تفسير سورة سورة الجن من كتاب تفسير ابن عرفة
المعروف بـتفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة
.
لمؤلفه
ابن عرفة
.
المتوفي سنة 803 هـ
ﰡ
سُورَةُ الْجَنِّ
الإتيان بـ (قُلْ... (١).. دليل على [غرابة المقول*]، وأنه أمر عجيب، وقوله (أُوحِيَ) مع أن القرآن كله موحا به؛ لأنه لو قال اسمع؛ لأوهم أنه يخبر عن من شاهد منهم، وعلم، فقد يقال له حينئذ كيف يسمعهم وليسوا من جنسه ولا من نوعه. فاحترز من ذلك بأنه إنما حصل له معرفة ذلك بالوحي لَا بالمشاهدة، قال القرطبي: والآية تدل على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرهم ولا سمع كلامهم، انتهى.
يحتمل أن يكون لم يسمع كلامهم أولا، ثم سمع كلامهم آخرا لما أعلم به فأصغى إليه.
قوله تعالى: (عَجَبًا يَهْدِي).
عبر عن العجب [بأنه*] راجع له في نفسه.
قوله تعالى: ﴿فَآمَنَّا بِهِ... (٢)﴾
ابن عطية: عطفه بالفاء التي للتعقيب مع أنهم ذكروا بين السماع والهداية والإيمان، وعطفه في الآيتين الأخريين بالواو، والجواب: أن هذه الآية في الجن وهو في أمورهم في غاية الإسراع فهو وإن كانت مهلة هو أقرب من غيره، وإعجاز القرآن باعتبار لفظه، ولذلك يقول الإمام فخر الدين: شرط المعجزة أن تكون حادثة، وأما معناها فهو الكلام القديم الأزلي، ونقل القاضي أبو بكر الوليد الباجي في البغية المسمى [التسديد في علم التوحيد*] أن القاضي أبا بكر الباقلاني ذهب إلى أن إعجاز القرآن باعتبار لفظه، وباعتبار معناه القديم الأزلي، والجمهور على خلافه، ونحوه ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في [تأليفه*] في إعجاز القرآن الكريم، وزاد أنه لا يشترط في إعجازه التحدي به إلا للعوام، وأما علماء العرب وفصحاؤهم فهم بنفس أن يسمعوا شيئا عنه يدركون إعجازه بفطرته لما جبلوا عليه من الفطنة.
قوله تعالى: (فَآمَنَّا بِهِ).
الضمير عائد على القرآن، أو على الله تعالى، فيكونوا آمنوا أولا بوجود الله تعالى ثم [وحَّدوه*]، وفي التعبير بلفظ الرب دليل على أن [ارتباط الدليل بالمدلول*]، أمر عادي لَا عقلي؛ خلافا للمعتزلة فهو إشارة إلى رأفته ورحمته بعباده، ولولا ما أرشدهم ما اهتدوا إلى الإيمان.
قوله تعالى: ﴿جَدُّ رَبِّنَا... (٣)﴾
الإتيان بـ (قُلْ... (١).. دليل على [غرابة المقول*]، وأنه أمر عجيب، وقوله (أُوحِيَ) مع أن القرآن كله موحا به؛ لأنه لو قال اسمع؛ لأوهم أنه يخبر عن من شاهد منهم، وعلم، فقد يقال له حينئذ كيف يسمعهم وليسوا من جنسه ولا من نوعه. فاحترز من ذلك بأنه إنما حصل له معرفة ذلك بالوحي لَا بالمشاهدة، قال القرطبي: والآية تدل على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرهم ولا سمع كلامهم، انتهى.
يحتمل أن يكون لم يسمع كلامهم أولا، ثم سمع كلامهم آخرا لما أعلم به فأصغى إليه.
قوله تعالى: (عَجَبًا يَهْدِي).
عبر عن العجب [بأنه*] راجع له في نفسه.
قوله تعالى: ﴿فَآمَنَّا بِهِ... (٢)﴾
ابن عطية: عطفه بالفاء التي للتعقيب مع أنهم ذكروا بين السماع والهداية والإيمان، وعطفه في الآيتين الأخريين بالواو، والجواب: أن هذه الآية في الجن وهو في أمورهم في غاية الإسراع فهو وإن كانت مهلة هو أقرب من غيره، وإعجاز القرآن باعتبار لفظه، ولذلك يقول الإمام فخر الدين: شرط المعجزة أن تكون حادثة، وأما معناها فهو الكلام القديم الأزلي، ونقل القاضي أبو بكر الوليد الباجي في البغية المسمى [التسديد في علم التوحيد*] أن القاضي أبا بكر الباقلاني ذهب إلى أن إعجاز القرآن باعتبار لفظه، وباعتبار معناه القديم الأزلي، والجمهور على خلافه، ونحوه ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في [تأليفه*] في إعجاز القرآن الكريم، وزاد أنه لا يشترط في إعجازه التحدي به إلا للعوام، وأما علماء العرب وفصحاؤهم فهم بنفس أن يسمعوا شيئا عنه يدركون إعجازه بفطرته لما جبلوا عليه من الفطنة.
