تفسير سورة يونس

معاني القرآن
تفسير سورة سورة يونس من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

قال ﴿ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ ﴾ القدم ها هنا : التقديم، كما تقول : " هؤلاء أَهْلُ القَدَمِ [ ١٣١ ء ] في الإسلام " أي : الذين قدموا خيرا فكان لهم فيه تقديم.
وقال ﴿ وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ﴾ ( ٥ ) ثقيلة فجعل ( وَقَدَّرُهُ ) مما يتعدى إلى مفعولين كأنه " وجعله منازل ". وقال ﴿ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً ﴾ ( ٥ ) فجعل القمر هو النور كما تقول : " جَعَلَهُ اللهُ خَلْقاً " وهو " مخلوق " و " هذا الدِرْهَمُ ضَرْبُ الأَمِير ". وهو " مضروب ". وقال ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ فجعل الحسن هو المفعول كالخلق.
وقال ﴿ وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ﴾ ( ٥ ) وقد ذكر الشمس والقمر كما قال ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾.
[ ١٣١ ب ] وقال :﴿ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ ﴾ ( ٩ ) كأنه جعل ( تَجْرِي ) مبتدأة منقطعة من الأول.
وقال ﴿ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ ( ١٢ ) و﴿ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً ﴾ وهذا في الكلام كثير وهي " كَأَنَّ " الثقيلة ولكنه اضمر فيها فخفف كما تخفف ( أَنَّ )* ويضمر فيها وإنما هي " كَأَنْهُ لَمْ " وقال الشاعر :[ من الخفيف وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المئتين ] :
وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْبَبْ وَمَنْ يَفْتقِرْ يَعِشْ عَيْشُ ضرِّ ***......
وكما قال [ من الهزج وهو الشاهد التاسع والعشرون بعد المئتين ] :
[ وصَدْرٍ مُشْرِقِ النَّحْرِ ] *** كَأَنْ ثَدْياهُ حُقّانِ
أي : كَأَنْهُ ثَدْياهُ حُقَّانِ. وقال بعضهم " كَأَنْ ثَدْيْيهِ " فخففها واعلمها ولم يضمر فيها كما قال ﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ أراد معنى الثقيلة فأَعْمَلَها كما يُعْمِل الثقيلة ولم يضمر فيها.
وقال ﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ ( ١٩ ) على خبر " كان " كما قال ﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾. [ أي ]* " إن كانت تلك إلا صيحة واحدة ".
وقال ﴿ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم ﴾ ( ٢٢ ) وإنما قال ﴿ وَجَرَيْنَ بِهِم ﴾ لأنْ ( الفُلْكَ ) يكون واحدا وجماعة. قال ﴿ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ وهو مذكر. وأما ( حتَّى إذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ ) فجوابه قوله ﴿ جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ﴾ ( ٢٢ ).
وأما قوله ﴿ دَعَوُاْ اللَّهَ ﴾ ( ٢٢ ) فجواب لقوله ﴿ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾ ( ٢٢ ) وإنما قال ﴿ بِهِم ﴾ وقد قال ﴿ كُنْتُمْ ﴾ لأنه يجوز أن تذكر غائبا ثم تخاطب إذا كنت تعنيه، وتخاطب ثم تجعله في لفظ غائب كقول الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد العاشر بعد المئة ] :
أَسِيئِي بِنا أَوْ أَحْسِنِي لا مَلُوَمةً لَدَيْنا وَلا مَقْلِيَّةً أَنْ تَقَلَّتِ
وقال ﴿ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ ( ٢٣ ) أي : وذلك متاعٌ الحياةِ الدنيا. وأرادَ " مَتاعُكُمْ مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا ".
وقال ﴿ كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ ﴾ ( ٢٤ ) يريد : كمثل ماء.
