تفسير سورة الطلاق

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الطلاق
مدنية، عددها اثنتا عشر آية كوفي

﴿ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ ﴾ نزلت في عبدالله بن عمر بن الخطاب، وعتبة بن عمرو المازني، وطفيل ابن الحارث، وعمرو بن سعيد بن العاص ﴿ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ يعني طاهراً من غير جماع ﴿ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ ﴾ فلا تعصوه فيما أمركم به ﴿ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ ﴾ من قبل أنفسهن ما دمن في العدة وعليهن الرجعة ﴿ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ يعني العصيان البين وهو النشوز ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ ﴾ يعني سنة الله وأمره أن تطلق المرأة للعدة طاهرة من غير حيض ولا جماع ﴿ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ ﴾ يعني سنة الله وأمره فيطلق لغير العدة ﴿ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾ [آية: ١] يعني بعد التطليقة والتطليقتين أمراً يعني الرجعة ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ يعني به انقضاء العدة قبل أن تغتسل ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ ﴾ إذا راجعتموهن ﴿ بِمَعْرُوفٍ ﴾ يعني طاعة الله ﴿ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ يعني طاعة الله في غير إضرار فهذا هو الإحسان ﴿ وَأَشْهِدُواْ ﴾ على الطلاق والمراجعة ﴿ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾ ثم قال للشهود ﴿ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ على وجهها ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ الذي ذكر الله تعالى من الطلاق والمراجعة ﴿ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾ يعني يصدق بالله أنه واحد لا شريك له، وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، فليفعل ما أمره الله. ثم قال: ﴿ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ [آية: ٢]" نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، جاء إلى النبي صلى الله عليه سلم فشكا إليه الحاجة والفاقة، فأمره النبي صلى الله عليه سلم بالصبر، وكان ابن له أسير، في أيدى مشركى العرب فهرب منهم فأصاب منهم إبلاً ومتاعاً، ثم إنه رجع إلى أبيه، فانطلق أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالخبر، وسأله: أيحل له أن يأكل من الذي أتاه ابنه؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم "، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ ﴾ فيصبر ﴿ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ﴾ من الشدة ﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ يعني من حيث لا يأمل، ولا يرجو فرزقه الله تعالى من حيث لا يأمل ولا يرجوا. ثم قال: ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ في الرزق فيثق به ﴿ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾ فيما نزل به من الشدة والبلاء ﴿ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ من الشدة والرخاء ﴿ قَدْراً ﴾ [آية: ٣] يعني متى يكون هذا الغني فقيراً؟ ومتى يكون هذا الفقير غنياً؟ فقدر الله ذلك لكه، لا يقدم ولا يؤخر. فقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت:﴿ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ ﴾[البقرة: ٢٢٨]، فما عدة المرأة التي لا تحيض؟ وقال خلاد الأنصاري: ما عدة منلم تحض من صغر؟ وما عدة الحبلى؟
فأنزل الله عز وجل في اللاتي قعدن عن المحيض: ﴿ وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ ﴾ يعني القواعد من النساء اللاتي قعدن عن المحيض ﴿ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ ﴾ يعني شككتم، فلم يدر كم عدتها ﴿ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ ﴾ إذا طلقن، ثم قال: ﴿ وَٱللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ فكذلك أيضاً يعني عدة الجواري اللاتي لم يبلغن الحيض، وقد نكحن، ثم طلقن، فعدتهن ثلاثة أشهر. ثم قال: ﴿ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ ﴾ يعني الحبلى فعدتهن ﴿ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ يقول فإن كانت هذه المطلقة حبلى فأجلها إلى أن تضع حملها، ثم رجع إلى الطلاق، فقال: ﴿ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ ﴾ في أمر الطلاق ﴿ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ [آية: ٤] يقول: ومن يتق الله فيطلق كما أمره الله تعالى، ويطيع الله في النفقة، والمسكن، ييسر الله أمره، ويوفقه للعمل الصالح.
﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي ذكر من الطلاق والنفقة والمسكن.
﴿ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ ﴾ في أمره ما ذكر ﴿ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ ﴾ يعني يغفر له ذنوبه ﴿ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾ [آية: ٥] يعني الجزاء، يعني يضاعفه له.
﴿ أَسْكِنُوهُنَّ ﴾ يعني المطلقة الواحدة والثنتين ﴿ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ ﴾ يعني من سعتكم في النفقة، والمسكن.
