ﰡ
[الآيات]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ المبعوث الى كافة البرايا ليرشدهم ويصلح أحوالهم فاعلم أنت يا أكمل الرسل اصالة والمؤمنين تبعا انكم إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ وقصدتم رفع رابطة العلقة بالرخصة الشرعية ايضا فَطَلِّقُوهُنَّ وارفعوا عنهن قيد الالفة المقتضية للزوجية لِعِدَّتِهِنَّ اى في اثنائها ووقتها الذي هو مدة الطهر قبل وقوع الوقاع فيه وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ الكاملة اى الاطهار الثلاثة مع الطلقات الثلاث حتى تقع كل طلقة في طهر وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ المنتقم الغيور الذي رباكم بمقتضى العدالة فعليكم ان لا تتجاوزوا عنها فلا تزيدوا على عدتهن بالمراجعة عليهن ثم تطليقهن وعليكم انه لا تُخْرِجُوهُنَّ بالتعدي بعد إيقاع الطلاق مِنْ بُيُوتِهِنَّ اى مساكنكم التي قد كن فيها قبل الفرقة حتى تنقضي عدتهن فيها وَلا يَخْرُجْنَ ايضا بأنفسهن بعد الفرقة من مساكنهن بلا رضى منكم إذ فوائد العدة والاستبراء انما هي عائدة إليكم ايها الأزواج المطلقون بل لا بد لهن ان يعتددن فيها إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ هي زنا يشهد له شهود على الوجه الذي اعتبر في الشرع فحينئذ يخرجن لإجراء الحد عليهن فيصح هذا الاستثناء على كلا الحكمين السابقين وَتِلْكَ الحدود المذكورة حُدُودُ اللَّهِ العليم الحكيم الصادرة عنه بمقتضى الحكمة المتقنة البالغة المقتضية للعدالة الكاملة وَمَنْ يَتَعَدَّ ويتجاوز حُدُودُ اللَّهِ المنتقم الغيور فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بالعرض على عذاب الله عاجلا وآجلا إذ لا تَدْرِي ولا تعلم نفس المطلق المتجاوز عن الحد الشرعي بالتطويل في العدة والتهاون على المرأة او نفس المرأة المطلقة بإتيان الفاحشة في أوان العدة وغيرها لَعَلَّ اللَّهَ المقتدر المنتقم يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ التفريق والبينونة أَمْراً بان يجعل للمطلق بدل تلك الزوجة المطلقة زوجة سليطة عليه او يجعل للمطلقة زوجا أشد ايلاما منه وبالجملة
فَإِذا بَلَغْنَ اى المطلقات أَجَلَهُنَّ شارفن على انقضاء العدة فَأَمْسِكُوهُنَّ وراجعوا إليهن بِمَعْرُوفٍ مستحسن عقلا وشرعا ومروءة نادمين على ما صدر عنكم من الطلاق والسراح والفراق معطين لهن على وجه الإحسان من الامتعة جبرا لما كسرتم أَوْ فارِقُوهُنَّ بعد ما لم يبق بينكم وبينهن رابطة المحبة وعلاقة الالفة بِمَعْرُوفٍ مستحسن مرضى مقبول له اى الشارع محمود ومعهود عند عموم ارباب المروات بلا ضرر ولا إضرار وبلا أخذ شيء مما يتعلق بهن من الامتعة المنسوبة إليهن عرفا بل أعطوهن شيأ آخر معتدا به ليعترفن بثنائكم وشكركم دائما ويدعوا لكم بدل ما يدعون عليكم
وَيَرْزُقْهُ ويسق اليه جميع حوائجه المحتاج إليها في معاش عياله مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ اى من مكان لا يترقبه ولا ينتظره وَكيف لا مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ مخلصا له مفوضا اليه امره فَهُوَ سبحانه حَسْبُهُ كافيه يكفيه جميع المؤنة المحتاج إليها في النشأة الاولى والاخرى وكيف لا إِنَّ اللَّهَ القادر المقتدر على عموم المقادير بالِغُ أَمْرِهِ بعد ما فوض اليه سبحانه بالإخلاص والتسليم الى ما قد قدر الله له في حضرة علمه ولوح قضائه إذ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ القدير الحكيم لِكُلِّ شَيْءٍ من الأشياء الظاهرة حسب اظلال الأسماء والصفات الإلهية قَدْراً اى مقدارا معينا من الكمال في عموم أفعاله على مقتضى الاستعداد الفطري والقابليات الجبلية هذه المذكورات من الحدود والآداب في طلاق ذوات الأقراء من المعتدات
