تفسير سورة الليل

إعراب القرآن و بيانه
تفسير سورة سورة الليل من كتاب إعراب القرآن وبيانه المعروف بـإعراب القرآن و بيانه .
لمؤلفه محيي الدين الدرويش . المتوفي سنة 1403 هـ

(٩٢) سورة اللّيل مكيّة وآياتها احدى وعشرون
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ١ الى ٢١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤)
لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩)
إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١)
الإعراب:
(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى إِنَّ
501
سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)
الواو حرف قسم وجر والليل مجرور بواو القسم والجار والمجرور متعلقان بمحذوف تقديره أقسم وإذا ظرف لمجرد الظرفية المجردة عن الشرط وهو متعلق بفعل القسم وقد تقدم البحث فيه، وجملة يغشى في محل جر بإضافة الظرف إليها، والنهار إذا تجلى عطف على الجملة السابقة، وما خلق: ما مصدرية أو موصولة عطف على ما تقدم، وإن سعيكم لشتى جواب القسم أقسم سبحانه على أن أعمال عباده شتى جمع شتيت وقيل للمختلف المتباين شتى لتباعد ما بين بعضه وبعضه والشتات الافتراق وفي المصباح «شت شتا من باب ضرب إذا تفرق والاسم الشتات وشيء شتيت وزان كريم متفرق وقوم شتى فعلى متفرقون وجاءوا أشتاتا كذلك وشتان ما بينهما أي بعد» وإن واسمها واللام المزحلقة وشتى خبر إن (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) الفاء استئنافية وأما حرف شرط وتفصيل ومن اسم موصول مبتدأ وجملة أعطى صلة واتقى عطف على أعطى وصدّق بالحسنى عطف أيضا، فسنيسّره الفاء رابطة لجواب الشرط والسين للتسويف ونيسره فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به ولليسرى متعلقان بنيسّره (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) عطف على ما تقدم مماثل له في إعرابه (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) الواو عاطفة وما نافية ويجوز أن تكون استفهامية في معنى الإنكار في محل نصب مفعول مطلق ليغني أي أيّ إغناء يغني، وبعضهم يعربها مفعولا مقدّما ويقدّر أي شيء يغني، ويغني فعل مضارع مرفوع وعنه متعلقان بيغني وماله فاعل وإذا ظرف لمجرد الظرفية متعلق بيغني وجملة تردى في محل جر بإضافة الظرف إليها، ولابن خالويه في تردى بحث لطيف قال: «تردّى فعل ماض والمصدر تردّى يتردّى تردّيا فهو متردّ ومنه قوله تعالى والمتردية والنطيحة، يقال: تردّى في بئر وفي أهوية وفي هلكة، إذا وقع فيها ويقال: ردي زيد يردى ردى إذا هلك وأرداه الله
502
يرديه إرداء ويقال ردى الفرس يردي رديانا، قال الأصمعي: سألت منتجع بن بنهان عن رديان الفرس فقال: هو عدوه بن آريّه ومتمعّكه الآري الآخيّة أي المعلف والمتمعّك الموضع الذي يتمرغ فيه والآري وزنه فاعول سمى بذلك لحبسه الدابة، يقال: تأريت بالمكان إذا لزمته وتحبست به» وقال المبرد: «قيل فيه قولان: أحدهما إذا تردى في النار والآخر إذا مات وهل تفعّل من الردى» (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) كلام مستأنف مسوق لإخبارهم بأن عليه سبحانه بمقتضى حكمته بيان الهدى من الضلال. وإن حرف مشبّه بالفعل وعلينا خبرها المقدّم واللام للتأكيد والهدى اسم إن المؤخر (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) الواو عاطفة وما بعدها عطف على ما تقدم مماثل له في الإعراب (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) الفاء عاطفة على مقدّر أي فمن طلب الدنيا والآخرة من غير مالكهما الحقيقي وهو الله فقد أخطأ الطريق وضلّ سواء السبيل، وأنذرتكم فعل ماض وفاعل ومفعول به ونارا مفعول به ثان وجملة تلظى نعت لنارا وتلظى فعل مضارع والأصل تتلظى، وعبارة ابن خالويه جيدة وهي: «تلظى فعل مضارع والأصل تتلظى وقد قرأ ابن مسعود بذلك وقرأ ابن كثير:
