تفسير سورة الجمعة

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية .
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ

سريعة ولوازم الإمكان مشتركة وغواشي البشرية سارية وطلسمات الطبيعة البهيمية والقوى البشرية سارقة لذلك اوصى سبحانه خلص عباده المؤمنين الموحدين بما اوصى في هذه السورة ونهاهم عما نهاهم في محبة الأعداء وموالاتهم معهم في السراء والضراء فقال مناديا لهم بعد التيمن باسمه الأعلى بِسْمِ اللَّهِ المصلح لأحوال عبادة في عموم الأحوال الرَّحْمنِ عليهم بحفظهم عن سوء الأخلاق والأعمال الرَّحِيمِ لهم يوقظهم عن منام الغفلة ويوصلهم الى فضاء الوصال
[الآيات]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى اتصافكم بالإيمان بالله وبوحدة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته انه لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وهم الذين خرجوا عن عروة عبوديتي بإثبات الوجود لغيري وَعَدُوَّكُمْ إذ عداوتهم إياي مستلزمة بعداوتهم إياكم ايضا إذ صديق العدو عدو كعدو الصديق أَوْلِياءَ أحباء بحيث توالون أنتم معهم موالاتكم مع احبائكم من المؤمنين وتظهرون محبتهم ومودتهم بحيث تُلْقُونَ وترسلون إِلَيْهِمْ رسالة مشعرة بِالْمَوَدَّةِ الخالصة المنبئة عن افراط المحبة والإخاء وَالحال انه هم قَدْ كَفَرُوا واعرضوا وانصرفوا بِما جاءَكُمْ اى بعموم ما قد نزل على رسولكم مِنَ الْحَقِّ الحقيق بالاطاعة والاتباع وبالغوا في الاعراض والإنكار الى حيث يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ اصالة وَإِيَّاكُمْ تبعا من بينهم بواسطة أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ الذي رباكم على فطرة التوحيد والايمان وبقبولكم دين الإسلام من النبي المبعوث الى كافة الأنام ليرشدهم الى دار السلام وبالجملة إِنْ كُنْتُمْ ايها المؤمنون الموحدون خَرَجْتُمْ عن أوطانكم وبقاع إمكانكم جِهاداً اى لأجل الجهاد والقتال فِي سَبِيلِي اى لتقوية طريق توحيدي وترويج ديني وإعلاء كلمة توحيدي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي في امتثال امرى واطاعة حكمى فلزمكم ترك موالاة أعدائي والمواخاة معهم مع انكم أنتم قد تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ وتميلون نحوهم سرا وخفية بِالْمَوَدَّةِ ظنا منكم ان لا اطلع على ما في سرائركم وضمائركم من محبة الأعداء ومودتهم وَالحال انه أَنَا أَعْلَمُ منكم بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ اى بعموم ما تسرون وما تعلنون وَبالجملة مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ اى الاتخاذ المذكور فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى قد انحرف عن جادة العدالة الإلهية وانصرف عن الصراط المستقيم الموصل الى مقصد التوحيد وبالغ في الانحراف والانصراف واعلموا ايها المؤمنون انكم وان بالغتم في اظهار المحبة والمودة بالنسبة إليهم لا تنفعكم إذ هم بمكان من العداوة والخصومة بحيث
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ ويظفروا بكم بالفرض والتقدير يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً البتة بل يظهروا العداوة حينئذ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ اى بالقتل والأسر وقطع العضو والشتم المفرط وانواع الوقاحة وَكيف لا وهم في أنفسهم دائما قد وَدُّوا وتمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ أنتم وترتدون عن دينكم ونبيكم حتى تلتحقوا بهم وتتصفوا بكفرهم وبالجملة عليكم ايها المؤمنون ان لا تبالوا بأقاربكم وأرحامكم من الكفرة ولا تلتفتوا نحوهم إذ
