تفسير سورة الفجر

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة الفجر من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
آياتها ثلاثون
هي مكية، نزلت بعد سورة الليل.
ومناسبتها لما قبلها :
( ١ ) أنه ذكر في تلك الوجوه الخاشعة والوجوه الناعمة، وذكر في هذه طوائف من المكذبين المتجبرين الذين وجوههم خاشعة، وطوائف من الذين وجوههم ناعمة.
( ٢ ) أن القسم الذي في أول السورة كالدليل على صحة ما تضمنته خاتمة السورة السابقة من الوعد والوعيد.

بسم الله الرحمن الرحيم

الإيضاح :﴿ والفجر ﴾ الفجر هو الوقت الذي ينشق فيه الضوء، وينفجر النور، وقد أقسم ربنا به، لما يحصل فيه من انقضاء الليل، وظهور الضوء، وما يترتب على ذلك من المنافع كانتشار الناس وسائر الحيوان من الطير والوحش لطلب الرزق، وهو كقوله :﴿ والصبح إذا تنفس ﴾ [ التكوير : ١٨ ] وقوله :﴿ والصبح إذا أسفر ﴾ [ المدثر : ٣٤ ].
﴿ وليال عشر ﴾ هي عشر ليال يتشابه حالها مع حال الفجر، فيكون ضوء القمر فيها مطاردا لظلام الليل إلى أن تغلبه الظلمة، كما يهزم ضوء الصبح ظلمة الليل حتى يسطع النهار، ولا يزال الضوء منتشرا إلى الليل الذي بعده.
وضوء الأهلة في عشر ليال من أول كل شهر يشق الظلام، ثم لا يزال الليل يغالبه إلى أن يغلبه، فيسدل على الكون حجبه، وهذه الليالي العشر غير متعينة في كل شهر فإن ضوء الهلال قد يظهر حتى تغلبه الظلمة في أول ليلة من الشهر.
وقد يكون ضئيلا يغيب ضوؤه في الشفق فلا يعد شيئا.
والخلاصة : إن الليالي العشر تارة تبتدئ من أول ليلة، وأخرى من الليلة الثانية.
﴿ والشفع والوتر ﴾ أي والزوج والفرد من هذه الليالي ؛ فهو سبحانه أقسم بالليالي جملة ثم أقسم بما حوته من زوج وفرد.
وبعد أن أقسم بضروب من الضياء أقسم بالليل مرادا منه الظلمة فقال :
﴿ والليل إذا يسر ﴾ أي والليل إذا يمضي ويذهب، وهو كقوله :﴿ والليل إذ أدبر ﴾ [ المدثر : ٣٣ ] وقوله :﴿ والليل إذا عسعس ﴾ [ التكوير : ١٧ ].
ونعمة الله على عباده بتعاقب الليل والنهار واختلاف مقاديرهما بحسب الأزمنة والفصول- مما لا يجحدها إلا مكابر، لا جرم أقسم ربنا بهما تنبيها إلى أن تعاقبهما بتدبير مدبر حكيم، عالم بما في ذلك من المصلحة لعباده.
انظر إلى ما في إقبال الصبح من عميم النفع، فإنك لترى أن يفرج كربة الليل وينبه إلى استقبال العمل، وكذلك تدرك ما في الليالي المقمرة من فائدة، فهي تستميل النفس إلى النقلة، وتيسر للناس النجعة، وبخاصة في أيام الحر الشديد في بلاد كبلاد العرب.
وكذا نعرف ما في الظلام من منفعة، فإن فيه تهدأ النفوس، وتسكن الخواطر وتستقر الجنوب في مضاجعها، لتسريح من عناء العمل، وتستعين بالنوم على إعادة القوى، وتختفي الناس من مطاردة اللصوص، ولله در المتنبي حيث يقول :
وكم لظلام الليل عندك من يد تخبر أن المانوية تكذب
ثم قرر فخامة الأشياء التي أقسم بها قبل، وكونها أهلا لأن تعظم فقال :
﴿ هل في ذلك قسم لذي حجر ﴾ الحجر ( بكسر الحاء وسكون الجيم ) العقل، ويقولون : فلان ذو حجر : إذا كان قاهرا لنفسه، ضابطا لها، مضيقا عليها.
والمراد أن من كان ذا لبّ وعقل يفطن إلى أن في القسم بهذه المخلوقات المشتملة على باهر الحكمة، وعجيب الصنعة، الدالة على وحدانية صانعها- مقنعا أيما مقنع، وكفاية أعظم كفاية.
وجاء الكلام بصورة الاستفهام لتأكيد المقسم عليه وتقريره، كما تقول لمن يحاجّك في أمر ثم تقيم له الحجة الناصعة التي تثبت ما تدعي : هل فيما ذكرت لك كفاية، ومرادك أني قد ذكرت لك أقوى الحجج وأبينها، فلست تستطيع جحد ما قلت بعد هذا.
وجواب القسم محذوف يدل عليه قوله بعد :﴿ ألم تر كيف فعل ربك بعاد ﴾ الآية، ويقدر بنحو قوله إن ناصية المكذبين بيدي، ولئن أمهلتهم فلن أهملهم، ولآخذنهم أخذ الأمم قبلهم، وقد ترك لتسترسل نفس القارئ في تأمل ما مضى وما يتبع ليجد الجواب بينهما، فيتمكن المعنى لديه فضل تمكن.
شرح المفردات : عاد : جيل من العرب البائدة يقولون إنه من ولد عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، ويلقب أيضا بإرم، وذات العماد : أي سكان الخيام، وكانت منازلهم بالرمال والأحقاف إلى حضر موت.
المعنى الجملي : بعد أن أقسم سبحانه أنه سيعذب الكافرين جزاء كفرهم وإصرارهم على مخالفة أوامره- شرع يذكر بعض قصص الأمم السالفة ممن عاندوا الله ورسوله ولجوا في طغيانهم فأوقع بهم شديد العذاب وأخذهم أخذ العزيز الجبار، ليكون في ذلك زجر لهؤلاء المكذبين. وتثبيت للمؤمنين الذين اتبعوا الرسول وناصروه، وتطمين لقلوبهم بأن أعداءهم سيلقون ما يستحقون من الجزاء.
