ﰡ
قاله هنا، وفي فاطر، وأول المؤمن بالواو، وفي آخرها بالفاء( ١ )، لأن ما هنا موافق لما قبله، وهو ﴿ أو لم يتفكروا ﴾ [ الروم : ٨ ] ولما بعده وهو ﴿ وأثاروا الأرض ﴾ [ الروم : ٩ ] وما في فاطر موافق أيضا لما قبله وهو ﴿ ولن تجد لسنة الله تحويلا ﴾ [ فاطر : ٤٣ ] ولما بعده وهو ﴿ وما كان الله ليعجزه ﴾ [ فاطر : ٤٤ ] وما في أول المؤمن موافق لما قبله، وهو ﴿ والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء ﴾ [ غافر : ٢٠ ] وما في آخرها موافق لما قبله وهو ﴿ فأيّ آيات الله تنكرون ﴾ [ غافر : ٨١ ] وما بعده وهو ﴿ فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ﴾ [ غافر : ٨٢ ] فناسب فيه الفاء، وفي الثلاثة قبله الواو.
قوله تعالى :﴿ فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشدّ منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها... ﴾ [ الروم : ٩ ].
قاله هنا بحذف " كانوا " قبل قوله :﴿ من قبلهم ﴾ وحذف الواو بعده، وقاله في فاطر( ٢ ) بحذف " كانوا " أيضا وبذكر الواو.
وفي أوائل غافر( ٣ ) بذكر " كانوا " دون الواو، وزيادة " هم "، وفي أواخرها بحذف الجميع( ٤ )، لأن ما في أوائلها، وقع فيه قصة نوح وهي مبسوطة فيه، فناسب فيه البسط، وحذف الجميع في أواخرها اختصارا، لدلالة ذلك عليه، وما هنا وفي فاطر موافقة لذكرها، قبل وبعد.
٢ - في فاطر ﴿أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة﴾ آية (٤٤)..
٣ - في غافر ﴿أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة﴾ آية (٢١)..
٤ - في أواخر غافر ﴿أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض﴾ غافر (٨٢)..
ختمها بقوله :﴿ لقوم يتفكرون ﴾ [ الروم : ٢١ ] لأن الفكر يؤدي إلى الوقوف على المعاني المطلوبة، من التّوانس، والتجانس بين الأشياء كالزوجين :
ثم قال ﴿ ومن آياته خلق السموات والأرض ﴾ الآية [ الروم : ٢٢ ] وختمها بقوله :﴿ لآيات للعالمين ﴾ [ الروم : ٢٢ ] لأن الكل يُظلّهم السماء، ويُقلّهم الأرض، وكلٌّ منهم متميز بلطيفة، يمتاز بها عن غيره، وهذا يشترك في معرفته جميع العالمين.
ثم قال تعالى :﴿ ومن آياته منامكم بالليل والنهار ﴾ [ الروم : ٢٣ ] وختمها بقوله :﴿ لآيات لقوم يسمعون ﴾ [ الروم : ٢٣ ] لأن من يسمع سماع تدبّر، أن النوم من صنع الله الحكيم –لا يقدر على اجتلابه إذا امتنع، ولا على رفعه إذا ورد- يعلم أن له صانعا مدبّرا حكيما.
ثم قال تعالى :﴿ ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا ﴾ [ الروم : ٢٤ ] وختمها بقوله :﴿ لآيات لقوم يعقلون ﴾ [ الروم : ٢٤ ] لأن العقل ملاك الأمر، وهو المؤدي إلى العلم –فيما ذُكر- وغيره.
قاله هنا : بلفظ ﴿ أو لم يروا ﴾ وفي الزمر بلفظ ﴿ أو لم يعلموا ﴾ [ الزمر : ٥٢ ] لأن بسط الرزق مما يُرى، فناسب ذكر الرؤية، وما في الزمر تقدّمه ﴿ أوتيته على علم ﴾ [ القصص : ٧٨ ] فناسب ذكر العلم.
قال ذلك هنا، وقال في الجاثية بزيادة " فيه "، لأن ما هنا لم يتقدّمه مرجع الضمير، وثَمَّ تقدم له مرجع وهو البحر، حيث قال :﴿ الله الذي سخّر لكم البحر ﴾ [ الجاثية : ١٢ ].
فائدة : ذكر ﴿ من قبله ﴾ بعد قوله :﴿ من قبل ﴾ التأكيد، وقيل : الضمير لإرسال الرياح أو للسحاب، فلا تكرار.
إن قلتَ : كيف قال ذلك، مع أن الضعف صفة، والمخاطبون لم يخلقوا من صفة، بل من عين، وهي الماء أو التراب ؟
قلتُ : المراد بالضعف " الضعيف "، من إطلاق المصدر على اسم الفاعل، كقولهم : رجل عدل أي عادل، فمعناه من ضعيف وهو النطفة( ١ ).
إن قلتَ : كيف قال ذلك، مع قوله في فصلت :﴿ وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ﴾ [ فصلت : ٢٤ ] حيث جعلهم مطلوبا منهم الاعتاب، وثَمَّ طالبين له ؟ !
قلتُ : معنى قوله :﴿ ولا هم يستعتبون ﴾ أي ولا هم يُقالون عثراتهم، بالرد| إلى الدنيا، ومعنى قوله :﴿ وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ﴾ أي إن يستقيلوا فما هم من المقالين، فلا تنافي.