تفسير سورة الزلزلة

التحرير والتنوير
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد المعروف بـالتحرير والتنوير .
لمؤلفه ابن عاشور . المتوفي سنة 1393 هـ
سميت هذه السورة في كلام الصحابة سورة ﴿ إذا زلزلت ﴾ روى الواحدي في أسباب النزول عن عبد الله بن عمرو نزلت إذا زلزلت وأبو بكر قاعد فبكى١ الحديث وفي حديث أنس بن مالك مرفوعا عند الترمذي ﴿ إذا زلزلت ﴾ تعدل نصف القرآن، وكذلك عنونها البخاري والترمذي.
وسميت في كثير من المصاحف ومن كتب التفسير ﴿ سورة الزلزال ﴾.
وسميت في مصحف بخط كوفي قديم من مصاحف القيروان ﴿ زلزلت ﴾ وكذلك سماها في الإتقان في السور المختلف في مكان نزولها، وكذلك تسميتها في تفسير ابن عطية، ولم يعدها في الإتقان في عداد السور ذوات أكثر من أسم فكأنه لم ير هذه ألقابا لها بل جعلها حكاية بعض ألفاظها ولكن تسميتها سورة الزلزلة تسمية بالمعنى لا بحكاية بعض كلماتها.
واختلف فيها فقال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعطاء والضحاك هي مكية. وقال قتادة ومقاتل : مدنية ونسب إلى ابن عباس أيضا. والأصح أنها مكية واقتصر عليه البغوي وابن كثير ومحمد بن الحسن النيسابوري في تفاسيرهم. وذكر القرطبي عن جابر أنها مكية ولعله يعني : جابر بن عبد الله الصحابي لأن المعروف عن جابر بن زيد أنها مدنية فإنها معدودة في نول السور المدنية فيما روي عن جابر بن زيد. وقال ابن عطية : آخرها وهو﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ﴾ الآية نزل في رجلين كانا بالمدينة اه. وستعلم أنه لا دلالة فيه على ذلك.
وقد عدت الرابعة والتسعين في عداد نزول السور فيما روي عن جابر بن زيد ونظمه الجعبري وهو بناء على أنها مدنية جعلها بعد سورة النساء وقبل سورة الحديد.
وعدد آيها تسع عند جمهور أهل العدد، وعدها أهل الكوفة ثماني للاختلاف في أن قوله ﴿ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ﴾ آيتان أو آية واحدة.
أغراضها
إثبات البعث وذكر أشراطه وما يعتري الناس عند حدوثها من الفزع.
وحضور الناس للحشر وجزائهم على أعمالهم من خير أو شر وهو تحريض على فعل الخير واجتناب الشر.
١ - تمامه: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا أبا بكر ؟ فقال: أبكاني هذه السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنكم لا تخطئون ولا تذنبون لخلق الله أمة بعدكم يخطئون ويذنبون ويستغفرون فيغفر لهم..

وَقَدْ عُدَّتِ الرَّابِعَةَ وَالتِّسْعِينَ فِي عِدَادِ نُزُولِ السُّوَرِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَنَظَمَهُ الْجَعْبَرِيُّ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ جَعَلَهَا بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ وَقَبْلَ سُورَةِ الْحَدِيدِ.
وَعَدَدُ آيِهَا تِسْعٌ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعَدَدِ، وَعَدَّهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ ثَمَانِيَ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ [الزلزلة: ٦] آيَتَانِ أَوْ آيَة وَاحِدَة.
أغراضها
إِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَذِكْرُ أَشْرَاطِهِ وَمَا يَعْتَرِيِ النَّاسَ عِنْدَ حُدُوثِهَا مِنَ الْفَزَعِ.
وَحُضُورُ النَّاسِ لِلْحَشْرِ وَجَزَائِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَهُوَ تَحْرِيضٌ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَاجْتنَاب الشَّرّ.
[١- ٦]
[سُورَة الزلزلة (٩٩) : الْآيَات ١ إِلَى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ مَا لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦)
افْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِظَرْفِ الزَّمَانِ مَعَ إِطَالَةِ الْجُمَلِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا الظَّرْفُ تَشْوِيقٌ إِلَى مُتَعَلِّقِ الظَّرْفِ إِذِ الْمَقْصُودُ لَيْسَ تَوْقِيتَ صُدُورِ النَّاسِ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ بَلِ الْإِخْبَارُ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ وَهُوَ الْبَعْثُ، ثُمَّ الْجَزَاءُ، وَفِي ذَلِكَ تَنْزِيلُ وُقُوعِ الْبَعْثِ مَنْزِلَةَ الشَّيْءِ الْمُحَقَّقِ الْمَفْرُوغِ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يُهِمُّ النَّاسَ إِلَّا مَعْرِفَةُ وَقْتِهِ وَأَشْرَاطِهِ فَيَكُونُ التَّوْقِيتُ كِنَايَةً عَنْ تَحْقِيقِ وُقُوعِ الْمُوَقَّتِ.
وَمَعْنَى زُلْزِلَتِ: حُرِّكَتْ تَحْرِيكًا شَدِيدًا حَتَّى يُخَيَّلَ لِلنَّاسِ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ حَيِّزِهَا لِأَنَّ فِعْلَ زُلْزِلَ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّلَلِ وَهُوَ زَلَقُ الرِّجْلَيْنِ، فَلَمَّا عَنَوْا شِدَّةَ الزَّلَلِ ضَاعَفُوا الْفِعْلَ لِلدَّلَالَةِ بِالتَّضْعِيفِ عَلَى شِدَّةِ الْفِعْلِ كَمَا قَالُوا: كَبْكَبَهُ، أَيْ كَبَّهُ وَلَمْلَمَ بِالْمَكَانِ مِنَ اللَّمِّ.
وَالزِّلْزَالُ: بِكَسْرِ الزَّايِ الْأَوْلَى مَصْدَرُ زَلْزَلَ، وَأَمَّا الزَّلْزَالُ بِفَتْحِ الزَّايِ فَهُوَ اسْمُ
490
مَصْدَرٍ كَالْوَسْوَاسِ وَالْقَلْقَالِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الزِّلْزَالِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ.
وَإِنَّمَا بُنِيَ فِعْلُ زُلْزِلَتِ بِصِيغَةِ النَّائِبِ عَنِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ فَاعِلُهُ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَانْتَصَبَ زِلْزالَها عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُؤَكِّدِ لِفِعْلِهِ إِشَارَةً إِلَى هَوْلِ ذَلِكَ الزِّلْزَالِ
فَالْمَعْنَى: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالًا.
وَأُضِيفَ زِلْزالَها إِلَى ضَمِيرِ الْأَرْضِ لِإِفَادَةِ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا وَتَكَرُّرِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ عُرِفَ بِنِسْبَتِهِ إِلَيْهَا لِكَثْرَةِ اتِّصَالِهِ بِهَا كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
أَسَائِلَتِي سَفَاهَتَهَا وَجَهْلًا عَلَى الْهِجْرَانِ أُخْتُ بَنِي شِهَابِ
أَيْ سَفَاهَةً لَهَا، أَيْ هِيَ مَعْرُوفَةٌ بِهَا، وَقَوْلِ أَبِي خَالِدٍ الْقَنَانِيِّ:
وَاللَّهُ أَسْمَاكَ سُمًى مُبَارَكًا آثَرَكَ اللَّهُ بِهِ إِيثَارَكَا
يُرِيدُ إِيثَارًا عُرِفْتَ بِهِ وَاخْتَصَصْتَ بِهِ. وَفِي كُتُبِ السِّيرَةِ أَنَّ مِنْ كَلَامِ خَطْرِ بْنِ مَالِكٍ الْكَاهِنِ يَذْكُرُ شَيْطَانَهُ حِينَ رُجِمَ «بَلْبَلَهُ بَلْبَالُهُ» أَيْ بِلْبَالٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ. وَإِعَادَةُ لَفْظِ الْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِقَصْدِ التَّهْوِيلِ.
وَالْأَثْقَالُ: جَمْعُ ثِقْلٍ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَهُوَ الْمَتَاعُ الثَّقِيلُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَتَاعِ النَّفِيسِ.
وَإِخْرَاجُ الأَرْض أثقالها ناشىء عَنِ انْشِقَاقِ سَطْحِهَا فَتَقْذِفُ مَا فِيهَا مِنْ مَعَادِنَ وَمِيَاهٍ وَصَخْرٍ.
وَذَلِكَ مِنْ تَكَرُّرِ الِانْفِجَارَاتِ النَّاشِئَةِ عَنِ اضْطِرَابٍ دَاخِلِ طَبَقَاتِهَا وَانْقِلَابِ أَعَالِيهَا أَسَافِلَ وَالْعَكْسِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْإِنْسانُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُفِيدُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ وَقَالَ النَّاسُ مَا لَهَا، أَيْ النَّاسُ الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ فَفَزِعُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أَوْ قَالَ كُلُّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ حَتَّى اسْتَوَى فِي ذَلِكَ الْجَبَانُ وَالشُّجَاعُ، وَالطَّائِشُ وَالْحَكِيمُ، لِأَنَّهُ زِلْزَالٌ تَجَاوَزَ الْحَدَّ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى مِثْلِهِ الصَّبُورُ.
491
وَقَوْلُ: مَا لَها اسْتِفْهَامٌ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي ثَبَتَ لِلْأَرْضِ وَلَزِمَهَا لِأَنَّ اللَّامَ تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ، أَيْ مَا لِلْأَرْضِ فِي هَذَا الزِّلْزَالِ، أَوْ مَا لَهَا زُلْزِلَتْ هَذَا الزِّلْزَالَ، أَيْ مَاذَا سَتَكُونُ عَاقِبَتُهُ. نَزَلَتِ الْأَرْضُ مَنْزِلَةَ قَاصِدٍ مُرِيدٍ يَتَسَاءَلُ النَّاسُ عَنْ قَصْدِهِ مِنْ فِعْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَبَيَّنْ غَرَضُهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ غَالِبًا مُرْدَفًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِقْرَارِ الَّذِي فِي الْخَبَرِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: مَا لَهُ يَفْعَلُ كَذَا، أَوْ مَا لَهُ فِي فِعْلِ كَذَا، أَوْ مَا لَهُ وَفُلَانًا، أَيْ مَعَهُ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا مُقَدَّرٌ، أَيْ مَا لَهَا زُلْزِلَتْ، أَوْ مَا لَهَا فِي هَذَا الزِّلْزَالِ، أَوْ مَا لَهَا
وَإِخْرَاجَ أَثْقَالِهَا.
وَجُمْلَةُ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها إِلَخْ جَوَابُ إِذا بِاعْتِبَارِ مَا أُبْدِلَ مِنْهَا مِنْ قَوْلِهِ:
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ فَيَوْمَئِذٍ بَدَلٌ مِنْ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها وَالْيَوْمُ يُطْلَقُ عَلَى النَّهَارِ مَعَ لَيْلِهِ فَيَكُونُ الزِّلْزَالُ نَهَارًا وَتَتْبَعَهُ حَوَادِثُ فِي اللَّيْلِ مَعَ انكدار النُّجُوم وانتثارها وَقَدْ يُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الزَّمَانِ.
وتُحَدِّثُ أَخْبارَها هُوَ الْعَامِلُ فِي يَوْمَئِذٍ وَفِي الْبَدَلِ، وَالتَّقْدِيرُ يَوْمَ إِذْ تُزَلْزَلُ الْأَرْضُ وَتُخْرِجُ أَثْقَالَهَا وَيَقُولُ النَّاسُ: مَا لَهَا تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا إِلَخْ.
وأَخْبارَها مَفْعُولٌ ثَانٍ لِفِعْلِ تُحَدِّثُ لِأَنَّهُ مِمَّا أُلْحِقَ بِظَنٍّ لِإِفَادَةِ الْخَبَرِ عِلْمًا، وَحُذِفَ مَفْعُولُهُ الْأَوَّلُ لِظُهُورِهِ، أَيْ تُحَدِّثُ الْإِنْسَانَ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ إِخْبَارُهَا لِمَا فِيهِ مِنَ التَّهْوِيلِ.
وَضَمِيرُ تُحَدِّثُ عَائِدٌ إِلَى الْأَرْضُ وَالتَّحْدِيثُ حَقِيقَتُهُ: أَنْ يَصْدُرَ كَلَامٌ بِخَبَرٍ عَنْ حَدَثٍ.
وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنَّ تَشَهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ: عَمِلَ كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا»
اهـ.
وَجُمِعَ أَخْبارَها بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ دَلَالَتِهَا عَلَى عَدَدِ الْقَائِلِينَ مَا لَها وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُبَيَّنُ بِقَوْلِهِ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها
492
وَانْتَصَبَ أَخْبارَها عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ بَاءُ تَعْدِيَةِ فِعْلِ تُحَدِّثُ وَقَوْلُهُ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ تُحَدِّثُ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهَا أَنْ تُحَدِّثَ أَخْبَارَهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ أَخْبارَها وَأُظْهِرَتِ الْبَاءُ فِي الْبَدَلِ لِتَوْكِيدِ تَعْدِيَةِ فِعْلِ تُحَدِّثُ إِلَيْهِ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ قَدْ أُجْمِلَتْ أَخْبَارُهَا وَبَيَّنَهَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ.
وَأُطْلِقَ الْوَحْيُ عَلَى أَمْرِ التَّكْوِينِ، أَيْ أَوْجَدَ فِيهَا أَسْبَابَ إِخْرَاجِ أَثْقَالِهَا فَكَأَنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا بِكَلَامٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً [النَّحْل:
٦٨] الْآيَاتِ.
وَعُدِّيَ فِعْلُ أَوْحى بِاللَّامِ لِتَضْمِينِ أَوْحى مَعْنَى قَالَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً [فصلت: ١١]، وَإِلَّا فَإِنَّ حَقَّ أَوْحى أَنْ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ (إِلَى).
وَالْقَوْلُ الْمُضَمَّنُ هُوَ قَوْلُ التَّكْوِينِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النَّحْل: ٤٠].
وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْ فِعْلِ: قَالَ لَهَا إِلَى فِعْلِ أَوْحى لَها لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ تَكْوِينٍ لَا عَنْ قَوْلٍ لَفْظِيٍّ.
وَقَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها وَالْجَوَابُ هُوَ فِعْلُ يَصْدُرُ النَّاسُ وَقَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَقُدِّمَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ. وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِإِثْبَاتِ الْحَشْرِ وَالتَّذْكِيرِ بِهِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ أَهْوَالِهِ فَإِنَّهُ عِنْدَ حُصُولِهِ يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّ الزِّلْزَالَ كَانَ إِنْذَارًا بِهَذَا الْحَشْرِ.
وَحَقِيقَةُ يَصْدُرُ النَّاسُ الْخُرُوجُ مِنْ مَحَلِّ اجْتِمَاعِهِمْ، يُقَالُ: صَدَرَ عَنِ الْمَكَانِ، إِذَا تَرَكَهُ وَخَرَجَ مِنْهُ صُدُورًا وَصَدَرًا بِالتَّحْرِيكِ. وَمِنْهُ الصَّدْرُ عَنِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوِرْدِ، فَأُطْلِقَ هُنَا فِعْلُ يَصْدُرُ عَلَى خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الْحَشْرِ جَمَاعَاتٍ، أَوِ انْصِرَافِهِمْ مِنَ الْمَحْشَر إِلَى مآويهم مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، تَشْبِيهًا بِانْصِرَافِ النَّاسِ عَنِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوِرْدِ.
493
وَأَشْتَاتٌ: جَمْعُ شَتٍّ بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ وَهُوَ الْمُتَفَرِّقُ، وَالْمُرَادُ: يَصْدُرُونَ مُتَفَرِّقِينَ جَمَاعَاتٍ كُلٌّ إِلَى جِهَةٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ وَمَا عُيِّنَ لَهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ.
وَأُشِيرَ إِلَى أَنَّ تَفَرُّقَهُمْ عَلَى حَسَبِ تَنَاسُبِ كُلِّ جَمَاعَةٍ فِي أَعْمَالِهَا مِنْ مَرَاتِبِ الْخَيْرِ وَمَنَازِلِ الشَّرِّ بِقَوْلِهِ: لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ، أَيْ يَصْدُرُونَ لِأَجْلِ تَلَقِّي جَزَاءِ الْأَعْمَالِ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَيُقَالُ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ: انْظُرُوا أَعْمَالَكُمْ، أَوِ انْظُرُوا مَآلَكُمْ.
وَبُنِيَ فِعْلُ لِيُرَوْا إِلَى النَّائِبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رُؤْيَتُهُمْ أَعْمَالَهَمْ لَا تَعْيِينُ مَنْ يُرِيهِمْ إِيَّاهَا. وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى ضَمِّ التَّحْتِيَّةِ.
فَالرُّؤْيَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي رُؤْيَةِ الْبَصَرِ وَالْمَرْئِيُّ هُوَ مَنَازِلُ الْجَزَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ مُسْتَعْمَلَةً فِي الْعِلْمِ بِجَزَاءِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ لَا تُرَى وَلَكِنْ يَظْهَرُ لأَهْلهَا جزاؤها.
[٧، ٨]
[سُورَة الزلزلة (٩٩) : الْآيَات ٧ إِلَى ٨]
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ [الزلزلة: ٦] تَفْرِيعَ الْفَذْلَكَةِ، انْتِقَالًا لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ إِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَالتَّفْرِيعُ قَاضٍ بِأَنَّ هَذَا يَكُونُ عَقِبَ مَا يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا.
وَالْمِثْقَالُ: مَا يُعْرَفُ بِهِ ثِقْلُ الشَّيْءِ، وَهُوَ مَا يُقَدَّرُ بِهِ الْوَزْنُ وَهُوَ كَمِيزَانٍ زِنَةً وَمَعْنًى.
وَالذَّرَّةُ: النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ فِي ابْتِدَاءِ حَيَاتِهَا.
ومِثْقالَ ذَرَّةٍ مَثَلٌ فِي أَقَلِّ الْقِلَّةِ وَذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ظَاهَرٌ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَافِرِينَ فَالْمَقْصُودُ مَا عَمِلُوا مِنْ شَرٍّ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَعْمَالِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ فَهِيَ كَالْعَدَمِ فَلَا تُوصَفُ بِخَيْرٍ عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّ عَمَلَ الْخَيْرِ مَشْرُوطٌ بِالْإِيمَانِ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النُّور: ٣٩].
494
وَإِنَّمَا أُعِيدَ قَوْلُهُ: وَمَنْ يَعْمَلْ دُونَ الِاكْتِفَاءِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ لِتَكُونَ كُلُّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ لِتَخْتَصَّ كُلُّ جُمْلَةٍ بِغَرَضِهَا مِنَ التَّرْغِيبِ أَوِ التَّرْهِيبِ فَأَهَمِّيَّةُ ذَلِكَ تَقْتَضِي التَّصْرِيحَ وَالْإِطْنَابَ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ مَعْدُودَةٌ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ وَقَدْ وَصَفَهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَامِعَةِ الْفَاذَّةِ
فَفِي «الْمُوَطَّأِ» أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ»
الْحَدِيثَ.
فَسُئِلَ عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ أَحْكَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: قَدِمَ صَعْصَعَةُ بْنُ نَاجِيَةَ جَدُّ الْفَرَزْدَقِ على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستقرىء النَّبِيءِ الْقُرْآنَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ صَعْصَعَةُ: حَسْبِي فَقَدِ انْتَهَتِ الْمَوْعِظَةُ لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرَهَا. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: «لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ آيَتَيْنِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالصُّحُفِ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وَإِذْ قَدْ كَانَ الْكَلَامُ مَسُوقًا لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا أُوثِرَ جَانِبُ التَّرْغِيبِ بِالتَّقْدِيمِ فِي التَّقْسِيمِ تَنْوِيهًا بِأَهْلِ الْخَيْرِ.
وَفِي «الْكَشَّافِ»
: يُحْكَى أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَخَّرَ خَيْرًا يَرَهُ فَقِيلَ قَدَّمْتَ وَأَخَّرْتَ فَقَالَ:
خُذَا بَطْنَ هَرْشَى أَوْ قَفَاهَا فَإِنَّهُ كِلَا جَانِبَيْ هَرْشَى لَهُنَّ طَرِيقُ اهـ
وَقَدْ غَفَلَ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ عَنْ بَلَاغَةِ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ التَّنْوِيهَ بِأَهْلِ الْخَيْرِ.
رَوَى الْوَاحِدِيُّ عَنْ مُقَاتِلٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ كَانَا بِالْمَدِينَةِ أَحَدُهُمَا لَا يُبَالِي مِنَ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ وَيَرْكَبُهَا، وَالْآخَرُ يُحِبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ فَلَا يَجِدُ إِلَّا الْيَسِيرَ فَيَسْتَحْيِي مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمَا.
وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ جَمْعٌ: إِنَّ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ مُقْتَضِيًا أَنَّ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَلَوْا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ شَاهِدًا يَظُنُّهَا بَعْضُ السَّامِعِينَ نَزَلَتْ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْخَامِسَةِ.
495

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١٠٠- سُورَةُ الْعَادِيَاتِ
سُمِّيَتْ فِي الْمَصَاحِفِ الْقَيْرَوَانِيَّةِ الْعَتِيقَةِ وَالتُّونِسِيَّةِ وَالْمَشْرِقِيَّةِ «سُورَةَ الْعَادِيَاتِ» بِدُونِ وَاوٍ، وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ فَهِيَ تَسْمِيَةٌ لِمَا ذُكِرَ فِيهَا دُونَ حِكَايَةِ لَفْظِهِ. وَسَمِّيَتْ فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ «سُورَةَ وَالْعَادِيَاتِ» بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ.
وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ: هِيَ مَكِّيَّةٌ.
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: هِيَ مَدَنِيَّةٌ.
وَعُدَّتِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ جَابِرِ بن زيد بِنَاء عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْعَصْرِ وَقَبْلَ سُورَةِ الْكَوْثَرِ.
وَآيُهَا إِحْدَى عَشْرَةَ.
ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي «أَسْبَابِ النُّزُولِ» عَنْ مُقَاتِلٍ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَيْلًا سَرِيَّةً إِلَى بَنِي كِنَانَةَ وَأَمَّرَ عَلَيْهَا الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ فَأَسْهَبَتْ أَيْ أَمْعَنَتْ فِي سَهْبٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ شهرا وَتَأَخر خبرهم فَأَرْجَفَ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا: قُتِلُوا جَمِيعًا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً
[العاديات: ١] الْآيَاتِ، إِعْلَامًا بِأَنَّ خَيْلَهُمْ قَدْ فَعَلَتْ جَمِيعَ مَا فِي تِلْكَ الْآيَاتِ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَ فِي «الْإِتْقَانِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: رَوَى أَبُو بكر الْبَزَّار هُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا جِدًّا وَسَاقَ الْحَدِيثَ قَرِيبًا مِمَّا لِلْوَاحِدِيِّ.
وَأَقُولُ غَرَابَةُ الْحَدِيثِ لَا تُنَاكِدُ قَبُولَهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ثِقَاتٍ إِلَّا أَنَّ فِي سَنَدِهِ حَفْصَ بْنَ جُمَيْعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَالرَّاجِحُ أَنَّ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ.
497
Icon