وقال ﴿ وَازَّيَّنَتْ ﴾ ( ٢٤ ) يريد " وتَزَيَّنُتْ " ولكن أدغم التاء في الزاي لقرب المخرجين فلما سكن أولها زيدَ* فيها ألف وصل وقال ﴿ وَازَّيَّنَتْ ﴾ ثقيلة " ازَّيُّناً " يريدُ المصدر وهو من " التَزَيْنِ " وإنما زاد الألف حين أدغم ليصل الكلام لانه لا يبتدأ بساكن.
وقال ﴿ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ ﴾ ( ٢٦ ) لأنه من " رَهَقَ " " يَرْهَقُ " " رَهَقاً ".
وقال ﴿ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ﴾ ( ٢٧ ) وزيدت الباء كما زيدت في قولك ﴿ بِحَسْبِكَ قولُ السُوءِ ﴾.
وقال ﴿ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الْلَّيْلِ مُظْلِماً ﴾ ( ٢٧ ) فالعِين ساكنة لأنه ليس جماعة " القِطْعَة " ولكنه " قِطْعٌ " اسمٌ على حياله. وقال عامّة الناس ( قِطَعا ) يريدون به جماعة " القِطْعَةِ " ويقوي الأول قوله ( مُظْلِماً ) لان " القِطْع " واحد فيكون " المُظْلِم " من صفته. والذين قالوا : " القِطَع " يعنون به الجمع وقالوا " نَجْعَلُ مُظلِماً " حالا ل " اللَيْل ". والأَوَّلُ أَبْيَنُ الوجهين.
وقال ﴿ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ﴾ ( ٢٨ ) لأنه في معنى " انتْظِروا أنتم وشركاؤكم ".
وقال ﴿ هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ﴾ ( ٣٠ ) أي : تَخْبُرُ. وقال بعضُهم ( تَتْلُو ) أي : تَتْبَعُه.
وقال ﴿ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ ﴾ ( ٣١ ) فإن قلت " كيف دخلت ( أَمْ ) على ( مَنْ ) فلأن ( مَنْ ) ليست في الأصل للاستفهام وإنما يستغنى بها عن الألف فلذلك أدخلت عليها ( أَمْ ) كما أدخلت على ( هَلْ ) حرف الاستفهام وإنما الاستفهام في الأصل الألف. و( أَمْ ) تدخل لمعنى لا بد منه. قال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الثلاثون بعد المئتين ] :
أَبا مَالِكٍ هَلْ لُمْتَنِي مُذْ حَضَضْتِنَي عَلَى القَتْلِ أَمْ هَلْ لامَنِي لَكَ لائِمُ
وقال ﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾ ( ٣٨ ) وهذا - و الله اعلم - [ ١٣٢ ء ] " على مثلِ سُوَرتِه " وألقى السورة كما قال ﴿ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ يريد " أَهْلَ القرية ".
[ ١٣٢ ب ] وقال ﴿ مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ ( ٥٠ ) فإن شئت جعلت ( ماذا ) اسما بمنزلة ( ما ) وإن شئت جعلت ( ذا ) بمنزلة " الذي ".
وقال ﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ﴾ ( ٥٣ ) كأنه قال " وَيَقُولُونَ أَحَقُّ هُوَ ".
وقال ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ ( ٥٨ ) وقال بعضهم ( تَجْمعَون ) أي : تَجْمَعُون يا معشر الكفار. وقال بعضهم ( فَلْتَفْرَحُوا ) وهي لغة العرب ردية لأن هذه اللام إنما تدخل في الموضع الذي لا يقدر فيه على " أَفْعَل " ؛ يقولون : " لِيَقُلْ زَيْدٌ " لأنك لا تقدر على " أَفْعَل ". ولا تدخل اللام إذا كلمت الرجل فقلت " قُلْ " ولم تحتج إلى اللام. وقوله ﴿ فَبِذَلِكَ ﴾ بدل من قوله ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ ﴾.
وقال ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ ﴾ ( ٦١ ) أيّ : " وَلا يَعْزُبُ عَنْهُ أَصْغَرُ من ذلك ولا أَكْبَرُ " بالرفع. وقال بضعهم ( وَلا أصغرَ من ذلِكَ ولا أَكْبَرَ ) بالفتح أي : " ولا مِنْ أصغرَ منِ ذلك ولا من أَكْبَر " ولكنه " أَفْعَلَ " ولا ينصرف وهذا أجود في العربية وأكثر في القراءة وبه نقرأ.
وقال ﴿ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ﴾ ( ٧١ ) وقال بعضهم ( وشُرَكاؤُكُمْ ) والنصب أحسن لأنك لا تجري الظاهر المرفوع على المضمر المرفوع إلا أنه قد حسن في هذا للفصل الذي بينهما كما قال ﴿ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا ﴾ فحسن [ ١٣٣ ء ] لأنه فصل بينهما بقوله ترابا. وقال بعضهم ( فَأَجْمِعوا ) لأَنَّهُم ذهبوا به إلى " العَزْمِ " لأَنَّ العرب تقول " أَجْمَعْتُ أَمْرِي " أي : أَجْمَعْتُ على أَنْ أَقُول كذا وكذا. أي عَزَمْتُ عليه. وبالمَقْطُوعِ نقرأ.
وقال ﴿ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ﴾ ( ٧١ ) ف( يَكُنْ ) جزم بالنهي.
وقال ﴿ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا ﴾ ( ٧٧ )على الحكاية لقولهم، لأنهم قالوا : أَسِحْرٌ هذا " فقال ( أَتَقَوُلُونَ ) ( أَسِحْرٌ هذا ).
وقال ﴿ لِتَلْفِتَنَا ﴾ ( ٧٨ ) لأَنَّكَ تقول : " لَفَتُهُ " ف " أَنَا أَلِفْتُهُ " " لَفْتَاً " أي : أَلْوِيِه عنْ حقه.
وقال ﴿ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ﴾ ( ٨١ ) يقول : " الذي جِئْتُمْ بِهِ السِحْرُ " وقال بعضهم ( آلسِّحْرُ ) بالاستفهام.
وقال ﴿ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ ﴾ ( ٨٣ ) يعني مَلأ الذُرِّيَّةِ.
وقال ﴿ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ ﴾ ( ٨٨ ) فنصبها لأن جواب الدعاءَ بالفاء نصب وكذلك في الدعاء إذا عَصَوا.
وقال ﴿ رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ ﴾ ( ٨٨ ) أيّ : فَضلُّوا. كما قال ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾ أيْ : فَكَان. وَهمُ لم يلقطوه ليكون لهم عدوا وحزنا [ و ] إنما لقطوه فكان [ ف ] هذه اللام تجيء في هذا المعنى.
وقوله :﴿ فَلاَ يُؤْمِنُواْ ﴾ عطف على ( ليضلوّا ).
وقال ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾ ( ٩٢ ) وقال بعضهم ( نُنْجِيك ) وقوله ﴿ بِبَدَنِكَ ﴾ أيّ : لا روح فيه.
وقال بعضهم :( نُنُجِّيكَ ) : نرفعُك [ ١٣٣ ب ] على نجوة من الأرض. وليس قولهم : " أَنّ البَدَن ها هنا " " الدِرْع " بشيء ولا له معنى.
وقال ﴿ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ ﴾ ( ٩٧ ) فأنث فعل الكل لأنه أضافه إلى الآية وهي مؤنثة.
وقال ﴿ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ﴾ ( ٩٩ ) فجاء بقوله ( جَمِيعاً ) توكيدا، كما قال ﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ الهيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ ففي قوله ﴿ الهيْنِ ﴾ دليل على الأثْنين.
وقال ﴿ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ( ١٠٣ ) يقول : " كذلِكَ نُنْجِي المؤمنينَ حَقّاً عَلَيْنا ".
وقال ﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾ ( ١٠٥ ) أي : وَأُمِرْتُ أَنْ أقم وجَهكَ للدين.
Icon