴿ والسماء والطارق ﴾ حتى ختمها قال فوعيتها في الجاهلية ثم قرأتها في الإسلام. قال فدعتني ثقيف فقالوا ماذا سمعت من هذا الرجل. فقرأتها فقال من معهم من قريش : نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقا لاتبعناه " أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه والطبراني وابن مردويه.
ﰡ
قال الواحدي: قال المفسرون أقسم الله بالطارق يعني الكواكب تطرق بالليل وتخفى بالنهار، قال الفراء: الطارق النجم لأنه يطلع بالليل، وما أتاك ليلاً فهو طارق، وكذا قال الزجاج والمبرد.
وقد اختلف في الطارق هل هو نجم معين أو جنس النجم، فقيل هو زحل وقيل الثريا وقيل هو الذي ترمى به الشياطين، وقيل هو جنس النجم، قال في الصحاح: والطارق النجم الذي يقال له كوكب الصبح.
قال الماوردي: أصل الطروق الدق فسمي قاصد الليل طارقاً لاحتياجه في الوصول إلى الدق، ثم اتسع به في كل ما ظهر بالليل كائناً ما كان، ثم اتسع كل التوسع حتى أطلق على الصور الخالية البادية بالليل.
وقال قوم إن الطروق قد يكون نهاراً والعرب تقول أتيتك اليوم طرقتين أي مرتين ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير " قال ابن عباس أقسم ربك بالطارق وكل شيء طرقك بالليل فهو طارق.
ثم بين سبحانه ما هو الطارق تفخيماً لشأنه بعد تعظيمه بالإقسام به فقال
وقيل هو نجم في السماء السابعة وهو زحل لا يسكنها غيره من النجوم، وإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط فكان معها ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة، فهو طارق حين ينزل وحين يصعد.
ولم يقل: والنجم الثاقب، مع أنه أخضر وأظهر فعدل عنه تفخيماً لشأنه فأقسم أولاً بما يشترك فيه هو وغيره وهو الطارق، ثم فسره بالنجم إزالة لذلك الإبهام الحاصل بالاستفهام، والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر نشأ مما قبله كأنه قيل ما هو فقيل هو النجم الثاقب.
ومن قرأ بالتشديد فإن نافية، ولما بمعنى إلا أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، قيل والحافظ هم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون عليها عملها وقولها وفعلها، ويحصون ما تكسب من خير وشر، وقيل الحافظ هو الله عز وجل.
وعدى حافظ بعلى لتضمينه معنى القيام، فإنه تعالى قائم على خلقه
ثم بيّن سبحانه ذلك فقال
قال الفراء والأخفش أي مصبوب في الرحم، قال الفراء وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم كقولهم سر كاتم أي مكتوم وهم ناصب أي منصوب وليل نائم ونحو ذلك.
قال الزجاج: من ماء ذي اندفاق يقال دارع وقايس ونابل أي ذو درع وقوس ونبل، يعني من صيغ النسب كلابن وتامر، وهو صادق على الفاعل والمفعول أو هو مجاز في الإسناد، فأسند إلى الماء ما لصاحبه مبالغة أو هو استعارة مكنية وتخييلية أو مصرحة يجعله دافقاً لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق بعضه بعضاً أي يدفعه كما أشار له ابن عطية.
وأراد سبحانه ماء الرجل والمرأة لأن الإنسان مخلوق منهما لكن جعلهما ماء واحداً لامتزاجهما.
ثم وصف هذا الماء فقال
وقال الضحاك: ترائب المرأة اليدان والرجلان والعينان وقال: سعيد بن جبير هي الجيد، وقال مجاهد هي ما بين المنكبين والصدر، وروي عنه أنه قال: هي الصدر، وعنه قال هي: التراقي، وحكى الزجاج أن الترائب ْعصارة القلب ومنه يكون الولد، والمشهور في اللغة أنها عظام الصدر والنحر، قال عكرمة الترائب الصدر.
قال في الصحاح التريبة واحدة الترائب وهي عظام الصدر، قال أبو عبيدة جمع التريبة تريب وحكى الزجاج أن الترائب أربع أضلاع من يمنة الصدر، وأربع أضلاع من يسرة الصدر.
قال قتادة والحسن المعنى يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة، وحكى الفراء أن مثل هذا يأتي من العرب يكون معنى من بين الصلب من الصلب، وقيل إن ماء الرجل ينزل من الدماغ.
قال ابن عباس في الآية: ما بين الجيد والنحر، وعنه قال: تريبة المرأة وهي موضع القلادة وعنه الترائب ما بين ثدي المرأة وعنه الترائب أربع أضلاع من كل جانب من أسفل الأضلاع، قال ابن عادل أن الولد يخرج من ماء الرجل يخرج من صلبه العظم والعصب، ومن ماء المرأة يخرج من ترائبها اللحم والدم.
