تفسير سورة يونس

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة يونس من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة يونس كلها مكية، غير آيتين، وهما قوله تعالى :﴿ فإن كنت في شك... ﴾ إلى قوله :﴿... فتكون من الخاسرين ﴾ [ آية : ٩٤، ٩٥ ] فإنهما مدنيتان، وجملتها مائة وتسع آيات في عدد الكوفي.

﴿ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ [آية: ١]، يعني المحكم، يقال: الألف واللام والراء، فهن آيات الكتاب، يعني القرآن الحكيم، يعني المحكم من الباطل، ولا كذب فيه، ولا اختلاف.﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً ﴾، يعني بالناس كفار أهل مكة عجباً.
﴿ أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ ﴾، يعني بالرجل محمداً صلى الله عليه وسلم يعرفونه ولا ينكرونه.
﴿ أَنْ أَنذِرِ ﴾، يعني حذر ﴿ ٱلنَّاسَ ﴾ عقوبة الله عز وجل ونقمته إذا عصوه.
﴿ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾، يعني صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما في القرآن من الثواب.
﴿ أَنَّ لَهُمْ ﴾ بأعمالهم التي قدموها بين أيديهم.
﴿ قَدَمَ صِدْقٍ ﴾، يعني سلف خير ﴿ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾، يعني ثواب صدق يقدمون عليه، وهو الجنة.
﴿ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ من أهل مكة، يعني أبا جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأهل مكة.
﴿ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ ﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ ﴾، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.
﴿ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٢]، يعني بين قوله.
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ يوم الأحد ويوم الاثنين.
﴿ وَ ﴾ خلق ﴿ وَٱلأَرْضَ ﴾ يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وما بينهما يوم الخميس ويوم الجمعة.
﴿ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾، فيها تقديم.
﴿ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾، ثم خلق السموات والأرض.
﴿ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ ﴾، يقضي القضاء وحده لا يدبره غيره.
﴿ مَا مِن شَفِيعٍ ﴾ من الملائكة لبني آدم.
﴿ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾، يعني لا يشفع أحد إلا بإذنه، ولايشفع إلا لأهل التوحيد، فذلك قوله:﴿ إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ... ﴾[النجم: ٢٦]، فرضي الله للملائكة أن يشفعوا للموحدين، ثم قال: ﴿ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ ﴾، يعني هكذا ﴿ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ ﴾، يعني فوحدوه ولا تشركوا به شيئاً.
﴿ أَفَلاَ ﴾ يعني فهلا ﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٣] في ربوبيته ووحدانيته. ثم قال: ﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ﴾ بعد الموت.
﴿ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾، ولم يك شيئاً كذلك يعيده من بعد الوت.
﴿ لِيَجْزِيَ ﴾، يعني لكي يثيب في البعث.
﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾، يعني وأقاموا الفرائض ﴿ بِٱلْقِسْطِ ﴾، يعني بالحق وبالعدل وثوابهم الجنة.
﴿ وَ ﴾ يجزى ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بتوحيد الله.
﴿ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ ﴾، وذلك الشراب قد أوقد عليه مذ يوم خلقها الله عز وجل إلى يوم يدخلها أهلها، فقد انتهى حرها.
﴿ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، يعني وجيع، نظيرها في الواقعة:﴿ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ ﴾[الواقعة: ٩٣].
﴿ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ٤] بتوحيد الله عز وجل.
﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً ﴾ بالنهار لأهل الأرض، يستضيئون بها.
﴿ وَٱلْقَمَرَ نُوراً ﴾ بالليل.
﴿ وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ﴾، يزيد وينقص، يعني الشمس سراجاً والقمر نوراً.
﴿ لِتَعْلَمُواْ ﴾ بالليل والنهار.
﴿ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ ﴾، وقدره منازل لتعلموا بذلك عدد السنين، والحساب، ورمضان، والحج، والطلاق، وما يريدون بين العباد.
﴿ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ ﴾، يعني الشمس والقمر.
﴿ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ﴾، لم يخلقهما عبثاً، خلقهما لأمر هو كائن.
﴿ يُفَصِّلُ ﴾ يبين ﴿ ٱلآيَاتِ ﴾، يعني العلامات.
﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥] بتوحيد الله عز وجل أن الله واحد لما يرون من صنعه. ثم قال: ﴿ إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ ﴾ عليكم ﴿ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٦] عقوبة الله عز وجل. قوله: ﴿ إَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ﴾، يعني لا يخشون لقاءنا، يعني البعث والحساب.
﴿ وَرَضُواْ بِٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا ﴾، فعملوا لها.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا ﴾، يعني ما أخبر في أول هذه السورة.
﴿ غَافِلُونَ ﴾ [آية: ٧]، يعني ما ذكر من صنيعه في هؤلاء الآيات لمعرضون، فلا يؤمنون. ثم أخبر بما أعد لهم في الآخرة، فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ ﴾، يعني مصيرهم النار.
﴿ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٨] من الكفر والتكذيب. ثم أخبر بما أعد للمؤمنين، فقال: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، يعني صدقوا بالله.
﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾، وأقاموا فرائض الله.
﴿ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾، يعني بتصديقهم وتوحيدهم كما صدقوا ووحدوا، كذلك يهديهم ربهم إلى الفرائض، ويثيبهم الجنة.
﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ ﴾، يعني تحت قصورهم نور في نور، قصور الدر والياقوت، وأنها تجري من غرفهم.
﴿ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [آية: ٩]، لا يكلفون فيها عملاً أبداً، ولا يصيبهم فيها مشقة أبداً.﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ ﴾، فهذا علم بين أهل الجنة وبين الخدم إذا أرادوا الطعام والشراب دعواهم أن يقولوا في الجنة: ﴿ سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ ﴾، فإذا الموائد قد جاءت، فوضعت ميلاً في ميل، قوائمها اللؤلؤ، ودخل عليهم الخدم من أربعة آلاف باب معهم صحاف الذهب سبعون ألف صحفة، في كل صحفة لون من الطعام ليس في صاحبتها مثله، كلما شبع ألقى الله عليه ألف باب من الشهوة، كلما شبع أتى بشربة تهضم ما قبلها بمقدار أربعين عاماً، ويؤتون بألوان الثمار، وتجيء الطير أمثال البخت، مناقيرها لون، وأجنحتها لون، ظهورها لون، وبطونها لون، وقوائمها لون، تتلألأ نوراً، حتى تقف بين يديه في بيت طوله فرسخ في فرسخ، في غرفة فيها سرر موضونة، والوضن مشبك وسطه بقضبان الياقوت والزمرد الرطب، ألين من الحرير، قوائمها اللؤلؤ، حافتاه ذهب وفضة، عليه من الفرش مقدار سبعين غرفة في دار الدنيا، لو أن رجلاً وقع من تلك الغرفة لم يبلغ قرار الأرض سبعين عاماً. فيأكلون ويشربون، وتقوم الطير وتصطف بين يديه، وتقول: يا ولي الله، رعيت في روضة كذا وكذا، وشربت من عين كذا وكذا، فأيتهن أعجبه وصفها وقعت على مائدته نصفها قديد سبعون ألف لون من الطير الواحد، والنصف شواء، فيأكل منها ما أحب، ثم يطير فينطلق إلى الجنة؛ لأنه ليس في الجنة من يموت.
﴿ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ﴾، وذلك أن يأتيه ملك من عند رب العزة، فلا يصل إليه حتى يستأذن له حاجب فيقوم بين يديه، فيقول: يا ولي الله، ربك يقرأ عليك السلام، وذلك قوله تعالى: ﴿ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ﴾، من عند الرب تعالى، فإذا فرغوا من الطعام والشراب، قالوا: الحمد لله رب العالمين، وذلك قوله عز وجل: ﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ ﴾، يعني قولهم حين فرغوا من الطعام والشراب ﴿ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٠].
﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ ﴾، وذلك حين قال النضر بن الحارث:﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[الأنفال: ٣٢] فيصيبنا، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ ﴾، إذا أرادوه فأصابوه، يقول الله: ولو استجيب لهم في الشر، كما يحبون أن يستجاب لهم في الخير.
﴿ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ﴾ في الدنيا بالهلاك إذاً.
﴿ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ﴾، فنذرهم لا يخرجون أبداً، فذلك قوله: ﴿ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [آية: ١١]، يعني في ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها إلا أن يخرجهم الله عز وجل. وأيضاً ولو يعجل الله للناس، يقول: ابن آدم يدعو لنفسه بالخير، ويحب أن يعجل الله ذلك، ويدعو على نفسه بالشر، يقول: اللهم إن كنت صادقاً فافعل كذا وكذا، فلو يجعل الله ذلك لقضى إليهم أجلهم، يعني العذاب ﴿ فَنَذَرُ ﴾، يعني فنترك.
﴿ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ﴾، يعني لا يخشون لقاءنا.
﴿ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾، يعني في ضلالتهم يترددون لا يخرجون منها.﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ ﴾، يعني المرض بلاء أو شدة، نزلت في أبي حذيفة، اسمه هاشم بن المغيرة بن عبد الله المخزومي.
﴿ دَعَانَا لِجَنبِهِ ﴾، يعني لمضجعه في مرضه.
﴿ أَوْ ﴾ دعانا ﴿ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً ﴾، كل ذلك لما كان.
﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ ﴾، وعوفي من مرضه.
﴿ مَرّ ﴾، يعني استمر، أي أعرض عن الدعاء.
﴿ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾، ولا يزال يدعونا ما احتاج إلى ربه، فإذا أعطى حاجته أمسك عن الدعاء، قال الله تعالى عند ذلك: استغنى عبدى.
﴿ كَذٰلِكَ ﴾، يعني هكذا ﴿ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ﴾، يعني المشركين.
﴿ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٢] من أعمالهم السيئة، يعني الدعاء في الشدة.﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ﴾ بالعذاب في الدنيا.
﴿ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ يا أهل مكة.
﴿ لَمَّا ظَلَمُواْ ﴾، يعني حين أشركوا، يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لكي لا يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾، يقول: أخبرتهم رسلهم بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا، ثم قال: ﴿ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ﴾، يقول: ما كان كفار مكة ليصدقوا بنزول العذاب بهم في الدنيا.
﴿ كَذٰلِكَ ﴾، يعني هكذا ﴿ نَجْزِي ﴾ بالعذاب ﴿ ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ١٣]، يعني مشركي الأمم الخالية. ثم قال لهذه الأمة: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ ﴾ يا أمة محمد.
﴿ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٤].
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾، يعني القرآن.
﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ﴾، يعني لا يحسبون لقاءنا، يعني البعث.
﴿ ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ ﴾ ليس فيه قتال.
﴿ أَوْ بَدِّلْهُ ﴾، فأنزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد: ﴿ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ١٥].
وذلك أن الوليد بن المغيرة وأصحابه أربعين رجلاً أحدقوا بالنبى صلى الله عليه وسلم ليلة حتى أصبح، فقالوا: يا محمد، اعبد اللات والعزى، ولا ترغب عن دين آبائك، فإن كنت فقيراً جمعنا لكم من أموالنا، وإن كنت خشيت أن تلومك العرب، فقل: إن الله أمرني بذلك، فأنزل الله عز وجل: ﴿ قُل ﴾ يا محمد:﴿ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ... ﴾، إلى قوله:﴿ ... بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ ﴾، يعني فوحد،﴿ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ ﴾[الزمر: ٦٤ - ٦٦]، على الرسالة والنبوة. وأنزل الله عز وجل:﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ ﴾، يعني محمد، فزعم أني أمرته بعبادة اللات والعزى،﴿ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ ﴾، يعني بالحق،﴿ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ ﴾[الحاقة: ٤٤ - ٤٦]، وهو الحبل المعلق به القلب، وأنزل الله تعالى:﴿ قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾[الأنعام: ١٥].
ثم قال لكفار مكة.
﴿ قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ ﴾، يعني ما قرأ هذا القرآن ﴿ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ ﴾، يقول: ولا أشعركم بهذا القرآن ﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً ﴾ طويلاً أربعين سنة.
﴿ مِّن قَبْلِهِ ﴾، من قبل هذا القرآن، فهل سمعتموني أقرأ شيئاً عليكم؟ ﴿ أَفَلاَ ﴾، يعني فهلا ﴿ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ١٦] أنه ليس متقول مني، ولكنه وحي من الله إليَّ.﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ ﴾، يعني فمن أشد ظلماً لنفسه.
﴿ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾، فزعم أن مع الله آلهة أخرى.
﴿ أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ﴾، يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وبدينه.
﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [آية: ٧]، يعني إنه لا ينجي الكافرون من عذاب الله عز وجل.﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ ﴾ إن تركوا عبادتهم.
﴿ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ إن عبدوها، وذلك أن أهل الطائف عبدوا اللات، وعبد أهل مكة العزى، ومناة، وهبل، وأساف، ونائلة، لقبائل قريش، وود لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل، ويغوث لبني غطيف من مراد بالجرف من سبأ، ويعوق لهمذان ببلخع، ونسر لذي الكلاع من حمير، قالوا: نعبدها لتشفع لنا يوم القيامة، فذلك قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ١٨].
﴿ وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ ﴾ في زمان آدم، عليه السلام.
﴿ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾، يعني ملة واحدة مؤمنين لا يعرفون الأصنام والأوثان، ثم اتخذوها بعد ذلك، فذلك قوله: ﴿ فَٱخْتَلَفُواْ ﴾ بعد الإيمان.
﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾ قبل الغضب، لأخذناهم عند كل ذنب، فذلك قوله: ﴿ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [آية: ١٩]، يعني في اختلافهم بعد الإيمان.﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ ﴾، يعني هلا ﴿ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ مما سألوا، يعني في بني إسرائيل،﴿ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً ﴾[الإسراء: ٩٠]، يعني لن نصدقك حتى تخرج لنا نهراً، فقد أعيينا من ميح الدلاء من زمزم، ومن رءوس الجبال، وإن أبيت هذا فلتكن لك خاصة،﴿ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ... ﴾[الإسراء: ٩١، إلى قوله:﴿ ... كِسَفاً ﴾[الإسراء: ٩٢]، حين قال:﴿ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾[سبأ: ٩]، يعني قطعاً،﴿ أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ ﴾عياناً فننظر إليه،﴿ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ ﴾، يعني من ذهب،﴿ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾، يعني أو تضع سلماً فتصعد إلى السماء،﴿ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ ﴾[الإسراء: ٩٢ - ٩٣]، يقول: ولسنا نصدقك، حتى تأتي بأربعة أملاك، يشهدون أن هذا الكتاب من رب العزة، وهذا قول عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة. فأنزل الله في قوله: ﴿ أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ ﴾ عياناً فننظر إليه:﴿ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ﴾[البقرة: ١٠٨]، إذ قالوا:﴿ أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً ﴾[النساء: ١٥٣]، وأنزل الله فيها:﴿ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً ﴾[المدثر: ٥٢]، لقوله: ﴿ كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ ﴾، وأنزل الله:﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ ﴾[الإسراء: ٥٩]؛ لأنى إذا أرسلت إلى قوم آية، ثم كذبوا، لم أناظرهم بالعذاب، وإن شئت يا محمد أعطيت قومك ما سألوا، ثم لم أناظرهم بالعذاب، قال: يا رب لا، رقة لقومه لعلهم يتقون. ثم قال: ﴿ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ ﴾، وهو قوله:﴿ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ ﴾[هود: ٣٣].
﴿ فَٱنْتَظِرُوۤاْ ﴾ بى الموت.
﴿ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ ﴾ [آية: ٢٠] بكم العذاب القتل ببدر.﴿ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ ﴾، يعني آتينا الناس، يعني كفار مكة.
﴿ رَحْمَةً ﴾، يعني المطر.
﴿ مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ ﴾، يعني القحط وذهاب الثمار.
﴿ مَسَّتْهُمْ ﴾، يعني المجاعة سبع سنين.
﴿ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا ﴾، يعني تكذيباً، يقول: إذ لهم قول في التكذيب بالقرآن تكذيباً واستهزاء.
﴿ قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً ﴾، يعني الله أشد إخزاء.
﴿ إِنَّ رُسُلَنَا ﴾ من الحفظة ﴿ يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ﴾ [آية: ٢١]، يعني ما تعلمون.﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ ﴾ على ظهور الدواب والإبل، ويهديكم لمسالك الطرق والسبل.
﴿ وَ ﴾ يحملكم في ﴿ وَٱلْبَحْرِ ﴾ في السفن في الماء، ويدلكم فيه بالنجوم.
﴿ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ﴾، يعني في السفن.
﴿ وَجَرَيْنَ بِهِم ﴾، يعني بأهلها.
﴿ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ﴾، يعني غير عاصف، ولا قاصف، ولا بطيئة.
﴿ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا ﴾، يعني السفينة.
﴿ رِيحٌ عَاصِفٌ ﴾ قاصف، يعني غير لين، يعني ريحاً شديدة.
﴿ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ ﴾، يعني من بين أيديهم، ومن خلفهم، ومن فوقهم.
﴿ وَظَنُّوۤاْ ﴾، يعني وأيقنوا ﴿ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾، يعني أنهم مهلكون، يعني مغرقون.
﴿ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ﴾، وضلت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله، فذلك قوله:﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾[الإسراء: ٦٧].
﴿ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ ﴾ المرة ﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ ﴾ [آية: ٢٢]، لا ندعو معك غيرك.﴿ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يعني يعبدون مع الله غيره.
﴿ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ﴾، إذ عبدوا مع الله غيره.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ﴾ ضرره في الآخرة.
﴿ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، تمتعون فيها قليلاً إلى منتهى آجالكم.
﴿ ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ ﴾ في الآخرة.
﴿ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٢٣].
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ ﴾، يقول: مثل الدنيا كمثل النبت بينا هو أخضر، إذا هو قد يبس، فكذلك الدنيا إذا جاءت الآخرة، يقول: أنزل الماء من السماء، فأنبت به ألوان الثمار لبني آدم، وألوان النبات للبهائم.
﴿ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا ﴾، يعني حسنها وزينتها.
﴿ وَٱزَّيَّنَتْ ﴾ بالنبات وحسنت.
﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَآ ﴾، يعني وأيقن أهلها ﴿ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ ﴾ في أنفسهم.
﴿ أَتَاهَآ أَمْرُنَا ﴾، يعني عذابنا ﴿ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً ﴾، يعني ذاهباً.
﴿ كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ ﴾، يعني تنعم بالأمس.
﴿ كَذٰلِكَ ﴾، يعني هكذا تجيء الآخرة، فتذهب الدنيا ونعيمها وتنقطع عن أهلها.
﴿ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ ﴾، يعني نبين العلامات ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٢٤] في عجائب الله وربوبيته.﴿ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ ﴾، يعني دار نفسه، وهي الجنة، والله هو السلام.
﴿ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾، يعني من أهل التوحيد.
﴿ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آية: ٢٥]، يعني دين الإسلام.
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ﴾، يعني وحدوا الله.
﴿ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾، يعني الجنة.
﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾، يعني فضل على الجنة النظر إلى وجه الله الكريم.
﴿ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ﴾، يعني ولا يصيب وجوههم قتر، يعني سواد، ويقال: كسوف، ويقال: هو السواد.
﴿ وَلاَ ذِلَّةٌ ﴾، يعني ولا مذلة في أبدانهم عند معاينة النار.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ الذين هم بهذه المنزلة ﴿ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آية: ٢٦] لا يموتون.﴿ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾، يعني عملوا الشرك.
﴿ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ﴾، يعني جزاء الشرك جهنم.
﴿ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾، يعني مذلة في أبدانهم.
﴿ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾، يعني مانع يمنعهم من العذاب.
﴿ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً ﴾، يعني سواد الليل.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آية: ٢٧] لا يموتون. قوله: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ﴾، يعني الكفار وما عبدوا من دون الله.
﴿ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ ﴾، يعني بهم الآلهة.
﴿ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ﴾، يعني فميزنا بين الجزاءين.
﴿ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ ﴾، يعني الآلهة وهم الأصنام: ﴿ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴾ [آية: ٢٨].
﴿ فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا ﴾، يعني لقد كنا.
﴿ عَنْ عِبَادَتِكُمْ ﴾ إياناً ﴿ لَغَافِلِينَ ﴾ [آية: ٢٩]، وقد عبدتمونا وما نشعر بكم. ثم قال: ﴿ هُنَالِكَ ﴾، يعني عند ذلك.
﴿ تَبْلُواْ ﴾، يعني تختبر ﴿ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ ﴾، يعني ما قدمت.
﴿ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ [آية: ٣٠]، يعني يعبدون في الدنيا من الآلهة.
﴿ قُلْ ﴾ لكفار قريش.
﴿ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾، يعني المطر.
﴿ وَ ﴾ من ﴿ وَٱلأَرْضِ ﴾، يعني النبات والثمار.
﴿ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ ﴾، فيسمعها المواعظ.
﴿ وٱلأَبْصَارَ ﴾، فيريها العظمة.
﴿ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ ﴾، يعني النسمة الحية من النطفة.
﴿ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ ﴾، يعني أمر الدنيا، يعني القضاء وحده.
﴿ فَسَيَقُولُونَ ﴾، فسيقول مشركو قريش: ﴿ ٱللَّهُ ﴾ يفعل ذلك، فإذا أقروا بذلك.
﴿ فَقُلْ ﴾ يا محمد: ﴿ أَفَلاَ ﴾، يعني أفهلا ﴿ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٣١] الشرك، يعني فهلا تحذرون العقوبة والنقمة.﴿ فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ ﴾، فماذا بعد عبادة الحق والإيمان إلا الباطل.
﴿ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾ [آية: ٣٢].
﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٣٣]، فأخبر بعلمه السابق فيهم أنهم لا يؤمنون. ثم قال: ﴿ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ ﴾، يعني الآلهة التى عبدوا من دون الله ﴿ مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾، يقول: هل من خالق غير الله يخلق خلقاً من النطفة على غير مثال ولا مشورة، أمن يعيد خلقاً من بعد الموت.
﴿ فَسَيَقُولُونَ ﴾ في﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾﴿ لِلَّهِ ﴾[المؤمنون: ٨٥].
﴿ قُلِ ﴾ أنت يا محمد.
﴿ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾ [آية: ٣٤]، يقول: فمن أين تكذبون بتوحيد الله إذا زعمتم أن مع الله إلهاً آخر.﴿ قُلْ ﴾ للكفار يا محمد: ﴿ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ ﴾، يعني اللات، والعزى، ومناة، آلهتهم التي يعبدون.
﴿ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ ﴾، يقول: هل منهم أحد إلى الحق يهدي، يعني إلى دين الإسلام.
﴿ قُلِ ٱللَّهُ ﴾ يا محمد ﴿ يَهْدِي لِلْحَقِّ ﴾، وهو الإسلام.
﴿ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ ﴾، وهي الأصنام والأوثان.
﴿ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ ﴾، وبيان ذلك في النحل:﴿ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ ﴾[النحل: ٧٦]، ثم عابهم، فقال: ﴿ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [آية: ٣٥]، يقول: ما لكم؟ كيف تقضون الجور؟ ونظيرها في ﴿ نۤ وَٱلْقَلَمِ ﴾، حين زعمتم أن معي شريكاً. يقول: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً ﴾، يعني الآلهة، يقول إن هذه الآلهة تمنعهم من العذاب، يقول الله: ﴿ إَنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي ﴾ عنهم ﴿ مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً ﴾، يعني من العذاب شيئاً.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٣٦].
﴿ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، وذلك لأن الوليد بن المغيرة وأصحابه، قالوا: يا محمد، هذا القرآن هو منك وليس هو من ربك، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ ﴿ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾، يقول: القرآن يصدق التوراة، والزبور، والإنجيل.
﴿ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾، يعني تفصيل الحلال والحرام لا شك فيه.
﴿ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٣٧].
﴿ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ ﴾، يا محمد على الله.
﴿ قُلْ ﴾ إن زعمتم أني افترتيه وتقولته.
﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾ مثل هذا القرآن.
﴿ وَٱدْعُواْ ﴾، يقول: استعينوا عليه ﴿ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، يعني الآلهة.
﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٣٨] أن الآلهة تمنعهم من العذاب. يقول الله ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ ﴾ إذ زعموا أن لا جنة، ولا نار، ولا بعث ﴿ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾، يعني بيانه.
﴿ كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ من الأمم الخالية.
﴿ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٣٩]، يعني المكذبين بالبعث.
﴿ وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ ﴾، يعني لا يصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم ودينه، ثم أخبر الله أنه قد علم من يؤمن به ومن لا يؤمن به من قبل أن يخلقهم، فذلك قوله: ﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ٤٠].
﴿ وَإِن كَذَّبُوكَ ﴾ بالقرآن، وقالوا: إنه من تلقاء نفسك.
﴿ فَقُل ﴾ للمستهزئين من قريش عبد الله بن أبى أمية وأصحابه.
﴿ لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ﴾، يقول: دين الله أنا عليه، ولكم دينكم الذى أنتم عليه.
﴿ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٤١]، يقول: أنتم بريئون من ديني، وأنا برىء من دينكم، يعني من كفركم، مثلها في هود،﴿ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهِ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ ﴾[هود: ٥٤، ٥٥].
﴿ وَمِنْهُمْ ﴾، يعني مشركي قريش.
﴿ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾، يعني يستمعون قولك.
﴿ أَفَأَنتَ ﴾ يا محمد ﴿ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ﴾، يقول: كما لا يسمع الصم، لا يسمع المواعظ من قد سبقت له الشقاوة في علم الله تعالى.
﴿ وَلَوْ ﴾، يعني إذ ﴿ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٤٢] الإيمان.﴿ وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ﴾ يا محمد.
﴿ أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ ﴾، يعني إذ ﴿ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ٤٣] الهدى.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آية: ٤٤]، يقول: نصيبهم ينقصون بأعمالهم إذا حرموا أنفسهم ثواب المؤمنين.
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ﴾ في قبورهم إلى القيامة.
﴿ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ ﴾، يعني يوماً واحداً من أيام الدنيا.
﴿ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾، يعني يعرفون بعضهم بعضاً، وتبيان ذلك في الفصل في﴿ سَأَلَ سَائِلٌ ﴾[المعارج: ١]،﴿ يُبْصَّرُونَّهُمْ ﴾[المعارج: ١١]، يعني يعرفونهم: ﴿ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ ﴾، يعني البعث.
﴿ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾ [آية: ٤٥].
﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ ﴾ يوم بدر.
﴿ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾ قبل يوم بدر.
﴿ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ﴾ في الآخرة، فأنتقم منهم.
﴿ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ ﴾ [آية: ٤٦] من الكفر والتكذيب.
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ ﴾، يعني بالحق، وهو العدل.
﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [آية: ٤٧]، وذلك أن الله بعث الرسل إلى أممهم يدعون إلى عبادة الله وترك عبادة الأصنام والأوثان، فمن أجابهم إلى ذلك أثابه الله الجنة، ومن أبى جعل ثوابه النار. فذلك قوله: ﴿ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾، وذلك عند وقت العذاب ﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾، يعني وهم لا ينقصون من محاسنهم، ولا يزادون على مساوئهم ما لم يعملوها.
﴿ وَيَقُولُونَ ﴾، يعني الكفار لنبيهم.
﴿ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٤٨]، وذلك قوله:﴿ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾[العنكبوت: ٢٩] ﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً ﴾، يعني سوءاً.
﴿ وَلاَ نَفْعاً ﴾، يعني في الآخرة.
﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾ وقت، يقول: لكل أجل وقت؛ لأنه سبقت الرحمة الغضب.
﴿ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ ﴾، يعني وقت العذاب.
﴿ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [آية: ٤٩]، يقول: لا يؤخر عنهم ساعة، ولا يصيبهم قبل الوقت.﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً ﴾، يعني صباحاً.
﴿ أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [آية: ٥٠].
﴿ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ﴾، يعني قول القرآن.
﴿ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ ﴾ حين لم تنفعكم.
﴿ وَقَدْ كُنتُم بِهِ ﴾، يعني بالعذاب.
﴿ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [آية: ٥١].
﴿ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾، يعني كفروا: ﴿ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [آية: ٥٢] من الشرك، يقول: جزاء الشرك جهنم.
﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ ﴾، يقول: يسألونك: ﴿ أَحَقٌّ هُوَ ﴾؟ يعني العذاب الذي تعدنا به، ويقال: القرآن الذي أنزل إليك.
﴿ أَحَقٌّ هُوَ ﴾؟ ﴿ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ ﴾، يعني نعم وإلهي.
﴿ إِنَّهُ ﴾، يعني العذاب.
﴿ لَحَقٌّ ﴾، يعني لكائن.
﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [آية: ٥٣]، يعني بسابقي بأعمالكم الخبيثة في الدنيا قبل الآخرة. قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ﴾ كافرة ﴿ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾ ما لا ﴿ لاَفْتَدَتْ بِهِ ﴾ نفسها يوم القيامة من عذاب جهنم.
﴿ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ ﴾، يعني حين رأوا العذاب.
﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ ﴾، يعني بالعدل، وصاروا إلى جهنم بشركهم، وصار المؤمنون إلى الجنة بإيمانهم.
﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥٤].
قوله: ﴿ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾، يقول: هو رب من فيهما.
﴿ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾، أن من وحده أثابه الجنة، ومن كفر به عاقبه بالنار.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥٥]، يعني من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحد إلى الجنة. ثم أخبر بصنيعه ليوحد، فقال: ﴿ هُوَ يُحْيِـي ﴾ من النطف.
﴿ وَيُمِيتُ ﴾ من بعد الحياة، فاعبدوا من يحيي ويميت.
﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٥٦] من بعد الموت، فيجزيكم فى الآخرة.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ ﴾، يعني بينة.
﴿ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، وهو ما بين الله في القرآن.
﴿ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ ﴾ من الكفر والشرك.
﴿ وَ ﴾ هذا القرآن ﴿ وَهُدًى ﴾ من الضلالة.
﴿ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٥٨] لمن أحل حلاله، وحرم حرامه.﴿ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ ﴾، يعني القرآن.
﴿ وَبِرَحْمَتِهِ ﴾ الإسلام.
﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ ﴾ معشر المسلمين.
﴿ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [آية: ٥٨] من الأموال، فلما نزلت هذه الآية قرأها النبي صلى الله عليه وسلم مرات.﴿ قُلْ ﴾ لكفار قريش، وخزاعة، وثقيف، وعامر بن صعصعة، وبني مدلج، والحارث ابنى عبد مناة، قل لهم: ﴿ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ ﴾، يعني البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام.
﴿ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً ﴾، يعني حرمتم منه ما شئتم.
﴿ وَحَلاَلاً ﴾، يعني وحللتم منه ما شئتم.
﴿ قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [آية: ٥٩].
﴿ وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ ﴾ في الدنيا ﴿ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ﴾، فزعموا أن له شريكاً.
﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ ﴾، حين لا يؤاخذهم عند كل ذنب.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٦٠] هذه النعم.﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً ﴾، يعني إلا وقد علمته قبل أن تعملوه.
﴿ إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾، وأنا شاهدكم، يعني إذ تعملونه.
﴿ وَمَا يَعْزُبُ ﴾، يعني وما يغيب ﴿ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾، يعني وزن ذرة.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٦١]، يعني اللوح المحفوظ.
﴿ أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ أن يدخلوا جهنم.
﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آية: ٦٢] أن يخرجوا من الجنة أبداً.﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، يعني صدقوا.
﴿ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ [آية: ٦٣] الكبائر.﴿ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، الرؤيا الصالحات،.
﴿ وَفِي ٱلآخِرَةِ ﴾ إذا خرجوا من قبورهم.
﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ﴾، يعني لوعد الله أن من اتقاه ثوابه الجنة، ومن عصاه عقابه النار.
﴿ ذٰلِكَ ﴾ البشرى ﴿ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [آية: ٦٤].
﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ﴾ يا محمد، يعني أذاهم.
﴿ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ ﴾، يعني إن القوة لله.
﴿ جَمِيعاً ﴾ في الدنيا والآخرة.
﴿ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ لقولهم.
﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ٦٥] بهم.﴿ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يقول: هو ربهم وهم عباده، ثم قال: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ ﴾، يعني يعبدون ﴿ مِن دُونِ ٱللَّه شُرَكَآءَ ﴾، يعني الملائكة.
﴿ إِن يَتَّبِعُونَ ﴾، يعني ما يتبعون ﴿ إِلاَّ ٱلظَّنَّ ﴾، يعني ما يستيقنون بذلك.
﴿ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾ [آية: ٦٦] الكذب. ثم دل على نفسه بصنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ ﴾، يعني لتأووا فيه من نصب النهار.
﴿ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً ﴾، ضياء ونوراً لتتغلبوا فيه لمعايشكم.
﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ ﴾، يعني في هذا ﴿ لآيَاتٍ ﴾، يعني لعلامات ﴿ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [آية: ٦٧] المواعظ.﴿ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً ﴾، فنزه نفسه عن ذلك، فقال: ﴿ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ﴾ أن يتخذ ولداً.
﴿ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَا فِي ٱلأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ ﴾، يقول: فعندكم حجة بما تزعمون أنه له ولد.
﴿ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٦٨].
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ٦٩] يعني لا يفوزون إذا صاروا إلى النار.﴿ مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ﴾، يعني بلاغ في الحياة الدنيا.
﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ﴾ في الآخرة.
﴿ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ٧٠]، بقولهم: إن الملائكة ولد الله.
﴿ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ ﴾، يعني واقرأ عليهم ﴿ نَبَأَ نُوحٍ ﴾، يعني حديث نوح.
﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ ﴾، يعني عظيم عليكم.
﴿ مَّقَامِي ﴾، يعني طول مكثي فيكم.
﴿ وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ ﴾، يعني تحذيري إياكم عقوبة الله.
﴿ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ ﴾، يعني بالله احترزت.
﴿ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ﴾ وآلهتكم.
﴿ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ﴾، يعني سوءاً.
﴿ ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ ﴾، يعني ميلوا إليَّ.
﴿ وَلاَ تُنظِرُونَ ﴾ [آية: ٧١]، يعني ولا تمهلون.﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ﴾، يعني عصيتم.
﴿ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ ﴾، يعني من جعل.
﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾، يعني ثوابي.
﴿ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٧٢]، يعني من الموحدين.﴿ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ ﴾ من المؤمنين.
﴿ فِي ٱلْفُلْكِ ﴾، يعني السفينة.
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ ﴾ في الأرض من بعد نوح.
﴿ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني بنوح وما جاء به.
﴿ فَٱنْظُرْ ﴾ يا محمد ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ ﴾ [آية: ٧٣]، يعني المحذرين.﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ ﴾، يعني من بعد نوح.
﴿ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾، ثم أخبر بعلمه فيهم، فقال: ﴿ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ﴾، يعني ليصدقوا ﴿ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ ﴾، يعني العذاب.
﴿ مِن قَبْلُ ﴾ نزول العذاب.
﴿ كَذَلِكَ نَطْبَعُ ﴾، يعني هكذا نختم ﴿ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ [آية: ٧٤]، يعني الكافرين.﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ ﴾ من بعد الأمم.
﴿ مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني بعلاماتنا اليد والعصا.
﴿ فَٱسْتَكْبَرُواْ ﴾، يعني فتكبروا عن الإيمان.
﴿ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ﴾ [آية: ٧٥]، يعني كافرين.﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا ﴾، يعني موسى وما جاء به من الآيات.
﴿ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ٧٦]، يعني بين.
﴿ قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ ﴾ اليد والعصا.
﴿ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ ﴾ [آية: ٧٧] في الدنيا والآخرة.﴿ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا ﴾، يعني لتصدنا.
﴿ عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾، يعني عما كانت آباؤنا تعبد.
﴿ وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ ﴾، يعني موسى وهارون، الكبرياء يعني الملك.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٧٨]، يعني بمصدقين.﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ [آية: ٧٩].
﴿ فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ ﴾ [آية: ٨٠]، يعني الحبال والعصي.﴿ فَلَمَّآ أَلْقُواْ ﴾ الحبال والعصي، سحروا أعين الناس.
﴿ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ﴾، يعني إن الله سيدحضه ويقهره.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ٨١]، يعني إن الله لا يعطي أهل الكفر والمعاصي الظفر.﴿ وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ﴾، يقول: يحق الله الدين بالتوحيد، والظفر لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [آية: ٨٢].
﴿ فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ ﴾، يعني فما صدق لموسى ﴿ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ ﴾، يعني أهل بيت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط.
﴿ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ ﴾، يعني ومن معه الأشراف من قومه الأبناء.
﴿ أَن يَفْتِنَهُمْ ﴾، يعني أن يقتلهم.
﴿ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، يعني جباراً في الأرض.
﴿ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴾ [آية: ٨٣]، يعني المشركين.
﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ ﴾، يعني احترزوا.
﴿ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٨٤]، يعني إن كنتم مقرين بالتوحيد.﴿ فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٨٥]، يعني الذين كفروا، يقول: ولا تعذبهم من أجلنا، يقول: إن عذبتهم فلا تجعلنا لهم فتنة.﴿ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٨٦].
حدثنا عبيد الله، قال: سمعت أبي، عن الهذيل في قوله: ﴿ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾، قال: سمعت أبا صالح يقول: ربنا لا تظفرهم بنا، فيظنوا أنهم على حق وأنَّا على باطل. قال: سمعته مرة أخرى يقول: لا تختبرنا ببلاء، فيشمت بنا أعداؤنا من ذلك، وعافنا منه. قال: وسمعته مرة أخرى يقول: لا تبسط لهم في الرزق وتفتنا بالفقر، فنحتاج إليهم، فيكون ذلك فتنة لنا ولهم.﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا ﴾ بني إسرائيل.
﴿ بِمِصْرَ بُيُوتاً ﴾، يعني مساجد.
﴿ وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ﴾، يقول: اجعلوا مساجدكم قبل المسجد الحرام.
﴿ وَأَقِيمُواْ ﴾ في تلك البيوت ﴿ ٱلصَّلاَةَ ﴾ لمواقيتها.
﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٨٧].
﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً ﴾، يعني الملك.
﴿ وَأَمْوَالاً ﴾، يعني أنواع الأموال.
﴿ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ ﴾، يعني إنما أعطيتهم ليشكروا ولا يكفروا بدينك، قال موسى: ﴿ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ ﴾، قال هارون: آمين.
﴿ وَٱشْدُدْ ﴾، يعني اختم ﴿ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾، قال هارون: آمين.
﴿ فَلاَ يُؤْمِنُواْ ﴾، يعني فلا يصدقوا.
﴿ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ ﴾ [آية: ٨٨]، فإذا رأوا العذاب الأليم آمنوا، ولم يغن عنهم شيئاً.﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا ﴾ إلى الله، فصار الداعي والمؤمن شريكين.
﴿ وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ﴾، يعني طريق ﴿ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٨٩] بأن الله وحده لا شريك له، يعني أهل مصر.﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ ﴾ بيان ذلك في طه:﴿ فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ ﴾[طه: ٧٧]، لا تخاف أن يدركك فرعون، ولا تخشى أن تغرق.
﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً ﴾ ظلماً.
﴿ وَعَدْواً ﴾، يعني اعتداء ﴿ حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ ﴾، يعني صدقت، وذلك حين غشيه الموت.
﴿ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ ﴾، يعني بالذى صدقت به بنو إسرائيل من التوحيد.
﴿ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٩٠].
فأخبر جبريل، عليه السلام، كفاً من حصباء البحر، فجعلها في فيه، فقال: ﴿ آلآنَ ﴾ عن الموت تؤمن.
﴿ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾، أي قبل نزول العذاب.
﴿ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ٩١]، يعني من العاصين.﴿ فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾، وذلك أنه لما غرق القوم، قالت بنو إسرائيل: إنهم لم يغرقوا، فأوحى الله إلى البحر فطفا بهم على وجهه، فنظرواإلى فرعون على الماء، فمنذ يومئذ إلى يوم القيامة تطفوا الغرقى على الماء، فذلك قوله: ﴿ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾، يعني لمن بعدك إلى يوم القيامة آية، يعني علماً.
﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا ﴾، يعني عجائبنا وسلطاننا ﴿ لَغَافِلُونَ ﴾ [آية: ٩٢]، يعني لاهون.
﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا ﴾، يعني أنزلنا ﴿ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ﴾، منزل صدق، وهو بيت المقدس.
﴿ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ﴾، يعني المطر والنبت.
﴿ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ ﴾، يعني أهل التوراة والإنجيل في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ ﴾، حتى بعثه الله عز وجل، فلما بعث كفروا به وحسدوه.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ ﴿ آية: ٩٣].
{ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ ﴾
يا محمد ﴿ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ﴾، عبد الله بن سلام وأصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك:" لا أشك، ولا أسأل بعد، أشهد أنه الحق من عند الله ".
﴿ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ ﴾ [آية: ٩٤]، يعني من المشركين في القرآن بأنه جاء من الله تعالى. ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم وأوعز إليه حين قالوا: إنما يلقنه الري على لسانه، فقال: ﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ﴾، يعني القرآن كما كذب به كفار مكة.
﴿ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ [آية: ٩٥].
ثم قال: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾، يعني وجبت عليهم كلمة العذاب، يقول: أي سبقت لهم الشقاوة من الله عز وجل في علمه.
﴿ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية، ٩٦]، يعني لا يصدقون.﴿ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ ﴾ [آية: ٩٧] كما سألوا في بني إسرائيل﴿ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً... ﴾[الإسراء: ٩٠ - ٩٣] إلى آخر الآيات، وكقوله:﴿ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ ﴾[هود: ١١٦] قال: كل شىء في القرآن فلولا: فهلا، إلا ما في يونس وهود.﴿ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا ﴾ الإيمان عند نزول العذاب.
﴿ إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ ﴾، يعني صدقوا وتابوا، وذلك أن قوم يونس، عليه السلام، لما نظروا إلى العذاب فوق رءوسهم على قدر ميل، وهم في قرية تسمى نينوى من أرض الموصل تابوا، فلبس المسوح بعضهم، ونثروا الرماد على رءوسهم، وعزلوا الأمهات من الأولاد، والنساء من الأزواج، ثم عجوا إلى الله، فكشف الله عنهم العذاب.
﴿ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ٩٨]، إلى منتهى آجالهم، فأخبرهم يا محمد أن التوبة لا تنفعهم عند نزول العذاب.﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٩٩]، هذا منسوخ، نسختها آية السيف في براءة. ثم دل على نفسه بصنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾، يعني أن تصدق بتوحيد الله حتى يأذن الله في ذلك.
﴿ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ ﴾، يعني الإثم.
﴿ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ١٠٠].
﴿ ثم وعظ كفار مكة، فقال: { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾، يعني الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والمطر.
﴿ وَٱلأَرْضِ ﴾ والجبال، والأشجار، والأنهار، والثمار، والعيون، ثم أخبر عن علمه فيهم، فقال: ﴿ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ ﴾، يعني العلامات ﴿ وَٱلنُّذُرُ ﴾، يعني الرسل.
﴿ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١٠١].
ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: ﴿ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ ﴾، يعني قوم نوح، وعاد، وثمود، والقرون المعذبة.
﴿ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ ﴾ الموت.
﴿ إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ ﴾ [آية: ١٠٢] بكم العذاب.﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ معهم.
﴿ كَذَلِكَ ﴾، يعني هكذا.
﴿ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٠٣] في الآخرة من النار، وفي الدنيا بالظفر.
﴿ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي ﴾ الإسلام.
﴿ فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، من الآلهة.
﴿ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ﴾.
﴿ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٠٤]، يعني المصدقين.﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾، يعني مخلصاً.
﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ١٠٥] بالله.
﴿ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾، يعني ولا تعبد مع الله إلهاً غيره.
﴿ مَا لاَ يَنفَعُكَ ﴾، يقول: ﴿ ما إن احتجت إليه لم ينفعك.
{ وَلاَ يَضُرُّكَ ﴾
، يعني فإن تركت عبادته في الدنيا لا يضرك، وإن لم تعبده.
﴿ فَإِن فَعَلْتَ ﴾ فعبدت غير الله.
﴿ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ١٠٦]، يعني من المشركين. ثم خوفهم ليتمسك بدين الله: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ ﴾، يعني بمرض.
﴿ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ ﴾ لذلك الضر.
﴿ إِلاَّ هُوَ ﴾، يعني الرب نفسه.
﴿ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ ﴾ بعافية وفضل.
﴿ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ ﴾، يعني فلا دافع لقضائه.
﴿ يُصَيبُ بِهِ ﴾ بذلك الفضل ﴿ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ١٠٧].
﴿ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ﴾، يعني القرآن.
﴿ فَمَنُ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ ﴾ عن إيمان بالقرآن.
﴿ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [آية: ١٠٨] نسختها آية السيف.﴿ وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ ﴾، يعني الحلال والحرام، ثم أوعز إلى نبيه، عليه السلام، ليصبر على تكذيبهم إياه وعلى الأذى، فقال: ﴿ وَٱصْبِرْ ﴾ يا محمد على الأذى.
﴿ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ ﴾ [آية: ١٠٩]، فحكم الله عليها بالسيف فقتلهم ببدر، وعجل الله أرواحهم إلى النار، فصارت منسوخة، نسختها آية السيف.
Icon