تفسير سورة الطلاق

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة الطلاق

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ الآية. روى قتادة عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلق حفصة فأتت أهلها، فأنزل الله هذه الآية. وقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة (١).
وعلى هذا إنما نزلت بسبب خروجها إلى أهلها لما طلقها النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله في هذه الآية: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾، ونحو هذا ذكر الكلبي في سبب نزول هذه الآية، قال: غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حفصة لما أسر إليها حديثًا فأظهرته (٢) لعائشة، فطلقها تطليقة، فنزلت هذه الآية (٣).
قال السدي: نزلت في عبد الله بن عمر لما طلق امرأته حائضًا (٤).
والقصة في ذلك مشهورة (٥)، وذكر المقاتلان أن رجالًا فعلوا مثل ما
(١) أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير، انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٨٥، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٥٠١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٧٧، وفي "مجمع الزوائد" ٩/ ٢٤٥، قال: أخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(٢) في (س): (فأظهرت).
(٣) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٩.
(٤) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٣٨ ب، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٥٠١.
(٥) قصة تطليق ابن عمر رضي الله عنهما لامرأته وهي حائض مشهورة، رواها البخاري في "صحيحه"، كتاب: الطلاق ٧/ ٥٢، ومسلم في كتاب: الطلاق، باب: تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ٢/ ١٠٩٣، وأبو داود في "سننه"، كتاب: الطلاق، باب: في طلاق السنة ٢/ ٤١١، وغيرهم.
493
فعل ابن عمر، منهم عبد الله بن عمرو، وعمرو بن سعيد بن العاص (١)، وعتبة بن غزوان (٢) فنزلت الآية فيهم (٣).
وفي قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ وجهان:
أحدهما: أنه نادى النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم خاطب أمته؛ لأنه السيد المقدم، فإذا نودي وخوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب.
قال أبو إسحاق: هذا خطاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمؤمنون داخلون معه في الخطاب (٤).
الوجه الثاني: أن المعنى يا أيها النبي قل لهم: إذا طلقتم النساء. فأضمر القول (٥)، وإضمار القول كثير في القرآن.
(١) عمرو بن سعيد بن العاص، المعروف بالأشدق، تابعي، ولى إمرة المدينة لمعاوية، ولابنه، قتله عبد الملك سنة سبعين صبرًا.
انظر: "العبر" ١/ ٥٧، و"تقريب التهذيب" ٢/ ٧٠، و"طبقات ابن سعد" ٥/ ٢٣٧، و"تاريخ الإسلام" ٤/ ٢٠٢، و"سير أعلام النبلاء" ٣/ ٤٤٩.
(٢) عتبة بن غزوان المازني، أحد السابقين الأولين، يقال أسلم سابع سبعة، وهو الذي اختط البصرة، توفي سنة سبع عشرة في طريقه إلى البصرة، وهو ابن سبع وخمسين رضي الله عنه.
انظر: "صفة الصفوة" ١/ ٣٨٧، و"سير أعلام النبلاء" ١/ ٣٠٤، و"طبقات ابن سعد" ٣/ ٩٨، و"الإصابة" ٦/ ٣٧٩، و"تاريخ الإسلام" ٢/ ١٥٢.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٩، و"روح المعاني" ٢٨/ ١٣٢.
قال ابن العربي: والأصح فيه أنه بيان لشرع مبتدأ. انظر: "أحكام القرآن" ٤/ ١٨١١، و"البحر المحيط" ٨/ ٢٨١. وقال القرطبي: إن الأصح أنها نزلت ابتداء لبيان حكم شرعي، وكل ما ذكر من أسباب النزول لها لم يصح، و"الجامع" ١٨/ ١٤٨.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٣.
(٥) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٩، و"فتح الباري" ٩/ ٣٤٦.
494
وقوله: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ معناه: إذا أردتم التطليق، كقوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: ٦] و ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ [الإسراء: ٤٥]، وقد مر.
قوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ قال عبد الله: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فليطلقها طاهرًا من غير جماع (١). وهذا قول مجاهد، وعكرمة، والضحاك، والحسن، وابن سيرين، ومقاتل، والجميع (٢). قالوا: أمر الله تعالى الزوج أن يطلق امرأته إذا شاء الطلاق في طهر لم يجامعها فيه (٣)، وهو قوله: ﴿لِعِدَّتِهِنَّ﴾ أي: لزمان عدتهن وهو الطهر بإجماع من الأمة (٤)، وذلك أن الطلاق سنين وبدعي، فالسني أن يقع في طهر لم يجامع فيه فذلك هو الطلاق للعدة؛ لأنها تعتد بذلك الطهر من عدتها ويحصل في العدة عقيب الطلاق، فلا يطول عليها زمان العدة. فالآية دلت على إيقاع الطلاق (٥) في الطهر، ودلت السنة على أن ذلك الطهر يجب أن يكون غير مجامع فيه حتى يكون الطلاق سنيًّا. وهو ما روي في
(١) أخرجه ابن جرير في "جامعه" ٢٨/ ٨٣، والنسائي في "سننه" كتاب: الطلاق، باب: طلاق السنة ٢/ ٧١٥، وابن ماجه في الطلاق، باب طلاق السنة ١/ ٦٥١.
(٢) (س): قوله (والضحاك) و (ابن سيرين، ومقاتل، والجميع) زيادة.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨ أ، و"جامع البيان" ٢٨/ ٨٤، و"تفسير ابن كثير" ٤/ ٣٧٨.
(٤) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٤٥٢، و"المغني" ١٠/ ٣٢٥، حيث قال: ولا خلاف في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه، ثم تركها حتى تنقي عدتها أنه مصيب للسنة.
(٥) قوله: (فالآية دلت على إيقاع الطلاق) في (س) بدلاً منها (دلت على ذلك الآيتين) والصواب ما أثبته.
495
حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: "مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهرًا من غير جماع" (١).
وذكرنا أيضًا عن جماعة المفسرين أنهم قالوا: الطلاق للعدة أن يطلقها طاهرًا من غير جماع.
وروي عن الشعبي أنه قال: إذا طلقها وهي طاهرة فقد طلقها للسنة، وإن كان قد جامعها (٢)، والقول هو الأول، وهو مذهب الفقهاء (٣).
والمعنى فيه أنه إذا جامعها لم يؤمن أن تكون قد حملت من هذا الجماع، فإذا طلقها وبانت حاملًا ربما يندم الزوج على الطلاق لمكان الولد. وهذا كله إنما يتصور في البالغة المدخول بها غير الآيسة ولا الحامل، فأما الصغيرة، وغير (٤) المدخول بها، والآيسة، والحامل، فلا سنة في (٥) طلاقهن ولا بدعة، ولا عدة على غير المدخول بها، والآيسة
(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة الطلاق ٦/ ١٩٣، ومسلم في كتاب: الطلاق، باب: تحريم طلاق الحائض ٢/ ١٠٩٥، وأبو داود في باب: طلاق السنة ٢/ ٤١٠، وأحمد في "المسند" ٢/ ٤٦، ٥٨.
(٢) قال الجصاص: وهذا القول خلاف السنة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلاف إجماع الأمة، إلا أنه قد روي عنه ما يدل على أنه أراد الحامل، وهو ما رواه يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن بيان عن الشعبي قال: إذا طلقها حاملًا فقد طلقها للسنة، وإن كان قد جامعها، فيشبه أن يكون هذا أصل الحديث، وأغفل بعض الرواة ذكر الحامل. "أحكام القرآن" ٣/ ٤٥٢.
