تفسير سورة الرّوم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة الروم من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة الروم
مكية ؛ اتفاقا، وقيل : إلى قوله :﴿ فسبحان الله. . . ﴾ [ الروم : ١٧ ] الخ. وهي تسع وخمسون، أو ستون آية. ومناسبتها لما قبلها : أن نتيجة المعية التي ذكرها بقوله :﴿ وإن الله لمع المحسنين ﴾ [ العنكبوت : ٦٩ ] هي النصر والعز الذي بشر به المؤمنين في صدر السورة بقوله :﴿ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. . . ﴾ [ الروم : ٤، ٥ ] الخ.

قال الله تعالى :
بسم الله الرحمان الرحيم.
﴿ الم ﴾ * ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴾ * ﴿ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾ * ﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ * ﴿ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ * ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله : بعد التسمية ﴿ الم ﴾ أي : أيها المصطفى، أو : المرسل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كما تقع الدولة بين الأشباح، تقع بين النفوس، والأرواح. فتارة تغلب النفوس بظلماتها على الأرواح، فتحجبها عن الله، وتارة تغلب الأرواح بأنوارها على النفوس، فتستر ظلمة حظوظها، ويرتفع الحجاب بين الله وعبده. آلم. غُلبت أنوار الأرواح بظلمة كثائف النفوس، في أدنى أرض العبودية، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، فتغلب أنوار الأرواح المطهرة، على ظلمة نفوس الظلمانية، وذلك في بضع سنين، مدة المجاهدة، والبُضع : من ثلاث إلى عشر، على قدر الجد والاجتهاد، وعلى قدر تفاوت النفوس والطبع، فمنهم من يظفر بنفسه في مدة يسيره، ومنهم من يظفر بعد مدة طويلة. لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون السائرون بنصر الله، حيث نصرهم على نفوسهم، فظفروا بها. ينصر من شاء حيث يشاء وهو العزيز الرحيم. قال بعضهم : انتهى سير السائرين إلى الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا. هـ.
وقال الورتجبي : قوله :﴿ غُلبت الروم.. ﴾ الآية، إشارة إلى أن الأرواح، وإن كانت مغلوبة من النفوس الأمارة، والشياطين الكافرة ؛ امتحاناً من الله، وتربيةً لها بمباشرة القهريات، فإنها تغلب على النفوس، من حيث تخرج من مقام الاختيار. انظر تمامه. وقال القشيري : قوله تعالى :﴿ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ﴾ : استغراقُهم في الاشتغال بالدنيا، وانهماكهم بما مَنَعهم عن العلم بالآخرة وقيمة كل امرئ عِلمُه ؛ كما في الأثر عن عليّ رضي الله عنه. قال :
وَقِيمَةُ كُلِّ امْرِئ مَا كَانَ يُتْقِنُهُ والجاهلون لأهلِ العِلْمِ أعداءُ
فأهل الدنيا في غفلة عن الآخرة، والمشتغلون بعلم الآخرة، هم بوجودها، في غفلة عن الله. هـ. قلت : وأهل المعرفة بالله لم يشغلهم عنه دنيا ولا آخرة. والله تعالى أعلم.

﴿ غُلبت الرومُ ﴾ أي غلبت فارسُ الرومَ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كما تقع الدولة بين الأشباح، تقع بين النفوس، والأرواح. فتارة تغلب النفوس بظلماتها على الأرواح، فتحجبها عن الله، وتارة تغلب الأرواح بأنوارها على النفوس، فتستر ظلمة حظوظها، ويرتفع الحجاب بين الله وعبده. آلم. غُلبت أنوار الأرواح بظلمة كثائف النفوس، في أدنى أرض العبودية، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، فتغلب أنوار الأرواح المطهرة، على ظلمة نفوس الظلمانية، وذلك في بضع سنين، مدة المجاهدة، والبُضع : من ثلاث إلى عشر، على قدر الجد والاجتهاد، وعلى قدر تفاوت النفوس والطبع، فمنهم من يظفر بنفسه في مدة يسيره، ومنهم من يظفر بعد مدة طويلة. لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون السائرون بنصر الله، حيث نصرهم على نفوسهم، فظفروا بها. ينصر من شاء حيث يشاء وهو العزيز الرحيم. قال بعضهم : انتهى سير السائرين إلى الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا. هـ.
وقال الورتجبي : قوله :﴿ غُلبت الروم.. ﴾ الآية، إشارة إلى أن الأرواح، وإن كانت مغلوبة من النفوس الأمارة، والشياطين الكافرة ؛ امتحاناً من الله، وتربيةً لها بمباشرة القهريات، فإنها تغلب على النفوس، من حيث تخرج من مقام الاختيار. انظر تمامه. وقال القشيري : قوله تعالى :﴿ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ﴾ : استغراقُهم في الاشتغال بالدنيا، وانهماكهم بما مَنَعهم عن العلم بالآخرة وقيمة كل امرئ عِلمُه ؛ كما في الأثر عن عليّ رضي الله عنه. قال :
وَقِيمَةُ كُلِّ امْرِئ مَا كَانَ يُتْقِنُهُ والجاهلون لأهلِ العِلْمِ أعداءُ
فأهل الدنيا في غفلة عن الآخرة، والمشتغلون بعلم الآخرة، هم بوجودها، في غفلة عن الله. هـ. قلت : وأهل المعرفة بالله لم يشغلهم عنه دنيا ولا آخرة. والله تعالى أعلم.

﴿ في أدنى الأرض ﴾ أي : في أقرب أرض العرب ؛ لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم، أي : غلبوا في أدنى أرض العرب منهم، وهي أطراف الشام. أو أراد أرضهم على إنابة اللام مناب المضاف إليه، أي : في أدنى أرضهم إلى عدوّهم. قال ابن عطية : قرأ الجمهور :" غُلبت " ؛ بضم الغين. وقالوا : معنى الآية : أنه بلغ أهل مكة أن الملك كسرى هزَم جيشَ الروم بأذرعاتِ، وهي أدنى أرض الروم إلى مكة، فسُر لذلك كفارُ قريش، فبشر المؤمنين بأن الروم سيغلبون. ه. وهذا معنى قوله :﴿ وهم ﴾ أي : الروم ﴿ من بعد غَلَبِهم ﴾، وقرئ : بسكون اللام ؛ كالحلَب والحلْب، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول، أي : وهم من بعد غلبة فارس إياهم ﴿ سيَغْلِبون ﴾ فارس، وتكون الدولة لهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كما تقع الدولة بين الأشباح، تقع بين النفوس، والأرواح. فتارة تغلب النفوس بظلماتها على الأرواح، فتحجبها عن الله، وتارة تغلب الأرواح بأنوارها على النفوس، فتستر ظلمة حظوظها، ويرتفع الحجاب بين الله وعبده. آلم. غُلبت أنوار الأرواح بظلمة كثائف النفوس، في أدنى أرض العبودية، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، فتغلب أنوار الأرواح المطهرة، على ظلمة نفوس الظلمانية، وذلك في بضع سنين، مدة المجاهدة، والبُضع : من ثلاث إلى عشر، على قدر الجد والاجتهاد، وعلى قدر تفاوت النفوس والطبع، فمنهم من يظفر بنفسه في مدة يسيره، ومنهم من يظفر بعد مدة طويلة. لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون السائرون بنصر الله، حيث نصرهم على نفوسهم، فظفروا بها. ينصر من شاء حيث يشاء وهو العزيز الرحيم. قال بعضهم : انتهى سير السائرين إلى الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا. هـ.
وقال الورتجبي : قوله :﴿ غُلبت الروم.. ﴾ الآية، إشارة إلى أن الأرواح، وإن كانت مغلوبة من النفوس الأمارة، والشياطين الكافرة ؛ امتحاناً من الله، وتربيةً لها بمباشرة القهريات، فإنها تغلب على النفوس، من حيث تخرج من مقام الاختيار. انظر تمامه. وقال القشيري : قوله تعالى :﴿ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ﴾ : استغراقُهم في الاشتغال بالدنيا، وانهماكهم بما مَنَعهم عن العلم بالآخرة وقيمة كل امرئ عِلمُه ؛ كما في الأثر عن عليّ رضي الله عنه. قال :
وَقِيمَةُ كُلِّ امْرِئ مَا كَانَ يُتْقِنُهُ والجاهلون لأهلِ العِلْمِ أعداءُ
فأهل الدنيا في غفلة عن الآخرة، والمشتغلون بعلم الآخرة، هم بوجودها، في غفلة عن الله. هـ. قلت : وأهل المعرفة بالله لم يشغلهم عنه دنيا ولا آخرة. والله تعالى أعلم.

وذلك ﴿ في بِِضْعِ سنين ﴾، وهو ما بين الثلاث إلى العشر. قال النسفي : قيل : احتربت الروم وفارس، بين أذرعاتِ وبُصرى، فغلبت فارسُ الروم، والمَلِكُ بفارس، يومئذٍ، كسرى " أبرويز "، فبلغ الخبر مكة، فشقَّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ؛ لأنَّ فارسَ مجوسٌ ؛ لا كتاب لهم، والروم أهل كتاب، وفرح المشركون وشمتوا، وقالوا : أنتم والنصارى أهل الكتاب، ونحن فارس أُمِّيُّون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرنَّ نحن عليكم، فنزلت الآية. فقال أبو بكر : والله ليَظْهَرَنَّ الروم على فارس بعد بضع سنين، فقال له أُبَيُّ بنُ خلف : كذبت، فناحبه - أي : قامره - على عشر قلائص من كل واحد منهما، وجعل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال - عليه الصلاة والسلام- :" زِدْ في الخطر وأبعد في الأجل "، فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين، ومات أبيّ من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، أو : يوم بدر، فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أُبَيَّ، فقال عليه الصلاة والسلام - :" تصدَّقْ به١ ".
وهذه آية بينة على صحة نبوته، وأن القرآن من عند الله ؛ لأنها إنباء عن علم الغيب. وكان ذلك قبل تحريم القمار، عن قتادة. ومذهب أبي حنيفة ومحمد - رضي الله عنهما - : أن العقود الفاسدة ؛ كعقد الربا وغيره، جائز في دار الحرب بين المسلمين والكفار، واحتجا بهذه القصة. ه. زاد البيضاوي : وأجيب بأنه كان قبل تحريم القمار. ه وقرئ :" غلبت " ؛ بالفتح، و " سيُغلبون " بالضم، ومعناه : أن الروم غَلَبُوا على ريف الشام، وسيغلبهم المسلمون، وقد غزاهم المسلمون في السنة التاسعة من نزولها، وفتحوا بعض بلادهم، وعلى هذا يكون إضافة الغلَب إلى الفاعل.
﴿ لله الأمرُ من قبلُ ومن بعد ﴾ أي : من قبل كل شيء، ومن بعد كل شيء. أو : من قبل الغلبة وبعدها، كأنه قيل : من قبل كونهم غالبين - وقبله : وهو وقت كونهم مغلوبين - ومن بعد كونهم مغلوبين - وهو وقت كونهم غالبين، يعني : أن كونهم مغلوبين أولاًُ، وغالبين آخراً، ليس إلا بأمر الله وقضائه. ﴿ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [ آل عمران : ١٤٠ ]. ﴿ ويومئذٍ ﴾ أي : ويوم تغلب الرومُ فارسَ، ويحل ما وعده الله من غلبتهم، ﴿ يفرح المؤمنون بنصر الله ﴾، وتغلب من له كتاب على مَن لا كتاب له، وغيظ من شمت بهم من أهل مكة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كما تقع الدولة بين الأشباح، تقع بين النفوس، والأرواح. فتارة تغلب النفوس بظلماتها على الأرواح، فتحجبها عن الله، وتارة تغلب الأرواح بأنوارها على النفوس، فتستر ظلمة حظوظها، ويرتفع الحجاب بين الله وعبده. آلم. غُلبت أنوار الأرواح بظلمة كثائف النفوس، في أدنى أرض العبودية، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، فتغلب أنوار الأرواح المطهرة، على ظلمة نفوس الظلمانية، وذلك في بضع سنين، مدة المجاهدة، والبُضع : من ثلاث إلى عشر، على قدر الجد والاجتهاد، وعلى قدر تفاوت النفوس والطبع، فمنهم من يظفر بنفسه في مدة يسيره، ومنهم من يظفر بعد مدة طويلة. لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون السائرون بنصر الله، حيث نصرهم على نفوسهم، فظفروا بها. ينصر من شاء حيث يشاء وهو العزيز الرحيم. قال بعضهم : انتهى سير السائرين إلى الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا. هـ.
وقال الورتجبي : قوله :﴿ غُلبت الروم.. ﴾ الآية، إشارة إلى أن الأرواح، وإن كانت مغلوبة من النفوس الأمارة، والشياطين الكافرة ؛ امتحاناً من الله، وتربيةً لها بمباشرة القهريات، فإنها تغلب على النفوس، من حيث تخرج من مقام الاختيار. انظر تمامه. وقال القشيري : قوله تعالى :﴿ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ﴾ : استغراقُهم في الاشتغال بالدنيا، وانهماكهم بما مَنَعهم عن العلم بالآخرة وقيمة كل امرئ عِلمُه ؛ كما في الأثر عن عليّ رضي الله عنه. قال :
وَقِيمَةُ كُلِّ امْرِئ مَا كَانَ يُتْقِنُهُ والجاهلون لأهلِ العِلْمِ أعداءُ
فأهل الدنيا في غفلة عن الآخرة، والمشتغلون بعلم الآخرة، هم بوجودها، في غفلة عن الله. هـ. قلت : وأهل المعرفة بالله لم يشغلهم عنه دنيا ولا آخرة. والله تعالى أعلم.


١ أخرجه بنحوه الترمذي في تفسير سورة ٣٠، حديث ٣١٩٣، ٣١٩٤، وأحمد في المسند ١/٢٧٦، ٣٠٤..
وقيل : نصر الله : هو إظهار صدق المؤمنين، بما أخبروا به المشركين من غلبة الروم. ﴿ ينصُر من يشاء ﴾ فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء أخرى، ﴿ وهو العزيزُ ﴾ : الغالب على أعدائه ﴿ الرحيمُ ﴾ : العاطف على أوليائه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كما تقع الدولة بين الأشباح، تقع بين النفوس، والأرواح. فتارة تغلب النفوس بظلماتها على الأرواح، فتحجبها عن الله، وتارة تغلب الأرواح بأنوارها على النفوس، فتستر ظلمة حظوظها، ويرتفع الحجاب بين الله وعبده. آلم. غُلبت أنوار الأرواح بظلمة كثائف النفوس، في أدنى أرض العبودية، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، فتغلب أنوار الأرواح المطهرة، على ظلمة نفوس الظلمانية، وذلك في بضع سنين، مدة المجاهدة، والبُضع : من ثلاث إلى عشر، على قدر الجد والاجتهاد، وعلى قدر تفاوت النفوس والطبع، فمنهم من يظفر بنفسه في مدة يسيره، ومنهم من يظفر بعد مدة طويلة. لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون السائرون بنصر الله، حيث نصرهم على نفوسهم، فظفروا بها. ينصر من شاء حيث يشاء وهو العزيز الرحيم. قال بعضهم : انتهى سير السائرين إلى الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا. هـ.
وقال الورتجبي : قوله :﴿ غُلبت الروم.. ﴾ الآية، إشارة إلى أن الأرواح، وإن كانت مغلوبة من النفوس الأمارة، والشياطين الكافرة ؛ امتحاناً من الله، وتربيةً لها بمباشرة القهريات، فإنها تغلب على النفوس، من حيث تخرج من مقام الاختيار. انظر تمامه. وقال القشيري : قوله تعالى :﴿ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ﴾ : استغراقُهم في الاشتغال بالدنيا، وانهماكهم بما مَنَعهم عن العلم بالآخرة وقيمة كل امرئ عِلمُه ؛ كما في الأثر عن عليّ رضي الله عنه. قال :
وَقِيمَةُ كُلِّ امْرِئ مَا كَانَ يُتْقِنُهُ والجاهلون لأهلِ العِلْمِ أعداءُ
فأهل الدنيا في غفلة عن الآخرة، والمشتغلون بعلم الآخرة، هم بوجودها، في غفلة عن الله. هـ. قلت : وأهل المعرفة بالله لم يشغلهم عنه دنيا ولا آخرة. والله تعالى أعلم.

﴿ وَعْدَ اللهِ ﴾ أي : وعد ذلك وعداً، فسينجزه لا محالة، فهو مصدر مؤكّد لِمَا قبله ؛ لأن قوله :﴿ سيغلبون ﴾ وعد، ﴿ لا يُخْلِفَ الله وعْدَه ﴾ ؛ لامتناع الكذب عليه تعالى، فلا بد من نصر الروم على فارس. ﴿ ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون ﴾ صحة وعده، وأنه لا يُخلف، أو : لا يعلمون أن الأمور كلها بيد الله ؛ لجهلهم وعدم تفكرهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كما تقع الدولة بين الأشباح، تقع بين النفوس، والأرواح. فتارة تغلب النفوس بظلماتها على الأرواح، فتحجبها عن الله، وتارة تغلب الأرواح بأنوارها على النفوس، فتستر ظلمة حظوظها، ويرتفع الحجاب بين الله وعبده. آلم. غُلبت أنوار الأرواح بظلمة كثائف النفوس، في أدنى أرض العبودية، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، فتغلب أنوار الأرواح المطهرة، على ظلمة نفوس الظلمانية، وذلك في بضع سنين، مدة المجاهدة، والبُضع : من ثلاث إلى عشر، على قدر الجد والاجتهاد، وعلى قدر تفاوت النفوس والطبع، فمنهم من يظفر بنفسه في مدة يسيره، ومنهم من يظفر بعد مدة طويلة. لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون السائرون بنصر الله، حيث نصرهم على نفوسهم، فظفروا بها. ينصر من شاء حيث يشاء وهو العزيز الرحيم. قال بعضهم : انتهى سير السائرين إلى الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا. هـ.
وقال الورتجبي : قوله :﴿ غُلبت الروم.. ﴾ الآية، إشارة إلى أن الأرواح، وإن كانت مغلوبة من النفوس الأمارة، والشياطين الكافرة ؛ امتحاناً من الله، وتربيةً لها بمباشرة القهريات، فإنها تغلب على النفوس، من حيث تخرج من مقام الاختيار. انظر تمامه. وقال القشيري : قوله تعالى :﴿ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ﴾ : استغراقُهم في الاشتغال بالدنيا، وانهماكهم بما مَنَعهم عن العلم بالآخرة وقيمة كل امرئ عِلمُه ؛ كما في الأثر عن عليّ رضي الله عنه. قال :
وَقِيمَةُ كُلِّ امْرِئ مَا كَانَ يُتْقِنُهُ والجاهلون لأهلِ العِلْمِ أعداءُ
فأهل الدنيا في غفلة عن الآخرة، والمشتغلون بعلم الآخرة، هم بوجودها، في غفلة عن الله. هـ. قلت : وأهل المعرفة بالله لم يشغلهم عنه دنيا ولا آخرة. والله تعالى أعلم.

وإنما ﴿ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ﴾ ؛ ما يشاهدونه منها من التمتع بزخارفها. وفيه دليل أن للدنيا ظاهراً وباطناً، فظاهرها : ما يعرفه الجهّال من التمتع بزخارفها. قال بعض الحكماء : إن كنت من أهل الاستبصار فألق ناظرك عن زخارف هذه الدار، فإنها مجمع الأكدار، ومنبع المضار، وسجن الإبرار، ومجلس الأشرار، الدنيا كالحية، تجمع سموم نوائبها، وتفرغه في صميم قلوب أبنائها. ه. وباطنها : أنها مجازٌ إلى الآخرة، يتزودون منها إليها بالأعمال الصالحة وتحقيق المعرفة. وتنكير ( ظاهِراً ) : مُفيدٌ أنهم لا يعلمون إلا ظاهراً واحداً من جملة ظواهرها. ﴿ وهم عن الآخرة هم غافلون ﴾ ؛ لا تخطر ببالهم، ولا يتفكرون في أهوالها ونوائبها. فهم، الثانية : مبتدأ، و( غافلون ) : خبره، والجملة : خبر الأولى، وفيه تنبيه أنهم معدن الغفلة ومقرّها. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كما تقع الدولة بين الأشباح، تقع بين النفوس، والأرواح. فتارة تغلب النفوس بظلماتها على الأرواح، فتحجبها عن الله، وتارة تغلب الأرواح بأنوارها على النفوس، فتستر ظلمة حظوظها، ويرتفع الحجاب بين الله وعبده. آلم. غُلبت أنوار الأرواح بظلمة كثائف النفوس، في أدنى أرض العبودية، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، فتغلب أنوار الأرواح المطهرة، على ظلمة نفوس الظلمانية، وذلك في بضع سنين، مدة المجاهدة، والبُضع : من ثلاث إلى عشر، على قدر الجد والاجتهاد، وعلى قدر تفاوت النفوس والطبع، فمنهم من يظفر بنفسه في مدة يسيره، ومنهم من يظفر بعد مدة طويلة. لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون السائرون بنصر الله، حيث نصرهم على نفوسهم، فظفروا بها. ينصر من شاء حيث يشاء وهو العزيز الرحيم. قال بعضهم : انتهى سير السائرين إلى الظفر بنفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا. هـ.
وقال الورتجبي : قوله :﴿ غُلبت الروم.. ﴾ الآية، إشارة إلى أن الأرواح، وإن كانت مغلوبة من النفوس الأمارة، والشياطين الكافرة ؛ امتحاناً من الله، وتربيةً لها بمباشرة القهريات، فإنها تغلب على النفوس، من حيث تخرج من مقام الاختيار. انظر تمامه. وقال القشيري : قوله تعالى :﴿ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ﴾ : استغراقُهم في الاشتغال بالدنيا، وانهماكهم بما مَنَعهم عن العلم بالآخرة وقيمة كل امرئ عِلمُه ؛ كما في الأثر عن عليّ رضي الله عنه. قال :
وَقِيمَةُ كُلِّ امْرِئ مَا كَانَ يُتْقِنُهُ والجاهلون لأهلِ العِلْمِ أعداءُ
فأهل الدنيا في غفلة عن الآخرة، والمشتغلون بعلم الآخرة، هم بوجودها، في غفلة عن الله. هـ. قلت : وأهل المعرفة بالله لم يشغلهم عنه دنيا ولا آخرة. والله تعالى أعلم.

