تفسير سورة التكاثر

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة التكاثر من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ

﴿ ألهاكم التكاثر... ﴾ الخطابات في آيات هذه السورة عامة ؛ تشمل الكفار وغيرهم. أي شغلكم التباهي والتفاخر بكثرة الأموال والأولاد والعشيرة، والتهالك على الدنيا عن القيام بما فرض عليكم من الأعمال التي بها سعادتكم في الآخرة ؛ حتى أتاكم الموت، ودفنتم في القبور، وأنتم على ذلك ! ! واللهو : ما يشغلك عما يعني ويهم. والمقابر : جمع مقبرة، بفتح الباء وضمها.
﴿ كلا سوف تعلمون... ﴾ " كلا " في المواضع الثلاثة كلمة ردع وزجر عن التشاغل بالدنيا عن الآخرة، وكررت لتأكيده. أي كلا سوف تعرفون سوء عاقبة ما أنتم عليه في الدنيا ! ثم كلا سوف تعرفونه ! ثم كلا ! وفيه شدة تهديد ووعيد.
﴿ لو تعلمون عليم اليقين ﴾ جواب " لو " محذوف، أي لو تعملون اليوم سوء عاقبة أمركم في الآخرة، كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور، لشغلكم ذلك عما أنتم عليه من التكاثر والتهالك على الدنيا. وعلم القين : هو العلم الجازم المطابق للواقع الذي لا شك فيه ؛ وإضافة " علم " من إضافة العام إلى الخاص.
﴿ لترون الجحيم ﴾ جواب قسم مقدر لتأكيد الوعيد والتهديد، وبيان أن المهدد به رؤية الجحيم في الآخرة. التفسير بعد الإبهام يدل على التهويل والتعظيم ؛ كأنه قيل : وما عاقبة الأمر ؟ فقيل : إنها والله رؤية الجحيم عيانا. والمراد العذاب بها.
﴿ ثم لترونها عين اليقين ﴾ ثم لترون الجحيم رؤية هي ذات اليقين ونفسه ؛ وهو تأكيد لما قبله، والعين بمعنى النفس والذات.
تقول : جاء زيد عينه ؛ أي نفسه وذاته. وقيل : رؤية الجحيم في الآية الأولى بالبصر إذا وردوها، وفي الثانية بالذوق إذا دخلوها.
﴿ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ﴾ ثم لتسألن يوم القيامة في موقف الحساب عما تقلبتم فيه من النعم الوافرة في الدنيا التي تتباهون بها وتتفاخرون، هل أديتم حق الله فيها، وقمتم بواجب شكره على الإنعام بها، واستعملتموها فيما أعدت له ؟ فإن كنتم من المقصرين في ذلك، أو الجاحدين له جوزيتم جزاء وفاقا. وما ذكر في تفسير النعيم إنما هو من باب التمثيل. والأولى عمومه.
والله أعلم.
Icon