ﰡ
وأنشدوا: لا تشتم الناس كما لا تشتم أي لانتفاء أن يشتمك الناس لا تشتمهم ومن الكلام الشائع في هذا المعنى كما تطيع الله عز وجل يدخلك الجنة أي لإِطاعتك الله يدخلك الجنة فكان المعنى لأجل أن خرجت لإِعزاز دين الله تعالى وقتل أعدائه نصرك الله وأمدّك بالملائكة. والظاهر أن من بيتك هو مقام سكناه بالمدينة لأنها مهاجرة ومختصة به. والواو في: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً ﴾ واو الحال ومفعول.﴿ لَكَارِهُونَ ﴾ هو الخروج أي لكارهون الخروج معك وكراهتهم ذلك اما لنفرة الطبع وإما لأنهم لم يستعدوا للخروج. والظاهر أن ضمير الرفع في ﴿ يُجَادِلُونَكَ ﴾ عائد على فريقاً من المؤمنين الكارهين وجدالهم قولهم: ما كان خروجنا إلا للعير ولو عرفنا لاستعددنا للقتال والحق هنا نصرة دين الإِسلام. ويحتمل أن يكون يجادلونك في موضع الحال من الضمير في لكارهون. ويحتمل أن يكون استئناف اخبار وما في قوله: ما تبين مصدرية أي بعد تبينه وهذا أبلغ في الإِنكار لجدالهم بعد وضوح الحق كأنما يساقون إلى الموت شبه حالهم في فرط فزعهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة بمال من يشاق على الصغار إلى الموت وهو مشاهد لأسبابه ناظر إليها لا يشك فيها. وقيل: كان خوفهم لقلة العدد وانهم كانوا رجالة. وروي أنهم ما كان فيهم إلا فارسان وكانوا ثلثمائة وثلاثة عشر، وكان المشركون في نحو ألف رجل وقصة بدر هذه مستوعبة في كتب السير.﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتِيْنِ ﴾ هي غير معيّنة. والطائفتان هما طائفة غير قريش وكانت فيها تجارة عظيمة لهم ومعها أربعون راكباً فيها أبو سفيان وعمرو بن العاص وعمرو بن هشام، وطائفة الذين استنفرهم أبو جهل وكانوا في العدد الذي ذكرناه وغير ذات الشوكة هي الغير لأنها ليست ذات قتال وإنما هي غنيمة باردة. ومعنى إحقاق الحق تبيينه وإعلاؤه. وبكلماته بآياته المنزلة في محاربة ذات الشوكة وبما أمر لملائكة من نزولهم للنصرة وبما قضى من أسرهم وقتلهم وطرحهم في قليب بدر وبما أظهر من خبره صلى الله عليه وسلم وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال، والمعنى أنكم مرغبون في الفائدة العاجلة وسلامة الأحوال والله تعالى يريد معالي وإعلاء الحق والفوز في الدارين وشتان ما بين المرادين ولذلك اختار لكم ذات الشوكة وأراكهم عياناً خذلهم ونصركم وأذلهم وأعزكم وحصل لكم ما أربي على فائدة العير وما أدناه وأقله هو خير منها.﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾ إذ بدل من إذ يعدكم؛ واستغاث طلب الغوث لما علموا أنه لا بد من القتال شرعوا في طلب الغوث من الله تعالى والدعاء بالنصرة. والظاهر أنه خطاب لمن خوطب بقوله: وإذ يعدكم الله وتودون. وان الخطاب في قوله: كما أخرجك. ويجادلونك هو خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك أفرد فالخطابان مختلفان. واستغاث يتعدى بنفسه كما هو في الآية وكما هو في قوله:﴿ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ ﴾[القصص: ١٥].
ويتعدى بحرف الجر كما جاء في لفظ سيبويه في باب الاستغاثة، وكقول الشاعر: حتى استغاثت بما لا رشاء له من الأباطح في حافاته البُركُوالظاهر أن قراءة من قرأ مردفين بسكون الراء وفتح الدال أنه صفة لقوله: بألف أي أردف بعضهم ببعض.﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ ﴾ الضمير في وما جعله عائد على الامداد المنسبك من أني ممدكم. وتقدم تفسير نظير هذه الآية، والمعنى إلا بشرى لكم فحذف لكم وأثبت في آل عمران لأن القصة فيها مسهبة وهنا موجزة فناسب هنا الحذف وهنا قدم به وأخر هناك على سبيل التفنن في الفصاحة والاتساع في الكلام وهنا جاء أن الله عزيز حكيم رعاية لأواخر الآي وهناك ليست آخر آية لتعلق ليقطع بما قبله فناسب أن يأتي العزيز الحكيم على سبيل الصفة وكلاهما مشعر بالعلية كما تقول: أكرم زيداً العالم، وأكرم زيداً أنه عالم.