ثم أمر بالتفكر، فقال :
﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيا أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾
قلت :" في أنفسهم " : يحتمل أن يكون ظرفاً، أي : أَوَ لمْ يحدثوا التفكر فيها، وأن تكون صلة للتفكر، نحو : تفكر في الأمر : أجال فيه فكره. والأول أظهر.
يقول الحق جل جلاله :﴿ أَوَ لَمْ يَتَفَكروا في أنفسهم ﴾ أي : أَوَ لَمْ يثبتوا التفكر في أنفسهم، أي : في قلوبهم الفارغة، فيتفكروا بها في مصنوعات الله، حتى يعلموا أنها ما خُلِقَتْ عبثاً، والتفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكن زيادة تصوير لحال المتفكرين، كقوله : اعتقده في قلبك. أو : أَوَلَمْ يتفكروا في أنفسهم، التي هي أقرب إليهم من غيرها، وهم أعلم بأحوالها، فيتدبروا ما أودعها الله تعالى، ظاهراً وباطناً، من غرائب الحكمة الدالة على التدبير من الحكيم القديم، وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى وقت تجازي فيه، على الإحسان إحساناً، وعلى الإساءة مثلها، حتى يعلموا، عند ذلك، أن سائر الخلائق مثلها، وأنه لا بُدَّ لهم من الانتهاء إلى ذلك الوقت، فيعلموا أن ﴿ ما خَلَقَ الله السماواتِ والأرض وما بينهما إلا بالحقِ وأَجَلٍ مُّسَمىًّ ﴾ أي : ما خلقها باطلاً وعبثاً من غير حكمة، ولا لتبقى خالدة، وإنما خلقها مقرونة بالحق، مصحوبة بالحكمة البالغة، وتنتهي إلى أجل مسمى، وهو قيامُ الساعة، ووقت الحساب، بالثواب والعقاب، فيخرب هذا العالم، ويقوم عالم آخر، لا انتهاء لوجوده.
قال في الحاشية الفاسية : وبالجملة : فخلقُ السماوات والأرض ؛ للدلالة على التوحيد بوجودهما، وعلى الآخرة بفنائهما، وانقضاء أجلهما. ثم قال : والحاصل أن خلقه بمقتضى الحكمة يقتضي جزاء أوليائه، وتعذيب أعدائه. وقد نصب تعالى القلب شاهداً ومُنزلاً منزلة الآخرة، والقلب منزلة الدنيا، وكما أن عمل القالب يعود نفعه، إذا فعل الطاعة، على القلب ؛ بالتنوير والتقريب لحضرة الربوبية، ويعود ضرره عليه، إذا فعل ضد ذلك، كما يعرفه أهل القلوب، وأنه مزرعة للقلب، ولا بقاء له، وإنما خلق لقضاء ذلك، فكذلك الدنيا مزرعة للآخرة، وإنما خلقت لذلك، كما يعرفه أهل القلوب والبصائر الصافية السالمة، فاعتبر ذلك. ه.
﴿ وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم ﴾ ؛ بالبعث والجزاء ﴿ لكافرون ﴾ : لجاحدون.
الإشارة : قد تقدم الكلام على فضل التفكر في آل عمران١. وقوله تعالى :﴿ إلا بالحق ﴾ أي : ما خلق الكائنات إلا بالحق، من الحق إلى الحق، فهي من تجليات الحق، ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، فالحق عبارة عن عين الذات عند أهل الحق، فافهم.
١ انظر تفسير الآيات ١٩١ – ١٩٤ من سورة آل عمران..
ثم قال ؛ زيادة في الأمر بالاعتبار، أو : تقول : لما ذكر علمهم بظاهر الحياة الدنيا، ذكر أن من قبلهم كانوا أعلم بها، ولم ينفعهم مع التكذيب، فقال :
﴿ أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ * ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ السُّواءَى أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾
قلت : من رفع " عاقبة الذين أساءوا " ؛ فالسوأى منصوب خبر كان، ومن نصب " عاقبة " ؛ فالسُّوأى : مرفوع اسمها، أو : مصدر لأساؤوا. انظر البيضاوي. والسُّوأى : تأنيث أسوأ. و( أن كذبوا ) : مفعول من أجله، أو : بدل، على أن معنى ( أساءوا ) : كفروا.
يقول الحق جل جلاله :﴿ أوَ لَمْ يَسيروا ﴾ أي : أَعَمُوا ولم يسيروا ﴿ في الأرض ﴾، ثم قرره بقوله :﴿ فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم ﴾ أي : فينظروا إلى آثار الذين من قبلهم ؛ كيف دمرهم الله، وأخلا بلادهم، وبقيت دارسة بعدهم، كعاد وثمود، وغيرهم من الأمم العاتية، والجبابرة الطاغية، ﴿ كانوا أشدَّ منهم قوةً ﴾ حتى كان منهم من يفتل الحديد بيده، ﴿ وأثاروا الأرض ﴾ ؛ قلبوا وجهها بالحراثة، واستنباط المياه، واستخراج المعادن، وغير ذلك. ﴿ وعَمَروها ﴾ أي : عمرَ المدمَّرون الأرض ﴿ أكثرَ مما عَمَروها ﴾ أي : أهل مكة، فأكثر : صفة لمصدر محذوف. و( ما ) : مصدرية، أي : عمارة هؤلاء، فإنهم أهل واد غير ذي زرع، ولا تَبَسُّطَ لهم في غيرها. وفيه تهكم بهم ؛ من حيث أنهم عمروا الأرض، مغترون بالدنيا، مفتخرون بها، وهو أضعف حالاً فيها ؛ إذ مدار أمرها على التبسّط في البلاد، والتسلط على العباد، والتصرف في أقطار الأرض بأنواع العمارة، وهم ضعفاء مُلْجؤونَ إلى واد لا نفع فيه. قال البيضاوي.
﴿ وجاءتهم رسلُهم بالبينات ﴾ ؛ بالمعجزات الواضحات، فلم يؤمنوا ؛ فأُهلِكوا، ﴿ فما كان الله ليظلمهم ﴾ ؛ بأن دمرهم بلا سبب، أو : من غير إعذار، ﴿ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ ؛ حيث ارتكبوا ما أدى إلى تدميرهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : السير إلى الله على أقسام : سَيْرُ النفوس : بإقامة عبادة الجوارح ؛ لطلب الأجور، وسَيْرُ القلوب : بجَولاَنها في ميادين الأغيار، للتبصر والاعتبار، طلباً للحضور، وسير الأرواح : بجولان الفكرة في ميادين الأنوار ؛ طلباً لرفع الستور ودوام الحضور، وسير الأسرار : الترقي في أسرار الجبروت، بعد التمكن من شهود أنوار الملكوت على سبيل الدوام. قال القشيري : سَيْرُ النفوس في أوطان الأرض ومناكبها لأداء العبادات، وسَيْرُ القلوب بجَوَلاَن الفكْر في جميع المخلوقات، وغايته : الظَّفَرُ بحقائق العلوم التي تُوجبُ ثلج الصدور - ثم تلك العلوم على درجات - وسَيْرُ الأرواح في ميادين الغيب : بِنَعْتِ خَرْقِ سُرَادِقَات الملكوت. وقُصَاراه : الوصولُ إلى ساحل الشهود، واستيلاء سلطان الحقيقة. وسَيْرُ الأسرار : بالترقي - أي : الغيبة - عن الحِدْثان بأَسْرها، والتحقق، أولاً، بالصفات، ثم بالخمود، بالكلية، عمَّا سوى الحق. هـ.
وقال في قوله :﴿ ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السُّوأى ﴾ : من زَرَعَ الشوكَ لم يحصدُ الوَرْدَ، ومَنْ استنبت الحشيش لم يقطف البهار، ومَنْ سَلَكَ سبيل الغيّ لم يَحْلُلْ بساحة الرشد. هـ.

﴿ ثم كان عاقبةُ الذي أساءوا ﴾ بالكفر والمعاصي ﴿ السُّوأى ﴾ أي : العقوبة السوأى، والأصل : ثم كان عاقبتهم، فوضع الظاهر موضع المضمر ؛ للدلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم، وهو إساءتهم. والمعنى : أنهم عوقبوا في الدنيا بالدمار، ثم كان عاقبتهم في الآخرة العقوبة التي هي أسوأ العقوبات، وهي النار التي أُعدت للكافرين. لأجل ﴿ أن كذَّبوا ﴾ أو : بأن كذَّبوا ﴿ بآيات الله ﴾ الدالة على صدق رسله، أو : على وحدانيته. ﴿ وكانوا بها يستهزؤون ﴾ ؛ حيث قابلوها بالتكذيب، أو : غفلوا عن التفكر فيها. أو : ثم كان عاقبة الذين اقترفوا الخطيئة السُّؤاى أن طبع الله على قلوبهم، حتى كذّبوا بالآيات، واستهزءوا بها. أو : ثم كان عاقبة الذين فعلوا الفعلة السوأى، وهو أن كذّبوا واستهزءوا، أن يلحقهم ما تعجز عنه نطاق العبارة، فخبر كان، على هذا : محذوف ؛ للتهويل. و( أن كذبوا ) : بيان، أو : بدل من السوأى. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : السير إلى الله على أقسام : سَيْرُ النفوس : بإقامة عبادة الجوارح ؛ لطلب الأجور، وسَيْرُ القلوب : بجَولاَنها في ميادين الأغيار، للتبصر والاعتبار، طلباً للحضور، وسير الأرواح : بجولان الفكرة في ميادين الأنوار ؛ طلباً لرفع الستور ودوام الحضور، وسير الأسرار : الترقي في أسرار الجبروت، بعد التمكن من شهود أنوار الملكوت على سبيل الدوام. قال القشيري : سَيْرُ النفوس في أوطان الأرض ومناكبها لأداء العبادات، وسَيْرُ القلوب بجَوَلاَن الفكْر في جميع المخلوقات، وغايته : الظَّفَرُ بحقائق العلوم التي تُوجبُ ثلج الصدور - ثم تلك العلوم على درجات - وسَيْرُ الأرواح في ميادين الغيب : بِنَعْتِ خَرْقِ سُرَادِقَات الملكوت. وقُصَاراه : الوصولُ إلى ساحل الشهود، واستيلاء سلطان الحقيقة. وسَيْرُ الأسرار : بالترقي - أي : الغيبة - عن الحِدْثان بأَسْرها، والتحقق، أولاً، بالصفات، ثم بالخمود، بالكلية، عمَّا سوى الحق. هـ.
وقال في قوله :﴿ ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السُّوأى ﴾ : من زَرَعَ الشوكَ لم يحصدُ الوَرْدَ، ومَنْ استنبت الحشيش لم يقطف البهار، ومَنْ سَلَكَ سبيل الغيّ لم يَحْلُلْ بساحة الرشد. هـ.

ثم ذكر شأن البعث الذي هو عاقبة المسيء والمحسن، فقال :
﴿ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ * ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ * ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ * ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ * ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴾ * ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ الله يَبدأُ الخلقَ ﴾ ؛ ينشئهم، ﴿ ثم يُعيده ﴾ ؛ يحييهم بعد الموت، ﴿ ثم إليه تُرْجَعونَ ﴾ ؛ للجزاء ؛ بالثواب والعقاب. والالتفات إلى الخطاب ؛ للمبالغة في إثباته. وقرأ أبو عمرو وسهل وروح : بالغيب، على الأصل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من اعتمد على غير الله، أو ركن إلى شيء سواه، فهو مجرم عند الخصوص، وذلك الشيء الذي ركن إليه صنم في حقه، يتبرأ منه يوم القيامة، ويُبلس من نفعه، ﴿ يوم تقوم الساعة يُبلس المجرمون ﴾ : الآية. ﴿ ويوم تقوم الساعة يومئذٍ يتفرقون ﴾ ؛ فريقٌ هم أهل الوصلة، وفريق هم أهل القطعة، فريق في المنة، وفريق في المحنة، فريق في السرور، وفريق في الثبور، فريقٌ في الثواب، وفريق في العقاب، فريق في الفراق، وفريق في التلاق.
﴿ ويوم تقوم الساعة يُبْلِسُ ﴾ : ييأس ويتحير ﴿ المجرمون ﴾ ؛ المشركون ؛ يُقال : ناظرته فأبلس، أي : أُفْحِمَ وأَيِسَ من الحجة، أو : يسكتون متحيرين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من اعتمد على غير الله، أو ركن إلى شيء سواه، فهو مجرم عند الخصوص، وذلك الشيء الذي ركن إليه صنم في حقه، يتبرأ منه يوم القيامة، ويُبلس من نفعه، ﴿ يوم تقوم الساعة يُبلس المجرمون ﴾ : الآية. ﴿ ويوم تقوم الساعة يومئذٍ يتفرقون ﴾ ؛ فريقٌ هم أهل الوصلة، وفريق هم أهل القطعة، فريق في المنة، وفريق في المحنة، فريق في السرور، وفريق في الثبور، فريقٌ في الثواب، وفريق في العقاب، فريق في الفراق، وفريق في التلاق.
﴿ ولم يكنُ لهم من شركائهم ﴾ التي عبدوها من دون الله ﴿ شفعاء ﴾ يشفعون لهم ويجيرونهم من النار، ﴿ وكانوا بشركائهم كافرين ﴾ ؛ جاحدين لها، متبرئين من عبادتها، حين أيسوا من نفعها. أو : كانوا في الدنيا كافرين بسبب عبادتها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من اعتمد على غير الله، أو ركن إلى شيء سواه، فهو مجرم عند الخصوص، وذلك الشيء الذي ركن إليه صنم في حقه، يتبرأ منه يوم القيامة، ويُبلس من نفعه، ﴿ يوم تقوم الساعة يُبلس المجرمون ﴾ : الآية. ﴿ ويوم تقوم الساعة يومئذٍ يتفرقون ﴾ ؛ فريقٌ هم أهل الوصلة، وفريق هم أهل القطعة، فريق في المنة، وفريق في المحنة، فريق في السرور، وفريق في الثبور، فريقٌ في الثواب، وفريق في العقاب، فريق في الفراق، وفريق في التلاق.
﴿ ويوم تقوم الساعةُ يومئذٍ يتفرقون ﴾ أي : المسلمون والكافرون، بدليل قوله :﴿ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضةٍ ﴾، أي : بستان ذي أزهار وأنهار، وهي الجنة. والتنكير ؛ لإبهام أمرها وتفخيمه، ﴿ يُحْبَرون ﴾ : يُسرّون، يقال : حبره، إذا سرّه سروراً تهلّل به وجهه، وظهر فيه أثره.
ووجوه المسار كثيرة، فقيل : يُكرمون، وقيل : يُحلّون. وقيل : هو السماع في الجنة. قاله غير واحد. قال أبو الدرداء : كان عليه الصلاة والسلام يذكَّر الناس بنعيم الجنان ؛ فقيل : يا رسول الله ؛ هل في الجنة من سماع ؟ قال :" نعم، إنَّ فِي الجنْة لنَهَراً حَافَتاهُ الأبْكَار مِنْ كُل بَيْضَاءَ خَمْصانة، يَتَغَنيْنَ بأصْواتٍ لَمْ تَسْمَعِ الخلائِقُ بمِثْلها قَطُّ، فَذلك أفْضَلُ نعيم أهل الجنَّة ". قال الراوي : فسألت أبا الدرداء : بم يتغنين ؟ قال : بالتسبيح إن شاء الله١. والخمصانة : المرهفة الأعلى، الضخمة الأسفل. ه. انظر الثعلبي. وذكر غيره أن هذا السماع يكون في نُزْهَةٍ تكون لأهل الجنة على شاطئ هذا النهر، وقد ذكرناها في شرحنا الكبير على الفاتحة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من اعتمد على غير الله، أو ركن إلى شيء سواه، فهو مجرم عند الخصوص، وذلك الشيء الذي ركن إليه صنم في حقه، يتبرأ منه يوم القيامة، ويُبلس من نفعه، ﴿ يوم تقوم الساعة يُبلس المجرمون ﴾ : الآية. ﴿ ويوم تقوم الساعة يومئذٍ يتفرقون ﴾ ؛ فريقٌ هم أهل الوصلة، وفريق هم أهل القطعة، فريق في المنة، وفريق في المحنة، فريق في السرور، وفريق في الثبور، فريقٌ في الثواب، وفريق في العقاب، فريق في الفراق، وفريق في التلاق.

١ أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠/٥٤٨..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:﴿ ويوم تقوم الساعةُ يومئذٍ يتفرقون ﴾ أي : المسلمون والكافرون، بدليل قوله :﴿ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضةٍ ﴾، أي : بستان ذي أزهار وأنهار، وهي الجنة. والتنكير ؛ لإبهام أمرها وتفخيمه، ﴿ يُحْبَرون ﴾ : يُسرّون، يقال : حبره، إذا سرّه سروراً تهلّل به وجهه، وظهر فيه أثره.
ووجوه المسار كثيرة، فقيل : يُكرمون، وقيل : يُحلّون. وقيل : هو السماع في الجنة. قاله غير واحد. قال أبو الدرداء : كان عليه الصلاة والسلام يذكَّر الناس بنعيم الجنان ؛ فقيل : يا رسول الله ؛ هل في الجنة من سماع ؟ قال :" نعم، إنَّ فِي الجنْة لنَهَراً حَافَتاهُ الأبْكَار مِنْ كُل بَيْضَاءَ خَمْصانة، يَتَغَنيْنَ بأصْواتٍ لَمْ تَسْمَعِ الخلائِقُ بمِثْلها قَطُّ، فَذلك أفْضَلُ نعيم أهل الجنَّة ". قال الراوي : فسألت أبا الدرداء : بم يتغنين ؟ قال : بالتسبيح إن شاء الله١. والخمصانة : المرهفة الأعلى، الضخمة الأسفل. ه. انظر الثعلبي. وذكر غيره أن هذا السماع يكون في نُزْهَةٍ تكون لأهل الجنة على شاطئ هذا النهر، وقد ذكرناها في شرحنا الكبير على الفاتحة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من اعتمد على غير الله، أو ركن إلى شيء سواه، فهو مجرم عند الخصوص، وذلك الشيء الذي ركن إليه صنم في حقه، يتبرأ منه يوم القيامة، ويُبلس من نفعه، ﴿ يوم تقوم الساعة يُبلس المجرمون ﴾ : الآية. ﴿ ويوم تقوم الساعة يومئذٍ يتفرقون ﴾ ؛ فريقٌ هم أهل الوصلة، وفريق هم أهل القطعة، فريق في المنة، وفريق في المحنة، فريق في السرور، وفريق في الثبور، فريقٌ في الثواب، وفريق في العقاب، فريق في الفراق، وفريق في التلاق.

١ أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠/٥٤٨..

﴿ وأما الذين كفروا وكذّبوا بآياتنا ولقاءِ الآخرة ﴾ ؛ بالبعث ﴿ فأولئك في العذاب مُحضرون ﴾ : مقيمون، لا يغيبون عنه. عائذاً بالله من غضبه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من اعتمد على غير الله، أو ركن إلى شيء سواه، فهو مجرم عند الخصوص، وذلك الشيء الذي ركن إليه صنم في حقه، يتبرأ منه يوم القيامة، ويُبلس من نفعه، ﴿ يوم تقوم الساعة يُبلس المجرمون ﴾ : الآية. ﴿ ويوم تقوم الساعة يومئذٍ يتفرقون ﴾ ؛ فريقٌ هم أهل الوصلة، وفريق هم أهل القطعة، فريق في المنة، وفريق في المحنة، فريق في السرور، وفريق في الثبور، فريقٌ في الثواب، وفريق في العقاب، فريق في الفراق، وفريق في التلاق.
قال القشيري : وإذا كان الأمر هكذا، فَجِدَّ، أيها المؤمن، في طاعة مولاك، وأَكْثِرْ من ذكره، صباحاً ومساء، وليلاً ونهارا ؛ لتنال ذلك الوعد، وَتَنْجَو من الوعيد، كما أبان ذلك بقوله :
﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ * ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ * ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾
قلت :" فسبحان " : مصدر لمحذوف، أي : سبحوا سبحان. و( حين ) : متعلق بذلك المحذوف.
يقول الحق جل جلاله :﴿ فسبحانَ اللهِ ﴾ أي : فسبّحوا الله ونزّهوه تنزيهاً يليق به في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته، وتجدد فيها نعَمه، وهي ﴿ حينَ تُمسون ﴾ ؛ تدخلون في المساء ﴿ وحين تُصبحون ﴾ تدخلون في الصباح.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أما وجه الأمر بالتنزيه حين المساء والصباح ؛ فلأنَّ المجوس كانوا يسجدون للشمس في هذين الوقتين ؛ تسليماً وتوديعاً، فأمر الحق تعالى المؤمنين أن ينزهوه عمن يستحق العبادة معه، وأما العشي ؛ فلأنه وقت غفلة الناس في جميع حوائجهم، وأما وقت الظهيرة ؛ فلأن جهنم تشتعل فيه ؛ كما في الحديث، وأمر بحمده والثناء عليه في كل وقت ؛ لما غمرهم من النِعَم الظاهرة والباطنة.
قال القشيري : فمن كان صباحُه بالله ؛ بُوركَ له في يومه، ومن كان مساؤه بالله ؛ بورك له في ليلته، وأنشدوا٣ :
وإنَّ صَبَاحاً نلتقي في مسائه صَبَاحٌ على قلب الغريب حبيبُ
شتَّان بين عبد : صباحُه مُفْتَتَحٌ بعبادته، ومساؤه مُخْتَتَمٌ بطاعته، وبين عبدٍ : صباحه مُفتتح بمشاهدته، ورواحه مختتم بعزيز رؤيته. قلت : الأول من عامة الأبرار، والثاني من خاصة العارفين الكبار، وبقي مقام الغافلين، وهو : من كان صباحه مفتتح بهم نفسه، ومساؤه مختتم برؤية حسه، ثم ذكر احتمال الصلوات الخمس في الآية، كما تقدم - ثم قال : وأراد الحق من أوليائه أن يجددوا العبودية في اليوم والليلة خمس مرات، فيقف على بساط المناجاة، ويستدرك ما فاته بين الصلاتين من صوارف الزلات. هـ.
وقوله تعالى :﴿ يُخرج الحي من الميت ﴾ يُخرج الذاكر من الغافل، والغافل من الذاكر، والعارف من الجاهل، والجاهل من العارف، ويُحيي أرض النفوس باليقظة والمعرفة، بعد موتها بالغفلة والجهل، وكذلك تُخرجون من قبوركم على ما متم عليه، من معرفة أو جهل، من يقظة أو غفلة، يموت المرء على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه. والله تعالى أعلم.

