تفسير سورة الأنفال

الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾

قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَن الأنفال، قُلِ الأنفالُ لله والرَّسُول﴾:
روي عن (ابن عباس)، وعكرمة ومجاهد: أن هذا منسوخ بقوله:﴿واعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيءٍ فأَنَّ لله خُمُسَه﴾ [الأنفال: ٤١] - الآية -.
قال ابنُ عباس: الأنفال: الغنائم كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، ثم نسخها: ﴿واعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيءٍ﴾ - وقاله الضحاك والشعبي -.
وأكثرُ الناس على: أنها محكمة، واختلفوا في معناها:
فقال ابن عباس - في رواية عنه أخرى -: هي محكمةٌ وللإِمام أن يُنْفِلَ من الغنائم ما شاء (لمن يشاء) لبلاءٍ أبلاه وأن يُرْضخ لِمَن لم يقاتل إذا كان في ذلك صلاحٌ للمسلمين.
وقال عطاء والحسن: (هي أيضاً) محكمةٌ مخصوصةٌ في من شَذَّمن المشركين إلى المسلمين من عبدٍ أو أمَةٍ أو متاعٍ، أو دابة، فهو نفلللإِمام أن يصنع فيه ما يشاء.
وعن مجاهد (أيضاً) أنه قال: هي محكمةٌ، والأنفال: الخُمْسوذلك أنهم سألوا لِمَن هي؟ فأُجيبوا بهذا.
وقيل: الأنفالُ: أنفالُ السَّرايا.
وقال ابنُ المسيَّب: إنما يُنْفِلُ الإِمام من خُمس الخمس فللرسولسهمٌ، وهو خُمْسُ الخمس، وهو قول الشافعي.
وقال مالك: الأنفالُ من الخمس، وحكى منذر عنه مثلَ قولِالشافعي، وأراه وَهْماً.

﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾

قوله تعالى: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَومَئِذٍ دُبُرَه إلاّ مُتَحَرِّفاً لقتالٍ أوْ مُتَحَيِّزاً إلىفئةٍ﴾. الآية:
أوجب اللهُ لِمَنْ وَلَّى دُبُراً - في الزَّحْف والقتال - للمشركين الغضبَوالنارَ.
قال عطاء: هي منسوخةٌ بقوله: ﴿إن يَكُن مِنكُمْ عشرونَ صَابِرُونَيَغْلِبُوا مائَتَيْنِ، وإن يَكُن مِنكُم مائةٌ يغْلبُوا ألفاً﴾ [الأنفال: ٦٥]، ثم نَسَخ هذا كُلَّهوخَفَفَّه بقوله: ﴿فإن يَكُن مِنكُم مائةٌ صَابِرةٌ يَغْلِبُوا مائتَيْن وإِن يَكُن مِنكُمْ أَلفٌيَغْلِبُوا أَلْفَيْن﴾ [الأنفال: ٦٦]، فأباحَ أن يولُّوا من عددٍ (أكثرَ مِن مِثْلَيْهِمْ)، والنَّسخُ فيهذا لا يجوزُ لأنَّه وَعيد، والوعيد لا يُنْسَخُ لأنه خبرٌ، وعليه أَهلُ النَّظَر والفَهْم.
وقال الحسن: هي مخصوصةٌ في أهل بدر، وليس الفرار من الزحفمن الكبائر، إنما كان ذلك في أهل بدر خاصة.
وعن ابن عباس: أنها محكمةٌ وحكمُها باقٍ، والفرارُ من الزحف منالكبائر.
والصواب فيها: أنها محكمةٌ باقيةٌ على ما وقعَ عليه التَّخفيفُ الذي بَيَّنها وخصَّصها في آخر السورة، فالمعنى:
لا يفرَّ عددٌ من مثلي ذلك العدد أو أقل، فمن ولَّى دُبُرَه لعدد هو مثلا عددِه فأقل، فقد اكتسبَ كبيرةً، وقد توعَّده الله على ذلك بالغضب والنار.
ولم يُخْتَلَف في أن التوبةَ منه مقبولةٌ جائزة، لقوله: ﴿إنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ بهِ، ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء﴾ [النساء: ٤٨، ١١٦]، وقوله: ﴿إلاَّ مَن تابَ وآمَنَوَعَمِلَ صَالِحاً﴾ [مريم: ٦٠] - الآية - وقوله: ﴿يغفرُ الذُّنوبَ جميعاً﴾ [الزمر: ٥٣]، وقوله:﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥]، ولا يحبط الإِيمانَ إلاّ الشركُ.

﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنتَ فيهِمْ، وما كان اللهُ مُعَذِّبَهُموهُمْ يَسْتَغْفِرُون﴾:
قال الحسن: قولُه ﴿ومَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون﴾: منسوخٌ بقوله: ﴿ومَا لَهُمْ ألاَّ يُعَذِّبَهُم الله﴾ [الأنفال: ٣٤] - الآية -.
والذي عليه أَهلُ النظر ويوجِبُه ظاهرُ النَّص أَنَّ نسخَ هذا لا يجوز لأنه خبر. وعامة العلماء على أنه غيرُ منسوخ. والمعنى:
وما كان الله ليعذبَهم وهم يستغفرون، أي: لو استغفروا لم يُعَذِّبْهم الله، كما تقول: ضربتُكَ ولم تَشْتُمني، أي: إنما ضربتُكبعد أن شتمتني، ومنه قول الشاعر:
بأيدي رجالٍ لم يُشيموا سُيوفَهم * ولم يكثر القتلى بها حين سُلَّتِ
أي: إنما شاموها بعد أن كثرت القتلى، يقال: شِمْتُ السيفَ: إذاأغمدته وإذا سللته، فهو مدح، ولو حُمِلَ على غير هذا لصار هجواً. وهذا المعنى حسن لطيف.
وقال ابن عباس في معنى الآية: وما كان الله معدبَ الكفار جميعاً وقدعلم الله أن فيهم من يُسْلِم، وما لهم ألاّ يعذبهم الله إذا أسلم من قضيله بالإِسلام.
وقال مجاهد: معنى: وهم يستغفرون: يعني: يُسَلِّمون بما سبقلهم في علم الله بهم.
وقيل معناها: ما كان الله مُعَذِّبَهم في الدنيا وهم يستغفِرون، [لأنهمكانوا يقولون: غُفْرانَك غُفْرانَك، وما لهم أَلاَّ يُعَذِّبَهُم الله في الآخرة.
وقال الضحاك: معنى ﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون﴾] يريد به: المؤمنين من أهل مكة. وما لهم أَلاَّ يُعَذِّبَهُم الله: يعني الكفارَ منأهل مكة - جعل الضميريْن مختَلِفَيْن -.
وكُلُّ هذه الأقوال تدلُّ على أن الآيةَ محكمة لا نسخَ فيها.

﴿ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

قوله تعالى: ﴿واعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَه﴾ الآية:
قال قتادة: هذا ناسخٌ لقوله: ﴿مَا أفاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أهْلِالقُرَى﴾ [الحشر: ٧] - الآية -، وسنبيِّنُ ذلك في سورة الحشر - إن شاء الله تعالى -.

﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾

قوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾:
أمر الله نبيّه - صلى الله عليه وسلم - إن مال المشركونَ إلى الصُّلح (أن) يميل إلىذلك.
قال قتادة: نسخها: ﴿فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ [التوبة: ٥].
وقيل: نسخها: ﴿قَاتِلُوا الذينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالله﴾ [التوبة: ٢٩] الآية.
وعن ابن عباس أنه قال: نَسَخَها: ﴿فَلاَ تَهِنُوا وتَدْعُوا إلَى السَّلمِ وأنتُمُالأَعْلَوْنَ﴾ [محمد: ٣٥].
وقيل: الآية محكمةٌ غيرُ منسوخة، وأن الله أمر نبيّه في الأنفال أن يميلإلى الصلح إن مالوا هم إليه وابتدؤوه بذلك، ونهاه في سورة محمد - عليهالسلام - أن يبتديء بطلب الصلح منهم قبل أن يطلبوا هم ذلك منه.
فالآيتان محكمتان في معنيين مختلفين لا ينسخُ أَحدُهما الآخرَ.

﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾

قوله تعالى: ﴿إن يَكُن مِنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مائَتَيْنِ، وإِن يكُنمِنكُم مائةٌ يَغْلِبُوا أَلفاً مِنَ الذِينَ كَفَرُوا﴾.
فرضَ اللهُ - جلَّ ذكرُه - بهذا على الواحد أن يقفَ لِعشرة من المشركينفأقل، فشقَّ ذلك عليهم - فيما روي عن ابن عباس - قال: وكان هذا فيأول الإِسلام، والمسلمون عددُهم قليل، فلما كثروا خَفَّف الله عنهم، فنسخ ذلك بقوله: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٦]، إلى قوله: ﴿مَعَ الصَّابِرِين﴾ [الأنفال: ٦٦] ففرض الله على الواحد أن يقف لاثنين فأقل.
وقد قيل: إن هذا ليس بنسخ، وإنما هو تخفيفٌ ونقصٌ من العدد، وحكمُ الناسخ أن يرفعَ حكمَ المنسوخ كلَّه، ولم يرفع في هذا حكمالمنسوخ كله إنما نقص منه وخفف، وبقي باقيه على حكمه، ويدل علىهذا أن من وقف لعشرةٍ فأكثر فليس ذلك بحرامٍ عليه، بل هو مثابٌ مأجور، وقد بيَّنا ما يَرُدّ هذا القولَ (في ما) تقدم.

﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

قولُه تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسْرَى حتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾.
قال ابن عباس: هو منسوخٌ بقوله: ﴿فَإِمَّا مَنَّاً بعدُ وإمَّا فداءً﴾ [محمد: ٤]: وذلك أن هذا نزل والمسلمونَ قليلٌ، فَمُنِعَ النبي من الخيار في الأسرى، فلمَّاكَثُرَ المسلمون وتقوَّوا، أَنزل الله؛: ﴿فإمَّا مَنَّاً بعدُ وإِمّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤]فَخُيِّرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأسرى، فإن شاء قَتَلَ وإن شاء عفا وإن شاءاستعبد، وإن شاء فادى.
والذي يوجبه النظر وعليه جماعةٌ من العلماء: أن الآيةَ غيرُ منسوخة لأنه خبر والخبرُ لا ينسخ. والمعنى:
إن الله - جلّ ذكره - أَعلَم نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه ليس لنبيٍّ أن يكون له أسرىويترك القتلَ حتى يتمكَّن في فتح الأرض، فقد بيَّن في الآية أنه إنما مُنِعَ من ذلك إذا لم يُثْخِن في الأرض، فدلَّ الخطابُ أنه مباح إذا أثخَن فيالأرض أن يكون له أسرى وأن يترك القتل، فلما أثخنَ في الأرضوفتح الله له وتقوَّى الإِسلامُ ترك القتلَ، وكان له أسرى على ما فهم من الآية، ونزل: ﴿فَإِمَّا مَنَّاً بعدُ وإما فِداءً﴾ تأكيداً وبياناً لآية الأنفال.
فالآيتان في معنى واحد، وقد بيَّن الله ذلك في قوله: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمالّذِينَ كَفَرُوا فَضربَ الرِّقاب حتى إذا أثخنتموهم فَشُدُّوا الوَثاق فإما منَّاً بعدُوإما فداءً﴾ [محمد: ٤]، فأَمرَ اللهُ بضربِ رقاب المشركين فإذا كَثُرَ ذلك فيهموفشى - وهو الإِثخان - جاز ترك قتلهم، وأن يشدّ وثاقهم، ثم يفادي بينهمأو يمُنّ عليهم، وهو معنى آية الأنفال.