﴿ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ ﴾ يعني المطلقة وهى حبلى ﴿ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ ﴾ أولادكم إذا وضعن حلمهن ﴿ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ يعني فأعطوهن أجورهن ﴿ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ ﴾ يعني الرجل والمرأة ﴿ بِمَعْرُوفٍ ﴾ يقول: حتى تنفقوا من النفقة على أمر بمعروف ﴿ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ ﴾ يعني الرجل والمرأة وإذا أرد الرجل أقل مما طلبت المرأة من النفقة فلم يتفقوا على أمر ﴿ فَسَتُرْضِعُ لَهُ ﴾ يعني للرجل امرأة ﴿ أُخْرَىٰ ﴾ [آية: ٦] يقول: ليلتمس غيرها من المراضع. ثم قال: ﴿ لِيُنفِقْ ﴾ في المراضع ﴿ ذُو سَعَةٍ ﴾ في المال ﴿ مِّن سَعَتِهِ ﴾ الذي أوسع الله له على قدره ﴿ وَمَن قُدِرَ ﴾ يعني فتر ﴿ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾ مثل قوله:﴿ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾[الأنبياء: ٨٧] يعني نضيق عليه في بطن الحوت.
﴿ فَلْيُنفِقْ ﴾ في المراضع قدر فقره ﴿ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ ﴾ يعني مما أعطاه الله من الرزق على قدر طاقته، فذلك قوله: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ ﴾ في النفقة ﴿ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا ﴾ يعني إلا ما أعطاها من الرزق ﴿ سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ﴾ [آية: ٧] يعني من بعد الفقر سعة في الرزق.
﴿ وَكَأِيِّن ﴾ يعنى وكم ﴿ مِّن قَرْيَةٍ ﴾ يعنى فيما خلا ﴿ عَتَتْ ﴾ يقول: خالفت ﴿ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَ ﴾ خالفت ﴿ وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً ﴾ يعنى فحاسبها الله بعملها فى الدنيا فجازاها العذاب ﴿ وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً ﴾ [آية: ٨] يعنى فظيعاً، فذلك قوله: ﴿ فَذَاقَتْ ﴾ العذاب فى الدنيا ﴿ وَبَالَ أَمْرِهَا ﴾ يعنى جزاء ذنبها ﴿ وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً ﴾ [آية: ٩] يقول: كان عاقبهم الخسران فى الدنيا وفى الآخرة حين كذبوا فأخبر الله، عنهم بما أعد لهم فى الدنيا وما أعد لهم فى الآخرة.
فقال: ﴿ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ يحذرهم ﴿ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾ يعني من كان له لب أو عقل فليعتبر فيما يسمع، الوعيد فينتفع بمواعظ الله تعالى، يخوف كفار مكة، لئلا يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم فينزل بهم ما نزل بالأمم الخالية حين كذبوا رسلهم بالعذاب في الدنيا والآخرة. ثم قال للذين آمنوا: ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾ ثم نعتهم فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ﴾ [آية: ١٠] يعني قرنا ﴿ رَّسُولاً ﴾ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعني يقرأ عليكم آيات القرآن ﴿ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ في عمله ﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ ﴾ يعني من الشرك إلى الإيمان ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ ﴾ يعني يصدق بالله أنه واحد لا شريك له ﴿ وَيَعْمَلْ صَالِحاً ﴾ في إيمانه ﴿ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ﴾ يعني البساتين ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾ يقول: تجري من تحت البساتين الأنهار ﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ ﴾ يعني مقيمين فيها ﴿ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً ﴾ [آية: ١١] يعني به الجنة.
﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَ ﴾ خلق ﴿ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾ يعني الوحى من السماء العليا إلى الإرض السفلى ﴿ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَا ﴾ [آية: ١٢].
حدثنا عبدالله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، قال: سمعت أبا يوسف، ولم أسمع مقاتلاً يحدث عن حبيب بن حسان، عن أبي الضحى، في قوله: ﴿ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾ قال: آدم كآدم، ونوح كنوح، ونبى ومثل نبي، وبه الهذيل، عن وكيع عن الأعمش، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: ﴿ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾، قال: لو حدثتكم تفسيرها لكفرتم وكفركم بها تكذيبكم، قال الهذيل: ولم أسمع مقاتلا.
Icon