وقال ابن بزي: نزلت الجملة الأولى بمكة أثر قوله: بعذاب أليم، والثانية عند خروجه من مكة في طريقه إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون، والثالثة بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم. قال ابن عباس: لم تعذب أمة قط ونبيها فيها. " انتهى ".﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ ﴾ الآية أنظر إلى حسن مساق هاتين الجملتين لما كانت كينونته فيهم سبباً لانتفاء تعذيبهم أكد خبر كان باللام على رأي الكوفيين أو جعل خبر كان الإِرادة المنتفية على رأي البصريين وانتفاء الإِرادة للعذاب أبلغ من انتفاء العذاب ولما كان استغفارهم دون تلك الكينونة الشريفة لم يؤكد باللام بل جاء خبر كان قولهم: معذبهم فشتان ما بين استغفارهم وكينونته صلى الله عليه وسلم فيهم. والظاهر أن هذه الضمائر كلها في الجمل عائدة على الكفار. وقال ابن عباس أيضاً ما مقتضاه: أن الضميرين عائدان على الكفار وكانوا يقولون في دعائهم: غفرانك، ويقولون: لبيك لا شريك لك، ونحو هذا مما هو دعاء واستغفار فجعله الله تعالى أمنة من عذاب الدنيا.﴿ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ ﴾ الظاهر أن ما استفهامية أي أي شىء لهم في انتفاء العذاب وهو استفهام معناه التقرير أي كيف لا يعذبون وهم متصفون بهذه الحال المقتضية للعذاب وهي صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام وليسوا بولاة البيت ولا متأهلين لولايته ومن صدهم ما فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وإخراجه مع المؤمنين داخل في الصد، كانوا يقولون: نحن ولاة البيت نصد من نشاء وندخل من نشاء.﴿ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ ﴾ الآية، لما نفى عنهم أن يكونوا ولاة البيت ذكر من فعلهم القبيح ما يؤكد ذلك وان من كانت صلاته ما ذكر لا يستأهل أن يكونوا أولياءه، فالمعنى والله أعلم أن الذي يقوم به مقام صلاتهم هو المكاء والقصدية وضعوا مكان الصلاة، والتقرب إلى الله تعالى الصفير والتصفيق، وكانوا يطوفون بالبيت عراة رجالهم ونساؤهم مشبكين بين أصابعهم يصفرون ويصفقون يفعلون ذلك، إذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلطون عليه في صلاته وقراءته. ومكاء مصدر مكا يمكو وجاء على فعال ويكثر فعال في الأصوات كالصراخ.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ﴾ الآية نزلت في نفقة المشركين الخارجين إلى بدر كانوا ينحرون يوماً عشراً من الإِبل ويوماً تسعاً وقيل غير ذلك.﴿ لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ ﴾ هذا إخبار بما يؤول إليه حال الكفار في الآخرة من حشرهم إلى جهنم إذ أخبر بما آل إليه حالهم في الدنيا من حسرتهم وكونهم مغلوبين. ومعنى قوله: والذين كفروا من وافى على الكفر، وأعاد الظاهر لأن من أنفق ماله من الكفار أسلم منهم جماعة ولام ليميز متعلقة بقوله: يحشرون. والخبيث والطيب وصفان يصلحان للآدميين، والخبيث هم الكفار، والطيب هم المؤمنون، وبعضه بدل من الخبيث أي ويجعل بعض الخبيث على بعض فيركمه أي يضمه. وأولئك إشارة إلى الذين. والخبيث اسم جنس لوحظ أولاً إفراده في قوله: بعضه، وفي قوله: فيركمه، ولوحظ ثانياً جمعه في قوله: أولئك هم الخاسرون.﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ الآية لما ذكر ما يحل بهم من حشرهم إلى النار وجعلهم فيها وخسرهم تلطف بهم وانهم إذا انتهوا عن الكفر وآمنوا غفرت لهم ذنوبهم السالفة وليس ثم ما يترتب على الانتهاء عنه غفران الذنوب سوى الكفر فلذلك كان المعنى وأن ينتهوا عن الكفر ويسلموا. وللام في للذين الظاهر أنها للتبليغ وانه أمر أن يقول لهم هذا المعنى الذي تضمنته ألفاظ الجملة المحكية بالقول وسواء أقاله بهذه العبارة أم غيرها.﴿ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ﴾ العود يقتضي الرجوع إلى شىء سابق ولا يكون الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه، فالمعنى عودهم إلى ما أمكن انفصالهم عنه وهم الإِرتداد بعد الإِسلام وجواب الشرط. قالوا: فقد مضت سنة الأولين، ولا يصح ذلك على ظاهره بل ذلك دليل على الجواب. والتقدير وان يعودوا انتقمنا منهم وأهلكناهم فقد مضت سنة الأولين في انا انتقمنا منهم وأهلكناهم بتكذيب أنبيائهم وكفرهم.﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ تقدم الكلام على نظير هذه الجملة في البقرة وهنا زيادة، كله توكيداً للدين.﴿ فَإِنِ انْتَهَوْاْ ﴾ أي عن الكفر. ومعنى بصير بإِيمانهم فيجازيهم على ذلك ويثيبهم.﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ أي أعرضوا عن الإِسلام والمخصوص بالمدح محذوف تقديره ونعم النصير الله تعالى.