وقال مجاهد: على أن يرد الماء في الإحليل، وقال عكرمة والضحاك على أن يرد الماء في الصلب، وقال مقاتل بن حيان يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة وقال ابن زيد إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر، والأول أظهر، ورجحه ابن جرير والثعلبي والقرطبي، قال ابن عباس: على أن يجعل الشيخ شاباً والشاب شيخاً.
وأما على قول من قال أن المراد رجع الماء فالعامل فيه اذكر، والمعنى تختبر وتعرف وتكشف السرائر التي تسر في القلوب من العقائد والنيات
قال الواحدي: الرجع المطر في قول جميع المفسرين، وفي هذا نظر فإن ابن زيد قال الرجع الشمس والقمر والنجوم يرجعن في السماء تطلع من ناحية وتغيب في ناحية، وقال بعض المفسرين ذات الرجع ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد، وقال بعضهم معناه ذات النفع.
ووجه تسمية المطر رجعاً ما قاله القفال أنه مأخوذ من ترجيع الصوت وهو إعادته وكذا المطر لكونه يعود مرة بعد أخرى سمي رجعاً، وقيل إن العرب كانوا يزعمون أن السحاب تحمل الماء من بحار الأرض ثم ترجعه إلى الأرض، وقيل سمته العرب رجعاً لأجل التفاؤل ليرجع عليهم وقيل لأن الله يرجعه وقتاً بعد وقت، وقال ابن عباس الرجع المطر بعد المطر.
والحاصل أن الصدع إن كان اسماً للنبات فكأنه قال والأرض ذات النبات، وإن كان المراد به الشق فكأنه قال والأرض ذات الشق الذي يخرج منه النبات ونحوه، وقال ابن عباس صدعها عن النبات وعنه قال تصدع الأودية.
وعن معاذ بن أنس مرفوعاً قال " تصدع بإذن الله عن الأموال والنبات "، أخرجه ابن منده والديلمي.
قال الرازي إنه تعالى كما جعل كيفية خلاته الحيوان دليلاً على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقه النبات، فقوله تعالى (والسماء ذات الرجع) كالأب وقوله (والأرض ذات الصدع) كالأم، وكلاهما من النعم العظام لأن نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء مكرراً، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك.
وجواب القسم الثاني قوله
وقد أخذهم الله تعالى، ونسخ الإمهال بآية السيف والأمر بالقتال والجهاد، قال أبو عبيدة الرويد في كلام العرب تصغير الرود والرود المهل، وقيل تصغير أرواد مصدر أرود تصغير الترخيم، ويأتي اسم فعل نحو: رويد زيداً أي أمهله ويأتي حالاً نحو سار القوم رويداً أي متمهلين ذكر معنى هذا الجوهري والبحث مستوفى في علم النحو.
ويقال سورة سبح وهي تسع عشرة آية هي مكية في قول الجمهور، وقال الضحاك مدنية، وعن ابن عباس نزلت بمكة وعن ابن الزبير وعائشة مثله.
وأخرج البخاري وغيره عن البراء بن عازب قال " أول من قدم علينا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرآننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي - ﷺ -، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله عليه وآله وسلم قد جاء فما جاء حتى قرأت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وسورة مثلها " (١).
_________
(١) روى البخاري في " صحيحه " ٨/ ٥٣٧ عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا من أصحاب النبي - ﷺ - (يعني المدينة) مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعلاَ يُقْرآنِنَا القُرْآن، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ، وَبِلاَلٌ، وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الوَلاَئِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَ، فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأْتُ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) في سورة مثلها أهـ. وقد كان رسول الله - ﷺ - يقرأ بها وبسورة الغاشية في صلاة الجمعة والعيدين ووتر العشاء، وثبت في " الصحيحين " أن رسول الله - ﷺ - قال لمعاذ: " هلاَّ صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى "؟.
وأخرج أحمد ومسلم وأهل السنن عن النعمان بن بشير " أن رسول الله - ﷺ - كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) وإن وافق يوم جمعة قرأهما جميعاً " وفي لفظ وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما، وفي الباب أحاديث.
وأخرج مسلم وغيره عن جابر بن سمرة " أن النبي - ﷺ - كان يقرأ في الظهر (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ".
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة والداقطني والحاكم والبيهقي عن أبيّ بن كعب قال: كان رسول الله - ﷺ - يوتر بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت كان النبي - ﷺ - يقرأ في الوتر في الركعة الأولى بسبح وفي الركعة الثانية (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثالثة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين ".
وفي الصحيحين أن رسول الله - ﷺ - قال لمعاذ " هلا صليت بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ".
بسم الله الرحمن الرحيم
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧)بسم الله الرحمن الرحيم