الإيضاح :﴿ ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد ﴾ أي ألم تعلم أيها الإنسان، كيف أهلك ربك عادا الأولى الذين كانوا أشد الناس أجساما وأطولهم قامة، وأرفعهم مكانة، والذين لم يخلق في البلاد كلها مدينة كمدينتهم.
المعنى الجملي : بعد أن أقسم سبحانه أنه سيعذب الكافرين جزاء كفرهم وإصرارهم على مخالفة أوامره- شرع يذكر بعض قصص الأمم السالفة ممن عاندوا الله ورسوله ولجوا في طغيانهم فأوقع بهم شديد العذاب وأخذهم أخذ العزيز الجبار، ليكون في ذلك زجر لهؤلاء المكذبين. وتثبيت للمؤمنين الذين اتبعوا الرسول وناصروه، وتطمين لقلوبهم بأن أعداءهم سيلقون ما يستحقون من الجزاء.
شرح المفردات : وثمود : قبيلة من العرب البائدة كذلك وهي من ولد كاثر بن إرم بن سام، ومنازلهم بالحجر بين الشام والحجاز، جابوا الصخر : أي قطعوه ونحتوه، بالواد : أي الوادي الذي كانوا يسكنون فيه.
﴿ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ﴾ أي وثمود الذين قطعوا الصخر ونحتوه وبنوا منه القصور والأبنية العظيمة كما قال في آية أخرى :﴿ وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ﴾ [ الشعراء : ١٤٩ ].
وفي هذا دليل على ما أنعم الله به عليهم من القوة والعقل وحسن التدبير.
المعنى الجملي : بعد أن أقسم سبحانه أنه سيعذب الكافرين جزاء كفرهم وإصرارهم على مخالفة أوامره- شرع يذكر بعض قصص الأمم السالفة ممن عاندوا الله ورسوله ولجوا في طغيانهم فأوقع بهم شديد العذاب وأخذهم أخذ العزيز الجبار، ليكون في ذلك زجر لهؤلاء المكذبين. وتثبيت للمؤمنين الذين اتبعوا الرسول وناصروه، وتطمين لقلوبهم بأن أعداءهم سيلقون ما يستحقون من الجزاء.
شرح المفردات : وفرعون : هو حاكم مصر الذي كان في عهد موسى عليه السلام، والأوتاد : المباني العظيمة الثابتة.
﴿ وفرعون ذي الأوتاد ﴾ أي وفرعون ذي المباني العظيمة التي شادها هو ومن قبله من فراعنة مصر في قديم الأزمان كالأهرام وغيرها.
وما أجمل التعبير عما تركه المصريون من الأبنية الباقية بالأوتاد، فإن شكل هياكلهم العظيم شكل الأوتاد المقلوبة، إذ يبتدئ البناء عريضا وينتهي بأدق مما بدأ.
المعنى الجملي : بعد أن أقسم سبحانه أنه سيعذب الكافرين جزاء كفرهم وإصرارهم على مخالفة أوامره- شرع يذكر بعض قصص الأمم السالفة ممن عاندوا الله ورسوله ولجوا في طغيانهم فأوقع بهم شديد العذاب وأخذهم أخذ العزيز الجبار، ليكون في ذلك زجر لهؤلاء المكذبين. وتثبيت للمؤمنين الذين اتبعوا الرسول وناصروه، وتطمين لقلوبهم بأن أعداءهم سيلقون ما يستحقون من الجزاء.
شرح المفردات : والطغيان : تجاوز القدر في الظلم والعتو.
﴿ الذين طغوا في البلاد* فأكثروا فيها الفساد ﴾ أي هؤلاء الذين سلف ذكرهم من عاد وثمود وفرعون قد استعملوا سلطانهم وقوتهم في هضم حقوق الناس، واغتروا بعظيم قدرتهم، فكانوا سببا في إفساد البلاد.
ذاك أن من اغتر بنفسه وتهاون بحقوق غيره واعتدى عليها، وأخذ ما ليس له ولم يعط الذي عليه- يكون قد فكك شمل الجماعة وأفسد في البلاد، فيختل نظام العمران، ويقف دولاب التعامل، ويوجس كل امرئ خيفة من بني جلدته، ولاشك أن أمما هذه حالها تكون عاقبتها الخراب والدمار،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:المعنى الجملي : بعد أن أقسم سبحانه أنه سيعذب الكافرين جزاء كفرهم وإصرارهم على مخالفة أوامره- شرع يذكر بعض قصص الأمم السالفة ممن عاندوا الله ورسوله ولجوا في طغيانهم فأوقع بهم شديد العذاب وأخذهم أخذ العزيز الجبار، ليكون في ذلك زجر لهؤلاء المكذبين. وتثبيت للمؤمنين الذين اتبعوا الرسول وناصروه، وتطمين لقلوبهم بأن أعداءهم سيلقون ما يستحقون من الجزاء.
شرح المفردات : والطغيان : تجاوز القدر في الظلم والعتو.
﴿ الذين طغوا في البلاد* فأكثروا فيها الفساد ﴾ أي هؤلاء الذين سلف ذكرهم من عاد وثمود وفرعون قد استعملوا سلطانهم وقوتهم في هضم حقوق الناس، واغتروا بعظيم قدرتهم، فكانوا سببا في إفساد البلاد.
ذاك أن من اغتر بنفسه وتهاون بحقوق غيره واعتدى عليها، وأخذ ما ليس له ولم يعط الذي عليه- يكون قد فكك شمل الجماعة وأفسد في البلاد، فيختل نظام العمران، ويقف دولاب التعامل، ويوجس كل امرئ خيفة من بني جلدته، ولاشك أن أمما هذه حالها تكون عاقبتها الخراب والدمار،

المعنى الجملي : بعد أن أقسم سبحانه أنه سيعذب الكافرين جزاء كفرهم وإصرارهم على مخالفة أوامره- شرع يذكر بعض قصص الأمم السالفة ممن عاندوا الله ورسوله ولجوا في طغيانهم فأوقع بهم شديد العذاب وأخذهم أخذ العزيز الجبار، ليكون في ذلك زجر لهؤلاء المكذبين. وتثبيت للمؤمنين الذين اتبعوا الرسول وناصروه، وتطمين لقلوبهم بأن أعداءهم سيلقون ما يستحقون من الجزاء.
