تفسير سورة الممتحنة

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الممتحنة وهي مدنية كلها.

قَوْله: ﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء﴾ يَعْنِي فِي الدّين ﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة﴾ أَي: تلقونَ إِلَيْهِم المودّة ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يخرجُون الرَّسُول وَإِيَّاكُم﴾ أَي: أخرجُوا الرَّسُول وَإِيَّاكُم ﴿أَنْ تؤمنوا بِاللَّه ربكُم﴾ أَي: إِنَّمَا أخرجوكم من مَكَّة؛ لأنكم آمنتم بِاللَّه ربكُم. ثمَّ قَالَ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بالمودة﴾ كَمَا صنع المُنَافِقُونَ ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَله مِنْكُم﴾ أَي: وَمن ينافق مِنْكُم ﴿فَقَدْ ضل سَوَاء السَّبِيل﴾ قصد الطَّرِيق
﴿إِن يثقفوكم﴾ يلقَوْكم ﴿يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُم أَيْديهم﴾ أَي: يُقَاتِلُوكُمْ ﴿وألسنتهم﴾ أَي: ويبسطوا إِلَيْكُم ألسنتهم ﴿بِالسُّوءِ﴾ بالشتم.
﴿يَوْم الْقِيَامَة يفصل بَيْنكُم﴾ بَين الْمُؤمنِينَ وَبَين الْمُشْركين؛ فَيدْخل الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلَ الْكَافِرِينَ النَّارَ ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾ نزل هَذَا فِي أَمر حَاطِب بْن أبي بَلتعة، تَفْسِير الْكَلْبِيّ: أَن حَاطِب بْن أبي بلتعة كتب إِلَى أهل مَكَّة أَن مُحَمَّدًا يَغْزُو، وَإِنِّي لَا أَدْرِي إيَّاكُمْ يُريدُ أَو غَيْركُمْ فَعَلَيْكُم بالحذر.
قَالَ يحيى: بَلغنِي أَنه كتب مَعَ امْرَأَة مولاة لنَبِيّ هَاشم وَجعل لَهَا جُعْلًا، وَجعلت الْكتاب فِي خمارها، فجَاء جِبْرِيل إِلَى رَسُول الله فَأخْبرهُ، فَبعث رَسُول الله فِي طلبَهَا عليا ورجلاً آخر، ففتشاها فَلم يجدا مَعهَا شَيْئا، فَأَرَادَ صَاحبه الرُّجُوع فَأبى عَليّ وسَلَّ عَلَيْهَا السَّيْفَ، وَقَالَ: وَالله مَا كَذَبتُ وَلَا كُذِبْتُ، فَأخذت عَلَيْهِمَا إِن أَعْطتْهُ إيَّاهُمَا أَلا يَرُداها، فأخرجت الْكتاب من خمارها.
قَالَ الْكَلْبِيّ: فَأرْسل رَسُول الله إِلَيْهِ هَل تعرف هَذَا يَا حاطبُ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَمَا حملك عَلَيْهِ؟ قَالَ: أما وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مَا كفرت مُنْذُ آمنتُ، وَلَا أحببْتُهم مُنْذُ فَارَقْتهمْ، وَلم يكن من أَصْحَابك أحدٌ إِلَّا وَله بِمَكَّة من يمْنَع الَّذِي لَهُ غَيْرِي، فأحببتُ أَن أَتَّخِذ عِنْدهم مَوَدَّة، وَقد علمت أَن اللَّه منزلٌ عَلَيْهِم بأسه ونِقْمَته، وَإِن كتابي لن يُغني عَنْهُم شَيْئا، فصدّقه رَسُول الله وعَذَره؛ فَأنْزل اللَّه هَذَا فِيهِ.
تَفْسِير سُورَة الممتحنة من الْآيَة ٤ إِلَى آيَة ٥.
وَقَالَ: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله كفرنا بكم﴾ أَي: بولايتكم فِي الدّين.
﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ﴾ أَن أُدْخِلَك فِي الْإِيمَان، وَلَا أَن أَغفر لَك. يَقُول: قد كَانَت لكم فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه أُسْوَة حَسَنَة إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ: لأَسْتَغْفِرَن لَك، فَلَا تستغفروا للْمُشْرِكين.
﴿رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة﴾ بلية ﴿للَّذين كفرُوا﴾ الْآيَة؛ أَي: لَا تظهر علينا الْمُشْركين، فيقولوا: لَو كَانَ هَؤُلَاءِ على دين مَا ظهرنا عَلَيْهِم، فيفتنوا بِنَا.
تَفْسِير سُورَة الممتحنة من الْآيَة ٦ إِلَى آيَة ٩.
قَوْله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَة حَسَنَة﴾ الْآيَة رَجَعَ إِلَى قَوْله: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيم﴾ فَأمر اللَّه نبيّه وَالْمُؤمنِينَ بِالْبَرَاءَةِ من قَومهمْ مَا داموا كفَّارًا؛ كَمَا برِئ إِبْرَاهِيم وَمن مَعَه من قَومهمْ؛ فَقطع الْمُؤْمِنُونَ ولايتهم من أهل مَكَّة، وأظهروا لَهُم الْعَدَاوَة قَالَ: ﴿وَمن يتول﴾ عَن الْإِيمَان ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيّ﴾ عَن خلقه ﴿الحميد﴾ اسْتوْجبَ عَلَيْهِم أَن يحمدوه
﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً﴾ فَلَمَّا أسلم أهل مَكَّة، خالطهم أَصْحَاب رَسُول الله وناكحوهم، وتزوّج رَسُول الله أمّ حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان، وَهِي المودّة الَّتِي ذكر اللَّه.