نارا تّلظى بإدغام التاء يريد نارا تتلظى ولو كان تلظى فعلا ماضيا لقيل تلظت لأن النار مؤنثة والمصدر تلظّت تتلظى تلظّيا فهي متلظية ويقال في أسماء جهنم سقر وجهنم والجحيم ولظى نعوذ بالله منها وهذه الأسماء معارف لا تنصرف للتأنيث والمعرفة»
(لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) لا نافية ويصلاها فعل مضارع مرفوع والهاء مفعول به وإلا أداة حصر والأشقى فاعل يصلاها (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) الذي نعت للأشقى وجملة كذب لا محل لها لأنها صلة وتولى عطف على كذب داخل في حيز الصلة (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) الواو عاطفة والسين حرف استقبال جيء به للتأكيد ويجنبها فعل مضارع مرفوع ومفعول به والأتقى فاعل والذي نعت وجملة يؤتي صلة وماله مفعول به ويتزكى فعل مضارع
503
وفاعله مستتر والجملة إما بدل من يؤتي فتكون لا محل لها لأنها داخلة في حيز صلة الذي وإما حال من فاعل يؤتي أي متزكيا به عند الله (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) الواو حرف عطف وما نافية ولأحد الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم وعنده ظرف متعلق بمحذوف حال ومن حرف جر زائد ونعمة مجرور بمن لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ وإلا أداة استثناء بمعنى لكن وابتغاء مستثنى من غير الجنس لأنه منقطع لأن ابتغاء وجه ربه ليس من جنس النعمة أي ما لأحد عنده نعمة إلا ابتغاء وجه ربه والأحسن أن يعرب ابتغاء مفعولا لأجله لأن المعنى لا يؤتي ماله إلا لابتغاء وجه ربه لا لمكافأة نعمة وقرىء ابتغاء بالرفع على لغة من يقول ما في الدار أحد إلا حمار فتكون بدلا من محل من نعمة، قال:
وبلدة ليس بها أنيس... إلا اليعافير وإلا العيس
وقال بشر بن أبي حازم:
أضحت خلاء قفارا لا أنيس بها... إلا الجآذر والظلمان تختلف
وسيأتي تفصيل هذه القاعدة في باب الفوائد (وَلَسَوْفَ يَرْضى) الواو عاطفة واللام جواب قسم مضمر أي والله لسوف يرضى، وسوف حرف تسويف ويرضى فعل مضارع وفاعله هو يعود على أبي بكر الذي نزلت فيه الآية لما اشترى بلالا المعذب على إيمانه من سيده أمية بن خلف وأعتقه فقال الكفار إنما فعل ذلك ليد كانت له عنده.
الفوائد:
إذا كان الاستثناء منقطعا وهو ما لا يكون المستثنى بعض المستثنى منه بشرط أن يكون ما قبل «إلا» دالّا على ما يستثنى فإن لم
504
يمكن تسليط العامل على المستثنى وجب النصب في المستثنى اتفاقا نحو ما زاد هذا المال إلا ما نقص، فما مصدرية ونقص صلتها وموضعهما نصب على الاستثناء، ولا يجوز رفعه على الإبدال من الفاعل لأنه لا يصحّ تسليط العامل عليه إذ لا يقال زاد النقص، ومثله ما نفع زيد إلا ما ضرّ إذ لا يقال ما نفع الضرّ وإن أمكن تسليطه على المستثنى نحو ما قام القوم إلا حمارا إذ يصحّ أن يقال قام حمار فالحجازيون يوجبون النصب لأنه لا يصحّ فيه الإبدال حقيقة من جهة أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه وعليه قراءة السبعة: ما لهم به من علم إلا اتباع الظن، وتميم ترجحه وتجيز الاتباع ويقرءون إلا اتباع الظن بالرفع على أنه بدل من العلم باعتبار الموضع ومنه قول جران العود عامر بن الحارث:
وبلدة ليس بها أنيس... إلا اليعافير وإلا العيس
فأبدل اليعافير والعيس من الأنيس، وإلا الثانية مؤكدة للأولى واليعافير جمع يعفور وهو ولد البقرة الوحشية والعيس بكسر العين جمع عيساء كالبيض جمع بيضاء وهي الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، وذكر سيبويه في توجيه الرفع وجهين: أحدهما أنهم حملوا ذلك على المعنى لأن المقصود هو المستثنى فالقائل ما في الدار أحد إلا حمار المعنى فيه ما في الدار إلا حمار وصار ذكر أحد توكيد ليعلم أنه ليس ثم آدمي ثم أبدل من أحد ما كان مقصوده من ذكر الحمار، الوجه الثاني أنه جعل الحمار إنسان الدار أي الذي يقوم مقامه في الإنس.
وقال ابن يعيش: «ومن الاستثناء المنقطع قوله تعالى: وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى وبنو تميم يقرءونها بالرفع ويجعلون ابتغاء وجهه سبحانه نعمة لهم عنده».
505
Icon