ﰡ
روي أن مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم يقال لها سارة أتت رسول الله ﷺ بالمدينة وهو يتجهز للفتح فقال لها أمسلمة جئت قالت لا قال أفمها جرة جئت قالت لاقال فما جاء بك قالت احتجت حاجة شديدة فحث عليها بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وزودوها فأتاها حاطب ابن أبي بلتعة وأعطاها عشرة دنانير وكساها برداً واستحملها كتاباً إلى أهل مكة نسخته من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة اعملوا أن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر فبعث رسول الله ﷺ عليا وعمارا وعمرو وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرئد وكانوا فرساناً وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها وخلوها فإن أبت فاضربوا عنقها فأدركوها فجحدت وحلفت فهموا بالرجوع فقال علي والله ما كذبنا
ولا كذب رسول الله ﷺ وسلّ سيفه وقال أخرجي الكتاب أو تضعي رأسك فأخرجه من مقاص شعرها وروى أن رسول الله ﷺ أمن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة هي أحدهم فاستحضر رسول الله ﷺ حاطباً وقال ما حملك
صلى الله عليه وسلم بسبب المودة وهو استئناف ﴿وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ﴾ والمعنى أي طائل لكم في أسراركم وقد علمتم أن الإخفاء والإعلان سيان في علمي وأن مطلع رسولي على ما تسرون ﴿وَمَن يَفْعَلْهُ﴾
أي هذا الإسرار ﴿مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السبيل﴾ فقد أخطأ طريق الحق والصواب
﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ﴾ إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم ﴿يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء﴾ خالصي العداوة ولا يكونوا لكم أولياء كما أنتم ﴿وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسوء﴾ بالقتل والشتم ﴿وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ وتمنوا لو ترتدون عن دينكم فإذاً موادة أمثالهم خطأ عظيم منكم والماضي وإن كان يجري في باب اشرط مجرى المضارع ففيه نكتة كأنه قيل ودّوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين من قتل الأنفس وتمزيق الأعراض وردكم كفاراً أسبق المضار عندهم وأولها لعلهم أن الذين أعز عليكم من ارواحكم لأنكم بذالون هادونه والعدو أهم شيء عنده انيقصد أهم شيء عند صاحبه
﴿لَن تَنفَعَكُمْ أرحامكم﴾ قراباتكم ﴿وَلاَ أولادكم﴾ الذين توالون الكفار من اجلهم وتتقربن اليهم محاماة عليم ثا قال ﴿يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾ وبين أقاربكم وأولادكم يوم يفر المرء من أخيه الآية فما لكم
﴿قد كانت لكم أسوة﴾ قدوة في التبرئ من الأهل ﴿حَسَنَةٌ فِى إبراهيم﴾ أي في اقواله ولهذا استثنى منها إلى قول إبراهيم ﴿والذين مَعَهُ﴾ من المؤمنين وقيل كانوا أنبياء ﴿إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم﴾ جمع برئ كظريف وظرفاء ﴿وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة﴾ بالأفعال ﴿والبغضاء﴾ بالقلوب ﴿أَبَداً حتى تُؤْمِنُواْ بالله وَحْدَهُ﴾ فحينئذ نترك عداوتك ﴿إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ وذلك لموعدة وعدها إياه أي افتدوا به في أقواله ولا تأتسوا به في الاستغفار لأبيه الكافر ﴿وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَىْء﴾ أي من هداية ومغفرة وتوفيق وهذه الجملة لاتليق بالاستثناء ألا ترى إلى قوله قُلْ فَمَن يملك لكم من الله شيئا ولكن المراد استثناء جملة قوله لأبيه والقصد إلى موعد الاستغفار له وما بعده تابع له كأنه قال أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار
﴿رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا﴾ متصل بما قبل الاستثناء وهو من جملة الأسوة الحسنة وقيل معناه قولوا ربنا فهو ابتداء أر من الله للمؤمنين بأن يقولوه ﴿وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا﴾ أقبلنا ﴿وَإِلَيْكَ المصير﴾ المرجع
﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب ﴿واغفر لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم﴾ أي الغالب الحاكم
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الأخر﴾ ثم كرر الحث على الاثتساء بإبراهيم عليه السلام وقومه تقريراً وتأكيداً عليهم وذا جاء به مصدراً بالقسم لأنه الغاية في التأكيد وأبدل من قوله لَكُمْ قوله لّمَن كَانَ يَرْجُو الله أي ثوابه أي يخشى الله وعقبه بقوله ﴿وَمَن يَتَوَلَّ﴾ يعرض عن أمرنا ويوال الكفار ﴿فَإِنَّ الله هُوَ الغنى﴾ عن الخلق ﴿الحميد﴾ المستحق للحمد فلم يترك نوعاً من التأكيد إلا جاء به ولما أنزلت هذه الآيات وتشدد المؤمنون في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع اقربائهم من المشركين اطعمهم في تحول الحال إلى خلافة فقال
﴿عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مّنْهُم﴾ أي من أهل مكة من أقربائكم ﴿مودة﴾ بان يوافقهم للإيمان فلما يسر فتح مكة أظفرهم الله بأمنيتهم فأسمل قومهم وتم بينهم التحاب وعسى وعد من الله على عادات الملوك حيث يقولون في بعض الحوائج عسى أو لعل فلا تبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك وأريد به إطماع المؤمنين ﴿والله قَدِيرٌ﴾ على تقليب القلوب وتحويل الأحوال وتسهيل أسباب المودة ﴿والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لمن أسلم من المشركين
﴿لاَّ ينهاكم الله عَنِ الذين لَمْ يقاتلوكم فِى الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دياركم أَن تَبَرُّوهُمْ﴾ تكرموهم وتحسنوا إليهم قولاً وفعلاً ومحل أن تبرهم جر على البدل من الذين لَمْ يقاتلوكم وهو بدل اشتمال والتقدير عن بر الدين ﴿وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ﴾ وتقضوا إليهم بالقسط ولا تظلموهم وإذا نهى عن الظلم في حق المشرك فكيف في حق المسلم ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾
{إِنَّمَا ينهاكم الله عَنِ الذين قاتلوكم فِى الدين وَأَخْرَجُوكُم مّن دياركم وظاهروا على إخراجكم
هو بدل من الذين قاتلوكم لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء وإنما ينهاكم عن تولي هؤلاء ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُمْ﴾ منكم ﴿فَأُوْلَئِكَ هم الظالمون﴾ حيث وضعوا التوالي غير موضعه
﴿يا أيها الذين آمنوا إِذَا جَاءكُمُ المؤمنات﴾ سماهن مؤمنات لنطقهن بكلمة الشهادة أو لأنهن مشارفات لثبات إيمانهن بالامتحان ﴿مهاجرات﴾ نصب على الحال ﴿فامتحنوهن﴾ فابتلوهن بالنظر في الإمرات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن وعن ابن عباس امتحانها أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ﴿الله أَعْلَمُ بإيمانهن﴾ منكم فإنكم وإن رزتم أحوالهن لا تعلمون ذلك حقيقة وعند الله حقيقة العلم به ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات﴾ العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بظهور الامارت وتسمية الظن علماً يؤذن بأن الظن الغالب وما يفضي إليه القياس جارٍ مجرى العلم وصاحبه غير داخل في قوله وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴿فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار﴾ فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين ﴿لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ أي لا حل بين المؤمنة والمشكر لوقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة ﴿وآتوهم مَّا أَنفَقُواْ﴾ وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور نزلت الآية بعد صلح الحديبية وكان الصلح قد وقع على أن يرد على أهل مكة من جاء مؤمناً منهم فانزل الله هذه الآية الحكم الأول ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ﴾ ثم نفى عنهم الجناح في تزوج هؤلاء المهاجرات ﴿إذا آتيتموهن أُجُورَهُنَّ﴾ أي مهورهن لأن المهر أجر البضع وبه احتج أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه على أن لا عدة على المهاجرة ﴿وَلاَ تُمْسِكُواْ﴾ وَلاَ تُمْسِكُواْ بصري ﴿بِعِصَمِ الكوافر﴾ العصمة ما يعتصم به من عقد وسبب الكوافر جمع كافرة وهي التي بقيت
﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَىْء مّنْ أزواجكم إِلَى الكفار﴾
وإن انفلت أحد منهن إلى الكفار وهو في قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أحد ﴿فعاقبتم﴾ فأصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم عن الزجاج ﴿فَأَتُواْ الذين ذَهَبَتْ أزواجهم مّثْلَ مَا أَنفَقُواْ﴾ فأعطوا المسلمين الذين ارتدت زوجاتهم وألحقن بدار الحرب مهور زوجاتهم من هذه الغنيمة ﴿واتقوا الله الذى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ وقيل هذا الحكم منسوخ أيضا
﴿يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك﴾ هو حال ﴿على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أولادهن﴾ يرد وأد البنات ﴿وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أيديهن وأرجلهن﴾ كانت المرا تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدي منك كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذباً لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلد به بين الرجلين
﴿يا أيها الذين آمنوا لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ﴾
ختم السورة بما بدأ به قيل هم المشركون ﴿قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الأخرة﴾ من ثوابها لأنهم ينكرون البعث
بسم الله الرحمن الرحيم