تفسير سورة الأنفال

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
هذه السورة مدنية كلها ١ في قول أكثر العلماء، وقال مقاتل هي مدنية إلا آية واحدة فهي مكية وهي قوله تعالى :﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ [ الأنفال : ٣٠ ] وهذه ٢ الآية كلها نزلت في قصة وقعت بمكة ويمكن أن تنزل الآية بذلك في المدينة، ولا خلاف أنها نزلت في أمر بدر وأمر غنائمه. وفيها مواضع من الأحكام والناسخ والمنسوخ٣.
١ "كلها" ساقطة في (ب)، (د)، (هـ)..
٢ "وهذه" ساقطة في (أ)..
٣ أوصلها ابن الفرس إلى عشرين آية..

قوله تعالى :﴿ يسألونك عن الأنفال ﴾ :
اختلف في السؤال عما هو، فقيل عن حكم الأنفال، وقيل إنما سألوه الأنفال نفسها أن يعطيهم إياها واحتجوا بما قرأه جماعة من الصحابة والتابعين ١ ﴿ يسألونك عن الأنفال ﴾. وقالوا : " عن " في القراءة المشهورة بمعنى " من ". واختلفوا أيضا في المراد بالأنفال فقيل الغنائم مجملة وهو قول ابن عباس ٢ وغيره وذلك أن سبب الآية ما جرى يوم بدر من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنهم افترقوا ثلاث فرق. ففرقة أقامت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش الذي صنع له وحمته وآنسته٣. وفرقة أحاطت بعسكر العدو وأسلابهم لما انكشفوا. وفرقة اتبعت العدو فقتلت وأسرت. فلما اجتمع الناس رأت كل فرقة أنها أولى ٤ بالمغنم وساءت أخلاقهم في ذلك فنزلت الآية بأن الغنائم لله ولرسوله فكفوا فقسموها ٥ حينئذ بالسواء. وذكر ابن عباس أيضا في سبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد قال ٦ قبل ذلك : " من قتل قتيلا أو أسر أسيرا فله كذا " فسارع الشباب وبقي الشيوخ عند الرايات، فلما انجلت الحرب جاء الشباب يطلبون ما جعل لهم و نازعهم الشيوخ فنزلت الآية ٧. ويحتمل عندي على هذا القول إما ٨ أن تكون الأنفال الغنائم جملة أو ما ينفله الإمام منها خاصة. ولكن المفسرين ساقوه على أن المراد بالأنفال الغنائم ٩.
وقيل الأنفال في الآية ما يعطيه الإمام لمن رآه من سيف أو فرس أو نحوه، ويروى هذا القول عن ابن عباس أيضا. ويروى عن عبادة بن الصامت ١٠ أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل أقواما يوم بدر ولم ينفل آخرين فاختلفوا بعد انقضاء الحرب، فنزلت الآية. وقال ابن وهب نزلت في رجلين أصابا سيفا فاختصما فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما : " هو لي وليس لكما ". ويحتمل على هذين السببين أن تكون الأنفال في الآية ما ينفله الإمام أو جملة الغنائم. وقيل الأنفال ما يجيء به السرايا خاصة. وقيل الأنفال في الآية الخمس. قال مهاجرون ١١ لن ١٢ يخرج منا هذا الخمس فقال الله تعالى هو :﴿ لله وللرسول ﴾. وقيل الأنفال في الآية ما شرد ١٣ من أموال المشركين إلى المسلمين كالفرس العابر والعبد الابن ونحو ذلك ١٤ هو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع ما شاء وكذلك الإمام يصنع به ما شاء ١٥ وروي عن ابن عباس أيضا. وقيل الأنفال في الآية ما أصيب من أموال المشركين بعد قسمة الغنيمة هو لله ولرسوله وروي هذا عن ابن عباس أيضا. وقيل الأنفال الأسارى ١٦. والذين ذهبوا إلى أن الأنفال الغنائم اختلفوا في الآية ١٧ هل هي ١٨ منسوخة أو محكمة. فذهب قوم إلى أنها منسوخة وأن الغنائم إنما كانت للرسول خاصة فعلى هذا فقوله تعالى :﴿ لله ﴾ إنما جاء على جهة استفتاح الكلام. واللام في قوله :﴿ للرسول ﴾ يحتمل أن تكون ١٩ ملكا له يصنع فيها ما يشاء ويحتمل أن لا يكون لام الملك وإنما ٢٠ يريد أنه متوليها حتى يضعها حيث يشاء. قال بعضهم وأراد الله تعالى بجعله ذلك إليه ٢١ صلى الله عليه وسلم ثم نسخ بقوله :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ﴾ الآية [ الأنفال : ٤١ ] وهو قول ابن عباس وغيره ٢٢.
وذهب قوم إلى أنها محكمة وإنما أخبر الله تعالى أن الغنائم لله من حيث هي رزقه وملكه، وللرسول من حيث هو المبين حكم الله فيها.
ولا شك في أن جميع الأشياء لله وللرسول. ونزل حكم القسمة خلاف ٢٣ ذلك فلا نسخ في الآية ٢٤ والنفل في لسان العرب هو الزيادة على الواجب كذا قال بعضهم ٢٥. وقيل النفل العطية ومنه قول الشاعر :
إن تقوى ربنا خير نفل٢٦........................
والأظهر من الأنفال على هذا أنها ما يعطي الإمام للرجل من الغنيمة تحريضا له على الجهاد أو جزاء على فعل فعله ويحتمل أن تسمى الغنيمة أيضا نفلا لأن الغنائم لم تكن مباحة من قبل فكانت كأنها عطية زائدة من الله تعالى. وقد روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم تحل الغنيمة لقوم سود الرؤوس من قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم فأنزل الله تعالى :﴿ لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ( ٦٨ ) فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ﴾ " ٢٧.
وقد اختلف هل للإمام أن ينفل شيئا من الغنيمة لمن رآه أهلا لذلك أم لا. فقالت فرقة لا نفل بعد النبي وكأنهم يرون قوله تعالى :﴿ قل الأنفال لله والرسول ﴾ على القول بأن الأنفال ما ينفله الإمام على ظاهره أي إنما ذلك لله وللرسول خاصة ليس لغيرهما. والجمهور على أن النفل باق إلى يوم القيامة وأن الأئمة كالرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك وأن الله تعالى لم يرد قصرها على ذلك التأويل على الرسول خاصة ٢٨ بل ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ٢٩ ولكل إمام. ثم اختلفوا، فقيل لا ينفل إلا من الخمس لأنه هو المصروف إلى اجتهاد الإمام والأربعة الأخماس إنما هي للغانمين وهو مذهب مالك. وقيل إنه٣٠ لا ينفل إلا بعد الخمس من الأربعة الأخماس لأن الله تعالى قد صرف ٣١ الخمس إلى المذكورين في الآية بعد فلا يخرج عنهم منه شيء وهو قول الأوزاعي وغيره. وقيل ينفل من جملة الغنيمة قبل الخمس وهو قول الشافعي وابن حنبل. وقيل ينفل الإمام متى شاء قبل الخمس أو بعده وهو قول النخعي. ومن حجة هذين القولين قوله تعالى :﴿ قل الأنفال لله والرسول ﴾ ولم يخصص قبل خمس أو بعد خمس ٣٢.
وقيل ٣٣ لا ينفل الإمام إلا من خمس الخمس وهو قول ضعيف. واختلفوا هل يكون النفل قبل الغنيمة فكرهه مالك رحمه الله تعالى، وقالت فرقة إنما ينفل الإمام قبل الغنيمة وأما إذا جمعت ٣٤ الغنائم فلا نفل. وتصوير النفل قبل الغنيمة أن يقول الإمام من فعل كذا فله كذا، ومن قتل قتيلا فله سلبه، ويقول لسرية إن وصلتم إلى موضع كذا فلكم كذا ومن حجة من لم يكره ٣٥ ذلك عموم قوله تعالى :﴿ قل الأنفال لله والرسول ﴾ على ٣٦ التأويل الذي ذكرناه. وحجة مالك أنه لا يسمى أنفالا إلا ما قد تعين ونفل. وإذا لم يتعين بعد فليس بنفل مع المخافة ٣٧ على فساد النيات وقد قال تعالى :﴿ تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ﴾ [ الأنفال : ٦٧ ] وقال تعالى :﴿ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ﴾ [ آل عمران : ١٥٢ ] واختلفوا في الذي ينفله الإمام ذهبا أو فضة أو لؤلؤا ونحو ذلك ٣٨.
١ وهم: سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعلي بن الحسين وأبو جعفر محمد بن علي وزيد بن علي وجعفر بن محمد وطلحة بن مصرف وعكرمة والضحاك وعطاء. راجع المحرر الوجيز ٨/٤..
٢ راجع تنوير المقباس صفحة ١٤٥..
٣ في (أ)، (ب)، (ح): "واتسته"..
٤ في (أ)، (ز): "أحق"..
٥ في (أ)، (ج)، (ح)، (و)، (ز): "فقسمها"..
٦ "قال" ساقطة في (أ)، (ح)..
٧ راجع أسباب النزول للواحدي، ص ١٧٢..
٨ "أما" ساقط في (ب)، (ج)، (هـ)، (و)..
٩ من قوله: "جملة.... إلى: الغنائم" ساقط في (ب)، (د)، (هـ). وقد جاء في تنوير المقباس أن الأنفال: غنائم يوم بدر. راجع تنوير المقباس ص ١٤٥..
١٠ عبادة بن الصامت: هو أبو الوليد عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي المدني أحد النقباء ليلة العقبة وأحد من جمع القرآن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. توفي سنة ٣٤هـ/ ٦٥٤م. انظر طبقات الفقهاء للشيرازي ص ٥٢..
١١ في (و): "المتأخرون"..
١٢ في (ب)، (ج): "لمن"..
١٣ في غير (ح): "ما شذ"..
١٤ "ونحو ذلك" ساقط في (ح)..
١٥ "كذلك الإمام يصنع به ما شاء" ساقط في (أ)، (ز)..
١٦ راجع كل ذلك في جامع البيان ٩/ ١١٤ – ١١٨ وفي المحرر الوجيز ٨/ ٤، ٥..
١٧ "في الآية" ساقط في (أ)، (ز)..
١٨ "هي" ساقطة في (أ)..
١٩ في (ب)، (هـ): "أن يريد"..
٢٠ من قوله: "ملكا له... إلى: وإنما" ساقط في (أ)، (د)، (ز)..
٢١ "إليه" ساقط في (ب)، (د)، (هـ)..
٢٢ حكاه ابن عطية ونسبه إلى عكرمة ومجاهد. راجع المحرر الوجيز ٨/٦..
٢٣ في (ج)، (د)، (هـ)، (ز): "خلال"..
٢٤ نسبه ابن عطية إلى ابن زيد. راجع المحرر الوجيز ٨/٦..
٢٥ قاله ابن عطية. راجع: م. س: ٨/٤..
٢٦ والبيت كاملا: إن تقوى الله خير نفل وبإذن الله ريثي والعجل
وقد نسبه ابن عطية إلى الشاعر لبيد. راجع: م. س: ٨/٤..

٢٧ الحديث ذكره الكيا الهراسي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٣/١٥٥، ١٥٦..
٢٨ من قوله: "ليس لغيرهما... إلى: خاصة" ساقط في (و)..
٢٩ في غير (ج): "لله تعالى"..
٣٠ "إنه" ساقط في (ج)..
٣١ في (ب)، (د): "ضرب"..
٣٢ في (أ)، (هـ): "ولا بعد خمس"..
٣٣ نسبه ابن عطية إلى ابن المسيب. راجع المحرر الوجيز ٨/٨. وكذلك مكي بن أبي طالب وقال: وهو قول الشافعي. راجع الإيضاح ص ٢٥٥..
٣٤ في (أ): "إذا اجتمعت"..
٣٥ في (أ)، (ز): "من لم ير"..
٣٦ في (أ) زيادة: "هذا"..
٣٧ في (ب): "مخالفة" وفي (هـ): "المخالفة" وفي (ز): "مخافة"..
٣٨ راجع كل ذلك في المحرر الوجيز ٨/٨، ٩..
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ﴾ الآية إلى قوله تعالى :﴿ وبئس المصير ﴾ :
هذه الآية تقتضي ألا يفر المسلمون من الكفار قل عددهم أو كثر دون مراعاة ضعف. وأن الفرار محظور لأنه تعالى قد نهى عنه ثم توعد عليه ولا معنى للمحظور إلا ذلك. ثم إن الله تعالى أراد أن ١ يخفف عن عباده فحد ٢ في قدر العدد الذي لا يجوز لهم الفرار منه حدا. فقال تعالى :﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ﴾ [ الأنفال : ٦٥ ] فجعل لهم أن لا يفروا من عشرة أمثالهم. واختلف العلماء في هذا هل هو نسخ أو تخصيص عموم. فقيل هو منسوخ وقد كان أولا واجبا أن لا يفر أحد عن العدو ثم نسخ بهذا ٣. وقال قوم لم يكن قط واجبا أن يثبت المسلمون لأكثر من عشرة أمثالهم وإنما خرجت الآية مخرج العموم فخصصت بهذه الآية ثم خفف الله تعالى تخفيفا آخر فقال :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ].