شرح المفردات : وصب : أي أفرغ وألقى، وسوط عذاب : أي أنواعا من العقوبات التي أنزلها عليهم جزاء طغيانهم.
ومن ثم ذكر عاقبة أمرها فقال :
﴿ فصب عليهم ربك سوط عذاب ﴾ أي فأنزل الله تعالى بهم ألوانا من البلاء، وشديد العقاب.
وقد شبه سبحانه ما أوقعه بهم من صنوف العذاب، وما صبه عليهم من ضروب الهلاك- بالسوط، من قبل أن السوط يضرب به في العقوبات، والله يوقع العذاب بالأمم عقوبة لها على ما يقع منها من أنواع التفريط في أوامر دينه.
المعنى الجملي : بعد أن أقسم سبحانه أنه سيعذب الكافرين جزاء كفرهم وإصرارهم على مخالفة أوامره- شرع يذكر بعض قصص الأمم السالفة ممن عاندوا الله ورسوله ولجوا في طغيانهم فأوقع بهم شديد العذاب وأخذهم أخذ العزيز الجبار، ليكون في ذلك زجر لهؤلاء المكذبين. وتثبيت للمؤمنين الذين اتبعوا الرسول وناصروه، وتطمين لقلوبهم بأن أعداءهم سيلقون ما يستحقون من الجزاء.
شرح المفردات : والمرصاد : هو المكان الذي يقوم فيه الرصد، والرصد من يرصد الأمور : أي يترقبها ليقف على ما فيها من الخير والشر، ويطلق أيضا على الحارس الذي يحرس ما يخشى عليه.
ثم ذكر العلة في تعذيبه لهم فقال :
﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ أي إن شأن ربك ألا يفوته من شؤون عباده نقير ولا قطمير، ولا يهمل أمة تعدت في أعمالها حدود شرائعه القويمة، بل يأخذها بذنوبها أخذ العزيز المقتدر، كما يأخذ الراصد القائم على الطريق من يمر به بما يريد من خير أو شر، لا يفرط فيما رصد له.
وقد أجمل الله في هذه الآيات ما أوقعه بهذه الأمم من العذاب، وفصله في غير موضع من كتابه الكريم، فقال في سورة الحاقة :﴿ فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ( ٥ ) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ( ٦ ) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ( ٧ ) فهل ترى لهم من باقية ( ٨ ) وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة ( ٩ ) فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ﴾ [ الحاقة : ٥-١٠ ].
والحكمة في تكرار القصص في القرآن الكريم، وفي ذكر بعضها على طريق الإشارة في بعض المواضع، وبالتفصيل في بعض آخر- أنه قد يكون الغرض تارة إقامة الحجة على قدرته تعالى، وتوحده في ملكه، وقهره لعباده حينا، وترقيق قلوب المخاطبين حينا آخر، وإنذار عباده وإعذارهم مرة ثالثة، ولا شك أن كل مقام من الكلام له لون منه من بسط أو إيجاز لا يكون لغيره.
وقد عرفت أن الغرض هنا تطييب خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأن الله سيمهل الكافرين ولا يهملهم، وهو ليس بغافل عنهم، وحينئذ تدرك أن الإشارة إلى أن هذه الأمم أخذت وعذبت ولم تترك سدى- كافية جد الكفاية لمن فكر وتدبر.
شرح المفردات : ابتلاه : أي اختبره ببسط الرزق وإقتاره، فأكرمه : أي صيره مكرما يرفل في بحبوحة النعيم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه لا يفوته من شأن عباده شيء. وأنه يأخذ كل مذنب بذنبه- أردف ذلك ذكر شأن من شؤون الإنسان، وبين أنه لا يهتم إلا بأمور الدنيا وشهواتها، فإذا أنعم الله عليه وأوسع له في الرزق ظن أنه قد اصطفاه ورفعه على من سواه وجنبه منازل العقوبة، فيذهب مع هواه ويفعل ما يشتهي، ولا يبالي أكان ما يصنع خيرا أم شرا، فيطغي ويفسد في الأرض، وإذا ضيق عليه الرزق ( وقد يكون ذلك لتمحيص قلبه بالإخلاص أو لتظهر قوة صبره، فإن الفقر لا يزيد ذوي العزائم إلا شكرا ) يقول ربي قد أهانني، ومن أهانه الله وصغرت قيمته لديه لم يكن له عناية بعمله، فكيف يؤاخذه بما يصدر منه من شر، أو يكافئه على ما يصنع من خير، فلا شكره يكافأ بإحسان، ولا كفره يجازى بعقوبة، فينطلق يكسب عيشه بأي وسيلة عنّت له، ولا تحجزه شريعة، ولا يقف أمام قانون، ويسلك سبيل الجبارين، ويبخس الحقوق، ويفسد نظم المجتمع، ولا تزال أحوال الناس هكذا كما وصف الله، فأرباب السلطان يظنون أنهم في أمن من عقاب ربهم ولا يذكرونه إلا بألسنتهم، ولا يعرف له سلطان على قلوبهم، والفقراء الأذلاء صغرت نفوسهم عند أنفسهم، لا يبالون ماذا يفعلون ؟.