قوله تعالى: (فَآمَنَّا بِهِ).
الضمير عائد على القرآن، أو على الله تعالى، فيكونوا آمنوا أولا بوجود الله تعالى ثم [وحَّدوه*]، وفي التعبير بلفظ الرب دليل على أن [ارتباط الدليل بالمدلول*]، أمر عادي لَا عقلي؛ خلافا للمعتزلة فهو إشارة إلى رأفته ورحمته بعباده، ولولا ما أرشدهم ما اهتدوا إلى الإيمان.
قوله تعالى: ﴿جَدُّ رَبِّنَا... (٣)﴾
أي تعاظمت عظمته وتفسير الخطيب: الجد بالأصل خطأ، واعتقاده كفر، وعبر بالولد ليشمل الذكر والأنثى فيكون ردا على الجاهلية في قولهم: الملائكة بنات الله، وعلى اليهود في قولهم: عزير ابن الله، وعلى النصارى في قولهم: المسيح ابن الله، فإن قلت: [نفي الصاحبة*] يستلزم [نفي الولد*]، فالجواب: إما أن نقول أنه دلالة [المطابقة*] أقوى من دلالة الالتزام، وإما كون الصاحبة سبب في وجود الولد، إنما هو سبب مادي لَا عقلي.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (٥)﴾
هذا اعتذار منهم؛ أي كنا نعتقد أن لَا يكذب أحد منا، ولا من غيرنا على الله، وهو ظاهر إن قلنا إن العقل خلا من سمع، وإن قلنا إنه لم يخل قط من سمع؛ فيكون المراد بعض الإنسان وبعض الجن، وهم الذين شاهدوهم ورأوهم، ويكون البعض الآخر وهم المؤمنون والمصدقون بوجود الله ووحدانيته لم يرهم ولا بلغتهم مقالتهم، فحينئذ يصح أن يكون هذا القول عذرا لهؤلاء، وإلا فيقال سمعتم [قول*] الكاذبين من الفريقين، وقول الصادقين، فصدقتم الكاذبين، واتبعتم قولهم [بغير*] موجب، وتركتم قول الصادقين فلا ظن لكم.
قوله تعالى: ﴿حَرَسًا شَدِيدًا... (٨)﴾
قيل: اسم جمع، وقيل: جمع حارس، فإن قلت: وصفه بالمفرد يدل على أنه ليس بجمع، قلت: نص المبرد على أنه يصح وصف جمع التكسير بالمفرد، وهذا خلاف كلام الزمخشري لاستدلاله على أنه اسم جمع بوصفه المفرد؛ فمفهومه أنه لو كان جمعا لما وصف بالمفرد.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ... (٩)﴾
هذا دليل لأهل السنة في أنهم أجسام متحيزة خلافا للمعتزلة، وورد أنهم كانوا يقعدون واحدا فوق واحد [حتى يقرب للسمع*].
قوله تعالى: (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ).
(مَن) الشرطية تدل على الاستقبال دلالة ظاهرة، والآن تدل على الحال دلالة نص، فلا تناقض بينهم، فصح أنه حال، فإن قلت: على هذا يكون منع الشياطين بالشهب عن استراق السمع خاصا بذلك الزمان؛ مع أن المشاهد إقامته واستمراره في المستقبل؟ قلت: إنما جاء الخصوص من مفهوم الزمان في الآن، ولنا أن نقول: إن المفهوم هنا غير [معتبر*].
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (٥)﴾
هذا اعتذار منهم؛ أي كنا نعتقد أن لَا يكذب أحد منا، ولا من غيرنا على الله، وهو ظاهر إن قلنا إن العقل خلا من سمع، وإن قلنا إنه لم يخل قط من سمع؛ فيكون المراد بعض الإنسان وبعض الجن، وهم الذين شاهدوهم ورأوهم، ويكون البعض الآخر وهم المؤمنون والمصدقون بوجود الله ووحدانيته لم يرهم ولا بلغتهم مقالتهم، فحينئذ يصح أن يكون هذا القول عذرا لهؤلاء، وإلا فيقال سمعتم [قول*] الكاذبين من الفريقين، وقول الصادقين، فصدقتم الكاذبين، واتبعتم قولهم [بغير*] موجب، وتركتم قول الصادقين فلا ظن لكم.
