تفسير سورة المجادلة

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿قَدْ سَمِعَ الله﴾ يَقُول قد سمع الله قبل أَن أخْبرك يَا مُحَمَّد ﴿قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ تخاصمك وتكلمك ﴿فِي زَوْجِهَا﴾ فِي شَأْن زَوجهَا ﴿وتشتكي إِلَى الله﴾ تتضرع إِلَى الله تَعَالَى لتبيان أمرهَا ﴿وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ﴾ محاورتكما ومراجعتكما ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ﴾ لمقالتها ﴿بَصِيرٌ﴾ بأمرها وَذَلِكَ أَن خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة بن مَالك ابْن الدخشم الْأَنْصَارِيَّة كَانَت تَحت أَوْس بن الصَّامِت الْأنْصَارِيّ وَكَانَ بِهِ لمَم أَي مس من الْجِنّ فَأَرَادَ أَن يَأْتِيهَا على حَال لَا تُؤْتى عَلَيْهَا النِّسَاء فَأَبت عَلَيْهِ فَغَضب وَقَالَ إِن خرجت من الْبَيْت قبل أَن أفعل بك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي
﴿الَّذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ﴾ وَهُوَ أَن يَقُول الرجل لامْرَأَته أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي ﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ كأمهاتهم ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ مَا أمهاتهم فِي الْحُرْمَة ﴿إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ﴾ أَو أرضعنهم ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً﴾ قبيحاً ﴿مِّنَ القَوْل﴾ فِي الظِّهَار ﴿وَزُوراً﴾ كذبا ﴿وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ﴾ متجاوز إِذْ لم يُعَاقِبهُ بِتَحْرِيم مَا أحل الله لَهُ ﴿غَفُورٌ﴾ بعد تَوْبَته وندامته
ثمَّ بَين كَفَّارَة الظِّهَار فَقَالَ ﴿وَالَّذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ﴾ يحرمُونَ على أنفسهم مناكحة نِسَائِهِم ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ﴾ يرجعُونَ إِلَى تَحْلِيل مَا حرمُوا على أنفسهم من المناكحة ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ فَعَلَيهِ تَحْرِير رَقَبَة ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا﴾ يجامعا ﴿ذَلِكُم﴾ التَّحْرِير ﴿تُوعَظُونَ بِهِ﴾ تؤمرون بِهِ لكفارة الظِّهَار ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فِي الظِّهَار من الْكَفَّارَة وَغَيرهَا ﴿خَبِيرٌ﴾
﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ التَّحْرِير ﴿فَصِيَامُ﴾ فصوم ﴿شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ متصلين ﴿مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا﴾ يجامعا ﴿فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ﴾ الصّيام من ضعفه ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً﴾ لكل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاع من شعير أَو تمر ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي بيّنت من كَفَّارَة الظِّهَار ﴿لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ﴾ لكَي تقروا بفرائض الله وَسنة رَسُوله ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ الله﴾ هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه فِي الظِّهَار ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ بحدود الله ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم نزل من أول السُّورَة إِلَى هَهُنَا فِي خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة بن مَالك الْأَنْصَارِيَّة وَزوجهَا أَوْس بن الصَّامِت أخي عبَادَة بن الصَّامِت غضب عَلَيْهَا فِي بعض شَيْء من أمرهَا فَلم تفعل فَجَعلهَا على نَفسه كَظهر أمه فندم على ذَلِك فَبين الله لَهُ كَفَّارَة الظِّهَار وَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعتق رَقَبَة فَقَالَ المَال قَلِيل والرقبة غَالِيَة فَقَالَ صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَقَالَ لَا أَسْتَطِيع وَإِنِّي إِن لم آكل فِي الْيَوْم مرّة ومرتين كل بَصرِي وَخفت أَن أَمُوت فَقَالَ لَهُ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَقَالَ لَا أجد فَأمر النبى من التَّمْر وَأمره أَن يَدْفَعهُ للْمَسَاكِين فَقَالَ لَا أعلم أحدا بَين لابتي الْمَدِينَة أحْوج إِلَيْهِ مني فَأمره بِأَكْلِهِ وَأطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَرجع إِلَى تَحْلِيل مَا حرم على نَفسه أَعَانَهُ على ذَلِك النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجل آخر
﴿إِنَّ الَّذين يُحَآدُّونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ يخالفون الله وَرَسُوله فِي الدّين ويعادونه ﴿كُبِتُواْ﴾ عذبُوا وأخزوا يَوْم الخَنْدَق بِالْقَتْلِ والهزيمة وهم أهل مَكَّة ﴿كَمَا كُبِتَ﴾ عذب وأخزى ﴿الَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ يَعْنِي الَّذين قَاتلُوا الْأَنْبِيَاء قبل أهل مَكَّة ﴿وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ جِبْرِيل بآيَات مبينات بِالْأَمر والنهى
460
والحلال وَالْحرَام ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ بآيَات الله ﴿عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ يهانون بِهِ وَيُقَال عَذَاب شَدِيد
461
﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً﴾ جَمِيع أهل الْأَدْيَان ﴿فَيُنَبِّئُهُمْ﴾ ويخبرهم ﴿بِمَا عمِلُوا﴾ فِي الدُّنْيَا (أَحْصَاهُ الله) حفظ الله عَلَيْهِم أَعْمَالهم ﴿وَنَسُوهُ﴾ تركُوا طَاعَة الله الَّتِي أَمرهم الله بهَا ﴿وَالله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أَعْمَالهم ﴿شَهِيدٌ﴾
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض﴾ من الْخلق ﴿مَا يَكُونُ مِن نجوى﴾ تناجى ﴿ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ إِلَّا الله عَالم بهم وبأعمالهم وبمناجاتهم ﴿وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ إِلَّا الله عَالم بهم وبمناجاتهم ﴿وَلاَ أدنى مِن ذَلِك﴾ وَلَا أقل من ذَلِك ﴿وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ﴾ عَالم بهم وبمناجاتهم ﴿أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم﴾ يُخْبِرهُمْ ﴿بِمَا عَمِلُواْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من أَعْمَالهم ومناجاتهم ﴿عَلِيمٌ﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي صَفْوَان بن أُميَّة وَخَتنه وقصتهم مَذْكُورَة فِي سُورَة حم السَّجْدَة
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تنظر يَا مُحَمَّد ﴿إِلَى الَّذين نُهُواْ عَنِ النَّجْوَى﴾ دون الْمُؤمنِينَ المخلصين ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ﴾ من النَّجْوَى دون الْمُؤمنِينَ المخلصين ﴿وَيَتَنَاجَوْنَ﴾ فِيمَا بَينهم ﴿بالإثم﴾ بِالْكَذِبِ ﴿والعدوان﴾ وَالظُّلم ﴿ومعصية الرَّسُول﴾ بمخالفة الرَّسُول بعد مَا نَهَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم المُنَافِقُونَ كَانُوا يتناجون فِيمَا بَينهم مَعَ الْيَهُود فِي خبر سَرَايَا الْمُؤمنِينَ لكَي يحزن بذلك الْمُؤْمِنُونَ ﴿وَإِذا جاؤوك﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله﴾ سلمُوا عَلَيْك سَلاما لم يُسلمهُ الله عَلَيْك وَلم يَأْمُرك بِهِ وَكَانُوا يجيئون إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَيَقُولُونَ﴾ السام عَلَيْك فَيرد عَلَيْهِم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم السام وَكَانَ السام بلغتهم الْمَوْت وَيَقُولُونَ ﴿فِي أَنفُسِهِمْ﴾ فِيمَا بَينهم ﴿لَوْلاَ﴾ هلا ﴿يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ﴾ لنَبيه لَو كَانَ نَبيا كَمَا يزْعم لَكَانَ دعاؤه مستجاباً علينا حَيْثُ نقُول السام عَلَيْك فَيرد علينا عَلَيْكُم السام فَأنْزل الله فيهم ﴿حَسْبُهُمْ﴾ مصيرهم مصير الْيَهُود فِي الْآخِرَة ﴿جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا﴾ يدْخلُونَهَا ﴿فَبِئْسَ الْمصير﴾ صَارُوا إِلَيْهِ النَّار
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿إِذَا تَنَاجَيْتُمْ﴾ فِيمَا بَيْنكُم ﴿فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بالإثم﴾ بِالْكَذِبِ ﴿والعدوان﴾ بالظلم ﴿ومعصية الرَّسُول﴾ بِخِلَاف أَمر الرَّسُول كمناجاة الْمُنَافِقين مَعَ الْيَهُود دون الْمُؤمنِينَ المخلصين ﴿وَتَنَاجَوْاْ بِالْبرِّ﴾ بأَدَاء فَرَائض الله وإحسان بَعْضكُم إِلَى بعض ﴿وَالتَّقوى﴾ ترك الْمعاصِي والجفاء ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِي أَن تتناجوا دون الْمُؤمنِينَ المخلصين ﴿الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فِي الْآخِرَة
﴿إِنَّمَا النَّجْوَى﴾ نجوى الْمُنَافِقين مَعَ الْيَهُود دون الْمُؤمنِينَ ﴿مِنَ الشَّيْطَان﴾ من طَاعَة الشَّيْطَان وبأمر الشَّيْطَان ﴿ليحزن الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ﴾ بضار الْمُؤمنِينَ مُنَاجَاة الْمُنَافِقين ﴿شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ بِإِرَادَة الله ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله لَا على غَيره
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ﴾ إِذا قَالَ لكم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿تَفَسَّحُواْ﴾ توسعوا ﴿فِي الْمجَالِس فافسحوا﴾ وَسعوا ﴿يَفْسَحِ الله﴾ يُوسع الله ﴿لَكُمْ﴾ فِي الْآخِرَة فِي الْجنَّة نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن ثَابت بن قيس بن شماس وقصته فِي سُورَة الحجرات وَيُقَال نزلت فِي نفر من أهل بدر مِنْهُم ثَابت بن قيس ابْن شماس جَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ النَّبِي جَالِسا فِي صفة صَفِيَّة يَوْم الْجُمُعَة فَلم يَجدوا مَكَانا يَجْلِسُونَ فِيهِ فَقَامُوا على رَأس الْمجْلس فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن لم يكن من أهل بدر يَا فلَان قُم وَيَا فلَان قُم من مَكَانك ليجلس فِيهِ من كَانَ من أهل بدر وَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكرم أهل بدر فَعرف النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَرَاهِيَة لمن أَقَامَهُ من الْمجْلس فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة ﴿وَإِذَا قِيلَ انشزوا﴾ ارتفعوا فى الصَّلَاة وَالْجهَاد وَالذكر
461
﴿فَانشُزُواْ﴾ فَارْتَفعُوا ﴿يَرْفَعِ الله الَّذين آمَنُواْ مِنكُمْ﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فِي الدَّرَجَات ﴿وَالَّذين أُوتُواْ الْعلم﴾ أعْطوا الْعلم مَعَ الْإِيمَان ﴿دَرَجَاتٍ﴾ فَضَائِل فِي الْجنَّة فَوق دَرَجَات الَّذين أُوتُوا الْإِيمَان بِغَيْر علم إِذْ الْمُؤمن الْعَالم أفضل من الْمُؤمن الَّذِي لَيْسَ بعالم ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر ﴿خَبِير﴾
462
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ﴾ إِذا كلمتم ﴿الرَّسُول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فى أهل الميسرة مِنْهُم من كَانُوا يكثرون الْمُنَاجَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون الْفُقَرَاء حَتَّى تأذى بذلك النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والفقراء فنهاهم الله عَن ذَلِك وَأمرهمْ بِالصَّدَقَةِ قبل أَن يتناجوا مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكُل كلمة أَن يتصدقوا بدرهم على الْفُقَرَاء فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن إِذا نَاجَيْتُم إِذا كلمتم الرَّسُول مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة قبل أَن تكلمُوا نَبِيكُم تصدقوا بِكُل كلمة درهما ﴿ذَلِك﴾ الصَّدَقَة ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من الْإِمْسَاك ﴿وَأَطْهَرُ﴾ لقلوبكم من الذُّنُوب وَيُقَال لقلوب الْفُقَرَاء من الخشونة ﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ﴾ الصَّدَقَة يَا أهل الْفقر فتكلموا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا شِئْتُم بِغَيْر التَّصَدُّق ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ﴾ متجاوز لذنوبكم ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن تَابَ مِنْكُم فَانْتَهوا عَن الْمُنَاجَاة لقبل الصَّدَقَة فَلَامَهُمْ الله بذلك فَقَالَ
﴿أَأَشْفَقْتُم﴾ أبخلتم يَا أهل الميسرة ﴿أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾ أَن تصدقوا قبل أَن تكلمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْفُقَرَاء ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ﴾ إِن لم تعطوا الصَّدَقَة ﴿وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ﴾ تجَاوز الله عَنْكُم أَمر الصَّدَقَة ﴿فأقيموا الصَّلَاة﴾ أَتموا الصَّلَوَات الْخمس ﴿وَآتوا الزَّكَاة﴾ أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم ﴿وَأَطِيعُواْ الله﴾ فِيمَا أَمركُم ﴿وَرَسُولَهُ﴾ فِيمَا يَأْمُركُمْ ﴿وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر فَلم يتَصَدَّق مِنْهُم أحد غير عَليّ بن أبي طَالب تصدق بِدِينَار بَاعه بِعشْرَة دَرَاهِم بِعشر كَلِمَات سَأَلَهُنَّ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أَبى وَأَصْحَابه بولايتهم مَعَ الْيَهُود فَقَالَ ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تنظر يَا مُحَمَّد ﴿إِلَى الَّذين تَوَلَّوْاْ﴾ فِي العون والنصرة ﴿قَوْماً﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿غَضِبَ الله عَلَيْهِم﴾ سخط الله عَلَيْهِم ﴿مَّا هُم﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿مِّنكُمْ﴾ فِي السِّرّ فَيجب لَهُم مَا يجب لكم ﴿وَلاَ مِنْهُمْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود فِي الْعَلَانِيَة فَيجب عَلَيْهِم مَا يجب على الْيَهُود ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب﴾ بِالْكَذِبِ بِأَنا مُؤمنُونَ مصدقون بإيماننا ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أَنهم كاذبون فِي حلفهم
﴿أعد الله لَهُم﴾ لِلْمُنَافِقين عبد الله ابْن أبي وَأَصْحَابه ﴿عَذَاباً شَدِيداً﴾ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ بئْسَمَا كَانُوا يصنعون فِي نفاقهم
﴿اتَّخذُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ حلفهم بِاللَّه الكاذبة ﴿جُنَّةً﴾ من الْقَتْل ﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته فِي السِّرّ ﴿فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ يهانون بِهِ فِي الْآخِرَة
﴿لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ﴾ كَثْرَة أَمْوَالهم أَمْوَال الْمُنَافِقين وَالْيَهُود ﴿وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ﴾ كَثْرَة أَوْلَادهم ﴿مِّنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿شَيْئاً أُولَئِكَ﴾ المُنَافِقُونَ وَالْيَهُود ﴿أَصْحَابُ النَّار﴾ أهل النَّار ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ دائمون فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا
﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَيَحْلِفُونَ لَهُ﴾ بَين يَدي الله مَا كُنَّا كَافِرين وَلَا منافقين ﴿كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَيَحْسَبُونَ﴾ يظنون ﴿أَنَّهُمْ على شَيْءٍ﴾ من الدّين ﴿أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ عِنْد الله فِي حلفهم
﴿استحوذ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَان﴾ غلب عَلَيْهِم الشَّيْطَان فَأَمرهمْ بِطَاعَتِهِ فأطاعوه ﴿فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله﴾ حَتَّى تركُوا ذكر الله طَاعَة الله فِي السِّرّ ﴿أُولَئِكَ﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ ﴿حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾ جند الشَّيْطَان ﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ﴾ جند الشَّيْطَان ﴿هُمُ الخَاسِرُونَ﴾ المغبونون بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ﴾ يخالفون ﴿الله وَرَسُولَهُ﴾
462
فِي الدّين ﴿أُولَئِكَ فِي الأذلين﴾ مَعَ الأسفلين فِي النَّار يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود
463
﴿كَتَبَ الله﴾ قضى الله ﴿لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي﴾ يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فَارس وَالروم وَالْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ ﴿إِنَّ الله قَوِيٌّ﴾ بنصرة أنبيائه ﴿عَزِيزٌ﴾ بنقمة أعدائه نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أبي بن سلول حَيْثُ قَالَ للْمُؤْمِنين المخلصين أتظنون أَن يكون لكم فتح فَارس وَالروم
ثمَّ نزلت فِي حَاطِب بن أبي بلتعة رجل من أهل الْيمن الَّذِي كتب كتابا إِلَى أهل مَكَّة بسر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ﴿لاَّ تَجِدُ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿قَوْماً﴾ يَعْنِي حَاطِبًا ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿يُوَآدُّونَ﴾ يناصحون ويوافقون فِي الدّين ﴿مَنْ حَآدَّ الله﴾ من خَالف الله ﴿وَرَسُولَهُ﴾ فِي الدّين يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَآءَهُمْ﴾ فِي النّسَب ﴿أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ﴾ فِي النّسَب ﴿أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ أَو قَومهمْ أَو قرابتهم ﴿أُولَئِكَ﴾ يَعْنِي حَاطِبًا وَأَصْحَابه ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ﴾ جعل فى قُلُوبهم تَصْدِيق ﴿الْأَيْمَان﴾ وَحب الْإِيمَان ﴿وَأَيَّدَهُمْ﴾ أعانهم ﴿بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾ برحمة مِنْهُ وَيُقَال أعانهم بعون مِنْهُ ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تجْرِي من تحتهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون ﴿رَضِيَ الله عَنْهُمْ﴾ بإيمَانهمْ وأعمالهم وتوبتهم ﴿وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ بالثواب والكرامة من الله ﴿أُولَئِكَ﴾ يَعْنِي حَاطِبًا وَأَصْحَابه ﴿حِزْبُ الله﴾ جند الله ﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله﴾ جند الله ﴿هُمُ المفلحون﴾ الناجون من السخط وَالْعَذَاب وهم الَّذين أدركوا ووجدوا مَا طلبُوا ونجوا من شَرّ مَا مِنْهُ هربوا وَكَانَ حَاطِب بن أبي بلتعة بَدْرِيًّا وقصته فى سُورَة الممتحنة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَشْر وهى كلهَا مَكِّيَّة أَو مَدَنِيَّة آياتها أَربع وَعِشْرُونَ وكلماتها سَبْعمِائة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسَبْعمائة وَاثنا عشر حرفا
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
Icon