ﰡ
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ﴾ نزلت في حاطب بن١ أبي بلتعة، لما كتب إلى كفار مكة، حين أراد عليه الصلاة والسلام الخروج إلى مكة- إن المؤمنين قد جاءوكم فاحذروا، وأرسل بيد امرأة، فبعث عليه السلام عليا وعمارا وغيرهما، وأخذوا منها الكتاب، فخاطب عليه السلام حاطبا فقال : يا رسول الله، والله إني لمؤمن بالله ورسوله، لكن كنت امرءا ملصقا في قريش، عندهم أهلي ومالي، ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله وماله، فكتب إليهم بذلك. فقال عليه السلام :" صدق حاطب، لا تقولوا له إلا خيرا " ﴿ تلقون إليهم ﴾ أخبار المؤمنين ﴿ بالمودة ﴾ بسببها أو تفضون إليهم بالمودة، فيكون من باب التضمين، لا أن الباء زائدة والجملة حال أو صفة لأولياء ﴿ وقد كفروا بما جاءهم من الحق ﴾ حال من الفاعل ﴿ يخرجون الرسول وإياكم ﴾ أي : من مكة استئناف أو حال من كفروا ﴿ أن تؤمنوا ﴾ أي : بأن تؤمنوا ﴿ بالله ربكم إن كنتم خرجتم ﴾ من الأوطان ﴿ جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ﴾ جواب الشرط ما يدل عليه لا تتخذوا ﴿ تسرون إليهم بالمودة ﴾ مثل تلقون إليهم بالمودة، والجملة استئناف، كأنه قيل : لم لا نتخذ ؟ فقيل تسرون إلى آخره، يعني توادونهم سرا، وأنا مطلع على سركم ومطلع عليه رسولي، فلا طائل ﴿ وأنا أعلم ﴾ منكم ﴿ بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله ﴾ أي : الاتخاذ ﴿ منكم فقد ضل سواء السبيل ﴾ طريق الصواب.
.
﴿ إذا آتيتموهن أجورهن ﴾ مهرهن هذا القيد ليعلم أن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام مهرهن بل لا بد من إصداق، وقد تقدم أن صلح الحديبية على أن من جاءنا منكم رددناه إليكم فهذه الآية مخصصة لعهدهم٤ نقض الله العهد بينهم في النساء خاصة، وقد كان في ابتداء الإسلام جائز أن يتزوج المشرك مؤمنة، وهذه الآية ناسخة، والأكثرون على أنها متى انقضت٥ العدة ولم يسلم الزوج انفسخ نكاحها منه، ويحكم بالانفساخ من حين إسلامها، ﴿ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ﴾ جمع عصمة أي : ما اعتصم به من عقد ونسب، والكوافر جمع كافرة، هذا التحريم من الله على المؤمنين نكاح المشركات والاستمرار معهن أيضا ولذلك لما نزل طلق عمر٦ رضي الله عنه امرأتين مشركتين له بمكة ﴿ واسألوا ﴾ أيها المؤمنون من الكفار ﴿ ما أنفقتم ﴾ من صداق نسائكم اللاحقات بالكفار ﴿ وليسألوا ﴾ أي : المشركون ﴿ ما أنفقوا ﴾ من صداق المهاجرات، أمر المؤمنين بأن يكون العهد بينكم كذا فتطالبوهم بصداق المرتدات ويطالبوكم بصداق المهاجرات المؤمنات، ﴿ ذلكم حكم الله ﴾ إشارة إلى جميع ما ذكر في الآية ﴿ يحكم بينكم ﴾ استئناف ﴿ والله عليم حكيم ﴾ والأمر برد الصداق إلى الكفار لأجل العهد وإلا لم يجب.
٢ والظن الغالب في أعمال الشرع في حكم العلم/١٢ وجيز..
٣ أي: بين المسلم والكافرة، أو بين المسلمة والكافر وهو ما أراده هنا..
٤ والحكم برد الصداق إنما هو في نساء أهل العهد وأما من لا عهد فلا رد/١٢ منه..
٥ وعلم من قولنا: متى انقضت العدة أن هذا الحكم في المدخولة فإن غير المدخولة حكمها الفسخ حين إسلامها فليس عليها العدة/١٢ منه..
٦ كما في البخاري/١٢ وجيز..
٢ فإن الإيمان بالله يقتضي الاجتناب عن معاصيه/١٢..
٢ هكذا فسره ابن عباس مقاتل ويؤيده الأحاديث/١٢ منه..
اللهم لا تجعلنا في زمرتهم.