قوله تعالى: ﴿حَرَسًا شَدِيدًا... (٨)﴾
قيل: اسم جمع، وقيل: جمع حارس، فإن قلت: وصفه بالمفرد يدل على أنه ليس بجمع، قلت: نص المبرد على أنه يصح وصف جمع التكسير بالمفرد، وهذا خلاف كلام الزمخشري لاستدلاله على أنه اسم جمع بوصفه المفرد؛ فمفهومه أنه لو كان جمعا لما وصف بالمفرد.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ... (٩)﴾
هذا دليل لأهل السنة في أنهم أجسام متحيزة خلافا للمعتزلة، وورد أنهم كانوا يقعدون واحدا فوق واحد [حتى يقرب للسمع*].
قوله تعالى: (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ).
(مَن) الشرطية تدل على الاستقبال دلالة ظاهرة، والآن تدل على الحال دلالة نص، فلا تناقض بينهم، فصح أنه حال، فإن قلت: على هذا يكون منع الشياطين بالشهب عن استراق السمع خاصا بذلك الزمان؛ مع أن المشاهد إقامته واستمراره في المستقبل؟ قلت: إنما جاء الخصوص من مفهوم الزمان في الآن، ولنا أن نقول: إن المفهوم هنا غير [معتبر*].
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ... (١٠)﴾
تضمنت الآية أمرين:
الأول: أنهم حصل لهم العلم بأن الله تعالى موصوف بالحياة والعلم والقدرة والكلام؛ لتعبيرهم بالإرادة، ولم يقولوا: أشر يقع بمن في الأرض، والإرادة تستلزم هذه الصفات كلها.
الثاني: أنهم حذفوا الفاعل على جهة الأدب مع الله في نسبة الشر إليه؛ مع أن الكل من فعله وخلقه جل وعلا، وعمموا الإرادة، ولم يقولوا: أريد بنا، وحمل الزمخشري على ذلك عاقبة الأمر؛ أي لَا يعلم هل يختم لهم بالإيمان أو بالكفر، وهذا بناء منه على أنهم هدوا بعد ما آمنوا، وحمله ابن عطية على حالتهم تلك؛ أي لَا نعلم هل [يؤمن أهل الأرض*] أو يدوموا على كفرهم، وهم بناء على أنهم قالوا ذلك قبل أن يؤمنوا، أو تكون الآية حكاية حال [ماضية*]، وعبروا بالرشد؛ لأنه أخص، واستعمال الأخص في الثبوت أولى من الأعم، أو لأن ذلك كان في زمن النبوة حالة وجود المرشد إلى طريق الجنة، وأول الآية يقتضي عمومية الفاعل، والجهل بالمفعول وهو المراد، وآخرها وهو قوله تعالى: (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) يقتضي عمومية المفعول، وحذف الفاعل من الأول دون الثاني تأدبا مع الله تعالى في نسبة الخير إليه دون الشر، وإن كان الكل من فعله.
قوله تعالى: ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ... (١١)﴾
إن كان المعنى، ومنا المقاربون لهم فلا يكون تقسيما مستوفيا، وإن كان المعنى: ومنا الكافرون فيكون مستوفيا.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ... (١٢)﴾
ابن عطية والزمخشري: الظن هنا بمعنى العلم، انتهى؛ بل هو على بابه، ويدل على ذلك ثلاثة أمور:
الأول: أنه تقرر في علم أصول الدين الاختلاف فيمن يجزم بنفي الصفات عن البارئ تعالى، هل هو كافر أو لَا؟ [وكذلك*] أيضا من يشك فيها.
الثاني: أنهم اعتقدوا ذلك في أول أمرهم من غير جزمهم، ثم لما تمكن الإسلام في قلوبهم جزموا بذلك، فقالوا: [وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا*].
تضمنت الآية أمرين:
الأول: أنهم حصل لهم العلم بأن الله تعالى موصوف بالحياة والعلم والقدرة والكلام؛ لتعبيرهم بالإرادة، ولم يقولوا: أشر يقع بمن في الأرض، والإرادة تستلزم هذه الصفات كلها.
الثاني: أنهم حذفوا الفاعل على جهة الأدب مع الله في نسبة الشر إليه؛ مع أن الكل من فعله وخلقه جل وعلا، وعمموا الإرادة، ولم يقولوا: أريد بنا، وحمل الزمخشري على ذلك عاقبة الأمر؛ أي لَا يعلم هل يختم لهم بالإيمان أو بالكفر، وهذا بناء منه على أنهم هدوا بعد ما آمنوا، وحمله ابن عطية على حالتهم تلك؛ أي لَا نعلم هل [يؤمن أهل الأرض*] أو يدوموا على كفرهم، وهم بناء على أنهم قالوا ذلك قبل أن يؤمنوا، أو تكون الآية حكاية حال [ماضية*]، وعبروا بالرشد؛ لأنه أخص، واستعمال الأخص في الثبوت أولى من الأعم، أو لأن ذلك كان في زمن النبوة حالة وجود المرشد إلى طريق الجنة، وأول الآية يقتضي عمومية الفاعل، والجهل بالمفعول وهو المراد، وآخرها وهو قوله تعالى: (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) يقتضي عمومية المفعول، وحذف الفاعل من الأول دون الثاني تأدبا مع الله تعالى في نسبة الخير إليه دون الشر، وإن كان الكل من فعله.