الإيضاح :﴿ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ﴾ أي إن الإنسان إذا أنعم الله عليه وأوسع له في الرزق- زعم أن هذا الذي هو فيه من السعة- إكرام من الله له، وخيل إليه الوهم أن الله لا يؤاخذه على ما يفعل، فيطغى ويفسد في الأرض.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه لا يفوته من شأن عباده شيء. وأنه يأخذ كل مذنب بذنبه- أردف ذلك ذكر شأن من شؤون الإنسان، وبين أنه لا يهتم إلا بأمور الدنيا وشهواتها، فإذا أنعم الله عليه وأوسع له في الرزق ظن أنه قد اصطفاه ورفعه على من سواه وجنبه منازل العقوبة، فيذهب مع هواه ويفعل ما يشتهي، ولا يبالي أكان ما يصنع خيرا أم شرا، فيطغي ويفسد في الأرض، وإذا ضيق عليه الرزق ( وقد يكون ذلك لتمحيص قلبه بالإخلاص أو لتظهر قوة صبره، فإن الفقر لا يزيد ذوي العزائم إلا شكرا ) يقول ربي قد أهانني، ومن أهانه الله وصغرت قيمته لديه لم يكن له عناية بعمله، فكيف يؤاخذه بما يصدر منه من شر، أو يكافئه على ما يصنع من خير، فلا شكره يكافأ بإحسان، ولا كفره يجازى بعقوبة، فينطلق يكسب عيشه بأي وسيلة عنّت له، ولا تحجزه شريعة، ولا يقف أمام قانون، ويسلك سبيل الجبارين، ويبخس الحقوق، ويفسد نظم المجتمع، ولا تزال أحوال الناس هكذا كما وصف الله، فأرباب السلطان يظنون أنهم في أمن من عقاب ربهم ولا يذكرونه إلا بألسنتهم، ولا يعرف له سلطان على قلوبهم، والفقراء الأذلاء صغرت نفوسهم عند أنفسهم، لا يبالون ماذا يفعلون ؟.
شرح المفردات : قدر عليه رزقه : أي صيره فقيرا مقترا عليه في الرزق، تقول قدرت عليه الشيء : أي ضيقته عليه، وكأنك جعلته بقدر لا يتجاوزه كما قال :﴿ ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله ﴾ [ الطلاق : ٧ ].
﴿ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ﴾ أي وإن رأى أن رزقه لا يأتيه إلا بقدر ظن أن ذلك إهانة من الله له وإذلال لنفسه.
والإنسان في الحالين مخطئ مرتكب أشنع وجوه الغفلة، لأن إسباغ النعمة في الدنيا على أحد لا يدل على أنه مستحق لذلك، ولو دل على هذا لما رأيت عاصيا موسعا عليه في الرزق، ولا شاهدت كافرا ينعم بصنوف النعم.
ولعل من حكمة الله في بسط الرزق على بعض الناس وتضييقه على بعض آخر أن وجدان المال سبب للانغماس في الشهوات، وأنه قاطع عن الاتصال بالله، وأن فقدانه وسيلة لتمحيص المرء وابتلائه ليكون من الصابرين الذين وعدوا بالجنة.
انظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان يدعو به ربه من قوله :( اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين ) تدرك سر ذلك.
إلى أن من يمتحنهم الله بإسباغ النعمة عليهم يظنون أن الله قد اصطفاهم على عباده ورفعهم فوق سائر خلقه، ثم لا يزال بهم شيطان الغواية حتى يذهبوا مع أهوائهم كل مذهب، ويسيروا في طريق شهواتهم المهلكة إلى أبعد غاية، لا يرجعون إلى ربهم، ولا يدركون أن ما عنده خير وأبقى.
المعنى الجملي : بعد أن بين خطأ الإنسان فيما يعتقد إذا بسط له الرزق أو قتر عليه- أردف ذلك زجرهم عما يرتكبون من المنكرات، وأبان لهم أنه لو كان غنيهم لم يعمه الطغيان، وفقيرهم لم يطمس بصيرته الهوان، وكانوا على الحال التي يرتقي إليها الإنسان- لشعرت نفوسهم بما عسى يقع فيه اليتيم من بؤس، فعنوا بإكرامه فإن الذي يفقد أباه معرض لفساد طبيعته إذا أهملت تربيته، ولم يهتم بما فيه العناية به ورفع منزلته، ولو كانوا على ما تحدثهم به أنفسهم من الصلاح لوجدوا الشفقة تحرك قلوبهم إلى التعاون على طعام المسكين الذي لا يجد ما يقتات به مع العجز عن تحصيله، إلى أنهم يأكلون المال الذي يتركه من يتوفى منهم، ويشتدون في أكله حتى يحرموا صاحب الحق حقه ويزداد حبهم للمال إلى غير غاية.
وصفوة القول : إن شرهم في المال، وقرمهم إلى اللذات، وانصرافهم إلى التمتع بها ثم قسوة قلوبهم إلى ألا يألموا إلى ما تجر إليه الاستهانة بشؤون اليتامى من فساد أخلاقهم، وتعطيل قواهم. وانتشار العدوى منهم إلى معاشريهم. فينتشر الداء في جسم الأمة- دليل على أن ما يزعمون من اعتقادهم بإله يأمرهم وينهاهم، وأن لهم دينا يعظهم، زعم باطل، وإذا غشوا أنفسهم وادعوا أنهم يتذكرون الزواجر، ويراعون الأوامر، فذلك مقال تكذبه الفعال.
الإيضاح :﴿ كلا ﴾ أي لم أبتل الإنسان بالغنى لكرامته عندي، ولم أبتله بالفقر لهوانه علي، فالكرامة والإهانة لا يدوران مع المال سعة وقلة، فقد أوسع على الكافر لا لكرامته، وأضيق على المؤمن لا لهوانه، وإنما : أكرم المرء بطاعته، وأهينه بمعصيته، وقد أوسع على المرء بالمال لأختبره أيشكر أم يكفر ؟ وأضيق عليه لأختبره أيصبر أم يضجر ؟.
ثم انتقل وترقى من ذمهم بقبيح الأقوال إلى النعي عليهم بقبيح الأفعال فقال :
﴿ بل لا تكرمون اليتيم ﴾ أي بل لكم أفعال وأحوال شر من أقوالكم تدل على تهالككم على المال، فقد يكرمكم الله بالمال الكثير فلا تؤدون ما يلزمكم فيه من إكرام اليتيم وبره والإحسان إليه وقد جاء في الحديث الحث على ذلك، فلقد قال صلى الله عليه وسلم :( أحب البيوت بيت فيه يتيم مكرم ) وورد أيضا :( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ). وقرن بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام.
قال مقاتل : أنزلت الآية في قدامة بن مظعون وكان يتيما في حجر أمية بن خلف.
