ﰡ
والتقدير في حقاً حق ذلك حقاً. وقيل: انتصب حقاً بوعد على تقدير في أيْ وعد الله في حق. وقال علي بن سليمان: التقرير وقت حق وأنشد: أحقاً عباد الله ان لست والجا ولا خارجاً إلا على رتيب﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً ﴾ الآية، لما ذكر تعالى الدلائل على ربوبيته من إيجاد هذا العالم العلوي والسفلي ذكر ما أودع في العالم العلوي من هذه الجوهرين النيرين المشرقين، فجعل الشمس ضياء أي ذات ضياء أو مضيئة أو نفس الضياء مبالغة، وجعل يحتمل أن تكون بمعنى صيّر فيكون ضياء مفعولاً ثانياً، ويحتمل أن تكون بمعنى خلق فتكون حالاً.﴿ وَٱلْقَمَرَ نُوراً ﴾ أي ذا نور أو منوراً أو نفس النور مبالغة، إذ هما مصدران ولما كانت الشمس أعظم جرماً خصت بالضياء لأنه هو الذي له سطوع ولمعان، وهو أعظم من النور. والظاهر عود الضمير على القمر أي مسيره منازل أو قدره ذا منازل. وعاد الضمير عليه وحده لأنه هو المراعي في معرفة عدد السنين والحساب عند العرب. والمنازل: هي البروج. وكانت العرب تنسب إليها الانواء وهي ثمانية وعشرون منزلة: الشرطين، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزبانان، والاكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرع المقدم، والفرع المؤخر، والرشا وهو الحوت. واللام متعلقة بقوله: وقدره منازل.﴿ إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ ﴾ اختلافهما تعاقبهما وكون أحدهما يخلف الآخر.﴿ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾ من الاجرام النيرة التي فيها، والملائكة المقيمن بها، وغير ذلك مما يعلمه الله تعالى والأرض في الجوامد والمعادن والنبات والحيوان، وخص المتقين لأنهم الذين يخافون العواقب فيحملهم الخوف على تدبرهم ونظرهم.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ﴾ الظاهر أن الرجاء هو التأميل والطمع أي لا يؤملون لقاء ثوابنا وعقابنا، أو معنى لا يخافون. والظاهر أن قوله: والذين هم هو قسم من الكفار غير قسم الأول وذلك لتكرير الموصول فيدل على المغايرة ويكون معطوفاً على اسم ان ويكون أولئك إشارة إلى صنفي الكفار ذي الدنيا المتوسع فيها الناظر في الآيات، فلم يؤثر عنده رجاء لقاء الله بل رضي بالحياة الدنيا لتكذيبه بالعبث والجزاء، والعادم التوسع الغافل عن آيات الله الدالة على الهداية. ويحتمل أن يكون من عطف الصفات فيكون الذين هم عن آياتنا غافلون هم الذين لا يرجون لقاء الله. والظاهر ان واطمأنوا بها عطف على الصلة. ويحتمل أن تكون واو الحال أي وقد اطمأنوا بها. والآيات قيل: آيات القرآن أو العلامات الدالة على الوحدانية والقدرة.
والمعنى من كل مكان من أمكنة الموج والظن هنا على بابه الأصلي من ترجيح أحد الجائزين. ومعنى: ﴿ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾ أي للهلاك كما يحيط العدو بمن يريد إهلاكه، وهي كناية عن استيلاء أسباب الهلاك.﴿ دَعَوُاْ ٱللَّهَ ﴾ جواب لسؤال مقدر، كأنه قيل: فما كان حالهم في تلك الشدة؟ قيل: دعوا الله.﴿ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف في موضع الحال تقديره مقسمين.﴿ مِنْ هَـٰذِهِ ﴾ أي من هذه الشدة.﴿ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ ﴾ الآية، وجواب لما إذا الفجائية وما بعدها ومجيء إذا وما بعدها جواباً لها، دليل على أنها حرف يترتب ما بعدها من الجواب على ما قبلها من الفعل الذي بعد لما وانها تفيد الترتيب والتعليق في المعنى، وانها كما قال سيبويه: حرف. ومذهب غيره: انها ظرف. وقد أوضحنا ذلك فيما كتبناه في علم النحو. والجواب بإٍذا الفجائية دليل على أنه لم يتأخر بغيهم عن إنجائهم بل بنفس ما وقع الانجاد وقع البغي. قال ابن عباس: يبغون بالدعاء إلى عبادة غير الله والعمل بالمعاصي والفساد. والخطاب " بيا أيها الناس " قال الجمهور: لأهل مكة والذي يظهر أنه خطاب لأولئك الذين أنجاهم الله بغوا، ويحتمل كما قالوا العموم، فيندرج أولئك فيهم وهذا ذم للبغي في أوجز لفظ، ومعنى على أنفسكم وبال البغي ولا يجني ثمرته إلا أنتم. وقرىء: متاع بالنصب على الظرف، أي وقت متاع الحياة الدنيا. وقرىء: متاع بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو متاع، وأجاز النحاس وتبعه الزمخشري أن يكون على أنفسكم متعلقاً بقوله: بغيكم كما تعلق في قوله: فبغي عليهم ويكون الخبر متاع إذا رفعته. ومعنى: ﴿ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ﴾ أي على أمثالكم، والذين جنسكم جنسهم يعني بغي بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا.﴿ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ الآية مناسبتها لما قبلها أنه لما قال: يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم، ضرب مثلاً عجيباً غريباً للحياة الدنيا بذكر من سعى فيها على سرعة زوالها وانقضائها وأنها بحال ما تغر وتسر تضمحل ويؤول أمرها إلى الفناء. والمثل هنا يحتمل أن يراد به الصفة، وأن يراد به القول السائر المشبه به حال الثاني بالأول ومن السماء اما أن يراد به من السحاب واما أن يراد من جهة السماء. والظاهر أن النبات اختلط بالماء ومعنى الاختلاط تشبثه به وتلفقه إياه وقبوله له لأنه يجري له مجرى الغذاء، فتكون الباء للمصاحبة وكل مختلطين يصح في كل منهما أن يقال: اختلط بصاحبه. ولما كان النبات ينقسم إلى مأكول وغيره بين أن المراد أحد القسمين بمن فقال:﴿ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ ﴾ كالحبوب والثمار والبقول والأنعام كالحشيش وسائر ما يرعى، ومما يأكل حال النبات. والعامل فيه محذوف تقديره كائناً مما يأكل. وما موصولة صلته يأكل. والضمير محذوف تقديره يأكله الناس. وحتى: غاية، فيحتاج أن يكون الفعل الذي قبلها متطاولاً حتى تصح الغاية، فأما أن يقدر قبلها محذوف، أي فما زال ينمو حتى إذا او يتجوز في فاختلط، ويكون معناه فدام اختلاط النبات بالماء حتى إذا.. وقوله: ﴿ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ ﴾ جملة بديعة اللفظ جعلت الأرض آخذة زخرفها متزينة، وذلك على جهة التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة في كل لون فاكتست وتزينت بأنواع الحلي فاستعير الأخذ وهو التناول باليد لاشتمال نبات الأرض على بهجة ونضارة وألوان مختلفة. واستعير لتلك البهجة والنضارة والألوان المختلفة لفظ الزخرف وهو الذهب لما كان من الأشياء البهجة المنظر السارة للنفوس. وازينت أي بنباتها وما أودع فيها من الحبوب والثمار والأزهار.﴿ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ ﴾ أي على التمكن من تحصيلها ومنفعتها ورفع غلتها وذلك لحسن نموها وسلامتها من العاهات. فالضمير في أهلها عائد على الأرض، وهو على حذف مضاف، أي على ما أودعها من الغلات وما ينتفع به. وجواب إذا قوله: ﴿ أَتَاهَآ أَمْرُنَا ﴾ كالريح والصر والسموم، وغير ذلك من الآفات كالفأر والجراد. وقيل: اتاها أمرنا بإِهلاكها. وابهم في قوله: ﴿ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً ﴾ وقد علم تعالى متى يأتيها أمره. أو تكون أو للتنويع، لأن بعض الأرض يأتيها أمره ليلاً وبعضها نهاراً، ولا يخرج كائن عن وقوعه. والحصيد فعيل بمعنى مفعول أي المحصود وعبر بحصيد عن التألف استعارة، جعل ما هلك من الزرع بالآفة قبل أوانه حصيد العلاقة بينهما من الطرح على الأرض.﴿ كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ ﴾ مبالغة في التلف والهلاك حتى كأنها لم توجد قبل ولم تقم بالأرض للحبة خضرة نضرة تسر أهلها.﴿ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ ﴾ أي مثل هذا التفصيل الذي فصلناه في الماضي نفصل في المستقبل.﴿ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ ﴾ لما ذكر تعالى مثل الحياة الدنيا وما تؤول إليه من الفناء والاضمحلال وما تضمنته من الآفات والعاهات، ذكر أنه داع إلى دار السلامة والصحة والأمن وهي الجنة، وأهلها سالمون من كل مكروه. ولما كان الدعاء عاماً لم يتقيد بالمشيئة، ولما كانت الهداية خاصة تقيدت بالمشيئة فقال:﴿ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾ هدايته.
وأغشيت: كسيت، ومنه الغشاء. وكون وجوههم مسودة هو حقيقة لا مجاز فتكون ألوانهم مسودة. وقرىء: قطعاً بسكون الطاء، ومظلماً صفة له: وقرىء: بفتح الطاء فيكون مظلماً حالاً من الليل. وقال الزمخشري: فإِن قلت: إذا جعلت مظلماً حالاً من الليل، فما العامل فيه؟ قلت: لا يخلو اما أن يكون اغشيت من قِبَل أنّ من الليل صفة لقوله: قطعاً فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإِفضائه إلى الصفة، وأما أن يكون معنى الفعل في من الليل. " انتهى ". أما الوجه الأول فهو بعيد لأن الأصل أن يكون العامل في الحال هو العامل في ذي الحال، والعامل هو مستقر الواصل إليه بمن وأغشيت عامل في قوله: قطعاً، الموصوف بقوله: من الليل، فاختلفا. فلذلك كان الوجه الأخير أولى أي قطعاً مستقرة أو كائنة من الليل في حال إظلامه. قال ابن عطية: وإذا كان نعتاً يعني مظلماً نعتاً لقطعاً فكان حقه أن يكون قبل الجملة، ولكن قد يجيءُ بعد هذا وتقدير الجملة قطعاً استقر من الليل مظلماً على نحو قوله:﴿ وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ ﴾[الأنعام: ٩٢، ١٥٥].
" انتهى ". لا يتعين تقدير العامل في المجرور بالفعل فتكون جملة بل الظاهر أن يقدر باسم الفاعل فيكون من قبيل الوصف بالمفرد، والتقدير قطعاً كائناً من الليل مظلماً.﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ﴾ الآية، الضمير في نحشرهم عائد على من تقدم من الفريقين وانتصب يوم على فعل محذوف، أي ذكرهم أو خوّفهم. ونحوُه وجميعاً: حال. والشركاء: هم من عُبد من دون الله كائناً من كان. ومكانكم: عده النحويون في أسماء الأفعال وقدر باثبتوا كما قال: وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحيأي اثبتي. ولكونها بمعنى اثبتي جزم تحمدي وتحملت ضميراً فأكد. وعطف عليه في قوله: أنتم وشركاؤكم. قال الزمخشري: وأنتم أكد به الضمير في مكانكم لسده مسد قوله: الزموا وشركاؤكم عطف عليه. " انتهى ". يعني عطفاً على الضمير المستكن، وتقديره الزموا. وان مكانكم قام مقامه فتحمل الضمير الذي في الزموا ليس بجيد، إذ لو كان كذلك لكان مكانكم الذي هو اسم فعل يتعدى كما يتعدى الزموا، ألا ترى أن اسم الفعل إذا كان الفعل لازماً كان اسم الفعل لازماً وإذا كان متعدياً مثال ذلك بنا عليك زيداً، لما ناب مناب الزم تعدى، وإليك لما ناب مناب تنح لم يتعد، ولكون مكانك لا يتعدى قدّره النحويون اثبتوا، واثبتوا لا يتعدى. قال ابن عطية: أنتم رفع بالابتداء، والخبر مخزيون أو مهانون ونحوه، فيكون مكانكم قد تم، ثم أخبر أنهم كذا، وهذا ضعيف لفك الكلام. الظاهر اتصال بعض أجزائه ببعض ولتقدير إضمار لا ضرورة تدعو إليه. ولقوله: فزيلنا بينهم إذ يدل على أنهم ثبتوا هم وشركاؤهم في مكان واحد حتى وقع التزييل بينهم وهو التفريق، ولقراءة من قرأ أنتم وشركاءكم بالنصب على أنه مفعول معه، والعامل فيه اسم الفعل. ولو كان أنتم مبتدأ وقد حذف خبره، لما جاز أن يأتي بعده مفعول معه، تقول: كل رجل وضيعته، بالرفع ولا يجوز فيه النصب. قال ابن عطية: ويجوز أن يكون أنتم تأكيداً للضمير الذي في الفعل المقدر الذي هو قفوا أو نحوه، وهذا ليس بجيد إذ لو كان تأكيداً لذلك الضمير المتصل بالفعل لجاز تقديمه على الظرف إذ الظرف لم يتحمل ضميراً على هذا القول، فيلزم تأخيره عنه وهو غير جائز لا تقول: أنت مكانك، ولا يحفظ من كلامهم. والأصح أنه لا يجوز حذف المؤكد في التأكيد المعنوي، فكذلك هذا لأن التأكيد ينافي الحذف، وليس من كلامهم: أنت زيداً لمن رأيته قد شهر سيفاً، وأنت تريد أضرب أنت زيداً، إنما كلام