قوله تعالى: ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ... (١١)﴾
إن كان المعنى، ومنا المقاربون لهم فلا يكون تقسيما مستوفيا، وإن كان المعنى: ومنا الكافرون فيكون مستوفيا.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ... (١٢)﴾
ابن عطية والزمخشري: الظن هنا بمعنى العلم، انتهى؛ بل هو على بابه، ويدل على ذلك ثلاثة أمور:
الأول: أنه تقرر في علم أصول الدين الاختلاف فيمن يجزم بنفي الصفات عن البارئ تعالى، هل هو كافر أو لَا؟ [وكذلك*] أيضا من يشك فيها.
الثاني: أنهم اعتقدوا ذلك في أول أمرهم من غير جزمهم، ثم لما تمكن الإسلام في قلوبهم جزموا بذلك، فقالوا: [وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا*].
الثالث: أن الظن ليس متعلقا بعدم الإعجاز المطلق؛ بل يفيد كونه في الأرض فهم جزموا بأنهم لَا يعجزون الله تعالى بالإطلاق، وظنوا أنهم لَا يعجزونه في الأرض؛ أي جزموا أنه يهلكهم، وينتقم منهم، وظنوا [أنه*] إنما ينتقم منهم في الأرض كما نعلم أن الله يميت زيدا، ونشك هل يميته [بمكة*] أو بالمدينة أو بغيرهما.
قوله تعالى: (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا).
إما معطوف على (وَأَنَّا ظَنَنَّا) فلا يكون مظنونا بل [مستأنفا*]، وإما على أن (نُعْجِزَ اللَّهَ) فيكون مظنونا؛ أي وظننا أن لن نعجزه هربا، وفي الآية إبطال لمذهب الحكماء القائلين أن الجن جواهر مفارقة لَا متحيِّزةٌ ولا قائمةٌ [بالمتحيِّز*]، [فإن الهرب*] من عوارض الأجسام؛ إذ هو [انتقال*] بسرعة، وذلك عين الحركة.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى... (١٣)﴾
أي سبب الهدى.
قوله تعالى: (فَلا يَخَافُ).
الزمخشري: أي فهو لَا يخاف، قال: وفائدة تقرير الضمير الدلالة على تحقيق أن المؤمن ناج لَا محالة، وأنه هو المختص بذلك دون غيره، انتهى، يتقرر الأول بأن الشرط لما كان يصح ترتيب الأمر المحال عليه، قدر ذلك بما يدل على ثبوت عدم الخوف وتحقق الطمأنينة، وتقرير الثاني أن البناء على المضمر يفيد الاختصاص، فإِن قلت: لَا حاجة إلى المضمر؛ لأن الاختصاص مستفاد من مفهوم الشرط، قلت: يكون تأكيدا وتحقيقا، فإن قلت: البخس أعم فهلا اكتفى به عن الرهق، قلت: "البخس" للمؤمن المتقي، والرهق للفاسق، فلم يتحد المتعلق، [(فَلا يَخَافُ) *] إما نهي أو نفي، [فأما*] النهي [فظاهر*]، وأما النفي [فساقط*]، فإِن قلت: يلزم عليه الخلف في [الخبر*]، قلت: هو معلق على وصف مناسب [لمعانيه فثبت عدم الخوف*]، والآية في قراءة الشكل الأول وتقريره السامع للهدى آمن به، وكل من آمن به لَا يخاف بخسا، فالسامع للهدى لا يخاف بخسا.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ... (١٤)﴾
عبر أولا بالإيمان، وهنا بالأخص منه وهو الإسلام، كما في حديث [القَدَر*].
قوله تعالى: (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا).
قوله تعالى: (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا).
إما معطوف على (وَأَنَّا ظَنَنَّا) فلا يكون مظنونا بل [مستأنفا*]، وإما على أن (نُعْجِزَ اللَّهَ) فيكون مظنونا؛ أي وظننا أن لن نعجزه هربا، وفي الآية إبطال لمذهب الحكماء القائلين أن الجن جواهر مفارقة لَا متحيِّزةٌ ولا قائمةٌ [بالمتحيِّز*]، [فإن الهرب*] من عوارض الأجسام؛ إذ هو [انتقال*] بسرعة، وذلك عين الحركة.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى... (١٣)﴾
أي سبب الهدى.
قوله تعالى: (فَلا يَخَافُ).
الزمخشري: أي فهو لَا يخاف، قال: وفائدة تقرير الضمير الدلالة على تحقيق أن المؤمن ناج لَا محالة، وأنه هو المختص بذلك دون غيره، انتهى، يتقرر الأول بأن الشرط لما كان يصح ترتيب الأمر المحال عليه، قدر ذلك بما يدل على ثبوت عدم الخوف وتحقق الطمأنينة، وتقرير الثاني أن البناء على المضمر يفيد الاختصاص، فإِن قلت: لَا حاجة إلى المضمر؛ لأن الاختصاص مستفاد من مفهوم الشرط، قلت: يكون تأكيدا وتحقيقا، فإن قلت: البخس أعم فهلا اكتفى به عن الرهق، قلت: "البخس" للمؤمن المتقي، والرهق للفاسق، فلم يتحد المتعلق، [(فَلا يَخَافُ) *] إما نهي أو نفي، [فأما*] النهي [فظاهر*]، وأما النفي [فساقط*]، فإِن قلت: يلزم عليه الخلف في [الخبر*]، قلت: هو معلق على وصف مناسب [لمعانيه فثبت عدم الخوف*]، والآية في قراءة الشكل الأول وتقريره السامع للهدى آمن به، وكل من آمن به لَا يخاف بخسا، فالسامع للهدى لا يخاف بخسا.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ... (١٤)﴾
عبر أولا بالإيمان، وهنا بالأخص منه وهو الإسلام، كما في حديث [القَدَر*].
قوله تعالى: (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا).
الزمخشري: زعم من لَا يرى للجن ثوابا أن الله تعالى توعد القاسط بالعقاب، وما. وعد مسلميهم بالثواب، وكفى بقوله تعالى: (فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) [فذكر سبب*] الثواب وموجبه، والله أعدل من أن يعاقب القاسط، ولا يثبت الراشد، انتهى، وجوب ثواب الراشد عنده عقلا، وعندنا نحن شرعا، فإن قلت: ورد في الشرع ثواب الطائعين من الإنس ولم يرد ثواب الجن؟ قلت: هذه المسألة في أسئلة المازري سئل هل الجن مكلفون يثابون أو لَا؟ وأجاب بأنهم مكلفون بالطاعة ومثابون عليها، وكذا قال ابن عطية القضاعي في موازنة الأعمال، ويحتمل أن تكون الآية من حذف التقابل؛ أي (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) وكانوا منعمين في الجنة، (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ.. (١٥) فأولئك أساءوا وأجرموا (فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا).
قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ... (١٦)﴾
فسر بوجهين: إما أن المعنى لو أطاعوا وتمادوا على الطاعة لَأَسْقَيْنَاهُمْ، أو المراد لو عصوا وتمادوا على طريقة العصيان لَأَسْقَيْنَاهُمْ، وأعاد ابن عطية الضمير في استقاموا على الإنس، وأعاده الزمخشري على الجن، ورجح الفخر الأول لقوله (لَأَسْقَيْنَاهُمْ) والجن لَا يسقون، وإنما يتم له ذلك على مذهب من يقول عنهم روحانيون لَا يأكلون ولا يشربون، ومذهبنا نحن أنهم أجسام، يجوز أكلهم وشربهم، كما ورد في الحديث. فإن قلت: يترجح أن المراد بالاستقامة الطاعة كون الألف واللام في الطريقة للعهد، فالمراد طريق الحق؟ قلت: الطريقتان معهودتان، لقوله (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ)، وقال (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)، وإنَّمَا [يترجح كون المراد بالاستقامة*] الطاعة المتعدية بـ على المقتضية للاستيلاء والاستعلاء، فإِن قلت: يحتمل أن يكون المعنى: لو استقام الخلق كلهم على الطاعة لأسقيناهم ماء غدقا، يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم، كما ورد في الحديث: "لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، [وَلَجَاءَ*] بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ"، قلت: هذا لم يقله أحد، ويلزم عليه جعل الاستقامة سببا في الذنب، فإِن قلت: جعل الاستقامة وهي الطاعة على أحد [التقديرين*] سببا في السقيا، والسقيا سببا في الفتنة، فهي سبب السبب، مشكل إذ لَا يعقل كون الطاعة سببا في [الذنب، وفي الطاعة*]؛ لأن فيه تحصيل الحاصل، قلت: هي سبب؛ لأن بعض المسلمين يرتد عن دينه، ولا يدوم على الإسلام.
قوله تعالى: ﴿عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ... (١٧)﴾
قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ... (١٦)﴾
فسر بوجهين: إما أن المعنى لو أطاعوا وتمادوا على الطاعة لَأَسْقَيْنَاهُمْ، أو المراد لو عصوا وتمادوا على طريقة العصيان لَأَسْقَيْنَاهُمْ، وأعاد ابن عطية الضمير في استقاموا على الإنس، وأعاده الزمخشري على الجن، ورجح الفخر الأول لقوله (لَأَسْقَيْنَاهُمْ) والجن لَا يسقون، وإنما يتم له ذلك على مذهب من يقول عنهم روحانيون لَا يأكلون ولا يشربون، ومذهبنا نحن أنهم أجسام، يجوز أكلهم وشربهم، كما ورد في الحديث. فإن قلت: يترجح أن المراد بالاستقامة الطاعة كون الألف واللام في الطريقة للعهد، فالمراد طريق الحق؟ قلت: الطريقتان معهودتان، لقوله (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ)، وقال (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)، وإنَّمَا [يترجح كون المراد بالاستقامة*] الطاعة المتعدية بـ على المقتضية للاستيلاء والاستعلاء، فإِن قلت: يحتمل أن يكون المعنى: لو استقام الخلق كلهم على الطاعة لأسقيناهم ماء غدقا، يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم، كما ورد في الحديث: "لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، [وَلَجَاءَ*] بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ"، قلت: هذا لم يقله أحد، ويلزم عليه جعل الاستقامة سببا في الذنب، فإِن قلت: جعل الاستقامة وهي الطاعة على أحد [التقديرين*] سببا في السقيا، والسقيا سببا في الفتنة، فهي سبب السبب، مشكل إذ لَا يعقل كون الطاعة سببا في [الذنب، وفي الطاعة*]؛ لأن فيه تحصيل الحاصل، قلت: هي سبب؛ لأن بعض المسلمين يرتد عن دينه، ولا يدوم على الإسلام.
قوله تعالى: ﴿عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ... (١٧)﴾
الذكر إما الطاعة، فالمصدر مضاف للمفعول، أو الوحي فهو مضاف للفاعل [وهذا أخص، فهو على الأول معصية*]، [وعلى*] الثاني كفر، ويحتمل أن يكون أراد الذكر حقيقة. أي عن أن يذكر الله (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)، وفي الحديث: "وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ [مِنْهُمْ*] "؛ فيكون مضافا للفاعل.
قوله تعالى: (يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا).
إن أريد بالإعراض الكفر فظاهر، وإن أريد ما دونه من المعاصي فهو عام مخصوص؛ أي إن شئنا ذلك.
قوله تعالى: ﴿عَبْدُ اللَّهِ... (١٩)﴾
الزمخشري: عبر بهذا اللفظ، ولم يقل: قام الرسول أو النبي؛ لأنه واقع في كلام النبي، فعبر بما يقتضي التواضع والتذلل، انتهى، وهذا مسامحة؛ لأنه ليس من كلامه إنما هو [محكي*] عن الله تعالى، وإنما الجواب أنه على سبيل التعليم له ولأمته في تعبير المتكلم عن نفسه بما يقتضي التواضع، واختلفوا في معنى (يَدْعُوهُ) فقيل: في الصلاة، وقيل: خارجها، وعلى الثاني يكون من المسألة المختلف فيها؛ لأن مالكا كره في التنبيه الدعاء قائما، ومنهم من جعل (قام) من [أفعال المقاربة*] كأخذ وانظر [**التقريب لابن الجزري].
قوله (إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي... (٢٠).. لفظ الرب تنبيه على أن اختصاص الله تعالى بعض خلقه بالنبوة محض تفضل منه ورحمة.
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١)﴾
الزمخشري: أي لَا أستطيع أن أضركم [وأن أنفعكم*]، إنما الضار والنافع الله، [أو*] لا أستطيع أن [أقسركم على الغىّ*] والرشد، وإنما القادر على ذلك الله، انتهى، هذا اعتزال، والمعنى عندنا لَا أستطيع أن أخلق لكم ضررا أو نفعا إنما خالقهما الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿لَنْ يُجِيرَنِي... (٢٢)﴾
قوله تعالى: (يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا).
إن أريد بالإعراض الكفر فظاهر، وإن أريد ما دونه من المعاصي فهو عام مخصوص؛ أي إن شئنا ذلك.
قوله تعالى: ﴿عَبْدُ اللَّهِ... (١٩)﴾
الزمخشري: عبر بهذا اللفظ، ولم يقل: قام الرسول أو النبي؛ لأنه واقع في كلام النبي، فعبر بما يقتضي التواضع والتذلل، انتهى، وهذا مسامحة؛ لأنه ليس من كلامه إنما هو [محكي*] عن الله تعالى، وإنما الجواب أنه على سبيل التعليم له ولأمته في تعبير المتكلم عن نفسه بما يقتضي التواضع، واختلفوا في معنى (يَدْعُوهُ) فقيل: في الصلاة، وقيل: خارجها، وعلى الثاني يكون من المسألة المختلف فيها؛ لأن مالكا كره في التنبيه الدعاء قائما، ومنهم من جعل (قام) من [أفعال المقاربة*] كأخذ وانظر [**التقريب لابن الجزري].