(٣) انظر: "المغني" ١٠/ ٣٢٦، و"الحاوي الكبير" ١٠/ ١١٤.
(٤) (غير) ساقطة من (ك).
(٥) قوله: (ولا الحامل، فأما الصغيرة وغير المدخول بها والآيسة والحامل فلا سنة في) ساقطة من (س) وذكر بدلاً منها قوله: (والآيسة كالصغيرة وغير المدخول بها، والآيسة وغيرها في ذلك).
496
والصغيرة الحامل لا يعتدون بالأقراء (١)، وأما الطلاق البدعي فهو أن يقع (٢) في حال الحيض، وفي طهر قد جومع فيه، فهذا طلاق على غير السنة، وهو واقع وصاحبه آثم (٣).
وروي عن علي-رضي الله عنه- أنه قال: "لا يطلق رجل طلاق السنة فيندم" (٤). هذا الذي ذكرنا في وقت الطلاق، وليس في عدد الطلاق سنة وبدعة على مذهب الشافعي -رضي الله عنه-، حتى أنه لو (٥) طلقها ثلاثًا في طهر صحيح لم يكن قد ابتدع (٦)، بخلاف ما ذهب إليه أهل العراق، فإنهم قالوا: السنة في عدد الطلاق أن يواقع كل طلقة في طهر صحيح، فلو طلق ثلاثًا في طهر واحد
(١) انظر: "المغني" ١١/ ١٩٤، و"المحلى" ١٠/ ٢٥٦، و"مجموع الفتاوى" ٣٣/ ٧، و"المجموع شرح المهذب" ١٧/ ١٥٤، ١٥٦.
(٢) في (ك): (فهو أربع).
(٣) وهو قول عامة أهل العلم. قال ابن المنذر، وابن عبد البر: لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال. "المغني" ١٠/ ٣٢٧.
قلت: وما ذكراه وهم منهما رحمهما الله، فقد خالف في ذلك طاوس، وعكرمة، وخلاس وعمر، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطأة، وأهل الظاهر، كداود، وأصحابه، وطائفة من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد. وهو المرجح عند ابن تيمية.
انظر: "مجموع الفتاوى" ٣٣/ ٧٢، ١٠١، و"المحلى" ١٠/ ١٦١.
(٤) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" كتاب الخلع والطلاق، باب ما جاء في طلاق السنة وطلاق البدعة ٧/ ٣٢٣، وابن أبي شيبة في "المصنف"، كتاب: الطلاق، باب: ما قالوا في طلاق السنة ومتى يطلق ٥/ ٢.
(٥) في (س): قوله (لو) زيادة.
(٦) في (س): (ابدع)، وانظر: "الأم" ٥/ ١٦٢، و"الحاوي الكبير" ١٠/ ١١٧، و"المغني" ١٠/ ٣٣٠.
497
كان مبتدعًا (١)، والآية تدل على مذهب الشافعي، وهو قوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ وهذا اللفظ للأمر (٢) بالواحدة فما زاد.
قال صاحب النظم: قوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ صفة للطلاق كيف يكون، وهذه اللام تجيء لمعانٍ مختلفة:
للإضافة وهي أصلها، ولبيان السبب والعلة كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ﴾ [الإنسان: ٩]، وكقوله: قمت لأضرب زيدًا. ثبتت اللام بسبب الإطعام والضرب. وإذا كانت اللام بهذا المعنى سميت لام أجل.
وتكون بمنزلة عند مثل قوله: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] أي: عنده، وتكون بمنزلة في مثل قوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ﴾ [الحشر: ٢] أي: في أول الحشر. وهي في هذه الآية بهذا المعنى؛ لأن المعنى ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ (٣) أي: في الزمان الذي يصلح لعدتهن (٤)، ومنه قول الشاعر (٥):
وهم كتموني سرهم حين أزمعوا وقالوا أتعدنا للرواح وبكروا
والمعنى: أتعدنا للسير في الرواح، قال: وفي قوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ وفي إجماع الناس في (٦) الطلاق في الحيض مكروه ممنوع منه،
(١) انظر: "شرح فتح القدير" ٣/ ٤٦٦ - ٤٦٧، و"الحاوي الكبير" ١٠/ ١١٨، و"المغني" ١١/ ٣٣٦.
(٢) في (س): (للأمر) زيادة.
(٣) في (س): (في عدتهن).
(٤) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٠.
(٥) لم أجده.
(٦) قال ابن قدامة: (أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق الدعة...) "المغني" ١٠/ ٣٢٤.
498
وفي الطهر مأذون فيه، وفي تسميته عَزَّ وَجَلَّ الوقت الذي أذن فيه في الطلاق عدة وهي الطهر دليل على أن القرء هو الطهر إذ سمى العدة أقراء في سورة البقرة (١)، ثم جعلها طهرًا في هذه السورة (٢)، فإن قيل: على هذا قوله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ معناه لقُبُل عدتهن وهي (٣) قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وابن عباس (٤).
(١) في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [سورة البقرة: ٢٢٨].
(٢) وهو قول أهل الحجاز، وعائشة، وابن عمر، زيد بن ثابت، والزهري، والشافعي، وقال أهل الكوفة وعمر، وعلي، وابن مسعود وغيرهم، الأقراء: الحيض. انظر: "المغني" ١١/ ١٩٩ - ٢٠٠، و"أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٣٦٤، و"أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٨٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ٣/ ١١٣.
(٣) في (س): (وهو).
(٤) ذكر هذه القراءة ابن جرير، وعبد الرزاق، ونسبت لابن عباس، ونسبها الزمخشري للنبي-صلى الله عليه وسلم- ونسبها أبو حيان لجماعة من الصحابة والتابعين.
انظر: "تقسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٣٦، و"جامع البيان" ٢٨/ ٨٤، و"الكشاف" ٤/ ١٠٧، و"البحر المحيط" ٨/ ٢٨١، وقال أبو حيان: هو على سبيل التفسير لا على أنه قرآن، لخلافه لسواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون شرقًا وغربًا. وقال النووي: هذه قراءة ابن عباس، وابن عمر. وهي شاذة لا تثبت قرآنًا بالإجماع ولا يكون لها حكم خبر الواحد عندنا، وعند محققي الأصوليين، والله أعلم. "شرح النووي على صحيح مسلم" ١٠/ ٦٩.
قلت: ونسبة هذه القراءة للنبي-صلى الله عليه وسلم- كما ذكر المؤلف والزمخشري تجاوز وعدم تحقيق، إذ القراءات جميعها لا تثبت إلا عن طريقه -صلى الله عليه وسلم- فنسبتها إليه يخرج غيرها وهذا مخالف للعقل والنقل، فنسبتها إلى غيره من الصحابة والتابعين هو الصواب، ثم ينظر في ثبوتها من عدمه، والله أعلم.
