تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ
سُورَة الْأَنْفَال : مَدَنِيَّة بَدْرِيَّة فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَجَابِر وَعَطَاء.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ مَدَنِيَّة إِلَّا سَبْع آيَات، مِنْ قَوْله تَعَالَى :" وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا " إِلَى آخِر السَّبْع آيَات.
فِيهِ سِتّ مَسَائِل :
الْأُولَى : رَوَى عُبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْر فَلَقُوا الْعَدُوَّ ; فَلَمَّا هَزَمَهُمْ اللَّه اِتَّبَعَتْهُمْ طَائِفَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُونَهُمْ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَة بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَوْلَتْ طَائِفَة عَلَى الْعَسْكَر وَالنَّهْب ; فَلَمَّا نَفَى اللَّه الْعَدُوَّ وَرَجَعَ الَّذِينَ طَلَبُوهُمْ قَالُوا : لَنَا النَّفْل، نَحْنُ الَّذِينَ طَلَبنَا الْعَدُوَّ وَبِنَا نَفَاهُمْ اللَّه وَهَزَمَهُمْ.
وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَنْتُمْ أَحَقّ بِهِ مِنَّا، بَلْ هُوَ لَنَا، نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يَنَال الْعَدُوّ مِنْهُ غِرَّة.
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتَلْوَوْا عَلَى الْعَسْكَر وَالنَّهْب : مَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ مِنَّا، هُوَ لَنَا، نَحْنُ حَوَيْنَاهُ وَاسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهِ ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال.
قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ".
فَقَسَمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فُوَاقٍ بَيْنهمْ.
قَالَ أَبُو عُمَر : قَالَ أَهْل الْعِلْم بِلِسَانِ الْعَرَب : اسْتَلْوَوْا أَطَافُوا وَأَحَاطُوا ; يُقَال : الْمَوْت مُسْتَلْوٍ عَلَى الْعِبَاد.
وَقَوْله :" فَقَسَمَهُ عَلَى فُوَاقٍ " يَعْنِي عَنْ سُرْعَة.
قَالُوا : وَالْفُوَاق مَا بَيْن حَلْبَتَيْ النَّاقَة.
يُقَال : اِنْتَظَرَهُ فُوَاق نَاقَة، أَيْ هَذَا الْمِقْدَار.
وَيَقُولُونَهَا بِالضَّمِّ وَالْفَتْح : فُوَاق وَفَوَاق.
وَكَانَ هَذَا قَبْل أَنْ يَنْزِل :" وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ " [ الْأَنْفَال : ٤١ ] الْآيَة.
وَكَأَنَّ الْمَعْنَى عِنْد الْعُلَمَاء : أَيْ إِلَى اللَّه وَإِلَى الرَّسُول الْحُكْم فِيهَا وَالْعَمَل بِهَا بِمَا يُقَرِّب مِنْ اللَّه تَعَالَى.
وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى الْأَشْدَق عَنْ مَكْحُول عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ قَالَ : سَأَلْت عُبَادَة بْن الصَّامِت عَنْ الْأَنْفَال فَقَالَ : فِينَا مَعْشَر أَصْحَاب بَدْر نَزَلَتْ حِين اِخْتَلَفْنَا فِي النَّفْل، وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقنَا، فَنَزَعَهُ اللَّه مِنْ أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ إِلَى الرَّسُول، فَقَسَمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَوَاء.
يَقُول : عَلَى السَّوَاء.
سُورَة الْأَنْفَال : مَدَنِيَّة بَدْرِيَّة فِي قَوْل الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَجَابِر وَعَطَاء.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ مَدَنِيَّة إِلَّا سَبْع آيَات، مِنْ قَوْله تَعَالَى :" وَإِذْ يَمْكُر بِك الَّذِينَ كَفَرُوا " إِلَى آخِر السَّبْع آيَات.
فِيهِ سِتّ مَسَائِل :
الْأُولَى : رَوَى عُبَادَة بْن الصَّامِت قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْر فَلَقُوا الْعَدُوَّ ; فَلَمَّا هَزَمَهُمْ اللَّه اِتَّبَعَتْهُمْ طَائِفَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُونَهُمْ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَة بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَوْلَتْ طَائِفَة عَلَى الْعَسْكَر وَالنَّهْب ; فَلَمَّا نَفَى اللَّه الْعَدُوَّ وَرَجَعَ الَّذِينَ طَلَبُوهُمْ قَالُوا : لَنَا النَّفْل، نَحْنُ الَّذِينَ طَلَبنَا الْعَدُوَّ وَبِنَا نَفَاهُمْ اللَّه وَهَزَمَهُمْ.
وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَنْتُمْ أَحَقّ بِهِ مِنَّا، بَلْ هُوَ لَنَا، نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يَنَال الْعَدُوّ مِنْهُ غِرَّة.
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتَلْوَوْا عَلَى الْعَسْكَر وَالنَّهْب : مَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ مِنَّا، هُوَ لَنَا، نَحْنُ حَوَيْنَاهُ وَاسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهِ ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ :" يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال.
قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ".
فَقَسَمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فُوَاقٍ بَيْنهمْ.
قَالَ أَبُو عُمَر : قَالَ أَهْل الْعِلْم بِلِسَانِ الْعَرَب : اسْتَلْوَوْا أَطَافُوا وَأَحَاطُوا ; يُقَال : الْمَوْت مُسْتَلْوٍ عَلَى الْعِبَاد.
وَقَوْله :" فَقَسَمَهُ عَلَى فُوَاقٍ " يَعْنِي عَنْ سُرْعَة.
قَالُوا : وَالْفُوَاق مَا بَيْن حَلْبَتَيْ النَّاقَة.
يُقَال : اِنْتَظَرَهُ فُوَاق نَاقَة، أَيْ هَذَا الْمِقْدَار.
وَيَقُولُونَهَا بِالضَّمِّ وَالْفَتْح : فُوَاق وَفَوَاق.
وَكَانَ هَذَا قَبْل أَنْ يَنْزِل :" وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ " [ الْأَنْفَال : ٤١ ] الْآيَة.
وَكَأَنَّ الْمَعْنَى عِنْد الْعُلَمَاء : أَيْ إِلَى اللَّه وَإِلَى الرَّسُول الْحُكْم فِيهَا وَالْعَمَل بِهَا بِمَا يُقَرِّب مِنْ اللَّه تَعَالَى.
وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى الْأَشْدَق عَنْ مَكْحُول عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ قَالَ : سَأَلْت عُبَادَة بْن الصَّامِت عَنْ الْأَنْفَال فَقَالَ : فِينَا مَعْشَر أَصْحَاب بَدْر نَزَلَتْ حِين اِخْتَلَفْنَا فِي النَّفْل، وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقنَا، فَنَزَعَهُ اللَّه مِنْ أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ إِلَى الرَّسُول، فَقَسَمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَوَاء.
يَقُول : عَلَى السَّوَاء.
فَكَانَ ذَلِكَ تَقْوَى اللَّه وَطَاعَة رَسُوله وَصَلَاح ذَات الْبَيْن وَرُوِيَ فِي الصَّحِيح عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص قَالَ : اِغْتَنَمَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِيمَة عَظِيمَة، فَإِذَا فِيهَا سَيْف، فَأَخَذْته فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : نَفِّلْنِي هَذَا السَّيْفَ، فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْت حَاله.
قَالَ :" رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْته " فَانْطَلَقْت حَتَّى أَرَدْت أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَض لَامَتْنِي نَفْسِي فَرَجَعْت إِلَيْهِ فَقُلْت : أَعْطِنِيهِ.
قَالَ : فَشَدَّ لِي صَوْته " رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْته " فَانْطَلَقْت حَتَّى أَرَدْت أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَض لَامَتْنِي نَفْسِي فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَقُلْت : أَعْطِنِيهِ، قَالَ : فَشَدَّ لِي صَوْتَهُ " رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْته " فَأَنْزَلَ اللَّه " يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال ".
لَفْظ مُسْلِم.
وَالرِّوَايَات كَثِيرَة، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَة، وَاَللَّه الْمُوَفِّق لِلْهِدَايَةِ.
الثَّانِيَة : الْأَنْفَال وَاحِدهَا نَفَل بِتَحْرِيكِ الْفَاء ; قَالَ :
أَيْ خَيْر غَنِيمَة.
وَالنَّفْل : الْيَمِين ; وَمِنْهُ الْحَدِيث " فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُود بِنَفْلِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ ".
وَالنَّفْل الِانْتِفَاء ; وَمِنْهُ الْحَدِيث " فَانْتَفَلَ مِنْ وَلَدهَا ".
وَالنَّفَل : نَبْت مَعْرُوف.
وَالنَّفْل : الزِّيَادَة عَلَى الْوَاجِب، وَهُوَ التَّطَوُّع.
وَوَلَد الْوَلَد نَافِلَة ; لِأَنَّهُ زِيَادَة عَلَى الْوَلَد.
وَالْغَنِيمَة نَافِلَة ; لِأَنَّهَا زِيَادَة فِيمَا أَحَلَّ اللَّه لِهَذِهِ الْأُمَّة مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى غَيْرهَا.
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" فُضِّلْت عَلَى الْأَنْبِيَاء بِسِتٍّ - وَفِيهَا - وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِم ".
وَالْأَنْفَال : الْغَنَائِم أَنْفُسهَا.
قَالَ عَنْتَرَة :
أَيْ الْغَنَائِم.
الثَّالِثَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَحِلّ الْأَنْفَال عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال : الْأَوَّل : مَحِلّهَا فِيمَا شُدَّ عَنْ الْكَافِرِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ أُخِذَ بِغَيْرِ حَرْب.
الثَّانِي : مَحِلّهَا الْخُمُس.
الثَّالِث : خُمُس الْخُمُس.
الرَّابِع : رَأْس الْغَنِيمَة ; حَسْب مَا يَرَاهُ الْإِمَام.