أي ولكن تلاقيتم على غير ميعاد ليقضي الله أمراً من نصر دينه وإعزاز كلمته وكسر الكفار وإذلالهم كان مفعولاً أي موجوداً متحققاً واقعاً.﴿ لِّيَهْلِكَ ﴾ بدل من ليقضي فيتعلق بمثل ما تعلق به ليقضي. والظاهر أن المعنى ليقتل من قتل من كفار قريش وغيرهم عن بيان من الله تعالى وإعذار بالرسالة ويعيش من يعيش عن بيان منه وإعذار لا حجة لأحد عليه. وقرىء: حيي بياءين على الفكّ وحى بالإِدغام.﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ ﴾ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتظاهرت الروايات أنها رؤيا منام رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الكفار قليلاً فأخبر بها أصحابه فقويت نفوسهم وشجعت على أعدائهم، وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين انتبه: أبشروا لقد نظرت إلى مصارع القوم. والمراد بالقلة قلة القدر والبأس والنجدة، وانهم مهزومون مصروعون، ولا يحمل على قلة العدد لأنه صلى الله عليه وسلم رؤياه حق وقد كان علم أنهم ما بين تسع مائة إلى الألف فلا يمكن حمل ذلك على قلة العدد. وانتصب قليلاً على أنه مفعول ثالت ليرى. والأول هو ضمير الخطاب، والثاني ضمير الغيبة، وكثيراً مفعول ثالث لأرى. والأول ضمير الخطاب، والثاني ضمير الغيبة أجريت الحلمية مجرى أعلمت فتعدت إلى ثلاثة مفاعيل، وجواز حذف هذا المنصوب يبطل هذا المذهب تقول: رأيت زيداً في النوم، وأرى الله زيداً في النوم، قال الزمخشري: انتصب قليلاً على الحال. وما قاله ظاهر لأن أرى منقولة بالهمزة من رأى البصرية فتعدت إلى اثنين الأول كاف الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني ضمير الكفار فقليلاً وكثيراً منصوبان على الحال.﴿ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ ﴾ أي تفرقت آراؤكم في أمر القتال فكان يكون ذلك سبباً لانهزامكم وعدم إقدامكم على قتال أعدائكم، لأنه لو رآهم كثيراً أخبركم برؤياه ففشلتم، ولما كان عليه السلام محمياً من الفشل معصوماً من النقائص أسند تعالى الفشل إلى من يمكن ذلك في حقه، فقال تعالى: لفشلتم، وهذا من محاسن القرآن.﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ ﴾ من الفشل والتنازع والاختلاف بإِراءته له عليه السلام الكفار قليلاً فأخبرهم بذلك.﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ ﴾ الآية، هذه الرؤية يقظة لا منام، وقلل الكفار في أعين المؤمنين تحقيراً لهم ولئلا يجبنوا عن لقائهم. وقال ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جانبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة. وقلل المؤمنون في أعين الكفار حتى قال قائل منهم: إنما هم أكلة جزور. وذلك قبل الإِلتقاء بهم ليجترؤا على المؤمنين فتقع الحرب ويلتحم القتال إذ لو كثروا قبل اللقاء لأحجموا وتحيلوا في الخلاص أو استبعدوا واستنصروا.
والذين في قلوبهم مرض هو من عطف الصفات وهي لموصوف واحد وصفوا بالنفاق وهو إظهار ما لا يخفيه وبالمرض لقوله تعالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ وهم منافق المدينة.﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ الآية، لو التي ليست شرطاً في المستقبل تقلب المضارع للمضي، فالمعنى لو رأيت وشاهدت. وحذف جواب لو جائز بليغ حذفه في مثل هذا لأنه يدل على التعظيم أي لو رأيت أمراً عجيباً وشيئاً هائلاً. والظاهر أن الملائكة فاعل يتوفى، ويدل عليه قراءة من قرأ تتوفى بالتاء. فقيل في هذه القراءة: الفاعل ضمير الله، والملائكة مبتدأ، والجملة حالية كهي في يضربون. قال ابن عطية: ويضعّفه سقوط واو الحال فإِنها في الأَغلب تلزم مثل هذا. " انتهى ". ولا ويضعفه إذ جاء بغير واو في كتاب الله وفي كثير من كلام العرب ولكن يضعفه تفكيك الكلام من حيث صار جملتين وانصباب الرؤية على الملائكة في حال ضربهم وجوه الكفار والملائكة هم الممد بهم يوم بدر، ويضربون حال من الملائكة، وجوههم حال الإِقبال. وادبارهم حالة هزيمتهم لأن الضرب في الإِدبار أخزى وأشد نكالاً.﴿ ذُوقُواْ ﴾ الآية، هو كلام مستأنف منه تعالى: بقوله: لهم في الآخرة.
قال الزمخشري: وكلهم من غرقى القبط وقتلى قريش كانوا ظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي. " انتهى ". لا يظهر تخصيص الزمخشري كلا لغرقى القبط وقتلى قريش إذ الضمير في كذبوا وفي أهلكناهم لا يختص بهما فالذي يظهر عموم المشبّه به وهم آل فرعون والذين من قبلهم.﴿ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ نزلت في بني قريظة منهم كعب بن الأشرف وأصحابه عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يمالؤا عليه فنكثوا بأن أعانوا مشركي مكة بالسلاح وقالوا: نسينا وأخطأنا، ثم عاهدهم فنكثوا ومالؤا معهم يوم الخندق، وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة مخالفهم.﴿ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ إخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون فلا يمكن أن يقع منهم إيمان. قال ابن عباس: شر الناس الكفار وشر الكفار منهم المصرون وشر المصرين الناكثون للعهود، فأخبر تعالى أنهم جامعون لأنواع الشر.﴿ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ﴾ بدل من الذين كفروا.﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ ﴾ أي فاما تظفر بهم وثم محذوف تقديره فاقتلهم لأن التشريد لا يتسبب عن الظفر فقط بل عن الظفر والقتل والتشريد التطريد والابعاد.﴿ مَّنْ خَلْفَهُمْ ﴾ أي من الكفار. وقرأ الأعمش بخلاف عنه فشرذ بالذال المعجمة وكذا في مصحف عبد الله. قالوا: ولم تحفظ هذه المادة في لغة العرب. وقيل: الذال بدل من الدال كما قالوا لحم خراديل وخراذيل.﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ ﴾ الظاهر أن هذا استئناف كلام أخبره تعالى بما يصنع في المستقبل مع من يخاف منه خيانة. وقوله: ﴿ مِن قَوْمٍ ﴾ يدل على أنهم ليسوا الذين تقدم ذكرهم إذ لو كانوا إياهم لكان التركيب واما تخافن منهم، أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إذا أحس من أهل عهد ما ذكرنا وخاف خيانتهم أن يلقى إليهم عهدهم وهو النبذ ومفعول فانبذ محذوف التقدير فانبذ إليهم عهدهم أي ارمه واطرحه. وفي قوله: فانبذ، عدم اكتراث به كقوله:﴿ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ ﴾[آل عمران: ١٨٧].
ومعنى على سواء على طريق مستو قصد، وذلك أن يظهر لهم نبذ العهد ويخبرهم إخباراً مكشوفاً بينا انك قطعت ما بينك وبينهم.﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ ﴾ قال الزهري: نزلت فيمن أفلت من الكفار يوم بدر، فالمعنى لا تظنهم ناجين مفلتين لا يعجزون طالبهم بل لا بد من أخذهم الدنيا. وقرىء: ولا يحسبن بياء الغيبة، والفاعل ضمير يعود على الرسول أو على السامع، والمفعول الأول الذين، والثاني سبقوا. وقال الزمخشري: وليست هذه القراءة التي تفرد بها حمزة بنيرة يشير إلى قراءته ولا يحسبن الذين كفروا بياء الغيبة. " انتهى ". لم ينفرد بها حمزة كما ذكر بل قرأ بها ابن عامر وهو من العرب الذين سبقوا اللحن. وقرأ على عليّ وعثمان وحفص عن عاصم وأبو جعفر يزيد بن القعقاع وأبو عبد الرحمن وابن محيصن وعيسى والأعمش وكان الزمخشري توهم أن الفاعل الذين فما استنارت له. وقرىء: تحسبن بتاء الخطاب والمفعول الأول الذين كفروا، والثاني سبقوا. وقرىء: انهم بكسر الهمزة. واستبعد أبو عبيد وأبو حاتم هذه القراءة ولا استبعاد فيها لأنها تعليل للنهي أي لا تحسبنهم فائتين لأنهم لا يعجزون، أي لا يقع منك حسبان لقوتهم لأنهم لا يعجزون. وقرىء: انهم بفتح الهمزة وهو تعليل للنهي أي لأنهم لا يعجزون من طلبهم.