وَاللَّائِي يَئِسْنَ وقنطن مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ لكبرهن إِنِ ارْتَبْتُمْ اى شككتم وترددتم في تعيين عدتهن فَعِدَّتُهُنَّ بعد ما طلقتموهن ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ اى مضيها. روى انه لما نزلت والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء قيل فما عدة النساء اللاتي يئسن من المحيض فنزلت وَكذا ايضا مضى ثلاثة أشهر عدة النساء اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ بعد لصغر سنهن او لمرض وَأُولاتُ الْأَحْمالِ من المطلقات أَجَلُهُنَّ ومنتهى عدتهن أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ سواء كان الوضع بعد الفرقة بزمان كثير او قليل وهذا الحكم متناول للمطلقة والمتوفى عنها زوجها وانما لم يعين الشارع لاولات الأحمال حدا معينا من اقراء او أشهر لان المقصود الأصلي من التزام المدة والعدة حفظ الماء واستبراء الرحم لئلا ينجر في خلط النسب وبالوضع يحصل المقصود على الوجه الأتم ولهذا لم يحد لهن سوى الوضع وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ويحفظ نفسه عن سخطه وطلق امرأته على الوجه المسنون ولم يركن الى الطلاق البدعى أصلا يَجْعَلْ لَهُ سبحانه مِنْ أَمْرِهِ الذي هو فراق زوجته يُسْراً اى يسهل عليه التزوج الآخر ويحسنها له ويحبله عليها
ذلِكَ المذكور من الاحكام أَمْرُ اللَّهِ العليم الحكيم قد أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ايها المكلفون يصلح به مفاسدكم المتعلقة بأمر الطلاق وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ المنتقم الغيور ولم يتجاوز عن مقتضى امره المبرم وحكمه المحكم يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ بتغليب حسناته عليها وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً بتضعيف حسناته أضعافا كثيرة
أَسْكِنُوهُنَّ اى المطلقات
لِيُنْفِقْ المعتدة الحاملة ذُو سَعَةٍ ويسر مِنْ سَعَتِهِ ومقدار وسعه وطاقته على مقتضى نفقتها قبل الفرقة وَمَنْ قُدِرَ وضيق عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ من الرزق الصوري بلا جبر وتحميل إذ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ المنعم الحكيم نَفْساً إِلَّا مقدار ما آتاها وساق لها من الرزق الصوري إذ سَيَجْعَلُ اللَّهُ المنعم المتفضل بَعْدَ عُسْرٍ دنياوي يُسْراً حقيقيا أخرويا فاليسر في الآخرة اولى من الدنيا وما فيها. ثم قال سبحانه على وجه الوعيد للموسرين المقترين
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ اى كثيرا من اهل قرية قد عَتَتْ اى أعرضت واستكبرت عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَعن متابعة رُسُلِهِ المرسلين من عنده اتكالا على ما عندهم من المال والثروة والتفاخر على الأقران والتفوق عليهم بأنواع النخوة والعدوان فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً اى عن القليل والكثير والنقير والقطمير وَبعد ما حاسبناها كذلك قد عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً منكرا فجيعا فظيعا والمراد حساب النشأة الاخرى وعذابها عبر بالماضي لتحقق وقوعها
فَذاقَتْ حينئذ وَبالَ أَمْرِها اى اعراضها عن الله واهله ذوقا محيطا بها بحيث لا يخلو من العذاب شيء من اعضائها واجزائها وَبالجملة قد كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها الذي كانت عليه في النشأة الاولى خُسْراً في النشأة الاخرى واى خسر أشد منها واكبر ألا وهو حرمانهم عن ساحة عز القبول الإلهي وانحطاطهم عن رتبة الخلافة والنيابة الانسانية وبالجملة قد
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً في العاجل والآجل فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ واعتبروا مما جرى على أولئك الغواة الطغاة الهالكين في تيه العتو والعناد من وخامة عاقبتهم ورداءة خاتمتهم واعلموا ايها المعتبرون الَّذِينَ آمَنُوا بوحدة الحق وصدق رسله قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ المدبر لمصالحكم إِلَيْكُمْ ذِكْراً ناشئا منكم مذكرا لكم اصل مبدئكم ومنشئكم وكذا مرجعكم ومعادكم وقد جعله سبحانه
