ﰡ
الر: هذه السورة الرابعة من السور المفتتحة بالحروف المقطعة نكتب الر وتقرأ ألفْ. لام. را.
الكتاب: أي القرآن العظيم.
الحكيم: القائل بالحكمة والقرآن مشتمل على الحِكَم فهو حكيم ومحكم أيضاً.
عجباً: العجب ما يتعجب منه.
رجل منهم: هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قدم صدق: أي أجراً حسناً بما قدموا في حياتهم من الإيمان وصالح الأعمال.
إن هذا: أي القرآن.
لسحر١ مبين: أي بين ظاهر لا خفاء فيه في كذبهم وادعائهم الباطل.
معنى الآيتين:
مما تعالجه السور المكية قضايا التوحيد والوحي والبعث الآخر وسورة يونس افتتحت بقضية الوحي أي إثباته وتقريره من الله لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى ﴿آلر تلك آيات٢ الكتاب الحكيم﴾ ٣ أي هذه آيات القرآن الكريم المحكم آياته المشتمل على الحكم الكثيرة حتى لكأنه الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه وقوله تعالى ﴿أكان للناس٤ عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم﴾ أي أكان ايحاؤنا إلى محمد عبدنا ورسولنا وهو رجل من قريش عجباً لأهل مكة يتعجبون منه؟ والموحى به هو: ﴿أن أنذر الناس﴾، أي خوفهم عاقبة الشرك والكفر والعصيان ﴿وبشر الذين آمنوا﴾ أي بأن لهم قدم٥ صدق عند ربهم وهو
٢ يذكر المفسرون عن السلف توجيهات عدة لهذه الحروف منها: ما رووه عن ابن عباس أن الر: معناها. أنا الله.. وكل ما ذكروه قول بالظن وإنّ الظن أكذب الحديث، ومن الخير تفويض أمر معناها إلى من أنزلها وقد ذكرنا في التفسير، فائدتين عظيمتين فلنكتف بهما.
٣ قال مقاتل: الحكيم بمعنى: المحكم من الباطل لا يدخله ففعيل بمّعنى مُفعل واستشهد بقول الأعشى بذكر قصيدته التي قالها:
وغريبة تأتي الملوك حكيمة | قد قلتها ليقال من ذا قالها |
٥ ذكر القرطبي في تفسير ﴿قدم صدق﴾ أقوالا متعددة منها: سبق السعادة في الأزل، ومنها: أجر حسن، ومنها: منزل صدق، ومنها: ولد صالح قدّموه ومنها: يؤثر ذلك عن السلف، وما في التفسير هو الراجح إذ رجّحه إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة الوحي بشهادة الكتاب الموحى به.
٢- إثبات نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقريرها بالوحي إليه.
٣- بيان مهمة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي النذارة والبشارة.
٤- بشرى أهل الإيمان والعمل الصالح، بما أعد لهم عند ربهم.
٥- عدم تورع أهل الكفر عن الكذب والتضليل.
إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ
شرح الكلمات:
إن ربكم الله: أي معبودكم الحق الذي يجب أن تعبدوه وحده هو الله.
خلق السموات والأرض: أي أوجدها من العدم حيث كانت عدماً فأصبحت عوالم.
في ستة أيام: هي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، والجمعة.
ثم استوى على العرش: أي استوى استواء يليق به عز وجل فلا يقال كيف؟
ما من شفيع إلا من بعد إذنه: أي لا يشفع أحد يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن له.
أفلا تذكرون: أي أتستمرون في جحودكم وعنادكم فلا تذكرون.
ثم يعيده: أي بعد الفناء والبلى وذلك يوم القيامة.
شراب من حميم: أي من ماء أُحمى عليه وغلى١ حتى أصبح حميماً يشوي الوجوه.
جعل الشمس ضياء٢: أي جعلها تضيء على الأرض.
والقمر نوراً.: أي جعل القمر بنور الأرض وهو الذي خلق ضوء الشمس ونور القمر.
وقدره منازل: أي قدر القمر منازل والشمس كذلك.
لتعلموا: أي قدرهما منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب.
يتقون: أي مساخط الله وعذابه وذلك بطاعته وطاعة رسوله.
معنى الآيات:
هذه الآيات في تقرير الألوهية بعد تقرير الوحي وإثباته في الآيتين السابقتين فقوله تعالى ﴿إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر﴾ إخبار منه تعالى أنه عز وجل هو رب أي معبود أولئك المشركين به آلهة أصناماً
٢ الضياء: نور ساطع يضيء للرائي الأشياء وهو اسم مشتق من الضوء فالضياء أقوى من الضوء.
٢ ﴿ما من شفيع﴾ أي: لا شفيع يشفع إلا بعد إذنه له بالشفاعة.
٣ ﴿وعدا﴾ و ﴿حقا﴾ : مصدران بمعنى وعدكم وعدا وأحقه حقا. أي: صدقا لا خلف فيه.
٤ الجملة: ﴿انه يبدؤ الخلق﴾ : واقعة موقع الدليل على إنجاز وعده تعالى لأن الذي خلق من تراب وماء قادر على البعث والجزاء.
٥ المنازل: جمع منزل، وهو مكان النزول والمراد بها سُمُوتُ بلوغ القمر فيها للناس كل ليلة في سمت منها كأنه ينزل بها، وللشمس منازل تسمى بروجاً وهي اثنا عشر برجا تحل فيها الشمس في فصول السنة لكل برج منزلتان وثلث.
٦ ﴿الحساب﴾ مصدر حسُب يحسُب لضم السين حسابا بمدد عدَّ أما حسِب بكسر السين فهو بمعنى ظن ومضارعه يحسب بفتح السين وكسرها لغتان فصيحتان. وبهما قرىء: أيحسب الإنسان وكل يحسب بمعنى يظن.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير ألوهية الله تعالى وأنه الإله الحق.
٢ - تقرير عقيدة البعث والجزاء في الدار الآخرة.
٣- بيان الحكمة في خلق الشمس والقمر وتقدير منازلهما.
٤- مشروعية تعلم الحساب وعلم الفلك لما هو نافع للمسلمين؟
٢ خصهم بالآيات لأنهم هم الذين ينتفعون بها أما أهل الشرك والفجور والمعاصي فلا ينتفعون بها فهي إذاً ليست لهم بل هي لغيرهم ممن ينتفعون بها.
إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠)
شرح الكلمات:
لا يرجون لقاءنا: أي لا ينتظرون ولا يؤملون في لقاء الله تعالى يوم القيامة.
ورضوا بالحياة الدنيا: أي بدلاً عن الآخرة فلم يفكروا في الدار الآخرة.
واطمأنوا بها: أي سكنوا إليها وركنوا فلم يروا غيرها حياة يُعمل لها.
غافلون: لا ينظرون إليها ولا يفكرون فيها.
مأواهم النار: أي النار هي المأوى الذي يأوون إليه وليس لهم سواها.
يهديهم ربهم بإيمانهم١: أي بأن يجعل لهم بإيمانهم نوراً يهتدون به إلى الجنة.
دعواهم فيها سبحانك اللهم٢: أي يطلبون ما شاءوا بكلمة سبحانك اللهم.
وآخر دعواهم أن الحمد لله: أي آخر دعائهم: الحمد لله رب العالمين.
معنى الآيات:
بعد تقرير الوحي والأُلوهية في الآيات السابقة ذكر تعالى في هذه الآيات الثلاث
٢ الدعوى هنا: بمعنى الدعاء يقال: دعوة بالهاء ودعوى بألف التأنيث وسبحان: مصدر بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- التحذير من نسيان االآخرة والإقبال على الدنيا والجري وراء زخارفها.
٢ أي: سكنت نفوسهم إليها وصرفوا كل همهم لها طلباً لتحصيل منافعها فلم يسعوا لتحصيل ما ينفع في الآخرة لأنهم سكنوا إلى الدنيا، والساكن لا يتحرّك ووصف بأنه لها يرضى لها يغضب ولها يفرح ولها يهتم ويحزن.
٣ ﴿من تحتهم﴾ من تحت بساتنهم ومن تحت أسرّتهم كذلك وهو أحسن قي النزهة والفرجة.
٤ إنه ثناء مسوق للتعرض إلى إفاضة النعيم من طعام وشراب وهو كما قال ابن أبي الصلت:
إذا أثنى عليك المرء يوما | كفاه من تعرّضه الثناء |
٣- الإيمان والعمل الصالح مفتاح الجنة والطريق الهادي إليها.
٤- نعيم الجنة روحاني وجسماني وهو حاصل ثلاث كلمات هي:
سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (١٢) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)
شرح الكلمات:
الشر: كل ما فيه ضرر في العقل أو الجسم أو المال والولد، والخير عكسه: ما فيه نفع يعود على الجسم أو المال أو الولد.
لقضي إليهم أجلهم: لهلكوا وماتوا.
فنذر: أي نترك.
في طغيانهم يعمهون: أي في ظلمهم وكفرهم يترددون لا يخرجون منه كالعميان.
الضر: المرض وكل ما يضر في جسمه، أو ماله أو ولده.
كذلك زين ١: مثل ذلك النسيان بسرعة لما كان يدعو لكشفه، زين للمسرفين إسرافهم في الظلم والشر.
القرون: أي أهل القرون.
بالبينات: بالحجج والآيات على صدقهم في دعوتهم.
خلائف: أي لهم، تخلفونهم بعد هلاكهم.
معنى الآيات:
هذه الفترة التي كانت تنزل فيها هذه السورة المكية كان المشركون في مكة في هيجان واضطراب كبيرين حتى إنهم كانوا يطالبون بنزول العذاب عليهم إذ ذكر تعالى ذلك عنهم في غير آية من كتابه منها ﴿سأل سائل بعذاب واقع﴾ ومنها ﴿ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب﴾ وفي هذا الشأن نزل قوله تعالى ﴿ولو يعجِّل الله للناس الشر﴾ ٢ أي عند سؤالهم إياه٣، أو فعلهم ما يقتضيه كاستعجاله الخير لهم ﴿لقضي إليهم أجلهم﴾ أي لهلكوا الهلاك العام وانتهى أجلهم في هذه الحياة، وقوله تعالى ﴿فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون﴾ أي لم نعجل لهم العذاب فنذر الذين لا يرجون لقاءنا أي لا يؤمنون بلقائنا وما عندنا من نعيم وجحيم نتركهم في طغيانهم في الكفر والظلم والشر والفساد يعمهون حيارى يترددون لا يعرفون مُتجهاً ولا مخرجاً لما هم فيه من الضلال والعمى.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١١) أما الآية الثانية (١٢) فقد تضمنت بيان حقيقة وهي أن الإنسان الذي يعيش في ظلمة الكفر ولم يستنر بنور الإيمان إذا مسه الضر وهو
٢ فسّر الشرّ بالعقوبة إذ الشر كل ما يلحق الضرر بالإنسان عاجلاً أو آجلاً، والعقوبة كلها شر إذ هي عذاب انتقام ينزل بصاحبه.
٣ قال مجاهد: هذه الآية نزلت في الرجل يدعر على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب. اللهم أهلكه اللهم لا تبارك فيه اللهم العنه فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضى إليهم أجلهم. ولا أحسب أنّ الآية نزلت في هذا وإنما هي شاهد لما قال فقط، وشاهد آخر رواه البزار وأبو داود وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا تدعوا على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم لا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم".
وقوله تعالى في الآية الثالثة ﴿ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا﴾ هذا خطاب لأهل مكة يخبرهم تعالى مهدداً إياهم بإمضاء سنته فيهم بأنه أهلك أهل القرون من قبلهم لَمَّا ظلموا أي أشركوا وجاءتهم رسلهم بالبينات١ أي بالآيات والحجج، وأبوْا أن يؤمنوا لِما ألفوا من الشرك والمعاصي فأهلكهم كعاد وثمود وأصحاب مدين وقوله تعالى ﴿كذلك نجزي القوم المجرمين﴾ أي مثل ذلك الجزاء بالإهلاك العام نجزي القوم المجرمين في كل زمان ومكان إن لم يؤمنوا ويستقيموا. وقوله تعالى ﴿ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾ أي يقول لمشركي العرب من أهل مكة وغيرها، ثم جعلناكم خلائف٢ في الأرض بعد إهلاك من قبلكم لننظر٣ كيف تعملون فإن كان عملكم خيراً جزيناكم به وإن كان سوءاً جزيناكم به وتلك سنتنا في عبادنا وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مظاهر رحمة الله بعباده إذ لو عجل لهم ما يطلبون من العذاب كما يعجل لهم الخير عندما يطلبونه لأهلكهم وقضى إليهم أجلهم فماتوا.
٢- يعصي الله العصاةُ ويكفر به الكافرون وبتركهم في باطلهم وشرهم فلا يعجل لهم العذاب لعلهم يرجعون.
٢ الخلائف: جمع خليفة وحرف ثم مُؤذن ببعد ما بين الزمانين، والأرض: هي أرض العرب إذ هم الذين خلفوا عاداً وثموداً وقبلهما طسما وجديساً.
٣ هذا التعليل كقوله تعالى: ﴿هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا﴾ إذ علَّة الوجود هي أن يذكر الله ويشكر، فمن ذكره وشكره أكرمه وأسعده ومن كفره ونساه عذّبه وأشقاه.
٤- استمرار المشركين على إسرافهم في الكفر والشر والفساد مُزين لهم١ حسب سنة الله تعالى. فمثلهم مثل الكافر يدعو عند الشدة وينسى عند الفرج.
٥- وعيد الله لأهل الإجرام بالعذاب العاجل أو الآجل إن لم يتوبوا.
٦- كل الناس أفراداً وأمماً مُمهَلُون مُراقَبُون في أعمالهم وسلوكهم ومَجزيون بأعمالهم خيرها وشرها لا محالة.