وَمَذْهَب مَالِك رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ الْأَنْفَالَ مَوَاهِب الْإِمَام مِنْ الْخُمُس، عَلَى مَا يَرَى مِنْ الِاجْتِهَاد، وَلَيْسَ فِي الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس نَفَل، وَإِنَّمَا لَمْ يَرَ النَّفْل مِنْ رَأْس الْغَنِيمَة لِأَنَّ أَهْلهَا مُعَيَّنُونَ وَهُمْ الْمُوجِفُونَ، وَالْخُمُس مَرْدُود قَسْمه إِلَى اِجْتِهَاد الْإِمَام.
وَأَهْله غَيْر مُعَيَّنِينَ.
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَا لِيَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُس وَالْخُمُس مَرْدُود عَلَيْكُمْ ".
فَلَمْ يُمْكِن بَعْدَ هَذَا أَنْ يَكُون النَّفْل مِنْ حَقّ أَحَد، وَإِنَّمَا يَكُون مِنْ حَقّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْخُمُس.
هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف مِنْ مَذْهَبه وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُمُس الْخُمُس.
قَالَ :" رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْته " فَانْطَلَقْت حَتَّى أَرَدْت أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَض لَامَتْنِي نَفْسِي فَرَجَعْت إِلَيْهِ فَقُلْت : أَعْطِنِيهِ.
قَالَ : فَشَدَّ لِي صَوْته " رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْته " فَانْطَلَقْت حَتَّى أَرَدْت أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَض لَامَتْنِي نَفْسِي فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَقُلْت : أَعْطِنِيهِ، قَالَ : فَشَدَّ لِي صَوْتَهُ " رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْته " فَأَنْزَلَ اللَّه " يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَال ".
لَفْظ مُسْلِم.
وَالرِّوَايَات كَثِيرَة، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَة، وَاَللَّه الْمُوَفِّق لِلْهِدَايَةِ.
الثَّانِيَة : الْأَنْفَال وَاحِدهَا نَفَل بِتَحْرِيكِ الْفَاء ; قَالَ :
إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَلْ | وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَالْعَجَلْ |
وَالنَّفْل : الْيَمِين ; وَمِنْهُ الْحَدِيث " فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُود بِنَفْلِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ ".
وَالنَّفْل الِانْتِفَاء ; وَمِنْهُ الْحَدِيث " فَانْتَفَلَ مِنْ وَلَدهَا ".
وَالنَّفَل : نَبْت مَعْرُوف.
وَالنَّفْل : الزِّيَادَة عَلَى الْوَاجِب، وَهُوَ التَّطَوُّع.
وَوَلَد الْوَلَد نَافِلَة ; لِأَنَّهُ زِيَادَة عَلَى الْوَلَد.
وَالْغَنِيمَة نَافِلَة ; لِأَنَّهَا زِيَادَة فِيمَا أَحَلَّ اللَّه لِهَذِهِ الْأُمَّة مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى غَيْرهَا.
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" فُضِّلْت عَلَى الْأَنْبِيَاء بِسِتٍّ - وَفِيهَا - وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِم ".
وَالْأَنْفَال : الْغَنَائِم أَنْفُسهَا.
قَالَ عَنْتَرَة :
إِنَّا إِذَا اِحْمَرَّ الْوَغَى نَرْوِي اِلْقَنَا | وَنَعِفُّ عِنْدَ مَقَاسِمِ الْأَنْفَالِ |
الثَّالِثَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَحِلّ الْأَنْفَال عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال : الْأَوَّل : مَحِلّهَا فِيمَا شُدَّ عَنْ الْكَافِرِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ أُخِذَ بِغَيْرِ حَرْب.
الثَّانِي : مَحِلّهَا الْخُمُس.
الثَّالِث : خُمُس الْخُمُس.
الرَّابِع : رَأْس الْغَنِيمَة ; حَسْب مَا يَرَاهُ الْإِمَام.
وَمَذْهَب مَالِك رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ الْأَنْفَالَ مَوَاهِب الْإِمَام مِنْ الْخُمُس، عَلَى مَا يَرَى مِنْ الِاجْتِهَاد، وَلَيْسَ فِي الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس نَفَل، وَإِنَّمَا لَمْ يَرَ النَّفْل مِنْ رَأْس الْغَنِيمَة لِأَنَّ أَهْلهَا مُعَيَّنُونَ وَهُمْ الْمُوجِفُونَ، وَالْخُمُس مَرْدُود قَسْمه إِلَى اِجْتِهَاد الْإِمَام.
وَأَهْله غَيْر مُعَيَّنِينَ.
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَا لِيَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُس وَالْخُمُس مَرْدُود عَلَيْكُمْ ".
فَلَمْ يُمْكِن بَعْدَ هَذَا أَنْ يَكُون النَّفْل مِنْ حَقّ أَحَد، وَإِنَّمَا يَكُون مِنْ حَقّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْخُمُس.
هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف مِنْ مَذْهَبه وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُمُس الْخُمُس.
وَهُوَ قَوْل اِبْن الْمُسَيِّب وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة.
وَسَبَب الْخِلَاف حَدِيث اِبْن عُمَر، رَوَاهُ مَالِك قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّة قِبَلَ نَجْد فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَة، وَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اِثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا ; وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا.
هَكَذَا رَوَاهُ مَالِك عَلَى الشَّكّ فِي رِوَايَة يَحْيَى عَنْهُ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَة رُوَاة الْمُوَطَّأ إِلَّا الْوَلِيد بْن مُسْلِم فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِك عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر، فَقَالَ فِيهِ : فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اِثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا.
وَلَمْ يَشُكّ.
وَذَكَرَ الْوَلِيد بْن مُسْلِم وَالْحَكَم بْن نَافِع عَنْ شُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : بَعَثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْش قِبَلَ نَجْد - فِي رِوَايَة الْوَلِيد : أَرْبَعَة آلَاف - وَانْبَعَثَتْ سَرِيَّة مِنْ الْجَيْش - فِي رِوَايَة الْوَلِيد : فَكُنْت مِمَّنْ خَرَجَ فِيهَا - فَكَانَ سُهْمَان الْجَيْش اِثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، اِثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا ; وَنَفَّلَ أَهْل السَّرِيَّة بَعِيرًا بَعِيرًا ; فَكَانَ سُهْمَانُهُمْ ثَلَاثَة عَشَرَ بَعِيرًا ; ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ.
فَاحْتَجَّ بِهَذَا مَنْ يَقُول : إِنَّ النَّفْلَ إِنَّمَا يَكُون مِنْ جُمْلَة الْخُمُس.
وَبَيَانه أَنَّ هَذِهِ السَّرِيَّة لَوْ نُزِّلَتْ عَلَى أَنَّ أَهْلهَا كَانُوا عَشَرَة مَثَلًا أَصَابُوا فِي غَنِيمَتهمْ مِائَة وَخَمْسِينَ، أَخْرَجَ مِنْهَا خُمُسَهَا ثَلَاثِينَ وَصَارَ لَهُمْ مِائَة وَعِشْرُونَ، قُسِمَتْ عَلَى عَشْرَة وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِد اِثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، اِثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، ثُمَّ أُعْطِيَ الْقَوْم مِنْ الْخُمُس بَعِيرًا بَعِيرًا ; لِأَنَّ خُمُس الثَّلَاثِينَ لَا يَكُون فِيهِ عَشَرَة أَبْعِرَة.
فَإِذَا عَرَفْت مَا لِلْعَشَرَةِ عَرَفْت مَا لِلْمِائَةِ وَالْأَلْف وَأَزْيَدَ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ خُمُس الْخُمُس بِأَنْ قَالَ : جَائِز أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ثِيَاب تُبَاع وَمَتَاع غَيْر الْإِبِل، فَأَعْطَى مَنْ لَمْ يَبْلُغهُ الْبَعِير قِيمَة الْبَعِير مِنْ تِلْكَ الْعُرُوض.
وَمِمَّا يُعَضِّد هَذَا مَا رَوَى مُسْلِم فِي بَعْض طُرُق هَذَا الْحَدِيث : فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا ; الْحَدِيث.
وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْأَمِيرَ نَفَّلَهُمْ قَبْل الْقَسْم، وَهَذَا يُوجِب أَنْ يَكُونَ النَّفْل مِنْ رَأْس الْغَنِيمَة، وَهُوَ خِلَاف قَوْل مَالِك.
وَقَوْل مَنْ رَوَى خِلَافَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ حُفَّاظ ; قَالَهُ أَبُو عُمَر رَحِمَهُ اللَّه.
وَقَالَ مَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيّ : لَا يُنَفَّلُ بِأَكْثَر مِنْ الثُّلُث ; وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء.
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ : فَإِنْ زَادَهُمْ فَلْيَفِ لَهُمْ وَيَجْعَل ذَلِكَ مِنْ الْخُمُس.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَيْسَ فِي النَّفْل حَدّ لَا يَتَجَاوَزهُ الْإِمَام.
الرَّابِعَة : وَدَلَّ حَدِيث اِبْن عُمَر عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيد وَالْحَكَم عَنْ شُعَيْب عَنْ نَافِع أَنَّ السَّرِيَّة إِذَا خَرَجَتْ مِنْ الْعَسْكَر فَغَنِمَتْ أَنَّ الْعَسْكَرَ شُرَكَاؤُهُمْ.
وَسَبَب الْخِلَاف حَدِيث اِبْن عُمَر، رَوَاهُ مَالِك قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّة قِبَلَ نَجْد فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَة، وَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اِثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا ; وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا.
هَكَذَا رَوَاهُ مَالِك عَلَى الشَّكّ فِي رِوَايَة يَحْيَى عَنْهُ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَة رُوَاة الْمُوَطَّأ إِلَّا الْوَلِيد بْن مُسْلِم فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِك عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر، فَقَالَ فِيهِ : فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اِثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا.
وَلَمْ يَشُكّ.