وقال ابن حزم: وهذا مما قرئ ثم رفعت لفظة (في قُبُلِ) وأنزل الله تعالى:
499
وقبل عدتهن آخر الطهر، إقبال الحيض الذي هو زمان العدة، قيل: هذا لا يصح؛ لأنه لو كان الأمر على هذا لزم أن يقال: إن من طلق في أول الطهر لا يكون مطلقًا للعدة ولا لقبل العدة؛ لأن الحيض لم يقبل بعد لإقبال الطهر في هذا الوقت، ويستحيل أن يكون الطهر والحيض مقبلين معًا في وقت واحد؛ لأن الشيء إذا كان له إقبال وإدبار وإذا انقضى إقباله ودخل إدباره لا يكون ضده مقبلًا في إدباره إلا بعد إنقضاء آخر إدباره، ولو جاز أن يكون إقبال شيء في إدبار غيره الذي هو ضده لكان الصائم مفطرًا قبل مغيب الشمس، إذ الليل عنده مقبل في إدبار النهار وقبل انقضاء إدبار النهار. وهذا ما لا يقوله أحد، وقوله-صلى الله عليه وسلم-: "إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا.. " (١) يريد إدبار النهار بتمامه، وإقبال الليل بعد تمام إدبار النهار، وليس قوله عَزَّ وَجَلَّ فطلقوهن لقبل عدتهن تحديًا، لئلا يكون الطلاق إلا فيه دون ما بعده من الوقت؛ لأن أول الطهر وآخره كله وقت الطلاق إذ لم يذكر في الكتاب منع الطلاق في شيء منه. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته.. " (٢)، يعني الهلال، والصوم لا يكون بعده إلا بساعات مديدة.
(١) حديث متفق عليه، رواه البخاري في كتاب: الصوم، باب: يفطر بما تيسر من الماء أو غيره ٣/ ٤٧ ومسلم في كتاب: الصيام، باب: وقت انقضاء الصوم وخروج النهار ٢/ ٧٧٢.
(٢) متفق عليه، رواه البخاري في كتاب: الصوم، باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم الهلال فصوموا" ٣/ ٣٤، ومسلم في كتاب: الصوم، باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال ٢/ ٧٥٩، وأخرجه الترمذي في أبواب الصوم، باب ما جاء: لا تقدموا الشهر بصوم ٣/ ٦٨، والنسائي في كتاب: الصيام، باب: ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث ٢/ ٤٥٩.
500
فإن قيل: إذا طلق في آخره (١) واعتد بذلك الطهر قرءًا واحدًا وربما كان يومًا أو ساعة فقد جعلتم العدة دون ثلاثة أقراء إذ لم يكن الطهر فيه قرءًا تامًا. قيل: يجوز أن يسمي بعض الطهر قرءًا تامًا لقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧] يعني شوالًا وذا القعدة وبعض ذي الحجة، وكذلك قوله: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] وهو ينفر في بعض اليوم (٢) الثاني، فسمى الله عَزَّ وَجَلَّ يومًا واحدًا وبعض آخر يومين (٣).
قوله تعالى ﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾، قال أصحابنا إنما أمرنا بإحصاء العدة لفوائد منها: أن يوزع الطلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثًا وهو أحسن من جمعها في قرء واحد؛ لأنه ربما يندم، وإذا فرق أمكنه المراجعة قبل إيقاع الثلاث، ومنها أيضًا مراعاة النفقة والسكنى والعلم ببقاء زمان المراجعة وانقضائه وغير ذلك.
قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ﴾. قال مقاتل: اخشوا الله فلا تعصوه فيما أمركم (٤).
قوله تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ لا يجوز للزوج أن يخرج المطلقة المعتدة من مسكنه الذي يساكنها فيه قبل الطلاق، إن كان ملكًا له أو بكراء في يديه، وإن كان عارية فارتجعت كان على الزوج أن يكتري لها
(١) في (س): (آخر النهار) والصواب ما أثبته.
(٢) في (س): (اليوم) زيادة.
(٣) انتهى كلام الجرجاني، ولم أجد من ذكره بكامله عنه غير المؤلف وهو كلام نفيس ظاهر الدلالة والمعنى. انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٠.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٢.
501
منزلاً، وعلى المرأة حق لله ألا تخرج (١) في عدتها إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت سواء خرجت ليلاً أو نهارًا، ولا تنقطع العدة (٢).
قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: هو أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها (٣)، وهو قول الضحاك، وسعيد بن المسيب، وعكرمة، والشعبي، ومجاهد (٤) والأكثرين، فالفاحشة على هذا القول الزنا.
وقال ابن عمر: الفاحشة خروجها قبل انقضاء العدة (٥)، وهو قول السدي، والكلبي، وروي ذلك عن الشعبي (٦).
وقال مقاتل: الفاحشة المبينة هي العصيان البين، وهو النشوز (٧). وهو قول الضحاك، وقتادة، ورواية عكرمة عن ابن عباس قال إلا أن تبذو
(١) قوله: (المرأة حق الله ألا تخرج) في (س): (المرأة أيضًا لحق الله أن لا تخرج).
(٢) انظر: "المجموع" ١٨/ ١٧٥.
(٣) أخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، عن عطاء الخراساني قال: كان ذلك قبل أن تنزل الحدود، وكانت المرأة إذا أتت بفاحشة أخرجت ولم يذكرا ابن عباس في هذا الأثر. انظر: "الدر" ٦/ ٢٣١.
(٤) في (س): (وعكرمة والشعبي ومجاهد) زيادة.
وانظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٣٩ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٢٨٩، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٧٨.
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٨٧، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٣٩ ب، و"المستدرك " ٢/ ٤٩١.
(٦) في (س): (وروى ذلك عن الشعبي) زيادة. وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٥٧، و"زاد المسير" ٨/ ٢٨٩، وهو مروي عن ابن عباس أيضًا. والمراد بأهلها، أي: أهل زوجها؛ لأنها أصبحت منهم. وانظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٨٨.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٢.
502
على أهلها (١). ونحو ذلك روي عن جابر بن زيد قال: هي النشوز وسوء الخلق إذا نشزت وساء خلقها أخرجها (٢).
وقال مقسم: أي إذا عصتك أو آذتك، فهي إذا زنت أو نشزت أو خرجت في عدتها كان للزوج إخراجها من البيت وانقطعت سكناها (٣).
قوله: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ﴾ يعني ما ذكر من طلاق السنة وما بعده من الأحكام (٤).
قال مقاتل والضحاك: وتلك طاعة الله وسنته وأمره (٥).
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٨٦، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٤٠ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٥٧.
قال ابن قدامة: وهي أن تطيل لسانها على أحمائها وتؤذيهم بالسب ونحوه. روى ذلك عن ابن عباس، وهو قول الأكثرين.
قلت: نسب الثعلبي والواحدي القول بأن الفاحشة المبينة هي الزنا للأكثرين، ونسب ابن قدامة القول بأنها إيذاء القرابة بـ"اللسان" للأكثرين أيضًا، ونسب القول الأول لابن مسعود، والحسن، قم قال: ولنا أن الآية تقتضي الإخراج عن السكنى، وهذا لا يتحقق فيما قالاه. انظر: "المغني" ١١/ ٢٩٣.
قلت: ولعل مراده بالأكثرين من الفقهاء، ومراد غيره الأكثرين من المفسرين، والله أعلم.
وذكر ابن كثير: شمول الآية للمعنيين، وهو الظاهر، إلا أن خروجها للزنا الذي صدر عنها إنما هو إخراج لإقامة الحد، ولا تنقضي به العدة فحسب، بل تنقضي به الحياة. انظر: "تفسير ابن كثير" ٤/ ٣٧٨.
(٢) لم أجده، وهو داخل في الأقوال السابقة.
(٣) لم أجده، ولعله لا يخرج عن الأقوال السابقة.
(٤) وهو اختيار ابن جرير والجصاص وغيرهما. انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٨٧، و"أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٤٥٤.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨ أ، و"جامع البيان" ٢٨/ ٨٧.
503
﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ﴾ قال أبو إسحاق: هذا تشديد فيمن تعدى طلاق السنة (١)، وقال مقاتل: ومن يطلق لغير العدة (٢).
﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾. قال ابن عباس: أثم (٣).
وقوله: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ قال ابن عباس: يريد الندم على طلاقها والمحبة لرجعتها (٤).