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُل لَّوْ شَاء اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)
لا يرجون لقاءنا: أي لا يؤمنون بالبعث والدار الآخرة.
من تلقاء نفسي: أي من جهة نفسي.
ولا أدراكم به: أي لا أعلمكم به.
عمراً من قبله: أي أربعين سنة قبل أن يوحى إليّ.
المجرمون: المفسدون لأنفسهم بالشرك والمعاصي.
ما لا يضرهم: أي إن لم يعبدوه.
ومالا ينفعهم: أي إن عبدوه.
أتنبئون: أي أتعلمون وتخبرون الله.
سبحانه: أي تنزيها له.
عما يشركون: أي به معه من الأصنام.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير قضايا أصول الدين الثلاث: التوحيد والوحي والبعث فقوله تعالى ﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا﴾ أي إذا قرئت عليهم آيات الله عز وجل ﴿قال الذين لا يرجون لقاءنا﴾ ١ وهم المنكرون للبعث إذ به يتم اللقاء مع الله تعالى للحساب والجزاء. ﴿إئت بقرآن غير هذا﴾ أي بأن يكون خالياً من عيب آلهتنا وانتقاصها. أو أبَقه ولكن بدل كلماته بما لا يسوءنا فاجعل مكان آية فيها ما يسوءنا آية أخرى لا إساءة فيها لنا وقولهم هذا إما أن يكون من باب التحدي أو الاستهزاء والسخرية٢ ولكن الله تعالى علَّم رسوله طريقة الرد عليهم بناء على ظاهر قولهم فقال له ﴿قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي﴾ أي إنه لا يتأتَّى لي بحال أن أبدله من جهة نفسي لأني عبد الله ورسوله ما اتبع إلا ما يوحى
٢ وإمّا أن يكون من باب توهمهم أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي به من تلقاء نفسه إلاّ أنّ هذا الاحتمال ضعيف.
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية (١٥- ١٦) أما الآية الثالثة فقد تضمنت التنديد بالمجرمين الذين يكْذِبون على الله تعالى بنسبة الشريك إليه ويكذِّبون بآياته ويجحدونها فقال تعالى ﴿فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً﴾ ٣ أي لا أحد أظلم منه ﴿أو كذب بآياته﴾ بعدما جاءته أي لا أحد أظلم من الاثنين، وقوله تعالى ﴿إنه لا يفلح المجرمون﴾ دل أولاً على أن المذكورين مجرمون وأنهم لا يفلحون شأنهم شأن كل المجرمين. وإذا لم يفلحوا فقد خابوا وخسروا. وقوله تعالى في الآية الرابعة ﴿ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم﴾ أي من الأصنام ﴿ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله﴾ ٤ وهم في ذلك كاذبون مفترون فلذا أمر الله أن يرد عليهم بقوله ﴿قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض﴾ إذ لو كان هناك من يشفع عنده لعلِمَهُم وأخبر عنهم فلم الكذب على الله والافتراء عليه ثم نزه الله تعالى نفسه عن الشرك به والشركاء له فقال ﴿سبحانه وتعالى عما يشركون﴾.
هداية الآلات
من هداية الآيات
١- من الدعوة إلى الله تعالى تلاوة آياته القرآنية على الناس تذكيراً وتعليماً.
٢ العمر: الحياة مشتق من العمران، لأنّ مدة الحياة يعمر بها الحي العالم الأرضي، ويطلق العمر على المدة الطويلة التي لو عاش الإنسان مقدارها لكان أخذ حظه من البقاء. والمراد من قوله ﴿عمراً﴾ أي: لبثت بينكم مدة عمر كامل. إذ هي أربعون سنة.
٣ في هذه الآية زيادة ردَّ على المطالبين بتبديل القرآن إذ تبديله ظلم والزيادة فيه كذب على الله تعالى ولا أحد أظلم ممن يفترى على الله الكذب، فكيف يسوغ لي أن افتري على الله الكذب أو أبدل كلامه.
٤ إن قولهم: هؤلاء ﴿شفعاؤنا﴾ لأصنام لا تنفع ولا تضر ولا تسمع ولا تبصر هو غاية الجهل، ومرادهم من شفاعتها أنها تشفع لهم عند الله في إصلاح معاشهم في الدنيا.
٣- كون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاش أربعين سنة لم يعرف فيها علماً ولا معرفة ثم برز في شيء من العلوم والمعارف فتفوق وفاق كل أحد دليل على أنه نبي يوحى إليه قطعاً.
٤ - لا أحد أظلم من أحد رجلين رجل يكذب على الله تعالى وآخر يكذِّب الله تعالى.
٥- إبطال دعوى المشركين أن آلهتهم تشفع لهم عند الله يوم القيامة.
٦- بيان سبب عبادة المشركين لآلهتهم وهو رجاؤهم شفاعتها لهم.
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (٢٠)
شرح الكلمات:
أمة واحدة: أي على دين واحد هو الإسلام.
فاختلفوا: أي تفرقوا بأن بقى بعض على التوحيد وبعض على الشرك.
كلمة سبقت: بإبقائهم إلى آجالهم ومجازاتهم يوم القيامة.
آية: خارقة كناقة صالح عليه السلام.
إنما الغيب لله: أي إن علم الآية متى تأتي من الغيب والغيب لله وحده فلا أنا ولا أنتم تعلمون إذاً فانتظروا إنا معكم من المنتظرين.
معنى الآيتين:
يخبر تعالى رسوله بحقيقة علمية تاريخية من شأن العلم بها المساعدة على الصبر والتحمل فيقول ﴿وما كان الناس إلا أمة واحدة﴾ أي في زمن سابق أمة واحدة على دين التوحيد دين الفطرة ثم حدث أن أحدثت لهم شياطين الجن والإنس البدع والأهواء
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٩) أما الآية الثانية (٢٠) فيخبر تعالى عن المشركين أنهم قالوا ﴿لولا أنزل عليه آية من ربه﴾ ٢ أي هلاَّ أُنزل على محمد آية خارقة من ربه لنعلم ونستدل بها على أنه رسول الله وقد يريدون بالآية عذاباً فلذا أمر الله رسوله أن يرد عليهم بقوله ﴿إنما الغيب لله﴾ فهو وحده يعلم متى يأتيكم العذاب وعليه ﴿فانتظروا إني معكم٣ من المنتظرين﴾ ولم تطل مدة الانتظار ونزل بهم العذاب ببدر فهلك رؤساؤهم وأكابر المستهزئين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- الأصل هو التوحيد والشرك طارىء.
٢- الشر والشرك هما اللذان يحدثان الخلاف في الأمة والتفرق فيها أما التوحيد والخير فلا يترتب عليهما خلاف ولا حرب ولا فرقة.
٣- بيان علة بقاء أهل الظلم والشرك يظلمون ويفسدون إلى آجالهم.
٤- الغيب كله لله فلا أحد يعلم الغيب إلا الله ومن علَّمه الله شيئاً منه وهذا خاص بالرسل لإقامة الحجة على أممهم.
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ
٢ يريدون معجزة كمعجزات صالح وموسى وعيسى عليهم السلام أو آية غير القرآن كأن يحيي لهم الموتى أو يجعل الجبل ذهباً أو يكون له بيت من زخرف.
٣ في الجملة تعريض بتهديدهم على جراءتهم على الله ومطالبتهم بالآيات، والآيات القرآنية معرضون عنها وهي أعظم مما يطلبون.
شرح الكلمات:
رحمة: أي مطر بعد قحط أو صحة بعد مرض أو غنى بعد فاقة.
ضراء: حالة من الضر بالمرض والجدب والفقر.
مكر في آياتنا: أي استهزاء بها وتكذيب.
إن رسلنا: أي الحفظة من الملائكة.
يسيركم١: أي يجعلكم تسيرون بما حولكم من مراكب وما يسر لكم من أسباب.
بريح طيبة.: أي مناسبة لسير السفن موافقة لغرضهم.
ريح عاصف: أي شديدة تعصف بالشجر فتقتلعه والبناء فتهدمه.
وأحيط بهم: أي أحدق بهم الهلاك من كل جهة.
يبغون بغير الحق٢: أي يظلمون مجانبين للحق والاعتدال.
معنى الآيات:
ما زال السياق في دعوة أهل مكة إلى توحيد الله والإيمان برسوله والدار الآخرة فيقول
٢ البغي: الاعتداء والظلم مأخوذ من بغا الجرح إذا فسد فهو من الفساد.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (٢١) أما الآية الثانية (٢٢) فهي تُري المشركين ضعفهم وعجزهم وحاجتهم إلى الله تعالى، ومن كان كذلك فكيف يستهزىء بربه ويسخر من آياته ويكذب رسوله إن أمرهم لعجب فيقول تعالى هو أي الله الذي تمكرون بآياته الذي يسيركم في البر بِما خلق لكم من الظهر الإبل والخيل والحمير، وفي البحر بما سخر لكم من الفلك تجري في البحر بأمره. حتى إذا كنتم في البحر وجرين٢ أي السفن بهم أي بالمشركين بريح طيبة مناسبة لسير السفن وفرحوا بها على عادة ركاب٣ البحر يفرحون بالريح المناسبة لسلامتهم من المَيَدَان٤ والقلق والاضطراب. جاءتها أي السفن ريح عاصف أي شديدة الهبوب تضطرب لها السفن ويخاف ركابها الغرق، وجاءهم أي الكفار الراكبين عليها الموج من كل مكان من جهات البحر والموج هو ارتفاع ماء البحر وتموجه كزوابع الغُبور في البر. وظنوا أي أيقنوا أو كادوا أنهم أحيط بهم أي هلكوا {دعوا الله مخلصين
٢ وجرين بهم: فيه خروج من الخطاب إلى الغيبة وهو ضرب من الأساليب البلاغية وهر في القرآن كثير، وكذا في أشعار العرب قال النابغة:
لا دار مية بالعلياء فالسند | أقوت وطال عليها سالف الأمد |
٣ في الآية دليل على جواز ركوب البحر مطلقاً، وشاهده من السنة حديث: "إنّا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فقال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وحديث أم حرام يدلّ على جواز ركوبه في الغزو.
٤ الميدان: دوّار أو غشيان بصيب راكب البحر.
هداية الآيات
من هداية الآيات
١- من مكر مكر الله به والله أسرع مكراً وأكبر أثراً وضرراً.
٢- بيان ضعف الإنسان وفقره إلى الله وحاجته إليه عز وجل في حفظ حياته وبقائه إلى أجله.
٣- إخلاص العبد الدعاء في حال الشدة آية أن التوحيد أصل والشرك طارىء.
٤- المشركون الأولون أحسن حالاً من جهلة هذه الأمة إذ يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة أما جهال المسلمين اليوم فشركهم دائم في الرخاء والشدة على السواء.
٥- بَغْيُ الإنسان عائد على نفسه كمكره ونكثه وفى الحديث "ثلاث على أصحابها رواجع: البغي والمكر والنكث".
٦- تقرير مبدأ البعث والجزاء يوم القيامة.
٢ مصداقه من الحديث الشريف: "ما من ذنب أحق أن يعجّل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر الله لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".
٣ المتاع: ما يتمتع به انتفاعاً غير دائم.
شرح الكلمات:
مثل الحياة الدنيا: أي صفتها المنطبقة عليها المُتَّفِقة معها.
ماء: أي مطر.
فاختلط١ به: أي بسببه نبات الأرض أي اشتبك بعضه ببعض.
مما يأكل الناس: كالبر وسائر الحبوب والفواكه والخضر.
والأنعام: أي من الكلأ والعشب عادة وإلا قد يعلف الحيوان الشعير.
زخرفها٢: أي نضرتها وبهجتها.
وازينت٣: أي تجملت بالزهور.
وظن أهلها أنهم قادرون عليها: أي متمكنون من تحصيل حاصلاتها الزراعية.
أتاها أمرنا: أي قضاؤنا بإهلاكها وتدميرها عقوبة لأصحابها.
حصيداً: أي كأنها محصودة بالمنجل ليس فيها شيء قائم.
٢ الزخرف: اسم للذهب، ويطلق على كل ما يزيّن به مما فيه ذب وتلوين من الثياب والحلي وأنواع الزينة.
٣ ﴿وازينت﴾ أصلها: تزينت فقلبت ألتاء زايا وأدغمت في الزاء لقرب مخرجيهما وجلبت همزة الوصل لأجل النطق بالساكن.
نفصل الآيات: أي نبينها.
والله يدعو إلى دار السلام٢: دار السلام. الجنة والله يدعو إليها عباده ليأخذوا بالأهبة لدخولها وهى الإيمان والعمل الصالح وترك الشرك والمعاصي.
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم يعرض الهدايات الإلهية على الناس لعلهم يهتدون ففي هذه الآية يضرب تعالى٣ مثلا للحياة الدنيا التي يتكالب الغافلون عليها ويبيعون آخرتهم بها فيكذبون ويظلمون من أجلها إنما مثلها في نضارتها الغارة بها وجمالها الخادعة به كمثل ماء نزل من السماء فاختلط بالماء نبات الأرض فسقى به ونما وازدهر وأورَق وأثمر وفرح به أهله وغلب على ظنهم أنهم منتفعون به فائزون به وإذا بقضاء الله فيه تأتيه فجأة في ساعة من ليل أو نهار فإذا هو حصيد ليس فيه ما هو قائم على ساق، هشيم تذروه الرياح كأن لم لم يغْن بالأمس أي كأن لم يكن موجوداً أمس قائماً يعمُر مكانه أتاه أمر الله لأن أهله ظلموا فعاقبهم بجائحة أفسدت عليهم زرعهم فأمسوا يائسين حزينين. هذه الصورة المثالية للحياة الدنيا فهلا يتنبه الغافلون أمثالي!! أو هلا يستيقظ النائمون من حالهم كحالي؟؟
وقوله تعالى في الآية الثانية (٢٥) ﴿والله يدعو إلى دار السلام﴾ ٤ أي بترك الشرك والمعاصي والإقبال على الطاعات والصالحات ودار السلام الجنة إذ هي الخالية من الكدر والتنغيص فلا مرض ولا هرم، ولا موت ولا حزن. ودعاة الضلالة يدعون إلى الدنيا
وغنيت سبتاً قبل مجرى داحس | لو كان للنفس اللجوج خلود |
تحيي بالسلامة أم بكر | وهل لك بعد قومك في سلام |
٤ روي أن الني صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوماً على أصحابه فقال: "رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلاً فقال له اسمع سمعت أذناك واعقل عقل عقلك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً ثم بنى فيها بيتاً ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل في الإسلام ومن دخل في الإسلام دخل الجنة ثم تلا: ﴿والله يدعو إلى دار السلام﴾ إلى قوله ﴿مستقيم﴾.