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ لا اقرباؤكم وَلا أَوْلادُكُمْ الذين أنتم توالون المشركين لأجلهم وتوادون معهم من جهتهم يَوْمَ الْقِيامَةِ المعدة لتنقيد الأعمال الصادرة عن كل نفس من النفوس خيرة كانت او شريرة إذ الله يَفْصِلُ ويفرق بَيْنَكُمْ يومئذ ويميزكم عنهم فيجازى كلا منكم حسب ما كسب واقترف خيرا كان او شرا وَاللَّهُ المطلع على عموم افعال عباده بِما تَعْمَلُونَ من الحسنات والسيئات بَصِيرٌ يجازيكم عليه بمقتضى بصارته وخبرته ولا تستنكفوا عن حكم الله إياكم بقطع أرحامكم الكفرة وأقاربكم المشركين إذ
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ وقدوة حَسَنَةٌ
405
هم أول من آمن بعيسى عليه السلام من الحور وهو البياض وهم اثنا عشر سموا به لصفاء عقائدهم عن التردد والتلوين وبعد ما اظهر عيسى عليه السلام دعوته بين الأنام فَآمَنَتْ به عليه السلام طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ به عليه السلام طائِفَةٌ اخرى منهم وبعد وقوع الخلاف والاختلاف فَأَيَّدْنَا وغلبنا الطائفة الَّذِينَ آمَنُوا منهم عَلى عَدُوِّهِمْ يعنى الطائفة الذين كفروا به عليه السلام فَأَصْبَحُوا وصاروا اى الطائفة المؤمنون ظاهِرِينَ غالبين على الطائفة الكفرة بالحراب والزام الحجة ألا ان حزب الله هم الغالبون
خاتمة سورة الصف
عليك ايها الموحد المحمدي المنجذب نحو الحق المنخرط في سلك ارباب التوحيد الملقبين بأنصار الله المهاجرين عن كورة بقعة الناسوت نحو مدينة الوحدة اللاهوتية وسواد أعظم الفقراء اعانك الله الى ان تصل أقصى مرامك وأعلى مطلبك ومقامك ان تجمع همك وتشمر ذيلك لسلوك سبيل الفناء من طريق الموت الإرادي المثمر للفناء المطلق عن الفناء ايضا لتفوز بالبقاء الأزلي السرمدي ألا وهي طريقة الحضرة الختمية المحمدية المبعوث الى كافة البرية لبيان طريق التوحيد الذاتي المسقط بجميع الكثرات والإضافات مطلقا فلك ان تصفى سرك وضميرك عن نقوش مطلق المعتقدات وصور عموم الرسوم والعادات المنافية لصرافة الوحدة الذاتية وتقتفى اثر نبيك صلّى الله عليه وسلّم أمثال الحواريين اثر نبيهم عليه السلام بلا شوب شك وريب وتقليد وتخمين لينكشف لك طريق المعرفة واليقين بعد توفيق الله وجذب من جانبه وطول خدمته الشريفة النبوية والنواميس المصطفوية وإياك إياك الالتفات الى الدنيا الدنية وما فيها من اللذات البهية البهيمية ليمكن لك التصفية والتخلية التي هي مقدمة الكشف والشهود. هدانا الله الى سبيل توحيده بمنه وجوده
[سورة الجمعة]
فاتحة سورة الجمعة
لا يخفى على من انكشف له سرائر مرتبتي النبوة والولاية المنشعبتين عن حضرة العلم ولوح قضائه المشتمل على عموم ما كان ويكون وقلم تقديره المصور لنقوش عموم العكوس والاظلال الظاهرة على مرآة العدم حسب الارادة الكاملة والحكمة البالغة الباهرة الإلهية المقتضية لها ان ظهور هاتين المرتبتين انما هو بالوهب الإلهي وبمقتضى الفضل والعطاء بلا وسائل الاكتساب بالآلات والأسباب على مقتضى جرى العادة في تحصيل العلوم الرسمية الحاصلة باستعمال القوى المدركة الانسانية لذلك اخبر سبحانه عن كمال قدرته على بعث الرسول الأمي الأكمل من جميع الرسل على الأميين بلا وسائل الإملاء والإنشاء وختم ببعثته صلّى الله عليه وسلّم امر الإرشاد والتكميل الذي هو المقصود الأصلي من مرتبة النبوة والرسالة. فقال سبحانه بعد ما نبه على اهل التوحيد برجوع عموم الكائنات نحوه سبحانه بكمال التسبيح والتقديس عما لا يليق بشأنه بعد التيمن بِسْمِ اللَّهِ الذي اظهر جميع الأشياء بكمال قدرته من كتم العدم بلا سبق مادة ومدة الرَّحْمنِ على عموم الأكوان ببعث الرسل من نوع الإنسان المصور بصورة الرحمن الرَّحِيمِ لهم يهديهم الى روض الجنان ويشوقهم بلقاء الحنان المنان لذلك