قوله (إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي... (٢٠).. لفظ الرب تنبيه على أن اختصاص الله تعالى بعض خلقه بالنبوة محض تفضل منه ورحمة.
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١)﴾
الزمخشري: أي لَا أستطيع أن أضركم [وأن أنفعكم*]، إنما الضار والنافع الله، [أو*] لا أستطيع أن [أقسركم على الغىّ*] والرشد، وإنما القادر على ذلك الله، انتهى، هذا اعتزال، والمعنى عندنا لَا أستطيع أن أخلق لكم ضررا أو نفعا إنما خالقهما الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿لَنْ يُجِيرَنِي... (٢٢)﴾
إن قلت: لم نفاه بـ لن، ونفى ملكه [الضر*] بـ لا؟ والجواب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل وقت يستحضر الموت، ونظره إنما وقته الحالي، وليس له تعلق بالمستقبل بوجه، وملك الضر والرشد مضاف إليه، فنفى بـ لا التي هي غير صريحة في المستقبل، بل قد قيل: إنها [تنفي*] التي هي غير صريحة في الاستقبال، بل قد قيل: إنها تنفي الحال، ولما كان الذي [يجارُ منه هو الله تعالى*]، وكانت [الإجارة*] منسوبة إليه، [في الحال والاستقبال نفاه بـ لن*]، وأجيب أيضا لما كان ملك الضر والرشد مما قد يتوهم نسبته للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد رتبه عليه في الحال، لم يحتج إلى نفي [الإجارة*] من الله تعالى في الحال والاستقبال، نفي باللفظ العام، ولما كان صدور الذنب منه غير واقع في الحال، لم يحتج إلى نفي [الإجارة*] من الله تعالى في الحال، ثم نفى الاستقبال على تقدير فرض وقوعه قبل، وكذلك [بفرض*] وقوعه في الحال.
قوله تعالى: (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا).
النفي الأول تعلق ببني آدم، والثاني بغيرهم؛ أي لن أجد مكان أختفي فيه وألجأ إليه.
قوله تعالى: ﴿إِلَّا بَلَاغًا... (٢٣)﴾
الزمخشري: أي لن أجد من دونه ملجأ إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به، وقيل: لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات، والمعنى: إلا أن أبلغ عن الله، فأقول: قال الله كذا، ناسباً لقوله إليه، وأن أبلغ رسالاته التي أرسلني بها من غير زيادة ولا نقصان، انتهى.
إن قلت: يلزم عطف الشيء على نفسه، كان معناه عنده وتبليغ رسالته، قلت: إنما معناه عنده إلا أن أبلغ عنده بلاغا من الله أو من رسالاته؛ لأن الشرائع التي أمر بتبليغها لنا قسمان، منها ما تلقاه من الله مباشرة، ومنها ما حفظه بواسطة الملك.
قوله (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ... (٢٤).. إن قلت: ما معنى الغاية هنا، وحتى من جهة مخالفة [ما*] بعدها لَا قبلها فيلزم انقطاع الخلود برؤيتهم ما يوعدون مع أنه دائم؟ فالجواب أن المراد أن زمن الغيبة وهو الذي كانوا يوعدون فيه بالخلود في النار، وهي غائبة عنهم فينقطع برؤيتهم لها.
قوله تعالى: (فَسَيَعْلَمُونَ).
الفاء جواب إذا، والسين للتحقيق لَا للاستقبال؛ لأنهم إذ رأوا العذاب يحصل لهم العلم الحالي لَا الاستقبالي؛ إذ تقول هي للاستقبال. لأن الشرط مقدر الوقوع لا واقع.
قوله تعالى: (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا).
النفي الأول تعلق ببني آدم، والثاني بغيرهم؛ أي لن أجد مكان أختفي فيه وألجأ إليه.
قوله تعالى: ﴿إِلَّا بَلَاغًا... (٢٣)﴾
الزمخشري: أي لن أجد من دونه ملجأ إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به، وقيل: لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات، والمعنى: إلا أن أبلغ عن الله، فأقول: قال الله كذا، ناسباً لقوله إليه، وأن أبلغ رسالاته التي أرسلني بها من غير زيادة ولا نقصان، انتهى.
إن قلت: يلزم عطف الشيء على نفسه، كان معناه عنده وتبليغ رسالته، قلت: إنما معناه عنده إلا أن أبلغ عنده بلاغا من الله أو من رسالاته؛ لأن الشرائع التي أمر بتبليغها لنا قسمان، منها ما تلقاه من الله مباشرة، ومنها ما حفظه بواسطة الملك.
