تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
أصحابه وهم ثلاث مئة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلّم القبلة، ثم مد يديه - وعليه رداؤه وإزاره - قال: «اللهم أين ما وعدتني، اللهم أنجزني ما وعدتني، اللهم إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلن تعبد في الأرض أبدا» قال: فما زال يستغيث ربه عز وجل ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ رداءه، فرداه ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله سبحانه وتعالى ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)﴾. الحديث أخرجه مسلم والترمذي وقال حسن صحيح غريب.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿يَسْئَلُونَكَ﴾؛ أي: يسألك يا محمد أصحابك - منهم سعد بن أبي وقاص - سؤال استفتاء أو سؤال طلب ﴿عَنِ الْأَنْفالِ﴾؛ أي: عن الغنائم يوم بدر لمن هي؟ أللشبان أم للشيوخ أو للمهاجرين هي؟ أم للأنصار أم لهم جميعا؟ وسميت الغنائم أنفالا لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم التي لم تحل لهم الغنائم؛ ولأنّها عطية من الله تعالى زائدة على الثواب الأخروي للجهاد، وقرأ سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وغيرهم ي ﴿سئلونك الأنفال﴾ بدون ﴿عَنِ﴾ ﴿قُلِ﴾ لهم يا محمد ﴿الْأَنْفالِ﴾ والغنائم يوم بدر ﴿لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾؛ أي: الحكم فيها لله سبحانه وتعالى، يحكم فيها بحكمه، وللرسول صلى الله عليه وسلّم، يقسمها بحسب حكم الله تعالى من غير أن يدخل فيه رأي أحد، وقد قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالسواء، وقد (١) بين الله سبحانه وتعالى بهذه الجملة أنّ أمرها مفوض إلى الله ورسوله، ثم بين مصارفها، وكيفية قسمتها، في آية الخمس: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ الآية. وللإمام أن ينفل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس، وقد روي عن سعد بن وقاص أنّه قال: قتل أخي عمير يوم بدر، فقتلت به سعيد بن العاص، وأخذت سيفه فأعجبني، فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فقلت: إن الله شفى
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿يَسْئَلُونَكَ﴾؛ أي: يسألك يا محمد أصحابك - منهم سعد بن أبي وقاص - سؤال استفتاء أو سؤال طلب ﴿عَنِ الْأَنْفالِ﴾؛ أي: عن الغنائم يوم بدر لمن هي؟ أللشبان أم للشيوخ أو للمهاجرين هي؟ أم للأنصار أم لهم جميعا؟ وسميت الغنائم أنفالا لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم التي لم تحل لهم الغنائم؛ ولأنّها عطية من الله تعالى زائدة على الثواب الأخروي للجهاد، وقرأ سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وغيرهم ي ﴿سئلونك الأنفال﴾ بدون ﴿عَنِ﴾ ﴿قُلِ﴾ لهم يا محمد ﴿الْأَنْفالِ﴾ والغنائم يوم بدر ﴿لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾؛ أي: الحكم فيها لله سبحانه وتعالى، يحكم فيها بحكمه، وللرسول صلى الله عليه وسلّم، يقسمها بحسب حكم الله تعالى من غير أن يدخل فيه رأي أحد، وقد قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالسواء، وقد (١) بين الله سبحانه وتعالى بهذه الجملة أنّ أمرها مفوض إلى الله ورسوله، ثم بين مصارفها، وكيفية قسمتها، في آية الخمس: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ الآية. وللإمام أن ينفل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس، وقد روي عن سعد بن وقاص أنّه قال: قتل أخي عمير يوم بدر، فقتلت به سعيد بن العاص، وأخذت سيفه فأعجبني، فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فقلت: إن الله شفى
(١) المراغي.
331
صدري من المشركين، فهب لي هذا السيف، فقال لي عليه الصلاة والسلام: «ليس هذا لي ولا لك، اطرحه في القبض» فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا سعد، سألتني السيف وليس لي، وقد صار لي فخذه». والحديث سبق في أسباب النزول.
وكان سبب نزول الآية (١): اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في يوم بدر كما سبق بيانه، فنزع الله ما غنموه من أيديهم وجعله لله والرسول فقال: ﴿قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾؛ أي: حكمها مختص بهما، يقسمها بينكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم على حسب ما أمره الله سبحانه به، وليس لكم حكم في ذلك.
وقد ذهب (٢) جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلّم خاصة، ليس لأحد فيها شيء، حتى نزل قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ...﴾ الآية. ثم أمرهم بالتقوى، وإصلاح ذات البين، وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما، وترك الاختلاف الذي وقع بينهم، فقال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى أيها المؤمنون في أخذ الغنائم، واتركوا المنازعة فيها؛ أي: فاجتنبوا ما كنتم فيه من المشاجرة والتنازع والاختلاف الموجب لسخط الله، لما فيه من المضار، ولا سيما في حال الحرب. ﴿وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾؛ أي: وأصلحوا الحال والشأن والمواصلة بينكم، بترك النزاع وتفويض أمر الغنائم إلى الله ورسوله؛ أي: وأصلحوا ما بينكم من الأحوال والشؤون، حتى تكون أحوال ألفة ومودة ومحبة واتفاق، وعبارة «البيضاوي» هنا؛ أي: وأصلحوا الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله تعالى، وتسليم أمره إلى الله والرسول. انتهت. وعبارة «الصاوي» هنا قوله: ﴿وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾؛ أي: الحالة التي بينكم، وهي الوصلة الإسلامية، فالمعنى: اتركوا النزاع والشحناء، والزموا المودة والمحبة بينكم، ليحصل النصر والخير لكم، انتهت. وهذا
وكان سبب نزول الآية (١): اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في يوم بدر كما سبق بيانه، فنزع الله ما غنموه من أيديهم وجعله لله والرسول فقال: ﴿قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾؛ أي: حكمها مختص بهما، يقسمها بينكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم على حسب ما أمره الله سبحانه به، وليس لكم حكم في ذلك.
وقد ذهب (٢) جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلّم خاصة، ليس لأحد فيها شيء، حتى نزل قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ...﴾ الآية. ثم أمرهم بالتقوى، وإصلاح ذات البين، وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما، وترك الاختلاف الذي وقع بينهم، فقال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى أيها المؤمنون في أخذ الغنائم، واتركوا المنازعة فيها؛ أي: فاجتنبوا ما كنتم فيه من المشاجرة والتنازع والاختلاف الموجب لسخط الله، لما فيه من المضار، ولا سيما في حال الحرب. ﴿وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾؛ أي: وأصلحوا الحال والشأن والمواصلة بينكم، بترك النزاع وتفويض أمر الغنائم إلى الله ورسوله؛ أي: وأصلحوا ما بينكم من الأحوال والشؤون، حتى تكون أحوال ألفة ومودة ومحبة واتفاق، وعبارة «البيضاوي» هنا؛ أي: وأصلحوا الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله تعالى، وتسليم أمره إلى الله والرسول. انتهت. وعبارة «الصاوي» هنا قوله: ﴿وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾؛ أي: الحالة التي بينكم، وهي الوصلة الإسلامية، فالمعنى: اتركوا النزاع والشحناء، والزموا المودة والمحبة بينكم، ليحصل النصر والخير لكم، انتهت. وهذا
(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
332
الإصلاح (١) واجب شرعا، وعليه تتوقف قوة الأمة وعزتها، وبه تحفظ وحدتها، روي عن عبادة بن الصامت قال: نزلت هذه الآية فينا معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من بين أيدينا، فجعله لرسوله، فقسمه بين المسلمين على السواء، وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله، وإصلاح ذات البين.
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿وَرَسُولَهُ﴾ صلى الله عليه وسلّم أيها المؤمنون في كل ما يأمر به وينهى عنه، ويقضى به ويحكم، فالله تعالى مالك أمركم، والرسول مبلغ عنه، ومبين لوحيه بالقول والفعل والحكم، وعلى هذه الطاعة تتوقف النجاة في الآخرة، والفوز بثوابها، والرسول صلى الله عليه وسلّم يطاع في اجتهاده في أمر الدنيا المتعلق بالمصالح العامة، ولا سيما في الشؤون الحربية؛ لأنّه القائد العام، فمخالفته تخل بالنظام، وتؤدي إلى الفوضى التي لا تقوم للأمة معها قائمة، ولأئمة المسلمين من حق الطاعة في تنفيذ الشرع، وإدارة شؤون الأمة، وقيادة الجند، ما كان له صلى الله عليه وسلّم بشرط عدم معصية الله تعالى، ومشاورة أولي الأمر، ثم قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: امتثلوا لهذه الأوامر الثلاثة إن كنتم مستمرين على الإيمان بالله؛ لأنّ هذه الأمور الثلاثة - التي هي تقوى الله وإصلاح ذات البين وطاعة الله والرسول - لا يكمل الإيمان بدونها، بل لا يثبت أصلا لمن لم يمتثلها؛ فإن من ليس بمتق وليس بمطيع لله ورسوله ليس بمؤمن.
أي: إن كنتم كاملي الإيمان.. فامتثلوا هذه الأوامر الثلاثة، إذ كمال الإيمان يقتضي ذلك الامتثال؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى أوجبه، فالمؤمن بالله حقا يكون من نفسه وازع يسوقه إلى الطاعة واتقاء المعاصي، إلا أن يعرض له ما يغلبه عليها أحيانا من ثورة شهوة، أو فورة غضب، ثم لا يلبث أن يفيء إلى أمر الله، ويتوب إليه مما عرض له.
٢ - ثم وصف الله تعالى المؤمنين بخمس صفات تدل على وجوب التقوى،
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿وَرَسُولَهُ﴾ صلى الله عليه وسلّم أيها المؤمنون في كل ما يأمر به وينهى عنه، ويقضى به ويحكم، فالله تعالى مالك أمركم، والرسول مبلغ عنه، ومبين لوحيه بالقول والفعل والحكم، وعلى هذه الطاعة تتوقف النجاة في الآخرة، والفوز بثوابها، والرسول صلى الله عليه وسلّم يطاع في اجتهاده في أمر الدنيا المتعلق بالمصالح العامة، ولا سيما في الشؤون الحربية؛ لأنّه القائد العام، فمخالفته تخل بالنظام، وتؤدي إلى الفوضى التي لا تقوم للأمة معها قائمة، ولأئمة المسلمين من حق الطاعة في تنفيذ الشرع، وإدارة شؤون الأمة، وقيادة الجند، ما كان له صلى الله عليه وسلّم بشرط عدم معصية الله تعالى، ومشاورة أولي الأمر، ثم قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: امتثلوا لهذه الأوامر الثلاثة إن كنتم مستمرين على الإيمان بالله؛ لأنّ هذه الأمور الثلاثة - التي هي تقوى الله وإصلاح ذات البين وطاعة الله والرسول - لا يكمل الإيمان بدونها، بل لا يثبت أصلا لمن لم يمتثلها؛ فإن من ليس بمتق وليس بمطيع لله ورسوله ليس بمؤمن.
أي: إن كنتم كاملي الإيمان.. فامتثلوا هذه الأوامر الثلاثة، إذ كمال الإيمان يقتضي ذلك الامتثال؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى أوجبه، فالمؤمن بالله حقا يكون من نفسه وازع يسوقه إلى الطاعة واتقاء المعاصي، إلا أن يعرض له ما يغلبه عليها أحيانا من ثورة شهوة، أو فورة غضب، ثم لا يلبث أن يفيء إلى أمر الله، ويتوب إليه مما عرض له.
٢ - ثم وصف الله تعالى المؤمنين بخمس صفات تدل على وجوب التقوى،
(١) المراغي.
333
وإصلاح ذات البين، وطاعة الله تعالى ورسوله، فقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: إنّما المؤمنون حقا المخلصون في إيمانهم هم الذين اجتمعت فيهم خمس خصال:
الأولى منها: ما ذكره بقوله: ﴿الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ﴾ ورقت وخافت ﴿قُلُوبُهُمْ﴾: من الله تعالى خوف عقاب، وهو خوف العصاة، وخوف الهيبة والعظمة وهو خوف الخواص، ولفظة إِنَّمَا تفيد الحصر، والمعنى: ليس المؤمنون الذين يخالفون الله ورسوله، ﴿إنّما﴾ المؤمنون الصادقون في إيمانهم هم الذين إذا ذكروا الله بقلوبهم وجلت قلوبهم؛ أي: خضعت وخافت ورقت قلوبهم؛ أي: فزعوا لعظمته وسلطانه، أو لوعده ووعيده، ومحاسبته لخلقه، والآية بمعنى قوله: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)﴾.
فإن قلت: إنّه سبحانه وتعالى قال في هذه الآية: ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ بمعنى خافت، وقال في آية أخرى ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾، فكيف الجمع بينهما؟.
قلت: لا منافاة بين هاتين الحالتين؛ لأن الوجل هو خوف العقاب، والاطمئنان إنما يكون من ثلج اليقين، وشرح الصدر بنور المعرفة والتوحيد، وهذا مقام الخوف والرجاء، وقد جمعا في آية واحدة، وهي قوله سبحانه وتعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ والمعنى: تقشعر جلودهم من خوف عقاب الله، ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند ذكر الله، ورجاء ثوابه، وهذا حاصل في قلب المؤمنين.
والثانية: ما ذكره بقوله: ﴿وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ﴾؛ أي: وإذا قرأت عليهم آيات القرآن المنزلة على خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلّم ﴿زادَتْهُمْ إِيمانًا﴾؛ أي: زادتهم تصديقا ويقينا في الإيمان، وقوة في الاطمئنان، ونشاطا في الأعمال؛ لأنّ تظاهر الأدلة، وتعاضد الحجج يوجد زيادة اليقين، فإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه كان مؤمنا بإحياء الله الموتى حين دعا ربه أن يريه كيف يحييها، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ فمقام الطمأنينية في الإيمان يزيد على ما دونه من
الأولى منها: ما ذكره بقوله: ﴿الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ﴾ ورقت وخافت ﴿قُلُوبُهُمْ﴾: من الله تعالى خوف عقاب، وهو خوف العصاة، وخوف الهيبة والعظمة وهو خوف الخواص، ولفظة إِنَّمَا تفيد الحصر، والمعنى: ليس المؤمنون الذين يخالفون الله ورسوله، ﴿إنّما﴾ المؤمنون الصادقون في إيمانهم هم الذين إذا ذكروا الله بقلوبهم وجلت قلوبهم؛ أي: خضعت وخافت ورقت قلوبهم؛ أي: فزعوا لعظمته وسلطانه، أو لوعده ووعيده، ومحاسبته لخلقه، والآية بمعنى قوله: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)﴾.
فإن قلت: إنّه سبحانه وتعالى قال في هذه الآية: ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ بمعنى خافت، وقال في آية أخرى ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾، فكيف الجمع بينهما؟.
قلت: لا منافاة بين هاتين الحالتين؛ لأن الوجل هو خوف العقاب، والاطمئنان إنما يكون من ثلج اليقين، وشرح الصدر بنور المعرفة والتوحيد، وهذا مقام الخوف والرجاء، وقد جمعا في آية واحدة، وهي قوله سبحانه وتعالى: ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ والمعنى: تقشعر جلودهم من خوف عقاب الله، ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند ذكر الله، ورجاء ثوابه، وهذا حاصل في قلب المؤمنين.
والثانية: ما ذكره بقوله: ﴿وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ﴾؛ أي: وإذا قرأت عليهم آيات القرآن المنزلة على خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلّم ﴿زادَتْهُمْ إِيمانًا﴾؛ أي: زادتهم تصديقا ويقينا في الإيمان، وقوة في الاطمئنان، ونشاطا في الأعمال؛ لأنّ تظاهر الأدلة، وتعاضد الحجج يوجد زيادة اليقين، فإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه كان مؤمنا بإحياء الله الموتى حين دعا ربه أن يريه كيف يحييها، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ فمقام الطمأنينية في الإيمان يزيد على ما دونه من
334
الإيمان المطلق قوة وكمالا، قيل: والمراد بزيادة الإيمان: هو زيادة انشراح الصدر، وطمأنينة القلب، وانثلاج الخاطر عند تلاوة الآيات. وقيل: المراد بزيادة الإيمان: زيادة العمل؛ لأنّ الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، والآيات المتكاثرة، والأحاديث المتواترة ترد ذلك وتدفعه، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان». ففي هذا الحديث دليل على أنّ الإيمان فيه أعلى وأدنى، وإذا كان كذلك.. كان قابلا للزيادة والنقص، ويروى أن عليا المرتضى قال: لو كشف عني الحجاب ما ازددت يقينا، والعلم التفصيلي في الإيمان أقوى من العلم الإجمالي، فمن آمن بأن لله علما محيطا بالمعلومات، وحكمة قام بها نظام الأرض والسموات، ورحمة وسعت جميع المخلوقات، ويعلم ذلك علما إجماليا، ولو سألته أنّ يبين لك شواهده في الخلق.. لعجز، لا يوزن إيمانه إيمان صاحب العلم التفصيلي بسنن الله في الكائنات في كل نوع من أنواع المخلوقات، ولا سيما في العصور الحديثة، التي اتسعت فيها معارف البشر بهذه السنن، فعرفوا منها ما لم يكن يخطر عشر معشاره لأحد من العلماء في القرون الخوالي، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: في وصف ﴿الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ في غزوة أحد ﴿الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيمانًا وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)﴾، وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِمْ﴾.
والثالثة: ما ذكره بقوله: ﴿وَعَلى رَبِّهِمْ﴾ ومالك أمرهم لا على غيره ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾؛ أي: يعتمدون بالكلية، وينقطعون بالكلية عما سوى الله تعالى؛ أي: إنّهم يتوكلون على ربهم وحده، لا يفوضون أمرهم إلى غيره، فمن كان موقنا بأن الله هو المدبر لأموره وأمور العالم كله.. لا يمكن منه أن يكل شيئا منها إلى غيره، فلا يعتمد على مال، ولا على عمل، ولا يخاف من غيره.
واعلم: أن هذه الخصال الثلاث - أعني الوجل عند ذكر الله، وزيادة
والثالثة: ما ذكره بقوله: ﴿وَعَلى رَبِّهِمْ﴾ ومالك أمرهم لا على غيره ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾؛ أي: يعتمدون بالكلية، وينقطعون بالكلية عما سوى الله تعالى؛ أي: إنّهم يتوكلون على ربهم وحده، لا يفوضون أمرهم إلى غيره، فمن كان موقنا بأن الله هو المدبر لأموره وأمور العالم كله.. لا يمكن منه أن يكل شيئا منها إلى غيره، فلا يعتمد على مال، ولا على عمل، ولا يخاف من غيره.
واعلم: أن هذه الخصال الثلاث - أعني الوجل عند ذكر الله، وزيادة
335
الإيمان عند تلاوة القرآن، والتوكل على الله - من أعمال القلوب، والصفتان الباقيتان من أعمال الجوارح، كما سترى قريبا.
واعلم: أنّه إذا كان الشرع والعقل حاكمين بأن للإنسان كسبا اختياريا كلفه الله العمل به، وأنه يجازى على عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.. وجب على الإنسان أن يسعى في تدبير أمور نفسه بحسب ما وضعه الله تعالى في نظام الأسباب وارتباطها بالمسببات، وأنّ هذا الارتباط لم يكن إلا بتسخير الله تعالى وأما ما يناله باستعمالها فهو فضل من الله تعالى الذي سخرها وجعلها أسبابا، وعلمه ذلك، وأن ما لا يعرف له سبب يطلب به، فالمؤمن يتوكل على الله وحده، وإليه يتوجه فيما يطلبه منه، أما ترك الأسباب وتنكب سنن الله في الخلق.. فهو جهل بالله وجهل بدينه، وجهل بسننه التي لا تتبدل ولا تتحول.
٣ - والرابعة: ما ذكره بقوله: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ وهذا الموصول في محل رفع على أنّه وصف للموصول قبله، أو بدل منه، أو بيان له، أو في محل نصب على المدح، وخص إقامة الصلاة والصدقة لكونهما أصل الخير وأساسه، يعني: يقيمون الصلاة المفروضة بحدودها وأركانها في أوقاتها؛ أي: يؤدونها مقومة كاملة في صورتها وأركانها الظاهرة من قيام، وركوع، وسجود، وقراءة، وذكر، وفي معناها وروحها الباطن من خشوع وخضوع، في مناجاة الرحمن، واتعاظ وتدبر في تلاوة القرآن، وبهذا كله تحصل ثمرة الصلاة من الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.