﴿ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾

قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً﴾:
أدخل المؤلفونَ للنَّاسخ والمنسوخ هذا فيه، وقالوا: هو ناسخٌ لماكان الله حرَّم على مَن كان قبلنا من أكل الغنائم، إنما كانت نارٌ تنزل منالسماء فتحرق الغنائم، وقد قال النبي عليه السلام: "لم تَحِلَّ لأحد قبلَنا"، ودلَّ على ذلك أنهم لما أسرعوا إلى أكل الغنائم قبل أن ينزل بذلك قرآنٌ عاتَبَهُم الله على ذلك وأباح لهم فعلَهم رحمةً منه لهموتفضّلاً عليهم، فنزل: ﴿لَولاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَق لَمَسَّكُم فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌعَظِيمٌ﴾ [الأنفال: ٦٨]، ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً﴾ [الأنفال: ٦٩]، والمعنى:
لولا أن الله قضى أن يُحِلَّ لكم الغنائم لَعوقبتم على أَخذِها.
وقيل المعنى: لولا أنه سبق في علم الله أَلاَّ يُعَذِّبَ أحداً إِلاَّ بعدالتقدم إليه لعاقَبَكُم اللهُ على أخذِكُم الغنائم [قبل إباحته إياها لَكُم].
وقيل معناه: لولا أنه سبق منه المغفرةُ (لأهل) بدرٍ لعاقَبَكُمعلى أخذِكُم للغنائم.
وقيل معناه: لولا أنه سبق في حكمه أن يغفر الصَّغائر لمن اجتنبَ الكبائرَ لعاقبكُم على أخذكم الغنائم.
قال أبو محمد: وقد كانَ يجب ألاَّ يضافَ هذا وشبهُه إلى الناسخوالمنسوخ لأنه لم ينسخ قرآناً، إنما نسخَ حكماً كان في من (كان) قبلَنا، والقرآنُ كُلُّه على هذا المعنى ناسخٌ لما كانوا عليه من شرائِعهم، ولِما أحدثوا (بغير) شرعٍ من الله لهم.

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

قوله تعالى: ﴿والّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيءٍحتَّى يُهَاجِرُوا﴾:
أوجبت هذه الآيةُ في ظاهرها أنّ (من) هاجر إليهم من المؤمنينحصلت له ولايتهم في الميراث؛ لقرابتِه وهجرتِه، ولا يرثُ بالقرابةِ إذالم يهاجر.
قال قتادة: نسخَ ذلك قولُه: ﴿وأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىبِبَعضٍ﴾ [الأنفال: ٧٥] قال: كان المسلمون يتوارثون بالهجرة، فكان الرَّجُلُ إذا أسلم ولم يهاجر لم يرث أخاه المسلمَ المهاجرَ، ولا يرث المسلمُ المهاجرُ أخاهالمسلم الذي لم يهاجر، فنسخَ ذلك بالآية المذكورة لمَّا انقضت الهجرةُ(وتوارثوا بالنَّسب حيث) كانوا بعد الفتح - وهو مروي عن ابن عباس -.
وقال ابن عباس: آخى النبي - عليه السلام - بين أصحابه فكانوايتوارثون بذلك، حتى (نزل قولُه) ﴿وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضفِى كِتَابِ الله﴾ [الأنفال: ٧٥] - الآية - فتوارثوا بالنَّسَب.
قال عكرمةُ: أقام الناسُ برهةً لا يرثُ الأعرابيُّ المهاجرَ من عصبته، ولا المهاجرُ الأعرابيَّ، حتى (نزل قولُه): ﴿وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ - الآية -.
قال أبو محمد: فَذِكْرُ هذه الآية - على قول قتادة - في الناسخوالمنسوخ حَسَنٌ؛ لأنه قرآنٌ نسخَ قرآناً، وذكرها - (على الأقوال الأُخَر) - لايلزم؛ لأنها لم تنسخ قرآناً؛ إنما نسخَتْ أَمراً كانوا عليه.

Icon