قوله (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ... (٢٤).. إن قلت: ما معنى الغاية هنا، وحتى من جهة مخالفة [ما*] بعدها لَا قبلها فيلزم انقطاع الخلود برؤيتهم ما يوعدون مع أنه دائم؟ فالجواب أن المراد أن زمن الغيبة وهو الذي كانوا يوعدون فيه بالخلود في النار، وهي غائبة عنهم فينقطع برؤيتهم لها.
قوله تعالى: (فَسَيَعْلَمُونَ).
الفاء جواب إذا، والسين للتحقيق لَا للاستقبال؛ لأنهم إذ رأوا العذاب يحصل لهم العلم الحالي لَا الاستقبالي؛ إذ تقول هي للاستقبال. لأن الشرط مقدر الوقوع لا واقع.
قوله تعالى: ﴿أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥)﴾
إن قلت: فيه عطف الأعم على الأخص، وهو غير جائز لما فيه من تقسيم إلى نفسه وإلى غيره، وجعل قسما الشيء قسيما، فالجواب أن في الكلام تقدير صفة أي أمرا بعيدا، وأجاب الزمخشري بأن المراد بقريب الزمن الحالي، [وبالأمد*] الاستقبالي، فليس من عطفه الأعم على الأخص؛ بل من عطف الشيء على غيره، فيلزمه المجاز في حمل القريب على الحال، ويلزمنا نحن الإضمار وهو خير من المجاز، فإِن قلت: ليس مراد الزمخشري بالقريب الحال بل الزمن الذي يتوقع في كل وقت حضوره، أي لا تدري أهذا الذي تدعون أواقع بكم ليس له حد محدود؛ [أم هو واقع في زمن متوقع حلوله بكم*] إذ له أمر لَا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه كأجل الدَّين الحالِّ مع الدَّين المؤجل، قلت: إن أردت بالقريب أنه مؤخر عن زمن الحال، فيتناوله لفظ [الأمد*]، وإن أردت به الحال؛ فيلزمك المجاز، ونفي العلم بقربه وبعده؛ فيستلزم نفي العلم بعين وقته؛ بخلاف العكس، ولفظ الرب مناسب لما تضمنته الآية من الرحمة والشفقة عليه.
قوله (فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦).. هذه الإضافة مجاز؛ لأن المضاف إليه يكتسي من المضاف إليه وصفا مناسبا بحق، [كقولك*] زيد صاحب عمرو [واكتسى*] منه وصف الصحبة، وكذا زيد ضارب عمرو، [اكتسى منه*] وصف الضرب، حسبما ذكر الفخر نحوه في [المحصول*] في إضافة أصول الفقه، فيلزم فيه أن يكون الغيب صفة لله وهو باطل، فإِن قلت: هو صفة له بمعنى أنه فاعله في قوم دون قوم؟ قلت:
إن قلت: فيه عطف الأعم على الأخص، وهو غير جائز لما فيه من تقسيم إلى نفسه وإلى غيره، وجعل قسما الشيء قسيما، فالجواب أن في الكلام تقدير صفة أي أمرا بعيدا، وأجاب الزمخشري بأن المراد بقريب الزمن الحالي، [وبالأمد*] الاستقبالي، فليس من عطفه الأعم على الأخص؛ بل من عطف الشيء على غيره، فيلزمه المجاز في حمل القريب على الحال، ويلزمنا نحن الإضمار وهو خير من المجاز، فإِن قلت: ليس مراد الزمخشري بالقريب الحال بل الزمن الذي يتوقع في كل وقت حضوره، أي لا تدري أهذا الذي تدعون أواقع بكم ليس له حد محدود؛ [أم هو واقع في زمن متوقع حلوله بكم*] إذ له أمر لَا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه كأجل الدَّين الحالِّ مع الدَّين المؤجل، قلت: إن أردت بالقريب أنه مؤخر عن زمن الحال، فيتناوله لفظ [الأمد*]، وإن أردت به الحال؛ فيلزمك المجاز، ونفي العلم بقربه وبعده؛ فيستلزم نفي العلم بعين وقته؛ بخلاف العكس، ولفظ الرب مناسب لما تضمنته الآية من الرحمة والشفقة عليه.
قوله (فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦).. هذه الإضافة مجاز؛ لأن المضاف إليه يكتسي من المضاف إليه وصفا مناسبا بحق، [كقولك*] زيد صاحب عمرو [واكتسى*] منه وصف الصحبة، وكذا زيد ضارب عمرو، [اكتسى منه*] وصف الضرب، حسبما ذكر الفخر نحوه في [المحصول*] في إضافة أصول الفقه، فيلزم فيه أن يكون الغيب صفة لله وهو باطل، فإِن قلت: هو صفة له بمعنى أنه فاعله في قوم دون قوم؟ قلت: