ﰡ
ومعنى قوله تعالى :﴿ خير من ألف شهر ﴾ : إن العمل خير من العمل في ألف شهر، فتكون الركعة فيها خيرا من ثلاثين ألف ركعة، وكذلك سائر أنواع البر وشهود مغربها وعشائها.
وخصت بها هذه الأمة لقصر أعمارها، ليحصل فيها لهم ما يحصل في الأعمار الطويلة لطفا بها. ٢
قاعدة : الأصل في كثرة الثواب والعقاب وقلتهما كثرة المصالح أو المفاسد أو قلتها ؛ وقد يفضل الله أحد المستويين من كل الوجوه على الآخر، كالأنبياء عليهم السلام خصوا بالنبوة والدرجات العليا بمجرد تفضيله تعالى، وإلا فهم قبل ذلك كسائر البشر :﴿ إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ﴾٣، جرده من كل شيء وحصره في العبودية المحضة. بقوله :﴿ إن هو إلا عبد ﴾ ثم أفاض عليه نعمه بقوله :﴿ أنعمنا عليه ﴾. وكمكة والمدينة مع سائر البقاع، وكذلك الأزمنة مستوية، وخص الله تعالى ما شاء بما شاء ؛ لا لأمر رجح فيها، بل بمجرد الفضل. نسأل الله تعالى من عظيم فضله الذي لا يعطيه غيره، ولا يملكه سواه.
واختلف الناس في زمانها على خمسة عشر قولا، قال صاحب " القبس " :
الأول، لابن مسعود : السنة كلها.
وقيل : رمضان كله، لقوله تعالى :﴿ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ﴾٤.
الثالث، لابن الزبير : ليلة سبع عشرة منه، وهو مروي عنه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى :﴿ وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ﴾٥ وكان ذلك فيها٦.
الرابع، لأبي سعيد : إحدى وعشرون، لرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين٧ وكان فيها.
الخامس، لعبد الله بن أويس : ثلاثة وعشرون، وهو مروي عنه عليه السلام.
السادس : خمس وعشرون٨.
السابع، لأبي : سبع وعشرون، وقال : أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها٩، كأن أنوار الخلق في تلك الليلة تغلبها، وكان ابن عباس يحلف على أنها في هذه الليلة، وكان يقول : السورة ثلاثون كلمة، فإذا وصلت إلى قوله تعالى ﴿ هي ﴾ فهي سبعة وعشرون منها. وكان يقول : خلق الإنسان من سبع، لقوله تعالى :﴿ من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ﴾١٠. ويأكل من سبع، لقوله تعالى :﴿ وأنبتنا فيها حبا وعنبا وقصبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ﴾١١ فالأب للأنعام، والسبع للإنسان، ويسجد على سبع، والأرضون سبع، والسماوات سبع، والطواف سبع، والجمار سبع.
الثامن : تسعة وعشرون.
التاسع، للأنصار : أنها في أشفاع هذه الأفراد، وأصله عندهم قوله صلى الله عليه وسلم : " اطلبوها في تاسعة تبقى " ١٢.
قالوا : هي ليلة اثنتين وعشرين، ونحن أعلم بالعدد منكم.
قال سند : ومذهب مالك في " الكتاب " والشافعي أنها في جملة العشر، لما في أبي داود، قال صلى الله عليه وسلم : " التمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة " ١٣. قال مالك في " الكتاب " : معناه : ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وهذا محمول على نقصان الشهر، وأما مع تمامه فليلة اثنتين وعشرين، وأربع وعشرين، وست وعشرين.
قال صاحب " المقدمات " : وقيل : لتسع مضت، وسبع مضت، وخمس مضت، عدت القول.
والثاني عشر والثالث عشر : ليلة النصف، قال سند : ليلة النصف من شعبان. ويبطله قوله تعالى :﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر ﴾١٤، وقوله تعالى :﴿ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ﴾١٥.
الرابع عشر : قال صاحب " المقدمات " : هي في العشر الوسط من رمضان.
الخامس عشر : قال سند : قيل : ارتفعت بعده صلى الله عليه وسلم. ( الذخيرة : ٢/٥٤٨ )
٢ - أخرج ابن أبي حاتم والواحدي عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل ليس السلاح في سبيل الله شهرا، فعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله :﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ التي لبس ذلك الرجل السلاح فيها في سبيل الله. ن : لباب النقول : ٢١٤..
٣ - سورة الزخرف : ٥٩..
٤ - سورة البقرة : ١٨٥..
٥ - سورة الأنفال : ٤١..
٦ - قال ابن كثير :"روى فيه أبو داود حديثا مرفوعا عن ابن مسعود، وروي موقوفا عله وعلى زيد بن أرقم وعثمان بن أبي العاص وهو قول عن محمد بن إدريس الشافعي، ويحكى عن الحسن البصري، ووجهوه بأنها ليلة بدر وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشر من شهر رمضان، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر وهو اليوم الذي قال الله تعالى فيه :﴿يوم الفرقان﴾ ن : تفسيره : ٤/٨٤٥..
٧ - خرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافر، ح : ١٢٧٢. وأبو داود في سننه كتاب الصلاة، ح: ١١٧٠. والترمذي في كتاب الصوم، ح: ٧٢٣..
٨ - خرجه البخاري في صحيحه، كتاب صلاة التراويح، ح : ١٨٨١..
٩ - خرجه مسلم في صحيحه : كتاب صلاة المسافرين وقصرها، ح: ١٢٧٢. وأبو داود في سننه، كتاب : الصلاة. ح: ١١٧٠. والترمذي في سننه، كتاب الصوم : ح: ٧٢٣..
١٠ - سورة المؤمنون : ١٢..
١١ - سورة عبس : ٢٩..
١٢ - خرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة : ح: ١١٧٣. والبخاري في صحيحه كتاب صلاة التراويح، ح: ١٨٨١. وأحمد في مسند بني هاشم، ح: ٣٢٢٧..
١٣ - خرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة: ح: ١١٧٣..
١٤ - سورة القدر : ١..
١٥ - سورة البقرة : ١٨٥..