المعنى الجملي : بعد أن بين خطأ الإنسان فيما يعتقد إذا بسط له الرزق أو قتر عليه- أردف ذلك زجرهم عما يرتكبون من المنكرات، وأبان لهم أنه لو كان غنيهم لم يعمه الطغيان، وفقيرهم لم يطمس بصيرته الهوان، وكانوا على الحال التي يرتقي إليها الإنسان- لشعرت نفوسهم بما عسى يقع فيه اليتيم من بؤس، فعنوا بإكرامه فإن الذي يفقد أباه معرض لفساد طبيعته إذا أهملت تربيته، ولم يهتم بما فيه العناية به ورفع منزلته، ولو كانوا على ما تحدثهم به أنفسهم من الصلاح لوجدوا الشفقة تحرك قلوبهم إلى التعاون على طعام المسكين الذي لا يجد ما يقتات به مع العجز عن تحصيله، إلى أنهم يأكلون المال الذي يتركه من يتوفى منهم، ويشتدون في أكله حتى يحرموا صاحب الحق حقه ويزداد حبهم للمال إلى غير غاية.
وصفوة القول : إن شرهم في المال، وقرمهم إلى اللذات، وانصرافهم إلى التمتع بها ثم قسوة قلوبهم إلى ألا يألموا إلى ما تجر إليه الاستهانة بشؤون اليتامى من فساد أخلاقهم، وتعطيل قواهم. وانتشار العدوى منهم إلى معاشريهم. فينتشر الداء في جسم الأمة- دليل على أن ما يزعمون من اعتقادهم بإله يأمرهم وينهاهم، وأن لهم دينا يعظهم، زعم باطل، وإذا غشوا أنفسهم وادعوا أنهم يتذكرون الزواجر، ويراعون الأوامر، فذلك مقال تكذبه الفعال.
شرح المفردات : ولا تحاضون : أي لا يأمر بعضكم بعضا
﴿ ولا تحاضون على طعام المسكين ﴾ أي ولا يحث بعضكم بعضا على إطعامه وإصلاح شأنه، وإذا لم تكرموا اليتيم ولم يوص بعضكم بعضا بإطعام المسكين فقد كذبت مزاعمكم في أنكم قوم صالحون.
وإنما ذكر التحاض على الطعام ولم يكتف بالإطعام، فيقول ولم تطعموا المسكين- ليبين أن أفراد الأمة متكافلون، وأنه يجب أن يوصي بعضهم بعضا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع التزام كل بفعل ما يأمر به أو ينهى عنه.
ثم بين أن إهمالهم أمر اليتيم، وخلو قلبهم من الرحمة بالمسكين لم يكونا زهدا في لذائذ الحياة وتخلصا من متاعبها، وعكوفا على شؤون أنفسهم، بل جاء من محبتهم للمال فقال :
المعنى الجملي : بعد أن بين خطأ الإنسان فيما يعتقد إذا بسط له الرزق أو قتر عليه- أردف ذلك زجرهم عما يرتكبون من المنكرات، وأبان لهم أنه لو كان غنيهم لم يعمه الطغيان، وفقيرهم لم يطمس بصيرته الهوان، وكانوا على الحال التي يرتقي إليها الإنسان- لشعرت نفوسهم بما عسى يقع فيه اليتيم من بؤس، فعنوا بإكرامه فإن الذي يفقد أباه معرض لفساد طبيعته إذا أهملت تربيته، ولم يهتم بما فيه العناية به ورفع منزلته، ولو كانوا على ما تحدثهم به أنفسهم من الصلاح لوجدوا الشفقة تحرك قلوبهم إلى التعاون على طعام المسكين الذي لا يجد ما يقتات به مع العجز عن تحصيله، إلى أنهم يأكلون المال الذي يتركه من يتوفى منهم، ويشتدون في أكله حتى يحرموا صاحب الحق حقه ويزداد حبهم للمال إلى غير غاية.
وصفوة القول : إن شرهم في المال، وقرمهم إلى اللذات، وانصرافهم إلى التمتع بها ثم قسوة قلوبهم إلى ألا يألموا إلى ما تجر إليه الاستهانة بشؤون اليتامى من فساد أخلاقهم، وتعطيل قواهم. وانتشار العدوى منهم إلى معاشريهم. فينتشر الداء في جسم الأمة- دليل على أن ما يزعمون من اعتقادهم بإله يأمرهم وينهاهم، وأن لهم دينا يعظهم، زعم باطل، وإذا غشوا أنفسهم وادعوا أنهم يتذكرون الزواجر، ويراعون الأوامر، فذلك مقال تكذبه الفعال.
شرح المفردات :
والتراث : الميراث، لما : أي شديدا ﴿ وتأكلون التراث أكلا لما ﴾ أي إنكم تأكلون المال الذي يتركه من يتوفى منكم أكلا شديدا، فتحولون بينه وبين من يستحقه، وتجمعون بين نصيبكم منه ونصيب غيركم.
المعنى الجملي : بعد أن بين خطأ الإنسان فيما يعتقد إذا بسط له الرزق أو قتر عليه- أردف ذلك زجرهم عما يرتكبون من المنكرات، وأبان لهم أنه لو كان غنيهم لم يعمه الطغيان، وفقيرهم لم يطمس بصيرته الهوان، وكانوا على الحال التي يرتقي إليها الإنسان- لشعرت نفوسهم بما عسى يقع فيه اليتيم من بؤس، فعنوا بإكرامه فإن الذي يفقد أباه معرض لفساد طبيعته إذا أهملت تربيته، ولم يهتم بما فيه العناية به ورفع منزلته، ولو كانوا على ما تحدثهم به أنفسهم من الصلاح لوجدوا الشفقة تحرك قلوبهم إلى التعاون على طعام المسكين الذي لا يجد ما يقتات به مع العجز عن تحصيله، إلى أنهم يأكلون المال الذي يتركه من يتوفى منهم، ويشتدون في أكله حتى يحرموا صاحب الحق حقه ويزداد حبهم للمال إلى غير غاية.