وقال مقاتل: ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ بعد التطليقة والتطليقتين (٥)، ﴿أَمْرًا﴾ يعني: المراجعة. وقال الشعبي: لا تدري لعلك تندم فيكون لك سبيل إلى المراجعة (٦).
وقال الضحاك: لعله أن يراجعها في العدة (٧)، وهذا دليل على أن المستحب في التطليق أن يوقع متفرقًا ولا يجمع بين الثلاث لقوله: ﴿لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ وهو الندم على الطلاق، وإرادة المراجعة، وذلك إنما ينفع إذا لم يجمع الطلقات.
قال أبو إسحاق: وإذا طلقها ثلاثًا (٨) في وقت واحد فلا معنى في
(١) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٤.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٣.
(٣) والذي ذكر عنه قوله (ضر نفسه). انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٨٩، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٣.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٨٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٥٧.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٥٧.
(٦) انظر: "الدر" ٦/ ٢٣٢، وزاد نسبة إخراجه لعبد بن حميد عن الضحاك والشعبي.
(٧) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٤٩٨، و"جامع البيان" ٢٨/ ٨٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٧٨، وهو المروي عن عطاء، وقتادة، ومقاتل بن حيان، والثوري.
(٨) في (س): (ثلاثًا) زيادة.
504
قوله: ﴿لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ (١).
٢ - وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾، قال: أي قارين انقضاء العدة، وليس يريد إنقضاء أجلهن، فالمراد ببلوغ الأجل هاهنا مقاربة البلوغ، وهذا كقوله: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣١] يريد مقاربة البلوغ هناك وهاهنا لقوله: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ وهذا مفسر في الآية التي ذكرناها في سورة البقرة (٢).
قوله: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ قال المفسرون: أمروا أن يشهدوا عند الطلاق وعند الرجعة ذوي عدل (٣).
وللشافعي -رحمه الله- في الإشهاد على الرجعة قولان:
أحدهما: أنها لا تصح إلا بالإشهاد للآية.
والآخر: أنها تصح من غير إشهاد كما تصح من غير ولي ومن غير رضاها (٤)، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة (٥)، ولأنها في حكم الزوجات
(١) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٣.
(٢) وذلك عند تفسيره الآية (٢٣١) من سورة البقرة.
والإمساك بالمعروف هو ما تعارف عليه الناس بينهم مما تقبله النفوس، ولا تنكره العقول، وهو القيام بما يجب لها من حق على زوجها من نفقة وغير ذلك. وقيل: هو أن يحسن في أمرها إذا طلقها، ولم يبق من العدة إلا اليسير فإما أن يشهد على الرجعة، وينوي حسن العشرة، وإما أن يتركها من غير شقاق ولا مخاصمة.
وانظر: "جامع البيان" ٢/ ٢٩٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٣/ ١٥٦.
(٣) وبه قال ابن عباس، وعمران بن حصين، وابن جريج، والسدي.
انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٩٠، و"جامع البيان" ٢٨/ ٨٨، و"ابن كثير" ٤/ ٣٧٩.
(٤) انظر: "الأم" ٥/ ٢٢٦ - ٢٢٧، و"المجموع" ١٧/ ٢٦٩.
(٥) انظر: "بدائع الصنائع" ٤/ ١٩٧٥.
505
بدليل ثبوت التوارث ولحوق الطلاق والظهار (١)، والإيلاء والانتقال إلى عدة الوفاة إذا مات الزوج، والإشهاد إنما أمر به للاحتياط مخافة أن تنكر المرأة الرجعة فتنقضي العدة فتنكح زوجًا آخر (٢).
ثم خاطب الشهداء فقال: ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾ وهو مفسر في سورة البقرة (٣) إلى قوله (٤): ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجً﴾، قال الشعبي: من يطلق للعدة يجعل الله له سبيلًا إلى الرجعة (٥).
وقال الربيع بن خيثم: يجعل له مخرجًا من كل أمر ضاق على الناس (٦)، وهو معنى قول ابن عباس: ومن يخف الله يجعل له مخرجًا من كل ضيق (٧).
وقال الكلبي: ومن يصبر على المصيبة، يجعل الله له مخرجًا من النار
(١) في (س): (والظهار) زيادة.
(٢) انظر: "المغني" ١٠/ ٥٥٩.
(٣) عند تفسيره الآية (٢٨٢) من سورة البقرة. ومما قال: وقد ذكر الله الكتاب لأن الكتاب يذكر الشهود فتكون الشهادة أقوم من أن لو شهدوا على ظن ومخيلة. ومعنى أقوم أبلغ في الاستقامة التي هي ضد الاعوجاج، وذلك أن المنتصب القائم يكون ضد المنحني المعوج.
(٤) في (ك): (إلى قوله قوله).
(٥) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٤١ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٥٧، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٤، وزادوا نسبته لعكرمة والضحاك.
(٦) انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٨٩، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٤١ ب، و"الدر" ٦/ ٢٣٢.
(٧) انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٨٩، و"الدر" ٦/ ٢٣٢، ولفظه (ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة).
506
إلى الجنة (١).
وقال أكثر المفسرين: نزل هذا وما بعده في عوف بن مالك الأشجعي، أسر العدو ابنًا له فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك وشكا إليه الفاقة، فقال له: اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله (٢): ففعل ذلك. فبينا هو في بيته إذا أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو فأصاب إبلًا وجاء بها إلى أبيه، فذلك قوله تعالى: ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ وهو قول المقاتلين، وسالم ابن أبي الجعد والكلبي (٣).
قال أبو إسحاق: وجائز أن يكون المعنى أنه اتقى وآثر الحلال والصبر على أهله ففتح الله عليه إن كان ذا ضيقة، ورزقه من حيث لا يحتسب، قال: وجائز أن يكون إذا اتقى الله في طلاقه وجرى في ذلك على السنة يرزقه الله أهلًا بدل أهله (٤).
(١) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٩٠، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٤.
(٢) في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنوز الجنة". وانظر: "صحيح الجامع" ١/ ٣٨٨ (١٢٢٥)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" ٤/ ٣٣ (١٥٢٨).
(٣) في (س): (والكلبي) زيادة.
وانظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨ ب، و"تنوير المقباس" ٦/ ٩١، و"جامع البيان" ٢٨٧/ ٨٩، و"أسباب النزول" للواحدي ٥٠٢.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٤.
وقال النحاس: أهل التفسير على أن المعنى أنه إن اتقى الله جل وعز وطلق واحدة فله مخرج إن أراد أن يتزوج تزوج دن لم يتق الله جل وعز وطلق ثلاثاً فلا مخرج له. وهذا قول صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وابن عباس بالأسانيد التي لا تدفع. "إعراب القرآن" ٣/ ٤٥٢.
قلت: حمل الآية على العموم أولى، وما ورد عن السلف رحمهم الله هو من باب =
507
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ أي: ومن وثق به فيما نابه كفاه الله ما أهمه، ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله" (١).
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ قال ابن عباس: يريد في جميع خلقه (٢)، والمعنى: سيبلغ الله أمره فيما يريد منكم، ومن أضاف حذف التنوين استخفافًا (٣) وهو مراد كما ذكرنا، في قوله: ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ﴾ (٤) [القمر: ٢٧]، و ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥].
قال مسروق: إن الله واقع قدره على من يتوكل أو لم يتوكل، إلا أن (٥) من يتوكل عليه يجعل له من أمره مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب (٦).
﴿قد جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ قال الكلبي ومقاتل: لكل شيء من الشدة والرخاء أجلًا ينتهي إليه قدر الله، ذلك كله لا يقدم ولا يؤخر (٧).
= التمثيل لا الحصر، وليس بين تلك الأقوال تعارض، والله أعلم.
(١) لم أقف عليه.
(٢) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٤.
(٣) قرأ حفص ﴿إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ مضافًا. وقرأ الباقون ﴿بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ بالتنوين.
انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٣٠٠، و"حجة القراءات" ص ٧١٢، و"النشر" ٢/ ٣٨٨، و"الإتحاف" ص ٤١٨.
(٤) تقدم بيان القراءة فيها.
(٥) (س): (أن) زيادة.
(٦) انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٩٠، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٤٢/ ب، و"معالم التنزيل" ٣/ ٣٥٨.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٤.
508
وقال ابن عباس: يريد قدرت ما خلقت بمشيئتي (١).
٤ - قوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ ذكر الله تعالى في سورة البقرة عدة ذات الأقراء، والمتوفى عنها زوجها (٢)، وذكر عدة سائر النسوة اللائي لم يذكرن هناك في هذه السورة (٣).
ويروى أن معاذ بن جبل قال: يا رسول الله: قد عرفنا عدة التي تحيض، فما عدة الكبيرة التي يئست فنزل قوله: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ (٤) يعني القواعد من النساء اللاتي قعدن من المحيض.
قوله تعالى: ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ إن شككتم، فلم تدروا ما عدتها. وهذا قول الأكثرين واختيار الفراء (٥).
وقال أبو إسحاق: معناه إن ارتبتم في حيضتها وقد إنقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها فعدتهن ثلاثة أشهر (٦).
(١) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٤.
(٢) وذلك في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨].
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [٢٣٤].
(٣) وهن الكبيرات اللاتي انقطع عنهن الحيض، والصغيرات اللاتي يحضن، وأولات الأحمال.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٩١، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٥.
وذكره أكثر المفسرين عن أبي بن كعب. انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٩٣، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٤٣ أ، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٥٠٣.
(٥) في (س): (واختيار الفراء) زيادة. وانظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٦٣، و"جامع البيان" ٢٨/ ٩١، و"فتح الباري" ٩/ ٤٧٠.
قال ابن كثير: وهذا مروي عن سعيد بن جبير، وهو اختيار ابن جرير، وهو أظهر في المعنى. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٨١.
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٥.
509
وللشافعي رحمه الله في كيفية اعتبار اليأس قولان:
أحدهما: أن (١) يعتبر غالب عادة نسائها ومن في مثل حالها، فإذا مضت عليها تلك المدة ولم تحض علمنا أنها يئست (٢).
فمعنى الارتياب على القول الأول: الجهالة بحكم العدة. أي إن جهلتم عدة الكبيرة وشككتم في عدتها فلم تدروا كم هي ثلاثة أشهر. وعلى القول الثاني معنى الارتياب الشك في حالة المرأة أهي آيسة أم ذات حيض ويستأنى بها إحدى العادتين اللتين ذكرناهما. فلما نزل قوله: ﴿فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ قام رجل فقال: يا رسول الله: فما عدة الصغيرة التي لم تحض؟ فنزل: ﴿وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ -أي: هن بمنزلة الكبيرة التي قد يئست عدتها ثلاثة أشهر. فقام آخر فقال: فالحامل (٣) يا رسول الله ما عدتهن؟ فنزل: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ (٤). معناه: أجلهن في انقطاع ما بينهن وبين
(١) في (س): (أن) زيادة.
(٢) في (س): (آيسة). وانظر: "المجموع" ١٨/ ١٤٤، و"المغني" ١١/ ٢١١.
(٣) في (س): (فالحوامل).
(٤) ذكر مقاتل نحوه وذكر اسم السائل وهو خلاد بن النعمان بن قيس الأنصاري، ونقله الثعلبي عن مقاتل. انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨/ ب، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٤٣ أ - ب، و"أسباب النزول" للواحدي ص ٥٠٣.
قلت: ذكر الثعلبي عند سبب النزول أن الآية نزلت بكاملها، ثم أورد قول مقاتل. وهذه دلالة على ترجيحه لغير ما قاله مقاتل. وهو الصواب إن شاء الله إذ القرآن لا يليق به غير هذا، وتقطيع الآية بهذه الصورة يفكك النظم بين مفردات الآية الواحدة. ويشهد لهذا ما أخرجه ابن جرير وإسحاق بن راهوية والحاكم وغيرهم لما نزلت عدة النساء في سورة البقرة.. قال أبي بن كعب: يا رسول الله إن ناسًا يقولون: قد بقي من النساء من لم يذكر فيهن الصغار وذوات الحمل. فنزلت: =
510
الأزواج وضع العمل. وهذا عام في كل حامل، قال عبد الله: من شاء قاسمته لنزلت: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ بعد: ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ وكان عبد الله يقول: أجل كل حامل أن تضع ما في بطنها (١)، وكان علي يقول آخر الأجلين (٢)، والمأخوذ به قول عبد الله حتى إن المتوفى عنها زوجها (٣) لو وضعت حملها قبل دفن الميت حلت للأزواج (٤).
= ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾ الآية. قال السيوطي في "اللباب": صحيح الإسناد. وقال الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٩٣: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(١) أخرج البخاري في التفسير، باب ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ﴾ ٦/ ١٩٤ عن ابن مسعود وفيه: لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾. وانظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٩٢، و"تفسير ابن كثير" ٤/ ٣٨٢، و"فتح الباري" ٨/ ٦٥٦.
(٢) أخرجه ابن جرير وعبد الرزاق وغيرهما، وأخرجه عبد بن حميد، وسعيد بن منصور، عنه بسند صحيح، وأخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب: التفسير، سورة الطلاق ٦/ ١٩٣ عن ابن عباس، ومسلم في كتاب: الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها ٢/ ١١٢٢ عن ابن عباس.
وانظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٩٣، و"فتح الباري" ٩/ ٤٧٤.
قلت: ما ورد في "الصحيح" وما رواه ابن جرير في "تفسيره" ٢/ ٥١٢ عن ابن عباس بإسناد حسن من طريق علي بن أبي طلحة يدل على رجوعه عن القول السابق بعد أن بلغه حديث سبيعة الأسلمية.
انظر: "تفسير ابن عباس ومروياته" للحميدي ٢/ ٨٩٤.
(٣) (زوجها) ساقطة من (س).
(٤) قال ابن حجر: (وقد قال جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار: إن الحامل إذا مات عنها زوجها تحل بوضع العمل وتنقضي عدة الوفاة). "فتح الباري" ٩/ ٤٧٤.
ونقل ابن قدامة الإجماع على ذلك ورجوع ابن عباس عن قوله. "المغني" ١١/ ٢٢٧.
511
يدل على ذلك حديث سبيعة بنت الحارث وهي أنها وضعت حملها قبل أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجها فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قد حللت حين وضعت حملك" وأمرها أن تتزوج (١).
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ﴾ في جميع ما أمره بطاعته فيه ﴿يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ ييسر الله عليه في أمره ويوفقه للعمل الصالح. قال ذلك المقاتلان (٢).
وقال عطاء: يسهل الله عليه أمر الدنيا والآخرة (٣).
﴿ذَلِكَ﴾ يعني الذي ذكر من الأحكام ﴿أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ﴾ بطاعته فيعمل بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم -.
﴿يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ﴾ من الصلاة إلى الصلاة، ومن الجمعة إلى الجمعة ﴿وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ قاله ابن عباس (٤).
٦ - قوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ قال الكسائي: ﴿مِّن﴾ صلة، والمعنى: أسكنوهن حيث (٥) سكنتم من وجدكم (٦).
قال أبو عبيدة: من سعتكم من الجدة (٧).
(١) حديث متفق عليه، رواه البخاري في كتاب: المغازي، باب حدثني عبد الله بن محمد الجعفي ٥/ ١٠٢ ومسلم في كتاب: الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع العمل ٢/ ١١٢٢.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٨ ب.
(٣) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٥٨، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٦.
(٤) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٦.
(٥) في (س): (من حيث).
(٦) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٤٤ أ، وعند الزمخشري أنها للتبعيض، والمعنى: أي بعض مكان سكناكم، و"الكشاف" ٤/ ١١٠.
(٧) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٠.
512
وقال الفراء: يقول: على قدر طاقتكم، على قدر (١) ما يجد، فإن كان موسعًا وسع عليها في المسكن والنفقة، وإن كان فقيرًا مقترًا (٢) فعلى قدر ذلك (٣).
وقال أبو إسحاق: يقال: وجدت في المال وجدًا -أي صرت ذا مال- ووجدًا وجدةً (٤). وقال الأخفش: الوجدُ المقدرة، أي: من حيث سكنتم مما تقدرون عليه (٥).
قال المقاتلان: يعني من سعتكم في المسكن والنفقة (٦).
وقال الضحاك: أنفقوا عليهن بقدر ما عندكم من السعة. وقال السدي: ﴿مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ أي من ملككم (٧).
قال قتادة: إن لم تجد إلا ناحية بيتك فأسكنها فيه (٨).
قال أصحابنا (٩): السكنى تكون في مسكن النكاح، ولا يجوز للزوج أن يخرجها منه، ولا لها أن تخرج.
(١) في (س): (قدر) زيادة.
(٢) في (س): (مقترًا) زيادة.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٦٣.
(٤) في (ك): (ووجدة). وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٨٦.
(٥) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٧١٠.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٩ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٥٩.
(٧) لم أجدها. وعند ابن جرير عن السدي: (المرأة يطلقها فعليه أن يسكنها وينفق عليها)، و"جامع البيان" ٢٨/ ٩٤، وما ذكره المؤلف عنهما لا يخرج عن أقوال المفسرين المذكورة.
(٨) انظر: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٨٣، و"الدر" ٦/ ٢٣٧.
(٩) أي الشافعية. وانظر: "المجموع" ١٨/ ١٦٢، و"الحاوي الكبير" ١١/ ٢٤٩.
513
جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: يا أبا عبد الرحمن: ما ترى في امرأة طلقت ثم أصبحت غادية إلى أهلها؟ فقال عبد الله: ما أحب أن لي دينها بتمرة.
فإن كان للزوج المطلق مسكن واحد ودار واحدة؛ لم يجز للمرأة أن تساكنه فيها ساعة إلا مع محرم بالغ من محارمها، ولكن على الزوج أن يخرج منها لتخلو الدار لها، وإن كانت الدار واسعة مشتملة على مرافق فإن أمكنها أن تنفرد في بعض مرافق الدار جاز أن تساكنه (١)، وكل مطلقة مستحقة للسكنى (٢).
وفي المتوفى عنها قولان:
أحدهما: أنها تستحق السكنى.
والثاني: أنها لا تستحق وليس لها نفقة العدة بحال (٣).
قوله تعالى: ﴿وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ نهى الله عن مضارتهن
(١) في (س): من قوله (فيها ساعة) إلى (تساكنه) زيادة. وانظر: "المجموع" ١٨/ ١٦٢، و"المغني" ١١/ ٣٠٢.
(٢) وهو قول ابن مسعود، وابن عمر، وعائشة، وسعيد بن المسيب، والشافعي، وأصحاب الرأي، وغيرهم.
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٤٥٩، و"المغني" ١١/ ٣٠٠.
(٣) في (س): (بحال) زيادة.
وانظر: "المغني" ١١/ ٢٩٢، وقال: (قال أصحابنا: ولا سكنى للمتوفى عنها إذا كانت حائلاً، رواية واحدة، دن كانت حاملًا فعلى روايتين، وللشافعي في سكنى المتوفى عنها قولان...).
وقال الجصاص: قد اتفق الجميع على أن لا نفقة للمتوفى عنها زوجها غير الحامل. "أحكام القرآن" ٣/ ٤٦٢.
514
بالتضييق عليهن في المسكن والنفقة.
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ وهذا بيان حكم المطلقة البائنة؛ لأن الرجعية تستحق النفقة وإن لم تكن حاملاً، وان كانت مطلقة ثلاثًا، أو مختلعة فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملًا فتستحق النفقة (١).
قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ يعني حق الرضاع وأجرته، وللزوج أن يستأجر امرأته لإرضاع الولد كما يستأجر أجنبية، وبيان هذا قد تقدم في سورة البقرة (٢).
قوله تعالى: ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ قال عطاء: يريد بفضل معروف منك (٣).
وقال مقاتل بن حيان: يتراضى الأب والأم على أجل مسمى (٤).
وقال السدي: يعني اصنعوا المعروف فيما بينكم (٥).
وقال المبرد: ليأمر بعضكم بعضًا بالمعروف. والخطاب للأزواج من
(١) انظر: "الأم" ٥/ ٩٧، و"أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٤٥٩، و"المغني" ١١/ ٣٠١، و"شرح النووي على مسلم" ١٠/ ٩٥، و"المحلى" ١٠/ ٢٨٨، و"فتح الباري" ٩/ ٤٨٠، وهو قول الجمهور. وقال الأحناف والثوري والحسن بن صالح: لكل مطلقة السكنى والمنفقة ما دامت في العدة حاملًا كانت أو غير حامل.
انظر: "بدائع الصنائع" ٤/ ٢٠٣٨، و"شرح فتح القدر" ٣/ ٣٣٩، و"الحاوي الكبير" ١١/ ٢٤٦.
(٢) عند تفسيره الآية (٢٣٣) من سورة البقرة.
(٣) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٧.
(٤) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٦٠.
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٩٦.
515
الرجال والنساء يأمرهم أن يأتوا المعروف وما هو الأحسن ولا يقصدوا التعاسر والضرر (١).
قال أبو إسحاق: المعروف هاهنا -والله أعلم- أن لا يقصر الرجل في نفقة المرأة التي ترضع ولده إذا كانت هي والدته؛ لأن الوالدة أرأف بولدها من غيرها، ولا تقصر هي في إرضاع ولدها، والقيام بشأنه، فحق على كل واحد منهما أن يأتمر في الولد بمعروف (٢). وذكرنا تفسير الائتمار عند قوله: ﴿يَأْتَمِرُونَ بِكَ﴾ (٣) [القصص: ٢٠].
﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ﴾ أي (٤) في الأجرة ولم يتفق بين الوالدة والولد ما يتراضيان به ﴿فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ معناه: فليسترضع له (٥) الوالد غير (٦) والدة الصبي.
ومعنى ﴿تَعَاسَرْتُمْ﴾ لم تتفقوا على أمر.
ثم بين قدر الإنفاق فقال: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ أمر أهل التوسعة أن يوسعوا على نسائهم المرضعات أولادهن على قدر سعتهن ومن
(١) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٧.
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٦.
(٣) قال: الائتمار: المشاروة، وهو أن يأمر بعضهم بعضًا.
قال شمر: يقول ائتمرت فلانًا في ذلك الأمر إذا شاورته، وائتمر القوم إذا شاوروا ثم الائتمار يكون مرة مع ذوي العقل والرأي من الناس وهو المحمود المسنون ومرة يكون مع النفس والهوى، وهو المذموم.
(٤) في (س): (أي) زيادة.
(٥) (له) ساقطة من (س).
(٦) في (ك): (غيره).
516
كان رزقه بمقدار القوت فلينفق على قدر ذلك. وهذا كقوله (١) ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ [البقرة: ٢٣٦].
قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ أي: ما أعطاها من الرزق، قال السدي: لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني (٢). وذلك أنه لو كلف الفقير أن يوسع فقد كلفه ما لم يؤته، وإذا كلف الغني ذلك لم يكلفه إلا ما آتاه.
قوله: ﴿سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ أي من بعد ضيق وشدة غنى وسعة ورخاء.
قال أبو إسحاق: كان الغالب على أكثرهم في ذلك الوقت الفقر والفاقة فأعلمهم الله عَزَّ وَجَلَّ أنه سيوسر المسلمون، ففتح عليهم بعد ذلك وجعل يسرًا بعد عسر (٣)، والمؤمنون وإن كانوا في حال ضيقة فهم على رجاء اليسر من الله تعالى.
٨ - قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ الكلام في كأين والاختلاف فيها قد تقدم ذكره في سورة آل عمران (٤).
(١) في (ك): (كله).
(٢) انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٩٧، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤٥٦.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٧.
(٤) عند تفسيره الآية (١٤٦) من سورة آل عمران.
قال أبو الهيثم: كأيّ بمعنى كم، وكم بمعنى الكثرة. والكاف في (كأين) كاف التشبيه دخلت على (أيِّ)، التي هي الاستفهام كما دخلت على (ذا) في (كذا) و (أن في (كأن) ولا معني للتشبيه فيه... وكثر استعمال هذه الكلمة فصارت ككلمة واحدة موضوعة للتكثير، وفي كأين ثلاث لغات: كأين بوزن كعين، وكائن بوزن كاعِن، وكاين بوزن ماين. وانظر: "اللسان" ٣/ ٣٢٣ (كين). =
517
﴿وَكَأَيِّنْ﴾ في هذه الآية مبتدأة في اللفظ فاعل في المعنى كما أن كم رجل قد قام كذلك (١). وقد تكون مفعولة كقوله: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ [الحج: ٤٥] فهذه مفعولة بها في المعنى ومبتدأة في اللفظ، وأنث على المعنى كما جعل على المعنى في قوله: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ في السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ﴾ [النجم: ٢٦] والكلام خرج على لفظ القرية في قوله: ﴿عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا﴾ والمراد أهلها. قال ابن عباس: عتوا على الله وعلى أنبيائهم (٢).
وقال مقاتل: خالفت أمر ربها وخالفت رسله (٣).
وقال الضحاك: يعني من أهلك من الأمم بتكذيبهم رسل الله وجحودهم بآياته.
قوله تعالى: ﴿فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا﴾ قال مقاتل: فحاسبها الله بعملها في الدنيا فجازاها بالعذاب (٤) وهو قوله: ﴿وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا﴾ (٥). ففسر المحاسبة بالتعذيب، ونحو هذا قال الضحاك: ﴿فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا﴾ (٦)
= وفي قوله تعالى (وكأين) خلاف بين القراء، حيث قرأ ابن كثير وأبو جعفر بألف ممدودة بعد الكاف وبعدها همزة مكسورة. وقرأ الباقون بهمزة مفتوحة بعد الكاف وبعدها ياء مكسورة مثل مشددة
انظر: "حجة القراءات" ص ١٧٤، و"النشر" ٢/ ٢٤٢، و"الإتحاف" ص ٤١٨.
(١) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٩٧.
(٢) لم أجده، والآية ظاهرة المعنى.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٩أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٨.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٩/ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٨.
(٥) في (س): (شديدا).
(٦) من قوله (قال مقاتل) إلى (شديدا) ساقطة من (ك).
518
يقول في الدنيا وهو أن الله تعالى لم يتجاوز عنهم وأخذناهم بالعذاب جزاء لما فعلوا من التكذيب (١)، فجعل المجازاة بالعذاب محاسبة؛ وذلك لأنهم لما (٢) استحقوا العذاب بالتكذيب صار كأنه حاسبهم فعذبهم.
وقال الكلبي: هذا على التقديم والتأخير، والمعنى: فعذبناها في الدنيا وحسابناها في الآخرة حسابًا شديدًا (٣).
٩ - ﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾ أي: ثقل عاقبة أمرها، قال ابن عباس: يريد عاقبة كفرها (٤) ﴿وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا﴾ يقول: كان عاقبة أمرها (٥) الخسران في الدنيا والآخرة.
١٠ - وهو قوله: ﴿أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ قال يخوف كفار مكة أن لا يكذبوا محمدًا فينزل بهم ما نزل بالأمم قبلهم.
ثم قال للذين آمنوا ﴿فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
ثم نعتهم فقال قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (١٠) رَسُولًا﴾ قال أبو إسحاق: رسولاً منصوب على ثلاثة أوجه، أجودها أن يكون قوله: ﴿قَدْ أَنْزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْرًا﴾ دليلاً (٦) على إضمار أرسل رسولاً (٧)، والمعنى
(١) لم أجده.
(٢) (لما) ساقطة من (ك).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٦٤، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٤٥ أ، و"زاد المسير" ٨/ ٢٩٨ ونسبه لابن عباس، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٨.
(٤) انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٩٢، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٣٨.
(٥) في (ك): (عاقبته).
(٦) في (س): (دليل).
(٧) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٨.
على هذا: أنزل عليكم (١) قرآنًا -والذكر هو القرآن- وأرسل رسولاً، وإنزال الذكر يدل على إرسال الرسول؛ لأن الذكر ينزل على الرسول، وهذا الوجه هو قول الكسائي (٢).
١١ - قال أبو إسحاق: ويكون ﴿رَسُولًا﴾ منصوبًا بقول: ﴿ذِكْرًا﴾ ويكون المعنى: قد أنزل إليكم أن ذكر رسولاً يعني به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال أبو علي: هذا الوجه ﴿رَسُولًا﴾ (٣) معمول المصدر والتقدير أن ذكر رسولاً (٤) لأن يتبعوه فيهتدوا بالاقتداء به، ومثل ذلك من إعمال المصدر قوله: ﴿مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٣] فشيء مفعول المصدر (٥).
الوجه الثالث: قال أبو إسحاق: ويكون المعنى قد أنزل الله إليكم ذكرًا رسولاً. بدلاً من: ﴿ذِكْرًا﴾ (٦)، قال أبو علي: هذا يكون على تقدير حذف المضاف إلى الذكر، والذكر على هذا القول يحتمل تأويلين:
أحدهما: ذا شرف وصيت (٧) كما قال: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤].
(١) في (س): (إليكم).
(٢) قال أبو حيان: ونحا إلى هذا السدي، واختاره ابن عطيه. انظر: "البحر المحيط" ٨/ ٢٨٦.
(٣) في (س): (رسولاً) زيادة.
(٤) في (ك): (يكون رسول).
(٥) في (س): (المصدر) زيادة.
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٨.
(٧) في (ك): (وصلب).
520
الآخر: ذا قرآن كقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ [النحل: ٤٤] والإنزال على هذا القول يكون بمعنى الإنشاء والإحداث، كما ذكرنا في قوله: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الزمر: ٦]. وقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ [الحديد: ٢٥].
قال أبو إسحاق: ويكون يعني به جبريل يريد أن المعنى في قوله: فأنزل الله إليكم ذا ذكر رسولاً، وهو جبريل (١)؛ لأنه أنزل مع القرآن رسولاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -، وهذا محتمل وأن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم - أولى لقوله بعده: ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ﴾.
وذكر أبو جعفر (٢) النحاس وجهين آخرين في نصب ﴿رَسُولًا﴾ (٣) لا يصح واحد منهما.
أحدهما: أنه قال: ﴿رَسُولًا﴾ بدل من ﴿ذِكْرًا﴾ بمعنى رسالة (٤). وهذا لا يجوز لقوله: ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ...﴾ إلى آخر الآية. وهو من صفة الرسول لا الرسالة (٥).
الثاني: أنه قال: ﴿رَسُولًا﴾ أي مع رسول فيكون مفعولًا معه (٦). وهذا أيضًا غير جائز؛ لأن المفعول معه لا يكون إلا مع الواو كما تقول: استوى الماء والخشبة، ولا يجوز بغير الواو (٧).
(١) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٨.
(٢) في (س): (أبو جعفر) زيادة.
(٣) انظر: "القطع والائتناف" ص٧٣١.
(٤) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤٥٨.
(٥) انظر: "البحر المحيط" ٨/ ٢٨٦، و"روح المعاني" ٢٨/ ١٤١.
(٦) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٤٥ ب.
(٧) انظر: "النحو الوافي" لعباس حسن ٢/ ٣١٠.
521
قوله تعالى: ﴿قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقًا﴾ قال الزجاج (١): أي رزقه الجنة التي لا ينقطع نعيمها ولا يزول (٢).
ثم ذكر عَزَّ وَجَلَّ ما يدل على توحيده فقال:
١٢ - قوله تعالى: ﴿الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ قال الكلبي: بعضها فوق بعض مثل القبة (٣).
﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ قال مقاتل: وخلق من الأرض مثل عدد السموات (٤) ﴿يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ قال عطاء: يريد الوحي بينهن إلى خلقه في كل أرض وفي كل سماء (٥).
وقال الكلبي: يعني الوحي، وفي كل أرض منهن خلق وماء (٦).
وقال مقاتل: يعني الوحي (٧) من السماء العليا إلى الأرض السفلى (٨).
(١) (ك): (الزجال).
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٨.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٩ ب، وهو قول الجمهور.
انظر: "البداية والنهاية" ١/ ٢١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٨٥، و"روح المعاني" ٢٨/ ١٤٢.
وقال ابن حجر عند شرحه لحديث البخاري في كتاب: المظالم، باب: إثم من ظلم شيئًا من الأرض ٣/ ١٧٠: وفيه أن الأرضين السبع طباق كالسموات، وهو ظاهر قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ خلافًا لمن قال: إن المراد بقوله سبع أرضين سبعة أقاليم؛ لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرًا من إقليم آخر. "فتح الباري" ٥/ ١٠٥.
(٤) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٤٠.
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ٩٥، ولفظه: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ سبعًا ولكنها منبسطة.
(٦) في (ك): (ومرض).
(٧) من قوله (وفي كل أرض) إلى (يعني الوحي) ساقطة من (ك).
(٨) انظر: "تفسير مقاتل" ١٥٩ ب.
522
وقال مجاهد: يتنزل الأمر بينهن بحياة بعض وموت (١) بعض، وغنى واحد (٢) وفقر آخر، وسلامة هذا وهلاك ذاك (٣). قال: وهذه الأرض إلى التي تحتها مثل فسطاط بأرض فلاة، وهذه السماء إلى التي فوقها مثل حلقة في فلاة (٤).
وقال قتادة: في كل سماء من سمائه، وأرض من أرضه خلق من خلقه وأمر من أمره، وقضاء من قضائه (٥).
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد ﴿يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ﴾ قال: بين الأرض السابعة إلى السماء السابعة (٦).
وروى مجاهد عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال: لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم، وكفركم تكذيبكم بها (٧).
وروى أبو الضحى (٨) عنه قال: في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى، ونحو ما على الأرض من الخلق) (٩).
(١) في (ك): (ومرض).
(٢) في (ك): (بعض واحد).
(٣) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٤٠.
(٤) انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٩٩.
(٥) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٩٩، و"جامع البيان" ٢٨/ ٩٩، و"الدر" ٦/ ٢٣٨.
(٦) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٨٢، و"جامع البيان" ٢٨/ ١٠٠.
(٧) أخرجه ابن جرير، وعبد بن حميد، وابن الضريس. انظر: "جامع البيان" ٢٨/ ٩٩، و"الدر" ٦/ ٢٣٨.
(٨) هو مسلم بن صبيح الهمداني، العطار، ثقة، فاضل، مشهور بكنيته. وقد تقدم.
(٩) أخرجه ابن جرير في "تفسيره" ٢٨/ ٩٩، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٩٣، =
523
قوله تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا﴾ قال الزجاج: معناه أعلمكم ذلك لتعلموا قدرته على كل شيء وعلمه وهو قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ وهو منصوب على المصدر؛ لأن قوله: ﴿أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ معناه: علم كل شيء (١) والله تعالى أعلم.
= وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ٢٦٧، وقال: إسناد هذا عن ابن عباس صحيح، وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا، والله أعلم.
وقال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" ١/ ٢١، وهو محمول إن صح نقله عنه على أنه أخذه ابن عباس -رضي الله عنه- عن الإسرائيليات، والله أعلم.
وانظر: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣٨٥.
وقال أبو حيان: وعن ابن عباس من رواية الواقدي الكذاب.. ثم ذكر الحديث وقال: وهذا حديث لا شك في وضعه. انظر: "البحر المحيط" ٨/ ٢٨٧.
(١) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ١٨٩.
524
المملكة العربيّة السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
-١١٤، ١١٥ -
التَّفْسِيُر البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من سورة التحريم إلى سورة القلم
تحقيق
د. فاضل بن صالح بن عبد الله الشهري
من سورة الحاقة إلى سورة القيامة
تحقيق
د. نورة بنت عبد الله بن عبد العزيز الورثان
أشرف على طباعته وإخراجه
﴿لِعِدَّتِهِنَّ﴾ وهكذا رويناه من طريق الدبري وهذا إسناد في غاية الصحة لا يحتمل التوجيهات. "المحلى" ١٠/ ١٦٦.
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود أ. د. تركي بن سهو العتيبي
الجزء الثاني والعشرون
1
المملكة العربيّة السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عمادة البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
-١١٤، ١١٥ -
التَّفْسِيُر البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من سورة التحريم إلى سورة القلم
تحقيق
د. فاضل بن صالح بن عبد الله الشهري
من سورة الحاقة إلى سورة القيامة
تحقيق
د. نورة بنت عبد الله بن عبد العزيز الورثان
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود أ. د. تركي بن سهو العتيبي
الجزء الثاني والعشرون
2
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ١٤٣٠ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد
الواحدي (ت ٤٦٨ هـ)./ فاضل بن صالح بن عبد الله الشهري،
الرياض ١٤٣٠ هـ.
٢٥ مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٨٧ (مجموعة)
٦ - ٨٧٩ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ٢٢)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- العنوان... ب- السلسلة
ديوي ٢٢٧. ٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠ هـ
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
٦ - ٨٧٩ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج ٢٢)
3
التَّفْسِيُر البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
[٢٢]
4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

5
التَّفْسِيُر البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من سورة التحريم إلى سورة القلم
تحقيق
د. فاضل بن صالح بن عبد الله الشهري
6
Icon