[الآيات]
يُسَبِّحُ ويقدس لِلَّهِ الواحد الأحد المنزه عن مطلق التعدد والتحديد مظاهر ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
412
سريعة ولوازم الإمكان مشتركة وغواشي البشرية سارية وطلسمات الطبيعة البهيمية والقوى البشرية سارقة لذلك اوصى سبحانه خلص عباده المؤمنين الموحدين بما اوصى في هذه السورة ونهاهم عما نهاهم في محبة الأعداء وموالاتهم معهم في السراء والضراء فقال مناديا لهم بعد التيمن باسمه الأعلى بِسْمِ اللَّهِ المصلح لأحوال عبادة في عموم الأحوال الرَّحْمنِ عليهم بحفظهم عن سوء الأخلاق والأعمال الرَّحِيمِ لهم يوقظهم عن منام الغفلة ويوصلهم الى فضاء الوصال
[الآيات]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى اتصافكم بالإيمان بالله وبوحدة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته انه لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وهم الذين خرجوا عن عروة عبوديتي بإثبات الوجود لغيري وَعَدُوَّكُمْ إذ عداوتهم إياي مستلزمة بعداوتهم إياكم ايضا إذ صديق العدو عدو كعدو الصديق أَوْلِياءَ أحباء بحيث توالون أنتم معهم موالاتكم مع احبائكم من المؤمنين وتظهرون محبتهم ومودتهم بحيث تُلْقُونَ وترسلون إِلَيْهِمْ رسالة مشعرة بِالْمَوَدَّةِ الخالصة المنبئة عن افراط المحبة والإخاء وَالحال انه هم قَدْ كَفَرُوا واعرضوا وانصرفوا بِما جاءَكُمْ اى بعموم ما قد نزل على رسولكم مِنَ الْحَقِّ الحقيق بالاطاعة والاتباع وبالغوا في الاعراض والإنكار الى حيث يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ اصالة وَإِيَّاكُمْ تبعا من بينهم بواسطة أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ الذي رباكم على فطرة التوحيد والايمان وبقبولكم دين الإسلام من النبي المبعوث الى كافة الأنام ليرشدهم الى دار السلام وبالجملة إِنْ كُنْتُمْ ايها المؤمنون الموحدون خَرَجْتُمْ عن أوطانكم وبقاع إمكانكم جِهاداً اى لأجل الجهاد والقتال فِي سَبِيلِي اى لتقوية طريق توحيدي وترويج ديني وإعلاء كلمة توحيدي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي في امتثال امرى واطاعة حكمى فلزمكم ترك موالاة أعدائي والمواخاة معهم مع انكم أنتم قد تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ وتميلون نحوهم سرا وخفية بِالْمَوَدَّةِ ظنا منكم ان لا اطلع على ما في سرائركم وضمائركم من محبة الأعداء ومودتهم وَالحال انه أَنَا أَعْلَمُ منكم بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ اى بعموم ما تسرون وما تعلنون وَبالجملة مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ اى الاتخاذ المذكور فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى قد انحرف عن جادة العدالة الإلهية وانصرف عن الصراط المستقيم الموصل الى مقصد التوحيد وبالغ في الانحراف والانصراف واعلموا ايها المؤمنون انكم وان بالغتم في اظهار المحبة والمودة بالنسبة إليهم لا تنفعكم إذ هم بمكان من العداوة والخصومة بحيث