وصفوة القول : إن شرهم في المال، وقرمهم إلى اللذات، وانصرافهم إلى التمتع بها ثم قسوة قلوبهم إلى ألا يألموا إلى ما تجر إليه الاستهانة بشؤون اليتامى من فساد أخلاقهم، وتعطيل قواهم. وانتشار العدوى منهم إلى معاشريهم. فينتشر الداء في جسم الأمة- دليل على أن ما يزعمون من اعتقادهم بإله يأمرهم وينهاهم، وأن لهم دينا يعظهم، زعم باطل، وإذا غشوا أنفسهم وادعوا أنهم يتذكرون الزواجر، ويراعون الأوامر، فذلك مقال تكذبه الفعال.
شرح المفردات : جما : أي كثيرا قال :
إن تغفر اللهم تغفر جما *** *** وأي عبد لك لا ألما
﴿ وتحبون المال حبا جما ﴾ أي وتميلون على جمع المال ميلا شديدا، ميراثا كان أو غيره.
وخلاصة ذلك : أنتم تؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، إذ لو كنتم ممن غلب عليه حب الآخرة، لانصرفتم عما يترك الموتى ميراثا لأيتامهم، ولكنكم تشاركونهم فيه، وتأخذون شيئا لا كسب لكم فيه، ولا مدخل لكم في تحصيله وجمعه، ولو كنتم ممن استحبوا الآخرة لما ضريت نفوسكم على المال تأخذونه من حيث وجدتموه، من حلال أو من حرام.
فهذه أدلة ترشد إلى أنكم لستم على ما ادعيتم من صلاح وإصلاح، وأنكم على ملة إبراهيم خليل الرحمن.
شرح المفردات : الدك : حط المرتفع بالبسط والتسوية ؛ ومنه اندك سنام البعير إذا انغرس في ظهره، دكا دكا : أي دكا بعد دك أي كرر عليها الدك وتتابع حتى صارت كالصخرة الملساء.
المعنى الجملي : بعد أن أنكر عليهم أقوالهم وادعاءهم أن الغنى إكرام لهم، وأن الفقر إهانة لهم، ونعى عليهم أفعالهم من حرصهم على الدنيا واستفراغ الجهد في تحصيلها، وتكالبهم على جمعها من حلال وحرام- أردفه بيان أن ما يزعمونه من أنهم لربهم ذاكرون مع فراغ قلوبهم من الرأفة بالضعفاء وامتلائها بحب المال والميل إلى الشهوات- زعم لا حقيقة له، وإنما يتذكرون ربهم في ذلك اليوم العظيم حين يشهدون الهول. ويعوزهم الحول، ويظهر لهم مكانهم من النكال والوبال، ولكن هذه الذكرى قد فات أوانها، وانتهى إبانها، فإن الدار دار جزاء لا دار أعمال، فلا يبقى فيها لأولئك الخاسرون إلا الحسرة والندامة، وقول قائلهم :﴿ يا ليتني قدمت لحياتي ﴾ [ الفجر : ٢٤ ]. ويكون لهم من العذاب ما لا يقدر قدره، ومن الإهانة ما يجلّ عن التشبيه والتمثيل.
الإيضاح :﴿ كلا ﴾ زجر لهم وإنكار لأقوالهم وأفعالهم، أي لا ينبغي أن يكون هذا شأنهم في الحرص على الدنيا من حيث تتهيأ لهم سواء كانت من حلال أو حرام، وكأنهم يتوهمون أن لا حساب ولا جزاء، وسيأتي يوم يندمون فيه أشد الندم، ولكن لا تنفعهم الندامة، ويتمنون لو كانوا أفنوا حياتهم في التقرب إلى ربهم بصالح الأعمال.
ثم بين ذلك اليوم ووصفه بأوصاف ثلاثة فقال :
﴿ إذا دكت الأرض دكا دكا ﴾ أي إذا دكت الأرض دكا بعد دك، وتتابع عليها ذلك حتى صارت كالصخرة الملساء، وذهب كل ما على وجهها من جبال وأبنية وقصور.
المعنى الجملي : بعد أن أنكر عليهم أقوالهم وادعاءهم أن الغنى إكرام لهم، وأن الفقر إهانة لهم، ونعى عليهم أفعالهم من حرصهم على الدنيا واستفراغ الجهد في تحصيلها، وتكالبهم على جمعها من حلال وحرام- أردفه بيان أن ما يزعمونه من أنهم لربهم ذاكرون مع فراغ قلوبهم من الرأفة بالضعفاء وامتلائها بحب المال والميل إلى الشهوات- زعم لا حقيقة له، وإنما يتذكرون ربهم في ذلك اليوم العظيم حين يشهدون الهول. ويعوزهم الحول، ويظهر لهم مكانهم من النكال والوبال، ولكن هذه الذكرى قد فات أوانها، وانتهى إبانها، فإن الدار دار جزاء لا دار أعمال، فلا يبقى فيها لأولئك الخاسرون إلا الحسرة والندامة، وقول قائلهم :﴿ يا ليتني قدمت لحياتي ﴾ [ الفجر : ٢٤ ]. ويكون لهم من العذاب ما لا يقدر قدره، ومن الإهانة ما يجلّ عن التشبيه والتمثيل.
شرح المفردات : صفا صفا : أي صفا بعد صف بحسب منازلهم ومراتبهم في الفضل.
﴿ وجاء ربك والملك صفا صفا ﴾ أي وتجلت لأهل الموقف السطوة الإلهية، كما تتجلى أبهة الملك للأعين إذا جاء الملك في جيوشه ومواكبه، ولله المثل الأعلى.
