ﰡ
قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه، والتقدير: اقعدوا ولم يسيروا؟ والاستفهام للتوبيخ، والجملة معطوفة على جملة ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ ﴾ عطف سبب على مسبب، لأن السير سبب للتفكر، قوله: ﴿ وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ ﴾ بالقصر لعامة القراء وقرئ شذوذاً، وآثار بألف بعد الهمزة. قوله: ﴿ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ﴾ نعت لمصدر محذوف، أي عمارة أكثر من عمارتهم. قوله: ﴿ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ أي فلم يذعنوا لها، بل كذبوا بها. قول: ﴿ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ أي يعاملهم معاملة ملك ظالم جبار، بل معاملة ملك عادل رحيم، وعلى فرض أخذهم من غير جرم لا يكون ظالماً، إذ لا مشارك له في خلقه، ولكن من فضله تعالى ألزم نفسه ما لا يلزمه قوله: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ ﴾ بيان لعاقبة أمرهم إثر بيان حالهم في الدنيا. قوله: (خبر كان على رفع عاقبة) أي و ﴿ عَاقِبَةَ ﴾ اسمها، وهي مضافة للموصول، و ﴿ أَسَاءُواْ ﴾ صلته، و ﴿ ٱلسُّوۤأَىٰ ﴾ صفة لموصوف محذوف، أي المجازاة السوآى وهي جهنم خبر ﴿ كَانَ ﴾، وقوله: (واسم كان على نصب عاقبة) أي فالسوآى اسم ﴿ كَانَ ﴾ مؤخر، و ﴿ عَاقِبَةَ ﴾ خبر ﴿ كَانَ ﴾ مقدم، وعلى كل فقوله: ﴿ أَن كَذَّبُواْ ﴾ خبر لمحذوف تقديره وإساءتهم أن كذبوا، فهي جملة مستأنفة بيان لصلة الموصول، فيصح الوقف على السوآى، وهذا ما اختاره المفسر من أوجه شتى وهو أنورها، وذكر الفعل لأن الاسم كان على كل مجازي التأنيث. قوله: (والمراد بها) أي السوآى قوله: (أي بأن) ﴿ كَذَّبُواْ ﴾ أشار بذلك إلى أن الكلام على تقدير الباء وهي للسببية. قوله: ﴿ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ﴾ عبر بالمضارع إشارة إلى أن البدء متجدد شيئاً فشيئاً ما دامت الدنيا. قوله: (أي ينشئ خلق الناس) أي يظهرهم من العدم. قوله: (بالتاء والباء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ ﴾ أي وهو يوم الإعادة. قوله: (يسكت المشركون) أي عن جواب يدفع عنهم العذاب. قوله: (أي لا يكون) أشار بذلك إلى أن الماضي بمعنى المضارع، لأن المنفي بلم ماضي المعنى. قوله: ﴿ بِشُرَكَآئِهِمْ ﴾ متعلق بكافرين. قوله: (تأكيد) أي لفظي. قوله: (أي المؤمنون والكافرون) أخذ هذا التعميم من قوله أولاً.
﴿ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾.
﴿ يُرِيكُمُ ﴾ مؤول بمصدر مبتدأ مؤخر، وحذفت أن من الفعل لدلالة ما قبله وما بعده عليه، وهكذا يقال فيما تقدم وما يأتي. قوله: ﴿ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ ﴾ أي تثبت وتستقر. قوله: (من غير عمد) بفتحتين اسم جمع لعمود وقيل جمع له، أو ضمتين جمع عمود كرسل ورسول. قوله: ﴿ مِّنَ ٱلأَرْضِ ﴾ متعلق بدعاكم. قوله: (في الصور) أي نفخة البعث فتخرج منه الأرواح إلى أجسادها، لأن فيه طاقات بعدد الأرواح، فتجتمع فيه ثم تخرج بالنفخة دفعة واحدة، فلا تخطئ روح جسدها. قوله: ﴿ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ عبر في ابتداء خلق الإنسان بثم حيث قال: ثم إذا أنتم بشر تنتشرون، وتركها هنا لأنه من ابتداء الخلق تحصل المهلة والتراخي، لكونه على أطوار مختلفة، بخلاف الإعادة فلا تدريج فيها، بل يحصل دفعة واحدة. قوله: (مطيعون) أي لأفعاله طاعة انقياد لا طاعة عبادة؛ وقيل المعنى قائمون للحساب، وقيل مقرون بالعبودية إما باللسان أو الحال. قوله: ﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ الضمير عائد على الاعادة المفهومة من قوله: ﴿ يُعِيدُهُ ﴾ وذكر الضمير مراعاة للخبر. قوله: (بالنظر إلى ما عند المخاطبين) أي فهو مبني على ما يقتضيه عقولهم، لأن من أعاد منهم شيئاً، كان أهو عليه وأسهل من إنشائه، وهو جواب عما يقال: إن أفعال الله كلها متساوية بالنسبة إلى قدرته تعالى، وأجيب أيضاً: بأن اسم التفضيل ليس على بابه، فأهون بمعنى هين. قوله: (أي الصفة العليا) أشار بذلك إلى أن المثل بمعنى الصفة، والأعلى بمعنى العليا. أي المرتفعة المنزهة عن كل نقص. قوله: (وهي أنه لا إله إلا الله) أي فالمراد بها الوصف بالوحدانية ولوازمها من كل كمال، والتنزيه عن كل نقص. قوله: ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً ﴾ أي صفة وشكلاً تقيسون عليه. قوله: (كانئاً) ﴿ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ أشار بذلك إلى أن ﴿ مِّنْ ﴾ ابتدائية متعلقة بمحذوف صفة لمثلاً. قوله: ﴿ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ ﴾ الخ.
﴿ هَلْ ﴾ حرف استفهام، و ﴿ لَّكُمْ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ شُرَكَآءَ ﴾ مبتدأ مؤخر، و ﴿ مِّن ﴾ زائدة، و ﴿ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ حال من ﴿ شُرَكَآءَ ﴾ لكونه نعت نكرة قدم عليها، و ﴿ مِّن ﴾ تبعيضية فتحصل أن ﴿ مِّن ﴾ الأولى ابتدائية، والثانية تبعيضية، والثالثة زائدة. قوله: ﴿ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ أي ملكناكم، وأشار بذلك إلى أن الرزق حقيقة لله تعالى، وإيضاح هذا المثل أن يقال: إذا لم يصح أن تكون مماليككم شركاء فيما بأيديكم من رزق الله، فلا يصح بالأولى جعل بعض مماليك الله شركاء فيما هو له حقيقة. قوله: ﴿ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ ﴾ أي مستوون معهم في التصرف على حكم عادة الشركاء. قوله: ﴿ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ من جملة المنفي، فهو مرتب عليه، فالمراد نفي الثلاثة الشركة والاستواء مع العبيد وخوفهم كخوف أنفسكم، والمعنى أنتم تنفون عنهم تلك الأوصاف الثلاثة، من أجل كونهم مماليك لكم، فكيف تثبتون تلك الأوصاف لبعض مماليك الله؟ قوله: (بمعنى النفي) أي فهو استفهام إنكاري. قوله: ﴿ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ أي فهذا المثل إنما ينفع العاقل الذي يتدبر الأمور. قوله: ﴿ بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ ﴾ الخ، إضراب عما ذكر أولاً، إشارة إلى أنهم لا حجة لهم في الإشراك، ولا دليل لهم سوى اتباع هواهم. قوله: (هادي له) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي.
قوله: ﴿ يَعْلَمُونَ ﴾ (توحيد الله) أي بل جهلوا ذلك، فعبدوا غير الله. قوله: (حال من فاعل أقم) أي وما بينهما اعتراض. قوله: (وما أريد به) أي بالخطاب فإنه أريد به محمد ومن تبعه. قوله: (أي أقيموا) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ وَٱتَّقُوهُ ﴾ عطف على محذوف مأخوذ من الحال قبله. قوله: ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ أي فأهل السعادة فرحون بسعادتهم، وأهل الشقاوة فرحون بما زينه لهم الشيطان لظنهم أنهم على حق. قوله: (وفي قراءة فارقوا) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ﴾ ﴿ إِذَا ﴾ شرطية وجوابها قوله: ﴿ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ ﴾، وقوله: (أي كفار مكة) خص ذلك بهم لأنه سبب النزول، وإلا فالعبرة بعموم اللفظ. قوله: ﴿ إِذَا فَرِيقٌ ﴾ ﴿ إِذَا ﴾ فجائية قائمة مقام الفاء، فهي رابطة للشرط. قوله: (أريد به التهديد) أي فاللام لام الأمر للتوبيخ والتقرير، على حد﴿ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ﴾[فصلت: ٤٠].
قوله: (عاقبة تمتعكم) قدره إشارة إلى أن مفعول ﴿ تَعْلَمُونَ ﴾ محذوف. قوله: (فيه التفات عن الغيبة) أي إلى الخطاب لأجل المبالغة في زجرهم.
قوله: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد هو وأمته، والمعنى ابذل همتك في دين الإسلام واشتغل به ولا تحزن عليهم. قوله: ﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ ﴾ أي وأما بعد مجيئه فلا ينفع العامل عمله، بل كل إنسان يلقى جزاء ما عمله قبل ذلك، قال تعالى:﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴾[عبس: ٣٨-٤١].
قوله: ﴿ مِنَ ٱللَّهِ ﴾ متعلق بيأتي. قوله: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾ التنوين عوض عن جملة أي يوم إذ يأتي هذا اليوم. قوله: (فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد) أي فأصله يتصدعون، أبدلت التاء صاداً وأدغمت في الصاد. قوله: (يتفرقون بعد الحساب) أي عند سماع قوله تعالى:﴿ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾[يس: ٥٩].
قوله: (وبال كفره) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: (يوطئون منازلهم) أي فالأعمال الصالحة في الدنيا بها تهيؤ المنازل في الجنة. قوله: (متعلق بيصدعون) أي والتقدير يتفرقون ليجزي الذين آمنوا من فضله، والذين كفروا بعدله. قوله: ﴿ ٱلرِّيَاحَ ﴾ أي الشمال والصبا والجنوب، فإنها رياح الرحمة، وأما الدبور فهي ريح العذاب، يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:" اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً ". قوله: ﴿ وَلِيُذِيقَكُمْ ﴾ عطف على ﴿ مُبَشِّرَاتٍ ﴾ كأنه قال: لتبشركم وليذيقكم. قوله: ﴿ مِّن رَّحْمَتِهِ ﴾ ﴿ مِّن ﴾ تبعيضية أي بعض رحمته. قوله: (يا أهل مكة) خصهم لأنهم سبب نزول الآية، وأما فالعبرة بعموم اللفظ.