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تبروهم﴾ بالصلة ﴿وتقسطوا إِلَيْهِم﴾ أَي: تعدلوا إِلَيْهِم فِي أَمْوَالكُم ﴿إِن الله يحب المقسطين﴾ العادلين.
قَالَ مُحَمَّد: قيل: إِن معنى (تقسطوا إِلَيْهِم) (ل ٣٦٠): تعدلوا فِيمَا بَيْنكُم وَبينهمْ من الْوَفَاء بالعهد.
قَالَ يحيى: وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بِقِتَال الْمُشْركين كَافَّة، كَانَ الْمُسلمُونَ قبل أَن يُؤمر بقتالهم استشاروا النَّبِي فِي قرابتهم من الْمُشْركين أَن يصلوهم ويبروهم، فَأنْزل اللَّه هَذِه الْآيَة فِي تَفْسِير الْحسن.
﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّين﴾ يَعْنِي: كفَّار أهل مَكَّة. ﴿وَأَخْرَجُوكُمْ من دِيَاركُمْ﴾ يَعْنِي: من مَكَّة ﴿وظاهروا﴾ أعانوا ﴿عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ﴾.
تَفْسِير سُورَة الممتحنة الْآيَة ١٠.
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مهاجرات فامتحنوهن﴾ وَهَذِه فِي نسَاء أهل الْعَهْد من الْمُشْركين، وَكَانَت محنتهن فِي تَفْسِير قَتَادَة أَن يُسْتَحْلفْن بِاللَّه مَا أخرجهُنّ النشوزُ، وَمَا أخرجهنّ إِلَّا حُبُّ الْإِسْلَام والحرص عَلَيْهِ.
﴿الله أعلم بإيمانهن﴾ أصدقن أم كذبن ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات﴾ إِذا أقررن بِالْإِسْلَامِ، وحلفن بِاللَّه مَا أخرجهُنّ النشوزُ، وَمَا أخرجهنّ إِلَّا حُبُّ الْإِسْلَام والحرص عَلَيْهِ ﴿فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ﴾ مهورهن ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ يَعْنِي: كوافر الْعَرَب إِذا أبَيْن أَن يُسْلِمْنَ أَن يُخلَّى سبيلُهنّ ﴿وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنكُم﴾ وَهَذَا حكمٌ حكمه اللَّه بَين أهل الْهدى وَأهل الضَّلَالَة، فِي تَفْسِير قَتَادَة.
قَالَ قَتَادَة: كن إِذا فررْن إِلَى أَصْحَاب رَسُول الله وأزواجهن من أهلِ الْعَهْد فتزوّجُوهُن، بعثوا بمهورهنّ إِلَى أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين، وَإِذا فررْن من أَصْحَاب رَسُول الله إِلَى الْكفَّار الَّذين بَينهم وَبَين رَسُول الله عهدٌ فتزوجوهنّ، بعثوا بمهورهن إِلَى أَزوَاجهنَّ من الْمُسلمين، فَكَانَ هَذَا بَين أَصْحَاب رَسُول الله وَبَين أهل الْعَهْد من الْمُشْركين، ثمَّ نسخ هَذَا الحكم وَهَذَا الْعَهْد فِي بَرَاءَة فنبذ إِلَى كل ذِي عهدٍ عَهده، وَقد مضى تَفْسِيره.
379
تَفْسِير سُورَة الممتحنة من الْآيَة ١١ إِلَى الْآيَة ١٣.
380
﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ الَّذين لَيْسَ بَيْنكُم وَبينهمْ عهدٌ ﴿فعاقبتم﴾ أَي: فغنمتم.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: كَانَت العقبى لكم فغنمتم.
﴿فَآتُوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم﴾ يَعْنِي: من أَصْحَاب النَّبِي ﴿مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ﴾ فَكَانُوا إِذا غنموا غنيمَة أعْطوا زَوجهَا صَدَاقهَا الَّذِي كَانَ سَاق إِلَيْهَا من جَمِيع الْغَنِيمَة، ثمَّ تُقْسَم الْغَنِيمَة بعد، ثمَّ نسخ ذَلِك مَعَ الْعَهْد وَالْحكم بقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ﴾.
قَوْله: ﴿وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ﴾ يَعْنِي: أَن تلْحق إِحْدَاهُنَّ بزوجها ولدا لَيْسَ لَهُ ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوف﴾ قَالَ الْحسن: نهاهُنّ عَن النِّياحة، وَأَن يحادثن الرِّجَال.
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ أقرُّوا فِي الْعَلَانِيَة، يَعْنِي: المنافين (لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا
380
غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: الْيَهُود ﴿قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ﴾ أَي: من نعيم الْآخِرَة، يَعْنِي: الْيَهُود زَعَمُوا أَن لَا أكل فِيهَا وَلَا شُرْب، قد يئسوا من ذَلِك؛ كَمَا يئس من مَاتَ من الْكفَّار من الْجنَّة حِين عاينوا النَّار.
381
تَفْسِير سُورَة الصَّفّ وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا
تَفْسِير سُورَة الصَّفّ الْآيَات من الْآيَة ١ إِلَى الْآيَة ٤.
382
Icon