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ ويظفروا بكم بالفرض والتقدير يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً البتة بل يظهروا العداوة حينئذ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ اى بالقتل والأسر وقطع العضو والشتم المفرط وانواع الوقاحة وَكيف لا وهم في أنفسهم دائما قد وَدُّوا وتمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ أنتم وترتدون عن دينكم ونبيكم حتى تلتحقوا بهم وتتصفوا بكفرهم وبالجملة عليكم ايها المؤمنون ان لا تبالوا بأقاربكم وأرحامكم من الكفرة ولا تلتفتوا نحوهم إذ
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ لا اقرباؤكم وَلا أَوْلادُكُمْ الذين أنتم توالون المشركين لأجلهم وتوادون معهم من جهتهم يَوْمَ الْقِيامَةِ المعدة لتنقيد الأعمال الصادرة عن كل نفس من النفوس خيرة كانت او شريرة إذ الله يَفْصِلُ ويفرق بَيْنَكُمْ يومئذ ويميزكم عنهم فيجازى كلا منكم حسب ما كسب واقترف خيرا كان او شرا وَاللَّهُ المطلع على عموم افعال عباده بِما تَعْمَلُونَ من الحسنات والسيئات بَصِيرٌ يجازيكم عليه بمقتضى بصارته وخبرته ولا تستنكفوا عن حكم الله إياكم بقطع أرحامكم الكفرة وأقاربكم المشركين إذ
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ وقدوة حَسَنَةٌ
405
تسبيحا مقرونا بكمال التذلل والخضوع الْمَلِكِ المتسلط بالاستيلاء التام والسلطنة القاهرة الغالبة على مملكة الوجود الْقُدُّوسِ المطهر المنزه ذاته عن سمة الحدوث ووصمة الإمكان الْعَزِيزِ الغالب على عموم المقدورات بكمال الاستيلاء والاستقلال الْحَكِيمِ المتقن في مطلق التدابير الجارية في عالم التصاوير بلا فتور وقصور
هُوَ الَّذِي بَعَثَ حسب قدرته الكاملة وحكمته البالغة فِي الْأُمِّيِّينَ المنسلخين عن مطلق الإملاء والإنشاء المشعر بالتدبر والتفكر بمقتضى العقل الفطري الموهوب لهم من لدن حكيم عليم رَسُولًا اميا أمثالهم منتشأ مِنْهُمْ وأيده بروح القدس بعد ما صفاه عن دنس الجهل واصطفاه من بين الملل وفضله على عموم ارباب النحل وكمله في المعارف والحقائق الإلهية بحيث يَتْلُوا عَلَيْهِمْ عموم آياتِهِ الدالة على وحدة ذاته وعلى كمالات أسمائه وصفاته وَيُزَكِّيهِمْ عن مطلق النقائض والآثام المنافية لدين الإسلام المبين للتوحيد الذاتي وَبالجملة يُعَلِّمُهُمُ بمقتضى الوحى الإلهي الْكِتابَ اى القرآن الجامع لما في الكتب السالفة من الحكم والاحكام على ابلغ بيان وأبدع نظام وَالْحِكْمَةَ اى الاحكام الشرعية المنتشئة من الحكمة المتقنة الإلهية المنزلة من عند الحكيم العلام وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ اى وانهم قد كانوا قبل بعثته صلّى الله عليه وسلم لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ وغواية ظاهرة لأنهم كانوا على فترة من الرسل
وَلم يختص بعثته صلّى الله عليه وسلّم بالأميين من الاعراب الموجودين عند مبعثه صلّى الله عليه وسلّم بل تعم آخَرِينَ مِنْهُمْ اى عموم المكلفين لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ حين يتبعون بالأولين هكذا واقتفوا أثرهم الى يوم القيامة إذ قد ختم ببعثته صلّى الله عليه وسلّم امر البعثة وكمل عند ظهوره صلّى الله عليه وسلم بنيان الدين القويم الذي هو صراط التوحيد الذاتي وَهُوَ سبحانه الْعَزِيزُ الغالب على عموم التقادير الْحَكِيمُ المطلق في جميع الأفعال والتدابير
