تفسير سورة الحديد

المحرر في أسباب نزول القرآن
تفسير سورة سورة الحديد من كتاب المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة المعروف بـالمحرر في أسباب نزول القرآن .
لمؤلفه خالد بن سليمان المزيني .

سورة الحديد
١٧٠ - قال الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج مسلم عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) إلا أربع سنين.
وأخرجه ابن ماجه عن عبد اللَّه بن الزبير قال: لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية، يعاتبهم اللَّه بها إلا أربعُ سنين: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في تفسير هذه الآية وقد ذكر بعض المفسرين حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - منهم البغوي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، ولم يذكروا أن الحديث سبب نزولها.
949
ولعل هذا هو السبب أيضاً في إعراض عدد من كبار المفسرين عن ذكر الحديث، وإذا نظرنا إلى سبب يستدعي النزول على النحو المصطلح عليه بين العلماء لم نجد له أثراً هنا.
* النتيجة:
أن هذا الحديث ليس سبباً لنزول الآية الكريمة لخلوه من التصريح بالنزول وإعراض كثير من المفسرين عن ذكره، مع عدم وجود واقعة أو حدث خاص يستدعي النزول والله أعلم.
* * * * *
950
١٧١ - قال اللَّه تعالى: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كانت ملوك بعد عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام - بدلوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرؤون التوراة، قيل لملوكهم: ما نجد شتمًا أشد من شتم يشتمونا هؤلاء إنهم يقرؤون: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) وهؤلاء الآيات مع ما يعيبونا به في أعمالنا في قراءتهم فادعهم فليقرؤا كما نقرا وليؤمنوا كما آمنا فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها فقالوا: ما تريدون إلى ذلك دعونا، فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانةً ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئًا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نَرِدُ عليكم، وقالت طائفة منهم: دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا، وقالت طائفة منهم: ابنوا لنا دورًا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نَرِدُ عليكم ولا نمر بكم وليس أحد من القبائل إلا وله حميم فيهم قال: ففعلوا ذلك
951
فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) والآخرون قالوا: نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دوراً كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا به، فلما بعث الله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يبق منهم إلا قليل انحطَّ رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب الدير من ديره فآمنوا به وصدقوه فقال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) أجرين بإيمانهم بعيسى وبالتوراة، والإنجيل وبإيمانهم بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتصديقهم. قال: (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) القرآن واتباعهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ) يتشبهون بكم (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ).
952
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد ذكر هذا الحديث عدد من المفسرين كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير.
وسياق العلماء لهذا الحديث من قبيل التفسير لا من باب أسباب النزول إذ لم يشيروا إلى أن هذا الحديث سبب نزولها.
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث ليس سبباً للنزول لما يلي:
١ - أن إسناد الحديث ضعيف لما فيه من الغرابة، مع كون أحد رواته منكر الحديث.
٢ - أن القصة ظاهرة أنها في أتباع عيسى - عليه الصلاة والسلام - فكيف ينزل في شأن هؤلاء آيات على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
953
نعم إن كان هذا من باب القصص عن الأمم الخالية فهو كثير في القرآن، أما السببية فلا.
٣ - أن بعض المفسرين الذين ذكروا روايات الحديث كالطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير قد خلت بعض رواياتهم من ذكر النزول إنما فيها (فذلك قول اللَّه تعالى) (فهم الذين ذكرهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ولم يذكروا النزول.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا للنزول لضعف إسناده، وعدم مناسبته لسياق القرآن، مع أن المفسرين ساقوه مساق التفسير والله أعلم.
* * * * *
954
سورة المجادلة
955
Icon