وجملة :( وله الحمد ) : معترضة بين معطوفات الظروف. و( في السماوات ) : حال من الحمد، أي : وله، على عباده، الحمد ؛ كائناً في السماوات. . . إلخ.
﴿ وله الحمدُ في السماوات والأرض ﴾ أي : وله، على المميّزين كلّهم، من أهل السماوات والأرض، أن يحمدوه، ﴿ وعشيّاً ﴾ أي : وسبحوه عشياً ؛ آخر النهار، ﴿ وحين تُظْهِرُون ﴾ ؛ تدخلون في وقت الظهيرة.
قال البيضاوي : وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح ؛ لأن آثار العظمة والقدرة فيهما أظهر، تخصيص الحمد بالعشي - الذي هو آخر النهار، من عشى العين ؛ إذ نقص نورها - والظهيرة - التي هي وسطه ؛ لأن تجدد النعم فيها أكثر. ويجوز أن يكون ﴿ عَشِيّاً ﴾ معطوف على ﴿ حين تُمسون ﴾، وقوله :﴿ وله الحمد. . ﴾ إلخ - اعتراضاً. وعن ابن عباس : الآيةُ جامعة للصلوات الخمس، ( تُمسون ) : صلاتا المغرب والعشاء، ( تصبحون ) : صلاة الفجر، ( وعشياً ) : صلاة العصر، ( وتُظهرون ) صلاة الظهر. ولذلك زعم الحسن أنها مَدَنِيَّةٌ ؛ لأنه كان يقول : كان الواجب عليه بمكة ركعتين، في أي وقت اتفقت، وإنما فرضت الخمس بالمدينة. والأكثر على أنها فرضت بمكة. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أما وجه الأمر بالتنزيه حين المساء والصباح ؛ فلأنَّ المجوس كانوا يسجدون للشمس في هذين الوقتين ؛ تسليماً وتوديعاً، فأمر الحق تعالى المؤمنين أن ينزهوه عمن يستحق العبادة معه، وأما العشي ؛ فلأنه وقت غفلة الناس في جميع حوائجهم، وأما وقت الظهيرة ؛ فلأن جهنم تشتعل فيه ؛ كما في الحديث، وأمر بحمده والثناء عليه في كل وقت ؛ لما غمرهم من النِعَم الظاهرة والباطنة.
قال القشيري : فمن كان صباحُه بالله ؛ بُوركَ له في يومه، ومن كان مساؤه بالله ؛ بورك له في ليلته، وأنشدوا٣ :
وإنَّ صَبَاحاً نلتقي في مسائه صَبَاحٌ على قلب الغريب حبيبُ
شتَّان بين عبد : صباحُه مُفْتَتَحٌ بعبادته، ومساؤه مُخْتَتَمٌ بطاعته، وبين عبدٍ : صباحه مُفتتح بمشاهدته، ورواحه مختتم بعزيز رؤيته. قلت : الأول من عامة الأبرار، والثاني من خاصة العارفين الكبار، وبقي مقام الغافلين، وهو : من كان صباحه مفتتح بهم نفسه، ومساؤه مختتم برؤية حسه، ثم ذكر احتمال الصلوات الخمس في الآية، كما تقدم - ثم قال : وأراد الحق من أوليائه أن يجددوا العبودية في اليوم والليلة خمس مرات، فيقف على بساط المناجاة، ويستدرك ما فاته بين الصلاتين من صوارف الزلات. هـ.
وقوله تعالى :﴿ يُخرج الحي من الميت ﴾ يُخرج الذاكر من الغافل، والغافل من الذاكر، والعارف من الجاهل، والجاهل من العارف، ويُحيي أرض النفوس باليقظة والمعرفة، بعد موتها بالغفلة والجهل، وكذلك تُخرجون من قبوركم على ما متم عليه، من معرفة أو جهل، من يقظة أو غفلة، يموت المرء على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر وجه استحقاقه للحمد والتنزيه بقوله :﴿ يُخرج الحيَّ من الميت ﴾، الطائر من البيضة، والإنسان من النطفة، أو : المؤمن من الكافر، والعالم من الجاهل. ﴿ ويُخرج الميتَ من الحيّ ﴾، البيضة من الطائر، والنطفة من الإنسان، أو : الكافر من المؤمن، والجاهل من العالم. ﴿ ويحيي الأرضَ ﴾ بالنبات ﴿ بعد موتها ﴾ بيبسها، ﴿ وكذلك تخرجون ﴾، والمعنى : أن الإبداء والإعادة متساويان في قدرة مَن هو قادر على إخراج الحي من الميت، وعكسه.
رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من قرأ ﴿ فسبحان الله حين تمسون ﴾. . إلى الثلاث آيات، وآخر سورة الصافات :﴿ سبحان ربك رب العزة. . ﴾ إلخ. . دُبُرَ كُلّ صلاة، كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء، وقطر الأمطار، وورق الأشجار، وتراب الأرض. فإذا مات ؛ أجرى له بكل لفظ عشر حسنات في قبره١ " نقله الثعلبي والنسفي. وعنه - عليه الصلاة والسلام :" مَن قَالَ حِينَ يُصْبِحُ :﴿ فسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ ﴾. . . إلى قوله :﴿ وكذلك تخرجون ﴾ ؛ أدْرَكَ ما فَاتَهُ في يوْمِهِ، ومن قاله حين يُمْسِي ؛ أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ٢ " رواه أبو داود.
وقال الضحاك : من قال :﴿ فسبحان الله حين تمسون. . ﴾ إلخ ؛ كان له كعدل مائتي رقبة من ولد إسماعيل. ه. زاد كعب : ولم يفته خَيْرٌ كان في يومه، ولا يدركه شر كان فيه. وإن قالها في السماء ؛ فكذلك. وكان إبراهيم الخليل عليه السلام يقرها ست مرات في كل يوم وليلة. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أما وجه الأمر بالتنزيه حين المساء والصباح ؛ فلأنَّ المجوس كانوا يسجدون للشمس في هذين الوقتين ؛ تسليماً وتوديعاً، فأمر الحق تعالى المؤمنين أن ينزهوه عمن يستحق العبادة معه، وأما العشي ؛ فلأنه وقت غفلة الناس في جميع حوائجهم، وأما وقت الظهيرة ؛ فلأن جهنم تشتعل فيه ؛ كما في الحديث، وأمر بحمده والثناء عليه في كل وقت ؛ لما غمرهم من النِعَم الظاهرة والباطنة.
قال القشيري : فمن كان صباحُه بالله ؛ بُوركَ له في يومه، ومن كان مساؤه بالله ؛ بورك له في ليلته، وأنشدوا٣ :
وإنَّ صَبَاحاً نلتقي في مسائه صَبَاحٌ على قلب الغريب حبيبُ
شتَّان بين عبد : صباحُه مُفْتَتَحٌ بعبادته، ومساؤه مُخْتَتَمٌ بطاعته، وبين عبدٍ : صباحه مُفتتح بمشاهدته، ورواحه مختتم بعزيز رؤيته. قلت : الأول من عامة الأبرار، والثاني من خاصة العارفين الكبار، وبقي مقام الغافلين، وهو : من كان صباحه مفتتح بهم نفسه، ومساؤه مختتم برؤية حسه، ثم ذكر احتمال الصلوات الخمس في الآية، كما تقدم - ثم قال : وأراد الحق من أوليائه أن يجددوا العبودية في اليوم والليلة خمس مرات، فيقف على بساط المناجاة، ويستدرك ما فاته بين الصلاتين من صوارف الزلات. هـ.
وقوله تعالى :﴿ يُخرج الحي من الميت ﴾ يُخرج الذاكر من الغافل، والغافل من الذاكر، والعارف من الجاهل، والجاهل من العارف، ويُحيي أرض النفوس باليقظة والمعرفة، بعد موتها بالغفلة والجهل، وكذلك تُخرجون من قبوركم على ما متم عليه، من معرفة أو جهل، من يقظة أو غفلة، يموت المرء على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه. والله تعالى أعلم.


١ أخرجه النسفي في تفسيره ٢/٦٩٥..
٢ أخرجه أبو داود في الأدب حديث ٥٠٧٦..
ثم ذكر دلائل البعث والخروج، فقال :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴾ * ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ومن آياته ﴾ الدالة على قدرته، الشاملة للبعث وغيره : أو : ومن علامات ربوبيته :﴿ أن خلقكم ﴾ أي : أباكم ﴿ من ترابٍ ﴾ ؛ لأن أصل الإنشاء منه، ﴿ ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ﴾ أي : ثم فاجأتم وقت كونكم بشراً منتشرين في الأرض، آدم وذريته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أصل النشأة البشرية من الطين، وأصل الروح من نور رب العالمين. فإذا غلبت الطينة على الروح جذبتها إلى عالم الطين، فكان همها الطين، وهوت إلى أسفل سافلين، فلا تجد فكرتها وحديثها، في الغالب، إلا في عالم الحس، ويكون عملها كله عَمَلَ الجوارح، يفنى بفنائها. وإذا غلبت الروح على الطينة ؛ وذلك بدخول مقام الفناء، حتى تستولي المعاني على الحسيات. وتنخنس البشرية تحت سلطان أنوار الحقيقة، جذبتها إلى عالم الأنوار والأسرار، فلا تجد فكرتها إلا في أنوار التوحيد وأسرار التفريد، وعملها كله قلبي وسري. بين فكرة واعتبار، وشهود واستبصار، يبقى مع الروح ببقائها، يجري عليها بعد موت البشرية، ويبعث معها، كما تقدم في الحديث :( يموت المرء... ) إلخ.
قال القشيري : يقال : الأصل تُربة، ولكن العِبرَة بالتربية لا بالتربة. هـ. قلت : إذ بالتربية تغلب الروح على البشرية، ثم قال : اصطفى الكعبة، فهي خير من الجنة، مع أن الجنة جواهر ويواقيت، والكعبة حجر ومدر، أي : كذلك المؤمن الكامل، وإن كان أصله من الطين، فهو أفضل من كثير العوالم اللطيفة. ثم قال في قوله تعالى :﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً.. ﴾ الآية : رَدَّ المِثْلَ إلى المِثْل، وربط الشكلَ بالشكل، وجعل سكونَ البعض إلى البعضِ، وذلك للأشباح والصُّورَ، والأرواح صحِبت الأشباح ؛ كرهاً لا طوعاً، وأما الأسرار فمُعْتَقَةٌ، لا تساكن الأطلال، ولا تتدنس بالأغيار. هـ.
قلت : وكأنه يشير إلى أن المودة التي انعقدت بين الزوجين إنما هي نفسية، لا روحانية، ولا سرية ؛ إذ الروح والسر لا يتصور منها ميل إلى غير أسرار الذات العلية ؛ إذ محبة الحق، جذبتها عن الميل إلى شيء من السّوى. واختلف الصوفية : هل تُخِلُّ هذه المودة بين الزوجين بمحبة الحق، أم لا ؟ فقال سهل رضي الله عنه : لا تضر الروح ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :" حُبب إلي َّمن دنياكم ثلاث... " ١ فذكر النساء، إذا كان على وجه الشفقة والرحمة، لا على غلبة الشهوة. وعلامة محبة الشفقة : أنه لا يتغير عند فَقْدها، ولا يحزن بفواتها. وهذا هو الصحيح. والله تعالى أعلم.

﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ﴾ ؛ لأن حواء خُلقت من ضلع آدم، والنساء بعدها خُلقن من أصلاب الرجال. أو : من شكل أنفسكم وجنسها، لا مِنْ جنس آخر، وذلك لما بين الاثنين - إِذْ كَانَا من جنس واحد - من الألفة والمودة والسكون، وما بين الجنسين المختلفين من التنافر. ويقال سكن إليه : إذا مال إليه. ﴿ وجعل بينكم مودة ورحمة ﴾ أي : جعل بينكم التوادد والتراحم بسبب الزواج.
وعن الحسن : المودة كناية عن الجماع، والرحمة هي الولد. وقيل المودة للشابة الجميلة، والرحمة للعجوز، وقيل : المودة والرحمة من الله، والفَرْك من الشيطان – أي : البغض من الجانبين. ﴿ إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون ﴾ ؛ فيعلمون ما في ذلك من الحِكم، وأن قوام الدنيا بوجود التناسل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أصل النشأة البشرية من الطين، وأصل الروح من نور رب العالمين. فإذا غلبت الطينة على الروح جذبتها إلى عالم الطين، فكان همها الطين، وهوت إلى أسفل سافلين، فلا تجد فكرتها وحديثها، في الغالب، إلا في عالم الحس، ويكون عملها كله عَمَلَ الجوارح، يفنى بفنائها. وإذا غلبت الروح على الطينة ؛ وذلك بدخول مقام الفناء، حتى تستولي المعاني على الحسيات. وتنخنس البشرية تحت سلطان أنوار الحقيقة، جذبتها إلى عالم الأنوار والأسرار، فلا تجد فكرتها إلا في أنوار التوحيد وأسرار التفريد، وعملها كله قلبي وسري. بين فكرة واعتبار، وشهود واستبصار، يبقى مع الروح ببقائها، يجري عليها بعد موت البشرية، ويبعث معها، كما تقدم في الحديث :( يموت المرء... ) إلخ.
قال القشيري : يقال : الأصل تُربة، ولكن العِبرَة بالتربية لا بالتربة. هـ. قلت : إذ بالتربية تغلب الروح على البشرية، ثم قال : اصطفى الكعبة، فهي خير من الجنة، مع أن الجنة جواهر ويواقيت، والكعبة حجر ومدر، أي : كذلك المؤمن الكامل، وإن كان أصله من الطين، فهو أفضل من كثير العوالم اللطيفة. ثم قال في قوله تعالى :﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً.. ﴾ الآية : رَدَّ المِثْلَ إلى المِثْل، وربط الشكلَ بالشكل، وجعل سكونَ البعض إلى البعضِ، وذلك للأشباح والصُّورَ، والأرواح صحِبت الأشباح ؛ كرهاً لا طوعاً، وأما الأسرار فمُعْتَقَةٌ، لا تساكن الأطلال، ولا تتدنس بالأغيار. هـ.
قلت : وكأنه يشير إلى أن المودة التي انعقدت بين الزوجين إنما هي نفسية، لا روحانية، ولا سرية ؛ إذ الروح والسر لا يتصور منها ميل إلى غير أسرار الذات العلية ؛ إذ محبة الحق، جذبتها عن الميل إلى شيء من السّوى. واختلف الصوفية : هل تُخِلُّ هذه المودة بين الزوجين بمحبة الحق، أم لا ؟ فقال سهل رضي الله عنه : لا تضر الروح ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :" حُبب إلي َّمن دنياكم ثلاث... " ١ فذكر النساء، إذا كان على وجه الشفقة والرحمة، لا على غلبة الشهوة. وعلامة محبة الشفقة : أنه لا يتغير عند فَقْدها، ولا يحزن بفواتها. وهذا هو الصحيح. والله تعالى أعلم.

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذالِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ * ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِالْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ * ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ * ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ومن آياته ﴾ الدالة على باهر قدرته ﴿ خلقُ السماوات والأرض ﴾. قال القشيري : السماوات في علوِّها. والأرض في دنوِّها، هذه بنجومها وكواكبها، وهذه بأقطارها ومناكبها، هذه بشمسها وقمرها، وهذه بمائها ومدرها، واختلاف لغات أهلها في الأرض، واختلاف تسبيح الملائكة - عليهم السلام - الذين هم سكان السماء. ه. ﴿ واختلافُ ألسنتكم ﴾ باختلاف اللغات، وبأجناس النطق وأشكاله، ﴿ وألوانكم ﴾، كالسواد والبياض وغيرهما، حتى لا تكاد تجد شخصين متوافقين ؛ إلا وبينهما نوع تخالف في اللسان واللون، وباختلاف ذلك وقع التعارفُ والتمايز، فلو توافقت وتشاكلت لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطلت المصالح. وفي ذلك آية بينة، حيث وُلدوا من أب واحد، وهم على كثرتهم متفاوتون. ﴿ إن في ذلك لآيات للعالمين ﴾ ؛ بفتح اللام وكسره. ويشهد للكسر قوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ الْعَالِمُونَ ﴾ [ العنكبوت : ٤٣ ]. قال القشيري : واختصاص كلِّ شيء من هذه ببعض جائزات حكمها ؛ شاهدٌ عَدْلٍ، ودليلٌ صِدْقٍ، يناجي أفكار المستيقظين، وتنادي على أنفسها : أنها، بأجمعها، بتقدير العزيز العليم. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما نُصِبَتْ هذه الكائنات لتراها، بل لترى فيها مولاها، فما هذه الأكوان الحسية إلا تجليات من تجليات الحق، ومظاهر من مظاهره، وأنوار من أنوار ملكوته، متدفقة من بحر جبروته. كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. لكن لا يعرف هذا إلا العارفون بالله، وأما غيرهم فحسبهم أن يستدلوا على عظمة خالقها، وباهر قدرته وحكمته، فيقوي إيمانهم ويشتد إيقانهم.
قال في الإحياء : وبحر المعرفة لا ساحل له، والإحاطة بكنْه جلال الله محال، وكلما كثرت المعرفة بالله سبحانه، وبأفعال مملكته، وأسرار مملكته، وقويت، كثر النعيم في الآخرة وعَظُم، كما أنه كلما كثر البذر وحَسُن ؛ كثر الزرع وحَسُن. وقال أيضاً، في كتاب شرح عجائب القلب : ويكون سعة ملك العبد في الجنة بحسب سعة معرفته بالله، وبحسب ما يتجلى له من عظمة الله سبحانه، ومن صفاته وأفعاله. هـ.
ومن آياته خلق سماوات أرواحكم، وأرض نفوسكم، لتقوم الأرواح بشهود عظمة الربوبية، والنفوس بآداب العبودية، واختلاف ألسنتكم ؛ فبعضها لا تتكلم إلا في الفَرْق، وبعضها إلا في الجمع. وألوانكم ؛ بعضها طهر فيها سيما العارفين، وبهجة المحبين، وبعضها لم يظهر عليها شيء من ذلك. ومن آياته منامكم في ليل الغفلة والبطالة، وَقْتَ غفلَتِكُمْ، وابتغاؤكم من فضله ؛ بزيادة معرفته وَقْتَ يقظتِكُمْ. ومن آياته يُريكم البرق، أي : يُلْمِعُ عليكم أسرَار المعاني، ثم تخفى عند الاستشراف على بحر الحقيقة، خوفاً من الاصطلام والرجوع، وطمعاً في الوصول والتمكين. ومن آياته أن تقوم الأشياء به وبأسرار ذاته، ثم إذا دعاكم دعوة من أرض القطيعة إذا أنتم تخرجون، فتعرجون بأرواحكم إلى سماء وصْلته وتمكن معرفته. والله تعالى أعلم.

﴿ ومن آياته منامُكُم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله ﴾، أي منامكم بالليل، وابتغاؤكم من فضله بالنهار، أو : منامكم في الزمانين، وابتغاؤكم من فضله فيهما، وهو حسن ؛ لأنه إذا طال النهار يقع النوم فيه، وإذا طال الليل يقع الابتغاء فيه. ﴿ إِن في ذلك لآياتٍ لقوم يسمعون ﴾ ؛ سماع تدبر، بآذان واعية. قال القشيري : غَلَبةُ النوم لصاحبه من غير اختيار، وانتباهُه بلا اكتساب، يدلُّ على موته ثم بَعْثِهِ، ثم في حال منامه يرى ما يسرُّه وما يضرُّه يدل على حاله في قبره. الله أعلمُ كيف حاله، في أمره، فيما يلقاه من خيره وشره. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما نُصِبَتْ هذه الكائنات لتراها، بل لترى فيها مولاها، فما هذه الأكوان الحسية إلا تجليات من تجليات الحق، ومظاهر من مظاهره، وأنوار من أنوار ملكوته، متدفقة من بحر جبروته. كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. لكن لا يعرف هذا إلا العارفون بالله، وأما غيرهم فحسبهم أن يستدلوا على عظمة خالقها، وباهر قدرته وحكمته، فيقوي إيمانهم ويشتد إيقانهم.
قال في الإحياء : وبحر المعرفة لا ساحل له، والإحاطة بكنْه جلال الله محال، وكلما كثرت المعرفة بالله سبحانه، وبأفعال مملكته، وأسرار مملكته، وقويت، كثر النعيم في الآخرة وعَظُم، كما أنه كلما كثر البذر وحَسُن ؛ كثر الزرع وحَسُن. وقال أيضاً، في كتاب شرح عجائب القلب : ويكون سعة ملك العبد في الجنة بحسب سعة معرفته بالله، وبحسب ما يتجلى له من عظمة الله سبحانه، ومن صفاته وأفعاله. هـ.
ومن آياته خلق سماوات أرواحكم، وأرض نفوسكم، لتقوم الأرواح بشهود عظمة الربوبية، والنفوس بآداب العبودية، واختلاف ألسنتكم ؛ فبعضها لا تتكلم إلا في الفَرْق، وبعضها إلا في الجمع. وألوانكم ؛ بعضها طهر فيها سيما العارفين، وبهجة المحبين، وبعضها لم يظهر عليها شيء من ذلك. ومن آياته منامكم في ليل الغفلة والبطالة، وَقْتَ غفلَتِكُمْ، وابتغاؤكم من فضله ؛ بزيادة معرفته وَقْتَ يقظتِكُمْ. ومن آياته يُريكم البرق، أي : يُلْمِعُ عليكم أسرَار المعاني، ثم تخفى عند الاستشراف على بحر الحقيقة، خوفاً من الاصطلام والرجوع، وطمعاً في الوصول والتمكين. ومن آياته أن تقوم الأشياء به وبأسرار ذاته، ثم إذا دعاكم دعوة من أرض القطيعة إذا أنتم تخرجون، فتعرجون بأرواحكم إلى سماء وصْلته وتمكن معرفته. والله تعالى أعلم.