ذلِكَ اى التوحيد الذاتي الذي ظهر به صلّى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين فَضْلُ اللَّهِ العزيز الحكيم يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ من عباده بلا سبق الوسائل والأسباب العادية وَبالجملة اللَّهِ المتعزز برداء العظمة والكبرياء ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الذي لا يكتنه وصف فضله وطوله أصلا. ثم قال سبحانه تعريضا على الكفرة المنكرين لنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم مع انه قد ورد في كتبهم المنزلة عليهم حليته صلّى الله عليه وسلّم وهم مؤمنون بها مصدقون بجميع ما فيها سوى بعثته صلّى الله عليه وسلّم وما جاء فيها من أوصافه صلّى الله عليه وسلّم الدالة على علو شأنه ورفعة قدره ومكانه وبالجملة
مَثَلُ القوم الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ اى علموها وكلفوا بما فيها من الأوامر والنواهي ومطلق الاحكام والمعتقدات المذكورة فيها ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها ولم ينتفعوا بها ولم يصدقوا بما فيها سيما نعوت الحضرة الختمية الخاتمية المحمدية مثلهم في حمل التوراة وعدم امتثالهم بما فيها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً كتبا من العلم يجهلها ويتعب بثقلها ولا ينتفع بها أصلا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ الدالة على عظمة ذاته ومتانة حكمه وحكمته في عموم مأموراته ومنهياته وَبالجملة اللَّهِ العليم الحكيم المتقن في عموم أفعاله لا يَهْدِي الى توحيده الذاتي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الخارجين عن عروة عبوديته بمتابعة شياطين اماراته
قُلْ يا أكمل الرسل على سبيل التبكيت والإلزام نيابة عنا لليهود الذين يدعون محبته وولايته بقولهم نحن اولياء الله واحباؤه مناديا لهم متهكما معهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا وتهودوا إِنْ زَعَمْتُمْ وظننتم أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ
413
سريعة ولوازم الإمكان مشتركة وغواشي البشرية سارية وطلسمات الطبيعة البهيمية والقوى البشرية سارقة لذلك اوصى سبحانه خلص عباده المؤمنين الموحدين بما اوصى في هذه السورة ونهاهم عما نهاهم في محبة الأعداء وموالاتهم معهم في السراء والضراء فقال مناديا لهم بعد التيمن باسمه الأعلى بِسْمِ اللَّهِ المصلح لأحوال عبادة في عموم الأحوال الرَّحْمنِ عليهم بحفظهم عن سوء الأخلاق والأعمال الرَّحِيمِ لهم يوقظهم عن منام الغفلة ويوصلهم الى فضاء الوصال
[الآيات]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى اتصافكم بالإيمان بالله وبوحدة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته انه لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وهم الذين خرجوا عن عروة عبوديتي بإثبات الوجود لغيري وَعَدُوَّكُمْ إذ عداوتهم إياي مستلزمة بعداوتهم إياكم ايضا إذ صديق العدو عدو كعدو الصديق أَوْلِياءَ أحباء بحيث توالون أنتم معهم موالاتكم مع احبائكم من المؤمنين وتظهرون محبتهم ومودتهم بحيث تُلْقُونَ وترسلون إِلَيْهِمْ رسالة مشعرة بِالْمَوَدَّةِ الخالصة المنبئة عن افراط المحبة والإخاء وَالحال انه هم قَدْ كَفَرُوا واعرضوا وانصرفوا بِما جاءَكُمْ اى بعموم ما قد نزل على رسولكم مِنَ الْحَقِّ الحقيق بالاطاعة والاتباع وبالغوا في الاعراض والإنكار الى حيث يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ اصالة وَإِيَّاكُمْ تبعا من بينهم بواسطة أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ الذي رباكم على فطرة التوحيد والايمان وبقبولكم دين الإسلام من النبي المبعوث الى كافة الأنام ليرشدهم الى دار السلام وبالجملة إِنْ كُنْتُمْ ايها المؤمنون الموحدون خَرَجْتُمْ عن أوطانكم وبقاع إمكانكم جِهاداً اى لأجل الجهاد والقتال فِي سَبِيلِي اى لتقوية طريق توحيدي وترويج ديني وإعلاء كلمة توحيدي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي في امتثال امرى واطاعة حكمى فلزمكم ترك موالاة أعدائي والمواخاة معهم مع انكم أنتم قد تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ وتميلون نحوهم سرا وخفية بِالْمَوَدَّةِ ظنا منكم ان لا اطلع على ما في سرائركم وضمائركم من محبة الأعداء ومودتهم وَالحال انه أَنَا أَعْلَمُ منكم بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ اى بعموم ما تسرون وما تعلنون وَبالجملة مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ اى الاتخاذ المذكور فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى قد انحرف عن جادة العدالة الإلهية وانصرف عن الصراط المستقيم الموصل الى مقصد التوحيد وبالغ في الانحراف والانصراف واعلموا ايها المؤمنون انكم وان بالغتم في اظهار المحبة والمودة بالنسبة إليهم لا تنفعكم إذ هم بمكان من العداوة والخصومة بحيث
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ ويظفروا بكم بالفرض والتقدير يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً البتة بل يظهروا العداوة حينئذ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ اى بالقتل والأسر وقطع العضو والشتم المفرط وانواع الوقاحة وَكيف لا وهم في أنفسهم دائما قد وَدُّوا وتمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ أنتم وترتدون عن دينكم ونبيكم حتى تلتحقوا بهم وتتصفوا بكفرهم وبالجملة عليكم ايها المؤمنون ان لا تبالوا بأقاربكم وأرحامكم من الكفرة ولا تلتفتوا نحوهم إذ
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ لا اقرباؤكم وَلا أَوْلادُكُمْ الذين أنتم توالون المشركين لأجلهم وتوادون معهم من جهتهم يَوْمَ الْقِيامَةِ المعدة لتنقيد الأعمال الصادرة عن كل نفس من النفوس خيرة كانت او شريرة إذ الله يَفْصِلُ ويفرق بَيْنَكُمْ يومئذ ويميزكم عنهم فيجازى كلا منكم حسب ما كسب واقترف خيرا كان او شرا وَاللَّهُ المطلع على عموم افعال عباده بِما تَعْمَلُونَ من الحسنات والسيئات بَصِيرٌ يجازيكم عليه بمقتضى بصارته وخبرته ولا تستنكفوا عن حكم الله إياكم بقطع أرحامكم الكفرة وأقاربكم المشركين إذ
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ وقدوة حَسَنَةٌ
405
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ
المقرب لكم الى الله إذ الانتقال من دار الغرور الى دار السرور يقرب العباد الى الرحيم الغفور إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعوى المحبة والولاية فتمنوه
وَالله يا أكمل الرسل لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً اى لا يتمنى احد منهم الموت أصلا وما سبب اعراضهم وانصرافهم عن الموت المقرب منه تعالى الا بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ اى بشؤم ما قدموا واقترفوا بأنفسهم من الكفر والعصيان وانواع الفسوق والطغيان وَبالجملة اللَّهُ المطلع بما في استعدادات عباده عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ منهم وبما في ضمائرهم من محبة الحياة والقساوة المفرطة يجازيهم على مقتضى علمه
قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما قد اعرضوا عن تمنى الموت وابتغائه طلبا لمرضاة الله وشوقا اليه سبحانه ايضا على وجه التبكيت والإلزام إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ وتخافون ان تمنوه بألسنتكم مخافة ان لا يلحقكم بل تفرون عن مجرد التلفظ به فكيف عن لحوقه فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ وملاصقكم ولاحق بكم حتما إذ كل نفس ذائقة كأس الموت وكل حي بالحياة لا بد وان يموت سوى الحي الحقيقي الذي لا يموت ولا يفوت ثُمَّ بعد ما تموتون تُرَدُّونَ تحشرون وتساقون نحو المحشر وتعرضون إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ بعلمه الحضوري يعنى بما صدر منكم وما خفى في ضمائركم ونياتكم فَيُنَبِّئُكُمْ ويخبركم يومئذ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من خير وشر فيجازيكم عليه. ثم لما تهاون المسلمون في امر الجمعة وتكاسلوا في الاجتماع قبل الصلاة بل انفضوا وانصرفوا عن الجامع حين خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما سمعوا صدا الملاهي المعهودة لمجيء العير على ما هو عادتهم دائما عاتبهم الله سبحانه وانزل عليهم الآية وناداهم نداء عتاب وخطاب حيث قال
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم المبادرة الى مطلق الطاعات والعبادات سيما إِذا نُودِيَ واذن لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ اى في يوم الجمعة الا وهو الأذان المعهود قبيل الخطبة فَاسْعَوْا مجيبين مسرعين إِلى سماع ذِكْرِ اللَّهِ في الخطبة والتذكيرات الواردة فيها وَذَرُوا الْبَيْعَ واتركوا المبايعة بعد سماع الأذان ذلِكُمْ اى ترك البيع والسعى نحو المسجد والانصراف اليه خَيْرٌ لَكُمْ وانفع في عقباكم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ صلاحكم وفسادكم في اولاكم واخراكم
فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ المكتوبة لكم يوم الجمعة مع الامام وأديت على وجهها فَانْتَشِرُوا فِي اقطار الْأَرْضِ وَابْتَغُوا واطلبوا حوائجكم مِنْ فَضْلِ اللَّهِ المنعم المتفضل يعطكموها حسب إحسانه وسعة جوده وانعامه وَاذْكُرُوا اللَّهَ ذكرا كَثِيراً في عموم أحوالكم وأعمالكم ولا تحصروا ولا تقصروا ذكره سبحانه في الصلاة المفروضة فقط بل اشتغلوا بذكره وشكره في عموم الأوقات والحالات بالقلب واللسان وسائر الجوارح والأركان إذ ما من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم الا قليلا وواظبوا عليه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وتفوزون بخير الدارين وصلاح النشأتين
وَهم من غاية حرصهم على مقتضيات القوى البهيمية بعد ما كانوا في الجامع والخطيب على المنبر إِذا رَأَوْا وسمعوا تِجارَةً حاضرة يدور الناس حولها أَوْ سمعوا لَهْواً طبلا مخبرا لهم عن مجيء العير انْفَضُّوا إِلَيْها اى مالوا وانصرفوا نحوها مسرعين فخرجوا من الجامع سوى اثنى عشر رجلا وامرأة وَتَرَكُوكَ يا أكمل الرسل قائِماً على المنبر وبالجملة ما هي الا ثلمة قد حدثت في الدين المبين موجبة مقتضية للتهاون باحكام الشرع المتين قُلْ لهم يا أكمل الرسل ازالة لها ولما يتفرع عليها ما عِنْدَ اللَّهِ من المثوبات الاخروية الموجبة للدرجات العلية والمقامات السنية خَيْرٌ لكم
414
Icon