المعنى الجملي : بعد أن أنكر عليهم أقوالهم وادعاءهم أن الغنى إكرام لهم، وأن الفقر إهانة لهم، ونعى عليهم أفعالهم من حرصهم على الدنيا واستفراغ الجهد في تحصيلها، وتكالبهم على جمعها من حلال وحرام- أردفه بيان أن ما يزعمونه من أنهم لربهم ذاكرون مع فراغ قلوبهم من الرأفة بالضعفاء وامتلائها بحب المال والميل إلى الشهوات- زعم لا حقيقة له، وإنما يتذكرون ربهم في ذلك اليوم العظيم حين يشهدون الهول. ويعوزهم الحول، ويظهر لهم مكانهم من النكال والوبال، ولكن هذه الذكرى قد فات أوانها، وانتهى إبانها، فإن الدار دار جزاء لا دار أعمال، فلا يبقى فيها لأولئك الخاسرون إلا الحسرة والندامة، وقول قائلهم :﴿ يا ليتني قدمت لحياتي ﴾ [ الفجر : ٢٤ ]. ويكون لهم من العذاب ما لا يقدر قدره، ومن الإهانة ما يجلّ عن التشبيه والتمثيل.
شرح المفردات : وجيء يومئذ بجهنم : أي كشفت للناظرين بعد أن كانت غائبة عنهم، وأنى له الذكرى ؟ أي ومن أين له فائدة التذكر وقد فات الأوان.
( ٣ ) ﴿ وجيء يومئذ بجهنم ﴾ أي وكشفت جهنم للناظرين بعد أن كانت غائبة عنهم. ونحو الآية قوله :﴿ وبرزت الجحيم لمن يرى ﴾ [ النازعات : ٣٦ ] أي أظهرت حتى رآها الخلق وعاينوها، وليس المراد أنها نقلت من مكانها إلى مكان آخر.
﴿ يومئذ يتذكر الإنسان ﴾ أي حينئذ تذهب الغفلة، ويتذكر المرء ما كان قد فرط فيه، وعرف أن ما كان فيه كان ضلالا، وأنه كان يجب أن يكون على حال خير مما كان عليها.
ثم بين أن هذه الذكرى لا فائدة منها فقال :
﴿ وأنى له الذكرى ﴾ أي ومن أين لهذه الذكرى فائدة، أو ترجع إليه بعائدة ؛ وقد فات الأوان، وحمّ القضاء.
والخلاصة : إنه إذا حدثت هذه الأحداث انكشفت عن الإنسان الحجب، ووضح له ما كان عليه، وذهبت عنه الغفلة، وإذ ذاك يتمنى أن يعود ليعمل صالحا، ولكن أنى له ذلك ؟.
المعنى الجملي : بعد أن أنكر عليهم أقوالهم وادعاءهم أن الغنى إكرام لهم، وأن الفقر إهانة لهم، ونعى عليهم أفعالهم من حرصهم على الدنيا واستفراغ الجهد في تحصيلها، وتكالبهم على جمعها من حلال وحرام- أردفه بيان أن ما يزعمونه من أنهم لربهم ذاكرون مع فراغ قلوبهم من الرأفة بالضعفاء وامتلائها بحب المال والميل إلى الشهوات- زعم لا حقيقة له، وإنما يتذكرون ربهم في ذلك اليوم العظيم حين يشهدون الهول. ويعوزهم الحول، ويظهر لهم مكانهم من النكال والوبال، ولكن هذه الذكرى قد فات أوانها، وانتهى إبانها، فإن الدار دار جزاء لا دار أعمال، فلا يبقى فيها لأولئك الخاسرون إلا الحسرة والندامة، وقول قائلهم :﴿ يا ليتني قدمت لحياتي ﴾ [ الفجر : ٢٤ ]. ويكون لهم من العذاب ما لا يقدر قدره، ومن الإهانة ما يجلّ عن التشبيه والتمثيل.
ثم بين تذكره بقوله :
﴿ يقول يا ليتني قدمت لحياتي ﴾ أي يتمنى أن يكون قد عمل صالحا ينفعه في حياته الأخروية التي هي الحياة الحقيقية.
المعنى الجملي : بعد أن أنكر عليهم أقوالهم وادعاءهم أن الغنى إكرام لهم، وأن الفقر إهانة لهم، ونعى عليهم أفعالهم من حرصهم على الدنيا واستفراغ الجهد في تحصيلها، وتكالبهم على جمعها من حلال وحرام- أردفه بيان أن ما يزعمونه من أنهم لربهم ذاكرون مع فراغ قلوبهم من الرأفة بالضعفاء وامتلائها بحب المال والميل إلى الشهوات- زعم لا حقيقة له، وإنما يتذكرون ربهم في ذلك اليوم العظيم حين يشهدون الهول. ويعوزهم الحول، ويظهر لهم مكانهم من النكال والوبال، ولكن هذه الذكرى قد فات أوانها، وانتهى إبانها، فإن الدار دار جزاء لا دار أعمال، فلا يبقى فيها لأولئك الخاسرون إلا الحسرة والندامة، وقول قائلهم :﴿ يا ليتني قدمت لحياتي ﴾ [ الفجر : ٢٤ ]. ويكون لهم من العذاب ما لا يقدر قدره، ومن الإهانة ما يجلّ عن التشبيه والتمثيل.
شرح المفردات : والوثاق : الشد والربط السلاسل والأغلال.
ثم بين مآله وعاقبة أمره فقال :
﴿ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ﴾ أي فيومئذ لا يصاب أحد بعذاب مثل ذلك العذاب الذي يصيب ذلك الإنسان الذي أبطره الغنى فجحد نعمة الله عليه، أو أفسده الفقر حتى عثا في الأرض فسادا، ولا يوثق أحد من الخلائق وثاقا مثل هذا الوثاق الذي يوثقه ذلك الإنسان.
ولا يخفى ما في ذلك من تقوية الذكرى لمن له قلب يذكر، ووجدان يشعر.
المعنى الجملي : بعد أن أنكر عليهم أقوالهم وادعاءهم أن الغنى إكرام لهم، وأن الفقر إهانة لهم، ونعى عليهم أفعالهم من حرصهم على الدنيا واستفراغ الجهد في تحصيلها، وتكالبهم على جمعها من حلال وحرام- أردفه بيان أن ما يزعمونه من أنهم لربهم ذاكرون مع فراغ قلوبهم من الرأفة بالضعفاء وامتلائها بحب المال والميل إلى الشهوات- زعم لا حقيقة له، وإنما يتذكرون ربهم في ذلك اليوم العظيم حين يشهدون الهول. ويعوزهم الحول، ويظهر لهم مكانهم من النكال والوبال، ولكن هذه الذكرى قد فات أوانها، وانتهى إبانها، فإن الدار دار جزاء لا دار أعمال، فلا يبقى فيها لأولئك الخاسرون إلا الحسرة والندامة، وقول قائلهم :﴿ يا ليتني قدمت لحياتي ﴾ [ الفجر : ٢٤ ]. ويكون لهم من العذاب ما لا يقدر قدره، ومن الإهانة ما يجلّ عن التشبيه والتمثيل.
شرح المفردات : والوثاق : الشد والربط السلاسل والأغلال.
﴿ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ﴾ أي فيومئذ لا يصاب أحد بعذاب مثل ذلك العذاب الذي يصيب ذلك الإنسان الذي أبطره الغنى فجحد نعمة الله عليه، أو أفسده الفقر حتى عثا في الأرض فسادا، ولا يوثق أحد من الخلائق وثاقا مثل هذا الوثاق الذي يوثقه ذلك الإنسان.
ولا يخفى ما في ذلك من تقوية الذكرى لمن له قلب يذكر، ووجدان يشعر.
شرح المفردات : المطمئنة : من الاطمئنان وهو الاستقرار والثبات.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال الإنسان الذي خلّي وطبعه، فاستولى عليه جشعه وحرصه على رغباته وشهواته، حتى خرجت عن سلطان الحكمة والعقل، ثم ذكر عاقبة أمره في الآخرة- أعقب هذا بذكر حال الإنسان الذي ارتقى عن ذلك الطبع وسمت نفسه إلى مراتب الكمال، فاطمأن إلى معرفة خالقه، واستعلى برغائبه إلى المطامع الروحية، ورغب عن اللذات الجسمانية، فكان في الغنى شاكرا لا يتناول إلا حقه، وفي الفقر صابرا لا يمد يده إلى ما لغيره، وبين أنه في ذلك اليوم يكون بجوار ربه راضيا بعمله في الدنيا، مرضيا عنده، يدخله في زمرة الصالحين المكرمين من عباده.
الإيضاح :﴿ يا أيتها النفس المطمئنة ﴾ أي يا أيتها النفس التي قد استيقنت الحق، فلا يخالجها شك، ووقفت عند حدود الشرع، فلا تزعزعها الشهوات، ولا تضطرب بها الرغبات.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال الإنسان الذي خلّي وطبعه، فاستولى عليه جشعه وحرصه على رغباته وشهواته، حتى خرجت عن سلطان الحكمة والعقل، ثم ذكر عاقبة أمره في الآخرة- أعقب هذا بذكر حال الإنسان الذي ارتقى عن ذلك الطبع وسمت نفسه إلى مراتب الكمال، فاطمأن إلى معرفة خالقه، واستعلى برغائبه إلى المطامع الروحية، ورغب عن اللذات الجسمانية، فكان في الغنى شاكرا لا يتناول إلا حقه، وفي الفقر صابرا لا يمد يده إلى ما لغيره، وبين أنه في ذلك اليوم يكون بجوار ربه راضيا بعمله في الدنيا، مرضيا عنده، يدخله في زمرة الصالحين المكرمين من عباده.
شرح المفردات : إلى ربك : أي إلى ثوابه وموقف كرامته.
﴿ ارجعي إلى ربك راضية مرضية ﴾ أي ارجعي إلى محل الكرامة بجوار ربك، راضية عما عملت في الدنيا، مرضيا عنك، إذ لم تكوني ساخطة لا في الغنى ولا في الفقر، ولم تتجاوزي حدود الشرع فيما لك من حق وما عليك من واجب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال الإنسان الذي خلّي وطبعه، فاستولى عليه جشعه وحرصه على رغباته وشهواته، حتى خرجت عن سلطان الحكمة والعقل، ثم ذكر عاقبة أمره في الآخرة- أعقب هذا بذكر حال الإنسان الذي ارتقى عن ذلك الطبع وسمت نفسه إلى مراتب الكمال، فاطمأن إلى معرفة خالقه، واستعلى برغائبه إلى المطامع الروحية، ورغب عن اللذات الجسمانية، فكان في الغنى شاكرا لا يتناول إلا حقه، وفي الفقر صابرا لا يمد يده إلى ما لغيره، وبين أنه في ذلك اليوم يكون بجوار ربه راضيا بعمله في الدنيا، مرضيا عنده، يدخله في زمرة الصالحين المكرمين من عباده.
شرح المفردات : في عبادي : أي في زمرة عبادي المكرمين.
ثم ذكر جميل عاقبتها فقال :
﴿ فادخلي في عبادي ﴾ أي فادخلي في زمرة عبادي المكرمين، وانتظمي في مسلكهم، وكوني في جملتهم، فالنفوس القدسية كالمرايا المتقابلة، يشرق بعضها على بعض، وكأنها تربي في هذه الدنيا بالآلام وتزين بالمعارف والعلوم، حتى إذا فارقت الأبدان جعلت في أماكن متقاربة، بينها صفاء ومودة، وحسن صلة ومحبة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال الإنسان الذي خلّي وطبعه، فاستولى عليه جشعه وحرصه على رغباته وشهواته، حتى خرجت عن سلطان الحكمة والعقل، ثم ذكر عاقبة أمره في الآخرة- أعقب هذا بذكر حال الإنسان الذي ارتقى عن ذلك الطبع وسمت نفسه إلى مراتب الكمال، فاطمأن إلى معرفة خالقه، واستعلى برغائبه إلى المطامع الروحية، ورغب عن اللذات الجسمانية، فكان في الغنى شاكرا لا يتناول إلا حقه، وفي الفقر صابرا لا يمد يده إلى ما لغيره، وبين أنه في ذلك اليوم يكون بجوار ربه راضيا بعمله في الدنيا، مرضيا عنده، يدخله في زمرة الصالحين المكرمين من عباده.
﴿ وادخلي جنتي ﴾ فتمتعي فيها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
اللهم اجعلنا من النفوس المطمئنة، الراضية المرضية، وأدخلنا في جنتك مع المتقين، من الأنبياء والشهداء والصالحين، والحمد لله رب العالمين.
Icon