هداية الآيتين.
من هداية الآيتين:
١- بيان الصورة الحقيقية للحياة الدنيا في نضرتها وسرعة زوالها.
٢- التحذير من الاغترار بالدنيا والركون إليها.
٣- التحذير من الذنوب فإنها سبب الشقاء وسلب النعم.
٤- فضيلة التفكر وأهله.
٥- فضل الله على عباده ورحمته بهم إذ يدعوهم إلى داره لإكرامهم والإنعام عليهم.
لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ١ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (٢٩)
شرح الكلمات:
الحسنى وزيادة: الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.
ولا يرهق وجوههم: أي لا يغشى وجوههم.
قتر: غَبرة من الكآبة والحزن.
السيآت: جمع سيئة ما يُسيء إلى النفس من ذنوب الشرك والمعاصي.
مكانكم: أي الزموا مكانكم لا تفارقوه.
فزيلنا بينهم: فرقنا بينهم.
هنالك: أي ثَمَّ.
تبلو كل نفس: أي تَختبر.
ما أسلفت: أي ما قدمت.
وضل عنهم ما كانوا يفترون: أي غاب عنهم ما كانوا يكذبون.
معنى الآيات:.
بعد أن ذكر تعالى في الآية السابقة أنه يدعو إلى دار السلام ذكر جزاء من أجاب الدعوة ومن لم يجبها فقال للذين أحسنوا فآمنوا وعبدوا الله بما شرع ووحدوه تعالى في عبادته وربوبيته وأسمائه وصفاته فهؤلاء جزاؤهم الحسنى وهي الجنة وزيادة وهي النظر إلى وجهه الكريم في دار السلام، وأنهم إذا بعثوا لا يرهق١ وجوههم قتر ولا ذلة كما يكون ذلك لمن لم يجب دعوة الله تعالى، وقرر جزاءهم ووضحه بقوله: ﴿أولئك أصحاب الجنة هم٢ فيها خالدون﴾ وذكر جزاء من أعرض عن الدعوة ورفضها فأصر على الكفر والشرك والعصيان
٢ اسم الإشارة عائد إلى الذين أحسنوا.
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (٢٦) والثانية (٢٧) أما الآيات الثالثة والرابعة والخامسة فإنها تضمنت عرضاً سريعاً لحشر الناس يوم القيامة، والمراد بذلك تقرير عقيدة الإيمان باليوم الآخر فقال تعالى: ﴿ويوم نحشرهم جميعاً﴾ ٣ أي في عرصات القيامة ﴿ثم نقول للذين أشركوا﴾ أي بِنا آلهة عبدوها دوننا ﴿مكانكم﴾ أي قفوا لا تبرحوا مكانكم ﴿أنتم وشركاؤكم﴾، ثم يزايل الله تعالى أي يفرق بينهم وهو معنى قوله تعالى ﴿فزيلنا بينهم﴾ ولا شك أنهم يقولون ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين ندعو من دونك فلذا ذكر تعالى ردهم عليهم في قوله ﴿وقال شركاؤهم٤ ما كنتم إيانا تعبدون﴾ أي لأننا ما كنا نسمعكم ولا نبصركم ولا أمرناكم بعبادتنا وهذا قول كل من عُبد من دون الله من سائر الأجناس ﴿فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا﴾ أي والله ﴿إن كنا عن عبادتكم لغافلين﴾ غير شاعرين بحال من الأحوال بعبادتكم. قال تعالى ﴿هنالك﴾ أي في ذلك الموقف الرهيب ﴿تبلو كل نفس ما أسلفت﴾ أي تَختبر ما قدمت في دنياها وتعرفه هل هو ضارٌ بها أو نافع لها ﴿وردوا إلى الله مولاهم٥ الحق٦ وضل عنهم ما كانوا يفترون﴾ هكذا يجدون أنفسهم أمام مولاهم ومالك
٢ جمع قطعة، وهي الجزء من الشيء فهي فعلة بمعنى مفعولة إذ هي مقطوعة من شيء كامل. والمظلم: الإظلام لا كواكب فيه ولا قمر.
٣ أي: سعداء وأشقياء أهل الحسن وأهل الذلة، إذ الحشر يكون لسائر الخلائق لا يتخلف أحد من الخلق.
٤ الشركاء: يكونون من الأصنام والأوثان والملائكة والإنس والجنّ والتبرؤ حاصل إذ ليس هناك من يقوى على الاعتراف بجريمة الشرك، إمّا الملائكة والأنبياء والصالحون فإنهم لم يكونوا راضين بعبادة المشركين لهم فتبرّؤهم صحيح، وأمّا الأصنام والأوثان فإنها لم تأمر بعبادتها وإنما الذي أمر بعبادتها الشياطين فتبرؤها صحيح.
٥ مولاهم: الخالق، الرازق، المدبر لأمررهم وشؤون حياتهم والمستوجب لعبادتهم هو الله جل جلاله، فهو مولاهم الحق، لا الذي اختلقوه كذبا وعبدوه من دون الله فذاك مولىً باطل وإله مكذوب.
٦ الحق: هو الموافق للواقع والصدق، فالمولوية الحقة لله تعالى لا لمخلوقاته، وكلها مخلوقة له مربوبة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان فضل الحسنة وما تعقبه من نيل الحسنى.
٢- بيان سوء السيئة وما تورثه من حسرة وندامة وما توجبه من خسران.
٣- تقرير معتقد البعث والجزاء بعرض صادق وأضح له.
٤- تبرؤ ما عُبد من دون الله من عابديه وسواء كان المعبود ملكاً أو إنساناً أو جاناً أو شجراً أو حجراً الكل يتبرأ من عابديه ويستشهد الله تعالى عليه.
٥- في عرصات القيامة تعلم كل نفس ما أحضرت، وما قدمت وأخرت وتبلو ما أسلفت فتعرف وأنى لها أن تنتفع بما تعرف؟.
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (٣١) فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (٣٣)
شرح الكلمات:
من السماء: أي بالغيث والمطر.
والأرض: أي بالنبات والحبوب والثمار.
ومن يخرج الحي من الميت: أي الجسم الحي من جسم ميت والعكس كذلك.
ومن يدبر الأمر: أي أمر الخلائق كلها بالحياة والموت والصحة والمرض والعطاء والمنع.
أفلا تتقون: أي الله فلا تشركوا به شيئاً ولا تعصوه في أمره ونهيه.
فأنى تصرفون: أي كيف تصرفون عن الحق بعد معرفته والحق هو أنه لا اله إلا الله.
حقت: أي وجبت.
أنهم لا يؤمنون: وذلك لبلوغهم حداً لا يتمكنون معه من التوبة البتة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة التوحيد فيقول تعالى لرسوله ﴿قل﴾ يا رسولنا لأولئك المشركين مستفهماً إياهم ﴿من يرزقكم من السماء والأرض﴾ بإنزال المطر وبانبات الحبوب والثمار والفواكه والخضر التي ترزقونها، وقل لهم ﴿أم من يملك السمع والأبصار﴾ أي أسماعكم وأبصاركم بحيث إن شاء أباقاها لكم وأمتعكم بها، وإن شاء أخذها منكم وسلبكم إياها فأنتم عمي لا تبصرون وصم لا تسمعون ﴿ومن يخرج الحي من الميت﴾ كالفرخ من البيضة ﴿ويخرج الميت من الحي﴾ كالبيضة من الدجاجة، والنخلة من النواة، والنواة من١ النخلة. ﴿ومن يدبر الأمر﴾ في السماء والأرض كتعاقب الليل والنهار ونزول الأمطار، وكالحياة والموت والغنى والفقر والحرب والسلم والصحة والمرض إلى غير ذلك مما هو من مظاهر التدبير الإلهي في الكون. ﴿فسيقولون الله﴾، إذ لا جواب لهم إلا هذا إذاً فما دام الله هو الذي يفعل هذا ويقدر عليه دون غيره كيف لا يُتَّقى عز وجل بتوحيده وعدم الإشراك به، فلم لا تتقونه؟ ٢
٢ أي: فقل لهم يا رسولنا: أفلا تتقون: أي: أفلا تخافون عقابه ونقمه في الدنيا والآخرة.
وقوله تعالى ﴿كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون﴾ أي مثل ذلك الصرف الذي يصرفه المشركون عن الحق بعد معرفته إلى الضلال أي كما حق ذلك حقت كلمة ربك وهي أن الله لا يهدي القوم الفاسقين فهم لا يهتدون، وذلك أن العبد إذا توغل في الشر والفساد بالإدمان والاستمرار عليه يبلغ حداً لا يتأتَّى له الرجوع منه والخروج بحال فهلك على فسقه لتحق عليه كلمة العذاب وهي ﴿لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشركوا العرب كانوا يشركون في الألوهية ويوحدون في الربوبية.
٢- وليس بنافع أن يوحد العبد في الربوبية ويشرك في الألوهية.
٣- ليس بعد الحق٤ إلا الضلال فلا واسطة بينهما فمن لم يكن على حق فهو على ضلال.
٤- التوغل في الشر والفساد يصبح طبعاً لصاحبه فلا يخرج منه حتى يهلك به.
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن
٢ أي: إلهكم ومعبودكم الحق لا ما تعبدون من أصنام وأوثان فإذا عرفتم إلهكم الحق فإنّ ما بعده من آلهة هو الضلال.
٣ روي عن مالك في قوله تعالى: ﴿فماذا بعد الحق إلا الضلال﴾ قال: اللعب بالشطرنج والنرد: هو الضلال، وسئل عن الغناء فقال: هل هو حق؟ قالوا: لا. قال فما بعد الحق إلاّ الضلال. وفي صحيح مسلم: "من لعب بالنرد شير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه".
٤ روي عن عمر رضي الله عنه أنه رخّص فيما كان فيه دربة على الحرب من أنواع اللعب، إذ الغرض صحيح، وهو تعلم فنون الحرب، وحذق أساليبها.
شرح الكلمات:
من شركائكم١: جمع شريك وهو من أشركوه في عبادة الله تعالى.
من يبدأ الخلق: أي ينشيء الإنسان والحيوان أول ما ينشئه فذلك بدء خلقه.
فأنى تؤفكون: أي كيف تصرفون عن الحق بعد معرفته.
أمَّن لا يَهِدِّي: أي لا يهتدي.
كيف تحكمون: أي هذا الحكم الفاسد وهو إتباع من لا يصح اتباعه لأنه لا يهدي.
معنى الآيات:
ما زال السياق في حجاج المشركين لبيان الحق لهم ودعوتهم إلى اتباعه فيقول تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل لهؤلاء المشركين ﴿قل هل من شركائكم٢ من يبدأ الخلق ثم يعيده؟﴾ أي هل يوجد من بين آلهتكم التي تعبدونها من يبدأ خلق إنسان من العدم ثم يميته، ثم يعيده؟ وجوابهم معروف وهو لا يوجد إذاً فكيف تؤفكون أي تصرفون عن الحق بعد معرفته والإقرار به؟ وقل لهم أيضاً ﴿قل هل٣ من شركائكم من يهدي إلى الحق﴾ أي يوجد من آلهتكم من يهدي إلى الحق؟ والجواب لا يوجد لأنها لا تتكلم ولا تعلم إذاً فقل لهم الله يهدي إلى الحق أي بواسطة نبيه ووحيه وآياته.
وقل لهم ﴿أفمن يهدي إلى٤ الحق أحق أن يتبع أمَّن لا يهدي إلا أن يهدى﴾ ٥ والجواب معروف الذي يهدي إلى الحق أحق بأن يتبع ممن لا يهتدي إلا أن يُهدى، إذاً لم لا تتقون
٢ يقول لهم: (هل) على جهة التوبيخ والتقرير، فان أجابوك فذاك وإلا فقل الله يبدأ الخلق.
٣ هذا الاستفهام كالأول للتوبيخ والتقرير فان أجابوا فذاك المطلوب لهان لم يجيبوا فأجب أنت بقولك: الله يبدأ الخلق.
٤ هذا الاستفهام؟ كسابقيه للتوبيخ والتقرير ثم إقامة الحجة.
٥ في: ﴿أمّن لا يهدي﴾ قراءات منها: (لا يهدي)، بالتخفيف. (لا يهدّي) بتشديد الدال، وفتح الهاء وهي قراءة ورش، و (لا يَهدي) بكسر الهاء، وتشديد الدال وهي قراءة حفص.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير التوحيد بإبطال الآلهة المزعومة حيث اعترف عابدوها بأنها لا تبدأ خلقاً ولا تعيده بعد موته، ولا تهدي إلى الحق، والله يبدأ الخلق ثم يعيده ويهدي إلى الحق.
٢- إبطال الأحكام الفاسدة وعدم إقرارها ووجوب تصحيحها.
٣- لا يقبل الظن في العقائد بل لا بد من العلم اليقيني فيها.
٤- كراهية القول بالظن والعمل به وفي الحديث (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).
وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ
٢ الظن يطلق على مراتب الإدراك، فيطلق على الاعتقاد الجازم الذي لا شك فيه كقوله تعالى: ﴿إني ظننت أني ملاق حسابيه﴾ ويطلق على الاعتقاد المشكوك فيه كقول قوم نوح لنوح: ﴿وإنا لنظنّك من الكاذبين﴾ ويطلق على الاعتقاد المخطىء كآية: ﴿إن بعض الظن إثم﴾ وحديث: "فإن الظن أكذب الحديث".
شرح الكلمات:
أن يفترى من دون الله: أي افتراء أي لم يكن هذا القرآن افتراء.
وتفصيل الكتاب: أي بيان ما فرض الله تعالى على هذه الأمة وما أحل لها وما حرم.
أم يقولون افتراه.: أي اختلقه من نفسه وَتَقوَّلَه من عنده.
بما لم يحيطوا بعلمه: أي بما توعدهم الله تعالى به من العذاب.
ولما يأتهم تأويله: أي ولما يأتهم بعد ما يؤول إليه ذلك الوعيد من العذاب.
كذلك كذب الذين من قبلهم: أي كتكذيب هؤلاء بوعد الله لهم كذب الذين من قبلهم.
معنى الآيات:
هذه الآيات في تقرير عقيدة الوحي وإثبات نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى: ﴿وما كان هذا١ القرآن﴾ أي لم يكن من شأن هذا القرآن العظيم ﴿أن يفترى من دون الله﴾ أي يُختلق من غير الله تعالى من سائر خلقه، ﴿ولكن تصديق الذي بين يديه﴾ ٢ أي ولكنه كلام الله ووحيه أوحاه إلى رسوله وأنزله تصديق الذي بين يديه أي من الكتب التي سبقت نزوله وهي التوراة والإنجيل ﴿وتفصيل الكتاب﴾ الذي كتبه الله تعالى على أمة الإسلام من الفرائض والشرائع والأحكام. وقوله تعالى ﴿لا ريب فيه﴾ أي لا شك في أنه وحي الله وكلامه نزل من رب العالمين، وهو الله مربي الخلائق أجساماً وعقولاً وأخلاقاً وأرواحاً ومن مقتضى ربوييته إنزال كتاب فيه تبيان كل شيء يحتاج إليه العبد في تربيته وكماله البدني والروحي والعقلي والخلقي.
٢ أي: أنزله مصدقاً لما بين يديه أي: لما تقدمه من الكتب الإلهية. هذا كقوله تعالى: ﴿نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه﴾. ونصب (تصديق) على أنه اسم كان، والتقدير: ولكن كان تصديق الذي.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير عقيدة الوحي وإثبات نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- من أدلة أن القرآن كلام الله تصديقه للكتب السالفة وعدم التناقض معها إذ هما من مصدر واحد وهو الله رب العالمين.
٣- من أدلة القرآن على أنه وحي الله تحدي الله العرب بالإتيان بسورة واحدة في فصاحته.
٢ هذا دليل على أن القرآن الكريم معجز، وهو كذلك معجز بألفاظه ومعانيه معاً.
٣ ﴿بل كذّبوا بما لم يحيطوا يعلمه ولما يأتهم تأويله﴾. هذا الكلام الإلهي يحتمل معنيين صحيحين. الأول: هو ما في التفسير، والثاني: المراد بما لم يحيطوا بعلمه: القرآن الكريم، فهم لم يتدبروه، ولم يفهموا ما يدعو إليه وكذبوا به عن جهل مع العناد والمكابرة فما في قوله: ﴿بما لم يحيطوا بعلمه﴾ اسم موصول المراد به: القرآن الكريم أمّا على المعنى الأول فإن المراد به العذاب الذي كذّبوا به، ولم يحل بهم بعد.
٤- استمرار المشركين في العناد والمجاحدة علته أنهم لم يذوقوا ما توعدهم الله به من العذاب إذ لو ذاقوا لآمنوا ولكن لا ينفعهم حينئذ الإيمان.
وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)
شرح الكلمات:
ومنهم من يؤمن به: أي من أهل مكة المكذبين بالقرآن من يؤمن به مستقبلاً.
وربك أعلم بالمفسدين: وهم دعاة الضلالة الذين يفسدون العقول والقلوب والجملة تهديد لهم.
وإن كذبوك: أي استمروا على تكذيبك.
ومنهم من يستمعون إليك: أي إذا قرأت القرآن.
ومنهم من ينظر إليك: أي يبصر ويشاهد آيات النبوة وأعلام صدقك، ولا يهتدي إلى معرفة أنك رسول الله لأن الله تعالى حرمه ذلك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى في خطاب رسوله ليُسلِّيه ويصبِّره على عدم إيمان قومه مع ظهور الأدلة وقوة البراهين ﴿ومنهم من يؤمن به﴾ أي بالقرآن وبالنبي
وقوله تعالى في الآية (٤٢) ﴿ومنهم من يستمعون إليك﴾ ٣ إلى قراءتك القرآن وإلى قولك إذا قلت داعياً أو آمراً أو ناهياً، ومع هذا فلا يفهم ولا ينتفع بما يسمع، ولا لوم عليك في ذلك لأنك لا تسمع الصم، وهؤلاء صم لا يسمعون، ومنهم من ينظر إليك بأعين مفتحة ويرى علامات النبوة وآيات الرسالة ظاهرةً في حالك ومقالك ومع هذا لا يهتدي ولا لوم عليك فإنك لا تهدي العمى ولو كانوا لا يبصرون٤. وقوله تعالى ﴿إن الله لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون﴾ بيان لسنة الله تعالى في أولئك الذين يسمعون ولا ينتفعون بسماعهم، ويبصرون ولا ينتفعون بما يبصرون، وهي أن من توغل في البغض والكراهية لشيء يصبح غير قادر على الانتفاع بما يسمع منه ولا بما يبصر فيه. ولذا قيل حبك الشيء يُعمي ويُصم، والبغض كذلك كما أن الاسترسال في الشر والفساد مدة من الزمن يحرم صاحبه التوبة إلى الخير والصلاح، ومن هنا قال تعالى ﴿إن الله لا يظلم٥ الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك.
٢- تقرير معنى آية ﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾.
٢ أي لي ثواب عملي على التبليغ والطاعة لله تعالى ولكم جزاء عملكم الذي هو الشرك والكفر والتكذيب.
٣ أي: في ظواهرهم أمّا قلوبهم فلا تعي شيئا مما تقول من الحق وتتلوه من القرآن.
٤ أي: ولو انظمّ إلى عدم البصر عدم البصيرة.
٥ في هذا إشارة إلى أنّ عدم هدايتهم يكن خارجاً عن إرادتهم ولكن كان باستحبابهم العمى على الهدى وإيثارهم للدنيا على الآخرة.
٤- انتفاء الظلم عن الله تعالى، وإثباته للإنسان لنفسه.
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٤٨)
شرح الكلمات:
يحشرهم: أي نبعثهم من قبورهم ونجمعهم لساحة فصل القضاء.
كأن لم يلبثوا: أي في الدنيا أحياء في دورهم وأمواتاً في قبورهم.
أو نتوفينك: أي نميتك قبل ذلك.
فإذا جاء رسولهم: أي في عرصات القيامة.
بالقسط: أي بالعدل.
متى هذا الوعد: أي بالعذاب يوم القيامة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى ﴿ويوم يحشرهم﴾ أي اذكر لهم يوم نحشرهم من قبورهم بعد بعثهم أحياء ﴿كأن لم يلبثوا﴾ ١ في الدنيا أحياء في دورهم وأمواتاً في قبورهم. ﴿إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم﴾ ٢ أي ليرى بعضهم بعضاً
٢ الجملة في موضع نصب على الحال. وتعارفهم هذا في عرصات القيامة إنما هو تعارف توبيخ وافتضاح فيقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني وحملتني على الكفر، ثم تنقطع المعرفة عند معاينتهم العذاب يوم القيامة.
وقوله تعالى ﴿وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك﴾ ٢ أي إن أريناك بعض الذي نعدهم من العذاب في الدنيا فذاك، أو نتوفينك قبل ذلك فعلى كل حال مرجعهم إلينا جميعاً بعد موتهم، فنحاسبهم ونجازيهم بحسب سلوكهم في الدنيا الخير بالخير والشر بمثله، وقوله تعالى ﴿ثم الله شهيد على ما يفعلون﴾ ٣ تقرير وتأكيد لمجازاتهم يوم القيامة لأن علم الله تعالى بأعمالهم وشهادته عليها كافٍ في وجوب تعذيبهم. وقوله تعالى ﴿ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون﴾ أي ولكل أمة من الأمم رسول أرسل إليها وبلغها فأطاع من أطاع وعصى من عصى فإذا جاء رسولها في عرصات القيامة قضي بينهم أي حوسبوا أو جوزوا بالقسط أي بالعدل وهم لا يظلمون بنقص حسنات المحسنين ولا بزيادة سيئآت المسيئين. وقوله تعالى ﴿ويقولون﴾ أي المشركون للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، ﴿متى هذا الوعد﴾ ٤ أي بالعذاب يوم القيامة. ﴿إن كنتم صادقين﴾ يقولون هذا استعجالاً للعذاب لأنهم لا يؤمنون به. والجواب في الآية التالية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة.
٢- الإعلان عن خسران منكري البعث يوم القيامة.
٢ وإما أصلها إن الشرطة وما الزائدة لتقوية الكلام و ﴿بعض الذي نعدهم﴾ هو عذاب الدنيا كما هو إظهار الدين ونصرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣ أي: بعد وفاتك، فالله عز وجل خليفتك فيهم وسوف يجزيهم بحسب كسبهم خيراً وشراً.
٤ أي: متى العذاب، أو متى القيامة التي يعدنا بها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- بيان كيفية الحساب يوم القيامة بأن يأتي الرسول وأمته ثم يجزي الحساب بينهم فينجي الله المؤمنين ويعذب الكافرين.
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣)
شرح الكلمات:
لنفسي ضراً.: أي لا أقدر على دفع الضر إذا لم يُعِنِّي الله تعالى.
ولا نفعاً: أي لا أقدر على أن أجلب لنفسي نفعاً إذا لم يُرده الله تعالى لي.
لكل أمة أجل: أي وقت معين لهلاكها.
فلا يستأخرون ساعة: أي عن ذلك الأجل.
ولا يستقدمون: أي عليه ساعة.
قل أرأيتم: أي قل لهم أخبروني.
أثم إذا ما وقع: أي حل العذاب.
عذاب الخلد: أي الذي يخلدون فيه فلا يخرجون منه.
ويستنبئونك: أي ويستخبرونك.
قل إي: أي نعم.
وما أنتم بمعجزين: أي بفائتين العذاب ولا ناجين منه.
ما زال السياق الكريم في الرد على المشركين فقد طالبوا في الآيات السابقة بالعذاب فقالوا ﴿متى هذا الوعد﴾ أي بالعذب ﴿إن كنتم صادقين﴾ فأمر الله تعالى رسوله في هذه الآيات أن يقول لهم إني ﴿لا أملك لنفسي ضراً﴾ أي لا أملك دفع الضر عني، ولا جلب النفع لي إذا لم يشأ الله تعالى ذلك، فكيف أعلم الغيب وأعرف متى يأتيكم العذاب كما لا أقدر على تعجيله إن كان الله يريد تأجيله، واعلموا أنه لكل أمة من الأمم أجل أي وقت محدد لهلاكها وموتها فيه، فلا يتأخرون عنه ساعة ولا يتقدمون عليه بأخرى فلذا لا معنى لمطالبتكم بالعذاب. وشيء آخر أرأيتم أي أخبروني إن أتاكم العذاب الذي تستعجلونه بياتاً١ أي ليلاً أو نهاراً أتطيقونه وتقدرون على تحمله إذاً فماذا تستعجلون منه أيها المجرمون٢ إنكم تستعجلون أمراً عظيماً. وقوله تعالى ﴿أثم إذا ما وقع آمنتم به؟﴾ ٣ أي اتستمرون على التكذيب والعناد، ثم إذا وقع آمنتم به، وهل ينفعكم إيمانكم يومئذ؟ فقد يقال لكم توبيخاً وتقريعاً آلآن مؤمنون به، وقد كنتم به تستعجلون.
وقوله تعالى ﴿ثم٤ قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون﴾ ؟ يخبر تعالى أنه إذا دخل المجرمون النار وهم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي ذوقوا- تهكماً بهم- عذاب الخلد أي العذاب الخالد الذي لا يفني ولا يبيد إنكم ما تجزون أي ما تثابون إلا بما كنتم تكسبونه من الشرك والمعاصي. وقوله تعالى: ﴿ويستنبؤنك أحق هو؟﴾ أي ويستخبرك المشركون المعاندون قائلين لك أحق ما تعدنا به من العذاب يوم القيامة؟ أجبهم بقولك ﴿قل إي وربي٥ إنه لحق، وما أنتم بمعجزين﴾ الله ولا فائتينه بل لا بد وأن يلجئكم إلى العذاب إلجاءً، ويذيقكموه عذاباً أليماً دائماً وأنتم صاغرون.
٢ المجرمون: أصحاب الجرم الذي هو الشرك والقائلون متى هذا الوعد من كفار مكة.
٣ ﴿أثم﴾ الهمزة للاستفهام وقدمت على ثم العاطفة، لأنّ لها حق الصدارة والتقدير: ثم إذا وقع، والمستفهم عنه هو حصول الإيمان في وقت وقوع العذاب، وهو غير نافع لصاحبه فكيف ترضونه أنتم لأنفسكم.
٤ ﴿ثم﴾ : حرف عطف، وهي هنا للتراخي الرتبي فهذا يقال للمشركين عند دخولهم النار وهو من باب التهكم بهم والتقريع لهم، وإعلامهم بمالا يستطيعون دفعه بحال: ﴿هل تجزون إلا ما كنتم تعملون﴾ والقائلون هم خزنة جهنم.
٥ ﴿إي﴾ : كلمة تحقيق وإيجاب، وتأكيد هي بمعنى (نعم) ﴿وربى﴾ قسم جوابه: ﴿إنه لحق﴾ أي: هو كائن لا شك فيه ولا محالة من وقوعه.
من هداية الآيات:
١- لا يملك أحد من الخلق لنفسه فضلاً عن غيره ضراً يدفعه ولا نفعاً يجلبه إلا بإذن الله تعالى ومشيئته، وخاب الذين يُعولون على الأولياء في جلب النفع لهم ودفع الشر عنهم.
٢- الآجال محدودة لا تتقدم ولا تتأخر فلذا لا معنى للجبن من العبد.
٣- لا ينفع الإيمان ولا التوبة عند معاينة العذاب أو مَلَك الموت.
٤- جواز الحلف بالله إذا أريد تأكيد الخبر.
٥- إي حرف إجابة وتقترن دائماً بالقسم نحو إي والله، إي وربي.
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)
شرح الكلمات:
لافتدت به: لقدمته فداء لها.
وأسروا الندامة: أخفوها في أنفسهم على ترك الإيمان والعمل الصالح.
وقضي بينهم بالقسط: أي حكم الله بينهم بالعدل.
وعد الله حق: أي ما يعدهم الله به هو كائن حقاً.
وهدى: أي بيان لطريق الحق والخير من طريق الباطل والشر.
فضل الله ورحمته: ما هداهم إليه من الإيمان والعمل الصالح، واجتناب الشرك والمعاصي.
فبذلك فليفرحوا: أي فبالإيمان والعمل الصالح بعد العلم والتقوى فليسروا وليستبشروا.
هو خير مما يجمعون: أي من المال والحطام الفاني.
معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان أن ما وعد الله تعالى به المشركين من العذاب هو آت لا محالة إن لم يؤمنوا وإنه عذاب لا يطاق فقال تعالى ﴿ولو أن لكل نفس ظلمت﴾ أي نفسها بالشرك والمعاصي، لو أن لها ما في الأرض من مال صامت وناطق وقبل منها لقدمته فداء١ لها من العذاب، وذلك لشدة العذاب. وقال تعالى عن الكافرين وهم في عرصات القيامة وقد رأوا النار ﴿وأسروا الندامة لما رأوا العذاب﴾ ٢ أي أخفوها في صدورهم ولم ينطقوا بها وهى ندمهم الشديد على عدم إيمانهم وإتباعهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله تعالى ﴿وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون﴾ أي وقضى الله تعالى أي حكم بين الموحدين والمشركين والظالمين والمظلومين٣ بالقسط الذي هو العدل الإلهي والحال أنهم لا يظلمون بأن يؤاخذوا بما لم يكتسبوا. وقوله تعالى ﴿ألا إن٤ لله ما في السموات والأرض﴾ أي انتبهوا واسمعوا أيها المشركون إن لله ما في السموات والأرض من سائر المخلوقات ملكاً حقيقياً لا يملك معه أحد شيئا من ذلك فهو يتصرف في ملكه كما يشاء يعذب ويرحم يشقي ويسعد لا اعتراض عليه ألا أن وعد الله حق أي تنبهوا مرة أخرى واسمعوا إن وعد الله أي ما وعدكم به من العذاب حق ثابت لا يتخلف. وقوله تعالى: ﴿ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾.
٢ إسرارهم الندامة كان عند معاينة العذاب، وقبل الدخول فيه، والندامة: الحسرة على وقوع مكروه أو فوات محبوب.
٣ وبين الرؤساء والمرؤوسين، أي: بين المتبوعين والتابعين لهم.
٤ ﴿ألا﴾ : كلمة استفتاح وتنبيه يؤتى بها في أوّل الكلام، معناها: انتبهوا لما أقول لكم.
وقوله تعالى ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك٢ فليفرحوا هو خير مما يجمعون﴾ أي بلِّغهم يا رسولنا آمراً إياهم بأن يفرحوا٣ بالإسلام وشرائعه والقرآن وعلومه فإن ذلك خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفاني، وما يعقب من آثار سيئة لا تحتمل ولا تطاق.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- عظم عذاب يوم القيامة حتى إن الكافر ليود أن يفتدى منه بما في الأرض جميعاً.
٢- تقرير ربوبية الله تعالى لسائر المخلوقات في العالمين العلوي والسفلي.
٣- الإشادة بفضل القرآن وعظمته لما يحمله من المواعظ والهدى والرحمة والشفاء.
٤- يستحب الفرح بالدين ويكره الفرح بالدنيا.
إلى الملك القرم وابن الهمام | وليث الكتيبة في المزدحم |
٣ روي أن من هداه الله للإسلام وعلمه القرآن ثم شكا الفاقة (الفقر) كتب الله الفقر بين عينيه إلى يوم يلقاه ثم تلا: ﴿قل بفضل الله﴾ الآية.
شرح الكلمات:
أرأيتم: أي أخبروني.
ما أنزل الله لكم من رزق: أي الذي خلق لكم من رزق كلحوم الأنعام.
ءآلله أذن لكم: أي في التحريم حيث حرمتم البحيرة والسائبة وفي التحليل حيث أحللتم الميتة.
يفترون على الله الكذب: أي يختلقون الكذب تزويراً له وتقديراً في أنفسهم.
وما تكون في شأن: أي في أمر عظيم.
شهوداً إذْ تفيضون فيه: أي تأخذون في القول أو العمل فيه.
وما يعزب عن ربك: أي يغيب.
من مثقال ذرة: أي وزن ذرة والذرة أصغر نملة.
إلا في كتاب مبين: أي اللوح المحفوظ ومبين أي واضح.
معنى الآيات:
سياق الآيات في تقرير الوحي وإلزام المنكرين له من المشركين بالدليل العقلي قال
وقوله تعالى ﴿وما تكون في شأن٤ وما تتلو منه من قرآن﴾ أي وما تكون يا رسولنا في أمر من أمورك الهامة وما تتلو من القرآن من آية أو آيات في شأن ذلك الأمر ﴿إلا كنا﴾ أي نحن رب العزة والجلال ﴿عليكم شهوداً﴾ أي حضوراً ﴿إذ تفيضون فيه٥﴾ أي في الوقت الذي تأخذون فيه، وقوله تعالى ﴿وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة٦ في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين﴾ يخبر تعالى عن سعة علمه تعالى وإحاطته بسائر مخلوقاته بحيث لا يعزب أي لا يغيب عن علمه تعالى مثقال ذره أي وزن ذرة وهي النملة الصغيرة وسواء كانت في الأرض أو في السماء، وسواء كانت أصغر من النملة أو
٢ الاستفهام تقريري مشوب بالإنكار عليهم أيضاً. وعبر عن إعطائهم الرزق بإنزاله لهم، لأنّ أرزاقهم من حبوب وثمار وأنعام كلها متوفقة على المطر النازل من السماء حتى سمى العرب ببني ماء السماء. وشاهده قوله تعالى ﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه أنّا صببنا الماء صبّا..﴾ الآية.
٣ بذكره وعبادته وحده بما شرع أن يعبد به، وعلّة عدم الشكر، انظرها في التفسير.
٤ الشأن والجمع شؤون: الخطب والأمر الهام، والخطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمّة معه وقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلو شأنه وسمو مقامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٥ الإفاضة في العمل: الشروع والدخول فيه.
٦ الذرة: النملة الصغيرة، أو الهباءة التي تُرى في ضوء الشمس.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير الوحي وإثباته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- التحريم والتحليل من حق الله تعالى دون سائر خلقه.
٣- حرمة الكذب على الله، وإن صاحبه مستوجب للعذاب.
٤- ما أعظم نعم الله تعالى على العباد ومع هذا فهم لا يشكرون إلا القليل منهم
٥- وجوب مراقبة الله تعالى، وحرمه الغفلة في ذلك.
٦- إثبات اللوح المحفوظ وتقريره كما صرحت به الآيات والأحاديث.
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤)
شرح الكلمات:
ألا: أداة استفتاح وتنبيه.
إن أولياء الله: جمع وليّ وهو المؤمن التقي بشرط أن يكون إيمانه وتقواه على نور من الله.
لا خوف عليهم: أي لا يخافون عند الموت ولا بعده، ولا هم يحزنون على ما تركوا بعد موتهم.
آمنوا: أي صدقوا بالله وبماء جاء عن الله وبرسول الله وبما أخبر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لهم البشرى: أي بالجنة في القرآن الكريم وعند الموت وبالرؤيا الصالحة يراها أو ترى له.
لا تبديل لكلمات الله: أي لوعده الذي يعده عباده الصالحين، لأن الوعد بالكلمة وكلمه الله لا تبدل.
الفوز: النجاة من النار ودخول الجنة.
معنى الآيات:
يخبر تعالى مؤكداً الخبر بأداة التنبيه ﴿ألا﴾ وأداة التوكيد ﴿إن﴾ فيقول: ﴿ألا إن أولياء١ الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ أي لا يخافون عند الموت ولا في البرزخ ولا يوم القيامة ولا هم يحزنون على ما يتركون وراءهم بعد موتهم ولا في الدار الآخرة وبين تعالى أولياءه وعرف بهم فقال: ﴿الذين آمنوا وكانوا يتقون﴾ ٢ أي آمنوا به وبرسوله وبكل ما جاء به رسوله عن ربه، وكانوا يتقون طوال حياتهم وسائر ساعاتهم سخط الله تعالى فلا يتركون واجباً هم قادرون على القيام به، ولا يغشون محرماً لم يُكرهوا عليه. وقوله تعالى: ﴿لهم البشرى﴾ في الحياة الدنيا٣ وفي الآخرة: أي لهم بشرى ربهم في كتابه برضوانه ودخول الجنة ولهم البشرى بذلك عند الاحتضار تبشرهم الملائكة برضوان الله وجنته وفي الآخرة عند قيامهم من قبورهم تتلقاهم الملائكة بالبشرى.
وقوله تعالى: ﴿لا تبديل لكلمات الله﴾ ٤ وهو تأكيد لما بشرهم، إذ تلك البشرى كانت بكلمات الله وكلمات الله لا تتبدل فوعد الله إذاً لا يتخلف.
٢ الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا أي: كأنّما سائل قال: مَنْ هم أولياء الله؟ فأجيب: الذين آمنوا وكانوا يتقون".
٣ لحديث: "انقطع الوحي ولم يبق إلاّ المبشرات قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها البد المؤمن أو تُرى له".
٤ كلمات الله هي: التي بها مواعيده ولذا فما يباشر الله تعالى به أولياءه هو كائن لا محالة إذ مواعيده لا تتبدل ووعوده لا تخلف.
من هداية الآيات:
١- ولاية الله تعالى بطاعته وموافقته في محابه ومكارهه فمن آمن إيماناً يرضاه الله، واتقى الله في أداء الفرائض واجتناب المناهي فقد صار ولي الله والله وليه.
٢- البشرى هي ما يكرم الله به برؤيا صالحة يراها الولي أو تُرى له.
٣- الأولياء هم أهل الإيمان والتقوى فالكافر والفاجر لا يكون وليا أبداً، إلا إذا آمن الكافر، وبَرَّ الفاجر بفعل الصالحات وترك المنهيات.
٤- صدق إخبار الله تعالى وعدالة أحكامه، وسر ولايته إذ هي تدور على موافقة الرب تعالى فيما يجب من الاعتقادات والأعمال والأقوال والذوات والصفات وفيما يكره من ذلك فمن وافق ربه فقد والاه ومن خالفه فقد عاداه.
وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧)
شرح الكلمات:
لا يحزنك: أي لا يجعلك قولهم تحزن.
إن العزة لله: العزة الغلبة والقهر.
شركاء: أي شركاء بحق يملكون مع الله لعابديهم خيراً أو يدفعون عنهم ضراً.
إلا الظن: الظن أضعف الشك.
لتسكنوا فيه: أي تخلدوا فيه إلى الراحة والسكون عن الحركة.
مبصراً: أي مضيئاً ترى فيه الأشياء كلها.
في ذلك: أي من جَعْلِهِ تعالى الليل سكناً والنهار مبصراً لآيات.
يسمعون: أي سماع إجابة وقبول.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير قضايا التوحيد الثلاث التوحيد والنبوة والبعث قال تعالى مخاطباً رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ولا يحزنك قولهم﴾ أي لا يجعلك قول المشركين المفترين ﴿لست مرسلاً﴾ وأنك ﴿شاعر مجنون﴾ تحزن فإن قولهم هذا ينتج لهم إلا سوء العاقبة والهزيمة المحتمة، ﴿إن العزة لله جميعاً﴾ ١ فربك القوى القادر سيهزمهم وينصرك عليهم. إذا فاصبر على ما يقولون ولا تأس ولا تحزن. إنه تعالى هو السميع لأقوال عباده العليم بأعمالهم وأحوالهم ولا يخفى عليه شيء من أمرهم. ﴿ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض﴾ خلقاً وملكاً وتصرفاً، كل شيء في قبضته وتحت سلطانه وقهره فكيف تبالي بهم يا رسولنا فتحزن لأقوالهم ﴿وما يتبع الذين يدعون من دون ألله شركاء﴾ أي آلهة حقاً بحيث تستحق العبادة لكونها تملك نفعاً أو ضراً، موتاً أو حياة لا بل ما هم في عبادتها متبعين إلا الظن ﴿وإن هم إلا يخرصون﴾ أي يتقولون ويكذبون. وقوله تعالى ﴿هو الذي٢ جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، والنهار مبصراً﴾ أي الإله الحق الذي يجب أن يدعى ويعبد الله الذي جعل لكم أيها الناس ليلاً مظلماً لتسكنوا فيه فتستريحوا من عناء العمل في النهار. وجعل لكم النهار مبصراً٣ أي مضيئاً لتتمكنوا من العمل فيه فتوفروا لأنفسكم ما تحتاجون إليه في حياتكم من غذاء وكساء وليست تلك الآلهة من أصنام وأوثان بالتي تستحق الألوهية فتُدْعى وتُعبد. وقوله ﴿إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون٤﴾ أي إن فيما
٢ من الآية استدلال على عزته تعالى وملكه لكل شيء وقدرته وتصرفه في كل شيء وهو ما أوجب له العبادة دون ما سواه.
٣ يقال أبصر النهار، إذا صار ضياء، وأظلم الليل إذا صار ذا ظلام.
٤ الجملة المستأنفة، والآيات: الدلائل الدالة على وحدانية الله تعالى في ربوبيته وألوهيته، والدلالة تكون مرئية ومسموعة ومعقولة، وعليه فالأعمى والأصم وغير العاقل لا يستفيدون منها فهذه علّة عدم استفادة المشركين من الآيات لفقدهم آلات العقل والسمع والبصر، إذ فسدت بالجهل والتقليد والعناد والمكابرة والجحود.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
١- على المؤمن الداعي إلى الله تعالى أن لا يحزنه أقوال أهل الباطل وأكاذيبهم حتى لا ينقطع عن دعوته، وليعلم أن العزة لله جميعاً وسوف يعزه بها، ويذل أعداءه.
٢- ما يُعبد من دون الله لم يقم عليه عابدوه أي دليل ولا يملكون له حجة وإنما هم مقلدون يتبعون الظنون والأوهام.
٣- مظاهر قدرة الله تعالى في الخلق والتدبير كافية في إثبات العبادة له ونفيها عما سواه.
قَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (٧٠)
شرح الكلمات:
سبحانه: أي تنزه عن النقص وتعالى أن يكون له ولد.
الغَنِيُّ: أي الغِنَى المطلق بحيث لا يفتقر إلى شيء.
إن عندكم من سلطان: أي ما عندكم من حجة ولا برهان.
بهذا: أي الذي تقولونه وهو نسبة الولد إليه تعالى.
متاع في الدنيا: أي ما هم فيه اليوم هو متاع لا غير وسوف يموتون ويخسرون.
يكفرون: أي بنسبة الولد إلى الله تعالى، وبعبادتهم غير الله. سبحانه وتعالى.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تحقيق التوحيد وتقريره بإبطال الشرك وشبهه فقال تعالى: ﴿قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه﴾ أي قال المشركون أن الملائكة بنات الله١ وهو قول مؤسف محزن للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقولهم له ﴿لست مرسلاً﴾، وقد نهي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحزن من جراء أقوال المشركين الفاسدة الباطلة. ونزه الله تعالى نفسه عن هذا الكذب فقال سبحانه، وأقام الحجة على بطلان قول المشركين بأنه هو الغَنيُّ الغِنَى الذاتي الذي لا يفتقر معه إلى غيره فكيف إذاً يحتاج إلى ولد أو بنت فيستغني به وهو الغني الحميد، وبرهان آخر على غناه أن له ما في السموات وما في الأرض الجميع خلقه وملكه فهل يعقل أن يتخذ السيد المالك عبداً من عبيده ولداً له. وحجة أخرى هل لدى الزاعمين بأن لله ولداً حجة تثبت ذلك والجواب لا، لا. قال تعالى مكذباً إياهم: ﴿إن عندكم من سلطان بهذا﴾ ٢ أي ما عندكم من حجة ولا برهان بهذا الذي تقولون ثم وبخهم وقرعهم بقوله: ﴿أتقولون على٣ الله ما لا تعلمون؟﴾ وأمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول معلناً عن خيبة الكاذبين وخسرانهم: ﴿إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون﴾ ٤ إن قيل كيف لا يفلحون وهم يتمتعون بالأموال والأولاد والجاه والسلطة أحياناً فالجواب في قوله تعالى ﴿متاع في الدنيا﴾ ٥ أي ذلك متاع في الدنيا، يتمتعون به إلى نهاية أعمارهم، ثم إلى الله تعالى مرجعهم جميعاً، ثم يذيقهم العذاب الشديد الذي ينسون معه كل ما تمتعوا به في الحياة الدنيا، وعلل
٢ إن نافية بمعنى: (ما) كما هي في التفسير أي: ما عندكم من حجة تثبت ما ادعيتموه وتُلزم به لقوتها كقوة ذي السلطان.
٣ الاستفهام للتوبيخ والتقريع بجهلهم وكذبهم إذ الولد يتطلب المجانسة والمشابهة بينه وبين من ينسب إليه وأين ذلك؟ والله ليس كمثله شيء إذ هو خالق كل شيء.
٤ الفلاح: الفوز، والفوز هي السلامة من المرهوب والظهر بالمحبوب المرغوب، والمفترون على الله الكذب لا ينجون من النار ولا يدخلون الحنة فهم إذا خاسرون غير مفلحين.
٥ هذه الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها جواب سؤال هو: كيف لا يفلحون وهم في عزّة وقدرة وسلطان فيجاب السائل: بأن هذا متاع في الدنيا زائل لا قيمة له، بالمقابلة بالفلاح المنتفي عنهم وهو فلاح الآخرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- كفر من ينسب إلى الله تعالى أي نقص كالولد والشريك أو العجز مطلقاً.
٢- كل دعوى لا يقيم لها صاحبها برهاناً قاطعاً وحجة واضحة فلا قيمة لها ولا يحفل بها.
٣- أهل الكذب على الله كالدجالين والسحرة وأهل البدع والخرافات لا يفلحون ونهايتهم الخسران.
٤- لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بما يرى عليه أهل الباطل والشر من المتع وسعة الرزق وصحة البدن فإن ذلك متاع الحياة الدنيا، ثم يؤول أمرهم إلى خسران دائم.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ (٧١) فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (٧٣)
شرح الكلمات:
واتل عليهم نبأ نوح: أي اقرأ على المشركين نبأ نوح أي خبره العظيم الخطير.
فأجمعوا أمركم: أي اعزموا عزماً أكيداً.
غمّة: أي خفاء ولبساً لا تهتدون منه إلى ما تريدون.
ثم اقضوا إلي: أي انفذوا أمركم.
ولا تنظرون: أي ولا تمهلون رحمة بي أو شفقة علي.
فإن توليتم: أي أعرضتم عما أدعوكم إليه من التوحيد.
في الفلك: أي في السفينة.
خلائف: أي يخلف الآخر الأول جيلاً بعد جيل.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية المشركين بالرد على دعاواهم وبيان الحق لهم وفي هذه الآيات يأمر الله تعالى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ عليهم طرفاً من قصة نوح مع قومه المشركين الذين كانت حالهم كحال مشركي العرب سواء بسواء وفي قراءة هذا القصص فائدتان الأولى تسلية الرسول وحمله على الصبر، والثانية تنبيه المشركين إلى خطإهم، وتحذيرهم من الاستمرار على الشرك والعصيان فيحل بهم من العذاب ما حل بغيرهم قال تعالى: ﴿واتل عليهم نبأ نوح﴾ ١ أي خبره العظيم الشأن وهو قوله لهم ﴿يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي﴾ ٢ أي عظم وشق عليكم وجودي بينكم أدعوكم إلى الله، وتذكيري إياكم بآيات الله، فإني٣ توكلت على الله فأجمعوا أمركم أي اعزمرا عزماً أكيداً وادعوا أيضاً شركاءكم للاستعانة بهم، ثم أحذركم أن يكون أمركم عليكم غمة أي٤ خفياً ملتبساً عليكم فيجعلكم تترددون في إنفاذ ما عزمتم عليه، ثم اقضوا٥ إليَّ ما تريدون من قتلي أو نفعي ولا
٢ المقام: بفتح القاف، موضع القيام، والمُقام بالضمّ الإقامة، ومعنى كبُر: ثقل وعظم.
٣ هذه الجملة ﴿فعلى الله توكلت﴾ هي جواب الشرط الذي هو: فان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله التي هي دلائل فضله ودلائل وحدانيته تعالى.
٤ الغمّة والغمَ بمعنى واحد، ومعناه التغطية والستر ومنه: غم الهلال إذا استتر، قال الشاعر:
لعمرك ما أمري عَليّ بغمّة | نهاري ولا ليلي عليَّ بسرمد |
٥ أي: أنفذوا ما حكتم به عليَّ من قتلي إن أردتم ذلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تسلية الدعاة بمثل موقف نوح العظيم إذ قال لقومه: أجمعوا أمركم ونفذوا ما تريدون إني توكلت على الله.
٢- ثمرة التوكل شجاعة واطمئنان نفس وصبر وتحمل مع مضاء عزيمة.
٣- دعوة الله لا ينبغي أن يأخذ الداعي عليها أجراً إلا للضرورة.
٤- بيان سوء عاقبة المكذبين بعد إنذارهم وتحذيرهم.
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (٧٥)
شرح الكلمات:
بالبينات: أي بالحجج الواضحات على صدق دعوتهم، وما يدعون إليه من توحيد الله تعالى.
نطبع: الطبع على القلب عبارة عن تراكم الذنوب على القلب حتى لا يجد الإيمان إليه طريقاً.
المعتدين: الذين تجاوزوا الحد في الظلم والاعتداء على حدود الشرع.
الحق.: الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام وهي تسع.
لتلفتنا: لتصرفنا وتحول وجوهنا عما وجدنا عليه آباءنا.
الكبرياء: أي العلو والسيادة والملك على الناس.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى طرفاً من قصة نوح عليه السلام وأبرز فيها مظهر التوكل على الله تعالى من نوح ليُقتدى به، ومظهر نصرة الله تعالى لأوليائه وهزيمته أعدائه ذكر هنا سنة من سننه في خلقه وهي أنه بعث من بعد نوح رسلاً كثيرين١ إلى أممهم فجاؤوهم بالبينات أي بالحجج والبراهين على صدقهم وصحة ما جاءوا به ودعوا إليه من توحيد الله، فما كان أولئك الأقوام ليؤمنوا بما كذب به من سبقهم من أمة نوح. قال تعالى: ﴿كذلك نطبع على٢
٢ {نطبع﴾ نختم، إذ الختم والطبع واحد، والطبع يكون بالخاتم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سنة الله في البشر وهي أن التوغل في الشر والفساد والظلم يوجب الختم على
٢ أفسدوا القلوب بالشرك والكفر والعقول بالسحر والأباطيل وسفكوا الدماء بقتل ذكران بني إسرائيل الصغار (المواليد).
٣ مفعول ﴿أتقولون﴾ محذوف لدلالة الكلام عليه وهو: إن هذا لسحر مبين وتقدير الكلام أنهم لما قالوا في الآيات لسحر مبين رد عليهم موسى بقوله: أتقولون للحق لما جاءكم هذا. أسحر هذا؟ أي كيف يكون هذا الذي جئتكم به من الآيات سحراً؟ والساحر لا يفلح وقد أفلحت فبطل أن يكون ما جئتكم به من الآيات سحراً للحق: اللام يسميهم بعضهم لام المجاوزة فهي بمعنى عن أي: تقولون عن الحق كذا. والظاهر أنها لام التعليل.
٢- ذم الاستبكار وأنه سبب كثير من الإجرام.
٣- تقرير أن السحر صاحبه لا يفلح أبداً ولا يفوز بمطلوب ولا ينجو من مرهوب.
٤- الاتهامات الكاذبة من شأن أهل الباطل والظلم والفساد.
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)
شرح الكلمات:
ساحر عليم: أي ذو سحر حقيقي له تأثير عليم بالفن.
ألقوا: أي ارموا في الميدان ما تريدون إلقاءه من ضروب السحر.
إن الله سيبطله: أي يظهر بطلانه أمام النظارة من الناس.
ويحق الله الحق: أي يقرر الحق ويثبته.
بكلماته: أي بأمره إذ يقول للشيء كن فيكون.
المجرمون: أهل الإجرام على أنفسهم وعلى غيرهم وهم الظلمة المفسدون.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر قصة موسى بعد قصة نوح عليهما السلام في الآيات السابقة لما غلب موسى فرعون وملأه بالحجة اتهم فرعون موسى وأخاه هارون بأنهما سياسيان يريدان الملك والسيادة على البلاد لا همَّ لهما إلا ذاك وكذب فرعون وهو من الكاذبين وهنا أمر
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- للسحر طرق يتعلم بها وله علماء به وتعلمه حرام واستعماله حرام.
٢- حد الساحر القتل لأنه إفساد في الأرض.
٣- جواز المبارزة للعدو والمباراة له إظهاراً للحق وإبطالاً للباطل.
٤- عاقبة الفساد وعمل أصحابه الخراب والدمار.
٥- متى قاوم الحق الباطل انهزم الباطل وانتصر الحق بأمر الله تعالى ووعده الصادق.
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) َقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (٨٤) َقَالُواْ عَلَى اللهِ
٢ أي: اطرحوا ما معكم من حبالكم وعصّيكم.
٣ أي: ما أظهرتموه لنا من هذه الحبال والعصي، وقد تراءت وكأنها حيّات وثعابين هو السحر وعلّل لذلك. بقوله إنّ الله سيبطله وعلة أخرى وهو أن الله لا يصلح عمل المفسدين، وإظهار اسم الجلالة في التعليلين: ﴿إن الله سيبطله﴾ ﴿إنّ الله لا يصلح عمله المفسدين﴾ لإلقاء الروع وتربية المهابة في النفوس.
٤ قال ابن عباس رضي الله عنه من أخذ مضجعه من الليل ثم تلا هذه الآية. ﴿ما جئتم به السحر إنّ الله سيبطله إنّ الله لا يصلح عمل المفسدين﴾ لم يضرّه كيد ساحر.
٥ أراد بالمجرمين: فرعون وملأه، وفي الكلام تعريض بهم، وعدل عن وصفهم بالإجرام لأنّه مأمور أن يقول قولاً ليّنأ فاستغنى بالتعريض بدل التصريح.
شرح الكلمات:
فما آمن لموسى: أي لم يَنْقَدْ له ويتبعه.
إلا ذرية: أي طائفة قليلة من أولاد بني إسرائيل.
وملائهم: أي أشرافهم ورؤسائهم.
أن يفتنهم: أن يضطهدهم ويعذبهم.
لعال في الأرض: قاهر مُستبدّ.
مسلمين: مذعنين منقادين لأمره ونهيه.
فتنة للقوم الظالمين: أي لا تفتنهم بنا بأن تنصرهم علينا فيروا أنهم خير منا فيزدادوا كفراً.
أن تبوَّءا: اتخذا لقومكما بمصر بيوتا تبوءون إليها وترجعون.
قبلة: أي مساجد تصلون فيها.
معنى الآيات:
بعد ذلك الانتصار الباهر الذي تم لموسى على السحرة، والهزيمة المرة التي لحقت فرعون ولم يؤمن لموسى ويتابعه إلا ذرّيّة من بني إسرائيل، وعدد قليل من آل فرعون كامرأته ومؤمن آل فرعون والماشطة قال تعالى: ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية١ من قومه على خوف من فرعون﴾ أي مع خوف من فرعون أن يفتنهم وقوله: ﴿وملائهم﴾ عائد إلى مؤمنى آل فرعون أي مع خوف من ملائهم أي رؤسائهم وأشرافهم أن يفتنوهم أيضاً، وقوله تعالى ﴿وإن فرعون لعال في الأرض﴾ أي إنه قاهر متسلط مستبد ظالم، {وإنه لمن
٢ كرر جملة الشرط تأكيداً، مبيّناً أن كمال الإيمان يقتضي التوكل على الله تعالى.
٣ أي: اتخذا، يقال: بوّاه الدار: انزله إيَّاها وأسكنه فيها. وفي الحديث "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" أي: فلينزله ملازما له.
٤ قيل: المراد بمصر: الأسكندرية.
٥ في الآية دليل علي جواز صلاة الخائف المكتوبة في بيته، أمّا النافلة فهي في البيوت أفضل لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".
٦ في هذا جمع بين رأيين الأول: أن المراد من كلمة قبلة: أنها مساجد والثاني: أنها متقابلة ليتم لهم بذلك حمايتهم من عدوهم بعد أن استقلوا عنه.
٧ هو موسى علبه السلام، بدليل السياق الكريم.
من هداية الآيات:
١- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث أراه كيف انتصر موسى بالمعجزات ومع ذلك لم يتابعه إلا القليل من قومه.
٢- التنديد بالعلو في الأرض والإسراف في الشر والفساد وبأهلهما.
٣٠- وجوب التوكل على الله تعالى لتحمل عبء الدعوة إلى الله تعالى والقيام بطاعته.
٤- مشروعية الدعاء والتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته.
٥- اتخاذ المساجد في المنازل للصلاة فيها عند الخوف.
٦- وجوب إقام الصلاة.
٧- بشرى الله تعالى للمؤمنين والمقيمين للصلاة بحسن العاقبة في الدارين.
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (٨٨) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (٨٩)
شرح الكلمات:
زينة: أي حلياً وحللاً ورياشاً ومتاعاً.
أموالاً: أي كثيرة من الذهب والفضة والأنعام والحرث.
اطمس: أي أزل أثرها من بينهم بإذهابها.
واشدد على قلوبهم: اربط عليها حتى لا يدخلها إيمان ليهلكوا وهم كافرون.
فاستقيما: على طاعة الله بأداء رسالته والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه.
سبيل الذين لا يعلمون: أي طريق الجهلة الذي لا يعرفون محاب الله ومساخطه ولا يعلمون شرائع الله التي أنزل لعباده.
معنى الآيتين:
ما زال السياق في قصة موسى مع فرعون وبني إسرائيل فبعد أن لج فرعون في العناد والمكابرة بعد هزيمته سأل موسى ربه قائلاً ﴿ربنا إنك آتيت فرعون وملأه﴾ أي أعطيتهم ﴿زينة﴾ أي ما يتزين به من الملابس والفرش والأثاث وأنواع الحلي والحلل وقوله ﴿وأموالاً﴾ ١ أي الذهب والفضة والأنعام والحرث ﴿في الحياة الدنيا﴾ أي في هذه الحياة الدنيا وقوله: ﴿ربنا ليضلوا عن سبيلك﴾ ٢ أي فيسبب ذلك لهم الضلال إذاً ﴿ربنا اطمس٣ على أموالهم﴾ أي أذهب أثرها بمسحها وجعلها غير صالحة للانتفاع بها، ﴿واشدد على٤ قلوبهم﴾ أي اطبع على قلوبهم واستوثق منها فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم الموجع أشد الإيجاع، قال تعالى: ﴿قد أجيبت دعوتكما، فاستقيما﴾ ٥ على طاعتنا بالدعوة إلينا وأداء عبادتنا والنصح لعبادنا والعمل على إنقاذ عبادنا من ظلم الظالمين، ﴿ولا تتبعانِّ سبيل الذين لا يعلمون﴾ أي فتستعجلا وقوع العذاب فإن الذين لا يعلمون ما لله من حكم وتدابير وقضاء وقدر يستعجلون الله تعالى في وعده لهم فلا تكونوا مثلهم بل انتظروا وعدنا واصبروا حتى يأتي وعد الله وما الله بمخلف وعده.
٢ في هذه اللام أقوال: أصحها: أنها لام العاقبة، والصيرورة. أي: يا رب إنك آتيت فرعون وقومه أموالاً ليؤول أمرهم بسبب تلك الأموال إلى ضلالهم.
٣ أي: عاقبهم على كفرهم بإهلاك أموالهم. وفعلا أصبحت حجارة لا ينتفع لها وكان ذلك عقوبة منه تعالى لهم على كفرهم وعنادهم.
٤ قد استشكل العلماء وجه دعاء موسى على فرعون وقومه بالهلاك إذ المفروض أن يدعو لهم بالهداية. وأجيب بأنه قد علم بإعلام الله تعالى له أنهم لا يؤمنون فلذا دعا عليهم، كما أعلم الله تعالى نوحاً بعدم إيمان قومه فلذا دعا عليهم، إذ قال له ربَّه: ﴿إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾ وهنا دعا عليهم قائلاً: ﴿ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً﴾.
٥ كان موسى يدعو، وهارون يؤمن أي: يقول: آمين فاعتبر داعيا مع أخيه. لأنّ قول آمين معناه: اللهم استجب دعاءنا.
من هداية الآيتين:
١- مشروعية الدعاء بالهلاك على أهل الظلم.
٢- كثرة المال وأنواع الزينة، والانغماس في ذلك والتلهي به يسبب الضلال لصاحبه.
٣- الذين بلغوا حداً من الشر والفساد فطبع على قلوبهم لا يموتون إلا على الكفر فيخسرون.
٤- المؤمِّن داع فهو شريك في الدعاء١ فلذا أهل المسجد يؤمِّنون على دعاء الإمام في الخطبة فتحصل الإجابة للجميع، ومن هنا يخطيء الذين يطوفون أو يزورون إذ يدعون بدعاء المطوف ولا يؤمِّنون.
٥- حرمة إتباع طرق أهل الضلال، وتقليد الجهال والسير وراءهم.
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (٩٢)
شرح الكلمات:
وجاوزنا ببني إسرائيل: أي قطعنا بهم البحر حتى تجاوزوه.
البحر: بحر القلزم.
الآن: أي أفي هذا الوقت تقر بالوحدانية وتعترف له بالذلة؟!.
ببدنك: أي بجسدك لا روح فيه.
آية: علامة على أنك عبد وليس برب فيعتبروا بذلك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة موسى وهرون مع فرعون وبني إسرائيل قال تعالى: ﴿وجاوزنا٢ ببني إسرائيل البحر﴾ وذلك بداية استجابة الله تعالى دعوة موسى وهرون ومعنى ﴿جاوزنا﴾ أي قطعنا بهم البحر حتى تجاوزوه، وذلك بأن أمر موسى أن يضرب بعصاه البحر فضرب فانفلق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم ويَبِسَت الأرض ودخل موسى مع بني إسرائيل يتقدمهم جبريل عليه السلام على فرس حتى تجاوزوا البحر إلى الشاطىء، وجاء فرعون على فرسه ومعه ألوف٣ الجنود فتبعوا موسى٤ وبني إسرائيل فدخلوا البحر فلما توسطوه أطبق٥ الله تعالى عليهم البحر فغرقوا أجمعين إلا ما كان من فرعون فإنه لما أدركه الغرق أي لحقه ووصل الماء إلى عنقه أعلن عن توبته فقال: ﴿آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل﴾ ولكبريائه لم يقل لا إله إلا الله ولو قالها لتاب الله عليه فأنجاه بل قال: ﴿لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل﴾ وهو يعرف أنه الله. وقوله: ﴿وأنا من المسلمين﴾ مبالغة في طلب النجاة من الغرق بالتوبة حيث أعلن أنه من المسلمين أي المستسلمين المنقادين لأمره. فرد الله تعالى بقوله: ﴿آلآن﴾ أي وقت التوبة٦ والإسلام بعد الإيمان،
٢ جاوزنا وجوّزنا: بمعنى واحد.
٣ قال القرطبي: كان بنو إسرائيل ستمائة وعشرين ألفاً، وكان جيش فرعون ألفي ألف وستمائة ألف. أي مليونين ونصفاً وزيادة.
٤ تبع واتبع بمعنى واحد إذا لحقه وأدركه، وأمّا اتبع بالتشديد فإن معناه: سار خلفه.
٥ روى الترمذي وحسّنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "لما أغرق الله فرعون قال: آمنت انه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من وحل البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمه" وحل البحر: الطين الأسود الذي بكون في أسفله، ومعنى تدركه الرحمة: أي يقول لا اله إلا الله.
٦ لأنّ التوبة تقبل من العبد ما لم يرَ علامات الموت بمشاهدة الملائكة، وفي الحديث الصحيح: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر".
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- لا تقبل التوبة عند معاينة العذاب وفي الحديث "تقبل توبة العبد ما لم يغرغر".
٢- أكمل الأديان وأفضلها الإسلام ولهذا أهل اليقين يسألون الله تعالى أن يتوفاهم مسلمين ولما أيقن فرعون بالهلاك زعم أنه من المسلمين.
٣- فضل لا إله إلا الله فقد ورد أن جبريل كان يحول بين فرعون وبين أن يقول: لا إله إلا الله فينجو فلم يقلها فغرق وكان من الهالكين.
٤- تقرير حقيقة وهي أن أكثر الناس في هذه الحياة غافلون عما يراد بهم ولهم ولم ينتبهوا حتى يهلكوا.
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣)
شرح الكلمات:
مبوأ صدق: أي أنزلناهم منزلاً صالحاً طيباً مرضياً.
من الطيبات: أي من أنواع الأرزاق الطيبة الحلال.
يقضي بينهم: يحكم بينهم.
فيما كانوا في يختلفون: وأي في الذي اختلفوا من الحق فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار.
معنى الآية الكريمة:
هذه خاتمة الحديث عن موسى وبني إسرائيل بعد أن نجاهم الله من عدوهم بإهلاكه في اليم قال تعالى: ﴿ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق﴾ أي أنزلناهم مبوأ صالحاً طيباً وهو بلاد فلسطين من أرض الشام المباركة١، وذلك بعد نجاتهم من التيه ودخولهم فلسطين بصحبة نبي الله يوشع بن نون عليه السلام، وقوله ﴿ورزقناهم من الطيبات﴾ إذ أرض الشام أرض العسل والسمن والحبوب والثمار واللحم والفحم وذكر هذا إظهار لنعم الله تعالى ليشكروها. وقوله: ﴿فما اختلفوا حتى جاءهم العلم﴾ يريد أن بني إسرائيل الذين أكرمهم ذلك الإكرام العظيم كانوا قبل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متفقين على دين واحد منتظرين النبي المنتظر المبشر به في التوراة الذي سينقذ بني إسرائيل مما حل بهم من العذاب والاضطهاد على أيدي أعدائهم الروم، فلما جاءهم وهو العلم وهو القرآن والمنزل عليه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلفوا فمنهم من آمن به٢، ومنهم من كفر. وقوله تعالى في خطاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿إن ربك يقضي٣ بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ من أمر الإيمان لك واتباعك واتباع ما جئت به من الهدى ودين الحق، فيدخل المؤمنين الجنة ويدخل الكفار النار.
هداية الآية الكريمة:
من هداية الآية الكريمة:
١- بيان إكرام الله تعالى لبني إسرائيل.
٢ كعبد الله بن سلام وأمثاله.
٣ يقضي: معناه يحكم، فيحكم لأهل الإيمان والاستقامة بدخول الجنة ويحكم لأهل الكفر والضلال النار.
٣- إذا أراد الله هلاك أمة اختلف بسبب العلم الذي هو في الأصل سبب الوحدة الوئام.
٤- حرمة الاختلاف في الدين إذ كان يؤدي إلى١ الانقسام والتعادي والتحارب.
٥- يوم القيامة هو يوم الفصل الذي يقضي الله تعالى فيه بين المختلفين بحكمه العادل.
فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٩٤) وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (٩٧)
شرح الكلمات:
شك:. ما قابل التصديق فالشاك غير المصدق.
مما أنزلنا إلبك: أي في أن بني إسرائيل لم يختلفوا إلا من٢ بعد ما جاءهم العلم.
الكتاب: أي التوراة والإنجيل.
فلا تكونن من الممترين: أي لا تكونن من الشاكين.
حقت عليهم: أي وجبت لهم النار بحكم الله بذلك في اللوح المحفوظ.
حتى يروا العذاب: أي يستمرون على تكذيبهم حتى يروا العذاب يؤمنوا حيث لا ينفع الإيمان٣.
٢ هذا وجه من جملة أوجه فَسّرت بها الآية.
٣ لا خلاف في أن الإيمان كالتوبة لا يقبلان عند معاينة الموت ففي سورة النساء قال تعالى: ﴿وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا جاء أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفّار﴾. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
يقرر تعالى نبوة رسوله ﴿فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل١ الذين يقرأون الكتاب من قبلك﴾ أحبار اليهود ورهبان النصارى فإنهم يعرفون نعوتك وصفاتك في التوراة والإنجيل وإنك النبي الخاتم والمنقذ وأن من آمن بك نجا ومن كفر هلك وهذا من باب الفرض وليكون تهييجاً للغير ليؤمن وإلا فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قال: ﴿لا أشك ولا أسأل" وقوله {لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين﴾، يقسم تعالى لرسوله بأنه قد جاءه الحق من ربه وهو الحديث الثابت بالوحي الحق وينهاه أن يكون من الممترين أي الشاكين في صحة الإسلام، وأنه الدين الحق الذي يأبى الله إلا أن يظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وقوله ﴿ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين﴾ أي وينهاه أيضاً أن يكون من الذين كذبوا بوحي الله وشرعه ورسوله المعبر عنها بالآيات لأنها حاملة لها داعية إليها، فتكون من الخاسرين يوم القيامة. وهذا كله من باب ("إياك أعني واسمعي يا جاره") وإلا فمن غير الجائز أن يشك الرسول أو يكذب بما أنزل عليه من الآيات الحاملة من الشرائع والأحكام. وقوله تعالى: ﴿إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية﴾ هو كما أخبر عز وجل فالذين قضى٢ الله بعذابهم يوم القيامة فكتب ذلك في كتاب المقادير عنده هؤلاء لا يؤمنون أبداً مهما بذل في سبيل إيمانهم من جهد في تبيين الحق وإقامة الأدلة وإظهار الحجج عليهم وفي هذا تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جراء ما يألم له ويحزن من إعراض كفار قريش وعدم استجابتهم وقوله ﴿ولو جاءتهم كل آية﴾ تأكيد للحكم السابق وهو أن الذي حكم الله بدخولهم النار لا يؤمنون ولا يموتون إلا كافرين لينجز الله ما وعد ويمضي ما قضى وحكم. وقوله: ﴿حتى يروا العذاب الأليم﴾ أي يستمرون على كفرهم بك وبما جئت به حتى يشاهدوا العذاب الأليم وحينئذ يؤمنون كما آمن فرعون عندما أدركه الغرق ولكن لم ينفعه إيمانه فكذلك هؤلاء المشركون من
٢ إن قيل: كيف يعذبهم لمجرد أن كتب ذلك عليهم؟ قلنا في الجواب إنه ما كتب شقوة نفس أو سعادة أخرى حتى علم ما ستفعله النفس باختيارها من كفر أو إيمان أو خير أو شر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- سؤال من لا يعلم من يعلم.
٣- التكذيب بآيات الله كفر وصاحبه من الخاسرين.
٤- الشك والافتراء في أصول الدين وفروعه كفر.
٥- تقرير عقيدة القضاء والقدر، وإن الشقي من شقي في كتاب المقادير١ والسعيد من سعد فيه.
٦- عدم قبول توبة من عاين العذاب في الدنيا بأن رأى ملك الموت وفي الآخرة بعد أن يبعث ويشاهد أهوال القيامة.
فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (١٠٠)
شرح الكلمات:
فلولا: أداة تحضيض هنا بمعنى هلاّ وفيها معنى التوبيخ والنفي.
يونس: هو يونس بن مَتَّى نبي الله ورسوله١.
إلى حين: أي إلى وقت انقضاء آجالهم.
أفأنت تكره الناس: أي إنك لا تستطيع ذلك.
إلا بإذن الله.: أي بإرادته وقضائه.
الرجس: أي العذاب
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى في الآيات السابقة أن الخسران لازم لمن كذب بآيات الله، وأن الذين وجب لهم العذاب لإحاطة ذنوبهم بهم لا يؤمنون لفقدهم الاستعداد للإيمان ذكر هنا ما يحض به أهل مكة على الإيمان وعدم الإصرار على الكفر والتكذيب فقال: ﴿فلولا٢ كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها﴾ أي فهلا أهل قرية آمنوا فانتفعوا بإيمانهم فنجوا من العذاب اللازم لمن لم يؤمن أي لِمَ لا يؤمنون وما المانع من إيمانهم وهذا توبيخ لهم.
وقوله ﴿إلا قوم٣ يونس٤ لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا﴾ فلم نهلكهم بعذاب استئصال وإبادة شاملة لأنهم لما رأوا أمارات العذاب بادروا إلى التوبة قبل نزوله بهم فكشف الله تعالى عنهم العذاب، ومتعهم بالحياة إلى حين انقضاء آجالهم فما لأهل أم القرى لا يتوبون كما تاب أهل نَيْنَوى من أرض الموصل وهم قوم يونس عليه السلام.
وقوله تعالى: ﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً﴾ يحمل دلالتين الأولى أن عرض الله تعالى الإيمان على أهل مكة وحضهم عليه وتوبيخهم على تركه لا ينبغي
٢ لولا حرت الأصل فيها أنها للتحضيض، وهو طلب الفعل بحثّ، ولكن إذا دخلت على ماض لم تصبح للتحضيض قطعاً بل للتغليط والتنديم والتوبيخ، وهي هنا لتغليط أهل مكة وتوبيخهم وتنديمهم على إصرارهم على الكفر وعدم توبتهم كما تاب قوم يونس حتى ينجوا من العذاب كما نجوا.
٣ كان هؤلاء القوم خليطاً من الأشوريين واليهود الذين كانوا في أسر ملوك بابل بعد بختنصر، وكانت بعثة يونس عليه السلام إليهم في بداية القرن الثامن قبل المسيح عليه السلام.
٤ إن قوم يونس كانوا بقرية تسمّى نينوي من أرض الموصل وكانوا يعبدون الأصنام، أقام في قومه يدعوهم إلى التوحيد وترك الشرك تسع سنين فيئس من إيمانهم فتوعدهم بالعذاب وخرج من بين أظهرهم وتركهم فلمّا رأوا ذلك خافوا نزول العذاب بهم فجأروا إلى الله تعالى بالاستغفار والدعاء والضراعة يا حي حين لا حي يا حي محيي الموتى يا حي لا إله إلا أنت ارفع عنا العذاب وقد ظهرت أماراته، فكشف الله عنهم العذاب كما قال تعالى: ﴿إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده دعوته إياهم إلى الإيمان به وحضهم عليه.
٢- قبول التوبة قبل معاينة العذاب، ورؤية العلامات لا تمنع من التربة.
٣- إرادة الله الكونية التي يكون بها الأشياء لا تتخلف أبداً، وإرادته الشرعية التكليفية جائزة التخلف.
لا إيمان إلا بإذن الله وقضائه فلذا لا ينبغي للداعي أن يحزن على عدم إيمان الناس إذا دعاهم ولم يؤمنوا لأن الله تعالى كتب عذابهم أزلاً وقضى به.
٢ الرجس: بضم الراء وكسرها: العذاب.
شرح الكلمات:
ماذا في السموات والأرض: أي من عجائب المخلوقات، وباهر الآيات.
وما تغني الآيات والنذر: أي ما تغني أيِّ إغناء إذا كان القوم لا يؤمنون.
فهل ينتظرون.: أي ما ينتظرون.
خلوا من قبلهم: أي مضوا من قبلهم من الأمم السابقة.
قل فانتظروا: أي العذاب.
ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا: أي من العذاب المنتظر.
كذلك: أي كذلك الإنجاء ننج المؤمنين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في دعوة قريش إلى الإيمان والتوحيد والطاعة لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد أمر تعالى رسوله أن يقول لهم: ﴿قل انظروا١ ماذا في السموات والأرض﴾ من سائر المخلوقات وما فيها من عجائب الصنعة، ومظاهر الحكمة والرحمة والقدرة فإنها تدعو إلى الإيمان بالله رباً وإلهاً لا إله غيره ولا رب سواه، وتفند دعوى ألوهية الأصنام والأحجار.
ثم قال تعالى: ﴿وما تغني الآيات والنذر﴾ أي الرسل في هداية قوم قضى الله تعالى أزلاً
ثم أمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم ﴿فانتظروا٢﴾ أي ما كتب عليكم من العذاب إن لم تتوبوا إليه وتسلموا ﴿إني معكم من المنتظرين﴾ فإن كان العذاب فإن سنة الله فيه أن يهلك الظالمين المشركين المكذبين وينجي رسله والمؤمنين وهو معنى قوله تعالى٣ في الآية الأخيرة (١٠٣) ﴿ثم ننجى٤ رسلنا والذين آمنوا، كذلك﴾ أي الإنجاء ﴿حقاً علينا٥ ننج المؤمنين﴾.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- لا تنفع الموعظة مهما بولغ فيها عبداً كُتب أزلاً أنه من أهل النار.
٢- ما ينتظر الظلمة في كل زمان ومكان إلا ما حل بمن ظلم من قبلهم من الخزي والعذاب.
٣- وعد الله تعالى ثابت لأوليائه بإنجائهم من الهلاك عند إهلاكه الظلمة المشركين.
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ
٢ الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنها واقعة موقع جواب سؤال تقديره: نحن أولاء منتظرون وأنت ماذا تفعل؟
٣ ﴿حقا علينا﴾ جملة معترضة لأن المصدر يدل على الفعل، والتقدير أي: حق ذلك علينا حقا أي: أحققناه حقا علينا.
٤ ﴿ننجي﴾ قرىء بالتخفيف، والتشديد، والمعنى واحد، وفي المصحف ننج بدون ياء لالتقاء الساكنين.
٥ إن انتظار العذاب منذر بنزوله قريباً بديارهم والرسول معهم فمن هنا عطف جملة ﴿ثم ننجي رسلنا﴾ فأعلمهم بنجاة الرسل فكانت بشرى للرسول والمؤمنين.
شرح الكلمات:
من دينى: أي الإسلام في أنه حق.
يتوفاكم: أي يقبض أرواحكم فيميتكم.
وأن أقم وجهك للدين حنيفاً: أي أمرني ربى أن أقم وجهي للدين الإسلامي حنيفاً أي مائلاً عن كل الأدبان إليه دون غبره.
مالا ينفعك ولا يضرك: أي آلهة لا تنفع ولا تضر وهي أصنام المشركين وأوثانهم.
إنك إذاً من الظالمين: أي انك إذا دعوتها من المشركين الظالمين لأنفسهم.
فلا كاشف له إلا هو: أي لا مزيل للضُّر ومبعده عمن أصابه إلا هو عز وجل.
يصيب به: أي بالفضل والرحمة.
وهو الغفور الرحيم: أي لذنوب عباده التائبين الرحيم بعباده المؤمنين.
معنى الآيات:
بعد أن بين تعالى طريق الهدى وطريق الضلال وأنذر وحذر وواعد وأوعد في الآيات السابقة بما لا مزيد عليه أمر رسوله هنا أن يواجه المشركين من أهل مكة وغيرهم بالتقرير التالي فقال: ﴿قل يا أيها الناس﴾ أي مشركي مكة والعرب من حولهم ﴿إن كنتم في شك﴾ وريب١ في صحة ديني الإسلام الذي أنا عليه وأدعو إليه، {فلا أعبد الذين تعبدون من
هداية الآيات
من هداية الآيات
١- على المؤمن أن لا يترك الحق مهما شك وشكك فيه الناس.
٢ تنكير ضرّ، كتنكير خير يُراد به النوعية الصالحة للقلة والكثرة.
٣ يقال: أصابه بكذا: إذا أورده عليه ومسّه به.
٣- دعاء غير الله مهما كان المدعو شرك محرم فلا يحل أبداً، وإن سموه توسلاً.
٤- لا يؤمن عبد حتى يوقن أن ما أراده الله له من خير أو شر لا يستطيع أحد دفعه ولا تحويله بحال من الأحوال، وهو معنى حديث١: "ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك".
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (١٠٩)
شرح الكلمات:
يا أيها الناس: أي يا أهل مكة.
قد جاء الحق: أي الرسول يتلو القرآن ويبين الدين الحق.
من اهتدى: أي آمن بالله ورسوله وعبد الله تعالى موحداً له.
ومن ضل: أي أبى إلا الإصرار على الشرك والتكذيب والعصيان.
فعليها: أي وبال الضلال على نفس الضال كما أن ثواب الهداية لنفس المهتدي.
وما أنا عليكم بوكيل: أي بمجبر لكم على الهداية وإنما أنا مبلغ ونذير.
واصبر حتى يحكم الله: أي في المشركين بأمره.
خير الحاكمين: أي رحمة وعدلاً وإنفاذاً لما يحكم به لعظيم قدرته.
معنى الآيتين:
هذا الإعلان الأخير في هذه السورة يأمر الله تعالى رسوله أن ينادى المشركين بقوله:
هداية الآيات
من هداية الآيات
١- تقرير أن القرآن والرسول حق والإسلام حق.
٢ هذا إرشاد للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يلزم المنهج الذي وضعه له بطريق الوحي ولا يخرج عنه بحال فإِنه سبيل نجاته ونجاة المؤمنين معه.
٣ هذا إرشاد آخر له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصبر على إبلاغ أهل مكة ومن حولهم دعوة الله حتى يحكم الله بينه وبينهم بنصر رسوله والمؤمنين، وخذلان الكفر والكافرين.
٤ خير هنا بمعنى أخير اسم تفضيل، وإنما عدل عن أخير إلى خير لكثيرة الاستعمال كاسم شرّ أيضاً، وقد يأتي لفظ شر وخير لغير تفضيل.
٣- وجوب اتباع الوحي الإلهي الذي تضمنه القرآن والسنة الصحيحة.
٤- فضيلة الصبر وانتظار الفرج من الله تعالى.