رَسُولًا مرسلا من عنده إليكم لإرشادكم وتكميلكم يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ الدالة على وحدة ذاته مُبَيِّناتٍ مشروحات واضحات كل ذلك لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا بالله على وجه الإخلاص وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المؤكدة لإيمانهم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ اى الظلمات الحاصلة لهم من تراكم الكثرات وتتابع الإضافات الناشئة من الأوهام والخيالات الباطلة الى نور الوجود الذي هو الوحدة الذاتية القاطعة لعموم الإضافات مطلقا وَبالجملة مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ ويوقن بوحدته وَيَعْمَلْ
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ اى اظهر وقدر حسب قدرته الكاملة سَبْعَ سَماواتٍ علويات مطبقات على عدد الأوصاف السبعة الذاتية الإلهية وجعلها مسكنا للمجردات من الملائكة والأرواح وَقدر مِنَ الْأَرْضِ السفلى اى عالم العناصر ايضا مِثْلَهُنَّ مطبقات بعضها فوق بعض طبقة الأثير الصرف وطبقة الأثير الممتزجة تحتها وطبقة الزمهرير من الهواء وطبقة الهواء الصرف وطبقة الماء الصرف وطبقة الطين المركب من الماء والتراب وطبقة التراب الصرف على عدد القوى السبع الانسانية الفائضة على أعضائه السبعة وهي الدماغ والكبد والعين والاذن والأنف واللسان وجميع البشرة مع الصانع الحكيم وانما رتبها سبحانه كذلك وطبعها عليها حتى يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ الإلهي بَيْنَهُنَّ يعنى كي تصير السفليات قوابل مستعدات لآثار العلويات يقبلن منها ما يفيض عليهن من الكمالات المترتبة على الأسماء والصفات الذاتية الإلهية كل ذلك لِتَعْلَمُوا ايها المجبولون على فطرة العلم والمعرفة أَنَّ اللَّهَ المستقل بالالوهية والربوبية عَلى كُلِّ شَيْءٍ دخل في حيطة الوجود ولمع عليه برق الشهود قَدِيرٌ لا ينتهى قدرته عند مقدور وَلتعلموا ايضا أَنَّ اللَّهَ المتصف بالقدرة الكاملة قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ دخل في حيطة قدرته عِلْماً إذ لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم
خاتمة سورة الطلاق
عليك ايها السالك المتحقق بمقام القلب وسعته وقابليته لنزول سلطان الوحدة الذاتية الإلهية مع بعد غورها ورفعة طورها عن احلام الأنام مطلقا ان تعرف علما وعيانا بل حقا وبيانا ان الله المتجلى على كل جلى وخفى قدير على مقدورات لا تتناهى ومرادات لا تعد ولا تحصى بمقتضى حيطة علمه بمعلومات لا غاية تحدها ولا نهاية تحيطها فله سبحانه الإعادة والإبداء والاماتة والأحياء وله التصرف في ملكه كيف يشاء حسب اقتضاء الأوصاف والأسماء إذ لا اله الا هو له الأسماء الحسنى وله الحمد في الآخرة والاولى
[سورة التحريم]
فاتحة سورة التحريم
لا يخفى على من رسخ على جادة التوحيد وتمكن في مقعد الصدق بلا تلوين وترديد ان ارباب المحبة والارادة الكاملة من المنقطعين عن غفلة الناسوت رأسا المنجذبين نحو فضاء اللاهوت مطلقا لم يبق لهم ارادة وكراهة وصداقة وعداوة بالنسبة الى كل احد من بنى نوعهم وغيرهم بل هم مستغرقون بالله فارغوا البال من غيره بحيث لا يشوشهم اللذة والألم ولا يزعجهم الرضاء والغضب لذلك خاطب سبحانه نبيه صلّى الله عليه وسلّم على وجه العتاب وناداه ليرشده الى منهج الصواب فقال متيمنا بِسْمِ اللَّهِ الذي دبر مصالح عباده على الوجه الأبلغ الأحكم الرَّحْمنِ عليهم لا يكلفهم بما ليس في وسعهم الرَّحِيمِ لهم ينبههم على زلاتهم بعد ما صدرت عنهم ويعلمهم التدارك والتلافي