قلت :( يُريكم البرق ) : فيه وجهان، أحدهما : إضمار " أن " ؛ كما في حرف ابن مسعود، والثاني : تنزيل الفعل منزلة المصدر، كما قيل في قولهم، في المثل :" تَسْمعَ بالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ من أن تراه١ ". أي : إن تسمع، أو : سماعك. و( خوفاً وطمعاً ) : مفعولان له ؛ على حذف مضاف، أي : إرادة خوف، وإرادة طمع، أو : على الحال، أي : خائفين وطامعين.
﴿ ومن آياته يُريكُمُ البرقَ خوفاً وطمعاً ﴾، أي : خوفاً من الصواعق، وطمعاً في الغيث، أو : خوفاً للمسافر وطمعاً للحاضر، ﴿ ويُنزّل من السماء ماءً ﴾ ؛ مطراً ﴿ فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾ : يتفكرون بعقولهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما نُصِبَتْ هذه الكائنات لتراها، بل لترى فيها مولاها، فما هذه الأكوان الحسية إلا تجليات من تجليات الحق، ومظاهر من مظاهره، وأنوار من أنوار ملكوته، متدفقة من بحر جبروته. كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. لكن لا يعرف هذا إلا العارفون بالله، وأما غيرهم فحسبهم أن يستدلوا على عظمة خالقها، وباهر قدرته وحكمته، فيقوي إيمانهم ويشتد إيقانهم.
قال في الإحياء : وبحر المعرفة لا ساحل له، والإحاطة بكنْه جلال الله محال، وكلما كثرت المعرفة بالله سبحانه، وبأفعال مملكته، وأسرار مملكته، وقويت، كثر النعيم في الآخرة وعَظُم، كما أنه كلما كثر البذر وحَسُن ؛ كثر الزرع وحَسُن. وقال أيضاً، في كتاب شرح عجائب القلب : ويكون سعة ملك العبد في الجنة بحسب سعة معرفته بالله، وبحسب ما يتجلى له من عظمة الله سبحانه، ومن صفاته وأفعاله. هـ.
ومن آياته خلق سماوات أرواحكم، وأرض نفوسكم، لتقوم الأرواح بشهود عظمة الربوبية، والنفوس بآداب العبودية، واختلاف ألسنتكم ؛ فبعضها لا تتكلم إلا في الفَرْق، وبعضها إلا في الجمع. وألوانكم ؛ بعضها طهر فيها سيما العارفين، وبهجة المحبين، وبعضها لم يظهر عليها شيء من ذلك. ومن آياته منامكم في ليل الغفلة والبطالة، وَقْتَ غفلَتِكُمْ، وابتغاؤكم من فضله ؛ بزيادة معرفته وَقْتَ يقظتِكُمْ. ومن آياته يُريكم البرق، أي : يُلْمِعُ عليكم أسرَار المعاني، ثم تخفى عند الاستشراف على بحر الحقيقة، خوفاً من الاصطلام والرجوع، وطمعاً في الوصول والتمكين. ومن آياته أن تقوم الأشياء به وبأسرار ذاته، ثم إذا دعاكم دعوة من أرض القطيعة إذا أنتم تخرجون، فتعرجون بأرواحكم إلى سماء وصْلته وتمكن معرفته. والله تعالى أعلم.


١ المثل للنعمان بن المنذر. انظر جمهرة الأمثال ١/٢٦٦ وأمثال العرب للضبي ص ٥٥. ومجمع الأمثال للميداني ١/١٢٩..
و( إذا دعاكم ) : شرطية، و( إذا )، الثانية ؛ فجائية، نابت عن الفاء. و( من الأرض ) : يتعلق بدعاكم.
﴿ ومن آياته أن تقومَ السماءُ ﴾ بغير عمد ﴿ والأرضُ ﴾ على ماء جماد ﴿ بأمره ﴾ أي : بإقامته، أو تدبيره وقدرته. ﴿ ثم إذا دعاكم ﴾ للبعث ﴿ دعوةً من الأرض إذا أنتم تخرجون ﴾ من قبوركم. وسبك الآية : ومن آياته قيام السماوات والأرض، واستمساكها بغير عمد، ثم إذا دعاكم دعوة واحدة، يا أهل القبور، خرجتم بسرعة.
وإنما عطف هذا بثم ؛ بياناً لعِظَم ما يكون من ذلك الأمر، وإظهار اقتداره على مثله، وهو أن يقول : يا أهل القبور، قوموا، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر، كقوله :﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ [ الزمر : ٦٨ ].
تنبيه : عبّر عن مودة الزوجين بيتفكرون ؛ لأن المودة قلبية، لا تُدْرَكُ إلا بتفكر القلب، وعبّر عن خلق السماوات والأرض واختلاف الألسن والألوان بالعالِمين ؛ لأن أمر ذلك يدركه كل أحد، ممن له عقل أو علم، وعبّر عن النوم واليقظة بيسمعون ؛ لأن من كان في الغفلة لا يسمع أمثال هذه المواعظ، وإنما يسمعها مَنْ كان متيقظاً، وعبّر عن إظهار البرق، وإنزال المطر، وإحياء الأرض، بيعقلون ؛ لأن أمر البرق وما معه يبصره كل من له مسكةٌ عن عقل سليم، ويعلم أنه من الله بلا واسطة. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما نُصِبَتْ هذه الكائنات لتراها، بل لترى فيها مولاها، فما هذه الأكوان الحسية إلا تجليات من تجليات الحق، ومظاهر من مظاهره، وأنوار من أنوار ملكوته، متدفقة من بحر جبروته. كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. لكن لا يعرف هذا إلا العارفون بالله، وأما غيرهم فحسبهم أن يستدلوا على عظمة خالقها، وباهر قدرته وحكمته، فيقوي إيمانهم ويشتد إيقانهم.
قال في الإحياء : وبحر المعرفة لا ساحل له، والإحاطة بكنْه جلال الله محال، وكلما كثرت المعرفة بالله سبحانه، وبأفعال مملكته، وأسرار مملكته، وقويت، كثر النعيم في الآخرة وعَظُم، كما أنه كلما كثر البذر وحَسُن ؛ كثر الزرع وحَسُن. وقال أيضاً، في كتاب شرح عجائب القلب : ويكون سعة ملك العبد في الجنة بحسب سعة معرفته بالله، وبحسب ما يتجلى له من عظمة الله سبحانه، ومن صفاته وأفعاله. هـ.
ومن آياته خلق سماوات أرواحكم، وأرض نفوسكم، لتقوم الأرواح بشهود عظمة الربوبية، والنفوس بآداب العبودية، واختلاف ألسنتكم ؛ فبعضها لا تتكلم إلا في الفَرْق، وبعضها إلا في الجمع. وألوانكم ؛ بعضها طهر فيها سيما العارفين، وبهجة المحبين، وبعضها لم يظهر عليها شيء من ذلك. ومن آياته منامكم في ليل الغفلة والبطالة، وَقْتَ غفلَتِكُمْ، وابتغاؤكم من فضله ؛ بزيادة معرفته وَقْتَ يقظتِكُمْ. ومن آياته يُريكم البرق، أي : يُلْمِعُ عليكم أسرَار المعاني، ثم تخفى عند الاستشراف على بحر الحقيقة، خوفاً من الاصطلام والرجوع، وطمعاً في الوصول والتمكين. ومن آياته أن تقوم الأشياء به وبأسرار ذاته، ثم إذا دعاكم دعوة من أرض القطيعة إذا أنتم تخرجون، فتعرجون بأرواحكم إلى سماء وصْلته وتمكن معرفته. والله تعالى أعلم.

ثم برهن على كمال ملكه، وعظمته، فقال :
﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴾ * ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وله من في السماوات والأرض ﴾ ؛ ملكاً ومُلكاً، ﴿ كل له قانتون ﴾ أي : مطيعون، كلُّ لما أراد، لا يستطيع التغيرَ عن ذلك. أو مُقرّون بالعبودية، أو : قائمون بالشهادة على وحدانيته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الأشياء كلها، من عرشها إلى فرشها، حيها وجامدها، قانتة وساجدة لله تعالى، من حيث حِسُّها الذي هو مَقَر العبودية، وغنية عن السجود من حيث معناها ؛ لأنها من أسرار الربوبية. فالعبد، من حيثُ فرقه، عبد خاضع، ومن حيث جمعه : حُر مُطاع.
قال القشيري : قوله :﴿ وهو أهون عليه ﴾ أي : في ظنِّكم وتقديركم. وفي الحقيقة السهولة والوعورة على الحق لا تجوز. ﴿ وله المثل الأعلى ﴾ والصفات العلى في الوجود بحق القِدَم، وفي وجوده - أي : للأشياء - بنعت الكرم، وفي القدرة بوصف الشمول، وفي النظرة بوصف الكمال، وفي العلم بعموم التعلق، وفي الحكْم بوجود التحقق، وفي المشيئة بوصف البلوغ، وفي القضية بحكم النفوذ، وفي الجبروت بعين العز والجلال، وفي الملكوت بنعت الجد والكمال. هـ. قلت : والحاصل أن المثل الأعلى يرجع إلى كمال ذاته، تعالى، وصفاته وأفعاله.

﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يُعيده ﴾ أي : يُنشئهم ثم يعيدهم للبعث، ﴿ وهو ﴾ أي : البعث ﴿ أهونُ ﴾ ؛ أيسر ﴿ عليه ﴾ عندكم ؛ لأن الإعادة عندكم أسهل من الإنشاء، فلِمَ أنكرتم الإعادة، مع إقراركم بأن الإنشاء منه تعالى ؟ وقال الزجاج وغيره : أهون بمعنى " هيّن " ؛ كقوله :﴿ وَكَانَ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ﴾ [ النساء : ٣٠ ]، كما قالوا : أكبر، بمعنى كبير. والإعادة في نفسها عظيمة ولكنها هُوّنت بالقياس إلى الإنشاء ؛ إذ هو أهون عند الخلق من الإنشاء ؛ لأن قيامهم بصيحة واحدة أسهل من كونهم نُطفاً، ثم عُلقاً، ثم مضغاً، إلى تكميل خلقهم. قاله النسفي.
﴿ وله المَثَلُ الأعلى في السماوات والأرض ﴾ أي : الوصف الأعلى، الذي ليس لغيره، وقد عُرف به، ووُصف في السماوات والأرض، على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاءٍ وإعادة، وغيرهما من المقدورات، ﴿ وهو العزيزُ ﴾ أي : القاهر لكل مقدور، ﴿ الحكيم ﴾ الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه. وعن ابن عباس : المثل الأعلى هو :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [ الشورى : ١١ ]. وعن مجاهد : هو قول :" لا إله إلا الله ". ومعناه : وله الوصف الأرفع، وهو اختصاصه بالألوهية في العالم العلوي والسفلي، ويعضده : ما بعده مِنْ ضرب المثل. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الأشياء كلها، من عرشها إلى فرشها، حيها وجامدها، قانتة وساجدة لله تعالى، من حيث حِسُّها الذي هو مَقَر العبودية، وغنية عن السجود من حيث معناها ؛ لأنها من أسرار الربوبية. فالعبد، من حيثُ فرقه، عبد خاضع، ومن حيث جمعه : حُر مُطاع.
قال القشيري : قوله :﴿ وهو أهون عليه ﴾ أي : في ظنِّكم وتقديركم. وفي الحقيقة السهولة والوعورة على الحق لا تجوز. ﴿ وله المثل الأعلى ﴾ والصفات العلى في الوجود بحق القِدَم، وفي وجوده - أي : للأشياء - بنعت الكرم، وفي القدرة بوصف الشمول، وفي النظرة بوصف الكمال، وفي العلم بعموم التعلق، وفي الحكْم بوجود التحقق، وفي المشيئة بوصف البلوغ، وفي القضية بحكم النفوذ، وفي الجبروت بعين العز والجلال، وفي الملكوت بنعت الجد والكمال. هـ. قلت : والحاصل أن المثل الأعلى يرجع إلى كمال ذاته، تعالى، وصفاته وأفعاله.

ثم ضرب مثلا لقبح الشرك، بعد بيان علو شأنه، فقال :
﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ * ﴿ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ضَرَبَ لكم مثلاً ﴾ لقُبح الشرك وبشاعته، منتزعاً ﴿ من أنفسكم ﴾ التي هي أقرب شيء إليكم، وهو :﴿ هل لكم ﴾، معَاشرِ الأحْرَارِ، ﴿ مما ملكت أيمانُكُم ﴾ أي من عبيدكم ﴿ من شركاءَ فيما رزقناكم ﴾ من الأموال وغيرها. فَمِنْ، الأولى : للابتداء، والثانية : للتبعيض، والثالثة : مزيدة ؛ لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. والمعنى : هل لكم، من بعض عبيدكم، شرك فيما رزقناكم، أي : هل ترضون أن يكون عبيدكم شركاء لكم، فيما رزقناكم ؟ ﴿ فأنتم فيه سواء ﴾ ؛ فتكونون أنتم وهم، فيما رزقناكم من الأموال، سواء ؛ يتصرفون فيه كتصرفكم، ويحكمون فيه كحكمكم، مع أنهم بشرٌ مثلكم، حال كونكم ﴿ تخافونهم ﴾ أي : يستبدوا بالتصرف فيه، ﴿ كخِيفَتِكُم أنفُسَكُم ﴾ أي : كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض - فيما هو مشترك بينهم - أن يستبد فيه بالتصرف دونه. أو : تخافونهم أن يقاسموكم تلك الأموال، أو : يرثونها بعدكم، كما تخافون ذلك من بعضكم، فإذا لم تَرْضَوْا ذلك لأنفسكم، فكيف ترضونه لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد، أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء في استحقاق العبادة ؟ !
﴿ كذلك ﴾، أي : مثل هذا التفصيل البديع، ﴿ نُفصِّلُ الآياتِ ﴾ ؛ نبينها ؛ لأن التمثيل مما يكشف المعاني ويوضحها ﴿ لقوم يعقلون ﴾ ؛ يتدبرون في ضرب الأمثال، ويعرفون حكمها وأسرارها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قيل في الشرك الجلي يجري مثله في الشرك الخفي ؛ فإن الحق تعالى غيور، لا يُحب العمل المشترك، ولا القلب المشترك. العمل المشترك لا يقبله، والقلب المشترك لا يُقبل عليه، وأنْشَدُوا :
لِي محْبوبٌ إنما هُوَ غَيُورْ ***...
يُطِلُّ في الْقَلْبِ كَطَيْر حَذُورْ ***...
ذَا رَأَى شيئاً امتَنَعَ أَنْ يَزُورْ ***...
فكما أنك لا ترضى من عبدك أن يُحب غيرك، ويخضع له، كذلك الحق تعالى، لا يرضى منكُ أن تميل لغيره. قال القشيري. قوله :﴿ بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم ﴾ : أشدُّ الظلم متابعةُ الهوى ؛ لأنه قريب من الشِّرْكِ. قال الله تعالى :﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [ الجاثية : ٢٣ ]، ومن اتَّبع هواه ؛ خالف رضا مولاه، فهو، بوضع الشيء في غير موضعه، صار ظالماً، كما أن العاصي، بوضع المعصية في موضع الطاعة، صار ظالماً، كذلك بمتابعة هواه، بَدَلاً عن موافقة ومتابعة رضا مولاه، صار في الظلم متمادياً. هـ.

فلما لم ينزجروا أضرب عنهم، فقال :﴿ بل اتَّبعَ الذين ظلموا ﴾ أنفسهم بالشرك ﴿ أهواءَهم بغير علمٍ ﴾، أي : تبعوا أهواءهم، جاهلين، ولو كان لهم عِلْمٌ ؛ لَرُجِيَ أن يزجرهم، ﴿ فمن يهدي من أضل الله ﴾ ؟ أي : لا هادي له قط، ﴿ وما لهم من ناصرين ﴾ يمنعونهم من العذاب، أو : يَحْفُظونهم من الضلالة، أو : من الإقامة فيها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما قيل في الشرك الجلي يجري مثله في الشرك الخفي ؛ فإن الحق تعالى غيور، لا يُحب العمل المشترك، ولا القلب المشترك. العمل المشترك لا يقبله، والقلب المشترك لا يُقبل عليه، وأنْشَدُوا :
لِي محْبوبٌ إنما هُوَ غَيُورْ ***...
يُطِلُّ في الْقَلْبِ كَطَيْر حَذُورْ ***...
ذَا رَأَى شيئاً امتَنَعَ أَنْ يَزُورْ ***...
فكما أنك لا ترضى من عبدك أن يُحب غيرك، ويخضع له، كذلك الحق تعالى، لا يرضى منكُ أن تميل لغيره. قال القشيري. قوله :﴿ بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم ﴾ : أشدُّ الظلم متابعةُ الهوى ؛ لأنه قريب من الشِّرْكِ. قال الله تعالى :﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [ الجاثية : ٢٣ ]، ومن اتَّبع هواه ؛ خالف رضا مولاه، فهو، بوضع الشيء في غير موضعه، صار ظالماً، كما أن العاصي، بوضع المعصية في موضع الطاعة، صار ظالماً، كذلك بمتابعة هواه، بَدَلاً عن موافقة ومتابعة رضا مولاه، صار في الظلم متمادياً. هـ.

ثم أمر بالتوحيد الخالص، المقصود من ضرب المثل، فقال :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ * ﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾
قلت :( حنيفاً ) : حال من ( الدين )، أو : من المأمور، وهو ضمير ( أقم )، و( فطرة ) : منصوب على الإغراء.
يقول الحق جل جلاله : لنبيه صلى الله عليه وسلم، أو : لكل سامع :﴿ فأَقِمْ وَجْهَكَ للدين ﴾ أي : قوّم وجهك له، غَيْرَ مُلْتَفِتٍ عنه ؛ يميناً ولا شمالاً. وهو تمثيلٌ لإقباله على الدين بكُلِّيته، واستقامته عليه، واهتمامه بأسبابه ؛ فإنَّ من اهتم بالشيء توجه إليه بوجهه، وسدّد إليه نظره، ﴿ حنيفاً ﴾ ؛ أي : مائلاً عن كل ما سواه من الأديان، ﴿ فِطْرَتَ الله ﴾ ؛ أي : الزموا فطرة الله. والفطرة : الخلقة : أَلاَ ترى إلى قوله :﴿ لا تبديلَ لخلقِ الله ﴾ ؟ فالأرواح، حين تركيبها في الأشباح، كانت قابلة للتوحيد، مُهَيَّأَةً له، بل عالمة به، بدليل إقرارها به في عالم الذر، حتى لو تُركوا لَما اخْتَارُوا عليه ديناً آخر، ومَن غوى فإنما غوى منهم بإغواء شياطين الإنس والجن. وفي حديث قدسي :" كُلٌّ عِبَادي خَلَقْتُ حنيفاً، فاجتالتَهُمْ الشّيَاطِينُ عنْ دِينهمْ، وأمَرُوهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي غيري١ "، وفي الصحيح :" كُلُّ مولود يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنصِّرانِهِ أو يُمجِّسَانِهِ٢ ".
قال الزجّاج : معناه : أن الله تعالى فطر الخلق على الإيمان به، على ما جاء في الحديث :" إن الله عز وجل أخرج من صلب آدم ذريته كالذرّ، وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم، فقالوا : بلى٣ "، وكل مولود فهو من تلك الذرية التي شهدت بأن الله تعالى رَبُّهَا وخالقها. ه. قال ابن عطية : الذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة : أنها الخِلقة والهيئة في نفس الطفل، التي هي مهيئة لمعرفة الله والإيمان به، الذي على الإعداد له فطرَ البشر، لكن تعرض لهم العوارض ؛ على حسب ما جرى به القدر، ولا يلزم من الإعداد وجعله على حالة قابلة للتوحيد ألا يساعده القدر، كما في قوله تعالى :﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ]، أي : خلقهم معَدين لذلك، فأمر من ساعده القدر، وصرف عن ذلك من لم يُوفق لما خلق له. ه.
فقوله في الحديث :" كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ " أي : على القابلية والصلاحية للتوحيد، ثم منهم من يتمحض لذلك، كما سبق في القدر، ومنهم من لم يوفق لذلك، بل يخذل ويُصرف عنه ؛ لما سبق عليه من الشقاء. وقال في المشارق : أي : يخلق سالماً من الكفر، متهيئاً لقبول الصلاح والهدى، ثم أبواه يحملانه، بَعْدُ، على ما سَبق له في الكتاب. ه. قال ابن عطية : وذِكْرُ الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة. ثم قال : وقد فطر الله الخلق على الاعتراف بربوبيته، ومن لازم ذلك توحيده، وإن لم يُوَفِّقُوا لذلك كُلُّهم، بل وَحِّدَه بعضُهم، وأشرك بعضهم، مع اتفاق الكل على ربوبيته ؛ ضَرُورَة أن الكلَّ يشعر بقاهر له مدبر. قال في الحاشية : والحاصل : أنه تعالى فطر الكل في ابتداء النشأة، على الاعتراف بربوبيته، ولكن كتب منهم السعداء موحدين، وكتب الأشقياء مشركين، مع اعتراف الجميع بربوبيته، ولم يوفق الأشقياء لكون الربوبية تستلزم الوحدانية، فأشركوا، فناقضوا لازم قولهم. ه.
وهذا معنى قوله تعالى :﴿ التي فَطَرَ الناسَ عليها ﴾، أي : خلقهم في أصل نشأتهم عليها، ﴿ لا تبديل لخلق الله ﴾ أي : ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تُغير. وقال الزجاج : معناه : لا تبديل لدين الله، ويدل على قوله :﴿ ذلك الدين القيم ﴾ أي : المستقيم، ﴿ ولكن أكثر الناسِ لا يعلمون ﴾ حقيقة ذلك. حال كونكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الفطرة التي فَطَر الله الأرواحَ عليها في معرفة العيان، لأنها كلها كانت عارفة بالله، لصفائها ولطافتها، فما عاقها عن تلك المعرفة إلا كَثَافَةُ الأبدان، والاشتغالُ بحظوظها وهواها، حتى نسيت تلك المعرفة. وفي ذلك يقول ابن البنا في مباحثه :
وَلَـمْ تَـزَلْ كُـلُّ نُفُـوسٍ الأَحْيَـا لأمَـةً دَرَّاكَـةً لـلأَشْيَـا
وَإِنَّمَـا تَعُـوقُهَـا الأَبْـدَانُ وَالأَنْـفُـسُ النُّـزَّعُ وَالشَّيْـطَـانُ
فَكُـلُّ مَـنْ أذاقهـم جِهَـادَهْ أَظْـهَـرَ لِلْقَـاعِـدِ خَـرْقَ الْعَـادَهْ
قال بعضهم : إنما حجب الله عنها تلك العلوم ؛ غيرة أن تكشف سر الربوبية، فيظهر لغير أهله، قال القشيري :﴿ فأَقِمْ وجْهَك ﴾ أي : أَخِلْصْ قَصْدَك إلى الله، واحفَظْ عهدك معه، وأَفْرِدْ عملك، في سكناتِك وحركاتك وجميع تصرفاتِك، له. ﴿ حنيفاً ﴾ أي : مستقيماً في دينه، مائلاً عن غيره، مُعْرِضاً عن سواه. والزَمْ ﴿ فطرةَ الله التي فطر الناسَ عليها ﴾، ثم ذكر ما تقدم لنا. ثم قال :﴿ منيبين إليه ﴾ ؛ راجعين إلى الله بالكلية، من غير أن تبقى بقية، متصفين بوفائه، منحرفين بكل وجهٍ عن خلافه، مُتَّقينٍ صغير الإثم وكبيره، وقليله وكثيره، مقيمين الصلاة بأركانها وسننها وآدابها ؛ جهراً، متحققين بمرعاة فضلها ؛ سِراً.
وقال في قوله تعالى :﴿ من الذين فَرَّقوا دينهم ﴾ : أقاموا في دنياهم في دار الغفلة، وعناد الجهل والفترة، فركنوا إلى ظنونهم، واستوطنوا مركب أوهامهم، وثَمِلُوا بِسُكْرِ غَيِّهِمْ، وظنوا أنهم على شيء، فإذا انكشف ضبابُ وقتهم، وانقشع سحابُ هجرهم، انقلب فرحُهم تَرَحاً، واستيقنوا أنهم كانوا في ضلالة، ولم يعرجوا إلا في أوطان الجهالة. هـ.


١ أخرجه مسلم في صفة الجنة حديث ٦٣..
٢ أخرجه البخاري في القدر حديث ٦٥٩٩ ومسلم في القدر حديث ٢٢..
٣ أخرجه أحمد في المسند ١/٢٧٢..
﴿ مُنيبين إليه ﴾ أي : راجعين إليه، فهو حال من ضمير : الزموا. وقوله :﴿ واتقوه وأقيموا الصلاة ﴾ : عطف على الزموا. أو : على ( فأقم ) ؛ لأن الأمر له - عليه الصلاة والسلام - أمرٌ لأمته، فكأنه قال : فأقيموا وجوهكم، منيبين إليه، ﴿ واتقوه ﴾ أي : خافوا عقوبته، ﴿ وأقيموا الصلاة ﴾ أي : أَتْقِنُوهَا وأدّوها في وقتها، ﴿ ولا تكونوا من المشركين ﴾ ؛ ممن يشرك به غيره في العبادة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الفطرة التي فَطَر الله الأرواحَ عليها في معرفة العيان، لأنها كلها كانت عارفة بالله، لصفائها ولطافتها، فما عاقها عن تلك المعرفة إلا كَثَافَةُ الأبدان، والاشتغالُ بحظوظها وهواها، حتى نسيت تلك المعرفة. وفي ذلك يقول ابن البنا في مباحثه :
وَلَـمْ تَـزَلْ كُـلُّ نُفُـوسٍ الأَحْيَـا لأمَـةً دَرَّاكَـةً لـلأَشْيَـا
وَإِنَّمَـا تَعُـوقُهَـا الأَبْـدَانُ وَالأَنْـفُـسُ النُّـزَّعُ وَالشَّيْـطَـانُ
فَكُـلُّ مَـنْ أذاقهـم جِهَـادَهْ أَظْـهَـرَ لِلْقَـاعِـدِ خَـرْقَ الْعَـادَهْ
قال بعضهم : إنما حجب الله عنها تلك العلوم ؛ غيرة أن تكشف سر الربوبية، فيظهر لغير أهله، قال القشيري :﴿ فأَقِمْ وجْهَك ﴾ أي : أَخِلْصْ قَصْدَك إلى الله، واحفَظْ عهدك معه، وأَفْرِدْ عملك، في سكناتِك وحركاتك وجميع تصرفاتِك، له. ﴿ حنيفاً ﴾ أي : مستقيماً في دينه، مائلاً عن غيره، مُعْرِضاً عن سواه. والزَمْ ﴿ فطرةَ الله التي فطر الناسَ عليها ﴾، ثم ذكر ما تقدم لنا. ثم قال :﴿ منيبين إليه ﴾ ؛ راجعين إلى الله بالكلية، من غير أن تبقى بقية، متصفين بوفائه، منحرفين بكل وجهٍ عن خلافه، مُتَّقينٍ صغير الإثم وكبيره، وقليله وكثيره، مقيمين الصلاة بأركانها وسننها وآدابها ؛ جهراً، متحققين بمرعاة فضلها ؛ سِراً.
وقال في قوله تعالى :﴿ من الذين فَرَّقوا دينهم ﴾ : أقاموا في دنياهم في دار الغفلة، وعناد الجهل والفترة، فركنوا إلى ظنونهم، واستوطنوا مركب أوهامهم، وثَمِلُوا بِسُكْرِ غَيِّهِمْ، وظنوا أنهم على شيء، فإذا انكشف ضبابُ وقتهم، وانقشع سحابُ هجرهم، انقلب فرحُهم تَرَحاً، واستيقنوا أنهم كانوا في ضلالة، ولم يعرجوا إلا في أوطان الجهالة. هـ.

﴿ من الذين فرقوا دينهم ﴾ : بدل من " المشركين " ؛ بإعادة الجار، أي : لا تكونوا من الذين جعلوا دينهم أدياناً مختلفة باختلاف ما يعبدونه ؛ لاختلاف أهوائهم. وقرأ الأَخَوَان :( فارقوا ) أي : تركوا دين الإسلام الذي أُمروا به، ﴿ وكانوا شِيَعاً ﴾ أي : فرقاً، كل فرقة تشايع إمامها الذي أضلها، أي : تشيعه، وتقوي سواده، ﴿ كل حزب ﴾ منهم ﴿ بما لديهم فرحون ﴾ ؛ مسرورون، ظناً بأنه الحق، ثُم يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون. والعياذ بالله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الفطرة التي فَطَر الله الأرواحَ عليها في معرفة العيان، لأنها كلها كانت عارفة بالله، لصفائها ولطافتها، فما عاقها عن تلك المعرفة إلا كَثَافَةُ الأبدان، والاشتغالُ بحظوظها وهواها، حتى نسيت تلك المعرفة. وفي ذلك يقول ابن البنا في مباحثه :
وَلَـمْ تَـزَلْ كُـلُّ نُفُـوسٍ الأَحْيَـا لأمَـةً دَرَّاكَـةً لـلأَشْيَـا
وَإِنَّمَـا تَعُـوقُهَـا الأَبْـدَانُ وَالأَنْـفُـسُ النُّـزَّعُ وَالشَّيْـطَـانُ
فَكُـلُّ مَـنْ أذاقهـم جِهَـادَهْ أَظْـهَـرَ لِلْقَـاعِـدِ خَـرْقَ الْعَـادَهْ
قال بعضهم : إنما حجب الله عنها تلك العلوم ؛ غيرة أن تكشف سر الربوبية، فيظهر لغير أهله، قال القشيري :﴿ فأَقِمْ وجْهَك ﴾ أي : أَخِلْصْ قَصْدَك إلى الله، واحفَظْ عهدك معه، وأَفْرِدْ عملك، في سكناتِك وحركاتك وجميع تصرفاتِك، له. ﴿ حنيفاً ﴾ أي : مستقيماً في دينه، مائلاً عن غيره، مُعْرِضاً عن سواه. والزَمْ ﴿ فطرةَ الله التي فطر الناسَ عليها ﴾، ثم ذكر ما تقدم لنا. ثم قال :﴿ منيبين إليه ﴾ ؛ راجعين إلى الله بالكلية، من غير أن تبقى بقية، متصفين بوفائه، منحرفين بكل وجهٍ عن خلافه، مُتَّقينٍ صغير الإثم وكبيره، وقليله وكثيره، مقيمين الصلاة بأركانها وسننها وآدابها ؛ جهراً، متحققين بمرعاة فضلها ؛ سِراً.
وقال في قوله تعالى :﴿ من الذين فَرَّقوا دينهم ﴾ : أقاموا في دنياهم في دار الغفلة، وعناد الجهل والفترة، فركنوا إلى ظنونهم، واستوطنوا مركب أوهامهم، وثَمِلُوا بِسُكْرِ غَيِّهِمْ، وظنوا أنهم على شيء، فإذا انكشف ضبابُ وقتهم، وانقشع سحابُ هجرهم، انقلب فرحُهم تَرَحاً، واستيقنوا أنهم كانوا في ضلالة، ولم يعرجوا إلا في أوطان الجهالة. هـ.

ثم ذكر حال أهل الغفلة، فقال :
﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ * ﴿ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ * ﴿ وَإِذَآ أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وإِِذا مَسَّ الناسَ ضُرُّ ﴾ ؛ كمرض، وفقر، وشدة، أو غير ذلك، ﴿ دَعَوا ربهم منيبين ﴾ ؛ راجعين ﴿ إليه ﴾ من دعاء غيره. ﴿ ثم إذا أذاقهم منه رحمةً ﴾ ؛ خلاصاً من الشدة ﴿ إذا فريق منهم بربهم يُشركون ﴾ شركاً جلياً أو خفياً، أي فاجأ بعضهم الإشراك بربهم الذي عافاهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الواجب على المؤمنين أن يختلفوا بضد ما تخلق به الكافرون، فإذا مسهم ضر أو شدة، توجهوا إلى الله، إما بالتضرع والابتهال ؛ عبودية، منتظرين ما يفعل الله، وإما بالصبر، والرضا، والسكون تحت مجاري الأقدار. فإذا جاء الفرج والنعمة ؛ شكروا الله وحمدوه، ونسبوا الفرج إليه وحده، فإن كان وقع منهم سبب شرعي ؛ لم يلتفتوا إليه قط ؛ إذ لا تأثير له أصلاً، وإنما الفرج عنده لا به، فلا يقولوا : فلان ولا فلانة، وإنما الفاعل هو الله الواحد القهار.
وهذا الشرك الخفي مما ابتلى به كثير من الناس، علماء وصالحين، وخصوصاً منهم من يتعاطى كتب الفلسفة، كالأطباء وغيرهم، إذا أصابهم شيء فزعوا، فإذا فَرَّجَ عنهم ؛ قالوا : فلان داوانا، وفلان فرَّج عنا، والدواء الفلاني هو شفاني، فتعالى الله عما يشكرون. فليشدّ العبدُ يده على التوحيد، ولا يرى في الوجود إلا الفرد الصمد، الفعّال لما يريد.
ومن أوصاف أهل الغفلة : أنهم، إذا أصابتهم نعمة، فرحوا وافتخروا بها، وإذا أصابتهم شدة قنطوا وأيسوا من روح الله، والواجب : ألا يفرح بما هو عارض فانٍ، ولا ييأس من روح الله عند الشدة، بل ينتظر من الله الفرج، فإنَّ مع العسر يسراً، إن مع العسر يسرا. قال تعالى :﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ ﴾ [ الحديد : ٢٢ -٢٣ ] الآية. وبالله التوفيق.

﴿ ليكفروا ﴾ ؛ إما : لام كي، أو : لام الأمر ؛ للوعيد والتهديد، أي : أشركوا كي يكفروا ﴿ بما آتيناهم ﴾ من النعم، التي من جملتها : نجاتهم وخلاصهم من كل شدة، ﴿ فتمتعوا ﴾ بكفركم قليلاً ؛ أمر تهديد، ﴿ فسوف تعلمون ﴾ وبال تمتعكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الواجب على المؤمنين أن يختلفوا بضد ما تخلق به الكافرون، فإذا مسهم ضر أو شدة، توجهوا إلى الله، إما بالتضرع والابتهال ؛ عبودية، منتظرين ما يفعل الله، وإما بالصبر، والرضا، والسكون تحت مجاري الأقدار. فإذا جاء الفرج والنعمة ؛ شكروا الله وحمدوه، ونسبوا الفرج إليه وحده، فإن كان وقع منهم سبب شرعي ؛ لم يلتفتوا إليه قط ؛ إذ لا تأثير له أصلاً، وإنما الفرج عنده لا به، فلا يقولوا : فلان ولا فلانة، وإنما الفاعل هو الله الواحد القهار.
وهذا الشرك الخفي مما ابتلى به كثير من الناس، علماء وصالحين، وخصوصاً منهم من يتعاطى كتب الفلسفة، كالأطباء وغيرهم، إذا أصابهم شيء فزعوا، فإذا فَرَّجَ عنهم ؛ قالوا : فلان داوانا، وفلان فرَّج عنا، والدواء الفلاني هو شفاني، فتعالى الله عما يشكرون. فليشدّ العبدُ يده على التوحيد، ولا يرى في الوجود إلا الفرد الصمد، الفعّال لما يريد.
ومن أوصاف أهل الغفلة : أنهم، إذا أصابتهم نعمة، فرحوا وافتخروا بها، وإذا أصابتهم شدة قنطوا وأيسوا من روح الله، والواجب : ألا يفرح بما هو عارض فانٍ، ولا ييأس من روح الله عند الشدة، بل ينتظر من الله الفرج، فإنَّ مع العسر يسراً، إن مع العسر يسرا. قال تعالى :﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ ﴾ [ الحديد : ٢٢ -٢٣ ] الآية. وبالله التوفيق.

﴿ أم أنزلنا عليهم سلطاناً ﴾ ؛ حجّة على عبادة أصنامهم، ﴿ فهو يتكلمُ ﴾، وتكلمه مجاز، كما تقول : كتابه ناطق بكذا، وهذا مما نطق به القرآن، ومعناه : الشهادة، كأنه قال : يشهد بصحة ما ﴿ كانوا به يشركون ﴾، فما : مصدرية، أي : بصحة كونهم بالله يشركون، أو : موصولة، أي : بالأمر الذي بسببه يشركون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الواجب على المؤمنين أن يختلفوا بضد ما تخلق به الكافرون، فإذا مسهم ضر أو شدة، توجهوا إلى الله، إما بالتضرع والابتهال ؛ عبودية، منتظرين ما يفعل الله، وإما بالصبر، والرضا، والسكون تحت مجاري الأقدار. فإذا جاء الفرج والنعمة ؛ شكروا الله وحمدوه، ونسبوا الفرج إليه وحده، فإن كان وقع منهم سبب شرعي ؛ لم يلتفتوا إليه قط ؛ إذ لا تأثير له أصلاً، وإنما الفرج عنده لا به، فلا يقولوا : فلان ولا فلانة، وإنما الفاعل هو الله الواحد القهار.
وهذا الشرك الخفي مما ابتلى به كثير من الناس، علماء وصالحين، وخصوصاً منهم من يتعاطى كتب الفلسفة، كالأطباء وغيرهم، إذا أصابهم شيء فزعوا، فإذا فَرَّجَ عنهم ؛ قالوا : فلان داوانا، وفلان فرَّج عنا، والدواء الفلاني هو شفاني، فتعالى الله عما يشكرون. فليشدّ العبدُ يده على التوحيد، ولا يرى في الوجود إلا الفرد الصمد، الفعّال لما يريد.
ومن أوصاف أهل الغفلة : أنهم، إذا أصابتهم نعمة، فرحوا وافتخروا بها، وإذا أصابتهم شدة قنطوا وأيسوا من روح الله، والواجب : ألا يفرح بما هو عارض فانٍ، ولا ييأس من روح الله عند الشدة، بل ينتظر من الله الفرج، فإنَّ مع العسر يسراً، إن مع العسر يسرا. قال تعالى :﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ ﴾ [ الحديد : ٢٢ -٢٣ ] الآية. وبالله التوفيق.

قلت :( إِذَا هُمْ ) : جواب ( إن ). و( إذا ) ؛ الفجائية، تَخْلُفُ الفاء، لتآخيهما في التعقيب.
﴿ وإِذا أذقنا الناسَ رحمةً ﴾ أي : نعمة ؛ من مطر، أو : سعة رزق، أو : صحة، ﴿ فَرِحُوا بها ﴾ فرح بَطَرَ وافتخار وغفلة. ﴿ وإن تُصبهم سيئة ﴾ ؛ بلاء ؛ من جدب، أو ضيق، أو مرض، ﴿ بما ﴾ ؛ بسبب ما ﴿ قدمتْ أيديهم ﴾ من المعاصي، أي : بشؤمها، ﴿ إِذا هم يَقْنَطُون ﴾ ؛ ييأسون من رحمة الله، وفرجِهِ بعد عسره. يقال : قَنِطَ يَقْنَطُ، كفرح يفرح، وكعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الواجب على المؤمنين أن يختلفوا بضد ما تخلق به الكافرون، فإذا مسهم ضر أو شدة، توجهوا إلى الله، إما بالتضرع والابتهال ؛ عبودية، منتظرين ما يفعل الله، وإما بالصبر، والرضا، والسكون تحت مجاري الأقدار. فإذا جاء الفرج والنعمة ؛ شكروا الله وحمدوه، ونسبوا الفرج إليه وحده، فإن كان وقع منهم سبب شرعي ؛ لم يلتفتوا إليه قط ؛ إذ لا تأثير له أصلاً، وإنما الفرج عنده لا به، فلا يقولوا : فلان ولا فلانة، وإنما الفاعل هو الله الواحد القهار.
وهذا الشرك الخفي مما ابتلى به كثير من الناس، علماء وصالحين، وخصوصاً منهم من يتعاطى كتب الفلسفة، كالأطباء وغيرهم، إذا أصابهم شيء فزعوا، فإذا فَرَّجَ عنهم ؛ قالوا : فلان داوانا، وفلان فرَّج عنا، والدواء الفلاني هو شفاني، فتعالى الله عما يشكرون. فليشدّ العبدُ يده على التوحيد، ولا يرى في الوجود إلا الفرد الصمد، الفعّال لما يريد.
ومن أوصاف أهل الغفلة : أنهم، إذا أصابتهم نعمة، فرحوا وافتخروا بها، وإذا أصابتهم شدة قنطوا وأيسوا من روح الله، والواجب : ألا يفرح بما هو عارض فانٍ، ولا ييأس من روح الله عند الشدة، بل ينتظر من الله الفرج، فإنَّ مع العسر يسراً، إن مع العسر يسرا. قال تعالى :﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ ﴾ [ الحديد : ٢٢ -٢٣ ] الآية. وبالله التوفيق.