واختلف أيضا في هذا هل هو نسخ أم لا. فقال ابن عباس هو نسخ. وروي عنه أيضا أنه قال : فرض على المسلمين أن يقاتل الرجل منهم ٤ العشرة من المشركين فشق ذلك عليهم فأنزل الله تعالى التخفيف. قال بعضهم فهو تخفيف على هذا لا نسخ، ونظير هذا إفطار الصائم في السفر ٥ وإذا قلنا إنه نسخ فوجهه أنه تعالى قد حرم بقوله :﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ﴾ الآية الفرار من العشرة أضعاف ثم قال تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ فأحل الفرار من ذلك القدر. هذا وإن لم تعطه الآية بنصها فإن مقتضاها يعطي ذلك ومقتضى هذه الآية الثانية أنه تعالى لم يبح الفرار من الضعف. ولا خلاف أن هذا الحكم كان ثابتا يوم بدر وإنما اختلفوا في تحريم الفرار بعد يوم بدر. فقيل كان ذلك خاصا بيوم بدر ٦ كان فيه الفرار من الكبائر فأما ما عدا ذلك٧ اليوم فالفرار منه غير محرم وليس من الكبائر. وقد فر الناس يوم أحد فعفا الله تعالى عنهم وقال فيهم يوم حنين :﴿ ثم وليتم مدبرين ﴾ [ التوبة : ٢٥ ] ولم يقع على ذلك تعنيف. وعلى هذا القول تكون الإشارة بقوله تعالى : " يومئذ " إلى " يوم بدر " وهو قول الحسن وقتادة والضحاك ٨ وذهب الجمهور إلى أن ذلك المعنى من الآية محكم باق إلى يوم القيامة وأن الفرار من الزحف من الكبائر، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم ما يؤيد هذا فقال : " اتقوا السبع الموبقات " ٩ وعد فيها الفرار من الزحف. وإلى هذا يذهب مالك وجميع أصحابه وقد ١٠ قال ابن القاسم ١١ لا تجوز شهادة من فر يوم الزحف. وتكون الإشارة بقوله " يومئذ " ١٢ إلى يوم اللقاء الذي يتضمنه قوله تعالى ﴿ إذا لقيتم ﴾ وهذا الاختلاف الذي ذكرناه في الفرار من الزحف هل هو كبيرة أم لا إنما هو في الفرار من الضعف. فأما الفرار مما زاد عن الضعف فغير كبيرة باتفاق وقد قال قوم إن قوله تعالى :﴿ فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ الآية عام محكم في الأزمان لا يختص بيوم بدر ولا غيره.
وفي العدد لا يختص بعدد دون عدد وذكره النحاس ١٣ عن عطاء بن أبي رباح. وقال أبو بكر بن العربي ١٤ رحمه الله تعالى هو الصحيح لأنه ظاهر القرآن والحديث١٥ وقال بعض من قال باعتبار العدد في ثبوت الواحد للإثنين خاصة هذا ما لم يبلغ عدد المسلمين اثنتي عشر ألفا. فأما إذا بلغوا اثنتي عشر ألفا فلا يجوز لهم الفرار وإن زاد عدد المشركين على الضعف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يغلب اثني عشر ألفا من قلة " فخصص هذا العدد بهذا الحديث من عموم الآية وينسب هذا القول لمحمد بن الحسن ١٦ وروي عن مالك ما يدل على ذلك في مذهبه وهو قوله للعمري العابد إذ سأله هل له سعة ١٧ في ترك مجاهدة من غيًّر الأحكام١٨ : إن كان معك اثنا عشر ألفا فليس لك ذلك ١٩. وهذا الاستدلال ضعيف إذ ليس في الحديث ما يدل على أنه لا يجوز الفرار من أكثر من الضعف لأن الحديث لا يعطي٢٠ بيان حكم شرعي وإنما هو بيان لحكم العرف٢١. وإذا لم يكن ذلك فكيف يخصص به عموم الآية. وقد اختلف العلماء في تأويل الضعف الذي ذكره الله تعالى فقيل : هو في العدد، فيلزم المسلمين أن يثبتوا لمثلي عددهم وإن كانوا أشد منهم سلاحا وأظهر قوة وهو قول لجمهور العلماء. وقيل : هو في الجلد والقوة ويلزم المسلمين أن يثبتوا لأكثر من الضعف إذا كان ٢٢ المسلمون أشد منهم سلاحا وأكثر منهم قوة ولا يلزمهم أن يثبتوا لهم. وإن كانوا أقل من الضعف إذا كان المشركون أشد منهم سلاحا وأكثر منهم قوة ٢٣ وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك٢٤.
والقول الأول أظهر لأن الله تعالى إنما ذكر الضعف في العدد فمن أراد أن يتأوله على القوة كان مخرجا للآية عن ظاهرها بغير دليل. والتحرف للقتال أن يظهر هربا وهو منه مكيدة ليكر ونحو ذلك. والتحيز إلى فئة اتفقوا على أنها الجماعة من الناس الحاضرة في الحرب. واختلفوا في المدينة والإمام والجماعة إذا لم يكن شيء من ذلك حاضرا في الحرب هل التحيز إليه تحيزا إلى فئة أم لا. ويروى عن عمر رضي الله عنه إباحة ذلك وأنه تحيز إلى فئة والظاهر أن ذلك ليس بتحيز إلى فئة، بل هو فرار تام ولا يجوز الفرار وإن فر الإمام لقوله تعالى :﴿ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال ﴾ فعم ولم يخص. واختلف في الرجل يكون في صف المسلمين يريد أن يحمل على الجيش والعدو وحده محتسبا بنفسه. فمنهم من أجازه واستحسنه ومنهم من كرهه ويروى عن عمرو بن العاص وإليه ذهب مالك في ظاهر قوله واحتج بقوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم ﴾ وبقوله تعالى :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ ٢٥ وقد قاس ابن شبرمة ٢٦ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الآية فجعل تغيير المعاصي كتغيير الكفر وقال : لا يحل للرجل أن يفر من اثنين إذا كانا على منكر وله أن يفر من أكثر منهما وإن أدى تغيير المنكر إلى أن يتقابل الصفان. فقد اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال : لا بد من إذن الإمام، وقال آخرون : لا يحتاج إلى استئذان الإمام لأنه يخاف فوات التغيير هذا إذا كان المنكر من آحاد الناس. وأما إن كان من الوالي فلا يجوز تغييره بالقتال والخروج، والصبر عليه جائز لما في ذلك من إثارة الفتن.
١ "أن " ساقط في (ح)..
٢ في (أ)، (ب)، (ح): "فحولهم"..
٣ نسبه مكي إلى عطاء. راجع الإيضاح ص ٥٦..
٤ في (ب)، (ح)، (د)، (و): "منكم"..
٥ نسبه ابن عطية إلى مكي. راجع المحرر الوجيز ٨/ ١٠٩. وكذلك أحكام القرآن للجصاص. فصل: الكلام في الفرار من الزحف ٤/٢٢٦ - ٢٢٩..
٦ في غير (ب)، (ز): "خاصة في يوم بدر"..
٧ في (ح): "فأما عن ذلك"..
٨ ذكره ابن العربي في أحكام القرآن ٢/ ٨٣٢..
٩ والحديث رواه مسلم عن أبي هريرة. كتاب الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها ١/ ٩٢..
١٠ "قد" ساقط في (ب)، (د)، (هـ)..
١١ في (ب)، (هـ): "قال مالك وابن القاسم"..
١٢ في (أ)، (ح)، (و)، (ز): "بيومئذ"..
١٣ النحاس: هو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحاس. كان واسع العلم غزير الرواية له عدة تصانيف منها إعراب القرآن، معاني القرآن. توفي سنة ٣٣٧هـ وقيل سنة ٣٣٧هـ/ ٩٩٠م. انظر طبقات المفسرين للداودي ١/٦٨..
١٤ ابن العربي: هو محمد بن عبد الله بن محمد المعافري القاضي أبو بكر المالكي المجتهد الإمام. توفي سنة ٥٤٣هـ/ ١١٩٣م. انظر طبقات المفسرين للداودي ٢/ ١٦٧..
١٥ "والحديث" ساقطة في (أ)، (ز)..
١٦ ذكره الجصاص في أحكام القرآن باب: الكلام في الفرار من الزحف ٤/ ٢٢٨، ومحمد بن الحسن الشيباني الإمام الفقيه صاحب أبي حنيفة. توفي سنة ١٨٧هـ/ ٨٣٣م. انظر طبقات الفقهاء للشيراني ص ١٣٥..
١٧ في (أ)، (ب)، (ح): "متعة"..
١٨ نسبه الجصاص إلى الطحاوي وكان السائل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر. راجع أحكام القرآن للجصاص باب: الكلام في الفرار من الزحف ٤/٢٢٨..
١٩ في غير (ج): "فلا له في ذلك"..
٢٠ "لا يعطي" ساقط في (د)..
٢١ في (ب)، (د): "حكم العرب"..
٢٢ في(ب)، (ح): "إذ لو كان"..
٢٣ من قوله: "ولا يلزمهم.... إلى: قوة" ساقط في (أ)، (ز)..
٢٤ قال ابن عطية: وقالت فرقة منهم ابن الماجشون في الواضحة راع أيضا الضعف والقوة والعدة. راجع المحرر الوجيز ٨/٣١..
٢٥ البقرة: ١٩٥..
٢٦ ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة بن حسان بن المنذر بن ضرار. فقيه ومحدث ت ١٤٤هـ/ ٧٦١م. انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر ٥/ ٢٥٠..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ﴾ الآية إلى قوله تعالى :﴿ وبئس المصير ﴾ :
هذه الآية تقتضي ألا يفر المسلمون من الكفار قل عددهم أو كثر دون مراعاة ضعف. وأن الفرار محظور لأنه تعالى قد نهى عنه ثم توعد عليه ولا معنى للمحظور إلا ذلك. ثم إن الله تعالى أراد أن ١ يخفف عن عباده فحد ٢ في قدر العدد الذي لا يجوز لهم الفرار منه حدا. فقال تعالى :﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ﴾ [ الأنفال : ٦٥ ] فجعل لهم أن لا يفروا من عشرة أمثالهم. واختلف العلماء في هذا هل هو نسخ أو تخصيص عموم. فقيل هو منسوخ وقد كان أولا واجبا أن لا يفر أحد عن العدو ثم نسخ بهذا ٣. وقال قوم لم يكن قط واجبا أن يثبت المسلمون لأكثر من عشرة أمثالهم وإنما خرجت الآية مخرج العموم فخصصت بهذه الآية ثم خفف الله تعالى تخفيفا آخر فقال :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ].
واختلف أيضا في هذا هل هو نسخ أم لا. فقال ابن عباس هو نسخ. وروي عنه أيضا أنه قال : فرض على المسلمين أن يقاتل الرجل منهم ٤ العشرة من المشركين فشق ذلك عليهم فأنزل الله تعالى التخفيف. قال بعضهم فهو تخفيف على هذا لا نسخ، ونظير هذا إفطار الصائم في السفر ٥ وإذا قلنا إنه نسخ فوجهه أنه تعالى قد حرم بقوله :﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ﴾ الآية الفرار من العشرة أضعاف ثم قال تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ فأحل الفرار من ذلك القدر. هذا وإن لم تعطه الآية بنصها فإن مقتضاها يعطي ذلك ومقتضى هذه الآية الثانية أنه تعالى لم يبح الفرار من الضعف. ولا خلاف أن هذا الحكم كان ثابتا يوم بدر وإنما اختلفوا في تحريم الفرار بعد يوم بدر. فقيل كان ذلك خاصا بيوم بدر ٦ كان فيه الفرار من الكبائر فأما ما عدا ذلك٧ اليوم فالفرار منه غير محرم وليس من الكبائر. وقد فر الناس يوم أحد فعفا الله تعالى عنهم وقال فيهم يوم حنين :﴿ ثم وليتم مدبرين ﴾ [ التوبة : ٢٥ ] ولم يقع على ذلك تعنيف. وعلى هذا القول تكون الإشارة بقوله تعالى :" يومئذ " إلى " يوم بدر " وهو قول الحسن وقتادة والضحاك ٨ وذهب الجمهور إلى أن ذلك المعنى من الآية محكم باق إلى يوم القيامة وأن الفرار من الزحف من الكبائر، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم ما يؤيد هذا فقال :" اتقوا السبع الموبقات " ٩ وعد فيها الفرار من الزحف. وإلى هذا يذهب مالك وجميع أصحابه وقد ١٠ قال ابن القاسم ١١ لا تجوز شهادة من فر يوم الزحف. وتكون الإشارة بقوله " يومئذ " ١٢ إلى يوم اللقاء الذي يتضمنه قوله تعالى ﴿ إذا لقيتم ﴾ وهذا الاختلاف الذي ذكرناه في الفرار من الزحف هل هو كبيرة أم لا إنما هو في الفرار من الضعف. فأما الفرار مما زاد عن الضعف فغير كبيرة باتفاق وقد قال قوم إن قوله تعالى :﴿ فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره ﴾ الآية عام محكم في الأزمان لا يختص بيوم بدر ولا غيره.
وفي العدد لا يختص بعدد دون عدد وذكره النحاس ١٣ عن عطاء بن أبي رباح. وقال أبو بكر بن العربي ١٤ رحمه الله تعالى هو الصحيح لأنه ظاهر القرآن والحديث١٥ وقال بعض من قال باعتبار العدد في ثبوت الواحد للإثنين خاصة هذا ما لم يبلغ عدد المسلمين اثنتي عشر ألفا. فأما إذا بلغوا اثنتي عشر ألفا فلا يجوز لهم الفرار وإن زاد عدد المشركين على الضعف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لن يغلب اثني عشر ألفا من قلة " فخصص هذا العدد بهذا الحديث من عموم الآية وينسب هذا القول لمحمد بن الحسن ١٦ وروي عن مالك ما يدل على ذلك في مذهبه وهو قوله للعمري العابد إذ سأله هل له سعة ١٧ في ترك مجاهدة من غيًّر الأحكام١٨ : إن كان معك اثنا عشر ألفا فليس لك ذلك ١٩. وهذا الاستدلال ضعيف إذ ليس في الحديث ما يدل على أنه لا يجوز الفرار من أكثر من الضعف لأن الحديث لا يعطي٢٠ بيان حكم شرعي وإنما هو بيان لحكم العرف٢١. وإذا لم يكن ذلك فكيف يخصص به عموم الآية. وقد اختلف العلماء في تأويل الضعف الذي ذكره الله تعالى فقيل : هو في العدد، فيلزم المسلمين أن يثبتوا لمثلي عددهم وإن كانوا أشد منهم سلاحا وأظهر قوة وهو قول لجمهور العلماء. وقيل : هو في الجلد والقوة ويلزم المسلمين أن يثبتوا لأكثر من الضعف إذا كان ٢٢ المسلمون أشد منهم سلاحا وأكثر منهم قوة ولا يلزمهم أن يثبتوا لهم. وإن كانوا أقل من الضعف إذا كان المشركون أشد منهم سلاحا وأكثر منهم قوة ٢٣ وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك٢٤.
والقول الأول أظهر لأن الله تعالى إنما ذكر الضعف في العدد فمن أراد أن يتأوله على القوة كان مخرجا للآية عن ظاهرها بغير دليل. والتحرف للقتال أن يظهر هربا وهو منه مكيدة ليكر ونحو ذلك. والتحيز إلى فئة اتفقوا على أنها الجماعة من الناس الحاضرة في الحرب. واختلفوا في المدينة والإمام والجماعة إذا لم يكن شيء من ذلك حاضرا في الحرب هل التحيز إليه تحيزا إلى فئة أم لا. ويروى عن عمر رضي الله عنه إباحة ذلك وأنه تحيز إلى فئة والظاهر أن ذلك ليس بتحيز إلى فئة، بل هو فرار تام ولا يجوز الفرار وإن فر الإمام لقوله تعالى :﴿ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال ﴾ فعم ولم يخص. واختلف في الرجل يكون في صف المسلمين يريد أن يحمل على الجيش والعدو وحده محتسبا بنفسه. فمنهم من أجازه واستحسنه ومنهم من كرهه ويروى عن عمرو بن العاص وإليه ذهب مالك في ظاهر قوله واحتج بقوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم ﴾ وبقوله تعالى :﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ ٢٥ وقد قاس ابن شبرمة ٢٦ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الآية فجعل تغيير المعاصي كتغيير الكفر وقال : لا يحل للرجل أن يفر من اثنين إذا كانا على منكر وله أن يفر من أكثر منهما وإن أدى تغيير المنكر إلى أن يتقابل الصفان. فقد اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال : لا بد من إذن الإمام، وقال آخرون : لا يحتاج إلى استئذان الإمام لأنه يخاف فوات التغيير هذا إذا كان المنكر من آحاد الناس. وأما إن كان من الوالي فلا يجوز تغييره بالقتال والخروج، والصبر عليه جائز لما في ذلك من إثارة الفتن.
١ "أن " ساقط في (ح)..
٢ في (أ)، (ب)، (ح): "فحولهم"..
٣ نسبه مكي إلى عطاء. راجع الإيضاح ص ٥٦..
٤ في (ب)، (ح)، (د)، (و): "منكم"..
٥ نسبه ابن عطية إلى مكي. راجع المحرر الوجيز ٨/ ١٠٩. وكذلك أحكام القرآن للجصاص. فصل: الكلام في الفرار من الزحف ٤/٢٢٦ - ٢٢٩..
٦ في غير (ب)، (ز): "خاصة في يوم بدر"..
٧ في (ح): "فأما عن ذلك"..
٨ ذكره ابن العربي في أحكام القرآن ٢/ ٨٣٢..
٩ والحديث رواه مسلم عن أبي هريرة. كتاب الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها ١/ ٩٢..
١٠ "قد" ساقط في (ب)، (د)، (هـ)..
١١ في (ب)، (هـ): "قال مالك وابن القاسم"..
١٢ في (أ)، (ح)، (و)، (ز): "بيومئذ"..
١٣ النحاس: هو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحاس. كان واسع العلم غزير الرواية له عدة تصانيف منها إعراب القرآن، معاني القرآن. توفي سنة ٣٣٧هـ وقيل سنة ٣٣٧هـ/ ٩٩٠م. انظر طبقات المفسرين للداودي ١/٦٨..
١٤ ابن العربي: هو محمد بن عبد الله بن محمد المعافري القاضي أبو بكر المالكي المجتهد الإمام. توفي سنة ٥٤٣هـ/ ١١٩٣م. انظر طبقات المفسرين للداودي ٢/ ١٦٧..
١٥ "والحديث" ساقطة في (أ)، (ز)..
١٦ ذكره الجصاص في أحكام القرآن باب: الكلام في الفرار من الزحف ٤/ ٢٢٨، ومحمد بن الحسن الشيباني الإمام الفقيه صاحب أبي حنيفة. توفي سنة ١٨٧هـ/ ٨٣٣م. انظر طبقات الفقهاء للشيراني ص ١٣٥..
١٧ في (أ)، (ب)، (ح): "متعة"..
١٨ نسبه الجصاص إلى الطحاوي وكان السائل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر. راجع أحكام القرآن للجصاص باب: الكلام في الفرار من الزحف ٤/٢٢٨..
١٩ في غير (ج): "فلا له في ذلك"..
٢٠ "لا يعطي" ساقط في (د)..
٢١ في (ب)، (د): "حكم العرب"..
٢٢ في(ب)، (ح): "إذ لو كان"..
٢٣ من قوله: "ولا يلزمهم.... إلى: قوة" ساقط في (أ)، (ز)..
٢٤ قال ابن عطية: وقالت فرقة منهم ابن الماجشون في الواضحة راع أيضا الضعف والقوة والعدة. راجع المحرر الوجيز ٨/٣١..
٢٥ البقرة: ١٩٥..
٢٦ ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة بن حسان بن المنذر بن ضرار. فقيه ومحدث ت ١٤٤هـ/ ٧٦١م. انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر ٥/ ٢٥٠..

وقوله تعالى :﴿ فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ :
فيه رد على من يقول إن أفعال العباد مخلوقة لهم. وسبب الآية أن الناس لما انصرفوا يوم بدر وجعل كل واحد ١ منهم يعد ما فعل فيقول قتلت كذا وفعلت كذا فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك فنزلت الآية ٢.
وقوله تعالى :﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ يريد ما ٣ كان النبي فعله يومئذ وذلك أنه أخذ ثلاث قبضات من تراب فرمى بها في وجوه القوم فانهزموا عند آخر رمية.
١ "واحد" ساقطة في (ب)، (هـ)..
٢ "فنزلت الآية" ساقطة في (ز)..
٣ في (ب)، (ح): "وما"..
قوله تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( ٣٣ ) ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ لا يعلمون ﴾ ١ :
اختلف في نزول هذه الآية فقيل بمكة بعد وقعة بدر حكاية عما مضى. وقيل نزل قوله تعال :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ بمكة إلى قوله تعالى :﴿ أو ائتنا بعذاب أليم ﴾ ونزل قوله :﴿ وما لهم ﴾ إلى آخر الآية بعد بدر عند ظهور العذاب الأليم. ومعنى قوله :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ أن الله تعالى لم يكن ليعذب هذه الأمة وهو فيهم كما لم يعذب قط أمة ونبيها بين أظهرها. ولا خلاف في هذا بين المفسرين. واختلفوا في قوله تعالى :﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ هل هو محكم أو منسوخ. فالذين ذهبوا إلى أنها منسوخة قالوا الآية في المشركين أي أنهم لا يعذبون ما استغفروا ثم نسخت بقوله تعالى :﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام ﴾ [ الأنفال : ٣٤ ] وهو قول عكرمة والحسن٢ وضعف بعضهم النسخ في هذا لأنه خبر ٣. والذين ذهبوا إلى أنه محكم اختلفوا في تأويلها اختلافا كثيرا. فقيل المعنى ما كان الله ليعذب الكفار يعني أهل مكة، والمؤمنون بينهم يستغفرون. فالضمير في قوله :﴿ ليعذبهم ﴾ عائد على الكفار. وقوله :﴿ وهم ﴾ عائد على المؤمنين وأضمرهم ولم يجد لهم ذكر ففيه ضعف وهو قول الضحاك وابن عباس. وقيل المعنى ٤ ما كان الله ليعذب الكفار وهم بحالة توبة واستغفار من كفرهم إذًا لو وقع ذلك منهم وهو قول قتادة واختاره الطبري.
وقيل المعنى ما كان الله ليعذب الكفار وقد علم أن فيهم من يسلم وما لهم ألا يعذبهم إذا أسلم من سبق له الإيمان ٥ ويروى هذا عن ابن عباس أيضا. وقيل المراد بقوله :﴿ وهم يستغفرون ﴾ ذرية المشركين يومئذ الذين سبق علم الله تعالى أن يكونوا مؤمنين. فالمعنى وما كان الله ليعذبهم وذريتهم يستغفرون ويؤمنون. فنسب الاستغفار إليهم إذ ذريتهم منهم، ويروى عن مجاهد. وقيل المعنى يستغفرون يسلمون، ويروى أيضا عن مجاهد.
وقيل معنى يستغفرون يصلون. وقيل إنهم كانوا يقولون في دعائهم : غفرانك ويقولون لبيك لا شريك لك ونحو هذا مما هو دعاء واستغفار فجعله الله تعالى أمنا من عذاب الدنيا فالمعنى أن الله لا يعذبهم في الدنيا وهم يستغفرون وهو المشهور من قول ابن عباس وعلى هذا تركب قول أبي موسى ٦ وابن عباس أن الله تعالى جعل من عذاب الدنيا أمنين كون الرسول صلى الله عليه وسلم مع الناس والاستغفار، فارتفعت الواحدة وبقي الاستغفار إلى يوم القيامة. والضميران في ما عدا القول الأول عائدان جميعا على الكفار فهذه سبعة أقوال في الآية ٧.
١ والآية كاملة: ﴿وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾..
٢ راجع الإيضاح ص ٢٥٧..
٣ راجع م. س، وكذلك المحرر الوجيز ٨/٥٥..
٤ في (أ)، (ج)، (ح)، (د) زيادة: "أنه"..
٥ في (أ)، (ب)، (ح)، (و): "الإسلام"..
٦ في (أ)، (ز): "أبي حنيفة" وعند ابن عطية: "أبي موسى الأشعري" راجع المحرر الوجيز ٨/٥٤..
٧ راجعها أيضا عند الطبري في جامع البيان ٩/١٥٣ – ١٥٦ وعند ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/٥٣ – ٥٥..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:قوله تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( ٣٣ ) ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ لا يعلمون ﴾ ١ :
اختلف في نزول هذه الآية فقيل بمكة بعد وقعة بدر حكاية عما مضى. وقيل نزل قوله تعال :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ بمكة إلى قوله تعالى :﴿ أو ائتنا بعذاب أليم ﴾ ونزل قوله :﴿ وما لهم ﴾ إلى آخر الآية بعد بدر عند ظهور العذاب الأليم. ومعنى قوله :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ﴾ أن الله تعالى لم يكن ليعذب هذه الأمة وهو فيهم كما لم يعذب قط أمة ونبيها بين أظهرها. ولا خلاف في هذا بين المفسرين. واختلفوا في قوله تعالى :﴿ وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ هل هو محكم أو منسوخ. فالذين ذهبوا إلى أنها منسوخة قالوا الآية في المشركين أي أنهم لا يعذبون ما استغفروا ثم نسخت بقوله تعالى :﴿ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام ﴾ [ الأنفال : ٣٤ ] وهو قول عكرمة والحسن٢ وضعف بعضهم النسخ في هذا لأنه خبر ٣. والذين ذهبوا إلى أنه محكم اختلفوا في تأويلها اختلافا كثيرا. فقيل المعنى ما كان الله ليعذب الكفار يعني أهل مكة، والمؤمنون بينهم يستغفرون. فالضمير في قوله :﴿ ليعذبهم ﴾ عائد على الكفار. وقوله :﴿ وهم ﴾ عائد على المؤمنين وأضمرهم ولم يجد لهم ذكر ففيه ضعف وهو قول الضحاك وابن عباس. وقيل المعنى ٤ ما كان الله ليعذب الكفار وهم بحالة توبة واستغفار من كفرهم إذًا لو وقع ذلك منهم وهو قول قتادة واختاره الطبري.
وقيل المعنى ما كان الله ليعذب الكفار وقد علم أن فيهم من يسلم وما لهم ألا يعذبهم إذا أسلم من سبق له الإيمان ٥ ويروى هذا عن ابن عباس أيضا. وقيل المراد بقوله :﴿ وهم يستغفرون ﴾ ذرية المشركين يومئذ الذين سبق علم الله تعالى أن يكونوا مؤمنين. فالمعنى وما كان الله ليعذبهم وذريتهم يستغفرون ويؤمنون. فنسب الاستغفار إليهم إذ ذريتهم منهم، ويروى عن مجاهد. وقيل المعنى يستغفرون يسلمون، ويروى أيضا عن مجاهد.
وقيل معنى يستغفرون يصلون. وقيل إنهم كانوا يقولون في دعائهم : غفرانك ويقولون لبيك لا شريك لك ونحو هذا مما هو دعاء واستغفار فجعله الله تعالى أمنا من عذاب الدنيا فالمعنى أن الله لا يعذبهم في الدنيا وهم يستغفرون وهو المشهور من قول ابن عباس وعلى هذا تركب قول أبي موسى ٦ وابن عباس أن الله تعالى جعل من عذاب الدنيا أمنين كون الرسول صلى الله عليه وسلم مع الناس والاستغفار، فارتفعت الواحدة وبقي الاستغفار إلى يوم القيامة. والضميران في ما عدا القول الأول عائدان جميعا على الكفار فهذه سبعة أقوال في الآية ٧.
١ والآية كاملة: ﴿وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾..
٢ راجع الإيضاح ص ٢٥٧..
٣ راجع م. س، وكذلك المحرر الوجيز ٨/٥٥..
٤ في (أ)، (ج)، (ح)، (د) زيادة: "أنه"..
٥ في (أ)، (ب)، (ح)، (و): "الإسلام"..
٦ في (أ)، (ز): "أبي حنيفة" وعند ابن عطية: "أبي موسى الأشعري" راجع المحرر الوجيز ٨/٥٤..
٧ راجعها أيضا عند الطبري في جامع البيان ٩/١٥٣ – ١٥٦ وعند ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/٥٣ – ٥٥..

قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين ﴾ إلى قوله :﴿ ونعم النصير ﴾ :
اختلف في المرتد إذا تاب هل يسقط عنه قضاء ما ترك من الصلاة في ردته أم لا. فعندنا أنه يسقط وقال الشافعي لا يسقط وحجتنا عليه قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ فعم ١. واختلف أيضا في المرتدين إذا نصبوا للحرب راية فقتلوا وأتلفوا٢ أموالا ثم تابوا هل يؤاخذون بشيء من ذلك ٣. وقال الشافعي في أحد قوليه إنهم يؤاخذون، حجتنا عليه قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ ولم يفرق فيها ٤ بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين. وأن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لم يضمن أحدا من أهل الردة.
واختلف في الكافر يسلم بعد وجوب الجزية عليه هل يسقط عنه ما قد وجب عليه منها أم لا ؟ فذهب الشافعي إلى أنه لا يسقط ٥ ويؤخذ به بعد إسلامه. وذهب مالك وجميع أصحابه إلى أنه يسقط عنه ٦ بعد إسلامه ودليل هذا القول ٧ قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ وقوله عليه الصلاة والسلام : " الإسلام يجب ما قبله " ٨.
وقوله تعالى :﴿ وإن يعودوا ﴾ معناه إلى القتال لا إلى الكفر لأنهم لم يزالوا عليه فكيف يعودون إليه.
١ راجع حكم المرتد عند القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٧/ ٤٠٣..
٢ في (ج): "وأخذوا" وفي (د): "واتبعوا"..
٣ من قوله: "فعم.... إلى: من ذلك": ساقط في (أ)..
٤ "فيها" ساقط في غير (أ)، (ز)..
٥ في (أ)، (ب)، (ح): "أنها لا تسقط"..
٦ في (ب)، (ح): "أنها تسقط عليه"..
٧ "هذا القول" ساقط في (أ)، (ز)..
٨ الحديث رواه أحمد عن عمرو بن العاص ٤/٢٠٤..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٨:قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين ﴾ إلى قوله :﴿ ونعم النصير ﴾ :
اختلف في المرتد إذا تاب هل يسقط عنه قضاء ما ترك من الصلاة في ردته أم لا. فعندنا أنه يسقط وقال الشافعي لا يسقط وحجتنا عليه قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ فعم ١. واختلف أيضا في المرتدين إذا نصبوا للحرب راية فقتلوا وأتلفوا٢ أموالا ثم تابوا هل يؤاخذون بشيء من ذلك ٣. وقال الشافعي في أحد قوليه إنهم يؤاخذون، حجتنا عليه قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ ولم يفرق فيها ٤ بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين. وأن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لم يضمن أحدا من أهل الردة.
واختلف في الكافر يسلم بعد وجوب الجزية عليه هل يسقط عنه ما قد وجب عليه منها أم لا ؟ فذهب الشافعي إلى أنه لا يسقط ٥ ويؤخذ به بعد إسلامه. وذهب مالك وجميع أصحابه إلى أنه يسقط عنه ٦ بعد إسلامه ودليل هذا القول ٧ قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ وقوله عليه الصلاة والسلام :" الإسلام يجب ما قبله " ٨.
وقوله تعالى :﴿ وإن يعودوا ﴾ معناه إلى القتال لا إلى الكفر لأنهم لم يزالوا عليه فكيف يعودون إليه.
١ راجع حكم المرتد عند القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٧/ ٤٠٣..
٢ في (ج): "وأخذوا" وفي (د): "واتبعوا"..
٣ من قوله: "فعم.... إلى: من ذلك": ساقط في (أ)..
٤ "فيها" ساقط في غير (أ)، (ز)..
٥ في (أ)، (ب)، (ح): "أنها لا تسقط"..
٦ في (ب)، (ح): "أنها تسقط عليه"..
٧ "هذا القول" ساقط في (أ)، (ز)..
٨ الحديث رواه أحمد عن عمرو بن العاص ٤/٢٠٤..


وقوله تعالى :﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ﴾ :
فرض الله تعالى بهذا الآية على المؤمنين قتال الكفار. واختلف في الفتنة ما هي. فقيل الشرك ١ وقيل البلاء ٢ وهذا يلزم عليه القتال في فتن المسلمين للفئة الباغية. وعلى القول الآخر يكون مقتول الفتن في فسحة. ومن قال إنها الشرك فالآية عنده يراد بها الخصوص في من لا تقبل منه جزية. قال ابن سلام وهي في مشركي العرب ٣.
١ قاله ابن عباس. راجع تنوير المقباس صفحة ١٤٨..
٢ قاله الحسن. راجع المحرر الوجيز ٨/٦٥..
٣ نسبه إليه أيضا ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/٦٦.
ابن سلام: هو يحيى بن سلام بن ثعلب أبو زكرياء البصري. نزل المغرب وسكن إفريقية دهرا له كتاب في تفسير القرآن ليس لأحد مثله. توفي سنة ٢٠٠هـ/ ٨٥٠م. انظر طبقات المفسرين للداودي ٢/٣٧١..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٨:قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين ﴾ إلى قوله :﴿ ونعم النصير ﴾ :
اختلف في المرتد إذا تاب هل يسقط عنه قضاء ما ترك من الصلاة في ردته أم لا. فعندنا أنه يسقط وقال الشافعي لا يسقط وحجتنا عليه قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ فعم ١. واختلف أيضا في المرتدين إذا نصبوا للحرب راية فقتلوا وأتلفوا٢ أموالا ثم تابوا هل يؤاخذون بشيء من ذلك ٣. وقال الشافعي في أحد قوليه إنهم يؤاخذون، حجتنا عليه قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ ولم يفرق فيها ٤ بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين. وأن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لم يضمن أحدا من أهل الردة.
واختلف في الكافر يسلم بعد وجوب الجزية عليه هل يسقط عنه ما قد وجب عليه منها أم لا ؟ فذهب الشافعي إلى أنه لا يسقط ٥ ويؤخذ به بعد إسلامه. وذهب مالك وجميع أصحابه إلى أنه يسقط عنه ٦ بعد إسلامه ودليل هذا القول ٧ قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ وقوله عليه الصلاة والسلام :" الإسلام يجب ما قبله " ٨.
وقوله تعالى :﴿ وإن يعودوا ﴾ معناه إلى القتال لا إلى الكفر لأنهم لم يزالوا عليه فكيف يعودون إليه.
١ راجع حكم المرتد عند القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٧/ ٤٠٣..
٢ في (ج): "وأخذوا" وفي (د): "واتبعوا"..
٣ من قوله: "فعم.... إلى: من ذلك": ساقط في (أ)..
٤ "فيها" ساقط في غير (أ)، (ز)..
٥ في (أ)، (ب)، (ح): "أنها لا تسقط"..
٦ في (ب)، (ح): "أنها تسقط عليه"..
٧ "هذا القول" ساقط في (أ)، (ز)..
٨ الحديث رواه أحمد عن عمرو بن العاص ٤/٢٠٤..

وقوله تعالى :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ﴾ :
وقال في سورة الحشر ١ :﴿ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ﴾ [ الحشر : ٦ ] ثم قال تعالى بعد ذلك :﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله ﴾ [ الحشر : ٧ ] فتضمنت هذه الآية حكم أموال الكفار المأخوذة منهم إلا أنه تعالى ذكرها في سورة الأنفال باسم الغنيمة وذكرها في سورة الحشر باسم الفيء وهي قد تؤخذ منهم بقتال وقد تؤخذ بغير قتال وكلا الاسمين ٢ قد يجوز أن يطلق في الاستعمال على كل واحد من الوجهين. وقد اضطربت أقوال المفسرين في ذلك اضطرابا كثيرا، وتأصيلها أن منهم من قال إن الاسمين جميعا لمعنى واحد ٣ وأن الآيات جاءت في حكم ما أخذ من الكفار بالقتال ثم اختلف هؤلاء.
فقال قوم إن ما في سورة الحشر اقتضى أن يقسم المأخوذ بالقتال على الأصناف المذكورين في السورة دون إخراج الخمس ٤ وأن ذلك منسوخ بآية الأنفال وأن الخمس في ذلك هو المقسوم على الأصناف المذكورة خاصة والأربعة الأخماس للغانمين ولم يفرقوا بين الأرض وغيرها ٥ وضعف بعضهم هذا القول بالنسخ بأن آية ٦ الأنفال نزلت قبل ٧ آية الحشر ولا يصح النسخ مع ذلك ٨ ومنهم من قال إن ما في الحشر مخصوص في الأرض المغنومة عنوة من الكفار فاقتضى ذلك أنها لا تخمس وأن النظر فيها للإمام ولا يقسم بين الغانمين وأن ما في الأنفال عام في الأرض وغيرها من أموالهم وأن ذلك اقتضى أنها تخمس ويقسم ما بقي بين الغانمين ٩ ثم اختلف الذاهبون إلى هذا ١٠ فقال بعضهم : إن هذا ١١ يقتضي تخيير الإمام في إبقاء هذه الأرض وقسمتها بين الغانمين ١٢ قالوا : وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض خيبر بسبب عموم آية الأنفال. وترك عمر رضي الله تعالى عنه أرض العراق ومصر فلم يقسمها وأنه تأول في ذلك آية الحشر وقوله تعالى :﴿ والذين جاؤوا من بعدهم ﴾ [ الحشر : ١٠ ] الآية وإلى هذا ذهب أبو عبيد ١٣ ومنهم من ذهب إلى أن الحشر نسخت آية الأنفال في حكم الأرض خاصة لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين بفعله في أرض خبير أنها على عمومها في الأرض وغيرها فنسخت آية الحشر من ذلك الأرض خاصة فلا تقسم على حال وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي ١٤ ومنهم من قال إن آية الحشر مبينة أن ١٥ المراد بآية الأنفال ما عدا الأرض من الغنائم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قسم أرض خبير لأن الله عز وجل وعد بها أهل بيعة الرضوان فقال : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه. فأرض خبير كانت مخصوصة بهذا الحكم دون سائر الأرض المغنومة فلا تقسم الأرض. ومنهم من قال إن آية الأنفال هي الناسخة لآية الحشر فيما اقتضته آية الحشر مع منع القسمة في الأرض فيقسم ولا بد. فتحصل من هذا في الأرض المغنومة بالقتال ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها تقسم كسائر الغنائم وهو قول الشافعي١٦.
والثاني : أنها لا تقسم كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه وتبقى لأرزاق المسلمين ومصالحهم.
والثالث : أن الإمام مخير ١٧ فيها بين القسمة والإبقاء وهذان القولان عن مالك رحمه الله تعالى ١٨. والذين ذهبوا إلى أنها تقسم على مقتضى آية الأنفال تأولوا فعل عمر رضي الله تعالى عنه من إبقاء سواد العراق على أنه استطاب أنفس الغانمين وأرضاهم عن ذلك١٩.
ومنهم من قال إن آية الحشر نزلت في حكم الخمس خاصة ولم يذكر فيها الخمس فهو٢٠ المراد بها وأن آية الأنفال موافقة لها إلا أنه صرح فيها بذكر الخمس ولم يصرح في آية الحشر، فهو لفظ عام أريد به شيء خاص. فليس في كتاب الله تعالى على هذه الأقوال حكم لما أخذ من الكفار بغير قتال وإنما يتلقى ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم. وذهب قوم إلى أن ٢١ الاسمين أيضا ٢٢ بمعنى واحد وأن اللغة تقتضي ذلك وأن الآيتين جاءتا في حكم ما أخذ من الكفار بقتال وبغير قتال وأن المالين ٢٣ في الحكم سواء يؤخذ منهما الخمس حتى من حزمة الجماجم وخراج الأرض وهو الذي يأتي على قول الشافعي، فإن ذلك كله يخمس. والنظر في آية الأنفال وآية الحشر على هذا هو النظر المتقدم إما بالنسخ وإما بالبيان ويكون على هذا حكم المالين متلقى من القرآن ٢٤. وذهب قوم إلى أن الغنيمة والفيء اسمان لمعنيين ٢٥ وأن الغنيمة ما أخذ من الكفار بقتال والفيء ما أخذ منهم بغير قتال وأن الحكم فيهما مختلف على ظاهر الآيتين ٢٦. فالغنيمة تخمس على نص آية الأنفال والفيء لا يخمس على ظاهر آية الحشر فلا تعارض على هذا بين الآيتين ولا يفرض فيها نسخ ولا بيان ولا يكون على هذا فيما أخذ من أموال الكفار بغير قتال خمس كان ٢٧ مما جلوا عنه أو جزية أو خراج أرض أو نحو ذلك وهو قول الجمهور وبه قال مالك وجميع أصحابه وهو أظهر الأقوال. وذهب قوم – على ما ذكر بعض المتأخرين – إلى عكس هذا القول فزعم أن الغنيمة ما أخذ من الكفار بغير قتال، والفيء ما أخذ منهم بالقتال، قال وهو محتمل في اللسان. وذهب قوم إلى أن آية الحشر وردت في شيء مخصوص بعينه فلا تعارض بينها ٢٨ وبين آية الأنفال وذلك في أموال بني النضير التي أجلوا عنها فجعلها الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيها ما يراه ٢٩. وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أحبس جميعها لنفسه ومصالح المسلمين ولم يقسمها، فتكلم في ذلك قوم فأنزل الله تعالى الآية. وقال ابن زيد لما خص ٣٠ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأموال بني النضير المهاجرين تكلم في ذلك بعض الأنصار فنزلت الآية. وذهب قوم إلى ٣١ أن في ٣٢ آية الحشر حكمين فقوله تعالى :﴿ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم ﴾ [ الحشر : ٦ ] الآية نزلت في مال بني النضير الذي هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى :﴿ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ﴾ الآية [ الحشر : ٧ ] هو في حكم الجزية والخراج بهما للأصناف المذكورين في الآية وروي ذلك عن معمر ٣٣. وقد اختلف في هذه الآية هل هي ناسخة لقوله تعالى :﴿ قل الأنفال لله والرسول ﴾ [ الأنفال : ١ ] أم لا. وقد مر الكلام على ذلك. والقول بأنها ناسخة هو قول مجاهد وابن عباس وذلك أن قوله تعالى :﴿ قل الأنفال لله والرسول ﴾ عنهما اقتضى أنه جعل به للنبي صلى الله عليه وسلم أن ينفل ما أحرزه ٣٤ بالقتال لمن يشاء ٣٥ ولم يكن فيه حق لأحد إلا لمن جعله الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك يوم بدر. ويبين ذلك حديث سعد في قصة السيف الذي استوهبه من النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر. فقال : " إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك وقد جعله الله تعالى لي وجعلته لك " ٣٦ وكذلك قوله تعالى :﴿ فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ﴾ [ الأنفال : ٦٩ ] يقتضي أن تكون الغنيمة للغانمين فينزلون فيها على السواء دون إخراج خمس ولا غيره. إلا أن قوله في هذه الآية ﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء ﴾ يبين ٣٧ أن ذلك بعد إخراج الخمس وصرفه في الوجوه المذكورة، ففي هذا بيان الأربعة الأخماس للغانمين. وقال بعضهم هذا مثل قوله تعالى :﴿ ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ﴾ [ النساء : ١١ ] فلما ذكر تعالى أن المحيطين بالميراث الأبوان ثم ذكر أن للأم الثلث دل ذلك على أن الثلثين للأب دلالة قطعية ٣٨. وهذا النوع من الدلالة يسميه الأصوليون مقتضى الخطاب. وكذلك هذه الآية لما ذكر تعالى الغانمين للغنيمة وخاطبهم ثم أخرج من الغنيمة الخمس للأصناف المذكورين دل ذلك على ٣٩ البقية ٤٠ للغانمين. وهذا٤١ الحكم في الغنيمة يجري ٤٢ في كل مغنوم إلا ما خصه الدليل مثل المأكول من الغنيمة فإنه مباح للغانمين أكله إذا احتاجوا إليه في الغزو دون أن يشترط فيه إخراج خمس.
ومن ذلك أموال الرهبان اختلف فيها ٤٣. فذهب جماعة إلى أنها على حكم الغنائم إلا أنه استحب مالك رحمه الله تعالى أن يترك لهم قدر ما يعيشون به. وذهب غيره إلى أنها شرك لهم ولا تكون مغنومة والحجة على ما قال تلك الآية، والآية أيضا عامة في الغانمين إلا ما خصه الدليل. وقد اختلف فيما غنمه النساء والصبيان إذا انفردوا بالغنيمة هل تخمس أم لا، وكذلك اختلف في العبيد إذا غنموا كان معهم حر أم لا هل يخمس ما أصابوه من الغنيمة أم لا. وحجة من يرى التخميس في ٤٤ ذلك عموم الآية.
وحجة من لا يرى ٤٥ التخميس في ذلك كله أنه يراهم غير داخلين في الخطاب إلا بدليل، وفي هذا خلاف بين الأصوليين ٤٦.
واختلف في الذميين هل يخمس ما غنموه أم لا ؟. ففي المذهب أنه يخمس خرجوا بغير إذن الإمام أو بإذنه. وقال بعض أصحاب مالك إن خرجوا ٤٧ بإذن الإمام فلا خمس ٤٨ وإن خرجوا ٤٩ بغير إذنه ففي ما غنموه الخمس. وقال أبو حنيفة لا خمس في ما غنموه جملة حتى يكونوا جماعة لهم منعة ويأذن لهم الإمام. وقال أبو يوسف إذا كانوا تسعة ففيه الخمس ٥٠. ودليل من رأى الخمس كله في ذلك عموم الآية. واختلف أيضا في الطائفة تخرج من البلد فتغنم. ففي المذهب أن ما غنمت يخمس، وقال أبو حنيفة لا يخمس. ودليل المذهب عموم الآية، ودليل أبي حنيفة أنهم غزوا بأنفسهم فأشبهوا المتفرد بالقتال على القول بأنه يستحق السلب فلا يخمس ٥١ وقال بعضهم المأخوذ من الكفار على جهة التلصص اتفق العلماء على أنه لا يخمس. وظاهر القرآن يقتضي تخميس كل مغنوم. وكذلك اختلف في سلب القتيل هل يخمس أم لا. فقيل هو كسائر الغنيمة يخمس ولا ينفرد به القاتل إلا أن يرى الإمام أن يخص به بوجه اجتهاد فله ذلك، ولا يكون إلا من الخمس وهو قول مالك. وقيل السلب للقائل وهو أحد قولي الشافعي ٥٢ وقيل إن كان السلب يسيرا فهو للقاتل وإن كان كثيرا خمس ٥٣ وفعله عمر بن الخطاب مع البراء بن مالك ٥٤ حين بارز المرزبان فقتله وكانت قيمة منطقته وسواريه ثلاثين ألفا فخمس ذلك وروي في ذلك حديث ٥٥ عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود. وقيل السلب للقاتل ولكنه يخمس ٥٦ وروي نحوه عن عمر بن الخطاب.
وروى ابن خويز منداد ٥٧ هذا عن مالك أن الإمام مخير فيه إن شاء خمسه على الاجتهاد كما عمل عمر في حديث البراء وإن شاء لم يخمسه واختاره إسماعيل بن إسحاق ٥٨. وحجة الجمهور عن مالك ظاهر الآية وإذا قلنا بمقتضى الآية في أن الأربعة أخماس للغانمين فهل المرأة المقاتلة داخلة في هذا الحكم فيسهم لها أم لا. ذهب الأوزاعي إلى أنه يسهم لها. قال : وقد أسهم لها الرسول صلى الله عليه وسلم بخيبر وأخذ المسلمون بذلك. وذهب مالك والليث والشافعي والثوري والكوفيون إلى أنه لا يسهم لها ولكن يرضخ لها واحتجوا بكتاب ابن عباس إلى نجدة ٥٩ وقوله : إن النساء كن يحضرن القتال فيداوين المرضى ويجنين ٦٠ من الغنيمة ولم يضرب ٦١ لهن بسهم. وروى ابن وهب عن مالك أنه لا يسهم لهن ٦٢ ولا يرضخ. هذا أصح لأنهن لسن فيمن أمر بالقتال ولا لهن فيه عناء مذكور فلم يدخلن في الخطاب بقوله تعالى :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء ﴾. وكذلك اختلف في العبيد والصبيان إذا قاتلوا. فقيل يسهم لهم وقيل يرضخ وقيل لا يرضخ ولا يسهم٦٣ والحجة لمن لا يرى ٦٤ لهم شيئا أنهم عنده لا يدخلون في الخطاب في الآية. وظاهر الآية٦٥ أيضا يقتضي الاشتراك في الغنيمة قليلها وكثيرها فلا يجوز إخراج شيء منها قبل القسمة إلا أن يدل عليه دليل من ال
١ في (ح): "آية الحشر"..
٢ في (ج): "القسمين"..
٣ قاله قتادة: راجع المحرر الوجيز ٨/٦٧..
٤ "الخمس" ساقطة في (ب)..
٥ نسبه مكي إلى قتادة. راجع الإيضاح ص ٣٧٠..
٦ في (هـ) زيادة: "التي في الأنفال"..
٧ في (أ)، (ح): "فقيل"..
٨ راجع ذلك عند ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/٦٨..
٩ راجع ذلك في م. س..
١٠ "إلى هذا" ساقط في (أ)، (د)، (هـ)، (ز)..
١١ "إن هذا" ساقط في (أ)، (ح)، (ز)..
١٢ نسبه ابن عطية إلى الإمام مالك. راجع المحرر الوجيز ٨/٦٨..
١٣ نسبه إليه أيضا ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/٦٨..
١٤ إسماعيل القاضي: هو القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق الأسدي البصري ألف كتبا كثيرة منها أحكام القرآن، معاني القرآن. توفي سنة ٢٨٢هـ/ ٨٩٥م. انظر الديباج ص ٩٢..
١٥ في (أ)، (ح): "على أن"..
١٦ راجع أحكام القرآن للشافعي ١/١٥٨ و٢ / ٣٦ - ٣٨..
١٧ في غير (ج)، (ز): "يخير"..
١٨ ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/٦٨، ٦٩..
١٩ قال القرطبي: وكذلك روى جرير أن عمر استطاب أنفس أهلها. راجع الجامع لأحكام القرآن ٨/٥..
٢٠ في (ج): "وهو"..
٢١ "إلى أن" ساقط في (د)، (هـ)..
٢٢ "أيضا" ساقطة في (ب)، (ح)، (ز)..
٢٣ في (ب)، (د)، (هـ): "وأن الآيتين"..
٢٤ راجع أحكام القرآن للشافعي ١/١٥٣، ١٥٤، والأم للشافعي أيضا كتاب قسم الفيء ٤/ ٤٥٢..
٢٥ في (أ)، (ز): "لمعنى"..
٢٦ قاله سفيان الثوري: راجع الإيضاح ص ٣٧٠..
٢٧ في (أ)، (ج)، (ز): "كانوا"..
٢٨ في (أ)، (ب)، (ح): "بينهما"..
٢٩ في (ب)، (ج)، (ح): "ما رآه". وفي (د): "ما أراه"..
٣٠ في (ب)، (د)، (هـ): "أخص"..
٣١ "إلى" ساقط في (أ)، (ز)..
٣٢ "في" ساقط في (أ)، (ز)..
٣٣ ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٨/ ١٢.
معمر: هو معمر بن راشد بن أبي عمرو الأزدي. فقيه حافظ من أهل البصرة. توفي سنة ١٥٣هـ/ ٧٧٠م. انظر ميزان الاعتدال للذهبي ٣/ ١٨٨..

٣٤ في (هـ): "ما أخذه"..
٣٥ في (أ)، (د)، (هـ)، (و)، (ز): "شاء"..
٣٦ راجع أسباب النزول للواحدي ص ١٧٢، وكذلك أحكام القرآن للكيا الهراسي ٣/ ١٥٥..
٣٧ في (ز): "بين" وفي (ح): "تبين"..
٣٨ نسبه القرطبي إلى ابن العربي وابن المنذر وابن عبد البر والدارمي والمازري والقاضي عياض. راجع الجامع لأحكام القرآن ٨/٣..
٣٩ "على" ساقط في (ز)..
٤٠ في (هـ): "الغنيمة" وفي (و): "البينة"..
٤١ في (ج)، (ح): "ومثل"..
٤٢ "يجري" ساقطة في (أ)، (ب)، (ح)..
٤٣ في (أ): "فيه"..
٤٤ "في" ساقط في غير (ز)..
٤٥ "يرى" ساقطة في (أ)، (ب)، (ح)، (د)..
٤٦ راجع تفصيل ذلك في الجامع لأحكام القرآن ٨/ ١٧..
٤٧ في (ب)، (د)، (هـ)، (و): "دخلوا"..
٤٨ في (هـ): "فلا يخمس"..
٤٩ في (و): "وإن دخلوا"..
٥٠ راجع أحكام القرآن للجصاص، باب: القول في السلب والغنيمة ٤/ ٢٣٧..
٥١ راجع" م. س..
٥٢ قال الجصاص: وقال الشافعي: يخمس ما أصابه إلا سلب المقتول. وقال أيضا: وقد قال الشافعي: إن القاتل لا يستحق السلب في الإدبار وإنما يستحقه في الإقبال. راجع أحكام القرآن للجصاص: باب القول في سلب القتيل ٤/ ٢٣٦..
٥٣ نسب القرطبي هذا القول إلى إسحاق راجع الجامع لأحكام القرآن ٨/٨..
٥٤ البراء بن مالك: هو البراء بن مالك بن النضر بن ضمضم الخزرجي. صحابي. شهد أحدا وما بعدها. توفي سنة ٢٠ هـ/ ٦٤١م. انظر حلية الأولياء للأصفهاني ١/٣٥٠..
٥٥ في (ب)، (ح): "في حديث ذلك"..
٥٦ قاله الأوزاعي ومكحول. راجع الجامع لأحكام القرآن٨/٨..
٥٧ ابن خويز منداد: هو محمد بن أحمد بن عبد الله أبو بكر بن خويز منداد. ويقال خواز منداد. عنده شواذ عن مالك. تفقه على الأبهري، له كتاب كبير في الخلاف وآخر في أصول الفقه وآخر في أحكام القرآن. انظر طبقات المفسرين للداودي ٢/ ٧٢..
٥٨ إسماعيل بن إسحاق: هو إسماعيل القاضي الأسدي البصري. سبقت ترجمته بالصفحة ٨٧..
٥٩ "نجده" ساقطة في (أ)، (ز). وأما في (هـ): "الحرة" والصواب ما ذكره القرطبي برواية مسلم أنه نجدة وهو نجدة بن عامر الحنفي من رؤساء الخوارج..
٦٠ في (أ): "ويحرزن"..
٦١ في (أ)، (ح): "يضربن"..
٦٢ في (أ)، (ح): "لها"..
٦٣ راجع الجامع لأحكام القرآن ٨/ ١٧، ١٨..
٦٤ في (ج): "لمن لم يره"..
٦٥ في (ب)، (ج)، (ح) زيادة: "أنها"..
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا ﴾ :
في هذه الآية الأمر بالثبات والصبر والذكر لله. قال قتادة افترض الله تعالى ذكره عند الضراب ١ بالسيوف ٢. وظاهر الآية أن يذكر الله تعالى في تلك المواطن سرا وعلانية، إلا أنه قد جاء في رفع الصوت هنالك الكراهية. قال قيس بن عبادة ٣ : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند ثلاث : عند قراءة القرآن وعند الجنازة وعند القتال ٤، وهذا والله أعلم إنما كره لأنه يدل على الفشل والخور، فأما إذا شد المسلمون على المشركين شدة واحدة فلا بأس أن يرفعوا أصواتهم لأن ذلك يشد أعضاد المسلمين، وإنما يكره قبل ذلك كما قد جاء عن ابن عباس أنه يكره التلثم عند القتال.
١ في (أ)، (ز): "الضرب"..
٢ نسبه إليه أيضا ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/ ٨٢. وكذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٨/ ٢٤..
٣ قيس بن عبادة: هو قيس بن عبادة الضبعي من ثقات التابعين. قتله الحجاج سنة ٨٥هـ/ ٧٠٤م. راجع الإصابة لابن حجر ٣/ ٢٤٤..
٤ والحديث ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/ ٨٢..
قوله تعالى :{ فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ( ٥٧ )
اختلفوا في قوله تعالى :﴿ فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم ﴾ هل هو منسوخ أو محكم. فذهب قوم إلى أنه يقتضي قتل الأسارى وأنه لا يجوز استحياؤهم. قال وهو منسوخ بقوله تعالى :﴿ فإما منا بعد وإما فداء ﴾ [ محمد : ٤ ]. وقال قوم آخرون ١ إنه يقتضي ذلك وهو محكم وأنه ٢ ناسخ لقوله تعالى :﴿ فإما منا بعد وإما فداء ﴾. وقال آخرون هو محكم وليس بناسخ وهو عام يخصصه قوله تعالى :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ﴾ الآية [ محمد : ٤ ]، وسيأتي الكلام على هذا بالشبع منه. وقال الشيخ أبو الحسن المقصود بهذا التنكيل بأهل الردة وإحراق بعضهم بالنيران ورمي بعضهم من رؤوس الجبال وطرحهم في الآبار ٣.
١ "آخرون" ساقطة في (أ)، (و)، (ز)..
٢ "وأنه" ساقط في (و)، (ز)..
٣ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٣/ ١٦٢..
٥٨ – قوله تعالى : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء }
فأما قوله تعالى :﴿ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ﴾، فقيل هي عامة في كل من يخاف منه خيانة إلى آخر الأبد ١. وقال أكثر المفسرين إن هذه الآية في بني قريظة، وذهب بعض المتأخرين إلى أنها في ما عدا بني قريظة ٢ فيما يستأنف وهو قول ٣ ظاهر الفساد. واختلف المفسرون في معنى : تخافن، هنا. فقيل معناه أن تكون الخيانة متوقعة غير متيقنة، فالخوف على بابه. وقال بعضهم تخاف في هذه الآية بمعنى تعلم ٤. فأمر الله تعالى في هذه الآية نبيه عليه الصلاة والسلام إذا شعر ٥ من قوم خيانة أن ينبذ إليهم عهدهم ٦ أي يلغيه ٧ ويحاربهم إذ لم يلتزموا العهد.
وقوله تعالى :﴿ على سواء ﴾ : اختلف فيه فقيل أي حتى يكونوا في استشعار المحاربة سواء وقيل أي على معدلة، وقال الوليد بن مسلم ٨ معناه على مهل كما قال تعالى :﴿ براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ( ١ ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ﴾ الآية [ التوبة : ١، ٢ ]. وقال الفراء ٩ المعنى ١٠ فانبذ إليهم على اعتدال أي بين لهم على قدر ما ظهر منهم لا تفرط ولا تعجل بحرب بل افعل بهم مثل ما فعلوا ١١ فإن قيل قد غزا النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة قبل أن ينبذ إليهم عهدهم الذي كان بينه وبينهم، فالجواب أنه عليه الصلاة والسلام لم ينبذ إليهم عهودهم ١٢ بل غزاهم ابتداء ١٣ لأنهم كانوا قد نقضوا العهد بمعاونة هذيل على جرأتهم على حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء أبو سفيان ١٤ إلى المدينة يسأل تجديد العهد بينه وبين قريش فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ١٥ فمن أجل ذلك لم يحتج إلى النبذ ١٦ إليهم إذ كانوا قد أظهروا نقض العهد بنصب الحرب لحلفاء النبي صلى الله عليه وسلم.
١ قاله ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/ ٩٥..
٢ من قوله: "وذهب.... إلى: بني قريظة" ساقط في (ب)، (د)، (هـ)..
٣ "وهو قول" ساقط في (ح)..
٤ في (ح): "الخوف في هذه الآية بمعنى العلم". وقد نسب ابن عطية هذا الكلام إلى يحيى بن سلام. راجع المحرر الوجيز ٨/ ٩٥..
٥ "شعر" ساقطة في (ب)، (ح)..
٦ في (ح): "عندهم" وفي (د): "عهده"..
٧ "أي يلغيه" ساقط في (أ)، (ز)..
٨ الوليد بن مسلم: هو أبو العباس الوليد بن مسلم الأموي الدمشقي. عالم الشام في عصره من حفاظ الحديث. توفي سنة ١٩٥هـ/ ٨١٠م. انظر تذكرة الحفاظ للذهبي ١/ ٢٧٨..
٩ الفراء: هو أبو زكرياء يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي المعروف بالفراء الديلمي الكوفي. له مؤلفات عديدة منها المصادر في القرآن. توفي سنة ٢٠٧هـ/ ٨٢٢م. انظر وفيات الأعيان ٢/٢٢٨..
١٠ "المعنى" ساقطة في (أ)، (ز)..
١١ نسبه إليه أيضا ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/ ٩٦..
١٢ في (ز): "عهدهم"..
١٣ "ابتداء" ساقطة في غير (و)، (ز)..
١٤ أبو سفيان: هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد مناف، القرشي الأموي. أسلم يوم فتح مكة وشهد حنينا. توفي سنة ٣٠هـ/ ٦٥٠م. انظر الإصابة ٥/ ١٢٧..
١٥ من قوله: "على حلفاء... إلى: إلى ذلك" ساقط في (أ)..
١٦ في (أ): "التبين"..
وقوله تعالى :﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ﴾ :
اختلف في تفسيره فقيل القوة ذكور الخيل والرباط إناثها وهو قول عكرمة ١. وقيل القوة الرمي، ومن حجتهم حديث عقبة بن عامر ٢ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن القوة الرمي ثلاثا " ٣. وقيل القوة السلاح ٤. وقيل القوة كل ما يتقوى به في الحرب فحمل على عمومه، ورباط الخيل على ما عدا القول الأول وربطها اعتدادها للحرب ذكورا كانت أو إناثا ٥. والخطاب في هذه الآية عام في الإعداد لمن هو في الثغور ٦. وهذا يجوز ارتباط الخيل في غير الثغور.
– وقوله تعالى :﴿ وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ﴾ :
اختلف في تفسيره فقيل الإشارة إلى بني قريظة ٧ وقيل إلى فارس ٨ وقيل إلى المنافقين٩ وقيل بل إلى كل عدو للمسلمين ١٠ غير الفرقة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرد بهم من خلفهم. وقيل الإشارة إلى الجن، ورجح الطبري هذا وأسند فيه إلى ما روي أن صهيل الخيل ينفر الجن وأن الشياطين لا تدخل دارا فيه لجام للجهاد ونحو هذا.
١ عكرمة: هو أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله مولى عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه أحد فقهاء مكة. توفي سنة ١٠٧هـ/ ٧٢٥م. انظر طبقات الفقهاء للشيرازي ص ٧٠..
٢ عقبة بن عامر: هو عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهني. شهد صفين مع معاوية كان شجاعا فقيها. توفي سنة ٥٨هـ/ ٦٧٨م. انظر الإصابة لابن حجر ٢/ ٤٨٢..
٣ الحديث رواه مسلم عن عقبة بن عامر. كتاب الإمارة، باب: فضل الرمي والحث عليه ٢/ ١٥٢٢..
٤ نسبه ابن عطية إلى السدي. فراجعه في المحرر الوجيز ٨/ ١٠٠..
٥ نسبه ابن عطية إلى الطبري. فراجعه في م. س..
٦ في (أ)، (ب)، (ح): "في الثغر"..
٧ نسبه ابن عطية إلى مجاهد. راجع: م. س..
٨ نسبه ابن عطية إلى السدي. راجع م. س..
٩ نسبه ابن عطية إلى ابن زيد. راجع م. س..
١٠ في (ب)، (ج)، (ح): "إلى المسلمين"..
قوله تعالى :﴿ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ﴾ :
اختلف هل هو منسوخ أم محكم، والذين ذهبوا إلى أنه منسوخ ١ اختلفوا في ناسخه وقال ابن زيد وغيره ٢ نسخها آية القتال من قوله تعالى :﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾ [ التوبة : ٥ ]، قالوا ونسخت براءة كل موادعة حتى يقول لا إله إلا الله. وقال ابن عباس نسخها قوله تعالى :﴿ فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون ﴾ [ محمد : ٣٥ ].
والذين ذهبوا إلى أنها غير منسوخة قالوا : أما آية القتال فليست بناسخة وإنما يعني بها من لا تجوز مصالحته مثل مشركي قريش ويعني بقوله تعالى :﴿ وإن جنحوا للسلم ﴾ من تجوز مصالحته وإن كان قوله تعالى :﴿ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ﴾ عاما في مشركي العرب وغيرهم بآية براءة مخصصة له ولا معنى لدخول النسخ في هذا. وأما قول ابن عباس فضعيف لأن الآيتين ليس بينهما تعارض ٣. وعلى الاختلاف في هذه الآية اختلفوا في جواز مهادنة الكفار. فلم يجز ذلك طائفة ورأوا الآية منسوخة، وقالوا إنما هو القتال أو الإسلام أو الجزية. وأجازته طائفة أخرى وإن كان على ما يؤديه المسلمون إليهم واحتجوا بالآية ولم يروها منسوخة، وبما روي أنه عليه الصلاة والسلام قد كان ٤ صالح عيينة بن حصن وغيره يوم الأحزاب على نصف ثمار المدينة حتى لما شاور الأنصار قالوا : يا رسول الله أهو أمر أمرك الله تعالى به أم الرأي والمكيدة. قال : " لا بل هو رأي لما رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فأردت أن أدفعه عنكم إلى يوم ". فقال السعدان : سعد بن عبادة ٥ وسعد بن معاذ ٦ : والله يا رسول الله إنهم لم يطمعوا فيها منا إلا بشراء أو قرى ونحن كفار فكيف وقد أعزنا الله تعالى بالإسلام ولا نعطيهم إلا بالسيف، وشق الصحيفة ٧ وأجازته طائفة على غير مال يؤديه المسلمون إليهم وأما بمال فلا يجوز، وهو أحد أقوال الشافعي وبه يقول الأوزاعي. وهذا الخلاف عندي إنما هو ما لم يخف على المسلمين أن يصطلحوا. فأما إذا خيف ذلك فجائز مصالحتهم على مال وعلى غير مال. فأما على أن يؤخذ من الكفار فلا خلاف في جوازه وسيأتي الكلام عليه. وإنما الخلاف إذا كان على أن لا يأخذ منهم شيئا أو على أن يعطيهم شيئا، وهذا كله مع الذين يجوزون أخذ الجزية منهم. فأما من لا يجوز أخذ الجزية منهم باتفاق ككفار قريش فلا خلاف أنه لا تجوز مصالحتهم كيف كانت والذين ذهبوا إلى جواز الصلح في المسألة التي ذكرناها اختلفوا في المدة التي تجوز مصالحتهم إليها. فقيل لا يجوز أن يصالحوا أكثر من عشر سنين وما وراء هذا محظور، وهو قول الشافعي. قيل لا يجوز أكثر من أربع سنين٨. وقيل لا يجوز أكثر من ثلاث سنين ٩ وهذه الثلاثة الأقوال مبنية على الاختلاف في المدة التي هادن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية. وقيل تجوز مهادنتهم إلى مدة قصيرة أو طويلة على حسب ما يعطيه الاجتهاد والنظر في مصلحة المسلمين، ونحو هذا حكى ابن حبيب عن مالك فقال تجوز مهادنتهم السنة والسنتين والثلاث وإلى غير مدة ١٠. وهذا القول أليق بظاهر الآية إذا قلنا بأنها محكمة. واختلفوا هل يعقد الهدنة غير الإمام أم لا يعقدها إلا الإمام. والجمهور على أنه لا يعقدها إلا الإمام. وذهب الطبري إلى أنه يجوز أن يعقد بغير إذن الإمام. والدليل على فساد هذا القول أن هذا من مصالح المسلمين فلا بد من نظر الإمام فيه وقد قال تعالى :﴿ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ﴾ الآية، فلم يخاطب بذلك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقصر تعالى الخطاب عليه إلا من أجل أن ذلك ليس لغيره وأن يعلم أن النظر في ذلك إنما هو للأئمة.
١ "والذين ذهبوا إلى أنه منسوخ" ساقط في (ب)..
٢ نسبه ابن عطية إلى ابن زيد وقتادة والحسن بن أبي الحسن وعكرمة. راجع المحرر الوجيز ٨/١٠٤..
٣ قاله ابن عطية وقال: وإلى هذا ذهب الطبري. راجع المحرر الوجيز ٨/ ١٠٥..
٤ "كان" ساقط في (أ)، (ز)..
٥ سعد بن عبادة: هو أبو ثابت سعد بن عبادة بن حارثة الخزرجي. صاحبي من أهل المدينة، أحد النقباء الإثني عشر. توفي سنة ١٤هـ/ ٦٣٥م. انظر الإصابة لابن حجر ٢/ ٢٧..
٦ سعد بن معاذ بن النعمان بن امرؤ القيس بن أوس الأنصاري. توفي سنة ٥هـ/ ٦٢٥م. انظر الإصابة ٤/١٧١..
٧ وقد ذكر ذلك ابن هشام في سيرته بلفظ: فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما واستشارهما فيه فقالا له يا رسول الله: أمر نحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا. قال: "بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما". فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا، والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا بالسيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأنت وذاك". فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال: ليجهدوا علينا. راجع سيرة ابن هشام ٣/ ١٣٣، ١٣٤..
٨ نسبه القرطبي إلى عروة. راجع الجامع لأحكام القرآن ٨/ ٤٠..
٩ نسبه القرطبي إلى ابن جريج. راجع م. س..
١٠ ذكره أيضا القرطبي عن ابن حبيب. راجع م. س.: ٨/ ٤١..
قوله تعالى :﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ ما كان لنبي ﴾ :
اختلف في قوله تعالى :﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ﴾ هل هو منسوخ أم محكم. فذهب الجمهور إلى أنه منسوخ وقالوا قد كان واجبا به ألا ١ يفر المسلمون عن عشرة أمثالهم ثم نسخ بقوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ﴾ فأجاز للمسلمين أن يفروا عن أكثر من ضعفهم.
وذهب قوم إلى أن هذا ليس بنسخ وقالوا لم يكن قط واجبا أن لا ٢ يفر المسلمون من عشرة أمثالهم وإنما ذكر الله تعالى ذلك على جهة الندب للمسلمين أن يفعلوه ثم بين تعالى بالآي بعدها الواجب في ذلك، والآية الأولى إلى آخر الأبد مندوب إلى حكمها والقولان مرويان عن ابن عباس وقد اختلف الأصوليون هل يجوز نسخ الأثقل بالأخف أم لا ٣. وهذه الآية حجة لمن أجازه على القول بالنسخ فيها.
١ في (ب)، (ح): "من كان واجبا به أن لا يفر"..
٢ "لا" ساقط في غير (ج)..
٣ راجع ذلك عند ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/ ١٠٩..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:قوله تعالى :﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ ما كان لنبي ﴾ :
اختلف في قوله تعالى :﴿ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ﴾ هل هو منسوخ أم محكم. فذهب الجمهور إلى أنه منسوخ وقالوا قد كان واجبا به ألا ١ يفر المسلمون عن عشرة أمثالهم ثم نسخ بقوله تعالى :﴿ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ﴾ فأجاز للمسلمين أن يفروا عن أكثر من ضعفهم.
وذهب قوم إلى أن هذا ليس بنسخ وقالوا لم يكن قط واجبا أن لا ٢ يفر المسلمون من عشرة أمثالهم وإنما ذكر الله تعالى ذلك على جهة الندب للمسلمين أن يفعلوه ثم بين تعالى بالآي بعدها الواجب في ذلك، والآية الأولى إلى آخر الأبد مندوب إلى حكمها والقولان مرويان عن ابن عباس وقد اختلف الأصوليون هل يجوز نسخ الأثقل بالأخف أم لا ٣. وهذه الآية حجة لمن أجازه على القول بالنسخ فيها.
١ في (ب)، (ح): "من كان واجبا به أن لا يفر"..
٢ "لا" ساقط في غير (ج)..
٣ راجع ذلك عند ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/ ١٠٩..

قوله تعالى :﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ﴾ :
اختلف في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة، والذين ذهبوا إلى أنها منسوخة قالوا إنها نزلت والمسلمون قليل فأمر الله فيها بالقتل وعاتب على الأسر وترك القتل، فلما كثر المسلمون واشتدت شوكتهم أنزل الله تعالى التخيير فقال :﴿ فإما منا بعد وإما فداء ﴾ [ محمد : ٤ ] وروي عن ابن عباس. وقال بعضهم كان الله تعالى قد أمر بإكثار القتل بقوله :﴿ فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ﴾ [ الأنفال : ١٢ ] فأبى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر إلا أسر بعضهم رغبة في الفداء فصار ذلك معصية منهم ومخالفة فنزلت الآية ١.
والذين ذهبوا إلى أنها محكمة اختلفوا فقالت جماعة الآية خبر، أخبر الله تعالى فيها أنه لا يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، فلما أثخن في الأرض كان له أسرى، والأخبار لا تنسخ. وقيل إن سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جمع أسارى ٢ بدر استشار فيهم أصحابه. فقال أبو بكر : يا رسول الله هم قرابتك ولعل الله تعالى أن يهديهم بعد للإسلام ففادهم واستبقهم ويتقوى المسلمون بأموالهم. وقال عمر بن الخطاب : لا يا رسول الله بل تضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر. وقال عبد الله بن رواحة ٣ بل نجعلهم في واد كثير الحطب ثم نضرم عليهم نارا. وقد كان سعد بن معاذ قال وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وقد رأى الأسارى قد كان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال. فأخذ بقول أبي بكر فنزلت الآية تخبر أن الأولى والأهيب على سائر الكفار القتل ٤.
١ ذكر ذلك ابن عطية في المحرر الوجيز ٨/ ١١٤..
٢ "لما جمع أسارى" ساقط في (ب)، (ح)..
٣ عبد الله بن رواحة: هو أبو محمد عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي صحابي جليل. توفي سنة ٨هـ/ ٦٢٩م. انظر الإصابة لابن حجر ٢/ ٣٠٦..
٤ راجع أسباب النزول للواحدي ص ١٧٨..
وقوله تعالى :﴿ لولا كتاب من الله ﴾ :
يحتمل أن يكون هذا الوعيد على ما فعلوه من المفاداة وترك القتل. وروي أنهم لما أسرعوا إلى الغنائم أنزلها الله تعالى. واختلف المفسرون في معنى كتاب من الله، فقيل المعنى لولا أن القرآن الذي صدقتم لما مسكم العذاب لأخذكم هذا الفداء. وقيل الكتاب السابق هو المغفرة لأهل بدر ما تقدم أو تأخر من ذنوبهم ١. وقيل هو ما كان الله تعالى قضاه في الأزل من إحلال الغنائم والفداء لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وكانت في سائر الأمم محرمة ٢. وقيل هو أن الله تعالى قضى أن لا يعاقب أحد على ذنب أتاه بجهالة، وهذا قول ضعيف. وقيل هو أن لا يعذب أحد بذنب قبل النهي عنه. وقيل هو ما قضاه الله تعالى من محو الصغائر لا باجتناب الكبائر، وذهب الطبري إلى دخول هذه المعاني كلها تحت اللفظ ولم يخصصه بمعنى دون معنى.
١ نسبه ابن عطية إلى سعيد بن جبير ومجاهد والحسن وابن زيد. راجع المحرر الوجيز ٨/ ١١٥..
٢ نسبه ابن عطية إلى الحسن وابن عباس وأبي هريرة. راجع م. س..
وقوله تعالى :﴿ فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ﴾ :
قال المفسرون أحل الله بهذه الآية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما كان محظورا على غيرهم من الغنائم لأنها لم تحل لأحد قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم وإنما كانت تنزل نار من السماء فتأكلها بدليل قوله عليه الصلاة والسلام : " لم تحل لأحد قبلنا " ١ ويعترض هذا القول في الآية بأن يقال قد كان حكم تحليل الغنم قبل وقعة بدر في السرية التي قتل فيها عمرو بن الحضرمي ٢، فالأحسن أن يقال في الآية أنه إنما أراد فيها إلحاق ما يؤخذ من الأسارى بالغنائم التي تقدم تحليلها وسيأتي الكلام على حكم الأسارى في سورة القتال. وفي الآية دليل على جواز الأكل من الغنيمة قبل القسمة لأن إباحة الأكل منها ٣ مطلقة لم يخص قبل القسمة أو بعدها.
١ الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة. كتاب الجهاد، باب: تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة ٥/ ١٤٥..
٢ عمرو بن الحضرمي: هو عمرو بن عبد الله الحضرمي بن عبادة. قتل قبل بدر. انظر الإصابة لابن حجر ٣/ ٤..
٣ في (ج): "فيها"..
قوله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ﴾ إلى قوله :﴿ إن الله بكل شيء عليم ﴾ :
حكم الله تعالى بهاتين في المهاجرين والأنصار، فإن بعضهم أولياء بعض، فاختلف في مقتضى هذه الآية. فقيل في المؤازرة والمعونة واتصال الأيدي ١. والآية على هذا القول محكمة. وقيل هي في الميراث وذلك أن المسلمين كانوا يتوارثون بالهجرة فكان الرجل إذا أسلم ولم يهاجر لم يرث أخاه المهاجر ٢. وروي عن ٣ ابن عباس أنه قال : آخى ٤ النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك. وقال عكرمة أقام الناس زمانا لا يرث الأعرابي المهاجر ولا المهاجر الأعرابي. والآية على هذه الأقوال منسوخة نسخها قوله تعالى :﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴾ على القول بأنها في الميراث أيضا. وقد اختلف فيها على حسب الاختلاف في الآية المتقدمة. قيل هي من ولاية المؤازرة والمعاونة فليست بناسخة ولا منسوخة، وإليه ذهب مالك رحمه الله تعالى. وقيل هي في ولاية المؤازرة وهي ناسخة كما تقدم. والذين ذهبوا إلى هذا اختلفوا هل هي منسوخة أو محكمة. فذهب قوم إلى أنها منسوخة لأنها اقتضت توريث جميع القرابات فنسخت بآية المواريث المبينة في سورة النساء. وذهب قوم إلى أنها محكمة وأنها في من يرث ممن جاءه ميراث في كتاب أو سنة وأنها آية مجملة مبينة بغيرها. وذهب أيضا قوم إلى أنها محكمة عامة في جميع القرابات وعلى هذا ينبني اختلاف العلماء في توريث من لا سهم له في كتاب ولا سنة من ذوي الأرحام وليس بعصبة كأولاد البنات وبني الأخوات وبنات الإخوة والعمة والخالة وعمة الأب والعم أخي الأب للأم والجد أبي الأم والجدة أم أبي الأم ومن أدلى بهم. فقالت طائفة إذا لم يكن للميت وارث له فرض مسمى فماله للموالي المعتقين ٥ فإن لم يكونوا فلبيت المال ولا يرث أحد من ذوي الأرحام المذكورين، وهو قول أبي بكر وعلي وغيرهم من أهل العلم وأهل المدينة والشافعي. وذهب قوم إلى أنهم يرثون ولا يرث بيت المال مع الرحم شيئا وهو قول الكوفيين والثوري ٦ وأحمد وغيرهم. وروي عن علي رضي الله تعالى عنه. واحتج من ذهب إلى هذا بقوله عز وجل :﴿ وأولوا الأرحام ﴾ الآية فحملوا الآية على عمومها وهو قول ضعيف بل الآية مجملة ٧ والمفسر يقضي عليها فينبغي أن يعتمد عليه. واختلف فيمن أولى بالصلاة على الميت الوالي أو الولي. فذهب مالك وأبو حنيفة وغيرهم إلى أن الوالي أولى.
إلا أن مالكا قال في الوالي إن كانت إليه الصلاة. وقيل إنما ذلك للوالي الأكبر الذي تؤدى إليه الطاعة فأما غيره من الولاة فلا وإن كانت إليه الصلاة وهو قول مطرف ٨ وأصبغ وابن عبد الحكم. وحجة القول الأول أن الحسين بن علي ٩ قدم سعيد بن العاص ١٠ يوم مات أخوه الحسن ١١ وقال ١٢ لولا السنة ما قدمتك، وسعيد يومئذ أمير المدينة. وقيل الولي أحق من الوالي جملة وهو قول الشافعي وأبي يوسف واحتج أصحاب الشافعي بعموم قوله تعالى :﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴾.
١ نسبه ابن عطية إلى الطبري. راجع المحرر الوجيز ٨/ ١١٩..
٢ نسبه ابن عطية إلى ابن عباس وقتادة ومجاهد. راجع المحرر الوجيز ٨/ ١١٩..
٣ "عن" ساقط في (أ)، (ج)، (ح)، (ز)..
٤ "آخى" ساقط في (ب)..
٥ "المعتقين" ساقطة في (ب)..
٦ "والثوري" ساقطة في (أ)، (ح)..
٧ في (ب)، (ج)، (ح): "محتملة"..
٨ مطرف: هو أبو عبد الله مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري، بصري تابعي ثقة. توفي سنة ٩٥هـ/ ٧١٢م وقيل غير ذلك. نظر تهذيب التهذيب ١٠/ ١٧٣..
٩ الحسين بن علي: هو الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله المدني، سبط الرسول صلى الله عليه وسلم أحد شباب الجنة روى عن جده وأبيه توفي سنة ٦١ هـ/ ٦٨١م. وقيل غير ذلك. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ٢/ ٣٤٥..
١٠ سعيد بن العاص بن أمية. اختلف في قاتله أهو علي بن أبي طالب أم سعد بن أبي وقاص. انظر الروض الأنف ٢/ ١٠٢..
١١ الحسن: هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي سنة ٤٩ هـ/ ٦٧٣م. انظر الإصابة ٢/ ٢٤٢..
١٢ في (ب)، (ج)، (ح): "وقالوا"..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٢:قوله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ﴾ إلى قوله :﴿ إن الله بكل شيء عليم ﴾ :
حكم الله تعالى بهاتين في المهاجرين والأنصار، فإن بعضهم أولياء بعض، فاختلف في مقتضى هذه الآية. فقيل في المؤازرة والمعونة واتصال الأيدي ١. والآية على هذا القول محكمة. وقيل هي في الميراث وذلك أن المسلمين كانوا يتوارثون بالهجرة فكان الرجل إذا أسلم ولم يهاجر لم يرث أخاه المهاجر ٢. وروي عن ٣ ابن عباس أنه قال : آخى ٤ النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك. وقال عكرمة أقام الناس زمانا لا يرث الأعرابي المهاجر ولا المهاجر الأعرابي. والآية على هذه الأقوال منسوخة نسخها قوله تعالى :﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴾ على القول بأنها في الميراث أيضا. وقد اختلف فيها على حسب الاختلاف في الآية المتقدمة. قيل هي من ولاية المؤازرة والمعاونة فليست بناسخة ولا منسوخة، وإليه ذهب مالك رحمه الله تعالى. وقيل هي في ولاية المؤازرة وهي ناسخة كما تقدم. والذين ذهبوا إلى هذا اختلفوا هل هي منسوخة أو محكمة. فذهب قوم إلى أنها منسوخة لأنها اقتضت توريث جميع القرابات فنسخت بآية المواريث المبينة في سورة النساء. وذهب قوم إلى أنها محكمة وأنها في من يرث ممن جاءه ميراث في كتاب أو سنة وأنها آية مجملة مبينة بغيرها. وذهب أيضا قوم إلى أنها محكمة عامة في جميع القرابات وعلى هذا ينبني اختلاف العلماء في توريث من لا سهم له في كتاب ولا سنة من ذوي الأرحام وليس بعصبة كأولاد البنات وبني الأخوات وبنات الإخوة والعمة والخالة وعمة الأب والعم أخي الأب للأم والجد أبي الأم والجدة أم أبي الأم ومن أدلى بهم. فقالت طائفة إذا لم يكن للميت وارث له فرض مسمى فماله للموالي المعتقين ٥ فإن لم يكونوا فلبيت المال ولا يرث أحد من ذوي الأرحام المذكورين، وهو قول أبي بكر وعلي وغيرهم من أهل العلم وأهل المدينة والشافعي. وذهب قوم إلى أنهم يرثون ولا يرث بيت المال مع الرحم شيئا وهو قول الكوفيين والثوري ٦ وأحمد وغيرهم. وروي عن علي رضي الله تعالى عنه. واحتج من ذهب إلى هذا بقوله عز وجل :﴿ وأولوا الأرحام ﴾ الآية فحملوا الآية على عمومها وهو قول ضعيف بل الآية مجملة ٧ والمفسر يقضي عليها فينبغي أن يعتمد عليه. واختلف فيمن أولى بالصلاة على الميت الوالي أو الولي. فذهب مالك وأبو حنيفة وغيرهم إلى أن الوالي أولى.
إلا أن مالكا قال في الوالي إن كانت إليه الصلاة. وقيل إنما ذلك للوالي الأكبر الذي تؤدى إليه الطاعة فأما غيره من الولاة فلا وإن كانت إليه الصلاة وهو قول مطرف ٨ وأصبغ وابن عبد الحكم. وحجة القول الأول أن الحسين بن علي ٩ قدم سعيد بن العاص ١٠ يوم مات أخوه الحسن ١١ وقال ١٢ لولا السنة ما قدمتك، وسعيد يومئذ أمير المدينة. وقيل الولي أحق من الوالي جملة وهو قول الشافعي وأبي يوسف واحتج أصحاب الشافعي بعموم قوله تعالى :﴿ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴾.
١ نسبه ابن عطية إلى الطبري. راجع المحرر الوجيز ٨/ ١١٩..
٢ نسبه ابن عطية إلى ابن عباس وقتادة ومجاهد. راجع المحرر الوجيز ٨/ ١١٩..
٣ "عن" ساقط في (أ)، (ج)، (ح)، (ز)..
٤ "آخى" ساقط في (ب)..
٥ "المعتقين" ساقطة في (ب)..
٦ "والثوري" ساقطة في (أ)، (ح)..
٧ في (ب)، (ج)، (ح): "محتملة"..
٨ مطرف: هو أبو عبد الله مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري، بصري تابعي ثقة. توفي سنة ٩٥هـ/ ٧١٢م وقيل غير ذلك. نظر تهذيب التهذيب ١٠/ ١٧٣..
٩ الحسين بن علي: هو الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله المدني، سبط الرسول صلى الله عليه وسلم أحد شباب الجنة روى عن جده وأبيه توفي سنة ٦١ هـ/ ٦٨١م. وقيل غير ذلك. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ٢/ ٣٤٥..
١٠ سعيد بن العاص بن أمية. اختلف في قاتله أهو علي بن أبي طالب أم سعد بن أبي وقاص. انظر الروض الأنف ٢/ ١٠٢..
١١ الحسن: هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي سنة ٤٩ هـ/ ٦٧٣م. انظر الإصابة ٢/ ٢٤٢..
١٢ في (ب)، (ج)، (ح): "وقالوا"..

Icon