العرب زيداً، تريد اضرب زيداً فزيّلنا يقال: زلت الشىء عن مكانه أزيله، معيّن الكلمة ياء. وزعم ابن قتيبة وتبعه أبو البقاء ان قوله: زيّلنا من مادة زال يزول فتكون عين الكلمة واو، وزيلنا وزنه عندهما فيعل اجتمعت ياء وواو، وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء. والصحيح أنه من ذوات الياء وان وزنه فعّل ولذلك قالوا في مصدره تزييلاً على وزن تفعيل، وقالوا في الاشتقاق منه زايلنا بالياء. ونفي الشركاء عبادة المشركين هو رد لقولهم: إياكم كنا نعبد. وإياكم: مفعول بتعبدون، وحسن تقديمه كون تعبدون فصلاً ولما تنازعوا استشهد الشركاء بالله تعالى، وانتصب شهيداً على التمييز لقبوله صحة من، وانْ هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بين انْ النافية وبين ان التي للإِثبات. وتقدم الكلام على مثل ذلك في قوله:﴿ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً ﴾[البقرة: ١٤٣].
﴿ هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ ﴾ هنالك ظرف مكان، أي في ذلك الموقف والمقام المقتضي للحيرة والدهش. تبلوا، أي تختبر ما أسلفت من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن، أنافع أم ضار، مقبول أو مردود. وقرىء: تبلو. وقرىء: تتلو.﴿ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ أي إلى جزائه.﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ ﴾ أي ذهب وبطل.﴿ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ من الكذب.
ومعنى: ﴿ لِّي عَمَلِي ﴾ أي لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم. ومعنى عملي أي الصالح المشتمل على الإِيمان والطاعة.﴿ وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ﴾ المشتمل على الشرك والعصيان. والظاهر أنها آية منابذة لهم وموادعة وفي ضمنها الوعيد.
والمعنى من يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع. ثم نفى جدوى ذلك الاستماع بقوله:﴿ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ﴾ أي هم وان استمعوا إليك صم عن إدراك ما تلقيه إليهم ليس لهم وعي ولا قول ولا قبول، ولا سيما وقد انضاف إلى الصّمم انتفاء العقل فحر بمن عدم السمع والعقل إلا أن يكون له إدراك لشىء البتة، بخلاف أن لو كان الأصم عاقلاً فإِنه بعقله يهتدي إلى أشياء. وأعاد في قوله: ﴿ وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ﴾ الضمير مفرداً مذكراً على لفظ من وهو الأكثر في لسان العرب. قال ابن عطية: جاء ينظر على لفظ مَنْ وإذا جاء الفعل على لفظها فجائز أن يعطف عليه آخر، المعنى: وإذا جاء أولاً على معناها فلا يجوز أن يعطف بآخر على اللفظ، لأن الكلام يُلبسُ حينئذٍ. " انتهى ". ليس كما قال بل يجوز أن يراعي المعنى أولاً فيعيد الضمير على حسب ما يريد من المعنى من تأنيث وتثنية وجمع، ثم يراعى اللفظ فيعيد الضمير مفرداً مذكراً، وفي ذلك تفصيل ذكر في علم النحو. والمعنى وأنهم عمي فلا تقدر على هدايتهم، لأن السبب الذي يهتدي به إلى رؤية الدلائل قد فقدوه هذا وهم مع فقد البصر قد فقدوا البصيرة، إذ من كان أعمى فإِنه يهديه نور بصيرته إلى أشياء بالحدس، وهذا قد جمع بين فقدان البصر والبصيرة وهذه مبالغة عظيمة في عدم قبول ما يلقى إلى هؤلاء إذ جمعوا بين الصمم وانتفاء العقل، وبين العمى وفقد البصيرة. وفي قوله: أفأنت تسلية له صلى الله عليه وسلم وألاّ يكترث بعدم قبولهم فإِن الهداية إنما هي لله تعالى. ولما ذكر هؤلاء الأشقياء ذكر أنه تعالى لا يظلمهم شيئاً إذ قد أزاح عللهم ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحذيرهم من عقابه ولكنهم ظلموا أنفسهم بالتكذيب والكفر. واحتمل هذا النفي للظلم أن يكون في الدنيا أي لا يظلمهم شيئاً من مصالحهم، واحتمل أن يكون في الآخرة وان ما يلحقهم من العقاب هو عدل منه لأنهم هم الذين تسببوا فيه باكتساب ذنوبهم، كما قدر تعالى عليهم لا يسأل عما يفعل.﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ﴾ الآية، كان لم يلبثوا جملة تشبيهية في موضع نصب من الضمير المنصوب في نحشرهم التقدير مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة ويتعارفون حال ثانية، ويجوز أن يكون استئناف اخبار. وأجاز ابن عطية في كان لم يلبثوا صفة لمصدر محذوف تقديره حشراً كان لم يلبثوا، وان تكون الجملة التشبيهية في موضع صفة لقوله: يوم. " انتهى ". أما قوله: انه نعت لمصدر محذوف، فيحتاج إلى رابط فقدّره كان لم يلبثوا قبله، ومثل هذا الربط لا يجوز حذفه وأما قوله: ان الجملة في موضع الصفة ليوم نحشرهم فلا يجوز لأن الجملة التشبيهية هي نكرة ويوم نحشرهم معرفة، إذ التقدير ويوم حشرهم ولا توصف المعرفة بالنكرة.﴿ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾ أخبر عنهم بخبرين أحدهما خسرانهم معللاً بالتكذيب بلقاء الله، والثاني إخباره تعالى بانتفاء هدايتهم.﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ ﴾ اما هي ان الشرطية زيد عليها ما قال ابن عطية، ولأجلها جاز دخول النون الثقيلة ولو كانت ان وحدها لم يجز. " انتهى ". يعني أن دخول النون للتأكيد إنما يكون مع زيادة ما بعد ان وهذا الذي ذكره مخالف لظاهر كلام سيبويه فإِن سيبويه أجاز أن تقول ان تقومنّ أقم بغير زيادة ما بعد ان. ومعنى هذه الآية الوعيد بالرجوع إلى الله تعالى، أي أريناك عقوبتهم أو لم نركها فهم على كل حال راجعون إلينا إلى الحساب والعذاب. قال الزمخشري: فإِلينا مرجعهم جواب نتوفينّك، وجواب نرينّك محذوف كأنه قيل: واما نرينك بعض الذي نعدهم فذاك أو نتوفينك قبل أن نريكَه فنحن نريك في الآخرة. جعل الزمخشري الكلام شرطين لهما جوابان ولا حاجة إلى تقدير جواب محذوف لأن قوله: فإِلينا مرجعهم صالح أن يكون جواباً للشرط والمعطوف عليه، وأيضاً فقول الزمخشري فذاك هو اسم مفرد لا ينعقد منه جواب شرط فكان ينبغي أن يأتي بجملة يتضح بها جواب الشرط، إذ لا يفهم من قوله: فذاك الخبر الذي حذف المتحصل به فائدة الإِسناد، ثم مع ذلك الله شهيد من أول تكليفهم على جميع أعمالهم، فثم هنا لترتيب الاخبار لا لترتيب القصص في أنفسها.﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ﴾ الآية، لما بين حال الرسول صلى الله عليه وسلم في قومه بين حال الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم تسلية له عليه السلام وتطميناً لقلبه.﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ ﴾ الآية، الضمير في " ويقولون " عائد على مشركي قريش ومن تابعهم من منكري الحشر استعجلوا بما وعدوا به من العذاب على سبيل الاستبعاد أو على سبيل الاستخفاف، ولذلك قالوا ان كنتم صادقين فيما وعدتم به فلا يقع شىء منه.﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ﴾ الآية، لما التمسوا تعجيل العذاب أو تعجيل الساعة أمره تعالى أن يقول لهم ليس ذلك إليّ بل إلى الله تعالى، وإذا كنت لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً فكيف أملكه لغيري وكيف أطلع على ما لم يطلعني عليه الله.﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾ انفرد تعالى بعلمه. وتقدم الكلام على كل أمة أجل في الاعراف.
وكان المراد بذلك كتاب الله المشتمل على التحليل والتحريم بين فساد شرائعهم وأحكامهم من الحلال والحرام من غير مستند في ذلك إلى الوحي. وأرأيتم هنا بمعنى أخبروني، وتقدم انها تتعدى لمفعولين فالأول هنا ما من قوله: ما أنزل، وهي موصولة وصلتها انزل، والضمير محذوف تقديره انزله ومن رزق تبيين لما انبهم من لفظ ما، وفجعلتم معطوف على انزل، والمفعول الثاني محذوف تقديره آلله اذن لكم وهي جملة استفهام دل على حذفها قوله: بعد أمر الله تعالى له، قيل آلله أذن لكم. وأم الظاهر أنها متصلة والمعنى أخبروني الله أذن لكم في التحليل والتحريم فانتم تفعلون ذلك بإِذنه أم تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه، فنبه بتوقيفهم على أحد القسمين وهم لا يمكنهم ادّعاء إذن الله في ذلك فثبت افتراؤهم.﴿ وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ ﴾ الآية، ما: استفهامية مبتدأة خبرها ظن، والمعنى أي شىء ظن المفترين يوم القيامة أبهم الأمر على سبيل التهديد والإِيعاد يوم يكون الجزاء بالإِحسان والإِساءة. ويوم: منصوب بظن ومفعول الظن، قيل: تقديره ما ظنهم ان الله فاعل بهم أينجيهم أم يعذبهم.﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ﴾ الآية، مناسبتها لما قبلها أنه تعالى ذكر جملة من أحوال الكفار ومذاهبهم والرد عليهم ومحاولة الرسول لهم، ذكر فضله تعالى على الناس وان أثرهم لا يشكره على فضله، وذكر اطلاعه تعالى على أحوالهم وحال الرسول معهم في مجاهدته لهم وتلاوة القرآن عليهم وأنه تعالى عالم بجميع أعمالهم واستطرد من ذلك إلى ذكر أولياء الله ليظهر التفاوت بين الفريقين فريق الشيطان وفريق الرحمن. والخطاب في قوله: وما تكون في شأن، وما تتلوا للرسول وهو عام لجميع شؤونه صلى الله عليه وسلم.﴿ وَمَا تَتْلُواْ ﴾ مندرج تحت عموم شأن واندرج من حيث المعنى في الخطاب كل ذي شأن، وما: في الجملتين نافية، والضمير في " منه " عائد على شأن. و ﴿ مِن قُرْآنٍ ﴾ تفسير للضمير من العموم لأن القرآن هو أعظم شؤونه صلى الله عليه وسلم. والخطاب في قوله: ﴿ وَلاَ تَعْمَلُونَ ﴾ عام. وكذا: ﴿ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً ﴾ وَوَليَ إلا هنا الفعل غير مصحوب بقد لأنه قد تقدم إلا فعل، والجملة بعد إلاّ حال وشهوداً رُقَبَاء نحصي عليكم، وإذ: معمولة لقوله شهوداً. ولما كانت الأفعال السابقة المراد بها الحالة الدائمة وينسحب على الأفعال الماضية كان الظرف ماضياً وكان المعنى وما كنت في شأن وما تلوت من قرآن ولا عملتم من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ أفضتم فيه وإذ تخلص المضارع لمعنى الماضي. ثم واجهه تعالى بالخطاب وحده في قوله:﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ ﴾ تشريفاً له وتعظيماً ولما ذكر شهادته تعالى على أعمال الخلق ناسب تقديم الأرض التي هي محل المخاطبين على السماء بخلاف ما في سورة سبأ، وان كان الأكثر تقديمها على الأرض. وقرىء: يعزب بكسر الزاي وكذا في سبأ. والمثقال اسم لا صفة، ومعناه هنا وزن ذرة. والذر: صغار النمل، ولما كانت الذرة أصغر الحيوان المتناسل المشهور النوع عندنا جعلها الله مثلاً لأقل الأشياء وأحقرها إذْ هي أحقر ما يشاهد. ثم قال: ﴿ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ ﴾ أي من مثقال ذرة ولما ذكر أنه لا يعزب عن علمه أدق الأشياء التي نشاهده ناسب تقديم ولا أصغر من ذلك ثم أتى بقوله: ولا أكبر، على سبيل إحاطة علمه بجميع الأشياء. ومعلوم أن من علم أَدَق الأشياء وأخفاها كان علمه متعلقاً بأكبر الأشياء وأظهرها. وقرىء: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بفتح الراء فيهما أو وجه على أنه عطف على موضع ذرة، أو على مثقال على اللفظ. وقرىء: برفع الراء فيهما. ووجّه على أنه عطف على موضع مثقال لأن من زائدة فهو مرفوع بيعزب. وقال الزمخشري: تابعاً لاختيار الزجاج والوجه النصب على نفي الجنس والرفع على الابتداء يكون كلاماً مبتدأ، وفي العطف على محل مثقال ذرة أو لفظة فتحاً في موضع الجر اشكال لأن قوله: لا يعزب عنه شىء إلا في كتاب مشكل. " انتهى ". وإنما أشكل عنده لأن التقدير يصير إلا في كتاب فيعزب وهذا كلام لا يصح. وخرجه أبو البقاء على أنه استثناء منقطع تقديره لكن هو في كتاب مبين، ويزول بهذا التقدير الاشكال.
﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ﴾ اما أن يكون قولهم أريد به بعض افراده وهو التكذيب والتهديد وما يتشاورون به في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون من إطلاق العام وإرادة الخاص، وإما أن يكون مما حذفت منه الصفحة المخصصة، ان قولهم الدال على تكذيبك ومعاندتك. ثم استأنف بقوله: ﴿ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً ﴾ أي لا عزة لهم ولا منفعة فهم لا يقدرون لك على شىء ولا يؤذونك، ان الغلبة والقهر لله تعالى وهو القادر على الانتقام منهم فلا يعازّه شىء ولا يغالبه.﴿ أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ الآية المناسبة ظاهرة في هذه الآية لما ذكر أن العزة له تعالى وهو القهر والغلبة، ذكر ما يناسب القهر وهو كون المخلوقات له تعالى. ومن الأصل فيها ان تكون للعقلاء وهي هنا شاملة لهم ولغيرهم على حكم التغليب وحيث جيء بما كان تغليباً للكثرة إذ أكثر المخلوقات لا يعقل. والظاهر أن ما: نافية. وشركاء: مفعول يتبع، ومفعول يدعون محذوف لفهم المعنى تقديره آلهة أو شركاء، أي أن الذين جعلوهم آلهة وأشركوهم مع الله في الربوبية ليسوا شركاء حقيقة إذ الشركة في الألوهية مستحيلة وإن كانوا قد أطلقوا عليهم اسم الشركاء، وجوزوا أن تكون ما استفهامية في موضع نصب بيتبع وشركاء منصوب بيدعون، أي وأيّ شىء يتبع على تحقير المتبع، كأنه قيل: من يدعو شريكاً لله لا يتبع شيئاً، ومعنى يخرصون أي يحزرون ويقدرون.﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ ﴾ هذا تنبيه منه تعالى على عظم قدرته وشمول نعمته لعباده فهو المستحق بأن يفرد بالعبادة.﴿ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ ﴾ أي مما تقاسون من الحركة والتردد في طلب المعاش وغيره بالنهار، وأضاف الابصار إلى النهار مجازاً لأن الابصار يقع فيه كما قال: وتمت وما ليل المطى بنائم، أي يبصرون فيه مطالب معايشهم وقال: قطرب، يقال: أظلم الليل صار ذا ظلمة، وأضاء النهار وأبصر أي صار ذا ضياء وبصر." انتهى ". وذكر علة خلق الليل وهي لتسكنوا فيه وحذفها من النهار، وذكر وصف النهار وحذفه من الليل، وكل من المحذوف يدل على مقابلة والتقدير جعل الليل مظلماً لتسكنوا فيه، والنهار مبصراً لتتحركوا فيه في مكاسبكم وما تحتاجون إليه بالحركة. ومعنى يسمعون سماع معتبر.﴿ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً ﴾ الآية، الضمير في قالوا عائد على من نسب إلى الله تعالى الولد ممن قال الملائكة بنات الله وغير ذلك، وسبحانه تنزيهه عن اتخاذ الولد وتعجيب ممن يقول ذلك.﴿ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ﴾ علة لنفي الولد لأن اتخاذ الولد إنما يكون للحاجة إليه، والله تعالى غير محتاج إلى شىء فالولد منتف عنه وكل ما في السماوات والأرض ملكه تعالى فهو غني عن اتخاذ الولد. وان: نافية، والسلطان الحجة أي ما عندكم من حجة بهذا القول.
وتقول: زارني رجل فأكرمت الرجل ولما كان إياها جاز أن تأتي بالضمير بدله فتقول: فأكرمته. والسحر هنا ليس هو السحر الذي في قولهم: ان هذا السحر، أي ان الذي أخبر ذا عنه بأنه سحر هو ما ظهر على يدي موسى من معجزة العصا، والسحر الذي في قول موسى إنما هو سحرهم الذي جاؤوا به فقد اختلف المدْلولان إذ قالوا هم عن معجزة موسى، وقال موسى عما جاؤا به، ولذلك لا يجوز أن يؤتى هنا بالضمير بدل السحر فيكون عائداً على قولهم لسحر وسيبطله بمحقه بحيث يذهب ويظهر بطلانه بإِظهار المعجزة على الشَعْوَذة.
وكما قال الشاعر: وللمنايا تربى كل مرضعة وللخراب يجد الناس عمراناً﴿ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ ﴾ قال ابن عباس: صارت دراهمهم حجارة منقوشة صحاحاً واثلاثاً وإنصافاً، ولم يبق لهم معدن إلاّ طمس الله عليه، فلم ينتفع به أحد بعد.﴿ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ قال ابن عباس: طبع عليها وامنعها من الإِيمان.﴿ فَلاَ يُؤْمِنُواْ ﴾ منصوب على أنه جواب اشدد. والأمر وجوابه ينعقد منهما شرط وجزاء. وتقدير ذلك هنا ان تشدد لا يؤمنوا.﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا ﴾ الآية، قال محمد بن كعب: كان موسى عليه السلام يدعو وهارون يُؤمّن فنسبت الدعوة إليهما. ويمكن أن يكونا دعوا معاً ثم أمرا بالاستقامة. والمعنى الديمومة عليها وعلى ما أمرتما به من الدعوة إلى الله وإلزام حجته. والذين لا يعلمون فرعون وقومه، قاله ابن عباس.
وتقدم الخلاف في قوله تعالى:﴿ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾[يونس: ٥١].
في هذه السورة. والمعنى أتؤمن الساعة في حال الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك. قيل: قال ذلك حين ألجمه الغرق.﴿ فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾ أي نلقيك بنجوة من الأرض وهي المكان المرتفع. وببدنك: بدرعك، وكان من لؤلؤ منظوم لا مثال له، قاله ابن عباس. والبدن: بدن الإِنسان. والبدن: الدرع القصيرة قال: ترى الأبدان فيها مسبغات على الابطال والكلب الحصينايعني: الدروع. وقيل: نلقيك ببدنك عرياناً ليس عليك ثياب ولا سلاح، وذلك أبلغ في إهانته.﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾ الظاهر ان بني إسرائيل هم الذين كانوا آمنوا بموسى عليه السلام ونجوا من الغرق. وسياق الآيات ليشهد لهم. وانتصب مبوأ صدق على أنه مفعول ثان لبوأنا، كقوله:﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً ﴾[العنكبوت: ٥٨].
أو على المصدر. ومعنى صدق، أي فضل وكرامة، ولما ذكر أنه بوأهم مبوأ صدق ذكر امتنانه عليهم بما رزقهم من الطيبات وهي المآكل المستلذات، أو الحلال.﴿ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ ﴾ أي كانوا على ملة واحدة. وطريقة موسى عليه السلام في أول حاله.﴿ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ ﴾ أي علم التوراة فاختلفوا، وهذا ذم لهم، أي أن سبب الاتفاق هو الظلم فصار عندهم سبب الاختلاف فتشعبوا شعباً بعدما قرأوا التوراة.﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ ﴾ الظاهر أنّ انْ شرطية تقتضي تعليق شىء على شىء ولا تستلزم تحتم وقوعه ولا إمكانه، بل قد يكون ذلك في المستحيل عقلاً، كقوله تعالى:﴿ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ ﴾[الزخرف: ٨١].
ويستحيل أن يكون له ولد. فكذلك هذا يستحيل أن يكون عليه السلام في شك. وهذه الآية من ذلك. وقيل: ان نافية. وقيل: الخطاب لغير الرسول عليه السلام. وقيل: معنى في شك: في ضيق. ولا يراد به حقيقة الشك وهو تساوي الجائزين. وروي عنه عليه السلام أنه قال: لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق. فتكون منصوب بإِضمار انْ بعد الفاء وهو جواب النهي قبله.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ لما ذكر تعالى عباداً قضى عليهم بالشقاوة فلا يتغير، والكلمة التي حقت عليهم هي اللعنة والغضب.﴿ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ ﴾ هو في الوقت الذي لا ينفعهم فيه إيمانهم.
ولفظ الإِرادة أدل على الحصول في وقت الخطاب وفي غيره وأنسب للفظ الخير وإن كان المس والإرادة معناهما الإِصابة. وجاء جواب وإن يمسسك بنفي عام وإيجاب. وجاء جواب ﴿ وَإِن يُرِدْكَ ﴾ بنفي عام لأن ما أراده لا يردّه رادٌّ لا هو ولا غيره.﴿ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ﴾ الآية، الحق: القرآن والرسول ودين الإِسلام. والمعنى: فإِنما ثواب هدايته حاصل له ووبال ضلاله عليه والهداية والضلال واقعان بإِرادة الله تعالى. روي أنه" لما نزلت: واصبر، جمع صلى الله عليه وسلم الأنصار قال: إنكم ستجدون بعدي اثرة فاصبروا حتى تلقوني ".