ثم برهن على توالي النعم والمحن على العبد، ما دام في دار الدنيا، فقال :
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ * ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ * ﴿ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ أَوَلَمْ يروا أن الله يبسط الرزقَ لمن يشاءُ ويقدرُ ﴾ أي : يضيق على من يشاء، فينبغي للعبد أن يكون راجياً ما عند الله، غير آيس من روح الله ؛ إذ دَوَامُ حَالٍ من قضايا المحال، ﴿ إن في ذلك لآياتٍ لقوم يؤمنون ﴾ ؛ فيستدلون بها على كمال قدرته وحكمته، ولا يقفون مع شيء دونه. قال النسفي : أنكر عليهم بأنهم قد علموا أنه القابض الباسط، فما لهم يقنطون من رحمته ؟ وما لهم لا يرجعون إليه، تائبين من معاصيهم، التي عوقبوا بالشدّة من أجلها، حتى يعيد عليهم رحمته ؟
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : البسط والقبض يتعاقبان على العبد تَعَاقُبَ الليل والنهار. فالواجب على العبد : الرجوعُ إلى الله في السراء والضراء، فالبسط يشهد فيه المنّة من الله، ومقتضى الحق منك الحمدُ والشكر. والقبض يشهده من الله امتحاناً وتصفية، ومقتضى الحق منك الصبرُ والرضا، وانتظار الفرج من الله ؛ فإن انتظار الفرج، مع الصبر، عبادة. قال القشيري : الإشارة إلى ألا يُعلِّق العبدُ قلبَه إلا بالله، لأن ما يسوءهم ليس زواله إلا من الله، وما يسرهم ليس وجودُه إلا من الله. فالبسطُ، الذي يسرهم ويؤنسهم منه، وجوده، والقبض، الذي يسوءهم ويحوشهم منه، حصولُه. فالواجب : لزوم عهوده بالإسرار، وقطعُ الأفكار عن الأغيار. هـ.
وقال في قوله :﴿ فآتِ ذا القربى حَقَّه ﴾ : القرابة على قسمين ؛ قرابةُ النسب وقرابةُ الدين، وهي أمسُّ، وبالمواساة أحقُّ. وإذ كان الرجلُ مشتغلا بالعبادة، غيرُ متفرَغ لطلب المعيشة، فالذي له إيمان بحاله، وإشرافٌ على وقته، يجب عليه أن يقوم بشأنه، بقدر ما يمكنه، مما يكون له عونٌ على طاعته، مما يشوش قلبه، من حديث عياله، فإن كان اشتغال الرجل بشيء من مراعاة القلب فحقّه آكد، وتَفَقُّدَه أوْجَب، ﴿ ذلك خير للذين يريدون وجه الله ﴾، والمريدُ هو الذي يُؤْثِرُ حقَّ الله على حظِّ نَفْسِه. فإيثارُ الإخوان، لمن يريد وجه الله، أتمُّ من مراعاة حال نفسه، فهمّه بالإحسان لذوي القربى والمساكين يتقدم على نظره لنفسه وعَيْلَتِهِ، وما يهمه من نصبيه. هـ.
وقال في قوله :﴿ يُريدون وجه الله ﴾ : لا تستخدم الفقير بما تُريده به من رفق، بل أفضل الصدقة على ذي رَحمٍ كاشح، أي : قاطع ؛ حتى يكون إعطاؤُه لله مجرداً عن كل نصيبٍ لَكَ. فهؤلاء هم الذين يتضاعِفُ أجِرْهم بمجاهدتهم لنفوسهم، حيث يخالفونها، وفوزهم بالعِوَضِ من قِبَل الله. ثم الزكاة هي التطهير، فتطهيرُ المال معلومٌ ببيان الشريعة، وزكاة البَدَنِ، وزكاةُ القلبِ، وزكاةُ السِّر، كلُّ ذلك يجب القيام به. هـ. قلت : فزكاة البدن : إتعابه في القيام بوظائف العبودية الظاهرة، وزكاة القلب : تطهيره من الرذائل وتحليته بالفضائل، وزكاة السر : صيانته من الميل إلى شيء من السِّوى. والله تعالى أعلم.

ولما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم، أتبعه ذكر ما يحب أن يفعل وما يجب أن يترك، يعني : عند البسط ؛ فقال :﴿ فآت ذا القربى ﴾ ؛ أعطِ قريبك ﴿ حَقَّهُ ﴾ من البر والصلة مما بسط عليك. ﴿ و ﴾ أعط ﴿ المسكينَ وابنَ السبيل ﴾ حقهما ؛ من الصدقة الواجبة أو التطوعية، حسبما تقتضيه مكارم الأخلاق. والخطاب لمن بسط عليه، أو : للنبي - عليه الصلاة والسلام، وغيره تبع. ﴿ ذلك ﴾ أي : إيتاء حقوقهم الواجبة، والتطوعية، ﴿ خيرٌ للذين يُريدون وَجْهَ الله ﴾ أي : ذاته المقدسة، أي : يقصدون، بمعروفهم، إياه، خالصاً. ﴿ وأولئك هم المفلحون ﴾ ؛ الفائزون بكل خير، قد حَصَّلوا، بما بسط لهم، النعيم المقيم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : البسط والقبض يتعاقبان على العبد تَعَاقُبَ الليل والنهار. فالواجب على العبد : الرجوعُ إلى الله في السراء والضراء، فالبسط يشهد فيه المنّة من الله، ومقتضى الحق منك الحمدُ والشكر. والقبض يشهده من الله امتحاناً وتصفية، ومقتضى الحق منك الصبرُ والرضا، وانتظار الفرج من الله ؛ فإن انتظار الفرج، مع الصبر، عبادة. قال القشيري : الإشارة إلى ألا يُعلِّق العبدُ قلبَه إلا بالله، لأن ما يسوءهم ليس زواله إلا من الله، وما يسرهم ليس وجودُه إلا من الله. فالبسطُ، الذي يسرهم ويؤنسهم منه، وجوده، والقبض، الذي يسوءهم ويحوشهم منه، حصولُه. فالواجب : لزوم عهوده بالإسرار، وقطعُ الأفكار عن الأغيار. هـ.
وقال في قوله :﴿ فآتِ ذا القربى حَقَّه ﴾ : القرابة على قسمين ؛ قرابةُ النسب وقرابةُ الدين، وهي أمسُّ، وبالمواساة أحقُّ. وإذ كان الرجلُ مشتغلا بالعبادة، غيرُ متفرَغ لطلب المعيشة، فالذي له إيمان بحاله، وإشرافٌ على وقته، يجب عليه أن يقوم بشأنه، بقدر ما يمكنه، مما يكون له عونٌ على طاعته، مما يشوش قلبه، من حديث عياله، فإن كان اشتغال الرجل بشيء من مراعاة القلب فحقّه آكد، وتَفَقُّدَه أوْجَب، ﴿ ذلك خير للذين يريدون وجه الله ﴾، والمريدُ هو الذي يُؤْثِرُ حقَّ الله على حظِّ نَفْسِه. فإيثارُ الإخوان، لمن يريد وجه الله، أتمُّ من مراعاة حال نفسه، فهمّه بالإحسان لذوي القربى والمساكين يتقدم على نظره لنفسه وعَيْلَتِهِ، وما يهمه من نصبيه. هـ.
وقال في قوله :﴿ يُريدون وجه الله ﴾ : لا تستخدم الفقير بما تُريده به من رفق، بل أفضل الصدقة على ذي رَحمٍ كاشح، أي : قاطع ؛ حتى يكون إعطاؤُه لله مجرداً عن كل نصيبٍ لَكَ. فهؤلاء هم الذين يتضاعِفُ أجِرْهم بمجاهدتهم لنفوسهم، حيث يخالفونها، وفوزهم بالعِوَضِ من قِبَل الله. ثم الزكاة هي التطهير، فتطهيرُ المال معلومٌ ببيان الشريعة، وزكاة البَدَنِ، وزكاةُ القلبِ، وزكاةُ السِّر، كلُّ ذلك يجب القيام به. هـ. قلت : فزكاة البدن : إتعابه في القيام بوظائف العبودية الظاهرة، وزكاة القلب : تطهيره من الرذائل وتحليته بالفضائل، وزكاة السر : صيانته من الميل إلى شيء من السِّوى. والله تعالى أعلم.

﴿ وما آتيتم من رباً ليربو في أموالِ الناس ﴾ أي : وما أعطيتم من مال ؛ لتأخذوا من أموال الناس أكثر منه، كَيْفِيَّةً أو كَمِّيَّةً، ﴿ فلا يربو عند الله ﴾ ؛ ولا يبارك فيه، بل يُسحته ويمحقه، ولو بعد حين. وهذه صورة الربا المحرمة، إجماعاً، وقيل : وما أعطيتم من هدية ؛ لتأخذوا أكثر منها، فلا يربو عند الله، لأنكم لم تقصدوا به وجه الله. وهذه ؛ هدية الثواب، جائزة، إلا في حقه - عليه الصلاة والسلام ؛ لقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾ [ المدثر : ٦ ]. وقرأ ابن كثير :" أتيتم " ؛ بالقصر، بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا. وقرأ نافع :" لتُرْبُوا " بالخطاب، أي : لتصيروا ذَوِي ربا، فتزيدوا في أموالكم.
﴿ وما آتيتم من زكاةٍ ﴾ ؛ صدقة، ﴿ تُريدون وجه الله ﴾ ؛ تبتغون به وجهه ؛ خالصاً، لا تطلبون به زيادة، ولا مكافأة، ولا سمعة، ﴿ فأولئك هم المضْعِفُونَ ﴾ أي : ذوو الأَضْعَافِ من الحسنات، من سبعمائة فأكثر. ونظير المُضْعِفِ : المقوي، والموسر، لذي القوة واليسار. والالتفات إلى الخطاب في ( أولئك. . . ) إلخ في غاية الحسن ؛ لما فيه من التعظيم، كأنه خاطب الملائكة وخواص الخلق ؛ تعريفاً بحالهم، وتنويهاً بقدرهم، ولأنه يفيد التعميم، كأنه قيل : مَنْ فَعَلَ هذا فسبيله سبيل المخاطبين المقبول عليهم. ولا بد من ضمير يعود إلى " ما " الموصولة، أي : المضعفون به. أو : فَمُؤْتُوه أولئك هم المضعفون. وقال الزجاج : أي : فأهلها هم المضعفون، أي : يضاعف لهم الثواب، من عشر إلى سبعمائة. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : البسط والقبض يتعاقبان على العبد تَعَاقُبَ الليل والنهار. فالواجب على العبد : الرجوعُ إلى الله في السراء والضراء، فالبسط يشهد فيه المنّة من الله، ومقتضى الحق منك الحمدُ والشكر. والقبض يشهده من الله امتحاناً وتصفية، ومقتضى الحق منك الصبرُ والرضا، وانتظار الفرج من الله ؛ فإن انتظار الفرج، مع الصبر، عبادة. قال القشيري : الإشارة إلى ألا يُعلِّق العبدُ قلبَه إلا بالله، لأن ما يسوءهم ليس زواله إلا من الله، وما يسرهم ليس وجودُه إلا من الله. فالبسطُ، الذي يسرهم ويؤنسهم منه، وجوده، والقبض، الذي يسوءهم ويحوشهم منه، حصولُه. فالواجب : لزوم عهوده بالإسرار، وقطعُ الأفكار عن الأغيار. هـ.
وقال في قوله :﴿ فآتِ ذا القربى حَقَّه ﴾ : القرابة على قسمين ؛ قرابةُ النسب وقرابةُ الدين، وهي أمسُّ، وبالمواساة أحقُّ. وإذ كان الرجلُ مشتغلا بالعبادة، غيرُ متفرَغ لطلب المعيشة، فالذي له إيمان بحاله، وإشرافٌ على وقته، يجب عليه أن يقوم بشأنه، بقدر ما يمكنه، مما يكون له عونٌ على طاعته، مما يشوش قلبه، من حديث عياله، فإن كان اشتغال الرجل بشيء من مراعاة القلب فحقّه آكد، وتَفَقُّدَه أوْجَب، ﴿ ذلك خير للذين يريدون وجه الله ﴾، والمريدُ هو الذي يُؤْثِرُ حقَّ الله على حظِّ نَفْسِه. فإيثارُ الإخوان، لمن يريد وجه الله، أتمُّ من مراعاة حال نفسه، فهمّه بالإحسان لذوي القربى والمساكين يتقدم على نظره لنفسه وعَيْلَتِهِ، وما يهمه من نصبيه. هـ.
وقال في قوله :﴿ يُريدون وجه الله ﴾ : لا تستخدم الفقير بما تُريده به من رفق، بل أفضل الصدقة على ذي رَحمٍ كاشح، أي : قاطع ؛ حتى يكون إعطاؤُه لله مجرداً عن كل نصيبٍ لَكَ. فهؤلاء هم الذين يتضاعِفُ أجِرْهم بمجاهدتهم لنفوسهم، حيث يخالفونها، وفوزهم بالعِوَضِ من قِبَل الله. ثم الزكاة هي التطهير، فتطهيرُ المال معلومٌ ببيان الشريعة، وزكاة البَدَنِ، وزكاةُ القلبِ، وزكاةُ السِّر، كلُّ ذلك يجب القيام به. هـ. قلت : فزكاة البدن : إتعابه في القيام بوظائف العبودية الظاهرة، وزكاة القلب : تطهيره من الرذائل وتحليته بالفضائل، وزكاة السر : صيانته من الميل إلى شيء من السِّوى. والله تعالى أعلم.

ثم برهن على وحدانيته، فقال :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
قلت :( الله ) : مبتدأ، و( الذي خلقكم ) خبر.
يقول الحق جل جلاله :﴿ الله الذي خلقكم ﴾ ؛ أظهركم ﴿ ثم رزقكم ﴾ ما تقوم به أبدانكم، ﴿ ثم يُميتكم ﴾ عند انقضاء آجالكم، ﴿ ثم يُحييكم ﴾ ؛ عند بعثكم ؛ ليجازيكم على فعلكم، أي : هو المختص بالخلق والرزق، والإماتة، والإحياء. ﴿ هل من شركائكم ﴾ ؛ أصنامكم ﴿ من يفعل من ذلكم من شيء ﴾ أي : الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، ﴿ من شيء ﴾ أي : شيئاً من تلك الأفعال ؟ فلم يجيبوا، عجزاً، فقال : استبعاداً وتنزيهاً :﴿ سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾. و " من " ؛ الأولى، والثانية، والثالثة : زوائد ؛ لتأكيد عجز شركائهم، وتجهيل عَبَدَتِهِمْ.
الإشارة : ذكر الحق تعالى أربعة أشياء متناسقة أنه هو فاعلها، فأقر الناس بثلاثة، وشكُّوا في الرزق، وقالوا : لا يكون إلا بالسبب، والسبب إنما هو ستر لسر الربوبية. فإذا تحقق وجوده في حق العامة ارتفع حق الخاصة، فيرزقهم بلا سبب، لقوله تعالى :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ( ٢ ) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [ الطلاق : ٢، ٣ ].
قال القشيري : حين قذفك في بَطْنِ أُمّك قد كنت غنياً عن الأكل والشراب بقدرته، أو مفتقراً إليه، فأجرى رزقه عليك مع الطمث، على ما قالوا، وإذا أخرجك من بطن أمك رزقك على الوجه المعهود في الوقت المعلوم، فيسر لك أسباب الشُرْب والأكل من لبن الأم، ثم من فنون الطعام، ثم أرزاق القلوب والسرائر، من الإيمان والعرفان، وأرزاق التوفيق ؛ من الطاعات والعبادات، وأرزاق اللسان ؛ من الأذكار، وغير ذلك مما جرى ذكره. ﴿ ثم يُميتكم ﴾ بسقوط شهواتكم، ويُميتكم عن شواهدكم، ﴿ ثم يحييكم ﴾ بحياة قلوبكم، ثم بأن يحييكم بربكم. ويقال : من الأرزاق ما هو وجود الأرفاق، ومنها ما شهود الرزاق، ويقال : لا مُكْنَةَ لك في تبديل خلقك، فكذلك لا قدرة لك على تغيير رزقك. فالمُوَسَّع عليه : رزقه بفضل ربه، لا بمناقب نفسه. والمُقَتّر عليه رزقُه بحُكم ربه، لا بمعايب نفسه. ه. وبعضه بالمعنى.
وقد يضيق رزقه على العباد ؛ لما يظهر فيهم من الفساد، كما قال تعالى :
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ * ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ظهر الفسادُ في البر والبحر ﴾، أما الفساد في البر، فكالقحط، وقلة الأمطار، وعدم الريع في الزراعات والربح في التجارات، ووقوع الموتان في الناس والدوابّ، ومحق البركات من كل شيء. وأما في البحر ؛ فبكثرة الغرق، وانقطاع صيده. ﴿ بما ﴾ ؛ وذلك بسبب ما ﴿ كسبتْ أيدي الناس ﴾ من الكفر والمعاصي، ولو استقاموا على الطاعة لدفع الله عنهم هذه الآفات. أظهر فيهم ذلك ﴿ ليذيقهم بعض الذي عملوا ﴾ أي : ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا، قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة، عن " قُنْبل ويعقوب " : بنون التكلم. ﴿ لعلهم يرجعون ﴾ عما هم عليه من المعاصي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الإشارة في البَرِ إلى النَّفْسه، وفي البحر إلى القلب، وفسادُ البرّ بأَكْلِ الحرام وارتكاب المحظورات، وفسادُ البحر من الغفلة والأوصاف الذميمة، مثل سوء العزم، والحسد والحقد، وإرادة الفسوق، وغير ذلك. وعَقْدُ الإصرار على المخالفات من أعظم فساد القلب، كما أنَّ العَزْمَ على الخيرات، قبل فِعْلها، من أعظم الخيرات. ومن جملة الفساد : التأويلاتُ بغير حقٍّ، والانحطاطُ إلى الرُّخَصِ من غير قيام بحقٍ، والإغراق في الدعاوى من غير استحياء. هـ.
قال الورتجبي : إن الله غلب الإنسانية على الكون ؛ طاعةً ومعصية، فإذا رزق الإنسان الطاعة صلح الأكوان ببركتها، وإذا رزق المعصية فسد الحدثان بشؤم معصيته ؛ لأن طاعته ومعصيته من تواثير لطفه وقهره، عَلاَ بنعت الاستيلاء على الوجود، فإذا فسادها يؤثر في بَرِّ النفوس وبحار القلوب، ففساد بَرَّ النفوس : فَتْرَتُهَا عن العبودية، وفساد بحر القلب : احتجابه عن مشاهدة أنوار الربوبية. هـ.
قلت : وقد يقال : ظهر الفساد في بر الشريعة ؛ بذهاب حَمَلَتِهَا، ومن يحفظها، ويذب عنها، وفي بحر الحقيقة ؛ بقلة صدق من يطلبها، وغربة أهلها، واختفائها حتى اندرست أعلامها، وخفي آثارُها، والبركة لا تنقطع. وذلك بسبب ما كسبت أيدي الناس ؛ من إيثار الدنيا على الله ؛ ليذيقهم وبال القطيعة، لعلهم يرجعون إليه، إما بملاطفة الإحسان، أو بسلاسل الامتحان.
قال في لطائف المنن : سأل بعضُ العارفين عن أولياء العدد، هل ينقصون ؟ فقال : لو نقص منهم واحد ؛ ما أرسلت السماء قَطْرَهَا، ولا أنبتت الأرض نباتها، وفساد الوقت لا يكون بذهاب أعدادهم، ولا بنقص أمداداهم، ولكن إذا فسد الوقت كان مراد الله وقوع اختفائهم، مع وجود بقائهم. فإذا كان أهل الزمان مُعْرضين عن الله، مؤثرين لما سوى الله ؛ لا تنجح فيهم الموعظة، ولا تميلُهم التذكرة، لم يكونوا أهلاً لظهور أولياء الله تعالى فيهم، ولذلك قالوا : أولياء لله عرائس ولا يرى العرائسَ المجرمون. هـ.
قال القشيري :﴿ قل سيروا ﴾ ؛ بالاعتبار، واطلبوا الحقَّ بنعت الافتكار، وانظروا : كيف كان حال من تقدمكم من الأشكال والأمثال ؟ وقيسوا عليها حُكْمَكم في جميع الأحوال، ﴿ كان أكثرهم مشركين ﴾ : كان أكثرهم عدداً، ولكن أقل في التحقيق ؛ وزناً وقَدْراً. هـ.

﴿ قل ﴾ لكفار قومك ﴿ سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلُ ﴾ ؛ لتُعاينوا ما فعلنا بهم بسبب كفرهم ومعاصيهم ؛ لأنه ﴿ كان أكثرُهم مشركين ﴾ ؛ فدمرناهم، وخربنا ديارهم، فانظروا : كيف كان عاقبتهم، لعلكم ترجعون عن غَيكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : الإشارة في البَرِ إلى النَّفْسه، وفي البحر إلى القلب، وفسادُ البرّ بأَكْلِ الحرام وارتكاب المحظورات، وفسادُ البحر من الغفلة والأوصاف الذميمة، مثل سوء العزم، والحسد والحقد، وإرادة الفسوق، وغير ذلك. وعَقْدُ الإصرار على المخالفات من أعظم فساد القلب، كما أنَّ العَزْمَ على الخيرات، قبل فِعْلها، من أعظم الخيرات. ومن جملة الفساد : التأويلاتُ بغير حقٍّ، والانحطاطُ إلى الرُّخَصِ من غير قيام بحقٍ، والإغراق في الدعاوى من غير استحياء. هـ.
قال الورتجبي : إن الله غلب الإنسانية على الكون ؛ طاعةً ومعصية، فإذا رزق الإنسان الطاعة صلح الأكوان ببركتها، وإذا رزق المعصية فسد الحدثان بشؤم معصيته ؛ لأن طاعته ومعصيته من تواثير لطفه وقهره، عَلاَ بنعت الاستيلاء على الوجود، فإذا فسادها يؤثر في بَرِّ النفوس وبحار القلوب، ففساد بَرَّ النفوس : فَتْرَتُهَا عن العبودية، وفساد بحر القلب : احتجابه عن مشاهدة أنوار الربوبية. هـ.
قلت : وقد يقال : ظهر الفساد في بر الشريعة ؛ بذهاب حَمَلَتِهَا، ومن يحفظها، ويذب عنها، وفي بحر الحقيقة ؛ بقلة صدق من يطلبها، وغربة أهلها، واختفائها حتى اندرست أعلامها، وخفي آثارُها، والبركة لا تنقطع. وذلك بسبب ما كسبت أيدي الناس ؛ من إيثار الدنيا على الله ؛ ليذيقهم وبال القطيعة، لعلهم يرجعون إليه، إما بملاطفة الإحسان، أو بسلاسل الامتحان.
قال في لطائف المنن : سأل بعضُ العارفين عن أولياء العدد، هل ينقصون ؟ فقال : لو نقص منهم واحد ؛ ما أرسلت السماء قَطْرَهَا، ولا أنبتت الأرض نباتها، وفساد الوقت لا يكون بذهاب أعدادهم، ولا بنقص أمداداهم، ولكن إذا فسد الوقت كان مراد الله وقوع اختفائهم، مع وجود بقائهم. فإذا كان أهل الزمان مُعْرضين عن الله، مؤثرين لما سوى الله ؛ لا تنجح فيهم الموعظة، ولا تميلُهم التذكرة، لم يكونوا أهلاً لظهور أولياء الله تعالى فيهم، ولذلك قالوا : أولياء لله عرائس ولا يرى العرائسَ المجرمون. هـ.
قال القشيري :﴿ قل سيروا ﴾ ؛ بالاعتبار، واطلبوا الحقَّ بنعت الافتكار، وانظروا : كيف كان حال من تقدمكم من الأشكال والأمثال ؟ وقيسوا عليها حُكْمَكم في جميع الأحوال، ﴿ كان أكثرهم مشركين ﴾ : كان أكثرهم عدداً، ولكن أقل في التحقيق ؛ وزناً وقَدْراً. هـ.

ثم أمر بالتأهب ليوم المعاد، وبه يندفع عن الخلق الفساد، فقال :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ الْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾ * ﴿ مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾ * ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ فأقمْ وجهَكَ ﴾ أي : قوّمه وَوَجّهّه ﴿ للدين القَيِّم ﴾ ؛ البليغ في الاستقامة، الذي لا يتأتى فيه عوج ولا خلل. وفيه، من البديع، جناس الاشتقاق.
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمتُه تبع، أو : لكل سامع. ﴿ من قبل أن يأتي يومٌ ﴾ ؛ وهو البعث، ﴿ لا مَرَدَّ له ﴾ أي : لا يقدر أحد على رده، و﴿ من الله ﴾ : متعلّق بيأتي، أي : من قبل أن يأتي من الله يوم لا يردّه أحد، أو بمرد ؛ لأنه مصدر، أي : لا مرد له من جهة الله، بعد أن يجيء ؛ لتعلق الإرادة به حينئذٍ. ﴿ يومئذ يَصَّدَّعُونَ ﴾ ؛ يتصدّعون، فأدغم التاء في الصاد.
وفي الصحاح : الصدع : الشق، يقال صدعته فانصدع، أي : انشق. وتصدّع القوم : تفرقوا. ه. أي : يفترقون ؛ فريق في الجنة وفريق في السعير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أمر الحق تعالى بالتوجه إليه، والتمسك بالطريق التي تُوصل إليه، قبل قيام الساعة ؛ لأن هذه الدار هي مزرعة لتلك الدار، فمن سار إليه هنا وعرفه ؛ عرفه في الآخرة، ومن قعد هنا مع هواه، حتى مات جاهلاً به، بُعِثَ كذلك، كما هو معلوم. ولا يمكن التوجه والظفر بالطريق الموصلة إليه تعالى إلا بشيخ كامل، سلك الطريق وعرفها. ومن رام الوصول بنفسه، أو بعلمه، أو بعقله ؛ انقطع لا محالة. قال القشيري :﴿ فأقم وجهك للدين القيّم ﴾ : أَخْلِص قصْدَك، وصِدْقَ عَزْمِكَ، بالموافقة للدين القيِّم، بالاتباع دون الاستبداد بالأمر على وجه الابتداع. ومَنْ لم يتأدب بمَنْ هو إمامُ وقته، ولم يتلقف الأذكار ممن هو لسان وقته، كان خُسْرانُه أتَمَّ من ربْحه، ونقصانُه أَعَمَّ من نفعه. هـ.
ثم أشار إلى غِنَاهُ عنهم، فقال :﴿ من كَفَرَ فعليه كفرُهُ ﴾ ؛ وبال كفره، لا يحمله عنه غيره. ﴿ ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يَمْهَدُون ﴾ أي : يسوون لأنفسهم في قبورهم، أو : في الجنة ما يسوي لنفسه الذي يمهد فراشه ويُوطئه ؛ لئلا يصيبه في مَضْجَعِهِ ما ينغص عليه مَضْجَعَهُ. وتقديم الظرف في الموضعين ؛ للاختصاص، أي : فلا يجاوز عمل أحد لغيره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أمر الحق تعالى بالتوجه إليه، والتمسك بالطريق التي تُوصل إليه، قبل قيام الساعة ؛ لأن هذه الدار هي مزرعة لتلك الدار، فمن سار إليه هنا وعرفه ؛ عرفه في الآخرة، ومن قعد هنا مع هواه، حتى مات جاهلاً به، بُعِثَ كذلك، كما هو معلوم. ولا يمكن التوجه والظفر بالطريق الموصلة إليه تعالى إلا بشيخ كامل، سلك الطريق وعرفها. ومن رام الوصول بنفسه، أو بعلمه، أو بعقله ؛ انقطع لا محالة. قال القشيري :﴿ فأقم وجهك للدين القيّم ﴾ : أَخْلِص قصْدَك، وصِدْقَ عَزْمِكَ، بالموافقة للدين القيِّم، بالاتباع دون الاستبداد بالأمر على وجه الابتداع. ومَنْ لم يتأدب بمَنْ هو إمامُ وقته، ولم يتلقف الأذكار ممن هو لسان وقته، كان خُسْرانُه أتَمَّ من ربْحه، ونقصانُه أَعَمَّ من نفعه. هـ.
ثم علل ما أمر به من التأهب، فقال :﴿ ليجزيَ الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾، أظهر في موضع الإضمار، أي : ليجزيهم، ليدل على أنه لا ينال هذا الجزاءَ الجميلَ إلا المؤمن، لصلاح عمله. أثابه ذلك ﴿ من فضله ﴾ أي : بِمَحْضِ تفضله، إذ لا يجب عليه شيء، ﴿ إنه لا يُحب الكافرين ﴾، بل يبغضهم ويمقتهم، وفيه إيماء إلى أنه يحب المؤمنين، وهو كذلك، ولاسيما المتوجهين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أمر الحق تعالى بالتوجه إليه، والتمسك بالطريق التي تُوصل إليه، قبل قيام الساعة ؛ لأن هذه الدار هي مزرعة لتلك الدار، فمن سار إليه هنا وعرفه ؛ عرفه في الآخرة، ومن قعد هنا مع هواه، حتى مات جاهلاً به، بُعِثَ كذلك، كما هو معلوم. ولا يمكن التوجه والظفر بالطريق الموصلة إليه تعالى إلا بشيخ كامل، سلك الطريق وعرفها. ومن رام الوصول بنفسه، أو بعلمه، أو بعقله ؛ انقطع لا محالة. قال القشيري :﴿ فأقم وجهك للدين القيّم ﴾ : أَخْلِص قصْدَك، وصِدْقَ عَزْمِكَ، بالموافقة للدين القيِّم، بالاتباع دون الاستبداد بالأمر على وجه الابتداع. ومَنْ لم يتأدب بمَنْ هو إمامُ وقته، ولم يتلقف الأذكار ممن هو لسان وقته، كان خُسْرانُه أتَمَّ من ربْحه، ونقصانُه أَعَمَّ من نفعه. هـ.
ثم ذكر دلائل القدرة على البعث وغيره، فقال :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
قلت :( وليذيقكم ) : عطف على ( مبشرات ) ؛ على المعنى، كأنه قيل : لتبشركم وليذيقكم، أو : على محذوف، أي : ليغيثكم وليذيقكم.
يقول الحق جل جلاله :﴿ ومن آياته ﴾ الدالة على كمال قدرته :﴿ أن يُرسلَ الرياحَ ﴾، وهي الجَنُوبُ، والصَّبا، والشمال والدَّبُورُ، فالثلاث : رياح الرحمة، والدبور : ريحُ العذاب، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :" اللهم اجعلها رياحاً، ولا تجعلها ريحاً١ ". وقال :" نُصرْتُ بالصِّبَا، وأُهْلِكتَ عادٌ بالدَّبُورُ٢ "، وهي الريح العقيم. وقرأ ابن كثير والأَخَوان : بالإفراد، على إرادة الجنس.
ثم ذكر فوائد إرسالها بقوله :﴿ مبشرات ﴾ أي : أرسلها بالبشارة بالغيب ﴿ وليُذِيقَكُم من رحمته ﴾ ؛ ولإذاقة الرحمة، وهي نزول المطر، وحصول الخصب الذي يتبعه، والرّوح الذي مع هبوب الريح، وزكاء الأرض، أي : ربوها وزيادتها بالنبات، وغير ذلك من منافع الرياح والأمطار. قال الحسن : لو أمسك الله عن أهل الأرض الريح ساعة لَمَاتُوا ؛ غَمَّا.
﴿ ولِتجريَ الفلكُ ﴾ في البحر عند هبوبها ﴿ بأمره ﴾ ؛ بتدبيره، أو بتكوينه، لقوله :﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً. . . ﴾ [ يس : ٨٢ ] الآية. قيل : إنما زاد بأمره ؛ لأنها قد تهب غير مُوَاتِيَةٍ، فتُغرق، وهي عند أمره أيضاً، فهي على حسب أمره، ولأن الإسناد وقع للفلك ؛ مجازاً، فأخبر أنه بأمره، ﴿ ولتبتغوا من فضله ﴾، يريد به تجارة البحر، ﴿ ولعلكم تشكرون ﴾ هذه النعم ؛ فيزيدكم من فضله.
الإشارة : ومن آياتِ فَتْحِهِ على أوليائه : أن يرسل رياح الهداية أولاً، ثم رياح التأييد، ثم رياح الواردات، تحمل هدايا التَّعَرُّفَاتِ، مبشرات بالفتح الكبير، والتمكين في شهود العلي الكبير، وليذيقكم من رحمته، وهي حلاوة معرفته، ولتجريَ سفن الأفكار في ميادين بحار توحيده، ولتبتغوا من فضله، هو الترقي في الكشوفات والعلوم والأسرار، أبداً سرمداً، ولعلكم تشكرون ؛ بالقيام برسوم الشريعة وآداب العبودية.
قال القشيري : يرسل رياحَ الرجاءِ على قلوب العُبَّاد، فتكنس قلوبهم من غبار الحسد وغُثَاء النفس، ثم يرسل عليها أمطار التوفيق، فتحملهم إلى بساط الجُهْدِ، وتكرمهم بقوى النشاط. ويرسل رياحَ البَسْطِ على أرواح الأولياء فتطهرها من وَحْشَةِ القبض، وتنشر فيه لذاذات الوصال، ويرسل رياحَ التوحيد فتهب على أسرار الأصفياء، فتطهرها من آثار الأغيار، وتبشرها بدوام الوصال، فذلك ارتياحٌ به، ولكن بعد اجتناحٍ عنك. ه. أي : بعد ذهابٍ عنك وزوال. والله تعالى أعلم.
١ أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/١٣٥ والطبراني في المعجم الكبير ١١/٢١٣ وابن عدي في الكامل في الضعفاء ٢/٧٦٣..
٢ أخرجه البخاري في الاستسقاء حديث ١٠٣٥، ومسلم في الاستسقاء حديث ١٧..
ثم سلى نبيه بمن قبله، فقال :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ ﴾
قلت :( حقاً ) : خبر " كان "، و( نصر ) : اسمها. أو :( حقاً ) : خبر " كان "، واسمها : ضمير الانتقام، فيوقف عليه، و( علينا نصر ) : مبتدأ وخبر.
يقول الحق جل جلاله :﴿ ولقد أرسلنا مِن قبلك رسلاً إلى قومهم فجاءهم بالبينات ﴾ ؛ بالمعجزات البينات الواضحات، فكذبوهم ؛ ﴿ فانتقمنا من الذين أجرموا ﴾ بالتدمير، ﴿ وكان حقاً علينا نصرُ المؤمنين ﴾ أي : وكان نصر المؤمنين، بإنجائهم من العذاب، حقاً واجباً علينا بإنجاز وعدنا ؛ إحساناً. أو : وكان الانتقام من المجرمين حقاً لا شك فيه، ثم علينا، من جهة الإحسان، نصر المؤمنين. قال البيضاوي : فيه إشعار بأن الانتقام لهم - أي : من عدوهم - إظهار لكرامتهم، حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم. وعنه. صلى الله عليه وسلم :" مَا مِنْ امْرئ مُسْلِمٍ يُردّ عن عِرْضِ أَخِيه، إلا كان حقاً على الله أن يردّ عنْه نارَ جهنم "، ثم تلا الآية١. أي :﴿ وكان حقاً علينا. . ﴾ إلخ.
الإشارة : هكذا جرت سُنَّة الله تعالى، مع خواصه، أن ينتقم ممن آذاهم، ولو بعد حين. وقد يكون الانتقام باطناً، بنقص الإيمان وقساوة القلب، وهو أقبح. قال القشيري : فانتقمنا من الذين أجرموا، وأخذناهم من حيث لا يحتسبوا، وشَوَّشْنا عليهم ما أمَّلوا ؛ ونقصنا عليهم ما استطابوا وتَنَعَّموا. ﴿ وكان حقاً علينا نصرُ المؤمنين ﴾. وَطِئَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ بأعقابهم فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى رَقَّيْنَاهُمْ فوق رقابهم، وخرَّبنا أوطانهم، وهدَّمنا بنيانهم، وأخمدنا نيرانهم، وعَطَّلْنا عليهم ديارَهم، ومحونا، بقهْر التدمير، آثارَهم، فظَلتْ شموسُهم كاسفة، ومكيدةُ قهْرنا لهم، بأجمعهم، خاسفة. ه.
١ أخرجه بنحوه الترمذي في البر حديث ١٩٣١، وأحمد في المسند ٦/٤٥٠..
ثم برهن على ذلك، فقال :
﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ * ﴿ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ﴾ * ﴿ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ اللهُ الذي يُرسل الرياحَ ﴾ الأربع. وقرأ المكي : بالإفراد. ﴿ فتُثير ﴾ أي : تزعج ﴿ سحاباً فيبسُطُه في السماء ﴾ أي : يجعله منبسطاً، متصلاً بعضه ببعض في سَمت السماء، كقوله :﴿ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ ﴾ [ إبراهيم : ٢٤ ]، أي : جهته. فيبسطها في الجو ﴿ كيف يشاء ﴾ ؛ سائراً أو واقفاً، مطبقاً وغير مطبق. من ناحية الشمال أو الجنوب، أو الدََّبُورِ، أو الصَّبَا، ﴿ ويجعله كِسَفا ﴾ أي : قطعاً متفرقة. والحاصل : أنه تارة يبسطه متصلاً مطبقاً، وتارة يجعله قطعاً متفرقة، على مشيئته وحكمته. ﴿ فترى الوَدْقَ ﴾ ؛ المطر ﴿ يَخْرجُ من خِلاله ﴾ ؛ وسطه.
﴿ فإِذا أصاب به ﴾ ؛ بالودق ﴿ من يشاء من عباده ﴾، يريد إِصابةَ بلادهم وأراضيهم، ﴿ إذا هم يستبشرون ﴾ ؛ يفرحون بالخصب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الله الذي يرسل رياح الواردات الإلهية، فتنزعج سحاب الآثار عن عين الذات العلية، فتبقى شمس العرفان، ليس دونها سحاب، فيبسطه في سماء القلوب كيف يشاء، فيقع الاحتجاب لبعضها، ويصرفه عمن يشاء فيقع التجلي والظهور، ويجعله كسفاً لأهل الاستشراف، فتارة ينجلي عنهم سحاب الآثار، فيشاهدون الأنوار، وتارة تغطيهم سُحب الآثار، فيشاهدون الأغيار، فترى مَطَرَ خَمْرَةِ الفناءِ تخرج من خلاله، فإذا أصاب به من يشاء من عباده، إذا هم يستبشرون بأنوار معرفته وأسرار ذاته. وقد كانوا قبل ذلك مبلسين، آيسين، حين كانت نفوسهم غالبةً عليهم. فانظر كيف أحيا أرض قلوبهم بعد موتها بالجهل والغفلة. وهذا مثال من كان منهمكاً ثم سقط على شيخ ذي خمرة أزلية، فسقاه حتى حَيِيَ بمعرفة الله.
قال القشيري : الله الذي يرسل رياح عَطْفِه وجُودِه، مبشراتٍ بجوده ووَصْله، ثم يُمْطِر جودَ غيثِه على أسراره، ويطوي بساطَ الحشمة عن مناجاة قُرْبِه، وبضرب قبابَ الهيبة بمشاهد كَشْفِه، وينشر عليهم أزهار أُنْسِه، ثم يتجلَّى لهم بحقائق قُدْسِه، ويسقيهم بيده شراب حُبِّه. وبعد ما محاهم عن أوصافهم ؛ أصحاهم، لا بهم، ولكنْ بِنَفْسه. والعبارات عن ذلك خُرْسٌ، والإشارات، دونه، طُمْسٌ.
وقال في قوله تعالى :﴿ فانظر إلى آثار رحمة الله... ﴾ الآية : يحيي الأرض بأزهارها وأنوارها عند مجيء أمطارها، ليُخرجَ زَرْعَها وثمارَها، ويحيي النفوس بعد تَفْرِيقها، ويوفقه للخيرات بعد فترتها، فتعمر أوطان الوفاق بصدق إقدامهم، وتندفع البلايا عن الأنام ببركات أيامهم، وتحيي القلوبُ، بعد غفلتها، بأنواع المحاضرات، فتعود إلى استدامة الذكر بحُسْنِ المراعاة، ويهتدي بأنوار أهلها أهلُ العصر من أهل الإرادات، ويحيي الأرواح بعد حجْبتَها بأنوار المشاهدات، فتطلع شموسُها من بُرْجِ السعادة، ويتصل، بمشامِّ أسرار الكافة نسيمُ ما يُفيض عليهم من الزيادات، فلا يبقى صاحبُ نَفَسٍ إلا حَظِيَ منه بنصيب، ويُحْيي الأسرارَ بأنوار المواجهات. وما كان لها إلا وَقْفَةٌ في بعض الحالات، فتنتفي، بالكلية، آثارُ الغَيْرِيَّةِ، ولا يَبْقَى في الديار ديَّار، ولا من سكانها آثار، وسَطَواتُ الحقائق لا تثبت لها ذَرَّةٌ من صفات الخلائق ؛ هنالك الولاية لله الحق.. انتهى المراد منه، مع زيادة بيان.

﴿ وإن كانوا من قبل أن يُنَزَّل عليهم ﴾ المطر ﴿ من قبله لمُبلسينَ ﴾ ؛ آيسين، وكرر " من قبله " ؛ للتوكيد، وفائدته : الإعلام بسرعة تقلب قلوب الناس من القنوط إلى الاستبشار، أو : على أن عهدهم بالمطر قد تطاول ؛ فاستحكم يأسُهُم، فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الله الذي يرسل رياح الواردات الإلهية، فتنزعج سحاب الآثار عن عين الذات العلية، فتبقى شمس العرفان، ليس دونها سحاب، فيبسطه في سماء القلوب كيف يشاء، فيقع الاحتجاب لبعضها، ويصرفه عمن يشاء فيقع التجلي والظهور، ويجعله كسفاً لأهل الاستشراف، فتارة ينجلي عنهم سحاب الآثار، فيشاهدون الأنوار، وتارة تغطيهم سُحب الآثار، فيشاهدون الأغيار، فترى مَطَرَ خَمْرَةِ الفناءِ تخرج من خلاله، فإذا أصاب به من يشاء من عباده، إذا هم يستبشرون بأنوار معرفته وأسرار ذاته. وقد كانوا قبل ذلك مبلسين، آيسين، حين كانت نفوسهم غالبةً عليهم. فانظر كيف أحيا أرض قلوبهم بعد موتها بالجهل والغفلة. وهذا مثال من كان منهمكاً ثم سقط على شيخ ذي خمرة أزلية، فسقاه حتى حَيِيَ بمعرفة الله.
قال القشيري : الله الذي يرسل رياح عَطْفِه وجُودِه، مبشراتٍ بجوده ووَصْله، ثم يُمْطِر جودَ غيثِه على أسراره، ويطوي بساطَ الحشمة عن مناجاة قُرْبِه، وبضرب قبابَ الهيبة بمشاهد كَشْفِه، وينشر عليهم أزهار أُنْسِه، ثم يتجلَّى لهم بحقائق قُدْسِه، ويسقيهم بيده شراب حُبِّه. وبعد ما محاهم عن أوصافهم ؛ أصحاهم، لا بهم، ولكنْ بِنَفْسه. والعبارات عن ذلك خُرْسٌ، والإشارات، دونه، طُمْسٌ.
وقال في قوله تعالى :﴿ فانظر إلى آثار رحمة الله... ﴾ الآية : يحيي الأرض بأزهارها وأنوارها عند مجيء أمطارها، ليُخرجَ زَرْعَها وثمارَها، ويحيي النفوس بعد تَفْرِيقها، ويوفقه للخيرات بعد فترتها، فتعمر أوطان الوفاق بصدق إقدامهم، وتندفع البلايا عن الأنام ببركات أيامهم، وتحيي القلوبُ، بعد غفلتها، بأنواع المحاضرات، فتعود إلى استدامة الذكر بحُسْنِ المراعاة، ويهتدي بأنوار أهلها أهلُ العصر من أهل الإرادات، ويحيي الأرواح بعد حجْبتَها بأنوار المشاهدات، فتطلع شموسُها من بُرْجِ السعادة، ويتصل، بمشامِّ أسرار الكافة نسيمُ ما يُفيض عليهم من الزيادات، فلا يبقى صاحبُ نَفَسٍ إلا حَظِيَ منه بنصيب، ويُحْيي الأسرارَ بأنوار المواجهات. وما كان لها إلا وَقْفَةٌ في بعض الحالات، فتنتفي، بالكلية، آثارُ الغَيْرِيَّةِ، ولا يَبْقَى في الديار ديَّار، ولا من سكانها آثار، وسَطَواتُ الحقائق لا تثبت لها ذَرَّةٌ من صفات الخلائق ؛ هنالك الولاية لله الحق.. انتهى المراد منه، مع زيادة بيان.

﴿ فانظرْ إلى آثار رحمةِ الله ﴾ أي : المطر ﴿ كيف يُحيي الأرضَ ﴾ بالنبات وأنواع الثمار ﴿ بعد موتها ﴾ ؛ يبسها ﴿ إن ذلك ﴾ أي : القادر عليه ﴿ لمحيي الموتى ﴾ ؛ فكما أحيا الأرض بعد يبسها، يحيي الأجساد بعد رميمها، ﴿ وهو على كل شيءٍ قدير ﴾، وهذا من جمل مقدوراته تعالى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الله الذي يرسل رياح الواردات الإلهية، فتنزعج سحاب الآثار عن عين الذات العلية، فتبقى شمس العرفان، ليس دونها سحاب، فيبسطه في سماء القلوب كيف يشاء، فيقع الاحتجاب لبعضها، ويصرفه عمن يشاء فيقع التجلي والظهور، ويجعله كسفاً لأهل الاستشراف، فتارة ينجلي عنهم سحاب الآثار، فيشاهدون الأنوار، وتارة تغطيهم سُحب الآثار، فيشاهدون الأغيار، فترى مَطَرَ خَمْرَةِ الفناءِ تخرج من خلاله، فإذا أصاب به من يشاء من عباده، إذا هم يستبشرون بأنوار معرفته وأسرار ذاته. وقد كانوا قبل ذلك مبلسين، آيسين، حين كانت نفوسهم غالبةً عليهم. فانظر كيف أحيا أرض قلوبهم بعد موتها بالجهل والغفلة. وهذا مثال من كان منهمكاً ثم سقط على شيخ ذي خمرة أزلية، فسقاه حتى حَيِيَ بمعرفة الله.
قال القشيري : الله الذي يرسل رياح عَطْفِه وجُودِه، مبشراتٍ بجوده ووَصْله، ثم يُمْطِر جودَ غيثِه على أسراره، ويطوي بساطَ الحشمة عن مناجاة قُرْبِه، وبضرب قبابَ الهيبة بمشاهد كَشْفِه، وينشر عليهم أزهار أُنْسِه، ثم يتجلَّى لهم بحقائق قُدْسِه، ويسقيهم بيده شراب حُبِّه. وبعد ما محاهم عن أوصافهم ؛ أصحاهم، لا بهم، ولكنْ بِنَفْسه. والعبارات عن ذلك خُرْسٌ، والإشارات، دونه، طُمْسٌ.
وقال في قوله تعالى :﴿ فانظر إلى آثار رحمة الله... ﴾ الآية : يحيي الأرض بأزهارها وأنوارها عند مجيء أمطارها، ليُخرجَ زَرْعَها وثمارَها، ويحيي النفوس بعد تَفْرِيقها، ويوفقه للخيرات بعد فترتها، فتعمر أوطان الوفاق بصدق إقدامهم، وتندفع البلايا عن الأنام ببركات أيامهم، وتحيي القلوبُ، بعد غفلتها، بأنواع المحاضرات، فتعود إلى استدامة الذكر بحُسْنِ المراعاة، ويهتدي بأنوار أهلها أهلُ العصر من أهل الإرادات، ويحيي الأرواح بعد حجْبتَها بأنوار المشاهدات، فتطلع شموسُها من بُرْجِ السعادة، ويتصل، بمشامِّ أسرار الكافة نسيمُ ما يُفيض عليهم من الزيادات، فلا يبقى صاحبُ نَفَسٍ إلا حَظِيَ منه بنصيب، ويُحْيي الأسرارَ بأنوار المواجهات. وما كان لها إلا وَقْفَةٌ في بعض الحالات، فتنتفي، بالكلية، آثارُ الغَيْرِيَّةِ، ولا يَبْقَى في الديار ديَّار، ولا من سكانها آثار، وسَطَواتُ الحقائق لا تثبت لها ذَرَّةٌ من صفات الخلائق ؛ هنالك الولاية لله الحق.. انتهى المراد منه، مع زيادة بيان.

ثم ذكر الجوائح، وما ينشأ من أهل الغفلة عند ظهورها، فقال :
﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ﴾ * ﴿ فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ ﴾ * ﴿ وَمَآ أَنتَ بِهَادِ الْعُمْي عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾
قلت : اجتمع القسم والشرط، فذكر جواب القسم وأغنى عن جواب الشرط.
والضمير في ( رأوه ) : يعود على النبات المفهوم مما تقدم من إحياء الأرض، أو : على السحاب.
يقول الحق جل جلاله :﴿ و ﴾ الله ﴿ لئن أرسلنا ريحاً ﴾ عاصفة على ما نبت في الأرض من الزروع وسائر الأشجار، الذي هو أثر رحمة الله، ﴿ فَرَأَوْه ﴾ أي : ما نبت في الأرض، ﴿ مُصْفَرّاً ﴾ يابساً ﴿ لظلُّوا ﴾ أي : ليظلون ﴿ من بعده ﴾ أي من بعد اصفراره ﴿ يكفرون ﴾، ويقولون : ما رأينا خيراً قط، فينسون النعم السابقة بالنقم اللاحقة. وهذه صفة أهل الغفلة، وأما أهل اليقظة ؛ فيشكرون في أوقات النعم، ويصبرون ويرضون في أوقات النقم، وينتظرون الفرح بعد الشدة، واليسر بعد العسر، غير قَانِطِينَ ولا ضَجِرين. أو : ولئن أرسلنا ريحاً ؛ لتعذيبهم، فرأوا سحابة صفراء، لأنَّ اصفراره علامة على أنه لا مطر فيه، لظلوا، أي : للجوا من بعد ذلك على كفرهم وطغيانهم، لانهماكهم.
قال البيضاوي : وهذه الآية ناعية على الكفار، لقلة تثبيتهم، وعدم تدبرهم، وسرعة تزلزلهم، لعدم تفكرهم، وسوء رأيهم، فإن النظر السوي يقتضي أن يتوكلوا على الله، ويلتجئوا إليه ؛ بالاستغفار، إذا احتبس القطر عنهم، ولا ييأسوا من رحمته، وأن يبادروا إلى الشكر واستدامة الطاعة، إذا أصابهم برحمته، ولم يبطروا بالاستبشار، وأن يصبروا على بلائه ؛ إذا ضرب زروعهم بالاصفرار، ولم يكفروا نعمه. ه.
قال النسفي : ذمهم الله تعالى بأنهم، إذا حبس عنهم المطر، قنطوا من رحمته، وضربوا أذقانهم على صدورهم، مبلسين، فإذا أصابهم برحمته، ورزقهم المطر، استبشروا، فإذا أرسل الله ريحاً فضرب زروعهم بالصفار ضجّوا، وكفروا بنعمه، وهم في جميع هذه الأحوال على صفة مذمومة، وكان عليهم أن يتوكلوا على الله، فقنطوا، وأن يشكروا نعمته ويحمدوه عليها، ففرحوا وبطروا، وأن يصبروا على بلائه، فكفروا. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من أصول طريقة التصوف : الرجوع إلى الله في السراء والضراء، فالرجوع في السراء : بالحمد والشكر، وفي الضراء : بالرضا والصبر. قال القشيري :﴿ فإنك لا تُسمع الموتى.. ﴾ إلخ : مَنْ فَقَدَ الحياةَ الأصلية ؛ لم يَعِشْ بالرُّقَى والتمائم، وإذا كان في السريرة طَرَشٌ عن سماء الحقائق، فَسَمْعُ الظواهر لا يفيد إلا تأكيد الحُجَّة، وكما لم يُسمع الصمّ الدعاء، فكذلك لا يمكنه أن يهدي العُمْيَ عن ضلالتهم. هـ.
وهذه حال من مات قلبه، قال تعالى :﴿ فإنك لا تُسمع الموتى ﴾ أي : موتى القلوب، وهؤلاء في حكم الموتى ؛ فلا تطمع أن يقبلوا منك، ﴿ ولا تُسمع الصمَّ الدعاءَ ﴾ أي : لا تقدر أن تُسْمِعَ من كان كالأصم دعاءك إلى الله، أو : لا يقدرون أن يسمعوا منك، ﴿ إِذا ولوا مدبرين ﴾، فإن قلت : الأصم لا يسمع ؛ مقبلاً أو مدبراً، فما فائدة التخصيص ؟ قلت : هو إذا كان مُقبلاً يفهم بالرمز والإشارة، فإذا ولّى فلا يفهم، ولا يسمع، فيتعذر إسماعه بالكلية. قاله النسفي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من أصول طريقة التصوف : الرجوع إلى الله في السراء والضراء، فالرجوع في السراء : بالحمد والشكر، وفي الضراء : بالرضا والصبر. قال القشيري :﴿ فإنك لا تُسمع الموتى.. ﴾ إلخ : مَنْ فَقَدَ الحياةَ الأصلية ؛ لم يَعِشْ بالرُّقَى والتمائم، وإذا كان في السريرة طَرَشٌ عن سماء الحقائق، فَسَمْعُ الظواهر لا يفيد إلا تأكيد الحُجَّة، وكما لم يُسمع الصمّ الدعاء، فكذلك لا يمكنه أن يهدي العُمْيَ عن ضلالتهم. هـ.
﴿ وما أنت بهادِ العُمي ﴾ أي : عُمْي القلوب. وقرأ حمزة :" وما أنت تهدي العمي "، ﴿ عن ضلالتهم ﴾ أي : لا تقدر أن تهدي الأعمى عن طريقه إذا ضلّ عنه، بالإشارة إليه، ﴿ إنْ ﴾ ؛ ما ﴿ تُسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ﴾ ؛ منقادون لأوامر الله ونواهيه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : من أصول طريقة التصوف : الرجوع إلى الله في السراء والضراء، فالرجوع في السراء : بالحمد والشكر، وفي الضراء : بالرضا والصبر. قال القشيري :﴿ فإنك لا تُسمع الموتى.. ﴾ إلخ : مَنْ فَقَدَ الحياةَ الأصلية ؛ لم يَعِشْ بالرُّقَى والتمائم، وإذا كان في السريرة طَرَشٌ عن سماء الحقائق، فَسَمْعُ الظواهر لا يفيد إلا تأكيد الحُجَّة، وكما لم يُسمع الصمّ الدعاء، فكذلك لا يمكنه أن يهدي العُمْيَ عن ضلالتهم. هـ.
ولما ذكر شيئا من دلائل الأكوان، ذكر شيئا من دلائل الأنفس، فقال :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾
قلت :" الله " : مبتدأ، والموصول : خبره.
يقول الحق جل جلاله :﴿ الله ﴾ الذي يستحق أن يعبد وحده هو ﴿ الذي خلقكم من ضَعْف ﴾ أي : ابتدأكم ضُعفاء، وجعل الضعف أساس أمركم، أو : خلقكم من أصل ضعيف، وهو النطفة ؛ كقوله :﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾ [ المرسلات : ٢٠ ]، ﴿ ثم جعل من بعد ضعف قوةً ﴾، يعني : حال الشباب إلى بلوغ الأشد، ﴿ ثم جعل من بعد قوةٍ ضَعْفاً وشَيْبَةً ﴾، يعني : حال الشيخوخة والهرم.
وقد ورد في الشيب ما يسلي عن روعة هجومه فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" من شاب شيبة في الإسلام ؛ كانت له نوراً يوم القيامة١ "، ولما رأى إبراهيم عليه السلام الشيب في لحيته قال : يا رب، ما هذا ؟ قال : هذا وقار. وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام :" يا داود، إني لأنظر الشيخ الكبير، مساء وصباحاً، فأقول له : عبدي، كَبِرَ سِنُّكَ، ورق جلدك، ووهن عظمك، وحان قدومك عليّ، فاستحي مني، فإني أستحيي أن أُعذب شَيْبَةًً بالنار ". ومن المُسْتَمْلَحَات، مما يسلي عن رَوْعِ الشيب، ما أنشد القائل :
لاَ يَرُوعُكِ الشِّيبُ يَا بِنْتَ عَبْدِ الله، فالشَّيبُ حُلْة وَوَقاَرُ
إِنَّمَا تَحْسُنُ الرِّيَاضُ إِذَا مَ ا ضَحِكَتْ في خِلاَلِهَا الأَزْهَارُ
ثم قال تعالى :﴿ يخلق ما يشاء ﴾ ؛ مِنْ ضعفٍ، وقوةٍ، وشباب، وشيبة، ﴿ وهو العليمُ ﴾ بأحوالهم، ﴿ القديرُ ﴾ على تدبيرهم ؛ فيصيرهم إلى ذلك. والترديد في الأحوال أبين دليل على وجود الصانع العليم القدير. وفي " الضعف " : لغتان ؛ الفتح والضم. وهو أقوى سنداً في القراءة، كما روي ابن عمر. قال : قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من ضَعف "، فأقرأني :" من ضُعْفٍ٢ ".
الإشارة : إذا كُثف الحجاب على الروح، وكثرت همومها، أسرع لها الضعف والهرم، وإذا رقّ حجابها، وقلّت همومها ؛ قويت ونشطت بعْد هرمها، ولا شك أن توالي الهموم والأحزان يهرم، وتوالي البسط والفرح ينشط، ويرد الشباب من غير إِبَّانِهِ، والعارفون : فرحهم بالله دائم، وبسطهم لازم ؛ إذ لا تنزل بساحتهم الهموم والأحزان، وإنما تنزل بمن فقد الشهود والعيان، كما قال في الحكم.
قال القشيري :﴿ خلقكم من ضعف ﴾، أي : ضعف عن حال الخاصة، ثم جعل من بعد ضعف قوة ؛ بالوصول إلى شهود الوجود القديم، ثم من بعد قوة ضعفاً ؛ بالرجوع إلى المسكنة أي : في حال البقاء، قال صلى الله عليه وسلم :" اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين٣ ". ه.
١ أخرجه الترمذي في الجهاد حديث ١٦٣٥ والنسائي في الجهاد ٦/٢٦..
٢ أخرجه أبو داود في الحروف حديث ٣٩٧٨ والترمذي في تفسير سورة ٣٠، حديث ٢٩٣٦، وأحمد في المسند ٢/٥٨ – ٥٩..
٣ تقد الحديث مع تخريجه..
ثم ذكر أهوال البعث، فقال :
﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ ﴾ * ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾
قلت :" لبثوا " : جواب القسم ؛ على المعنى، وإلا لقيل : ما لبثنا.
يقول الحق جل جلاله :﴿ ويوم تقوم الساعةُ ﴾، أي : القيامة. وسميت بذلك ؛ لأنها تقوم آخر ساعة من ساعات الدنيا، ولأنها تقوم في ساعة واحدة، وصارت عَلَماً لها بالغلبة، كالنجم للثريا، فإذا قامت ﴿ يُقسم المجرمون ﴾ ؛ يحلف الكافرون :﴿ ما لبثوا ﴾ في قبورهم، أو : في الدنيا، ﴿ غيرَ ساعة ﴾، استقلّوا مدّة لبثهم في القبور، أو : الدنيا، لشدة هول المطلع، أو : لطول مقامهم في أهوالها، أو : ينسون ما لبثوا، أو : يكذبون. ﴿ كذلك كانوا يُؤفكون ﴾، أي : مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون في الدنيا عن الصدق والتصديق، أو : عن الحق حتى يروا الأشياء على غير ما هي عليه، ويقولون : ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من قصر في هذه الدار، وصرف أيام عمره في البطالة، يقصر عليه الزمان عند موته، ويرجع عنده كأنه يوم واحد، فحينئذٍ يستعتب ؛ فلا يُعتب، ويطلب الرجعى ؛ فلا يُجاب، فلا تسأل عن حسرته وخسارته، والعياذ بالله، وهذا كله مبين في القرآن، كما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ ﴾ * ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ﴾.
﴿ وقال الذين أُوتوا العلم والإيمان ﴾، أي : حَصَّلوا العلم بالله والإيمان بالبَعْثِ وهم الملائكة والأنبياء، والمؤمنون :﴿ لقد لبثتمْ في كتاب الله ﴾ ؛ في علم الله المثبت في اللوح، أو : في حكم الله وقضائه، أو : القرآن، وهو قوله تعالى :" ومن ورائهم برزخ. . " إلخ، أي : لقد مكثتم مُدَّةَ البرزخ ﴿ إلى يوم البعث ﴾، ردّوا عليهم ما قالوه، وحلَّفُوهم عليه، وأطلعوهم على حقيقة الأَمر، ثم وَبَّخُوهُمْ على إنكار البعث بقولهم :﴿ فهذا يَوْمُ البعث ﴾ الذي كنتم تنكرونه، ﴿ ولكنكم كنتم لا تعلمون ﴾ في الدنيا أنه حق ؛ لتفريطكم في طلب الحق، واتباعه. والفاء جواب شرط مقدر، ينساق إليه الكلام، أي : إن كنتم منكرين للبعث ؛ فهذا يومه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من قصر في هذه الدار، وصرف أيام عمره في البطالة، يقصر عليه الزمان عند موته، ويرجع عنده كأنه يوم واحد، فحينئذٍ يستعتب ؛ فلا يُعتب، ويطلب الرجعى ؛ فلا يُجاب، فلا تسأل عن حسرته وخسارته، والعياذ بالله، وهذا كله مبين في القرآن، كما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ ﴾ * ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ﴾.
﴿ فيومئذٍ لا تنفع الذين ظلموا ﴾ كفروا ﴿ مَعْذِرَتُهُم ﴾ : اعتذارهم، والمعذرة : تأنيثها مجازي، فيجوز التذكير والتأنيث، ﴿ ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ أي : لا يقال لهم : أَرْضُوا رَبَّكُمْ بالتوبة، ولا يُدْعَوْنَ إلى استرضائه، يقال : استعتبني فلان فأعْتَبْتُهُ، أي : استرضاني فأرضيته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل من قصر في هذه الدار، وصرف أيام عمره في البطالة، يقصر عليه الزمان عند موته، ويرجع عنده كأنه يوم واحد، فحينئذٍ يستعتب ؛ فلا يُعتب، ويطلب الرجعى ؛ فلا يُجاب، فلا تسأل عن حسرته وخسارته، والعياذ بالله، وهذا كله مبين في القرآن، كما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ ﴾ * ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ﴾.
يقول الحق جل جلاله :﴿ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مَثَلٍ ﴾ أي : بيَّنا لهم فيه من كل مثل، ينبؤهم عن التوحيد والمعاد، وصدق الرسل، وغير ذلك، مما يحتاجون إلى بيانه، ﴿ ولئن جئْتَهم بآيةٍ ﴾ من الآيات الدالة على صدقك، أو : القرآن. ﴿ ليقُولَنَّ الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ﴾ ؛ مزورون. وإسناد الإبطال إلى الجميع، مع أن المجيء بالحق واحد ؛ مراعاة لمن شايعه معه من المؤمنين، أو : ولقد وصفنا كلّ صفة، كأنها مثل ؛ في غرابتها، وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن كقصة المبعوثين يقوم القيامة. وما يقولون، وما يُقال لهم، وما لا ينفع من اعتذارهم، ولا يُسمع من استعتابهم، ولكنهم ؛ لقسوة قلوبهم، إذا جِئْتَهُمْ بآية من آيات القرآن، قالوا : جئتنا بزور باطل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : فقد بين الله في القرآن ما يحتاج السائرون إليه، من علم الشريعة والطريقة والحقيقة، لمن خاض بحر معانيه وأسراره. ولئن جئتهم بآية، من غوامض أسراره ؛ ليقول أهل الجمود. هذا إلْحَاد وباطل. فاصبر ؛ إن وعد الله بالنصر لأوليائه حق، ولا يحملنك على العجلة من لا يقين عنده. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلَّم.
﴿ كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ﴾، أي : مثل ذلك الطبع - وهو الختم - يطبع الله على قلوب الجهلة ؛ الذين عِلَمَ اللهُ منهم اختيارَ الضلال، حتى سمّوا المحققين مبطلين، وهم أغرقُ خلق الله في تلك الصفة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : فقد بين الله في القرآن ما يحتاج السائرون إليه، من علم الشريعة والطريقة والحقيقة، لمن خاض بحر معانيه وأسراره. ولئن جئتهم بآية، من غوامض أسراره ؛ ليقول أهل الجمود. هذا إلْحَاد وباطل. فاصبر ؛ إن وعد الله بالنصر لأوليائه حق، ولا يحملنك على العجلة من لا يقين عنده. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلَّم.
﴿ فاصبرْ ﴾ على أذاهم وعداوتهم، ﴿ إن وعْدَ الله ﴾ بنصرتك، وإظهار دين الإسلام على كل دينٍ، ﴿ حقٌ ﴾ لابد من إنجازه والوفاء به، ﴿ ولا يستخفَّنَّك الذين لا يُوقنون ﴾ ؛ لا يحملَنَّك هؤلاء الذين لا يوقنون بالآخرة على الخفّة والعجلة في الرد عليهم، أو : لا يحملنَّك على الخفة والقلق ؛ فزعاً مما يقولون ؛ فإنهم ضُلاَّل، شاكّون، لا يستغرب منهم ذلك. وقرأ يعقوب : بسكون النون ؛ على أنه نون التوكيد الخفيفة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : فقد بين الله في القرآن ما يحتاج السائرون إليه، من علم الشريعة والطريقة والحقيقة، لمن خاض بحر معانيه وأسراره. ولئن جئتهم بآية، من غوامض أسراره ؛ ليقول أهل الجمود. هذا إلْحَاد وباطل. فاصبر ؛ إن وعد الله بالنصر لأوليائه حق، ولا يحملنك على العجلة من لا يقين عنده. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلَّم.
Icon