وَذَكَرَ الْوَلِيد بْن مُسْلِم وَالْحَكَم بْن نَافِع عَنْ شُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : بَعَثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْش قِبَلَ نَجْد - فِي رِوَايَة الْوَلِيد : أَرْبَعَة آلَاف - وَانْبَعَثَتْ سَرِيَّة مِنْ الْجَيْش - فِي رِوَايَة الْوَلِيد : فَكُنْت مِمَّنْ خَرَجَ فِيهَا - فَكَانَ سُهْمَان الْجَيْش اِثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، اِثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا ; وَنَفَّلَ أَهْل السَّرِيَّة بَعِيرًا بَعِيرًا ; فَكَانَ سُهْمَانُهُمْ ثَلَاثَة عَشَرَ بَعِيرًا ; ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ.
فَاحْتَجَّ بِهَذَا مَنْ يَقُول : إِنَّ النَّفْلَ إِنَّمَا يَكُون مِنْ جُمْلَة الْخُمُس.
وَبَيَانه أَنَّ هَذِهِ السَّرِيَّة لَوْ نُزِّلَتْ عَلَى أَنَّ أَهْلهَا كَانُوا عَشَرَة مَثَلًا أَصَابُوا فِي غَنِيمَتهمْ مِائَة وَخَمْسِينَ، أَخْرَجَ مِنْهَا خُمُسَهَا ثَلَاثِينَ وَصَارَ لَهُمْ مِائَة وَعِشْرُونَ، قُسِمَتْ عَلَى عَشْرَة وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِد اِثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، اِثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، ثُمَّ أُعْطِيَ الْقَوْم مِنْ الْخُمُس بَعِيرًا بَعِيرًا ; لِأَنَّ خُمُس الثَّلَاثِينَ لَا يَكُون فِيهِ عَشَرَة أَبْعِرَة.
فَإِذَا عَرَفْت مَا لِلْعَشَرَةِ عَرَفْت مَا لِلْمِائَةِ وَالْأَلْف وَأَزْيَدَ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ خُمُس الْخُمُس بِأَنْ قَالَ : جَائِز أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ثِيَاب تُبَاع وَمَتَاع غَيْر الْإِبِل، فَأَعْطَى مَنْ لَمْ يَبْلُغهُ الْبَعِير قِيمَة الْبَعِير مِنْ تِلْكَ الْعُرُوض.
وَمِمَّا يُعَضِّد هَذَا مَا رَوَى مُسْلِم فِي بَعْض طُرُق هَذَا الْحَدِيث : فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا ; الْحَدِيث.
وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْأَمِيرَ نَفَّلَهُمْ قَبْل الْقَسْم، وَهَذَا يُوجِب أَنْ يَكُونَ النَّفْل مِنْ رَأْس الْغَنِيمَة، وَهُوَ خِلَاف قَوْل مَالِك.
وَقَوْل مَنْ رَوَى خِلَافَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ حُفَّاظ ; قَالَهُ أَبُو عُمَر رَحِمَهُ اللَّه.
وَقَالَ مَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيّ : لَا يُنَفَّلُ بِأَكْثَر مِنْ الثُّلُث ; وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء.
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ : فَإِنْ زَادَهُمْ فَلْيَفِ لَهُمْ وَيَجْعَل ذَلِكَ مِنْ الْخُمُس.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَيْسَ فِي النَّفْل حَدّ لَا يَتَجَاوَزهُ الْإِمَام.
الرَّابِعَة : وَدَلَّ حَدِيث اِبْن عُمَر عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيد وَالْحَكَم عَنْ شُعَيْب عَنْ نَافِع أَنَّ السَّرِيَّة إِذَا خَرَجَتْ مِنْ الْعَسْكَر فَغَنِمَتْ أَنَّ الْعَسْكَرَ شُرَكَاؤُهُمْ.
وَهَذِهِ مَسْأَلَة وَحُكْم لَمْ يَذْكُرهُ فِي الْحَدِيث غَيْر شُعَيْب عَنْ نَافِع، وَلَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء فِيهِ، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْإِمَام يَقُول قَبْل الْقِتَال : مَنْ هَدَمَ كَذَا مِنْ الْحِصْن فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ بَلَغَ إِلَى مَوْضِع كَذَا فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ كَذَا ; يُضَرِّيهِمْ.
فَرُوِيَ عَنْ مَالِك أَنَّهُ كَرِهَهُ.
وَقَالَ : هُوَ قِتَال عَلَى الدُّنْيَا.
وَكَانَ لَا يُجِيزهُ.
قَالَ الثَّوْرِيّ : ذَلِكَ جَائِز وَلَا بَأْس بِهِ.
قُلْت : وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا ".
الْحَدِيث بِطُولِهِ.
وَفِي رِوَايَة عِكْرِمَة عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَأَتَى مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا ".
فَتَسَارَعَ الشُّبَّان وَثَبَتَ الشُّيُوخ مَعَ الرَّايَات ; فَلَمَّا فُتِحَ لَهُمْ جَاءَ الشُّبَّان يَطْلُبُونَ مَا جَعَلَ لَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ الْأَشْيَاخ : لَا تَذْهَبُونَ بِهِ دُوننَا، فَقَدْ كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنكُمْ " ذَكَرَهُ إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق أَيْضًا.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّهُ قَالَ لِجَرِيرِ بْن عَبْد اللَّه الْبَجَلِيّ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ فِي قَوْمه وَهُوَ يُرِيد الشَّأْم : هَلْ لَك أَنْ تَأْتِيَ الْكُوفَةَ وَلَك الثُّلُث بَعْد الْخُمُس مِنْ كُلّ أَرْض وَسَبْي ؟.
وَقَالَ بِهَذَا جَمَاعَة فُقَهَاء الشَّأْم : الْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول وَابْن حَيْوَةَ وَغَيْرهمْ.
وَرَأَوْا الْخُمُس مِنْ جُمْلَة الْغَنِيمَة، وَالنَّفْل بَعْد الْخُمُس ثُمَّ الْغَنِيمَة بَيْن أَهْل الْعَسْكَر ; وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق وَأَحْمَد وَأَبُو عُبَيْد.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَالنَّاس الْيَوْم عَلَى أَنْ لَا نَفْلَ مِنْ جِهَة الْغَنِيمَة حَتَّى تُخَمَّس.
وَقَالَ مَالِك : لَا يَجُوز أَنْ يَقُولَ الْإِمَام لِسَرِيَّةٍ : مَا أَخَذْتُمْ فَلَكُمْ ثُلُثه.
قَالَ سَحْنُون : يُرِيد اِبْتِدَاء.
فَإِنْ نَزَلَ مَضَى، وَلَهُمْ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِي الْبَاقِي.
وَقَالَ سَحْنُون : إِذَا قَالَ الْإِمَام لِسَرِيَّةٍ مَا أَخَذْتُمْ فَلَا خُمُس عَلَيْكُمْ فِيهِ ; فَهَذَا لَا يَجُوز، فَإِنْ نَزَلَ رَدَدْته ; لِأَنَّ هَذَا حُكْم شَاذّ لَا يَجُوز وَلَا يُمْضَى.
السَّادِسَة : وَاسْتَحَبَّ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه أَلَّا يُنَفِّل الْإِمَام إِلَّا مَا يَظْهَر كَالْعِمَامَةِ وَالْفَرَس وَالسَّيْف.
وَمَنَعَ بَعْض الْعُلَمَاء أَنْ يُنَفِّل الْإِمَام ذَهَبًا أَوْ فِضَّة أَوْ لُؤْلُؤًا وَنَحْوه.
وَقَالَ بَعْضهمْ : النَّفْل جَائِز مِنْ كُلّ شَيْء.
وَهُوَ الصَّحِيح لِقَوْلِ عُمَر وَمُقْتَضَى الْآيَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
الْخَامِسَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْإِمَام يَقُول قَبْل الْقِتَال : مَنْ هَدَمَ كَذَا مِنْ الْحِصْن فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ بَلَغَ إِلَى مَوْضِع كَذَا فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ كَذَا ; يُضَرِّيهِمْ.
فَرُوِيَ عَنْ مَالِك أَنَّهُ كَرِهَهُ.
وَقَالَ : هُوَ قِتَال عَلَى الدُّنْيَا.
وَكَانَ لَا يُجِيزهُ.
قَالَ الثَّوْرِيّ : ذَلِكَ جَائِز وَلَا بَأْس بِهِ.
قُلْت : وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا ".
الْحَدِيث بِطُولِهِ.
وَفِي رِوَايَة عِكْرِمَة عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَأَتَى مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا ".
فَتَسَارَعَ الشُّبَّان وَثَبَتَ الشُّيُوخ مَعَ الرَّايَات ; فَلَمَّا فُتِحَ لَهُمْ جَاءَ الشُّبَّان يَطْلُبُونَ مَا جَعَلَ لَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ الْأَشْيَاخ : لَا تَذْهَبُونَ بِهِ دُوننَا، فَقَدْ كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنكُمْ " ذَكَرَهُ إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق أَيْضًا.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب أَنَّهُ قَالَ لِجَرِيرِ بْن عَبْد اللَّه الْبَجَلِيّ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ فِي قَوْمه وَهُوَ يُرِيد الشَّأْم : هَلْ لَك أَنْ تَأْتِيَ الْكُوفَةَ وَلَك الثُّلُث بَعْد الْخُمُس مِنْ كُلّ أَرْض وَسَبْي ؟.
وَقَالَ بِهَذَا جَمَاعَة فُقَهَاء الشَّأْم : الْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول وَابْن حَيْوَةَ وَغَيْرهمْ.
وَرَأَوْا الْخُمُس مِنْ جُمْلَة الْغَنِيمَة، وَالنَّفْل بَعْد الْخُمُس ثُمَّ الْغَنِيمَة بَيْن أَهْل الْعَسْكَر ; وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق وَأَحْمَد وَأَبُو عُبَيْد.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَالنَّاس الْيَوْم عَلَى أَنْ لَا نَفْلَ مِنْ جِهَة الْغَنِيمَة حَتَّى تُخَمَّس.
وَقَالَ مَالِك : لَا يَجُوز أَنْ يَقُولَ الْإِمَام لِسَرِيَّةٍ : مَا أَخَذْتُمْ فَلَكُمْ ثُلُثه.
قَالَ سَحْنُون : يُرِيد اِبْتِدَاء.
فَإِنْ نَزَلَ مَضَى، وَلَهُمْ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِي الْبَاقِي.
وَقَالَ سَحْنُون : إِذَا قَالَ الْإِمَام لِسَرِيَّةٍ مَا أَخَذْتُمْ فَلَا خُمُس عَلَيْكُمْ فِيهِ ; فَهَذَا لَا يَجُوز، فَإِنْ نَزَلَ رَدَدْته ; لِأَنَّ هَذَا حُكْم شَاذّ لَا يَجُوز وَلَا يُمْضَى.
السَّادِسَة : وَاسْتَحَبَّ مَالِك رَحِمَهُ اللَّه أَلَّا يُنَفِّل الْإِمَام إِلَّا مَا يَظْهَر كَالْعِمَامَةِ وَالْفَرَس وَالسَّيْف.
وَمَنَعَ بَعْض الْعُلَمَاء أَنْ يُنَفِّل الْإِمَام ذَهَبًا أَوْ فِضَّة أَوْ لُؤْلُؤًا وَنَحْوه.
وَقَالَ بَعْضهمْ : النَّفْل جَائِز مِنْ كُلّ شَيْء.
وَهُوَ الصَّحِيح لِقَوْلِ عُمَر وَمُقْتَضَى الْآيَة، وَاَللَّه أَعْلَم.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ
أَمْر بِالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاح، أَيْ كُونُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَمْر اللَّه فِي الدُّعَاء : اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ الْبَيْن، أَيْ الْحَال الَّتِي يَقَع بِهَا الِاجْتِمَاع.
فَدَلَّ هَذَا عَلَى التَّصْرِيح بِأَنَّهُ شَجَرَ بَيْنهمْ اِخْتِلَاف، أَوْ مَالَتْ النُّفُوس إِلَى التَّشَاحّ ; كَمَا هُوَ مَنْصُوص فِي الْحَدِيث.
وَتَقَدَّمَ مَعْنَى التَّقْوَى، أَيْ اِتَّقُوا اللَّهَ فِي أَقْوَالكُمْ، وَأَفْعَالكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنكُمْ.
أَمْر بِالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاح، أَيْ كُونُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَمْر اللَّه فِي الدُّعَاء : اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ الْبَيْن، أَيْ الْحَال الَّتِي يَقَع بِهَا الِاجْتِمَاع.
فَدَلَّ هَذَا عَلَى التَّصْرِيح بِأَنَّهُ شَجَرَ بَيْنهمْ اِخْتِلَاف، أَوْ مَالَتْ النُّفُوس إِلَى التَّشَاحّ ; كَمَا هُوَ مَنْصُوص فِي الْحَدِيث.
وَتَقَدَّمَ مَعْنَى التَّقْوَى، أَيْ اِتَّقُوا اللَّهَ فِي أَقْوَالكُمْ، وَأَفْعَالكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنكُمْ.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فِي الْغَنَائِم وَنَحْوهَا.
فِي الْغَنَائِم وَنَحْوهَا.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
أَيْ إِنَّ سَبِيلَ الْمُؤْمِن أَنْ يَمْتَثِل مَا ذَكَرْنَا.
وَقِيلَ :" إِنْ " بِمَعْنَى " إِذْ ".
أَيْ إِنَّ سَبِيلَ الْمُؤْمِن أَنْ يَمْتَثِل مَا ذَكَرْنَا.
وَقِيلَ :" إِنْ " بِمَعْنَى " إِذْ ".
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
قَالَ الْعُلَمَاء : هَذِهِ الْآيَة تَحْرِيض عَلَى إِلْزَام طَاعَة الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ قِسْمَة تِلْكَ الْغَنِيمَة.
وَالْوَجَل : الْخَوْف.
وَفِي مُسْتَقْبَله أَرْبَع لُغَات : وَجِلَ يَوْجَل وَيَاجَلُ وَيَيْجَلُ وَيَيْجِلُ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ.
وَالْمَصْدَر وَجِلَ وَجَلًا وَمَوْجَلًا ; بِالْفَتْحِ.
وَهَذَا مَوْجِله ( بِالْكَسْرِ ) لِلْمَوْضِعِ وَالِاسْم.
فَمَنْ قَالَ : يَاجَلُ فِي الْمُسْتَقْبَل جَعَلَ الْوَاوَ أَلِفًا لِفَتْحَةِ مَا قَبْلَهَا.
وَلُغَة الْقُرْآن الْوَاو " قَالُوا لَا تَوْجَل " [ الْحِجْر : ٥٣ ].
وَمَنْ قَالَ :" يِيجَل " بِكَسْرِ الْيَاء فَهِيَ عَلَى لُغَة بَنِي أَسَد، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : أَنَا إِيجَلُ، وَنَحْنُ نِيجَلُ، وَأَنْتَ تِيجَلُ ; كُلّهَا بِالْكَسْرِ.
وَمَنْ قَالَ :" يَيْجَل " بَنَاهُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَة، وَلَكِنَّهُ فَتَحَ الْيَاءَ كَمَا فَتَحُوهَا فِي يَعْلَم، وَلَمْ تُكْسَر الْيَاء فِي يَعْلَم لِاسْتِثْقَالِهِمْ الْكَسْر عَلَى الْيَاء.
وَكُسِرَتْ فِي " يِيجَل " لِتَقَوِّي إِحْدَى الْيَاءَيْنِ بِالْأُخْرَى.
وَالْأَمْر مِنْهُ " إِيجَلْ " صَارَتْ الْوَاو يَاءً لِكِسْرَةِ مَا قَبْلَهَا.
وَتَقُول : إِنِّي مِنْهُ لَأَوْجَل.
وَلَا يُقَال فِي الْمُؤَنَّث : وَجْلَاء : وَلَكِنْ وَجِلَة.
وَرَوَى سُفْيَان عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله جَلَّ وَعَزَّ :" الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ " قَالَ : إِذَا أَرَادَ أَنْ يَظْلِم مَظْلِمَة قِيلَ لَهُ : اِتَّقِ اللَّهَ، وَوَجِلَ قَلْبه.
وَصَفَ اللَّه تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْآيَة بِالْخَوْفِ وَالْوَجَل عِنْد ذِكْره.
وَذَلِكَ لِقُوَّةِ إِيمَانهمْ وَمُرَاعَاتهمْ لِرَبِّهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة " وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ.
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ " [ الْحَجّ : ٣٤، ٣٥ ].
وَقَالَ :" وَتَطْمَئِنّ قُلُوبهمْ بِذِكْرِ اللَّه " [ الرَّعْد : ٢٨ ].
فَهَذَا يَرْجِع إِلَى كَمَالِ الْمَعْرِفَة وَثِقَة الْقَلْب.
وَالْوَجَل : الْفَزَع مِنْ عَذَاب اللَّه ; فَلَا تَنَاقُض.
وَقَدْ جَمَعَ اللَّه بَيْن الْمَعْنَيَيْنِ فِي قَوْله " اللَّه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيث كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُود الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ ثُمَّ تَلِينَ جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه " [ الزُّمَر : ٢٣ ].
أَيْ تَسْكُن نُفُوسهمْ مِنْ حَيْثُ الْيَقِينُ إِلَى اللَّه وَإِنْ كَانُوا يَخَافُونَ اللَّهَ.
فَهَذِهِ حَالَة الْعَارِفِينَ بِاَللَّهِ، الْخَائِفِينَ مِنْ سَطْوَته وَعُقُوبَته ; لَا كَمَا يَفْعَلهُ جُهَّال الْعَوَامّ وَالْمُبْتَدِعَة الطَّغَام مِنْ الزَّعِيق وَالزَّئِير وَمِنْ النِّهَاق الَّذِي يُشْبِه نِهَاق الْحَمِير.
فَيُقَال لِمَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ وَجْد وَخُشُوع : لَمْ تَبْلُغ أَنْ تُسَاوِيَ حَالَ الرَّسُول وَلَا حَال أَصْحَابه فِي الْمَعْرِفَة بِاَللَّهِ، وَالْخَوْف مِنْهُ، وَالتَّعْظِيم لِجَلَالِهِ ; وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَتْ حَالهمْ عِنْدَ الْمَوَاعِظ الْفَهْم عَنْ اللَّه وَالْبُكَاء خَوْفًا مِنْ اللَّه.
قَالَ الْعُلَمَاء : هَذِهِ الْآيَة تَحْرِيض عَلَى إِلْزَام طَاعَة الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ قِسْمَة تِلْكَ الْغَنِيمَة.
وَالْوَجَل : الْخَوْف.
وَفِي مُسْتَقْبَله أَرْبَع لُغَات : وَجِلَ يَوْجَل وَيَاجَلُ وَيَيْجَلُ وَيَيْجِلُ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ.
وَالْمَصْدَر وَجِلَ وَجَلًا وَمَوْجَلًا ; بِالْفَتْحِ.
وَهَذَا مَوْجِله ( بِالْكَسْرِ ) لِلْمَوْضِعِ وَالِاسْم.
فَمَنْ قَالَ : يَاجَلُ فِي الْمُسْتَقْبَل جَعَلَ الْوَاوَ أَلِفًا لِفَتْحَةِ مَا قَبْلَهَا.
وَلُغَة الْقُرْآن الْوَاو " قَالُوا لَا تَوْجَل " [ الْحِجْر : ٥٣ ].
وَمَنْ قَالَ :" يِيجَل " بِكَسْرِ الْيَاء فَهِيَ عَلَى لُغَة بَنِي أَسَد، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : أَنَا إِيجَلُ، وَنَحْنُ نِيجَلُ، وَأَنْتَ تِيجَلُ ; كُلّهَا بِالْكَسْرِ.
وَمَنْ قَالَ :" يَيْجَل " بَنَاهُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَة، وَلَكِنَّهُ فَتَحَ الْيَاءَ كَمَا فَتَحُوهَا فِي يَعْلَم، وَلَمْ تُكْسَر الْيَاء فِي يَعْلَم لِاسْتِثْقَالِهِمْ الْكَسْر عَلَى الْيَاء.
وَكُسِرَتْ فِي " يِيجَل " لِتَقَوِّي إِحْدَى الْيَاءَيْنِ بِالْأُخْرَى.
وَالْأَمْر مِنْهُ " إِيجَلْ " صَارَتْ الْوَاو يَاءً لِكِسْرَةِ مَا قَبْلَهَا.
وَتَقُول : إِنِّي مِنْهُ لَأَوْجَل.
وَلَا يُقَال فِي الْمُؤَنَّث : وَجْلَاء : وَلَكِنْ وَجِلَة.
وَرَوَى سُفْيَان عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله جَلَّ وَعَزَّ :" الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ " قَالَ : إِذَا أَرَادَ أَنْ يَظْلِم مَظْلِمَة قِيلَ لَهُ : اِتَّقِ اللَّهَ، وَوَجِلَ قَلْبه.
وَصَفَ اللَّه تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْآيَة بِالْخَوْفِ وَالْوَجَل عِنْد ذِكْره.
وَذَلِكَ لِقُوَّةِ إِيمَانهمْ وَمُرَاعَاتهمْ لِرَبِّهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة " وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ.
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ " [ الْحَجّ : ٣٤، ٣٥ ].
وَقَالَ :" وَتَطْمَئِنّ قُلُوبهمْ بِذِكْرِ اللَّه " [ الرَّعْد : ٢٨ ].
فَهَذَا يَرْجِع إِلَى كَمَالِ الْمَعْرِفَة وَثِقَة الْقَلْب.
وَالْوَجَل : الْفَزَع مِنْ عَذَاب اللَّه ; فَلَا تَنَاقُض.
وَقَدْ جَمَعَ اللَّه بَيْن الْمَعْنَيَيْنِ فِي قَوْله " اللَّه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيث كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُود الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ ثُمَّ تَلِينَ جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه " [ الزُّمَر : ٢٣ ].
أَيْ تَسْكُن نُفُوسهمْ مِنْ حَيْثُ الْيَقِينُ إِلَى اللَّه وَإِنْ كَانُوا يَخَافُونَ اللَّهَ.
فَهَذِهِ حَالَة الْعَارِفِينَ بِاَللَّهِ، الْخَائِفِينَ مِنْ سَطْوَته وَعُقُوبَته ; لَا كَمَا يَفْعَلهُ جُهَّال الْعَوَامّ وَالْمُبْتَدِعَة الطَّغَام مِنْ الزَّعِيق وَالزَّئِير وَمِنْ النِّهَاق الَّذِي يُشْبِه نِهَاق الْحَمِير.
فَيُقَال لِمَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ وَجْد وَخُشُوع : لَمْ تَبْلُغ أَنْ تُسَاوِيَ حَالَ الرَّسُول وَلَا حَال أَصْحَابه فِي الْمَعْرِفَة بِاَللَّهِ، وَالْخَوْف مِنْهُ، وَالتَّعْظِيم لِجَلَالِهِ ; وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَتْ حَالهمْ عِنْدَ الْمَوَاعِظ الْفَهْم عَنْ اللَّه وَالْبُكَاء خَوْفًا مِنْ اللَّه.
وَلِذَلِكَ وَصَفَ اللَّه أَحْوَالَ أَهْل الْمَعْرِفَة عِنْدَ سَمَاع ذِكْره وَتِلَاوَة كِتَابه فَقَالَ :" وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ " [ الْمَائِدَة : ٨٣ ].
فَهَذَا وَصْف حَالهمْ وَحِكَايَة مَقَالهمْ.
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَى هَدْيهمْ وَلَا عَلَى طَرِيقَتهمْ ; فَمَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ، وَمَنْ تَعَاطَى أَحْوَال الْمَجَانِين وَالْجُنُون فَهُوَ مِنْ أَخَسّهمْ حَالًا ; وَالْجُنُون فُنُون.
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ فِي الْمَسْأَلَة، فَخَرَجَ ذَات يَوْم فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ :" سَلُونِي لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا بَيَّنْته لَكُمْ مَا دُمْت فِي مَقَامِي هَذَا ".
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْم أَرَمُّوا وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَيْن يَدَيْ أَمْر قَدْ حَضَرَ.
قَالَ أَنَس : فَجَعَلْت أَلْتَفِت يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا كُلّ إِنْسَان لَافّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبه يَبْكِي.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْن سَارِيَة قَالَ : وَعَظَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَة بَلِيغَة ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُون، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوب.
الْحَدِيث.
وَلَمْ يَقُلْ : زَعَقْنَا وَلَا رَقَصْنَا وَلَا زَفَنَّا وَلَا قُمْنَا.
فَهَذَا وَصْف حَالهمْ وَحِكَايَة مَقَالهمْ.
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَى هَدْيهمْ وَلَا عَلَى طَرِيقَتهمْ ; فَمَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ، وَمَنْ تَعَاطَى أَحْوَال الْمَجَانِين وَالْجُنُون فَهُوَ مِنْ أَخَسّهمْ حَالًا ; وَالْجُنُون فُنُون.
رَوَى مُسْلِم عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ فِي الْمَسْأَلَة، فَخَرَجَ ذَات يَوْم فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ :" سَلُونِي لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا بَيَّنْته لَكُمْ مَا دُمْت فِي مَقَامِي هَذَا ".
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْم أَرَمُّوا وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَيْن يَدَيْ أَمْر قَدْ حَضَرَ.
قَالَ أَنَس : فَجَعَلْت أَلْتَفِت يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا كُلّ إِنْسَان لَافّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبه يَبْكِي.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْن سَارِيَة قَالَ : وَعَظَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَة بَلِيغَة ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُون، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوب.
الْحَدِيث.
وَلَمْ يَقُلْ : زَعَقْنَا وَلَا رَقَصْنَا وَلَا زَفَنَّا وَلَا قُمْنَا.
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
أَيْ تَصْدِيقًا.
فَإِنَّ إِيمَان هَذِهِ السَّاعَة زِيَادَة عَلَى إِيمَان أَمْس ; فَمَنْ صَدَّقَ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَهُوَ زِيَادَة تَصْدِيق بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ : هُوَ زِيَادَة اِنْشِرَاح الصَّدْر بِكَثْرَةِ الْآيَات وَالْأَدِلَّة ; وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " آل عِمْرَان ".
أَيْ تَصْدِيقًا.
فَإِنَّ إِيمَان هَذِهِ السَّاعَة زِيَادَة عَلَى إِيمَان أَمْس ; فَمَنْ صَدَّقَ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَهُوَ زِيَادَة تَصْدِيق بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَقِيلَ : هُوَ زِيَادَة اِنْشِرَاح الصَّدْر بِكَثْرَةِ الْآيَات وَالْأَدِلَّة ; وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " آل عِمْرَان ".
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
فِيهِ مَسْأَلَة وَاحِدَة، وَهِيَ بَيَان التَّوَكُّل.
وَالتَّوَكُّل فِي اللُّغَة إِظْهَار الْعَجْز وَالِاعْتِمَاد عَلَى الْغَيْر وَوَاكَلَ فُلَان إِذَا ضَيَّعَ أَمْره مُتَّكِلًا عَلَى غَيْره.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حَقِيقَة التَّوَكُّل، فَسُئِلَ عَنْهُ سَهْل بْن عَبْد اللَّه فَقَالَ : قَالَتْ فِرْقَة الرِّضَا بِالضَّمَانِ، وَقَطْع الطَّمَع مِنْ الْمَخْلُوقِينَ.
وَقَالَ قَوْم : التَّوَكُّل تَرْك الْأَسْبَاب وَالرُّكُون إِلَى مُسَبِّب الْأَسْبَاب، فَإِذَا شَغَلَهُ السَّبَب عَنْ الْمُسَبَّب زَالَ عَنْهُ اِسْم التَّوَكُّل.
قَالَ سَهْل : مَنْ قَالَ إِنَّ التَّوَكُّلَ يَكُون بِتَرْكِ السَّبَب فَقَدْ طَعَنَ فِي سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُول :" فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا " [ الْأَنْفَال : ٦٩ ] فَالْغَنِيمَة اِكْتِسَاب.
وَقَالَ تَعَالَى :" فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاق وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان " [ الْأَنْفَال : ١٢ ] فَهَذَا عَمَل.
وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبّ الْعَبْدَ الْمُحْتَرِف ).
وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِضُونَ عَلَى السَّرِيَّة.
وَقَالَ غَيْره : وَهَذَا قَوْل عَامَّة الْفُقَهَاء، وَأَنَّ التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّه هُوَ الثِّقَة بِاَللَّهِ وَالْإِيقَان بِأَنَّ قَضَاءَهُ مَاضٍ، وَاتِّبَاع سُنَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّعْي فِيمَا لَا بُدّ مِنْهُ مِنْ الْأَسْبَاب مِنْ مَطْعَم وَمَشْرَب وَتَحَرُّز مِنْ عَدُوّ وَإِعْدَاد الْأَسْلِحَة وَاسْتِعْمَال مَا تَقْتَضِيه سُنَّة اللَّه تَعَالَى الْمُعْتَادَة.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مُحَقِّقُو الصُّوفِيَّة، لَكِنَّهُ لَا يَسْتَحِقّ اِسْم التَّوَكُّل عِنْدَهُمْ مَعَ الطُّمَأْنِينَة إِلَى تِلْكَ الْأَسْبَاب وَالِالْتِفَات إِلَيْهَا بِالْقُلُوبِ، فَإِنَّهَا لَا تَجْلِب نَفْعًا وَلَا تَدْفَع ضَرًّا، بَلْ السَّبَب وَالْمُسَبَّب فِعْل اللَّه تَعَالَى، وَالْكُلّ مِنْهُ وَبِمَشِيئَتِهِ، وَمَتَى وَقَعَ مِنْ الْمُتَوَكِّل رُكُون إِلَى تِلْكَ الْأَسْبَاب فَقَدْ اِنْسَلَخَ عَنْ ذَلِكَ الِاسْم.
ثُمَّ الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى حَالَيْنِ : الْأَوَّل : حَال الْمُتَمَكِّن فِي التَّوَكُّل فَلَا يُلْتَفَت إِلَى شَيْء مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَاب بِقَلْبِهِ، وَلَا يَتَعَاطَاهُ إِلَّا بِحُكْمِ الْأَمْر.
الثَّانِي : حَال غَيْر الْمُتَمَكِّن وَهُوَ الَّذِي يَقَع لَهُ الِالْتِفَات إِلَى تِلْكَ الْأَسْبَاب أَحْيَانًا غَيْر أَنَّهُ يَدْفَعهَا عَنْ نَفْسه بِالطُّرُقِ الْعِلْمِيَّة، وَالْبَرَاهِين الْقَطْعِيَّة، وَالْأَذْوَاق الْحَالِيَّة، فَلَا يَزَال كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يُرَقِّيَهُ اللَّه بِجُودِهِ إِلَى مَقَام الْمُتَوَكِّلِينَ الْمُتَمَكِّنِينَ، وَيُلْحِقهُ بِدَرَجَاتِ الْعَارِفِينَ.
فِيهِ مَسْأَلَة وَاحِدَة، وَهِيَ بَيَان التَّوَكُّل.
وَالتَّوَكُّل فِي اللُّغَة إِظْهَار الْعَجْز وَالِاعْتِمَاد عَلَى الْغَيْر وَوَاكَلَ فُلَان إِذَا ضَيَّعَ أَمْره مُتَّكِلًا عَلَى غَيْره.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حَقِيقَة التَّوَكُّل، فَسُئِلَ عَنْهُ سَهْل بْن عَبْد اللَّه فَقَالَ : قَالَتْ فِرْقَة الرِّضَا بِالضَّمَانِ، وَقَطْع الطَّمَع مِنْ الْمَخْلُوقِينَ.
وَقَالَ قَوْم : التَّوَكُّل تَرْك الْأَسْبَاب وَالرُّكُون إِلَى مُسَبِّب الْأَسْبَاب، فَإِذَا شَغَلَهُ السَّبَب عَنْ الْمُسَبَّب زَالَ عَنْهُ اِسْم التَّوَكُّل.
قَالَ سَهْل : مَنْ قَالَ إِنَّ التَّوَكُّلَ يَكُون بِتَرْكِ السَّبَب فَقَدْ طَعَنَ فِي سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُول :" فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا " [ الْأَنْفَال : ٦٩ ] فَالْغَنِيمَة اِكْتِسَاب.
وَقَالَ تَعَالَى :" فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاق وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَان " [ الْأَنْفَال : ١٢ ] فَهَذَا عَمَل.
وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبّ الْعَبْدَ الْمُحْتَرِف ).
وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِضُونَ عَلَى السَّرِيَّة.
وَقَالَ غَيْره : وَهَذَا قَوْل عَامَّة الْفُقَهَاء، وَأَنَّ التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّه هُوَ الثِّقَة بِاَللَّهِ وَالْإِيقَان بِأَنَّ قَضَاءَهُ مَاضٍ، وَاتِّبَاع سُنَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّعْي فِيمَا لَا بُدّ مِنْهُ مِنْ الْأَسْبَاب مِنْ مَطْعَم وَمَشْرَب وَتَحَرُّز مِنْ عَدُوّ وَإِعْدَاد الْأَسْلِحَة وَاسْتِعْمَال مَا تَقْتَضِيه سُنَّة اللَّه تَعَالَى الْمُعْتَادَة.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مُحَقِّقُو الصُّوفِيَّة، لَكِنَّهُ لَا يَسْتَحِقّ اِسْم التَّوَكُّل عِنْدَهُمْ مَعَ الطُّمَأْنِينَة إِلَى تِلْكَ الْأَسْبَاب وَالِالْتِفَات إِلَيْهَا بِالْقُلُوبِ، فَإِنَّهَا لَا تَجْلِب نَفْعًا وَلَا تَدْفَع ضَرًّا، بَلْ السَّبَب وَالْمُسَبَّب فِعْل اللَّه تَعَالَى، وَالْكُلّ مِنْهُ وَبِمَشِيئَتِهِ، وَمَتَى وَقَعَ مِنْ الْمُتَوَكِّل رُكُون إِلَى تِلْكَ الْأَسْبَاب فَقَدْ اِنْسَلَخَ عَنْ ذَلِكَ الِاسْم.
ثُمَّ الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى حَالَيْنِ : الْأَوَّل : حَال الْمُتَمَكِّن فِي التَّوَكُّل فَلَا يُلْتَفَت إِلَى شَيْء مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَاب بِقَلْبِهِ، وَلَا يَتَعَاطَاهُ إِلَّا بِحُكْمِ الْأَمْر.
الثَّانِي : حَال غَيْر الْمُتَمَكِّن وَهُوَ الَّذِي يَقَع لَهُ الِالْتِفَات إِلَى تِلْكَ الْأَسْبَاب أَحْيَانًا غَيْر أَنَّهُ يَدْفَعهَا عَنْ نَفْسه بِالطُّرُقِ الْعِلْمِيَّة، وَالْبَرَاهِين الْقَطْعِيَّة، وَالْأَذْوَاق الْحَالِيَّة، فَلَا يَزَال كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يُرَقِّيَهُ اللَّه بِجُودِهِ إِلَى مَقَام الْمُتَوَكِّلِينَ الْمُتَمَكِّنِينَ، وَيُلْحِقهُ بِدَرَجَاتِ الْعَارِفِينَ.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
مَعْطُوف جُمْلَة عَلَى جُمْلَة.
وَإِقَامَة الصَّلَاة أَدَاؤُهَا بِأَرْكَانِهَا وَسُنَنهَا وَهَيْئَاتهَا فِي أَوْقَاتهَا ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
يُقَال : قَامَ الشَّيْء أَيْ دَامَ وَثَبَتَ، وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَام عَلَى الرِّجْل ; وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِك : قَامَ الْحَقّ أَيْ ظَهَرَ وَثَبَتَ ; قَالَ الشَّاعِر :
وَقَامَتْ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقِ
وَقَالَ آخَر :
وَقِيلَ :" يُقِيمُونَ " يُدِيمُونَ، وَأَقَامَهُ أَيْ أَدَامَهُ ; وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ عُمَر بِقَوْلِهِ :( مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَع.
) إِقَامَة الصَّلَاة مَعْرُوفَة ; وَهِيَ سُنَّة عِنْدَ الْجُمْهُور، وَأَنَّهُ لَا إِعَادَة عَلَى تَارِكهَا.
وَعِنْدَ الْأَوْزَاعِيّ وَعَطَاء وَمُجَاهِد وَابْن أَبِي لَيْلَى هِيَ وَاجِبَة وَعَلَى مَنْ تَرَكَهَا الْإِعَادَة ; وَبِهِ قَالَ أَهْل الظَّاهِر، وَرُوِيَ عَنْ مَالِك، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ قَالَ : لِأَنَّ فِي حَدِيث الْأَعْرَابِيّ ( وَأَقِمْ ) فَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ كَمَا أَمَرَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالِاسْتِقْبَال وَالْوُضُوء.
قَالَ : فَأَمَّا أَنْتُمْ الْآن وَقَدْ وَقَفْتُمْ عَلَى الْحَدِيث فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِإِحْدَى رِوَايَتَيْ مَالِك الْمُوَافِقَة لِلْحَدِيثِ وَهِيَ أَنَّ الْإِقَامَةَ فَرْض.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ قَوْله :( وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير ) دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل فِي الصَّلَاة مَنْ لَمْ يُحْرِم، فَمَا كَانَ قَبْل الْإِحْرَام فَحُكْمه أَلَّا تُعَاد مِنْهُ الصَّلَاة إِلَّا أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى شَيْء فَيُسَلَّمُ لِلْإِجْمَاعِ كَالطَّهَارَةِ وَالْقِبْلَة وَالْوَقْت وَنَحْو ذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا : مَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوُجُوبِهَا إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَاسْتَوَى سَهْوهَا وَعَمْدهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلِاسْتِخْفَافِ بِالسُّنَنِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ هَلْ يُسْرِع أَوْ لَا فَذَهَبَ الْأَكْثَر إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْرِع وَإِنْ خَافَ فَوْت الرَّكْعَة لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَة فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ).
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدكُمْ وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سَبَقَك ).
وَهَذَا نَصّ.
وَمِنْ جِهَة الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَسْرَعَ اِنْبَهَرَ فَشَوَّشَ عَلَيْهِ دُخُوله فِي الصَّلَاة وَقِرَاءَتهَا وَخُشُوعهَا.
وَذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف مِنْهُمْ اِبْن عُمَر وَابْن مَسْعُود عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا خَافَ فَوَاتهَا أَسْرَعَ.
مَعْطُوف جُمْلَة عَلَى جُمْلَة.
وَإِقَامَة الصَّلَاة أَدَاؤُهَا بِأَرْكَانِهَا وَسُنَنهَا وَهَيْئَاتهَا فِي أَوْقَاتهَا ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
يُقَال : قَامَ الشَّيْء أَيْ دَامَ وَثَبَتَ، وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَام عَلَى الرِّجْل ; وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِك : قَامَ الْحَقّ أَيْ ظَهَرَ وَثَبَتَ ; قَالَ الشَّاعِر :
وَقَامَتْ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقِ
وَقَالَ آخَر :
وَإِذَا يُقَالُ أَتَيْتُمُ لَمْ يَبْرَحُوا | حَتَّى تُقِيمَ الْخَيْلُ سُوقَ طِعَانِ |
) إِقَامَة الصَّلَاة مَعْرُوفَة ; وَهِيَ سُنَّة عِنْدَ الْجُمْهُور، وَأَنَّهُ لَا إِعَادَة عَلَى تَارِكهَا.
وَعِنْدَ الْأَوْزَاعِيّ وَعَطَاء وَمُجَاهِد وَابْن أَبِي لَيْلَى هِيَ وَاجِبَة وَعَلَى مَنْ تَرَكَهَا الْإِعَادَة ; وَبِهِ قَالَ أَهْل الظَّاهِر، وَرُوِيَ عَنْ مَالِك، وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ قَالَ : لِأَنَّ فِي حَدِيث الْأَعْرَابِيّ ( وَأَقِمْ ) فَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ كَمَا أَمَرَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالِاسْتِقْبَال وَالْوُضُوء.
قَالَ : فَأَمَّا أَنْتُمْ الْآن وَقَدْ وَقَفْتُمْ عَلَى الْحَدِيث فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِإِحْدَى رِوَايَتَيْ مَالِك الْمُوَافِقَة لِلْحَدِيثِ وَهِيَ أَنَّ الْإِقَامَةَ فَرْض.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ قَوْله :( وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير ) دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل فِي الصَّلَاة مَنْ لَمْ يُحْرِم، فَمَا كَانَ قَبْل الْإِحْرَام فَحُكْمه أَلَّا تُعَاد مِنْهُ الصَّلَاة إِلَّا أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى شَيْء فَيُسَلَّمُ لِلْإِجْمَاعِ كَالطَّهَارَةِ وَالْقِبْلَة وَالْوَقْت وَنَحْو ذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا : مَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوُجُوبِهَا إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَاسْتَوَى سَهْوهَا وَعَمْدهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلِاسْتِخْفَافِ بِالسُّنَنِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ هَلْ يُسْرِع أَوْ لَا فَذَهَبَ الْأَكْثَر إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْرِع وَإِنْ خَافَ فَوْت الرَّكْعَة لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَة فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ).
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدكُمْ وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سَبَقَك ).
وَهَذَا نَصّ.
وَمِنْ جِهَة الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَسْرَعَ اِنْبَهَرَ فَشَوَّشَ عَلَيْهِ دُخُوله فِي الصَّلَاة وَقِرَاءَتهَا وَخُشُوعهَا.
وَذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف مِنْهُمْ اِبْن عُمَر وَابْن مَسْعُود عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا خَافَ فَوَاتهَا أَسْرَعَ.
وَقَالَ إِسْحَاق : يُسْرِع إِذَا خَافَ فَوَات الرَّكْعَة ; وَرُوِيَ عَنْ مَالِك نَحْوه، وَقَالَ : لَا بَأْس لِمَنْ كَانَ عَلَى فَرَس أَنْ يُحَرِّك الْفَرَسَ ; وَتَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ عَلَى الْفَرْق بَيْن الْمَاشِي وَالرَّاكِب ; لِأَنَّ الرَّاكِب لَا يَكَاد أَنْ يَنْبَهِر كَمَا يَنْبَهِر الْمَاشِي.
قُلْت : وَاسْتِعْمَال سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلّ حَال أَوْلَى، فَيَمْشِي كَمَا جَاءَ الْحَدِيث وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار ; لِأَنَّهُ فِي صَلَاة وَمُحَال أَنْ يَكُون خَبَره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَاف مَا أَخْبَرَهُ ; فَكَمَا أَنَّ الدَّاخِلَ فِي الصَّلَاة يَلْزَم الْوَقَار وَالسُّكُون كَذَلِكَ الْمَاشِي، حَتَّى يَحْصُل لَهُ التَّشَبُّه بِهِ فَيَحْصُل لَهُ ثَوَابه.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَّة، وَمَا خَرَّجَهُ الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُوسُف قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا تَوَضَّأْت فَعَمَدْت إِلَى الْمَسْجِد فَلَا تُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعك فَإِنَّك فِي صَلَاة ).
فَمَنَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ صَحِيح مِمَّا هُوَ أَقَلّ مِنْ الْإِسْرَاع وَجَعَلَهُ كَالْمُصَلِّي ; وَهَذِهِ السُّنَن تُبَيِّن مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " [ الْجُمُعَة : ٩ ] وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ الِاشْتِدَاد عَلَى الْأَقْدَام، وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَلَ وَالْفِعْل ; هَكَذَا فَسَّرَهُ مَالِك.
وَهُوَ الصَّوَاب فِي ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) وَقَوْله :( وَاقْضِ مَا سَبَقَك ) هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد أَوْ لَا ؟ فَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد وَأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ التَّمَام، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة " [ الْجُمُعَة : ١٠ ] وَقَالَ :" فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٠٠ ].
وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف وَهُوَ الصَّحِيح ; وَيَتَرَتَّب عَلَى هَذَا الْخِلَاف خِلَاف فِيمَا يُدْرِكهُ الدَّاخِل هَلْ هُوَ أَوَّل صَلَاته أَوْ آخِرهَا ؟ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّل جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب مَالِك - مِنْهُمْ اِبْن الْقَاسِم وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بِالْحَمْدِ وَسُورَة، فَيَكُون بَانِيًا فِي الْأَفْعَال قَاضِيًا فِي الْأَقْوَال.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ الْمَذْهَب.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْزِ مِنْدَاد : وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابنَا، وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالطَّبَرِيّ وَدَاوُدَ بْن عَلِيّ.
وَرَوَى أَشْهَب وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك، وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك، أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ آخِر صَلَاته، وَأَنَّهُ يَكُون قَاضِيًا فِي الْأَفْعَال وَالْأَقْوَال ; وَهُوَ قَوْل الْكُوفِيِّينَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْوَهَّاب : وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالِك.
قُلْت : وَاسْتِعْمَال سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلّ حَال أَوْلَى، فَيَمْشِي كَمَا جَاءَ الْحَدِيث وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار ; لِأَنَّهُ فِي صَلَاة وَمُحَال أَنْ يَكُون خَبَره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَاف مَا أَخْبَرَهُ ; فَكَمَا أَنَّ الدَّاخِلَ فِي الصَّلَاة يَلْزَم الْوَقَار وَالسُّكُون كَذَلِكَ الْمَاشِي، حَتَّى يَحْصُل لَهُ التَّشَبُّه بِهِ فَيَحْصُل لَهُ ثَوَابه.
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَّة، وَمَا خَرَّجَهُ الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُوسُف قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا تَوَضَّأْت فَعَمَدْت إِلَى الْمَسْجِد فَلَا تُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعك فَإِنَّك فِي صَلَاة ).
فَمَنَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ صَحِيح مِمَّا هُوَ أَقَلّ مِنْ الْإِسْرَاع وَجَعَلَهُ كَالْمُصَلِّي ; وَهَذِهِ السُّنَن تُبَيِّن مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :" فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " [ الْجُمُعَة : ٩ ] وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ الِاشْتِدَاد عَلَى الْأَقْدَام، وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَلَ وَالْفِعْل ; هَكَذَا فَسَّرَهُ مَالِك.
وَهُوَ الصَّوَاب فِي ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) وَقَوْله :( وَاقْضِ مَا سَبَقَك ) هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد أَوْ لَا ؟ فَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد وَأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ التَّمَام، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة " [ الْجُمُعَة : ١٠ ] وَقَالَ :" فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٠٠ ].
وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف وَهُوَ الصَّحِيح ; وَيَتَرَتَّب عَلَى هَذَا الْخِلَاف خِلَاف فِيمَا يُدْرِكهُ الدَّاخِل هَلْ هُوَ أَوَّل صَلَاته أَوْ آخِرهَا ؟ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّل جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب مَالِك - مِنْهُمْ اِبْن الْقَاسِم وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بِالْحَمْدِ وَسُورَة، فَيَكُون بَانِيًا فِي الْأَفْعَال قَاضِيًا فِي الْأَقْوَال.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ الْمَذْهَب.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْزِ مِنْدَاد : وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابنَا، وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالطَّبَرِيّ وَدَاوُدَ بْن عَلِيّ.
وَرَوَى أَشْهَب وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك، وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك، أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ آخِر صَلَاته، وَأَنَّهُ يَكُون قَاضِيًا فِي الْأَفْعَال وَالْأَقْوَال ; وَهُوَ قَوْل الْكُوفِيِّينَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْوَهَّاب : وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالِك.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : مَنْ جَعَلَ مَا أَدْرَكَ أَوَّل صَلَاته فَأَظُنُّهُمْ رَاعَوْا الْإِحْرَامَ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُون إِلَّا فِي أَوَّل الصَّلَاة، وَالتَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم لَا يَكُون إِلَّا فِي آخِرهَا ; فَمِنْ هَاهُنَا قَالُوا : إِنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّل صَلَاته، مَعَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّة مِنْ قَوْله :( فَأَتِمُّوا ) وَالتَّمَام هُوَ الْآخِر.
وَاَحْتَجّ الْآخَرُونَ بِقَوْلِهِ :( فَاقْضُوا ) وَاَلَّذِي يَقْضِيه هُوَ الْفَائِت، إِلَّا أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى " فَأَتِمُّوا " أَكْثَر، وَلَيْسَ يَسْتَقِيم عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّل صَلَاته وَيَطَّرِد، إِلَّا مَا قَالَهُ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة الْمَاجِشُون وَالْمُزَنِيّ وَإِسْحَاق وَدَاوُدَ مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأ مَعَ الْإِمَام بِالْحَمْدِ وَسُورَة إِنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مَعَهُ ; وَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ قَرَأَ بِالْحَمْدِ وَحْدَهَا ; فَهَؤُلَاءِ اِطَّرَدَ عَلَى أَصْلهمْ قَوْلهمْ وَفِعْلهمْ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
الْإِقَامَة تَمْنَع مِنْ اِبْتِدَاء صَلَاة نَافِلَة، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَة ) خَرَّجَهُ مُسْلِم وَغَيْره ; فَأَمَّا إِذَا شَرَعَ فِي نَافِلَة فَلَا يَقْطَعهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ " [ مُحَمَّد : ٣٣ ] وَخَاصَّة إِذَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْهَا.
وَقِيلَ : يَقْطَعهَا لِعُمُومِ الْحَدِيث فِي ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاة ; فَقَالَ مَالِك : يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَلَا يَرْكَعهُمَا ; وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُل الْمَسْجِدَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رَكْعَة فَلْيَرْكَعْ خَارِجَ الْمَسْجِد، وَلَا يَرْكَعهُمَا فِي شَيْء مِنْ أَفْنِيَة الْمَسْجِد - الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَة - اللَّاصِقَة بِالْمَسْجِدِ ; وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتهُ الرَّكْعَة الْأُولَى فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ ; ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس إِنْ أَحَبَّ ; وَلَأَنْ يُصَلِّيَهُمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس أَحَبّ إِلَيَّ وَأَفْضَل مِنْ تَرْكهمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : إِنْ خَشِيَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ وَلَا يُدْرِك الْإِمَام قَبْل رَفْعه مِنْ الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة دَخَلَ مَعَهُ، وَإِنْ رَجَا أَنْ يُدْرِك رَكْعَةً صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْر خَارِج الْمَسْجِد، ثُمَّ يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ ; إِلَّا أَنَّهُ يُجَوِّز رُكُوعَهُمَا فِي الْمَسْجِد مَا لَمْ يَخَفْ فَوْت الرَّكْعَة الْأَخِيرَة.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ : إِنْ خَشِيَ فَوْت رَكْعَة دَخَلَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُصَلِّهِمَا وَإِلَّا صَلَّاهُمَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ.
وَقَالَ الْحَسَن بْن حُيَيّ وَيُقَال اِبْن حَيَّان : إِذَا أَخَذَ الْمُقِيم فِي الْإِقَامَة فَلَا تَطَوُّع إِلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْر.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة دَخَلَ مَعَ الْإِمَام وَلَمْ يَرْكَعهُمَا لَا خَارِجَ الْمَسْجِد وَلَا فِي الْمَسْجِد.
وَاَحْتَجّ الْآخَرُونَ بِقَوْلِهِ :( فَاقْضُوا ) وَاَلَّذِي يَقْضِيه هُوَ الْفَائِت، إِلَّا أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى " فَأَتِمُّوا " أَكْثَر، وَلَيْسَ يَسْتَقِيم عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّل صَلَاته وَيَطَّرِد، إِلَّا مَا قَالَهُ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة الْمَاجِشُون وَالْمُزَنِيّ وَإِسْحَاق وَدَاوُدَ مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأ مَعَ الْإِمَام بِالْحَمْدِ وَسُورَة إِنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مَعَهُ ; وَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ قَرَأَ بِالْحَمْدِ وَحْدَهَا ; فَهَؤُلَاءِ اِطَّرَدَ عَلَى أَصْلهمْ قَوْلهمْ وَفِعْلهمْ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
الْإِقَامَة تَمْنَع مِنْ اِبْتِدَاء صَلَاة نَافِلَة، قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَة ) خَرَّجَهُ مُسْلِم وَغَيْره ; فَأَمَّا إِذَا شَرَعَ فِي نَافِلَة فَلَا يَقْطَعهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ " [ مُحَمَّد : ٣٣ ] وَخَاصَّة إِذَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْهَا.
وَقِيلَ : يَقْطَعهَا لِعُمُومِ الْحَدِيث فِي ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاة ; فَقَالَ مَالِك : يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَلَا يَرْكَعهُمَا ; وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُل الْمَسْجِدَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رَكْعَة فَلْيَرْكَعْ خَارِجَ الْمَسْجِد، وَلَا يَرْكَعهُمَا فِي شَيْء مِنْ أَفْنِيَة الْمَسْجِد - الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَة - اللَّاصِقَة بِالْمَسْجِدِ ; وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتهُ الرَّكْعَة الْأُولَى فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ ; ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس إِنْ أَحَبَّ ; وَلَأَنْ يُصَلِّيَهُمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس أَحَبّ إِلَيَّ وَأَفْضَل مِنْ تَرْكهمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : إِنْ خَشِيَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ وَلَا يُدْرِك الْإِمَام قَبْل رَفْعه مِنْ الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة دَخَلَ مَعَهُ، وَإِنْ رَجَا أَنْ يُدْرِك رَكْعَةً صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْر خَارِج الْمَسْجِد، ثُمَّ يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ ; إِلَّا أَنَّهُ يُجَوِّز رُكُوعَهُمَا فِي الْمَسْجِد مَا لَمْ يَخَفْ فَوْت الرَّكْعَة الْأَخِيرَة.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ : إِنْ خَشِيَ فَوْت رَكْعَة دَخَلَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُصَلِّهِمَا وَإِلَّا صَلَّاهُمَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ.
وَقَالَ الْحَسَن بْن حُيَيّ وَيُقَال اِبْن حَيَّان : إِذَا أَخَذَ الْمُقِيم فِي الْإِقَامَة فَلَا تَطَوُّع إِلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْر.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ : مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة دَخَلَ مَعَ الْإِمَام وَلَمْ يَرْكَعهُمَا لَا خَارِجَ الْمَسْجِد وَلَا فِي الْمَسْجِد.
وَكَذَلِكَ قَالَ الطَّبَرِيّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَحُكِيَ عَنْ مَالِك ; وَهُوَ الصَّحِيح فِي ذَلِكَ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام.
( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَة ).
وَرَكْعَتَا الْفَجْر إِمَّا سُنَّة، وَإِمَّا فَضِيلَة، وَإِمَّا رَغِيبَة ; وَالْحُجَّة عِنْدَ التَّنَازُع حُجَّة السُّنَّة.
وَمِنْ حُجَّة قَوْل مَالِك الْمَشْهُور وَأَبِي حَنِيفَة مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ جَاءَ وَالْإِمَام يُصَلِّي صَلَاة الصُّبْح فَصَلَّاهُمَا فِي حُجْرَة حَفْصَةَ، ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَام.
وَمِنْ حُجَّة الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ.
وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَصَلَّى إِلَى أُسْطُوَانَة فِي الْمَسْجِد رَكْعَتَيْ الْفَجْر، ثُمَّ دَخَلَ الصَّلَاة بِمَحْضَرٍ مِنْ حُذَيْفَة وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
قَالُوا :( وَإِذَا جَازَ أَنْ يَشْتَغِل بِالنَّافِلَةِ عَنْ الْمَكْتُوبَة خَارِجَ الْمَسْجِد جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِد )، رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَالِك اِبْن بُحَيْنَةَ قَالَ : أُقِيمَتْ صَلَاة الصُّبْح فَرَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّن يُقِيم، فَقَالَ :( أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا ) وَهَذَا إِنْكَار مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُل لِصَلَاتِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْر فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام يُصَلِّي، وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْر إِنْ وَقَعَتْ فِي تِلْكَ الْحَال صَحَّتْ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَقْطَع عَلَيْهِ صَلَاتَهُ مَعَ تَمَكُّنه مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
الصَّلَاة أَصْلهَا فِي اللُّغَة الدُّعَاء، مَأْخُوذَة مِنْ صَلَّى يُصَلِّي إِذَا دَعَا ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى طَعَام فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ ) أَيْ فَلْيَدْعُ.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الْمُرَادَ الصَّلَاة الْمَعْرُوفَة، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَنْصَرِف ; وَالْأَوَّل أَشْهَر وَعَلَيْهِ مِنْ الْعُلَمَاء الْأَكْثَر.
وَلَمَّا وَلَدَتْ أَسْمَاء عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر أَرْسَلَتْهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَتْ أَسْمَاء : ثُمَّ مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ، أَيْ دَعَا لَهُ.
وَقَالَ تَعَالَى :" وَصَلِّ عَلَيْهِمْ " [ التَّوْبَة : ١٠٣ ] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ.
وَقَالَ الْأَعْشَى :
وَقَالَ الْأَعْشَى أَيْضًا :
( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَة ).
وَرَكْعَتَا الْفَجْر إِمَّا سُنَّة، وَإِمَّا فَضِيلَة، وَإِمَّا رَغِيبَة ; وَالْحُجَّة عِنْدَ التَّنَازُع حُجَّة السُّنَّة.
وَمِنْ حُجَّة قَوْل مَالِك الْمَشْهُور وَأَبِي حَنِيفَة مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ جَاءَ وَالْإِمَام يُصَلِّي صَلَاة الصُّبْح فَصَلَّاهُمَا فِي حُجْرَة حَفْصَةَ، ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَام.
وَمِنْ حُجَّة الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ.
وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَصَلَّى إِلَى أُسْطُوَانَة فِي الْمَسْجِد رَكْعَتَيْ الْفَجْر، ثُمَّ دَخَلَ الصَّلَاة بِمَحْضَرٍ مِنْ حُذَيْفَة وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
قَالُوا :( وَإِذَا جَازَ أَنْ يَشْتَغِل بِالنَّافِلَةِ عَنْ الْمَكْتُوبَة خَارِجَ الْمَسْجِد جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِد )، رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَالِك اِبْن بُحَيْنَةَ قَالَ : أُقِيمَتْ صَلَاة الصُّبْح فَرَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّن يُقِيم، فَقَالَ :( أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا ) وَهَذَا إِنْكَار مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُل لِصَلَاتِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْر فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام يُصَلِّي، وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْر إِنْ وَقَعَتْ فِي تِلْكَ الْحَال صَحَّتْ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَقْطَع عَلَيْهِ صَلَاتَهُ مَعَ تَمَكُّنه مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
الصَّلَاة أَصْلهَا فِي اللُّغَة الدُّعَاء، مَأْخُوذَة مِنْ صَلَّى يُصَلِّي إِذَا دَعَا ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى طَعَام فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ ) أَيْ فَلْيَدْعُ.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الْمُرَادَ الصَّلَاة الْمَعْرُوفَة، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَنْصَرِف ; وَالْأَوَّل أَشْهَر وَعَلَيْهِ مِنْ الْعُلَمَاء الْأَكْثَر.
وَلَمَّا وَلَدَتْ أَسْمَاء عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر أَرْسَلَتْهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَتْ أَسْمَاء : ثُمَّ مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ، أَيْ دَعَا لَهُ.
وَقَالَ تَعَالَى :" وَصَلِّ عَلَيْهِمْ " [ التَّوْبَة : ١٠٣ ] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ.
وَقَالَ الْأَعْشَى :
تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبْتُ مُرْتَحِلًا | يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا |
عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي | نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا |