ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٢٤]هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤)
ففي هذا ثناء على إبراهيم من وجوه متعددة.
أحدها: أنه وصف ضيفه بأنهم مكرمون. وهذا على أحد القولين:
أنه بإكرام لا إبراهيم لهم. والثاني: أنهم المكرمون عند الله. ولا تنافي بين القولين: فالآية تدل على معنيين.
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٢٥]
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥)
الثاني: قوله تعالى: «إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ» فلم يذكر استئذانهم. ففي هذا دليل على أنه صلّى الله عليه وسلّم كان قد عرف بإكرام الضيفان واعتياد قراهم. فصار منزله مضيفة مطروقا لمن ورده، لا يحتاج إلى الاستئذان، بل استئذان الداخل إليه دخوله. وهذا غاية ما يكون من الكرم.
الثالث: قوله «سلام» بالرفع. وهم سلموا عليه بالنصب. والسلام
الرابع: أنه حذف المبتدأ من قوله: «قوم منكرون» فإنه لما أنكرهم ولم يعرفهم احتشم من مواجهتهم بلفظ ينفر الضيف لو قال: أنتم مكرمون، فحذف المبتدأ هنا من ألطف الكلام.
الخامس: أنه بنى الفعل للمفعول، وحذف فاعله، فقال:
«منكرون» ولم يقل: إني أكرمكم. وهو أحسن في هذا المقام، وأبعد من التنفير والمواجهة بالخشونة.
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٢٦]
فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦)
السادس: أنه راغ إلى أهله ليحييهم بنزلهم. والروغان هو الذهاب في اختفاء بحيث يكاد لا يشعر به. وهذا من كرم رب المنزل المضيّف: أن يذهب في اختفاء بحيث لا يشعر به الضيف، فيشق عليه ويستحي. فلا يشعر به إلا وقد جاءه بالطعام، بخلاف من يسمع ضيفه وهو يقول له، أو لمن حضر: مكانكم حتى آتيكم بالطعام، ونحو ذلك مما يوجب حياء الضيف واحتشامه.
السابع: أنه ذهب إلى أهله، فجاء بالضيافة. فدل على أن ذلك كان معدا عندهم مهيئا للضيفان. ولم يحتج أن يذهب إلى غيرهم من جيرانه، أو غيرهم فيشتريه، أو يستقرضه.
الثامن: قوله: «فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ» يدل على خدمته للضيف بنفسه، ولم يقل: فأمر لهم، بل هو الذي ذهب وجاء به بنفسه، ولم يبعثه مع خادمه. وهذا أبلغ في إكرام الضيف.
التاسع: أنه جاء بعجل كامل، ولم يأت ببضعة منه. وهذا من تمام كرمه صلّى الله عليه وسلّم.
[سورة الذاريات (٥١) : آية ٢٧]
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧)
الحادي عشر: أنه قربه إليهم بنفسه، ولم يأمر خادمه بذلك.
الثاني عشر: أنه قربه إليهم، ولم يقربهم إليه. وهذا أبلغ في الكرامة. أن تجلس الضيف ثم تقرب الطعام إليه، وتحمله إلى حضرته، ولا تضع الطعام في ناحية ثم تأمر ضيفك بأن يتقرب إليه.
الثالث عشر: أنه قال: «ألا تأكلون؟» وهذا عرض وتلطف في القول، وهو أحسن من قوله: كلوا، أو مدوا أيديكم ونحوها. وهذا مما يعلم الناس بعقولهم حسنه ولطفه. ولهذا يقولون: بسم الله: أو ألا تتصدق؟ أو ألا تجبر؟ ونحو ذلك.
الرابع عشر: أنه إنما عرض عليهم الأكل لأنه رآهم لا يأكلون، ولم يكن ضيوفه يحتاجون معه إلى الإذن في الأكل، بل كان إذا قدم إليهم الطعام أكلوا وهؤلاء الضيوف لما امتنعوا من الأكل قال لهم «ألا تأكلون؟» ولهذا أوجس منهم خيفة، أي أحسها وأضمرها في نفسه، ولم يبدها لهم. وهو:
الوجه الخامس عشر: فإنهم لما امتنعوا من الأكل لطعامه خاف منهم، ولم يظهر لهم الخوف منهم. فلما علمت الملائكة منه ذلك قالوا: «لا تخف» وبشروه بالغلام الحليم.
فقد جمعت هذه الآية آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب، وما عداها من التكلفات التي هي تخلف وتكلف: إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم. وكفى بهذه الآداب شرفا وفخرا. فصلى الله على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آلهما، وعلى سائر النبيين.