والخامسة: ما ذكره بقوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾؛ أي: وينفقون بعض ما رزقناهم في وجوه البر، من الزكاة المفروضة، والحج والجهاد، والنفقات الواجبة والمندوبة للأقربين، والمحتاجين، وفي مصالح الأمة ومرافقها العامة، التي بها يعلو شأنها بين الأمم، ويكون عليه تقدمها وعمرانها.
٤ - ﴿أُولئِكَ﴾ الموصوفون بالصفات الخمس المذكورة ﴿هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إيمانا ﴿حَقًّا﴾ لا شك في إيمانهم؛ لأنهم حققوا إيمانهم بضم الأعمال القلبية والقالبية إليه.
واعلم: أنّه إذا كان الشرع والعقل حاكمين بأن للإنسان كسبا اختياريا كلفه الله العمل به، وأنه يجازى على عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.. وجب على الإنسان أن يسعى في تدبير أمور نفسه بحسب ما وضعه الله تعالى في نظام الأسباب وارتباطها بالمسببات، وأنّ هذا الارتباط لم يكن إلا بتسخير الله تعالى وأما ما يناله باستعمالها فهو فضل من الله تعالى الذي سخرها وجعلها أسبابا، وعلمه ذلك، وأن ما لا يعرف له سبب يطلب به، فالمؤمن يتوكل على الله وحده، وإليه يتوجه فيما يطلبه منه، أما ترك الأسباب وتنكب سنن الله في الخلق.. فهو جهل بالله وجهل بدينه، وجهل بسننه التي لا تتبدل ولا تتحول.
٣ - والرابعة: ما ذكره بقوله: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ وهذا الموصول في محل رفع على أنّه وصف للموصول قبله، أو بدل منه، أو بيان له، أو في محل نصب على المدح، وخص إقامة الصلاة والصدقة لكونهما أصل الخير وأساسه، يعني: يقيمون الصلاة المفروضة بحدودها وأركانها في أوقاتها؛ أي: يؤدونها مقومة كاملة في صورتها وأركانها الظاهرة من قيام، وركوع، وسجود، وقراءة، وذكر، وفي معناها وروحها الباطن من خشوع وخضوع، في مناجاة الرحمن، واتعاظ وتدبر في تلاوة القرآن، وبهذا كله تحصل ثمرة الصلاة من الانتهاء عن الفحشاء والمنكر.
والخامسة: ما ذكره بقوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾؛ أي: وينفقون بعض ما رزقناهم في وجوه البر، من الزكاة المفروضة، والحج والجهاد، والنفقات الواجبة والمندوبة للأقربين، والمحتاجين، وفي مصالح الأمة ومرافقها العامة، التي بها يعلو شأنها بين الأمم، ويكون عليه تقدمها وعمرانها.
٤ - ﴿أُولئِكَ﴾ الموصوفون بالصفات الخمس المذكورة ﴿هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إيمانا ﴿حَقًّا﴾ لا شك في إيمانهم؛ لأنهم حققوا إيمانهم بضم الأعمال القلبية والقالبية إليه.
336
روى الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، أنّه مر برسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال له: «كيف أصبحت يا حارثة؟» قال: أصبحت مؤمنا حقا، قال: «انظر ماذا تقول يا حارثة؟ فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟» فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: «يا حارثة عرفت فالزم» ثلاثا.
وروي عن الحسن أنّ رجلا سأله: أمؤمن أنت؟ قال: الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والجنة والنار، والبعث والحساب.. فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ...﴾ الخ فو الله لا أدري أنا منهم أم لا.
وبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى أوصافهم، ذكر جزاءهم عند ربهم فقال: ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لهؤلاء الموصوفين بالصفات السابقة ﴿دَرَجاتٌ﴾ من الكرامة والزلفى، ومراتب متفاوتة، بعضها فوق بعض بحسب تفاوتهم في الإيمان، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن في الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين مئة عام» أخرجه الترمذي.
وله أيضا عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنة مئة درجة، لو أنّ العالمين اجتمعوا في إحداهن.. لوسعتهم مدخرة لهم ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ الذي خلقهم وسواهم، وهو القادر على جزائهم على أعمالهم الصالحة في دار الجزاء والثواب، والله تعالى فضل بعض الناس على بعض، ورفعهم درجة أو درجات في الدنيا وفي الآخرة، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠)﴾ وقال تعالى في الرسل: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ﴾.
الآية. وقال في درجات الدنيا وحدها: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)﴾.
وروي عن الحسن أنّ رجلا سأله: أمؤمن أنت؟ قال: الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والجنة والنار، والبعث والحساب.. فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ...﴾ الخ فو الله لا أدري أنا منهم أم لا.
وبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى أوصافهم، ذكر جزاءهم عند ربهم فقال: ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لهؤلاء الموصوفين بالصفات السابقة ﴿دَرَجاتٌ﴾ من الكرامة والزلفى، ومراتب متفاوتة، بعضها فوق بعض بحسب تفاوتهم في الإيمان، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن في الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين مئة عام» أخرجه الترمذي.
وله أيضا عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنة مئة درجة، لو أنّ العالمين اجتمعوا في إحداهن.. لوسعتهم مدخرة لهم ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ الذي خلقهم وسواهم، وهو القادر على جزائهم على أعمالهم الصالحة في دار الجزاء والثواب، والله تعالى فضل بعض الناس على بعض، ورفعهم درجة أو درجات في الدنيا وفي الآخرة، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠)﴾ وقال تعالى في الرسل: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ﴾.
الآية. وقال في درجات الدنيا وحدها: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥)﴾.
337
وفي كونها عنده سبحانه وتعالى زيادة تشريف لهم، وتكريم وتعظيم وتفخيم.
﴿وَ﴾ لهم ﴿مَغْفِرَةٌ﴾ من الله سبحانه وتعالى لذنوبهم التي سبقت وصولهم إلى درجات الكمال ﴿وَ﴾ لهم ﴿رِزْقٌ كَرِيمٌ﴾؛ أي: ثواب حسن في الجنة، مقرون بالإكرام والتعظيم، خال عن كد الاكتساب وخوف الحساب، وهو ما أعد الله سبحانه وتعالى لهم من نعيم الجنة، من لذيذ المآكل والمشارب، وهناء العيش، والكريم تصف به العرب كل شيء حسن، لا قبح فيه ولا شكوى.
٥ - والكاف في قوله: ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾ خبر لمبتدأ محذوف جوازا تقديره: الأمر والشأن كائن كما أخرجك ربك، و ﴿ما﴾ مصدرية؛ أي: قضاء الله وأمره وشأنه كائن كإخراجه إياك من بيتك في المدينة، حال كونك ملتبسا بالحق والوحي ﴿وَ﴾ الحال ﴿إِنَّ فَرِيقًا﴾ وجماعة ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ﴾ ذلك الخروج، لعدم استعدادهم له بالعدد والعدد، وقيل: إن الكاف اسم بمعنى مثل واقعة خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: حالهم في كراهة ما رأيت من تنفل جميع الغزاة بالسوية، مثل حالهم في كراهة خروجهم للحرب؛ أي فكراهتهم لقسمة الغنيمة على السوية مثل كراهتهم لقتال قريش.
والحاصل: أنه وقع للمسلمين في وقعة بدر كراهتان:
كراهة قسمة الغنيمة على السوية، وهذه الكراهة من شبابهم فقط، وهي الداعي الطبيعي، ولتأولهم بأنّهم باشروا القتال دون الشيوخ.
والكراهة الثانية: كراهة قتال قريش، وعذرهم فيها أنّهم خرجوا من المدينة ابتداء لقصد الغنيمة، ولم يتهيؤوا للقتال، فكان ذلك سبب كراهتهم للقتال، فشبه إحدى الحالتين بالأخرى في مطلق الكراهة.
وقيل: إن التشبيه واقع بين إخراجين؛ أي: إخراج ربك إياك من بيتك في مكة بالحق والوحي، وأنت كاره للخروج، وكان عاقبة ذلك الإخراج الظفر والنصر، والخير كائن، كإخراجه إياك - وبعض المؤمنين - من بيتك في المدينة بالحق والوحي في أنّه يكون عقب ذلك الخروج الثاني الظفر والنصر والخير، كما
﴿وَ﴾ لهم ﴿مَغْفِرَةٌ﴾ من الله سبحانه وتعالى لذنوبهم التي سبقت وصولهم إلى درجات الكمال ﴿وَ﴾ لهم ﴿رِزْقٌ كَرِيمٌ﴾؛ أي: ثواب حسن في الجنة، مقرون بالإكرام والتعظيم، خال عن كد الاكتساب وخوف الحساب، وهو ما أعد الله سبحانه وتعالى لهم من نعيم الجنة، من لذيذ المآكل والمشارب، وهناء العيش، والكريم تصف به العرب كل شيء حسن، لا قبح فيه ولا شكوى.
٥ - والكاف في قوله: ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾ خبر لمبتدأ محذوف جوازا تقديره: الأمر والشأن كائن كما أخرجك ربك، و ﴿ما﴾ مصدرية؛ أي: قضاء الله وأمره وشأنه كائن كإخراجه إياك من بيتك في المدينة، حال كونك ملتبسا بالحق والوحي ﴿وَ﴾ الحال ﴿إِنَّ فَرِيقًا﴾ وجماعة ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ﴾ ذلك الخروج، لعدم استعدادهم له بالعدد والعدد، وقيل: إن الكاف اسم بمعنى مثل واقعة خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: حالهم في كراهة ما رأيت من تنفل جميع الغزاة بالسوية، مثل حالهم في كراهة خروجهم للحرب؛ أي فكراهتهم لقسمة الغنيمة على السوية مثل كراهتهم لقتال قريش.
والحاصل: أنه وقع للمسلمين في وقعة بدر كراهتان:
كراهة قسمة الغنيمة على السوية، وهذه الكراهة من شبابهم فقط، وهي الداعي الطبيعي، ولتأولهم بأنّهم باشروا القتال دون الشيوخ.
والكراهة الثانية: كراهة قتال قريش، وعذرهم فيها أنّهم خرجوا من المدينة ابتداء لقصد الغنيمة، ولم يتهيؤوا للقتال، فكان ذلك سبب كراهتهم للقتال، فشبه إحدى الحالتين بالأخرى في مطلق الكراهة.
وقيل: إن التشبيه واقع بين إخراجين؛ أي: إخراج ربك إياك من بيتك في مكة بالحق والوحي، وأنت كاره للخروج، وكان عاقبة ذلك الإخراج الظفر والنصر، والخير كائن، كإخراجه إياك - وبعض المؤمنين - من بيتك في المدينة بالحق والوحي في أنّه يكون عقب ذلك الخروج الثاني الظفر والنصر والخير، كما
338
كانت عقيب ذلك الخروج الأول، وقيل: المعنى الأنفال ثابتة لله ثبوتا بالحق والوحي، كثبوت إخراجك من بيتك بالمدينة بالحق والوحي، والحال: إنّ فريقا وطائفة من المؤمنين لكارهون ذلك الخروج.
وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام - وفيها تجارة عظيمة ومعه أربعون راكبا، منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص وعمرو بن هشام - فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأخبر المسلمين، فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير وقلة القوم، فلما خرجوا وبلغوا وادي دقران - بوزن سلمان وهو قريب من الصفراء - نزل عليه صلى الله عليه وسلّم جبريل فقال: يا محمد، إن الله وعدكم إحدى الطائفتين، إما العير وإما قريشا، فاستشار النبي أصحابه فقال: «ما تقولون؟ إنّ القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول، فالعير أحب إليكم أم النفير؟» - وهو اسم عسكر مجتمع - فقالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدو، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم ردد عليهم فقال: «إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل؛ أي: بجمع أهل مكة، ومضى إلى بدر» فقالوا: يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقام عند ذلك أبو بكر وعمر، فأحسنا في القول، ثم قال سعد بن عبادة فقال: انظر أمرك فامض، فو الله لو سرت إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار، ثم قال مقداد بن عمرو: يا رسول الله، امض كما أمرك ربك، فإنا معك حيثما أحببت، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت عين منا تطرف، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم قال: «أشيروا علي أيها الناس» فقال سعد بن معاذ: امض يا رسول الله لما أردت، فو الله الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا، وإنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبسطه قول سعد، ثم قال صلى الله عليه وسلّم: «سيروا على بركة الله وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم».
وحاصل المعنى: أنّ الأنفال لله يحكم فيها بالحق، ولرسوله يقسمها بين من
وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام - وفيها تجارة عظيمة ومعه أربعون راكبا، منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص وعمرو بن هشام - فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأخبر المسلمين، فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير وقلة القوم، فلما خرجوا وبلغوا وادي دقران - بوزن سلمان وهو قريب من الصفراء - نزل عليه صلى الله عليه وسلّم جبريل فقال: يا محمد، إن الله وعدكم إحدى الطائفتين، إما العير وإما قريشا، فاستشار النبي أصحابه فقال: «ما تقولون؟ إنّ القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول، فالعير أحب إليكم أم النفير؟» - وهو اسم عسكر مجتمع - فقالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدو، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم ردد عليهم فقال: «إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل؛ أي: بجمع أهل مكة، ومضى إلى بدر» فقالوا: يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقام عند ذلك أبو بكر وعمر، فأحسنا في القول، ثم قال سعد بن عبادة فقال: انظر أمرك فامض، فو الله لو سرت إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار، ثم قال مقداد بن عمرو: يا رسول الله، امض كما أمرك ربك، فإنا معك حيثما أحببت، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت عين منا تطرف، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم قال: «أشيروا علي أيها الناس» فقال سعد بن معاذ: امض يا رسول الله لما أردت، فو الله الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا، وإنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبسطه قول سعد، ثم قال صلى الله عليه وسلّم: «سيروا على بركة الله وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم».
وحاصل المعنى: أنّ الأنفال لله يحكم فيها بالحق، ولرسوله يقسمها بين من
339
جعل الله لهم الحق فيها بالسوية، وإن كره ذلك بعض المتنازعين فيها ممن كانوا يرون أنّهم أحق بها، كما يكرهون إخراج ربك إياك من بيتك بالحق للقاء إحدى الطائفتين من المشركين، وقد كان كثير من المؤمنين كارهين لذلك، لعدم استعدادهم للقتال، ولقلة عددهم، وقلة سلاحهم، وكثرة عدوهم وسلاحهم،
٦ - ﴿يُجادِلُونَكَ﴾؛ أي: يجادلك يا محمد المؤمنون وينازعونك ﴿فِي الْحَقِّ﴾؛ أي: في القتال وتلقي النفير لإيثارهم عليه تلقي العير كراهية للقاء المشركين، وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا لهم ﴿بَعْدَ ما تَبَيَّنَ﴾؛ أي: بعد أن ظهر لهم الحق الذي هو القتال بإخبارك أنّهم سينصرون أينما توجهوا، وبعد ما أمرت به، ويقولون: ما كان خروجنا إلا للعير، وهلا قلت لنا وأخبرته أولا لنستعد ونتأهب له، وما كان هذا إلا لكراهتهم للقتال، إذ أنّهم كانوا في حال ضعف، فكان من حكمة الله أو وعدهم أولا إحدى طائفتي قريش تكون لهم على طريق الإبهام لا على طريق التعيين، فتعلقت آمالهم بطائفة العير القادمة من الشام؛ لأنّها كسب عظيم لا مشقة في إحرازه لضعف الحامية، فلما ظهر لهم أنّها فاتتهم ونجت - إذ ذهبت من طريق سيف البحر، طريق الشاطىء - وأن طائفة النفير خرجت من مكة بكل ما لدى قريش من قوة، وأنّها قد قربت منهم، ووجب عليهم قتالها، إذ تبين أنّها هي الطائفة التي وعدهم الله تعالى بالنصر عليها.. صعب على بعضهم لقاؤها على قلتهم وكثرتها، وضعفهم وقوتها، وعدم استعدادهم للقتال كاستعدادها، وطفقوا يعتذرون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم بأنّهم لم يخرجوا إلا للعير؛ لأنّه لم يذكر لهم قتالا فيستعدوا له.
ولكن الحق تبين بحيث لم يبق للجدل فيه وجه.. فلا ينبغي أن يقال: إنّ طائفة العير هي مراد الله؛ لأنّها نجت، ولا بأن يقال: إننا لم نعد للقتال عدته؛ لأنّه مهما تكن حالها فلا بد من الظفر بها لوعد الله به، فإذا لا وجه للجدل إلا الجبن والخوف من القتال، وقرأ عبد الله ﴿بعد ما بين﴾ بضم الباء من غير تاء، وفي قوله: ﴿بَعْدَ ما تَبَيَّنَ﴾ إنكار عظيم عليهم؛ لأن من جادل في شيء لم يتضح.. كان أخف عتبا، أما من نازع في أمر واضح.. فهو جدير باللوم والإنكار.
٦ - ﴿يُجادِلُونَكَ﴾؛ أي: يجادلك يا محمد المؤمنون وينازعونك ﴿فِي الْحَقِّ﴾؛ أي: في القتال وتلقي النفير لإيثارهم عليه تلقي العير كراهية للقاء المشركين، وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا لهم ﴿بَعْدَ ما تَبَيَّنَ﴾؛ أي: بعد أن ظهر لهم الحق الذي هو القتال بإخبارك أنّهم سينصرون أينما توجهوا، وبعد ما أمرت به، ويقولون: ما كان خروجنا إلا للعير، وهلا قلت لنا وأخبرته أولا لنستعد ونتأهب له، وما كان هذا إلا لكراهتهم للقتال، إذ أنّهم كانوا في حال ضعف، فكان من حكمة الله أو وعدهم أولا إحدى طائفتي قريش تكون لهم على طريق الإبهام لا على طريق التعيين، فتعلقت آمالهم بطائفة العير القادمة من الشام؛ لأنّها كسب عظيم لا مشقة في إحرازه لضعف الحامية، فلما ظهر لهم أنّها فاتتهم ونجت - إذ ذهبت من طريق سيف البحر، طريق الشاطىء - وأن طائفة النفير خرجت من مكة بكل ما لدى قريش من قوة، وأنّها قد قربت منهم، ووجب عليهم قتالها، إذ تبين أنّها هي الطائفة التي وعدهم الله تعالى بالنصر عليها.. صعب على بعضهم لقاؤها على قلتهم وكثرتها، وضعفهم وقوتها، وعدم استعدادهم للقتال كاستعدادها، وطفقوا يعتذرون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم بأنّهم لم يخرجوا إلا للعير؛ لأنّه لم يذكر لهم قتالا فيستعدوا له.
ولكن الحق تبين بحيث لم يبق للجدل فيه وجه.. فلا ينبغي أن يقال: إنّ طائفة العير هي مراد الله؛ لأنّها نجت، ولا بأن يقال: إننا لم نعد للقتال عدته؛ لأنّه مهما تكن حالها فلا بد من الظفر بها لوعد الله به، فإذا لا وجه للجدل إلا الجبن والخوف من القتال، وقرأ عبد الله ﴿بعد ما بين﴾ بضم الباء من غير تاء، وفي قوله: ﴿بَعْدَ ما تَبَيَّنَ﴾ إنكار عظيم عليهم؛ لأن من جادل في شيء لم يتضح.. كان أخف عتبا، أما من نازع في أمر واضح.. فهو جدير باللوم والإنكار.
﴿كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ﴾؛ أي: يجادلونك في الحق حالة كونهم لشدة ما بهم من جزع ورهب، يساقون بعنف وشدة وقهر إلى موت محقق لا مهرب منه، لوجود أماراته وأسبابه، حتى كأنّهم ينظرون إليه بأعينهم، إذ ما بين حالهم وحال عدوهم، من التفاوت في القوة والعدد، والخيل والزاد، قاض بذلك، ولكن الله تعالى وعد رسوله والمؤمنين بالظفر والنصر عليهم ووعده لا يتخلف.
وأما هذه الأسباب العادية فكثيرا ما تتخلف: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ الذي بيده كل شيء، وهو القادر على كل شيء، وهكذا أنجز الله وعده لرسوله والمؤمنين، وكان لهم الظفر والفوز على عدوهم، وكان هذا نصرا مؤزرا للمسلمين على المشركين، وبه علا ذكرهم في البلاد العربية، وهابهم قاصيها ودانيها.
٧ - ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾؛ أي: واذكروا أيها المؤمنون قصة إذ وعدكم الله تعالى الظفر بإحدى الطائفتين العير والنفير ﴿أَنَّها لَكُمْ﴾؛ أي: أن تلك الإحدى تكون وتحصل لكم وتتسلطون وتتصرفون فيها ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾؛ أي: والحال أنّكم تتمنون وتحبون كون الطائفة غير صاحب الشوكة والقوة، وحصولها لكم - وهي العير - لضعفها وقلة عددها؛ لأنّه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا، وعبر عنها بذلك تعريضا لكراهتهم للقتال، وطمعهم في المال، والمعنى: تمنون أنّ العير التي ليس فيها قتال ولا سلاح ولا شوكة تكون لكم، والشوكة: الشدة والقوة ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى بوعده غير ما أردتم ﴿أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ﴾ الذي أراده ويظهره، وهو نصر المؤمنين وخذلان الكافرين ﴿بِكَلِماتِهِ﴾؛ أي: بآياته المنزلة على رسوله في محاربة ذات الشوكة، أو بما أمر به الملائكة من نزولهم للنصرة، أو بما قضى به من أسر المشركين وقتلهم وطرحهم في قليب - بئر - بدر، أو بأمره إياكم بالقتال، وقيل: بعداته التي سبقت لكم من إظهار الدين وإعزازه، وقيل: كلماته هي ما وعد نبيه في سورة الدخان، فقال: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)﴾ أي من أبي جهل وأصحابه ﴿وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ﴾؛ أي: ويهلك أصل الكافرين من أولهم إلى آخرهم،
وأما هذه الأسباب العادية فكثيرا ما تتخلف: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ الذي بيده كل شيء، وهو القادر على كل شيء، وهكذا أنجز الله وعده لرسوله والمؤمنين، وكان لهم الظفر والفوز على عدوهم، وكان هذا نصرا مؤزرا للمسلمين على المشركين، وبه علا ذكرهم في البلاد العربية، وهابهم قاصيها ودانيها.
٧ - ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾؛ أي: واذكروا أيها المؤمنون قصة إذ وعدكم الله تعالى الظفر بإحدى الطائفتين العير والنفير ﴿أَنَّها لَكُمْ﴾؛ أي: أن تلك الإحدى تكون وتحصل لكم وتتسلطون وتتصرفون فيها ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾؛ أي: والحال أنّكم تتمنون وتحبون كون الطائفة غير صاحب الشوكة والقوة، وحصولها لكم - وهي العير - لضعفها وقلة عددها؛ لأنّه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا، وعبر عنها بذلك تعريضا لكراهتهم للقتال، وطمعهم في المال، والمعنى: تمنون أنّ العير التي ليس فيها قتال ولا سلاح ولا شوكة تكون لكم، والشوكة: الشدة والقوة ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى بوعده غير ما أردتم ﴿أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ﴾ الذي أراده ويظهره، وهو نصر المؤمنين وخذلان الكافرين ﴿بِكَلِماتِهِ﴾؛ أي: بآياته المنزلة على رسوله في محاربة ذات الشوكة، أو بما أمر به الملائكة من نزولهم للنصرة، أو بما قضى به من أسر المشركين وقتلهم وطرحهم في قليب - بئر - بدر، أو بأمره إياكم بالقتال، وقيل: بعداته التي سبقت لكم من إظهار الدين وإعزازه، وقيل: كلماته هي ما وعد نبيه في سورة الدخان، فقال: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)﴾ أي من أبي جهل وأصحابه ﴿وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ﴾؛ أي: ويهلك أصل الكافرين من أولهم إلى آخرهم،
ويعدم المعاندين بالجملة، ويذهب أثرهم، ويمحق قوتهم، وقد كان الظفر ببدر فاتحة الظفر فيما بعدها، إلى أن قطع الله دابر المشركين بفتح مكة، قال صاحب (١) «الكشاف»: يعني أنّكم تريدون الفائدة العاجلة، وسفساف الأمور، وأن لا تلقوا ما يرزؤكم في أبدانكم وأموالكم، والله عز وجل يريد معالي الأمور، وما يرجع إلى عمارة الدين، ونصرة الحق، وعلو الكلمة، والفوز في الدارين، وشتان ما بين المرادين، ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة، وكسر قوتهم بضعفكم، وغلب كثرتهم بقتلكم، وأعزكم وأذلهم اه.
٨ - وقوله: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾ متعلق بمحذوف تقديره: وعد بما وعد وأراد بإحدى الطائفتين ذات الشوكة ليحق الحق الذي هو الإسلام؛ أي: ليظهر حقيته ويثبته، ويبطل الباطل الذي هو الشرك؛ أي: ليظهر بطلانه ويزيله ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾؛ أي: المشركون أولو الاعتداء والطغيان إظهار الحق وإحقاقه، وإبطال الباطل وإزالته، ولا يكون ذلك بالاستيلاء على العير، بل بقتل أئمة الكفر من صناديد قريش الذين خرجوا إليكم من مكة ليستأصلوكم.
وفي الآية سؤالان (٢):
الأول: أن قوله: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ﴾ تكرير مع قوله: ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ﴾ فما معناه؟
والجواب: أنّه ليس بتكرار؛ لأن المراد بالمذكور أولا تثبيت ما وعد في هذه الواقعة من النصر والظفر بالأعداء، وبالمذكور ثانيا تقوية الدين، وإظهار الإسلام مدى الأيام؛ لأنّ الذي وقع يوم بدر من نصر المؤمنين مع قلتهم، وقهر الكافرين مع كثرتهم.. كان سببا لإعزاز الدين وقوته، ولهذا السبب قرنه بقوله: ﴿وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾، وقيل: إنّ الأول للفرق بين الإرادتين، إرادة الله تعالى وإرادتهم، والثاني لبيان الداعي إلى حمله صلى الله عليه وسلّم على اختيار ذات الشوكة ونصره؛ لأنّ الذي وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين كان سببا لإعزاز الدين وقوته مدى الأيام.
٨ - وقوله: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾ متعلق بمحذوف تقديره: وعد بما وعد وأراد بإحدى الطائفتين ذات الشوكة ليحق الحق الذي هو الإسلام؛ أي: ليظهر حقيته ويثبته، ويبطل الباطل الذي هو الشرك؛ أي: ليظهر بطلانه ويزيله ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾؛ أي: المشركون أولو الاعتداء والطغيان إظهار الحق وإحقاقه، وإبطال الباطل وإزالته، ولا يكون ذلك بالاستيلاء على العير، بل بقتل أئمة الكفر من صناديد قريش الذين خرجوا إليكم من مكة ليستأصلوكم.
وفي الآية سؤالان (٢):
الأول: أن قوله: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ﴾ تكرير مع قوله: ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ﴾ فما معناه؟
والجواب: أنّه ليس بتكرار؛ لأن المراد بالمذكور أولا تثبيت ما وعد في هذه الواقعة من النصر والظفر بالأعداء، وبالمذكور ثانيا تقوية الدين، وإظهار الإسلام مدى الأيام؛ لأنّ الذي وقع يوم بدر من نصر المؤمنين مع قلتهم، وقهر الكافرين مع كثرتهم.. كان سببا لإعزاز الدين وقوته، ولهذا السبب قرنه بقوله: ﴿وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾، وقيل: إنّ الأول للفرق بين الإرادتين، إرادة الله تعالى وإرادتهم، والثاني لبيان الداعي إلى حمله صلى الله عليه وسلّم على اختيار ذات الشوكة ونصره؛ لأنّ الذي وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين كان سببا لإعزاز الدين وقوته مدى الأيام.
(١) الكشاف.
(٢) الخازن مع بعض زيادة.
(٢) الخازن مع بعض زيادة.
السؤال الثاني: الحق حق لذاته، والباطل باطل لذاته، فما المراد بتحقيق الحق، وإبطال الباطل؟
والجواب: أنّ المراد من تحقيق الحق: إظهار كون ذلك الحق حقا، والمراد من إبطال الباطل: إظهار كون ذلك الباطل باطلا، وذلك بإظهار دلائل الحق، وتقويته، وقمع رؤساء الباطل وقهرهم.
وقرأ مسلمة بن محارب (١): ﴿يعدكم﴾ بسكون الدال لتوالي الحركات، وابن محيصن ﴿اللَّهُ إِحْدَى﴾: بإسقاط همزة إحدى على غير قياس، وعنه أيضا أحد على التذكير، إذ تأنيث الطائفة مجاز، وأدغم أبو عمرو ﴿الشَّوْكَةِ تَكُونُ﴾ وقرأ مسلم بن محارب ﴿بكلمته﴾ بالإفراد، وحكاها ابن عطية عن شيبة وأبي جعفر ونافع، بخلاف عنهم، وأطلق المفرد مرادا به الجمع للعلم به، أو أريد به كلمة تكوين الأشياء وهو: كن.
٩ - وقوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ ظرف متعلق بمحذوف تقديره: اذكروا أيها المؤمنون قصة وقت استغاثتكم ربكم؛ أي: وقت طلبكم الغوث والنصر من ربكم قائلين: ربنا انصرنا على عدوك، يا غياث المستغيثين أغثنا، والأمر بهذا الذكر لبيان نعمة الله عليهم حين التجائهم إليه، إذ ضاقت عليهم الحيل، وطلبوا مخلصا من تلك الشدة، فاستجاب دعاءهم كما قال: ﴿فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾؛ أي: فأجاب دعاءكم بأني ممدكم ومساعدكم فمعينكم ﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾؛ أي: متتابعين؛ أي يردف بعضهم بعضا، ويتبعه؛ أي: يأتي بعضهم إثر بعض، وهذا (٢) الألف هم وجوههم وأعيانهم، وبهذا يطابق ما جاء في سورة آل عمران ﴿بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ و ﴿بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ وقيل (٣): يجمع بين ما هناك وهنا بأن الملائكة كانت ألفا في ابتداء الأمر، ثم صارت ثلاثة، ثم خمسة؛ أي: ثم صارت بعد الوعد بالألف ووقوع القتال بالفعل ومقاتلة الألف معهم صارت الألف بزيادة الله عليها ألفين ثلاثة آلاف، ثم صارت الثلاثة
والجواب: أنّ المراد من تحقيق الحق: إظهار كون ذلك الحق حقا، والمراد من إبطال الباطل: إظهار كون ذلك الباطل باطلا، وذلك بإظهار دلائل الحق، وتقويته، وقمع رؤساء الباطل وقهرهم.
وقرأ مسلمة بن محارب (١): ﴿يعدكم﴾ بسكون الدال لتوالي الحركات، وابن محيصن ﴿اللَّهُ إِحْدَى﴾: بإسقاط همزة إحدى على غير قياس، وعنه أيضا أحد على التذكير، إذ تأنيث الطائفة مجاز، وأدغم أبو عمرو ﴿الشَّوْكَةِ تَكُونُ﴾ وقرأ مسلم بن محارب ﴿بكلمته﴾ بالإفراد، وحكاها ابن عطية عن شيبة وأبي جعفر ونافع، بخلاف عنهم، وأطلق المفرد مرادا به الجمع للعلم به، أو أريد به كلمة تكوين الأشياء وهو: كن.
٩ - وقوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ ظرف متعلق بمحذوف تقديره: اذكروا أيها المؤمنون قصة وقت استغاثتكم ربكم؛ أي: وقت طلبكم الغوث والنصر من ربكم قائلين: ربنا انصرنا على عدوك، يا غياث المستغيثين أغثنا، والأمر بهذا الذكر لبيان نعمة الله عليهم حين التجائهم إليه، إذ ضاقت عليهم الحيل، وطلبوا مخلصا من تلك الشدة، فاستجاب دعاءهم كما قال: ﴿فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾؛ أي: فأجاب دعاءكم بأني ممدكم ومساعدكم فمعينكم ﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾؛ أي: متتابعين؛ أي يردف بعضهم بعضا، ويتبعه؛ أي: يأتي بعضهم إثر بعض، وهذا (٢) الألف هم وجوههم وأعيانهم، وبهذا يطابق ما جاء في سورة آل عمران ﴿بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ و ﴿بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ وقيل (٣): يجمع بين ما هناك وهنا بأن الملائكة كانت ألفا في ابتداء الأمر، ثم صارت ثلاثة، ثم خمسة؛ أي: ثم صارت بعد الوعد بالألف ووقوع القتال بالفعل ومقاتلة الألف معهم صارت الألف بزيادة الله عليها ألفين ثلاثة آلاف، ثم صارت الثلاثة
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.
343
بزيادة ألفين عليها خمسة.
ومعنى بـ ﴿أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾؛ أي: (١) بإمدادي إياكم؛ أي: بوعدي إياكم بالإمداد، وذلك لأنّه وقت الإجابة لم يحصل الامداد بالفعل؛ لأن الدعاء واستجابته كانا قبل وقوع القتال، وفي «الخازن»: ﴿أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾ الأصل بأني ممدكم؛ أي: مرسل إليكم مددا وردءا لكم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿أَنِّي﴾ بفتح الهمزة على تقدير حذف الجر؛ أي: بأني، وقرأ عيسى بن عمر ورواها عن أبي عمرو ﴿إني﴾ بكسرها، وفيه مذهبان:
مذهب البصريين: أنه على إضمار القول؛ أي: فقال: إني ممدكم.
ومذهب الكوفيين: أنّها محكية باستجاب، إجراء له مجرى القول؛ لأنّه بمعناه.
وقرأ الجمهور (٣): بألف بالإفراد، وقرأ الضحاك وأبو رجاء: ﴿بآلاف﴾ بهمزة ممدودة و ﴿بِأَلْفٍ﴾ على الجمع، وقرأ أبو العالية وأبو المتوكل: ﴿بألوف﴾ بوزن فلوس، بضم الهمزة واللام، وبواو بعدها، على الجمع، وقرأ تميم بن حذلم الضبي والجحدري: ﴿بألف﴾ بضم الألف واللام من غير واو ولا ألف، وقرأ أبو الجوزاء وأبو عمران: ﴿بيلف﴾: بياء مفتوحة، وسكون اللام من غير واو، ولا ألف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والحسن ومجاهد: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ بكسر الدال؛ أي: متتابعين، وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم وروي عن قنبل أيضا بفتح الدال، قال الفراء: أراد فعل ذلك بهم؛ أي: إن الله أردف المسلمين بهم، وقرأ معاذ القارىء وأبو المتوكل الناجي وأبو مجلز: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ بفتح الراء والدال، مع التشديد، وقرأ أبو الجوزاء وأبو عمران: ﴿مُرْدِفِينَ﴾: بضم الراء وكسر الدال، وقال الزجاج: يقال ردفت الرجل إذا ركبت خلفه، وأردفته إذا أركبته خلفك، فمعنى ﴿مُرْدِفِينَ﴾ يأتون فرقة بعد
ومعنى بـ ﴿أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾؛ أي: (١) بإمدادي إياكم؛ أي: بوعدي إياكم بالإمداد، وذلك لأنّه وقت الإجابة لم يحصل الامداد بالفعل؛ لأن الدعاء واستجابته كانا قبل وقوع القتال، وفي «الخازن»: ﴿أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾ الأصل بأني ممدكم؛ أي: مرسل إليكم مددا وردءا لكم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿أَنِّي﴾ بفتح الهمزة على تقدير حذف الجر؛ أي: بأني، وقرأ عيسى بن عمر ورواها عن أبي عمرو ﴿إني﴾ بكسرها، وفيه مذهبان:
مذهب البصريين: أنه على إضمار القول؛ أي: فقال: إني ممدكم.
ومذهب الكوفيين: أنّها محكية باستجاب، إجراء له مجرى القول؛ لأنّه بمعناه.
وقرأ الجمهور (٣): بألف بالإفراد، وقرأ الضحاك وأبو رجاء: ﴿بآلاف﴾ بهمزة ممدودة و ﴿بِأَلْفٍ﴾ على الجمع، وقرأ أبو العالية وأبو المتوكل: ﴿بألوف﴾ بوزن فلوس، بضم الهمزة واللام، وبواو بعدها، على الجمع، وقرأ تميم بن حذلم الضبي والجحدري: ﴿بألف﴾ بضم الألف واللام من غير واو ولا ألف، وقرأ أبو الجوزاء وأبو عمران: ﴿بيلف﴾: بياء مفتوحة، وسكون اللام من غير واو، ولا ألف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والحسن ومجاهد: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ بكسر الدال؛ أي: متتابعين، وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم وروي عن قنبل أيضا بفتح الدال، قال الفراء: أراد فعل ذلك بهم؛ أي: إن الله أردف المسلمين بهم، وقرأ معاذ القارىء وأبو المتوكل الناجي وأبو مجلز: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ بفتح الراء والدال، مع التشديد، وقرأ أبو الجوزاء وأبو عمران: ﴿مُرْدِفِينَ﴾: بضم الراء وكسر الدال، وقال الزجاج: يقال ردفت الرجل إذا ركبت خلفه، وأردفته إذا أركبته خلفك، فمعنى ﴿مُرْدِفِينَ﴾ يأتون فرقة بعد
(١) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.
(٣) زاد المسير.
(٢) البحر المحيط.
(٣) زاد المسير.
344
فرقة، ويجوز في اللغة: مردّفين ومردّفين ومردّفين، فالدال مكسورة مشددة على كل حال، والراء يجوز فيها الفتح والضم والكسر، قال سيبويه: الأصل مرتدفين، فأدغمت التاء في الدال، فصار مردفين؛ لأنّك طرحت حركة التاء على الراء، وإن شئت لم تطرح حركة التاء، وكسرت التاء لالتقاء الساكنين، والذين ضموا الراء جعلوها تابعة لضم الميم
١٠ - ﴿وَما جَعَلَهُ اللَّهُ﴾؛ أي: وما جعل الله إمدادكم بإنزال الملائكة عيانا لعلة من العلل ﴿إِلَّا بُشْرى﴾؛ أي: إلا لأجل البشرى لكم بأنّكم تنصرون ﴿وَ﴾ إلا ﴿لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾؛ أي: وإلا لتسكن بذلك الإمداد قلوبكم من الزلزال الذي عرض لكم، فكان من مجادلتكم للرسول في أمر القتال ما كان، وبذا تلقون أعداءكم ثابتين، موقنين بالنصر، وفي هذا إشعار بأنّ الملائكة لم يقاتلوا، بل أمد الله المسلمين بهم للبشرى لهم، وتطمين قلوبهم وتثبيتها، وحذف ﴿لكم﴾ هنا وأثبته في آل عمران لأن القصة هناك مسهبة، فناسبها الإثبات، وهنا موجزة فناسبها الحذف، وهنا قدم لفظة ﴿بِهِ﴾ وأخر هناك على سبيل التفنن والاتساع في دائرة الكلام، وجاء هنا ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ مراعاة لأواخر الآي، وهناك ليست آخر آية، لتعلق ﴿يَقْطَعَ﴾ بما قبله، فناسب أن يأتي ﴿العزيز الحكيم﴾ على سبيل الصفة، وكلاهما يشعر بالعلية، ذكره أبو حيان.
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ لا من عند غيره؛ أي: إنّ الله ينصركم أيها المؤمنون فثقوا بنصره، ولا تتكلوا على قوتكم، فإمداد الملائكة، وكثرة العدد، والأهب ونحوها وسائط لا تأثير لها، فلا تحسبوا النصر منها، ولا تيأسوا منه بفقدها، وفيه تنبيه على أن الواجب على العبد المسلم أن لا يتوكل إلا على الله تعالى في جميع أحواله، ولا يثق بغيره؛ فإن الله تعالى بيده النصر والإعانة؛ أي: ليس النصر إلا من عند الله تعالى دون غيره من الملائكة أو سواهم من الأسباب، فهو سبحانه الفاعل للنصر، والمسخر له كتسخيره للأسباب الحسية والمعنوية، ولا سيما ما لا كسب للبشر فيه، كتسخير الملائكة لتخالط المؤمنين، فتفيد أرواحهم الثبات والاطمئنان.
﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَزِيزٌ﴾؛ أي: غالب على أمره، قوي منيع لا يقهره شيء، ولا يغلبه غالب، بل هو يقهر كل شيء ويغلب ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيره
١٠ - ﴿وَما جَعَلَهُ اللَّهُ﴾؛ أي: وما جعل الله إمدادكم بإنزال الملائكة عيانا لعلة من العلل ﴿إِلَّا بُشْرى﴾؛ أي: إلا لأجل البشرى لكم بأنّكم تنصرون ﴿وَ﴾ إلا ﴿لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾؛ أي: وإلا لتسكن بذلك الإمداد قلوبكم من الزلزال الذي عرض لكم، فكان من مجادلتكم للرسول في أمر القتال ما كان، وبذا تلقون أعداءكم ثابتين، موقنين بالنصر، وفي هذا إشعار بأنّ الملائكة لم يقاتلوا، بل أمد الله المسلمين بهم للبشرى لهم، وتطمين قلوبهم وتثبيتها، وحذف ﴿لكم﴾ هنا وأثبته في آل عمران لأن القصة هناك مسهبة، فناسبها الإثبات، وهنا موجزة فناسبها الحذف، وهنا قدم لفظة ﴿بِهِ﴾ وأخر هناك على سبيل التفنن والاتساع في دائرة الكلام، وجاء هنا ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ مراعاة لأواخر الآي، وهناك ليست آخر آية، لتعلق ﴿يَقْطَعَ﴾ بما قبله، فناسب أن يأتي ﴿العزيز الحكيم﴾ على سبيل الصفة، وكلاهما يشعر بالعلية، ذكره أبو حيان.
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ لا من عند غيره؛ أي: إنّ الله ينصركم أيها المؤمنون فثقوا بنصره، ولا تتكلوا على قوتكم، فإمداد الملائكة، وكثرة العدد، والأهب ونحوها وسائط لا تأثير لها، فلا تحسبوا النصر منها، ولا تيأسوا منه بفقدها، وفيه تنبيه على أن الواجب على العبد المسلم أن لا يتوكل إلا على الله تعالى في جميع أحواله، ولا يثق بغيره؛ فإن الله تعالى بيده النصر والإعانة؛ أي: ليس النصر إلا من عند الله تعالى دون غيره من الملائكة أو سواهم من الأسباب، فهو سبحانه الفاعل للنصر، والمسخر له كتسخيره للأسباب الحسية والمعنوية، ولا سيما ما لا كسب للبشر فيه، كتسخير الملائكة لتخالط المؤمنين، فتفيد أرواحهم الثبات والاطمئنان.
﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَزِيزٌ﴾؛ أي: غالب على أمره، قوي منيع لا يقهره شيء، ولا يغلبه غالب، بل هو يقهر كل شيء ويغلب ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيره
ونصره، ينصر من يشاء، ويخذل من يشاء من عباده، لا يضع شيئا في غير موضعه.
وظاهر الآية يدل على أن لإنزال الملائكة وإمداد المسلمين بهم فائدة معنوية، فهو يؤثر في القلوب فيزيدها قوة، وإن لم يكونوا محاربين، وهناك روايات تدل على أنّهم قاتلوا فعلا، وفي يوم أحد وعدهم الله وعدا معلقا على الصبر والتقوى، ولكن الشرط الأخير قد انتفى، فانتفى ما علق عليه.
١١ - واذكروا أيها المؤمنون نعمة ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ﴾؛ أي: نعمة إذ يلقي الله سبحانه وتعالى عليكم ﴿النُّعاسَ﴾؛ أي: النوم الخفيف ﴿أَمَنَةً مِنْهُ﴾؛ أي: حالة كون النعاس أمانا من الله لكم؛ أي: سبب أمان وسلامة لكم من عدوكم أن يغلبكم، قال عبد الله بن مسعود (١) النعاس في القتال أمنة من الله؛ أي: طمأنينة منه، وفي الصلاة من الشيطان، والفائدة في كون النعاس أمنة في القتال: أنّ الخائف على نفسه لا يأخذه النوم، فصار حصول النوم وقت الخوف الشديد دليلا على الأمن، وإزالة الخوف، وقيل: إنّهم لما خافوا على أنفسهم لكثرة عدوهم وعددهم، وقلة المسلمين عددا وعددا وعطشوا عطشا شديدا.. ألقى الله عليهم النوم حتى حصلت لهم الراحة، وزال عنهم الكلال والعطش، وتمكنوا من قتال عدوهم، وكان ذلك النوم نعمة في حقهم؛ لأنّه كان خفيفا بحيث لو قصدهم لعرفوا وصوله إليهم، وقدروا على دفعه عنهم، وقيل في كون هذا النوم كان أمنة من الله: أنّه وقع عليهم النعاس دفعة واحدة، فناموا كلهم مع كثرتهم، وحصول النعاس لهذا الجمع العظيم - مع وجود الخوف الشديد - أمر خارج عن العادة، فلهذا السبب قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجزة؛ لأنّه أمر خارق للعادة، وهذه (٢) الآية تتضمن ذكر نعمة أنعم الله بها عليهم، وهي أنّهم مع خوفهم من لقاء العدو، والمهابة لجنابه، سكن الله قلوبهم وأمنها حتى ناموا آمنين غير خائفين، وكان هذا النوم في الليلة التي كان القتال في غدها.
قيل: وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان:
وظاهر الآية يدل على أن لإنزال الملائكة وإمداد المسلمين بهم فائدة معنوية، فهو يؤثر في القلوب فيزيدها قوة، وإن لم يكونوا محاربين، وهناك روايات تدل على أنّهم قاتلوا فعلا، وفي يوم أحد وعدهم الله وعدا معلقا على الصبر والتقوى، ولكن الشرط الأخير قد انتفى، فانتفى ما علق عليه.
١١ - واذكروا أيها المؤمنون نعمة ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ﴾؛ أي: نعمة إذ يلقي الله سبحانه وتعالى عليكم ﴿النُّعاسَ﴾؛ أي: النوم الخفيف ﴿أَمَنَةً مِنْهُ﴾؛ أي: حالة كون النعاس أمانا من الله لكم؛ أي: سبب أمان وسلامة لكم من عدوكم أن يغلبكم، قال عبد الله بن مسعود (١) النعاس في القتال أمنة من الله؛ أي: طمأنينة منه، وفي الصلاة من الشيطان، والفائدة في كون النعاس أمنة في القتال: أنّ الخائف على نفسه لا يأخذه النوم، فصار حصول النوم وقت الخوف الشديد دليلا على الأمن، وإزالة الخوف، وقيل: إنّهم لما خافوا على أنفسهم لكثرة عدوهم وعددهم، وقلة المسلمين عددا وعددا وعطشوا عطشا شديدا.. ألقى الله عليهم النوم حتى حصلت لهم الراحة، وزال عنهم الكلال والعطش، وتمكنوا من قتال عدوهم، وكان ذلك النوم نعمة في حقهم؛ لأنّه كان خفيفا بحيث لو قصدهم لعرفوا وصوله إليهم، وقدروا على دفعه عنهم، وقيل في كون هذا النوم كان أمنة من الله: أنّه وقع عليهم النعاس دفعة واحدة، فناموا كلهم مع كثرتهم، وحصول النعاس لهذا الجمع العظيم - مع وجود الخوف الشديد - أمر خارج عن العادة، فلهذا السبب قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجزة؛ لأنّه أمر خارق للعادة، وهذه (٢) الآية تتضمن ذكر نعمة أنعم الله بها عليهم، وهي أنّهم مع خوفهم من لقاء العدو، والمهابة لجنابه، سكن الله قلوبهم وأمنها حتى ناموا آمنين غير خائفين، وكان هذا النوم في الليلة التي كان القتال في غدها.
قيل: وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان:
(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
346
أحدهما: أنّه قواهم بالاستراحة على القتال من الغد.
الثاني: أنّه أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم.
وقيل: إن النوم غشيهم في حال التقاء الصفين، وقد مضى في يوم أحد نحو من هذا في سورة آل عمران، وروى البيهقي في «الدلائل» عن علي كرم الله وجهه قال:
ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأينا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي تحت شجرة، حتى أصبح. والمتبادر من الآية أنّ النعاس كان في أثناء القتال، وهو يمنع الخوف؛ لأنّه ضرب من الذهول والغفلة عن الخطر.
وقرأ (١) ابن كثير، وأبو عمرو، ومجاهد، وابن محيصن ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ﴾ بفتح الياء، وسكون الغين، وفتح الشين بعدها ألف مضارع غشي الثلاثي، والنعاس رفع به، وقرأ الأعرج وابن نصاح وأبو حفص ونافع: ﴿يُغَشِّيكُمُ﴾ بضم الياء وسكون الغين وكسر الشين، النعاس بالنصب مضارع أغشى الرباعي، وقرأ عروة بن الزبير، ومجاهد، والحسن وعكرمة، وأبو رجاء، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: ﴿يُغَشِّيكُمُ﴾ بضم الياء وفتح الغين مشددة الشين مكسورة، النعاس بالنصب، وقرأ الجمهور ﴿أَمَنَةً﴾ بالتحريك، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو المتوكل، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن محيصن، ﴿أَمَنَةً مِنْهُ﴾ بسكون الميم على وزان رحمة.
﴿وَ﴾ اذكروا نعمة ﴿إذ ينزل﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾؛ أي: مطرا ﴿لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾؛ أي: بذلك الماء من الأحداث والجنابات، ﴿وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ﴾؛ أي: وسوسته إليكم، بأنكم لو كنتم على الحق ما كنتم عطاشا محدثين، والمشركون على الماء ﴿وَلِيَرْبِطَ﴾ به ﴿عَلى قُلُوبِكُمْ﴾ باليقين والصبر، وقال الواحدي: ويشبه أن تكون لفظة ﴿عَلى﴾ صلة، والمعنى: وليربط قلوبكم بالصبر، وما أوقع فيها من اليقين، وفي «الوسيط»: ﴿عَلى﴾ زائدة، والمعنى: وليربط قلوبكم بما أنزل من الماء، ولا تضطرب بوسوسة الشيطان اه
الثاني: أنّه أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم.
وقيل: إن النوم غشيهم في حال التقاء الصفين، وقد مضى في يوم أحد نحو من هذا في سورة آل عمران، وروى البيهقي في «الدلائل» عن علي كرم الله وجهه قال:
ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأينا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي تحت شجرة، حتى أصبح. والمتبادر من الآية أنّ النعاس كان في أثناء القتال، وهو يمنع الخوف؛ لأنّه ضرب من الذهول والغفلة عن الخطر.
وقرأ (١) ابن كثير، وأبو عمرو، ومجاهد، وابن محيصن ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ﴾ بفتح الياء، وسكون الغين، وفتح الشين بعدها ألف مضارع غشي الثلاثي، والنعاس رفع به، وقرأ الأعرج وابن نصاح وأبو حفص ونافع: ﴿يُغَشِّيكُمُ﴾ بضم الياء وسكون الغين وكسر الشين، النعاس بالنصب مضارع أغشى الرباعي، وقرأ عروة بن الزبير، ومجاهد، والحسن وعكرمة، وأبو رجاء، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: ﴿يُغَشِّيكُمُ﴾ بضم الياء وفتح الغين مشددة الشين مكسورة، النعاس بالنصب، وقرأ الجمهور ﴿أَمَنَةً﴾ بالتحريك، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو المتوكل، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن محيصن، ﴿أَمَنَةً مِنْهُ﴾ بسكون الميم على وزان رحمة.
﴿وَ﴾ اذكروا نعمة ﴿إذ ينزل﴾ الله سبحانه وتعالى ﴿عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾؛ أي: مطرا ﴿لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾؛ أي: بذلك الماء من الأحداث والجنابات، ﴿وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ﴾؛ أي: وسوسته إليكم، بأنكم لو كنتم على الحق ما كنتم عطاشا محدثين، والمشركون على الماء ﴿وَلِيَرْبِطَ﴾ به ﴿عَلى قُلُوبِكُمْ﴾ باليقين والصبر، وقال الواحدي: ويشبه أن تكون لفظة ﴿عَلى﴾ صلة، والمعنى: وليربط قلوبكم بالصبر، وما أوقع فيها من اليقين، وفي «الوسيط»: ﴿عَلى﴾ زائدة، والمعنى: وليربط قلوبكم بما أنزل من الماء، ولا تضطرب بوسوسة الشيطان اه
(١) البحر المحيط وزاد المسير.
347
«زاده» أي: يقويها ويعينها باليقين، فجعلها صابرة قوية ثابتة في مواطن الحرب، ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ﴾؛ أي: بذلك الماء ﴿الْأَقْدامَ﴾ على الرمل فقدروا على المشي عليه، كيف أردوا في مواطن القتال.
روى (١) ابن المنذر من طريق ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه: أنّ المشركين غلبوا المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمىء المسلمون، وصلّوا مجنبين محدثين، وكان بينهم، رمال فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن، وقال أتزعمون أنّ فيكم نبيّا وأنكم أولياء، وتصلون مجنبين محدثين؟ فأنزل الله من السماء ماء، فسال عليهم الوادي ماء، فشرب المسلمون، وتطهّروا، وثبتت أقدامهم؛ أي: على الرمل اللين لتلبده بالمطر، وذهبت وسوسته.
وقال ابن القيم: أنزل الله تعالى تلك الليلة مطرا واحدا، فكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلا طهّرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض وصلب الرمل، وثبت الأقدام، ومهّد به المنزل، وربط على قلوبهم فسبق رسول الله وأصحابه إلى الماء، فنزلوا عليه شطر الليل، وصنعوا الحياض ثم غوروا ما عداها من المياه، ونزل رسول الله وأصحابه أعلى الحياض، وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عريش على تلّ مشرف على المعركة، ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله تعالى، فما تعدّى أحد منهم موضع إشارته.
وقال ابن إسحاق (٢): إن الحباب بن المنذر قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا أن نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الحرب والرأي والمكيدة» قال: يا رسول الله، فإنّ هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم تغور ما وراءه من القلب، - الأبار غير المبنية - ثم نبني عليها حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لقد أشرت بالرأي»
روى (١) ابن المنذر من طريق ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه: أنّ المشركين غلبوا المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمىء المسلمون، وصلّوا مجنبين محدثين، وكان بينهم، رمال فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن، وقال أتزعمون أنّ فيكم نبيّا وأنكم أولياء، وتصلون مجنبين محدثين؟ فأنزل الله من السماء ماء، فسال عليهم الوادي ماء، فشرب المسلمون، وتطهّروا، وثبتت أقدامهم؛ أي: على الرمل اللين لتلبده بالمطر، وذهبت وسوسته.
وقال ابن القيم: أنزل الله تعالى تلك الليلة مطرا واحدا، فكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلا طهّرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض وصلب الرمل، وثبت الأقدام، ومهّد به المنزل، وربط على قلوبهم فسبق رسول الله وأصحابه إلى الماء، فنزلوا عليه شطر الليل، وصنعوا الحياض ثم غوروا ما عداها من المياه، ونزل رسول الله وأصحابه أعلى الحياض، وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عريش على تلّ مشرف على المعركة، ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله تعالى، فما تعدّى أحد منهم موضع إشارته.
وقال ابن إسحاق (٢): إن الحباب بن المنذر قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا أن نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: «بل هو الحرب والرأي والمكيدة» قال: يا رسول الله، فإنّ هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم تغور ما وراءه من القلب، - الأبار غير المبنية - ثم نبني عليها حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لقد أشرت بالرأي»
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
348
وفعلوا ذلك، وقد فهم من الآية أنّه كان لهذا المطر أربع فوائد:
١ - تطهيرهم حسّيا بالنظافة التي تنشط الأعضاء وتدخل السرور على النفس، وشرعيّا بالغسل من الجنابة، والوضوء من الحدث الأصغر.
٢ - إذهاب رجس الشيطان ووسوسته.
٣ - الربط على القلوب؛ أي: توطين النفس على الصبر وتثبيتها، كما قال: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها﴾ وهذا لما للمطر من المنافع التي تكون أثناء القتال.
٤ - تثبيت الأقدام به؛ ذاك أنّ هذا المطر لبد الرمل وصيره بحيث لا تغوص فيه أرجلهم، فقدروا على المشي كيف أرادوا، ولولاه لما قدروا على ذلك.
وقرأ طلحة (١): ﴿وَيُنَزِّلُ﴾ بالتشديد، وعبارة النسفي: ﴿وينزل﴾ قرأ مكيّ وبصري بالتخفيف، وقرأ غيرهم بالتشديد. اه.
وقرأ الجمهور: ﴿ماءً﴾ بالمد، وقرأ الشعبي، ﴿ما﴾ بغير همز، والأصحّ أنها بمعنى ماء المدودة، قصر للتخفيف، وقيل: هي ما الموصول، ولا يصح لأنّ لام كي لا تكون صلة الموصول، وقرأ ابن المسيب ﴿ليطهركم﴾ بسكون الطاء، وقرأ عيسى بن عمر ﴿ويذهب﴾ بسكون الباء، وقرأ ابن محيصن ﴿رجز﴾ بضم الراء، وأبو العالية ﴿رجس﴾ بالسين.
١٢ - واذكر يا محمد نعمة ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ﴾؛ أي: نعمة وقت إيحاء ربك إلى الملائكة، الذين أمد بهم المؤمنين يوم بدر، وإعلامه إياهم، فأل فيه للعهد الذّكري ﴿أَنِّي مَعَكُمْ﴾؛ أي: أني مع المؤمنين بالنصر، والمعونة، والتأييد، أو أني معكم يا ملائكتي في إمدادهم وإعانتهم ﴿فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: فثبتوا يا ملائكتي قلوب الذين آمنوا بإلقاء النصر والغلبة في قلوبهم، أو ثبتوهم بقتالكم معهم للمشركين. وقيل: بشّروهم بالنصر والظفر، فكان الملك يمشي في صورة رجل أمام الصف، ويقول: أبشروا فإنّ الله ناصركم عليهم، فالمراد بالمعية في
١ - تطهيرهم حسّيا بالنظافة التي تنشط الأعضاء وتدخل السرور على النفس، وشرعيّا بالغسل من الجنابة، والوضوء من الحدث الأصغر.
٢ - إذهاب رجس الشيطان ووسوسته.
٣ - الربط على القلوب؛ أي: توطين النفس على الصبر وتثبيتها، كما قال: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها﴾ وهذا لما للمطر من المنافع التي تكون أثناء القتال.
٤ - تثبيت الأقدام به؛ ذاك أنّ هذا المطر لبد الرمل وصيره بحيث لا تغوص فيه أرجلهم، فقدروا على المشي كيف أرادوا، ولولاه لما قدروا على ذلك.
وقرأ طلحة (١): ﴿وَيُنَزِّلُ﴾ بالتشديد، وعبارة النسفي: ﴿وينزل﴾ قرأ مكيّ وبصري بالتخفيف، وقرأ غيرهم بالتشديد. اه.
وقرأ الجمهور: ﴿ماءً﴾ بالمد، وقرأ الشعبي، ﴿ما﴾ بغير همز، والأصحّ أنها بمعنى ماء المدودة، قصر للتخفيف، وقيل: هي ما الموصول، ولا يصح لأنّ لام كي لا تكون صلة الموصول، وقرأ ابن المسيب ﴿ليطهركم﴾ بسكون الطاء، وقرأ عيسى بن عمر ﴿ويذهب﴾ بسكون الباء، وقرأ ابن محيصن ﴿رجز﴾ بضم الراء، وأبو العالية ﴿رجس﴾ بالسين.
١٢ - واذكر يا محمد نعمة ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ﴾؛ أي: نعمة وقت إيحاء ربك إلى الملائكة، الذين أمد بهم المؤمنين يوم بدر، وإعلامه إياهم، فأل فيه للعهد الذّكري ﴿أَنِّي مَعَكُمْ﴾؛ أي: أني مع المؤمنين بالنصر، والمعونة، والتأييد، أو أني معكم يا ملائكتي في إمدادهم وإعانتهم ﴿فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: فثبتوا يا ملائكتي قلوب الذين آمنوا بإلقاء النصر والغلبة في قلوبهم، أو ثبتوهم بقتالكم معهم للمشركين. وقيل: بشّروهم بالنصر والظفر، فكان الملك يمشي في صورة رجل أمام الصف، ويقول: أبشروا فإنّ الله ناصركم عليهم، فالمراد بالمعية في
(١) البحر المحيط.
349
قوله أنّي معكم معية الإعانة والنصر والتأييد في مواطن الجد، ومقاساة شدائد القتال، وهذه منة خفية أظهرها الله تعالى ليشكروه عليها.
وقال الزجاج (١): كان التثبيت لهم بأشياء يلقونها في قلوبهم، تصح بها عزائمهم، ويتأكد جدهم، وللملك قوة إلقاء الخير، ويقال له: إلهام، كما إن للشيطان قوة إلقاء الشر، ويقال لها وسوسة. وقوله: ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ والخوف منكم تفسير لقوله: ﴿أَنِّي مَعَكُمْ﴾ كأنه قيل: أني معكم في إعانتكم بإلقاء الرعب في قلوبهم، فلا يكون لهم ثبات، وكان ذلك نعمة من الله تعالى على المؤمنين، حيث ألقى الخوف منهم في قلوب المشركين، وقوله: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ﴾ كالتفسير لقوله: ﴿فَثَبِّتُوا﴾ وهو أمر للمؤمنين، أو للملائكة، وفيه دليل على أنّهم قاتلوا، قال ابن الأنباري: ما كانت الملائكة تعرف كيف تقاتل بني آدم، فعلمهم الله تعالى ذلك بقوله: فاضربوا يا ملائكتي فوق الأعناق ﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ﴾ (٢)؛ أي: فاضربوا رؤوسهم، واضربوا أطراف الأصابع؛ أي: اضربوا أيها المؤمنون، أو يا ملائكتي في جميع أعضاء المشركين من أعاليها إلى أسافلها، كيف شئتم؛ لأن الله تعالى ذكر الأشرف والأخس، فهو إشارة إلى جميع الأعضاء.
ومعنى: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ﴾؛ أي: فاضربوا الأعناق وما فوقها، وهي الرؤوس، ومعنى ﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ﴾؛ أي: واضربوا أطراف أصابع اليدين، سميت (٣) بذلك، لأنّ بها صلاح الأشياء التي يمكن الإنسان أن يعملها بيديه، وإنما خصّت بالذكر دون سائر الأطراف، لأجل أن الإنسان بها يقاتل، وبها يمسك السلاح في الحرب، وقيل: إنه سبحانه وتعالى أمرهم بضرب أعلى الجسد وهو الرأس، وهو أشرف الأعضاء وبضرب البنان، وهو أضعف الأعضاء، فيدخل في ذلك كلّ عضو في الجسد، وقيل: أمرهم بضرب الرأس، وفيه إهلاك الإنسان، وبضرب البنان وفيه تعطيل حركة الإنسان عن الحرب؛ لأنه بالبنان يتمكن من مسك
وقال الزجاج (١): كان التثبيت لهم بأشياء يلقونها في قلوبهم، تصح بها عزائمهم، ويتأكد جدهم، وللملك قوة إلقاء الخير، ويقال له: إلهام، كما إن للشيطان قوة إلقاء الشر، ويقال لها وسوسة. وقوله: ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ والخوف منكم تفسير لقوله: ﴿أَنِّي مَعَكُمْ﴾ كأنه قيل: أني معكم في إعانتكم بإلقاء الرعب في قلوبهم، فلا يكون لهم ثبات، وكان ذلك نعمة من الله تعالى على المؤمنين، حيث ألقى الخوف منهم في قلوب المشركين، وقوله: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ﴾ كالتفسير لقوله: ﴿فَثَبِّتُوا﴾ وهو أمر للمؤمنين، أو للملائكة، وفيه دليل على أنّهم قاتلوا، قال ابن الأنباري: ما كانت الملائكة تعرف كيف تقاتل بني آدم، فعلمهم الله تعالى ذلك بقوله: فاضربوا يا ملائكتي فوق الأعناق ﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ﴾ (٢)؛ أي: فاضربوا رؤوسهم، واضربوا أطراف الأصابع؛ أي: اضربوا أيها المؤمنون، أو يا ملائكتي في جميع أعضاء المشركين من أعاليها إلى أسافلها، كيف شئتم؛ لأن الله تعالى ذكر الأشرف والأخس، فهو إشارة إلى جميع الأعضاء.
ومعنى: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ﴾؛ أي: فاضربوا الأعناق وما فوقها، وهي الرؤوس، ومعنى ﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ﴾؛ أي: واضربوا أطراف أصابع اليدين، سميت (٣) بذلك، لأنّ بها صلاح الأشياء التي يمكن الإنسان أن يعملها بيديه، وإنما خصّت بالذكر دون سائر الأطراف، لأجل أن الإنسان بها يقاتل، وبها يمسك السلاح في الحرب، وقيل: إنه سبحانه وتعالى أمرهم بضرب أعلى الجسد وهو الرأس، وهو أشرف الأعضاء وبضرب البنان، وهو أضعف الأعضاء، فيدخل في ذلك كلّ عضو في الجسد، وقيل: أمرهم بضرب الرأس، وفيه إهلاك الإنسان، وبضرب البنان وفيه تعطيل حركة الإنسان عن الحرب؛ لأنه بالبنان يتمكن من مسك
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) الخازن.
(٢) المراح.
(٣) الخازن.
350
السلاح وحمله والضرب به، فإذا قطعت بنانه تعطّل عن ذلك كلّه.
روي (١) عن أبي داود المازني، وكان شهد بدرا قال: إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري. وعن سهل بن حنيف قال: لقد لقينا يوم بدر، وإنّ أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.
وقرأ (٢) عيسى بن عمر بخلاف عنه: ﴿إني معكم﴾ بكسر الهمزة على اضمار القول على مذهب البصريين، أو على إجراء ﴿يُوحِي﴾ مجرى يقول على مذهب الكوفيين، وقرأ ابن عامر، والكسائي، والأعرج: ﴿الرُّعْبَ﴾ بضم العين، وقال (٣) الفراء علمهم مواضع الضرب، فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي، والأرجل، فكأنه قال: فاضربوا الأعالي إن تمكنتم من الضرب فيها، فإن لم تقدروا، فاضربوهم في أوساطهم، فإن لم تقدروا فاضربوهم في أسافلهم، فإنّ الضرب في الأعالي يسرع بهم إلى الموت، والضرب في الأوساط يسرع بهم إلى عدم الامتناع، والضرب في الأسافل يمنعهم من الكر والفر، فيحصل من ذلك إما إهلاكهم بالكلية، وإما الاستيلاء عليهم. انتهى.
والخلاصة (٤): فاضربوا الهام وافلقوا الرؤوس، واجتزوا الرقاب، وقطّعوها، وقطعوا الأيدي ذات البنان، التي هي أداة التصرف في الضرب وغيره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم يمر بين القتلى ببدر بعد انتهاء المعركة، ويقول: «نفلق هاما» فيتم البيت أبو بكر رضي الله عنه وهو:
وفي ذلك دليل على ألمه صلى الله عليه وسلّم من الضرورة التي ألجأته إلى قتل صناديد قومه، فالمشركون هم الذين ظلموه، هو ومن آمن به، حتى أخرجوهم من وطنهم بغيا وعدوانا، ثم تبعوهم إلى دار هجرتهم يقاتلونهم فيها.
روي (١) عن أبي داود المازني، وكان شهد بدرا قال: إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري. وعن سهل بن حنيف قال: لقد لقينا يوم بدر، وإنّ أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.
وقرأ (٢) عيسى بن عمر بخلاف عنه: ﴿إني معكم﴾ بكسر الهمزة على اضمار القول على مذهب البصريين، أو على إجراء ﴿يُوحِي﴾ مجرى يقول على مذهب الكوفيين، وقرأ ابن عامر، والكسائي، والأعرج: ﴿الرُّعْبَ﴾ بضم العين، وقال (٣) الفراء علمهم مواضع الضرب، فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي، والأرجل، فكأنه قال: فاضربوا الأعالي إن تمكنتم من الضرب فيها، فإن لم تقدروا، فاضربوهم في أوساطهم، فإن لم تقدروا فاضربوهم في أسافلهم، فإنّ الضرب في الأعالي يسرع بهم إلى الموت، والضرب في الأوساط يسرع بهم إلى عدم الامتناع، والضرب في الأسافل يمنعهم من الكر والفر، فيحصل من ذلك إما إهلاكهم بالكلية، وإما الاستيلاء عليهم. انتهى.
والخلاصة (٤): فاضربوا الهام وافلقوا الرؤوس، واجتزوا الرقاب، وقطّعوها، وقطعوا الأيدي ذات البنان، التي هي أداة التصرف في الضرب وغيره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم يمر بين القتلى ببدر بعد انتهاء المعركة، ويقول: «نفلق هاما» فيتم البيت أبو بكر رضي الله عنه وهو:
نفلّق هاما من رجال أعزّة | علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما |
(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
351
١٣ - ثم بيّن سبب ذلك التأييد والنصر فقال: ﴿ذلِكَ﴾ المذكور من تأييد الله للمؤمنين بالنصر والمعونة والإمداد، والظفر، والغلبة، وخذلانه للمشركين بالقتل والأسر والهزيمة، ﴿بِأَنَّهُمْ﴾؛ أي: كائن بسبب أنّ المشركين ﴿شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ صلى الله عليه وسلّم؛ أي: خالفوهما في الأوامر والنواهي وعادوهما، فكان كل منهما في شقّ، وجانب غير الذي فيه الآخر، فالله هو الحق، والداعي إلى الحق ورسوله، هو المبلغ عنه، والمشركون على الباطل، وما يستلزمه من الشرور والآثام، والخرافات، والكاف في ذلك، لخطاب الرسول، أو لخطاب كل سامع ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾؛ أي: ومن يخالف الله ورسوله فيما أمرا به، ونهيا عنه. وأجمعوا (١) على الفك في ﴿يُشاقِقِ﴾ اتباعا لخط المصحف، وهي لغة الحجاز، والإدغام لغة تميم، كما جاء في الآية الأخرى ﴿وَمَنْ يُشَاقِّ﴾ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى يعاقبه يوم القيامة على مخالفته، وشركه لأنه سبحانه وتعالى: ﴿شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ له، فالذي نزل بهم في ذلك اليوم قليل بالنسبة إلى ما أعده الله لهم من العقاب يوم القيامة، فلا أجدر بالعقاب من المشاقين له، الذين يؤثرون الشرك وعبادة الطاغوت على توحيده تعالى وعبادته، ويعتدون على أوليائه بمحاولة ردهم عن دينهم بالقوة والقهر، وإخراجهم من ديارهم، ثم اتّباعهم إلى مهجرهم يقاتلونهم فيه،
١٤ - والخطاب في قوله: ﴿ذلِكُمْ﴾ للمشركين؛ أي: هذا العقاب الذي عجلت لكم أيها المشركون، المشاقون لله ورسوله في الدنيا، من انكسار وهزيمة مع الخزي، والذل أمام فئة قليلة العدد والعدد من المسلمين؛ أي: ذلك العذاب المذكور ﴿فَذُوقُوهُ﴾ عاجلا في الدنيا وباشروه ﴿وَ﴾ اعلموا ﴿أَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ﴾؛ أي: إنّ لكم في الآخرة عذاب النار إن أصررتم على كفركم، وهو شر العذابين، وأبقاهما، وأشار بالتعبير بالذوق إلى أنّ عذاب الدنيا يسير بالنسبة لعذاب الآخرة، وقيل: المعنى ذوقوا ما عجل لكم في الدنيا مع ما أجل لكم في الآخرة.
وقرأ الحسن وزيد بن علي وسليمان التيمي (٢): ﴿وَإنَّ لِلْكافِرِينَ﴾ بكسر همزة ﴿إن﴾ على استئناف الإخبار.
١٤ - والخطاب في قوله: ﴿ذلِكُمْ﴾ للمشركين؛ أي: هذا العقاب الذي عجلت لكم أيها المشركون، المشاقون لله ورسوله في الدنيا، من انكسار وهزيمة مع الخزي، والذل أمام فئة قليلة العدد والعدد من المسلمين؛ أي: ذلك العذاب المذكور ﴿فَذُوقُوهُ﴾ عاجلا في الدنيا وباشروه ﴿وَ﴾ اعلموا ﴿أَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ﴾؛ أي: إنّ لكم في الآخرة عذاب النار إن أصررتم على كفركم، وهو شر العذابين، وأبقاهما، وأشار بالتعبير بالذوق إلى أنّ عذاب الدنيا يسير بالنسبة لعذاب الآخرة، وقيل: المعنى ذوقوا ما عجل لكم في الدنيا مع ما أجل لكم في الآخرة.
وقرأ الحسن وزيد بن علي وسليمان التيمي (٢): ﴿وَإنَّ لِلْكافِرِينَ﴾ بكسر همزة ﴿إن﴾ على استئناف الإخبار.
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
352
الإعراب
﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)﴾.
﴿يَسْئَلُونَكَ﴾ فعل وفاعل ومفعول أول ﴿عَنِ الْأَنْفالِ﴾ جار ومجرور متعلق به على كونه مفعولا ثانيا له، والجملة مستأنفة ﴿قُلِ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿الْأَنْفالُ لِلَّهِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكى لـ ﴿قُلِ﴾، وإن شئت قلت: ﴿الْأَنْفالِ﴾ مبتدأ ﴿لِلَّهِ﴾ خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿وَالرَّسُولِ﴾ معطوف على الجلالة ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ ﴿الفاء﴾ حرف عطف وتفريع ﴿اتقوا الله﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿الْأَنْفالُ لِلَّهِ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قال﴾ ﴿وَأَصْلِحُوا﴾ فعل وفاعل ﴿ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ معطوف على الجلالة ﴿إِنْ﴾ حرف شرط وجزم ﴿كُنْتُمْ﴾ فعل ناقص واسمه في محل الجزم بـ ﴿إِنْ مُؤْمِنِينَ﴾ خبرها وجواب ﴿إِنْ﴾ معلوم مما قبله تقديره: إن كنتم مؤمنين فأطيعوا الله ورسوله، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيمانًا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)﴾.
﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ مبتدأ ﴿الَّذِينَ﴾ خبر، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان حقيقة المؤمنين المذكورين في الآية السابقة، ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿ذُكِرَ اللَّهُ﴾ فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الجر بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إِذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ من فعل شرطها، وجوابها صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، والعائد ضمير ﴿قُلُوبُهُمْ﴾ ﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿تُلِيَتْ﴾ فعل
﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)﴾.
﴿يَسْئَلُونَكَ﴾ فعل وفاعل ومفعول أول ﴿عَنِ الْأَنْفالِ﴾ جار ومجرور متعلق به على كونه مفعولا ثانيا له، والجملة مستأنفة ﴿قُلِ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة ﴿الْأَنْفالُ لِلَّهِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكى لـ ﴿قُلِ﴾، وإن شئت قلت: ﴿الْأَنْفالِ﴾ مبتدأ ﴿لِلَّهِ﴾ خبره، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾ ﴿وَالرَّسُولِ﴾ معطوف على الجلالة ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ ﴿الفاء﴾ حرف عطف وتفريع ﴿اتقوا الله﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿الْأَنْفالُ لِلَّهِ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قال﴾ ﴿وَأَصْلِحُوا﴾ فعل وفاعل ﴿ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ معطوف على الجلالة ﴿إِنْ﴾ حرف شرط وجزم ﴿كُنْتُمْ﴾ فعل ناقص واسمه في محل الجزم بـ ﴿إِنْ مُؤْمِنِينَ﴾ خبرها وجواب ﴿إِنْ﴾ معلوم مما قبله تقديره: إن كنتم مؤمنين فأطيعوا الله ورسوله، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قُلِ﴾.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيمانًا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)﴾.
﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ مبتدأ ﴿الَّذِينَ﴾ خبر، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان حقيقة المؤمنين المذكورين في الآية السابقة، ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿ذُكِرَ اللَّهُ﴾ فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الجر بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إِذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ من فعل شرطها، وجوابها صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، والعائد ضمير ﴿قُلُوبُهُمْ﴾ ﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿تُلِيَتْ﴾ فعل
353
ماض مغير الصيغة ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق به ﴿آياتُهُ﴾ نائب فاعل، ومضاف إليه، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ ﴿إِذا﴾. ﴿زادَتْهُمْ﴾ فعل ومفعول أول ﴿إِيمانًا﴾ مفعول ثان، وفاعله ضمير يعود على الآيات، والجملة جواب إِذا وجملة إِذا معطوفة على جملة إِذا السابقة على كونها صلة الموصول، والعائد ضمير ﴿زادَتْهُمْ﴾. ﴿وَعَلى رَبِّهِمْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾، وجملة ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾ معطوفة على جملة إِذا الأولى على كونها صلة الموصول، أو مستأنفة أو في محل النصب حال من مفعول ﴿زادَتْهُمْ﴾.
﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾ اسم موصول في محل الرفع صفة للموصول الأول ﴿يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، به، والجملة صلة الموصول، ﴿وَمِمَّا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُنْفِقُونَ﴾. ﴿رَزَقْناهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول أول، والثاني محذوف تقديره: مما رزقناهم إياه، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط الضمير المحذوف ﴿يُنْفِقُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ على كونها صلة ﴿الَّذِينَ﴾.
﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)﴾.
﴿أُولئِكَ﴾ مبتدأ ﴿هُمُ﴾ ضمير فصل ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ خبر، والجملة مستأنفة مسوقة، لبيان ما للمؤمنين من الأجور ﴿حَقًّا﴾ صفة لمصدر محذوف، تقديره: المؤمنون إيمانا حقا ﴿لَهُمْ﴾ جار ومجرور خبر مقدم ﴿دَرَجاتٌ﴾ مبتدأ مؤخر ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ظرف، ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لـ ﴿دَرَجاتٌ﴾ تقديره: درجات كائنات عند ربهم، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر ثان لـ أُولئِكَ. ﴿وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ﴾ معطوفان على ﴿دَرَجاتٌ﴾. ﴿كَرِيمٌ﴾ صفة لـ ﴿رِزْقٌ﴾.
﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥)﴾.
﴿كَما﴾ ﴿الكاف﴾ حرف جر وتشبيه ﴿ما﴾ مصدرية ﴿أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ فعل ومفعول وفاعل ﴿مِنْ بَيْتِكَ﴾ متعلق به ﴿بِالْحَقِّ﴾ جار ومجرور متعلق به أيضا، أو حال من مفعول ﴿أَخْرَجَكَ﴾؛ أي: حال كونك ملتبسا بالحق، والجملة الفعلية صلة
﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾ اسم موصول في محل الرفع صفة للموصول الأول ﴿يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، به، والجملة صلة الموصول، ﴿وَمِمَّا﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُنْفِقُونَ﴾. ﴿رَزَقْناهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول أول، والثاني محذوف تقديره: مما رزقناهم إياه، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط الضمير المحذوف ﴿يُنْفِقُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ على كونها صلة ﴿الَّذِينَ﴾.
﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)﴾.
﴿أُولئِكَ﴾ مبتدأ ﴿هُمُ﴾ ضمير فصل ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ خبر، والجملة مستأنفة مسوقة، لبيان ما للمؤمنين من الأجور ﴿حَقًّا﴾ صفة لمصدر محذوف، تقديره: المؤمنون إيمانا حقا ﴿لَهُمْ﴾ جار ومجرور خبر مقدم ﴿دَرَجاتٌ﴾ مبتدأ مؤخر ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ظرف، ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لـ ﴿دَرَجاتٌ﴾ تقديره: درجات كائنات عند ربهم، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر ثان لـ أُولئِكَ. ﴿وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ﴾ معطوفان على ﴿دَرَجاتٌ﴾. ﴿كَرِيمٌ﴾ صفة لـ ﴿رِزْقٌ﴾.
﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥)﴾.
﴿كَما﴾ ﴿الكاف﴾ حرف جر وتشبيه ﴿ما﴾ مصدرية ﴿أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ فعل ومفعول وفاعل ﴿مِنْ بَيْتِكَ﴾ متعلق به ﴿بِالْحَقِّ﴾ جار ومجرور متعلق به أيضا، أو حال من مفعول ﴿أَخْرَجَكَ﴾؛ أي: حال كونك ملتبسا بالحق، والجملة الفعلية صلة
354
﴿ما﴾ المصدرية ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، تقديره: كإخراج ربك إياك ﴿مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾ الجار والمجرور متعلق بواجب الحذف لوقوعه خبرا لمبتدأ محذوف تقديره الأمر والشأن كائن كإخراج ربك إياك من بيتك بالحق؛ أي: الأمر والشأن الجاري في الأنفال من قسمها بالتسوية بينهم، كائن كإخراج ربك من بيتك في كونه مكروها لهم، وقد ذكروا في متعلق هذه الكاف نحو عشرين وجها أكثرها معترضة، وبعضها صعبة، وفيما ذكرناه كفاية، لأنه أوضح الوجوه، وأسلمها من الاعتراض، ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا﴾ الواو: واو الحال ﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ﴿فَرِيقًا﴾ اسمها ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ جار ومجرور صفة لـ ﴿فَرِيقًا﴾ ﴿لَكارِهُونَ﴾ ﴿اللام﴾ حرف ابتداء ﴿كارهون﴾ خبر ﴿إِنَّ﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب حال من مفعول ﴿أَخْرَجَكَ﴾ تقديره: كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، حال كون فريق من المؤمنين كارهين خروجك.
﴿يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦)﴾.
﴿يُجادِلُونَكَ﴾ فعل وفاعل ومفعول ﴿فِي الْحَقِّ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية مستأنفة إخبارا عن حالهم في المجادلة، أو حال ثانية من مفعول ﴿أَخْرَجَكَ﴾؛ أي: أخرجك في حال مجادلتهم إياك، ويحتمل أن تكون حالا من الضمير في ﴿لَكارِهُونَ﴾؛ أي: لكارهون في حال الجدال. ﴿بَعْدَ ما﴾ ﴿بَعْدَ﴾ منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ ﴿يُجادِلُونَكَ﴾ ما مصدرية ﴿تَبَيَّنَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الحق، والجملة صلة ما المصدرية ما مع صلتها في تأويل مصدر مجرود بإضافة الظرف إليه، تقديره: بعد تبينه ﴿كَأَنَّما﴾ ﴿كأن﴾ حرف نصب وتشبيه ﴿ما﴾ كافة لكفها ﴿كأن﴾ عن العمل فيما بعدها، ولذلك دخلت على الجملة الفعلية ﴿يُساقُونَ﴾ فعل ونائب فاعل ﴿إِلَى الْمَوْتِ﴾ جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من الضمير في ﴿لَكارِهُونَ﴾؛ أي: حال كونهم مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار إلى القتل، ﴿وَهُمْ﴾ مبتدأ ﴿يَنْظُرُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من واو ﴿يُساقُونَ﴾.
﴿يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦)﴾.
﴿يُجادِلُونَكَ﴾ فعل وفاعل ومفعول ﴿فِي الْحَقِّ﴾ متعلق به، والجملة الفعلية مستأنفة إخبارا عن حالهم في المجادلة، أو حال ثانية من مفعول ﴿أَخْرَجَكَ﴾؛ أي: أخرجك في حال مجادلتهم إياك، ويحتمل أن تكون حالا من الضمير في ﴿لَكارِهُونَ﴾؛ أي: لكارهون في حال الجدال. ﴿بَعْدَ ما﴾ ﴿بَعْدَ﴾ منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ ﴿يُجادِلُونَكَ﴾ ما مصدرية ﴿تَبَيَّنَ﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الحق، والجملة صلة ما المصدرية ما مع صلتها في تأويل مصدر مجرود بإضافة الظرف إليه، تقديره: بعد تبينه ﴿كَأَنَّما﴾ ﴿كأن﴾ حرف نصب وتشبيه ﴿ما﴾ كافة لكفها ﴿كأن﴾ عن العمل فيما بعدها، ولذلك دخلت على الجملة الفعلية ﴿يُساقُونَ﴾ فعل ونائب فاعل ﴿إِلَى الْمَوْتِ﴾ جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من الضمير في ﴿لَكارِهُونَ﴾؛ أي: حال كونهم مشبهين بالذين يساقون بالعنف والصغار إلى القتل، ﴿وَهُمْ﴾ مبتدأ ﴿يَنْظُرُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من واو ﴿يُساقُونَ﴾.
355
﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧)﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف تقديره: واذكروا ﴿إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ فعل ومفعول أول، وفاعل ومفعول ثان، ومضاف إليه، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ تقديره: واذكروا نعمة وقت وعد الله سبحانه وتعالى إياكم إحدى الطائفتين؛ ﴿أَنَّها﴾ لَكُمْ أنّ حرف نصب والهاء اسمها ﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور خبرها، وجملة ﴿أَنَّ﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب على البدلية من ﴿إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ بدل اشتمال تقديره: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين كونها لكم ﴿وَتَوَدُّونَ﴾ الواو: حالية ﴿تَوَدُّونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من كاف ﴿يَعِدُكُمُ اللَّهُ﴾ ﴿أَنَّ﴾ حرف نصب ﴿غَيْرَ﴾ اسمها ﴿ذاتِ الشَّوْكَةِ﴾ مضاف إليه، ﴿تَكُونُ﴾ فعل مضارع ناقص، واسمها ضمير يعود على ﴿غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ﴾ وأنث الضمير مراعاة لمعنى ﴿غَيْرَ﴾ وهو الفرقة ﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور خبر ﴿تَكُونُ﴾، وجملة ﴿تَكُونُ﴾ في محل رفع خبر ﴿أَنَّ﴾ تقديره كائنة لكم، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: وتودون كون غير ذات الشوكة لكم، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ﴿كاف﴾ ﴿إِذْ يَعِدُكُمُ﴾. ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بِكَلِماتِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُحِقَّ﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: ويريد الله إحقاق الحق بكلماته، ﴿وَيَقْطَعَ﴾ معطوف على ﴿يُحِقَّ﴾ وفاعله ضمير يعود على الله ﴿دابِرَ الْكافِرِينَ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، والتقدير: ويريد الله إحقاق الحق بكلماته، وقطع دابر الكافرين بقدرته وقهره.
﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)﴾.
﴿لِيُحِقَّ﴾ ﴿اللام﴾ لام كي ﴿يحق﴾ فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي وفاعله ضمير يعود على الله ﴿الْحَقَّ﴾ مفعول به ﴿وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾ فعل
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف تقديره: واذكروا ﴿إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ فعل ومفعول أول، وفاعل ومفعول ثان، ومضاف إليه، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ تقديره: واذكروا نعمة وقت وعد الله سبحانه وتعالى إياكم إحدى الطائفتين؛ ﴿أَنَّها﴾ لَكُمْ أنّ حرف نصب والهاء اسمها ﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور خبرها، وجملة ﴿أَنَّ﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب على البدلية من ﴿إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ بدل اشتمال تقديره: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين كونها لكم ﴿وَتَوَدُّونَ﴾ الواو: حالية ﴿تَوَدُّونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من كاف ﴿يَعِدُكُمُ اللَّهُ﴾ ﴿أَنَّ﴾ حرف نصب ﴿غَيْرَ﴾ اسمها ﴿ذاتِ الشَّوْكَةِ﴾ مضاف إليه، ﴿تَكُونُ﴾ فعل مضارع ناقص، واسمها ضمير يعود على ﴿غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ﴾ وأنث الضمير مراعاة لمعنى ﴿غَيْرَ﴾ وهو الفرقة ﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور خبر ﴿تَكُونُ﴾، وجملة ﴿تَكُونُ﴾ في محل رفع خبر ﴿أَنَّ﴾ تقديره كائنة لكم، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: وتودون كون غير ذات الشوكة لكم، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ﴿كاف﴾ ﴿إِذْ يَعِدُكُمُ﴾. ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بِكَلِماتِهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿يُحِقَّ﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: ويريد الله إحقاق الحق بكلماته، ﴿وَيَقْطَعَ﴾ معطوف على ﴿يُحِقَّ﴾ وفاعله ضمير يعود على الله ﴿دابِرَ الْكافِرِينَ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، والتقدير: ويريد الله إحقاق الحق بكلماته، وقطع دابر الكافرين بقدرته وقهره.
﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)﴾.
﴿لِيُحِقَّ﴾ ﴿اللام﴾ لام كي ﴿يحق﴾ فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي وفاعله ضمير يعود على الله ﴿الْحَقَّ﴾ مفعول به ﴿وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾ فعل
356
ومفعول معطوف على ﴿يحقّ الحقّ﴾ وفاعله ضمير يعود على الله، وجملة ﴿يحقّ﴾ مع ما عطف عليها صلة أن المضمرة أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بلام كي تقديره: لإحقاقه الحق، وإبطاله الباطل، الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: وعد بما وعد وأراد بإحدى الطائفتين ذات الشوكة لإحقاقه الحقّ وإبطاله الباطل، والجملة المحذوفة مستأنفة. ﴿وَلَوْ﴾ الواو: واو الحال ﴿لَوْ﴾ حرف شرط وغاية لا جواب لها ﴿كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من الحق والباطل، تقديره: وعد بما وعد ليحق الحق، ويبطل الباطل، حالة كون المجرمين كارهين إحقاق الحق، وإبطال الباطل، ﴿ولَوْ﴾ الغائية هي التي لا تطلب جوابا، ويكون ما بعدها حالا. وقال أبو حيان (١): والتحقيق أن الواو فيه للعطف على محذوف، وذلك المحذوف في موضع الحال، والمعطوف على الحال حال، ونظيره قولهم: أعطوا السائل ولو جاء على فرس؛ أي: على كل حال، ولو على هذه الحالة التي تنافي الصدقة على السائل، وإن ﴿وَلَوْ﴾ هذه تأتي لاستقصاء ما بطن، لأنه لا يندرج في عموم ما قبله، لملاقاة التي بين هذه الحال وبين المسند الذي قبلها. انتهى.
﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)﴾.
﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره، واذكروا إذ تستغيثون، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ تقديره، واذكروا أيها المؤمنون نعمة وقت استغاثتكم ربكم ﴿فَاسْتَجابَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿استجاب﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة على جملة ﴿تَسْتَغِيثُونَ﴾ ﴿أَنِّي﴾ ﴿أن﴾ حرف نصب ومصدر، والياء اسمها ﴿مُمِدُّكُمْ﴾ خبرها، ومضاف إليه بـ ﴿بِأَلْفٍ﴾ متعلق به ﴿مِنَ الْمَلائِكَةِ﴾ صفة
﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)﴾.
﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره، واذكروا إذ تستغيثون، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾ تقديره، واذكروا أيها المؤمنون نعمة وقت استغاثتكم ربكم ﴿فَاسْتَجابَ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿استجاب﴾ فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة على جملة ﴿تَسْتَغِيثُونَ﴾ ﴿أَنِّي﴾ ﴿أن﴾ حرف نصب ومصدر، والياء اسمها ﴿مُمِدُّكُمْ﴾ خبرها، ومضاف إليه بـ ﴿بِأَلْفٍ﴾ متعلق به ﴿مِنَ الْمَلائِكَةِ﴾ صفة
(١) البحر المحيط.
357
لـ ﴿ألف﴾. ﴿مُرْدِفِينَ﴾ حال من ألف لتخصصه بالصفة، أو صفة ثانية لألف، وجملة ﴿أن﴾ المفتوحة في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف تقديره: بإمدادي إياكم بألف ﴿مِنَ الْمَلائِكَةِ﴾ الجار والمجرور متعلق بـ ﴿استجاب﴾، وعلى قراءة كسر همزة إن فهو مقول لقول محذوف تقديره: وقال: إني ممدكم بألف من الملائكة.
﴿وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)﴾.
﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿ما﴾ نافية ﴿جَعَلَهُ اللَّهُ﴾ فعل ومفعول به، وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ من أعم العلل ﴿بُشْرى﴾ مفعول لأجله ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة و ﴿اللام﴾ لا كي ﴿تطمئن﴾ منصوب بأن مضمرة ﴿بِهِ﴾ جار ومجرور متعلق به ﴿قُلُوبُكُمْ﴾ فاعل ومضاف إليه، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ولاطمئنان قلوبكم به، وهذا المصدر المؤول معطوف (١) على ﴿بُشْرى﴾ على كونه مفعولا لأجله، ولكن جر باللام لفقد شرط النصب من اتحاد الفاعل كما لا يخفى، فإن فاعل الجعل هو الله تعالى وفاعل الاطمئنان القلوب، وعبارة «السمين» هنا: ﴿إِلَّا بُشْرى﴾ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مفعول لأجله، وهو استثناء مفرغ، إذ التقدير: وما جعله لشيء من الأشياء، إلا للبشرى، وشروط نصبه موجودة، وهي اتحاد الفاعل، والزمان، وكونه مصدرا.
والثاني: أنه مفعول ثان لـ ﴿جعل﴾ على أنه بمعنى صير.
والثالث: أنه بدل من ﴿الهاء﴾ في جَعَلَهُ قاله الحوفي.
﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ما نافية، ﴿النَّصْرُ﴾ مبتدأ ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة ﴿إِنَ﴾ حرف نصب ﴿اللَّهُ﴾ اسمها ﴿عَزِيزٌ﴾ خبر أول لها ﴿حَكِيمٌ﴾ خبر ثان
﴿وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)﴾.
﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿ما﴾ نافية ﴿جَعَلَهُ اللَّهُ﴾ فعل ومفعول به، وفاعل، والجملة مستأنفة ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ من أعم العلل ﴿بُشْرى﴾ مفعول لأجله ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة و ﴿اللام﴾ لا كي ﴿تطمئن﴾ منصوب بأن مضمرة ﴿بِهِ﴾ جار ومجرور متعلق به ﴿قُلُوبُكُمْ﴾ فاعل ومضاف إليه، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ولاطمئنان قلوبكم به، وهذا المصدر المؤول معطوف (١) على ﴿بُشْرى﴾ على كونه مفعولا لأجله، ولكن جر باللام لفقد شرط النصب من اتحاد الفاعل كما لا يخفى، فإن فاعل الجعل هو الله تعالى وفاعل الاطمئنان القلوب، وعبارة «السمين» هنا: ﴿إِلَّا بُشْرى﴾ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مفعول لأجله، وهو استثناء مفرغ، إذ التقدير: وما جعله لشيء من الأشياء، إلا للبشرى، وشروط نصبه موجودة، وهي اتحاد الفاعل، والزمان، وكونه مصدرا.
والثاني: أنه مفعول ثان لـ ﴿جعل﴾ على أنه بمعنى صير.
والثالث: أنه بدل من ﴿الهاء﴾ في جَعَلَهُ قاله الحوفي.
﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية ما نافية، ﴿النَّصْرُ﴾ مبتدأ ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة ﴿إِنَ﴾ حرف نصب ﴿اللَّهُ﴾ اسمها ﴿عَزِيزٌ﴾ خبر أول لها ﴿حَكِيمٌ﴾ خبر ثان
(١) الفتوحات.
358
لها، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١)﴾.
﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف تقديره: اذكروا إذ يغشّيكم النعاس، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ﴾ فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿أَمَنَةً﴾ إما حال من ﴿النُّعاسَ﴾، و ﴿مِنْهُ﴾ صفة له؛ أي: حالة كونه أمانا منه تعالى لكم، أو مفعول لأجله، أي لأجل تأمينه لكم، وفي المقام أوجه أخر من الإعراب تركناها خوف الإطالة. ﴿وَيُنَزِّلُ﴾ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ متعلق به ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ متعلق به أيضا ﴿ماءً﴾ مفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة على جملة ﴿يُغَشِّيكُمُ﴾ على كونها مضافا إليه، لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ ﴿اللام﴾ لام كي ﴿يطهركم﴾ فعل ومفعول به منصوب بأن مضمرة وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بِهِ﴾ متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لتطهيره إياكم به الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يُنَزِّلُ﴾ ﴿وَيُذْهِبَ﴾ معطوف على ﴿يطهر﴾، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَنْكُمْ﴾ متعلق به ﴿رِجْزَ الشَّيْطانِ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، ﴿وَلِيَرْبِطَ﴾ الواو: عاطفة ﴿اللام﴾ لام كي ﴿يربط﴾ منصوب بأن مضمرة، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَلى قُلُوبِكُمْ﴾ متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ولربطه على قلوبكم، الجار والمجرور معطوف على الجار، والمجرور في قوله: ﴿لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ ﴿وَيُثَبِّتَ﴾ معطوف على ﴿يربط﴾ ﴿بِهِ﴾ متعلق به وفاعله ضمير يعود على الله ﴿الْأَقْدامَ﴾ مفعول به.
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢)﴾.
﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف، تقديره: اذكر يا محمد إذ ﴿يُوحِي رَبُّكَ﴾ فعل وفاعل ﴿إِلَى الْمَلائِكَةِ﴾ متعلق به، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿أَنِّي﴾ أن حرف نصب، والياء
﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١)﴾.
﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف تقديره: اذكروا إذ يغشّيكم النعاس، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ﴾ فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿أَمَنَةً﴾ إما حال من ﴿النُّعاسَ﴾، و ﴿مِنْهُ﴾ صفة له؛ أي: حالة كونه أمانا منه تعالى لكم، أو مفعول لأجله، أي لأجل تأمينه لكم، وفي المقام أوجه أخر من الإعراب تركناها خوف الإطالة. ﴿وَيُنَزِّلُ﴾ فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ متعلق به ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ متعلق به أيضا ﴿ماءً﴾ مفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة على جملة ﴿يُغَشِّيكُمُ﴾ على كونها مضافا إليه، لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ ﴿اللام﴾ لام كي ﴿يطهركم﴾ فعل ومفعول به منصوب بأن مضمرة وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بِهِ﴾ متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لتطهيره إياكم به الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يُنَزِّلُ﴾ ﴿وَيُذْهِبَ﴾ معطوف على ﴿يطهر﴾، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَنْكُمْ﴾ متعلق به ﴿رِجْزَ الشَّيْطانِ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، ﴿وَلِيَرْبِطَ﴾ الواو: عاطفة ﴿اللام﴾ لام كي ﴿يربط﴾ منصوب بأن مضمرة، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَلى قُلُوبِكُمْ﴾ متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ولربطه على قلوبكم، الجار والمجرور معطوف على الجار، والمجرور في قوله: ﴿لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ ﴿وَيُثَبِّتَ﴾ معطوف على ﴿يربط﴾ ﴿بِهِ﴾ متعلق به وفاعله ضمير يعود على الله ﴿الْأَقْدامَ﴾ مفعول به.
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢)﴾.
﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف، تقديره: اذكر يا محمد إذ ﴿يُوحِي رَبُّكَ﴾ فعل وفاعل ﴿إِلَى الْمَلائِكَةِ﴾ متعلق به، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ ﴿إِذْ﴾، والجملة المحذوفة مستأنفة ﴿أَنِّي﴾ أن حرف نصب، والياء
359
اسمها ﴿مَعَكُمْ﴾ ظرف، ومضاف إليه والظرف متعلق بمحذوف خبر ﴿أن﴾ وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر ومجرور بحرف جر، محذوف تقديره: بكوني ﴿مَعَكُمْ﴾ الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يُوحِي﴾. ﴿فَثَبِّتُوا﴾ ﴿الفاء﴾ حرف عطف وتفريع ﴿ثبتوا﴾. ﴿الَّذِينَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة مفرعة على جملة ﴿أَنِّي مَعَكُمْ﴾. ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿سَأُلْقِي﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة، وهذه الجملة كالتفسير لقوله: ﴿أَنِّي مَعَكُمْ﴾. ﴿فِي قُلُوبِ الَّذِينَ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ ﴿ألقى﴾ ﴿كَفَرُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، ﴿الرُّعْبَ﴾ مفعول به منصوب بـ ﴿ألقى﴾. ﴿فَاضْرِبُوا﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿اضربوا﴾ فعل وفاعل ﴿فَوْقَ الْأَعْناقِ﴾ ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿اضربوا﴾، وعلى هذا المفعول محذوف تقديره فاضربوا رؤوسهم فوق الأعناق، وقيل: ﴿فَوْقَ﴾ مفعول به على التوسع منصوب بالفعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿سَأُلْقِي﴾ وهذه الجملة كالتفسير لقوله: ﴿فَثَبِّتُوا﴾ الخ. ﴿وَاضْرِبُوا﴾ فعل وفاعل ﴿مِنْهُمْ﴾ متعلق بـ ﴿اضْرِبُوا﴾ أو حال من ﴿كُلَّ بَنانٍ﴾ لأنه صفة نكرة قدمت عليها ﴿كُلَّ بَنانٍ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ﴾.
﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣)﴾.
﴿ذلِكَ﴾ مبتدأ ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ ﴿الباء﴾ حرف جر وسبب ﴿أن﴾ حرف نصب و ﴿الهاء﴾ اسمها ﴿شَاقُّوا اللَّهَ﴾ فعل وفاعل ومفعول ﴿وَرَسُولَهُ﴾ معطوف على الجلالة، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿أن﴾ تقديره: ذلك بأنهم مشاقوا الله ورسوله، وجملة ﴿أن﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿الباء﴾ تقديره: ذلك بسبب مشاقتهم الله ورسوله، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، تقديره: ذلك كائن بسبب مشاقتهم الله ورسوله، والجملة الاسمية مستأنفة ﴿وَمَنْ﴾ الواو: عاطفة ﴿مَنْ﴾ اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما ﴿يُشاقِقِ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. ﴿اللَّهَ﴾ لفظ الجلالة مفعول
﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣)﴾.
﴿ذلِكَ﴾ مبتدأ ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ ﴿الباء﴾ حرف جر وسبب ﴿أن﴾ حرف نصب و ﴿الهاء﴾ اسمها ﴿شَاقُّوا اللَّهَ﴾ فعل وفاعل ومفعول ﴿وَرَسُولَهُ﴾ معطوف على الجلالة، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿أن﴾ تقديره: ذلك بأنهم مشاقوا الله ورسوله، وجملة ﴿أن﴾ من اسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿الباء﴾ تقديره: ذلك بسبب مشاقتهم الله ورسوله، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، تقديره: ذلك كائن بسبب مشاقتهم الله ورسوله، والجملة الاسمية مستأنفة ﴿وَمَنْ﴾ الواو: عاطفة ﴿مَنْ﴾ اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما ﴿يُشاقِقِ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. ﴿اللَّهَ﴾ لفظ الجلالة مفعول
360
به، ﴿وَرَسُولَهُ﴾ معطوف عليه ﴿فَإِنَّ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿مَنْ﴾ الشرطية وجوبا أو تعليلية للجواب المحذوف ﴿إن﴾ حرف نصب ﴿اللَّهَ﴾ اسمها ﴿شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ خبرها، ومضاف إليه، وجملة ﴿إن﴾ في محل الجزم بمن الشرطية على كونها جوابا لها، والرابط محذوف تقديره، فإن الله شديد العقاب له، أو الجملة في محل الجر بلام التعليل المقدرة، المدلول عليها بالفاء التعليلية، على كونها معللة للجواب المحذوف، تقديره: ومن يشاقق الله ورسوله يعاقبه الله تعالى؛ لأنّ الله شديد العقاب، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة قوله: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ على كونها مقررة ومكملة لها.
﴿ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤)﴾.
﴿ذلِكُمْ﴾: مبتدأ. ﴿فَذُوقُوهُ﴾ ﴿الفاء﴾: زائدة في الخبر على رأي الأخفش، ﴿ذوقوه﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، أو ﴿ذلِكُمْ﴾: مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: ذالكم العذاب، والجملة مستأنفة. ﴿فَذُوقُوهُ﴾ ﴿الفاء﴾: استئنافية، وجملة: ﴿ذوقوه﴾: مستأنفة. ﴿وَأَنَّ﴾: حرف نصب ومصدر ﴿لِلْكافِرِينَ﴾: خبر مقدم لـ ﴿أَنَّ﴾ ﴿عَذابَ النَّارِ﴾: اسمها مؤخر ومضاف إليه، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم المحذوف تقديره: واعلموا كون عذاب النار للكافرين، وجملة علم المحذوفة معطوفة على جملة قوله: ﴿ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿يَسْئَلُونَكَ﴾؛ أي (١): سؤال استفتاء، لأنّ هذا أول تشريع الغنيمة، وفاعل السؤال يعود على معلوم، وهو من حضر بدرا، وسأل: تارة يكون لاقتضاء معنى في نفس المسؤول، فيتعدّى بعن كهذه الآية، وقد يكون لاقتضاء مال فيتعدى لاثنين، نحو سألت زيدا مالا، وقد ادعى بعضهم أن السؤال هنا بهذا المعنى، وزعم أن ﴿عَنِ﴾ زائدة، والتقدير: يسألونك الأنفال، وأيد هذا بقراءة سعد بن
﴿ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤)﴾.
﴿ذلِكُمْ﴾: مبتدأ. ﴿فَذُوقُوهُ﴾ ﴿الفاء﴾: زائدة في الخبر على رأي الأخفش، ﴿ذوقوه﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، أو ﴿ذلِكُمْ﴾: مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: ذالكم العذاب، والجملة مستأنفة. ﴿فَذُوقُوهُ﴾ ﴿الفاء﴾: استئنافية، وجملة: ﴿ذوقوه﴾: مستأنفة. ﴿وَأَنَّ﴾: حرف نصب ومصدر ﴿لِلْكافِرِينَ﴾: خبر مقدم لـ ﴿أَنَّ﴾ ﴿عَذابَ النَّارِ﴾: اسمها مؤخر ومضاف إليه، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم المحذوف تقديره: واعلموا كون عذاب النار للكافرين، وجملة علم المحذوفة معطوفة على جملة قوله: ﴿ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿يَسْئَلُونَكَ﴾؛ أي (١): سؤال استفتاء، لأنّ هذا أول تشريع الغنيمة، وفاعل السؤال يعود على معلوم، وهو من حضر بدرا، وسأل: تارة يكون لاقتضاء معنى في نفس المسؤول، فيتعدّى بعن كهذه الآية، وقد يكون لاقتضاء مال فيتعدى لاثنين، نحو سألت زيدا مالا، وقد ادعى بعضهم أن السؤال هنا بهذا المعنى، وزعم أن ﴿عَنِ﴾ زائدة، والتقدير: يسألونك الأنفال، وأيد هذا بقراءة سعد بن
(١) الفتوحات.
361
أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وغيرهم ﴿يسئلونك الأنفال﴾ بدون عن، والصحيح أن هذه القراءة على إرادة حرف الجر ﴿عَنِ الْأَنْفالِ﴾ (١) جمع نفل بفتح النون والفاء، كفرس وأفراس، والمراد بها هنا الغنائم، وسميت أنفالا، والنفل هو الزيادة لزيادة هذه الأمة بها على الأمم السابقة، وفي «المصباح» النفل: الغنيمة، والجمع أنفال مثل سبب وأسباب، والنفل: وزان فلس
مثله اه ومنه: صلاة النفل، وقيل: الغنيمة (٢) كل ما حصل مستغنما بتعب أو بغير تعب، وقبل الظفر أو بعده، والنفل ما يحصل للإنسان قبل القسمة من الغنيمة، ومن إطلاقها على الغنيمة قول عنترة:
أي الغنائم.
ويطلق (٣) النفل على معان أخر: منها اليمين، والابتغاء، ونبت معروف، والنافلة التطوع لكونها زائدة على الواجب، والنافلة ولد الولد، لأنه زيادة على الولد.
﴿وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ والبين: يطلق على الاتصال والافتراق، وعلى كل ما بين طرفين، كما قال: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ وذات البين الصلة التي تربط بين شيئين، وإصلاحها بالمودة وترك النزاع.
﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ الوجل: الفزع والخوف وفي «السمين» (٤) يقال: وجل بالكسر في الماضي يوجل بالفتح في المضارع، وفيه لغة أخرى قرىء بها شاذا ﴿وَجِلَتْ﴾: بفتح الجيم في الماضي، وكسرها في المضارع، فتحذف الواو في المضارع، كوعد يعد، ويقال في المشهورة: وجل يوجل بإثبات الواو في المضارع اه.
﴿لَهُمْ دَرَجاتٌ﴾ والدرجات منازل الرفعة، ومراقي الكرامة ﴿إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾
مثله اه ومنه: صلاة النفل، وقيل: الغنيمة (٢) كل ما حصل مستغنما بتعب أو بغير تعب، وقبل الظفر أو بعده، والنفل ما يحصل للإنسان قبل القسمة من الغنيمة، ومن إطلاقها على الغنيمة قول عنترة:
إنّا إذا احمرّ الوغى نروي القنا | ونعفّ عند مقاسم الأنفال |
ويطلق (٣) النفل على معان أخر: منها اليمين، والابتغاء، ونبت معروف، والنافلة التطوع لكونها زائدة على الواجب، والنافلة ولد الولد، لأنه زيادة على الولد.
﴿وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ والبين: يطلق على الاتصال والافتراق، وعلى كل ما بين طرفين، كما قال: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ وذات البين الصلة التي تربط بين شيئين، وإصلاحها بالمودة وترك النزاع.
﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ الوجل: الفزع والخوف وفي «السمين» (٤) يقال: وجل بالكسر في الماضي يوجل بالفتح في المضارع، وفيه لغة أخرى قرىء بها شاذا ﴿وَجِلَتْ﴾: بفتح الجيم في الماضي، وكسرها في المضارع، فتحذف الواو في المضارع، كوعد يعد، ويقال في المشهورة: وجل يوجل بإثبات الواو في المضارع اه.
﴿لَهُمْ دَرَجاتٌ﴾ والدرجات منازل الرفعة، ومراقي الكرامة ﴿إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾
(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٤) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٤) الفتوحات.
362
والطائفتان طائفة العير الآتية من الشام، وطائفة النفير التي جاءت من مكة للنجدة، وغير ذات الشوكة هي العير، والشوكة الحدة، والقوة: وأصلها واحدة الشوك شبهوا بها أسنة الرماح ﴿دابِرَ الْكافِرِينَ﴾ ودابر القوم: آخرهم الذي يأتي في دبرهم، ويكون من روائهم و ﴿يحق الحق﴾؛ أي: يعز الإسلام؛ لأنه الحق ﴿وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾؛ أي: يزيل الباطل، وهو الشرك ويمحقه.
﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ فالسين والثاء فيه للطلب؛ أي: تطلبون الغوث من ربكم، والاستغاثة طلب الغوث، وهو التخليص من الشدة والنقمة ﴿فَاسْتَجابَ لَكُمْ﴾؛ أي: أجاب لكم، فالسين والتاء فيه زائدتان ﴿مُمِدُّكُمْ﴾؛ أي: ناصركم ومعينكم ﴿بِأَلْفٍ﴾ قرىء بألف، وأصل آلف أألف بوزن أفلس فقلبت الهمزة الثانية ألفا، فصار آلفا ﴿مُرْدِفِينَ﴾ من أردفه إذا أركبه وراءه ﴿إِلَّا بُشْرى﴾ مصدر على وزن فعلى كرجعى بمعنى البشارة، وهو الخبر السار ﴿وتطمئن﴾: تسكن بعد ذلك الزلزال والخوف الذي عرض لكم في جملتكم ﴿عَزِيزٌ﴾؛ أي: غالب على أمره ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يضع شيئا في غير موضعه ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ﴾؛ أي: يجعله مغطيا لكم، ومحيطا بكم، وفيه ثلاث قراءات سبعية، يغشاكم كيلقاكم من غشيه، إذا أتاه، وأصابه، وفي «المصباح» غشيته أغشاه من باب تعب أتيته ﴿ويُغَشِّيكُمُ﴾: من أغشاه؛ أي: أنزله بكم، وأوقعه عليكم ﴿ويُغَشِّيكُمُ﴾ من غشاه تغشية غطّاه؛ أي: يغشيكم الله النعاس؛ أي: يجعله عليكم كالغطاء من حيث اشتماله عليكم، والنعاس على الأولى مرفوع على الفاعلية، وعلى الأخيرتين منصوب على المفعولية.
﴿النُّعاسَ﴾ والنعاس: فتور في الحواس وأعصاب الرأس يعقبه النوم، فهو يضعف الإدراك، ولا يزيله كله، فإذا أزاله كان نوما، وقال بعض الفقهاء: علامة النعاس: أن تسمع كلام الحاضرين ولا تفهمه، وعلامة النوم: أن لا تسمع كلامهم. ﴿رِجْزَ الشَّيْطانِ﴾ والرجز والرجس والركس الشيء المستقذر حسا، أو معنى، ويراد به هنا وسوسة الشيطان، وفي الكرخي: الرجز في الأصل العذاب الشديد، وأريد به هنا نفس وسوسة الشيطان مجازا لمشقتها على أهل الايمان،
﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ فالسين والثاء فيه للطلب؛ أي: تطلبون الغوث من ربكم، والاستغاثة طلب الغوث، وهو التخليص من الشدة والنقمة ﴿فَاسْتَجابَ لَكُمْ﴾؛ أي: أجاب لكم، فالسين والتاء فيه زائدتان ﴿مُمِدُّكُمْ﴾؛ أي: ناصركم ومعينكم ﴿بِأَلْفٍ﴾ قرىء بألف، وأصل آلف أألف بوزن أفلس فقلبت الهمزة الثانية ألفا، فصار آلفا ﴿مُرْدِفِينَ﴾ من أردفه إذا أركبه وراءه ﴿إِلَّا بُشْرى﴾ مصدر على وزن فعلى كرجعى بمعنى البشارة، وهو الخبر السار ﴿وتطمئن﴾: تسكن بعد ذلك الزلزال والخوف الذي عرض لكم في جملتكم ﴿عَزِيزٌ﴾؛ أي: غالب على أمره ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يضع شيئا في غير موضعه ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ﴾؛ أي: يجعله مغطيا لكم، ومحيطا بكم، وفيه ثلاث قراءات سبعية، يغشاكم كيلقاكم من غشيه، إذا أتاه، وأصابه، وفي «المصباح» غشيته أغشاه من باب تعب أتيته ﴿ويُغَشِّيكُمُ﴾: من أغشاه؛ أي: أنزله بكم، وأوقعه عليكم ﴿ويُغَشِّيكُمُ﴾ من غشاه تغشية غطّاه؛ أي: يغشيكم الله النعاس؛ أي: يجعله عليكم كالغطاء من حيث اشتماله عليكم، والنعاس على الأولى مرفوع على الفاعلية، وعلى الأخيرتين منصوب على المفعولية.
﴿النُّعاسَ﴾ والنعاس: فتور في الحواس وأعصاب الرأس يعقبه النوم، فهو يضعف الإدراك، ولا يزيله كله، فإذا أزاله كان نوما، وقال بعض الفقهاء: علامة النعاس: أن تسمع كلام الحاضرين ولا تفهمه، وعلامة النوم: أن لا تسمع كلامهم. ﴿رِجْزَ الشَّيْطانِ﴾ والرجز والرجس والركس الشيء المستقذر حسا، أو معنى، ويراد به هنا وسوسة الشيطان، وفي الكرخي: الرجز في الأصل العذاب الشديد، وأريد به هنا نفس وسوسة الشيطان مجازا لمشقتها على أهل الايمان،
363
كما قيل: كل ما اشتدت مشقته على النفوس فهو رجز. اه.
﴿وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ﴾ والربط على القلوب تثبيتها وتوطينها على الصبر، وفي «زاده» الربط الشد، يقال لكل من صبر على أمر ربط على قلبه، أي قواه وشدده. وعدى بعلى للإيذان بأن قوة قلوبهم بلغت في الكمال إلى أن صارت مستولية على القلوب، حتى صارت كأنها علت عليها، وارتفعت فوقها؛ أي: فتفيد التمكن في القوة ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ والرعب الخوف الذي يملأ القلب ﴿فَوْقَ الْأَعْناقِ﴾؛ أي: الرؤوس ﴿كُلَّ بَنانٍ﴾ والبنان: أطراف الأصابع من اليدين والرجلين، وهي جمع بنانة وفي «المصباح» البنان الأصابع، وقيل: أطرافها، والواحدة بنانة اه وفي «السمين» والبنان قيل: الأصابع، وهو اسم جنس، الواحد: بنانة، وضربها عبارة عن الثبات في الحرب، فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال بخلاف سائر الأعضاء، قال عنترة:
﴿بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾؛ أي: عادوا وخالفوا، وسميت العداوة مشاقة لأن كلا من المتعاديين يكون في شق غير الذي يكون فيه الآخر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الأيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الحصر في قوله: ﴿وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ لأن تقديم المعمول على عامله يفيد الحصر.
ومنها: الإشارة بالبعيد عن القريب في قوله: ﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إشعارا بعلو مرتبتهم وبعد منزلتهم في الشرف.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ استعار الدرجات التي هي حقيقة في المحسوسات للمراتب الرفيعة، والمنازل العالية في الجنة بجامع العلو في كل.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ شبه حالهم وقت قسم الأنفال
﴿وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ﴾ والربط على القلوب تثبيتها وتوطينها على الصبر، وفي «زاده» الربط الشد، يقال لكل من صبر على أمر ربط على قلبه، أي قواه وشدده. وعدى بعلى للإيذان بأن قوة قلوبهم بلغت في الكمال إلى أن صارت مستولية على القلوب، حتى صارت كأنها علت عليها، وارتفعت فوقها؛ أي: فتفيد التمكن في القوة ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ والرعب الخوف الذي يملأ القلب ﴿فَوْقَ الْأَعْناقِ﴾؛ أي: الرؤوس ﴿كُلَّ بَنانٍ﴾ والبنان: أطراف الأصابع من اليدين والرجلين، وهي جمع بنانة وفي «المصباح» البنان الأصابع، وقيل: أطرافها، والواحدة بنانة اه وفي «السمين» والبنان قيل: الأصابع، وهو اسم جنس، الواحد: بنانة، وضربها عبارة عن الثبات في الحرب، فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال بخلاف سائر الأعضاء، قال عنترة:
وقد كان في الهيجاء يحمي ذمارها | ويضرب عند الكرب كلّ بنان |
البلاغة
وقد تضمنت هذه الأيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الحصر في قوله: ﴿وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ لأن تقديم المعمول على عامله يفيد الحصر.
ومنها: الإشارة بالبعيد عن القريب في قوله: ﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إشعارا بعلو مرتبتهم وبعد منزلتهم في الشرف.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ استعار الدرجات التي هي حقيقة في المحسوسات للمراتب الرفيعة، والمنازل العالية في الجنة بجامع العلو في كل.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ شبه حالهم وقت قسم الأنفال
364
بالسوية بينهم بحالهم وقت إخراجه من بيته بجامع الكراهة في كل مع كونه خيرا لهم، وفي قوله: ﴿كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ﴾ شبههم بمن يساق إلى الموت؛ أي: القتل، وهو ينظر بعينه أسبابه، بجامع الكراهة في كل.
ومنها: الإبهام في قوله: ﴿إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ فلما نجت العير علم أن الموعود بها النفير.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ﴾ وقوله: ﴿وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾.
ومنها: الطباق بين ﴿الْحَقَّ﴾ و ﴿الْباطِلَ﴾.
ومنها: حكاية الحال الماضية في قوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ﴾ فلذلك عطف عليه: ﴿فَاسْتَجابَ لَكُمْ﴾ بصيغة الماضي على مقتضى الواقع.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: ﴿ذاتِ الشَّوْكَةِ﴾ فإنها حقيقة في شوك الشجر فاستعيرت للسلاح بجامع الحدة والطعن في كل.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ﴾: على قراءة رفع النعاس،
ومنها: الكناية في قوله: ﴿وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ﴾ لأنه كناية عن استئصالهم بالهلاك.
ومنها: تقديم الجار والمجرور على المفعول به للاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، في قوله: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: ﴿وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ﴾: لأن الرجز حقيقة في العذاب، فاستعاره لوسوسة الشيطان بجامع المشقة والضرر في كل، لأن وسوسة الشيطان ضرر ومشقة على أهل الايمان، كما أن العذاب مشقة على أهله.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ﴾ لأن الربط حقيقة في الأجرام، فاستعاره لتقوية القلوب وتثبيتها بجامع القوة في كل.
ومنها: اللف والنشر المرتب في قوله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا
ومنها: الإبهام في قوله: ﴿إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ فلما نجت العير علم أن الموعود بها النفير.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ﴾ وقوله: ﴿وَيُبْطِلَ الْباطِلَ﴾.
ومنها: الطباق بين ﴿الْحَقَّ﴾ و ﴿الْباطِلَ﴾.
ومنها: حكاية الحال الماضية في قوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ﴾ فلذلك عطف عليه: ﴿فَاسْتَجابَ لَكُمْ﴾ بصيغة الماضي على مقتضى الواقع.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: ﴿ذاتِ الشَّوْكَةِ﴾ فإنها حقيقة في شوك الشجر فاستعيرت للسلاح بجامع الحدة والطعن في كل.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ﴾: على قراءة رفع النعاس،
ومنها: الكناية في قوله: ﴿وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ﴾ لأنه كناية عن استئصالهم بالهلاك.
ومنها: تقديم الجار والمجرور على المفعول به للاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، في قوله: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: ﴿وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ﴾: لأن الرجز حقيقة في العذاب، فاستعاره لوسوسة الشيطان بجامع المشقة والضرر في كل، لأن وسوسة الشيطان ضرر ومشقة على أهل الايمان، كما أن العذاب مشقة على أهله.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ﴾ لأن الربط حقيقة في الأجرام، فاستعاره لتقوية القلوب وتثبيتها بجامع القوة في كل.
ومنها: اللف والنشر المرتب في قوله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا
365
الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ} لأن قوله ﴿سَأُلْقِي﴾ الخ كالتفسير لقوله: ﴿أَنِّي مَعَكُمْ﴾ وقوله: ﴿فَاضْرِبُوا﴾ الخ كالتفسير لقوله ﴿فَثَبِّتُوا...﴾ الخ.
ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: ﴿وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ﴾ للدلالة على أن الكفر سبب العذاب الآجل، أو سبب الجمع بين العاجل والآجل؛ لأنّ أصل الكلام فذوقوه وإن لكم عذاب النار، فوضع ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ موضع لكم شهادة عليهم بالكفر وتنبيها على العلة المذكورة.
ومنها: الإضافة لتشريف المضاف إليه في قوله: ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿شَاقُّوا اللَّهَ﴾ ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ﴾.
ومنها: التهكم في قوله: ﴿فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ﴾.
ومنها: التهييج والإلهاب - أي: الإطناب - في قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ لأنّ الإيمان موجود فيهم مع الصفات السابقة، والمعنى: إن كنتم مستمرين على الإيمان.
ومنها: الدلالة على التشريف والتكريم في قوله: ﴿لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ لأن في كونها عنده سبحانه وتعالى زيادة تشريف لهم وتكريم وتعظيم وتفخيم.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: ﴿وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ﴾ للدلالة على أن الكفر سبب العذاب الآجل، أو سبب الجمع بين العاجل والآجل؛ لأنّ أصل الكلام فذوقوه وإن لكم عذاب النار، فوضع ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ موضع لكم شهادة عليهم بالكفر وتنبيها على العلة المذكورة.
ومنها: الإضافة لتشريف المضاف إليه في قوله: ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿شَاقُّوا اللَّهَ﴾ ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ﴾.
ومنها: التهكم في قوله: ﴿فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ﴾.
ومنها: التهييج والإلهاب - أي: الإطناب - في قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ لأنّ الإيمان موجود فيهم مع الصفات السابقة، والمعنى: إن كنتم مستمرين على الإيمان.
ومنها: الدلالة على التشريف والتكريم في قوله: ﴿لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ لأن في كونها عنده سبحانه وتعالى زيادة تشريف لهم وتكريم وتعظيم وتفخيم.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
366
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أنه تعالى لما أخبر أنه سيلقي الرعب في قلوب الكفار، وأمر من آمن بضرب فوق أعناقهم، وبنانهم.. حرضهم على الصبر عند مكافحة العدو، ونهاهم عن الانهزام.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أنه تعالى لما أخبر أنه سيلقي الرعب في قلوب الكفار، وأمر من آمن بضرب فوق أعناقهم، وبنانهم.. حرضهم على الصبر عند مكافحة العدو، ونهاهم عن الانهزام.
(١) البحر المحيط.
367
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّه لما نهى الله تعالى عن تولي الأدبار.. توعد من ولى دبره وقت لقاء العدو.
قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى لما هدد المشركين بقوله: ﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا..﴾ أردف ذلك بتأديب المؤمنين، بالأمر بطاعة الرسول، وإجابة دعوته إذا دعا للقتال في سبيل حياطة الدين وصد من يمنع نشره ويقف في طريق تبليغ دعوته.
قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وعدم التولي حين الجهاد.. أردفه بالأمر بالاستجابة له إذا دعاهم لهدى الدين وأحكامه عامة؛ لما في ذلك من تكميل الفطرة الإنسانية وسعادتها في الدنيا والآخرة، وكرر النداء بلفظ المؤمنين تنشيطا لهم إلى الإصغاء لما يرد بعده من الأوامر والنواهي، وإيماء إلى أنهم قد حصلوا ما يوجب عليهم الاستجابة، وهو الإيمان.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢)﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٣) أخبر أن هؤلاء المشبه بهم لا يسمعون.. أخبر أن شر الحيوان الذي يدب الصم، أو أن شر البهائم، فجمع بين هؤلاء وبين جمع الدواب، وأخبر أنهم شر الحيوان مطلقا.
قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما حذر من الفتنة بالأموال والأولاد.. أردف ذلك بطلب التقوى التي
ثمرتها ترك الميل والهوى في محبة الأموال والأولاد.
قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى لما هدد المشركين بقوله: ﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا..﴾ أردف ذلك بتأديب المؤمنين، بالأمر بطاعة الرسول، وإجابة دعوته إذا دعا للقتال في سبيل حياطة الدين وصد من يمنع نشره ويقف في طريق تبليغ دعوته.
قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وعدم التولي حين الجهاد.. أردفه بالأمر بالاستجابة له إذا دعاهم لهدى الدين وأحكامه عامة؛ لما في ذلك من تكميل الفطرة الإنسانية وسعادتها في الدنيا والآخرة، وكرر النداء بلفظ المؤمنين تنشيطا لهم إلى الإصغاء لما يرد بعده من الأوامر والنواهي، وإيماء إلى أنهم قد حصلوا ما يوجب عليهم الاستجابة، وهو الإيمان.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢)﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (٣) أخبر أن هؤلاء المشبه بهم لا يسمعون.. أخبر أن شر الحيوان الذي يدب الصم، أو أن شر البهائم، فجمع بين هؤلاء وبين جمع الدواب، وأخبر أنهم شر الحيوان مطلقا.
قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما حذر من الفتنة بالأموال والأولاد.. أردف ذلك بطلب التقوى التي
ثمرتها ترك الميل والهوى في محبة الأموال والأولاد.
(١) و (٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
368
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ...﴾ الآية، روى أبو داود (ج ٢ ص ٣٤٩): حدثنا محمد بن هشام المصري، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا داود بن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: نزلت في يوم بدر ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ الحديث أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي وابن جرير، وعزاه الحافظ بن كثير (ج ٢/ ص ٣٩٥) إلى النسائي، وابن مردويه مع من ذكرنا، ثم قال: وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر، وإن كان سبب نزول الآية فيهم، كما دل عليه حديث أبي هريرة، من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجمهور والله أعلم.
قوله تعالى: ﴿وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى...﴾ الآية، في سبب نزولها ثلاثة أقوال (١):
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لعلي: «ناولني كفا من حصباء» فناوله فرمى به في وجوه القوم، بما بقى منهم أحد إلا وقعت في عينه حصاة، رواه الطبراني عن ابن عباس، وفي رواية أخذ قبضة من تراب، فرمى بها، وقال: «شاهت الوجوه» فما بقى مشرك إلا شغل بعينيه بعالج التراب الذي فيها، فنزلت ﴿وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾ وذلك يوم بدر، وهذا قول الأكثرين.
والقول الثاني: أن أبيّ بن خلف، أقبل يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلّم يريده، فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فخلوا سبيله، وطعنه النبي صلى الله عليه وسلّم بحربته، فسقط أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور، فقالوا: إنما هو خدش، فقال: والذي نفسي بيده، لو كان الذي بي بأهل الحجاز لماتوا أجمعون، فمات قبل أن يقدم مكة، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن المسيب عن أبيه.
والثالث: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم رمى يوم خيبر بسهم فأقبل السهم يهوي حتى
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ...﴾ الآية، روى أبو داود (ج ٢ ص ٣٤٩): حدثنا محمد بن هشام المصري، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا داود بن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: نزلت في يوم بدر ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ الحديث أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي وابن جرير، وعزاه الحافظ بن كثير (ج ٢/ ص ٣٩٥) إلى النسائي، وابن مردويه مع من ذكرنا، ثم قال: وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر، وإن كان سبب نزول الآية فيهم، كما دل عليه حديث أبي هريرة، من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجمهور والله أعلم.
قوله تعالى: ﴿وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى...﴾ الآية، في سبب نزولها ثلاثة أقوال (١):
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لعلي: «ناولني كفا من حصباء» فناوله فرمى به في وجوه القوم، بما بقى منهم أحد إلا وقعت في عينه حصاة، رواه الطبراني عن ابن عباس، وفي رواية أخذ قبضة من تراب، فرمى بها، وقال: «شاهت الوجوه» فما بقى مشرك إلا شغل بعينيه بعالج التراب الذي فيها، فنزلت ﴿وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾ وذلك يوم بدر، وهذا قول الأكثرين.
والقول الثاني: أن أبيّ بن خلف، أقبل يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلّم يريده، فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فخلوا سبيله، وطعنه النبي صلى الله عليه وسلّم بحربته، فسقط أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور، فقالوا: إنما هو خدش، فقال: والذي نفسي بيده، لو كان الذي بي بأهل الحجاز لماتوا أجمعون، فمات قبل أن يقدم مكة، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن المسيب عن أبيه.
والثالث: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم رمى يوم خيبر بسهم فأقبل السهم يهوي حتى
(١) زاد المسير.
369
قتل ابن أبي الحقيق وهو على فراشه، فنزلت هذه الآية. ذكره أبو سليمان الدمشقي في آخرين، والحديث مرسل (١)، جيد الإسناد، والمشهور أنها نزلت في رمية يوم بدر بالقبضة من الحصباء.
قوله تعالى: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا...﴾ الآية، روى (٢) الحاكم عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير، قال: كان المستفتح أبا جهل، فإنه قال حين التقى القوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم، وأتى بما لا يعرف، فأحنه الغداة، وكان ذلك استفتاحا، فأنزل الله ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية، قال: قال أبو جهل: اللهم انصر أعز الفئتين وأكرم الفرقتين، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ...﴾ الآية، روى (٣) سعيد بن منصور وغيره عن عبد الله بن أبي قتادة، قال: نزلت هذه الآية ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ في أبي لبابة رفاعة بن عبد المنذر، وذاك أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما حاصر بني قريظة، سألوه أن يصالحهم على ما صالح عليه بني النضير، على أن يسيروا إلى أرض الشام، فأبى أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأبوا، وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة، وكان مناصحا لهم، لأنّ ولده وأهله كانوا عندهم، فبعثه إليهم، فقالوا: ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ، فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه، أنه الذبح فلا تفعلوا، فأطاعوه، فكانت تلك خيانته، قال أبو لبابة: فما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس والأكثرين، وروي أن أبا لبابة ربط نفسه بعد نزول هذه الآية إلى سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت، أو يتوب الله علي، فمكث سبعة أيام كذلك، ثم تاب الله عليه، فقال: والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو الذي يحلني، فجاء فحله بيده،
قوله تعالى: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا...﴾ الآية، روى (٢) الحاكم عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير، قال: كان المستفتح أبا جهل، فإنه قال حين التقى القوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم، وأتى بما لا يعرف، فأحنه الغداة، وكان ذلك استفتاحا، فأنزل الله ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية، قال: قال أبو جهل: اللهم انصر أعز الفئتين وأكرم الفرقتين، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ...﴾ الآية، روى (٣) سعيد بن منصور وغيره عن عبد الله بن أبي قتادة، قال: نزلت هذه الآية ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ في أبي لبابة رفاعة بن عبد المنذر، وذاك أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما حاصر بني قريظة، سألوه أن يصالحهم على ما صالح عليه بني النضير، على أن يسيروا إلى أرض الشام، فأبى أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأبوا، وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة، وكان مناصحا لهم، لأنّ ولده وأهله كانوا عندهم، فبعثه إليهم، فقالوا: ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ، فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه، أنه الذبح فلا تفعلوا، فأطاعوه، فكانت تلك خيانته، قال أبو لبابة: فما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس والأكثرين، وروي أن أبا لبابة ربط نفسه بعد نزول هذه الآية إلى سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت، أو يتوب الله علي، فمكث سبعة أيام كذلك، ثم تاب الله عليه، فقال: والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو الذي يحلني، فجاء فحله بيده،
(١) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
(٣) زاد المسير.
(٢) لباب النقول.
(٣) زاد المسير.
370
فقال أبو لبابة: إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يجزئك الثلث». وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» وأخرج بعضه الطبري، وابن هشام.
وروى ابن جرير (١) وغيره عن جابر بن عبد الله: أن أبا سفيان خرج من مكة، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلّم، فقال: إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا، فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان أن محمدا يريدكم، فخذوا حذركم، فأنزل الله هذه الآية: ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ الآية. غريب جدا، في سنده وسياقه نظر.
وأخرج ابن جرير عن السدي، قال: كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلّم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين، فنزلت.
التفسير وأوجه القراءة
١٥ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: صدقوا الله ورسوله ﴿إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: قابلتموهم للقتال حالة كونهم ﴿زَحْفًا﴾؛ أي: زاحفين لقتالكم زحفا، إذ الكفار هم الذين زحفوا من مكة إلى المدينة لقتال المؤمنين فقابلوهم ببدر، والمعنى (٢) على التشبيه؛ أي: حالة كونهم مثل الزاحفين والماشين على أدبارهم، وذلك لأن الجيش إذا كثر والتحم بعضهم ببعض يتراءى أن سيره بطيء، وإن كان في نفس الأمر سريعا، فالمقصود من هذه الحال بعد كون المراد التشبيه ما يلزم هذه المشابهة، وهو الكثرة.
﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾؛ أي: فلا تولوهم ظهوركم، وأقفيتكم منهزمين؛ أي: لا تجعلوا ظهوركم مما يليهم، بل قابلوهم بوجوهكم، وقاتلوهم مع قلتكم،
١٦ - ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ تلقونهم ﴿دُبُرَهُ﴾ بضمتين، وقراءة الحسن ﴿دُبُرَهُ﴾: بسكون الباء كقولهم عنق في عنق، أي ظهره؛ أي: ومن يجعل ظهره
وروى ابن جرير (١) وغيره عن جابر بن عبد الله: أن أبا سفيان خرج من مكة، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلّم، فقال: إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا، فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان أن محمدا يريدكم، فخذوا حذركم، فأنزل الله هذه الآية: ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ الآية. غريب جدا، في سنده وسياقه نظر.
وأخرج ابن جرير عن السدي، قال: كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلّم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين، فنزلت.
التفسير وأوجه القراءة
١٥ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: صدقوا الله ورسوله ﴿إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: قابلتموهم للقتال حالة كونهم ﴿زَحْفًا﴾؛ أي: زاحفين لقتالكم زحفا، إذ الكفار هم الذين زحفوا من مكة إلى المدينة لقتال المؤمنين فقابلوهم ببدر، والمعنى (٢) على التشبيه؛ أي: حالة كونهم مثل الزاحفين والماشين على أدبارهم، وذلك لأن الجيش إذا كثر والتحم بعضهم ببعض يتراءى أن سيره بطيء، وإن كان في نفس الأمر سريعا، فالمقصود من هذه الحال بعد كون المراد التشبيه ما يلزم هذه المشابهة، وهو الكثرة.
﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾؛ أي: فلا تولوهم ظهوركم، وأقفيتكم منهزمين؛ أي: لا تجعلوا ظهوركم مما يليهم، بل قابلوهم بوجوهكم، وقاتلوهم مع قلتكم،
١٦ - ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ تلقونهم ﴿دُبُرَهُ﴾ بضمتين، وقراءة الحسن ﴿دُبُرَهُ﴾: بسكون الباء كقولهم عنق في عنق، أي ظهره؛ أي: ومن يجعل ظهره
(١) لباب النقول.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
371
واليا ومقبلا إليهم شاردا منهزما منهم ﴿إِلَّا مُتَحَرِّفًا﴾؛ أي: إلا رجلا منعطفا مائلا لمكان رآه أحوج إليه ﴿لِقِتالٍ﴾ فيه، أو لضرب من ضروبه رآه أنكى بالعدو كأن يوهم خصمه أنه منهزم منه ليغريه على اتباعه، حتى إذا انفرد عن أنصاره، كر عليه فقتله ﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا﴾؛ أي: منتقلا منضما ﴿إِلى فِئَةٍ﴾؛ أي: إلى جماعة أخرى من المؤمنين، في جهة غير الجهة التي كان فيها، ليشد أزرهم، وينصرهم على عدو تكاثر جمعه عليهم، فصاروا أحوج إليهم ممن كان معهم؛ أي: من فعل ذلك التولي ﴿فَقَدْ باءَ﴾؛ أي: رجع عن قتاله حالة كونه ملتبسا ﴿بِغَضَبٍ﴾ عظيم ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿وَمَأْواهُ﴾ الذي يأوي إليه في الآخرة أي منزله ومسكنه في الآخرة ﴿جَهَنَّمُ﴾ دار العقاب ﴿وَبِئْسَ﴾؛ أي: قبح ﴿الْمَصِيرُ﴾؛ أي: المرجع هي. وانتصاب ﴿مُتَحَرِّفًا﴾ ﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا﴾ على الاستثناء، أو على الحال كما سيأتي، والمعنى: ومن ينهزم ويفر من الزحف فقد رجع بغضب كائن من الله، إلا المتحرف والمتحيز، وهذا مخصوص بما إذا لم يزد الكفار على الضعف، ذاك أن المنهزم أراد أن يأوي إلى مكان يأمن فيه الهلاك، فعوقب بجعل عاقبته دار الهلاك، والعذاب الدائم، وجوزي بضد غرضه.
وفي الآية دلالة على أن الفرار من الزحف من كبائر المعاصي، وجاء التصريح بذلك في صحيح الأحاديث، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا «اجتنبوا السبع الموبقات» - المهلكات - قالوا يا رسول الله وما هي؟: قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
وقد خصص بعض العلماء هذا بما إذا كان الكفار لا يزيدون على ضعف المؤمنين، قال الشافعي: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم، لم أحب لهم أن يولوا، ولا يستوجبون السخط عندي من الله لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة.
وفي الآية دلالة على أن الفرار من الزحف من كبائر المعاصي، وجاء التصريح بذلك في صحيح الأحاديث، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا «اجتنبوا السبع الموبقات» - المهلكات - قالوا يا رسول الله وما هي؟: قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
وقد خصص بعض العلماء هذا بما إذا كان الكفار لا يزيدون على ضعف المؤمنين، قال الشافعي: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم، لم أحب لهم أن يولوا، ولا يستوجبون السخط عندي من الله لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة.
372
وروي عن ابن عباس قال: من فر من ثلاثة.. فلم يفر، ومن اثنين.. فقد فر.
١٧ - و ﴿الفاء﴾: في قوله: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم (١) ما قصه الله عليكم من إمداده لكم بالملائكة، وإيقاع الرعب في قلوبهم.. فأقول لكم: لم تقتلوا أنتم أيها المؤمنون الكفار في الحقيقة، ولكن الله سبحانه وتعالى قتلهم بما يسره لكم من الأسباب الموجبة للنصر، من إلقاء الرعب في قلوبهم، وإمداد الملائكة لكم؛ أي: إن افتخرتم بقتلكم، فأنتم لم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم؛ لأنه هو الذي أنزل الملائكة، وألقى الرعب في قلوبهم، وشاء النصر والظفر وقوى قلوبكم، وأذهب عنها الفزع والجذع، ذكره أبو حيان.
والمعنى: يا أيها (٢) الذين آمنوا لا تولوا الكفار ظهوركم أبدا، فأنتم أولى منهم بالثبات والصبر، ثم بنصر الله تعالى، انظروا إلى ما أوتيتم من نصركم عليهم على قلة عددكم، وكثرتهم واستعدادهم، ولم يكن ذلك إلا بتأييد من الله تعالى لكم، وربطه على قلوبكم، وتثبيت أقدامكم، فلم تقتلوهم ذلك القتل الذي أفنى كثيرا منهم بقوتكم وعدتكم، ولكن الله قتلهم بأيديكم بما كان من تثبيت قلوبكم، بمخالطة الملائكة، وملابستها لأرواحكم وبإلقائه الرعب في قلوبهم، وهذا بعينه هو ما جاء في قوله تعالى: ﴿قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤)﴾، والمؤمن أحرى بالصبر الذي هو من أجل عوامل النصر من الكافر، إذ هو أقل حرصا على متاع الدنيا، وأعظم رجاء لله والدار الآخرة، يؤيد هذا قوله تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ﴾.
ثم انتقل من خطاب المؤمنين الذين قتلوا أولئك الصناديد بسيوفهم، إلى خطاب الرسول صلى الله عليه وسلّم، وهو قائدهم الأعظم فقال: ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ يا محمد أحدا
١٧ - و ﴿الفاء﴾: في قوله: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم (١) ما قصه الله عليكم من إمداده لكم بالملائكة، وإيقاع الرعب في قلوبهم.. فأقول لكم: لم تقتلوا أنتم أيها المؤمنون الكفار في الحقيقة، ولكن الله سبحانه وتعالى قتلهم بما يسره لكم من الأسباب الموجبة للنصر، من إلقاء الرعب في قلوبهم، وإمداد الملائكة لكم؛ أي: إن افتخرتم بقتلكم، فأنتم لم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم؛ لأنه هو الذي أنزل الملائكة، وألقى الرعب في قلوبهم، وشاء النصر والظفر وقوى قلوبكم، وأذهب عنها الفزع والجذع، ذكره أبو حيان.
والمعنى: يا أيها (٢) الذين آمنوا لا تولوا الكفار ظهوركم أبدا، فأنتم أولى منهم بالثبات والصبر، ثم بنصر الله تعالى، انظروا إلى ما أوتيتم من نصركم عليهم على قلة عددكم، وكثرتهم واستعدادهم، ولم يكن ذلك إلا بتأييد من الله تعالى لكم، وربطه على قلوبكم، وتثبيت أقدامكم، فلم تقتلوهم ذلك القتل الذي أفنى كثيرا منهم بقوتكم وعدتكم، ولكن الله قتلهم بأيديكم بما كان من تثبيت قلوبكم، بمخالطة الملائكة، وملابستها لأرواحكم وبإلقائه الرعب في قلوبهم، وهذا بعينه هو ما جاء في قوله تعالى: ﴿قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤)﴾، والمؤمن أحرى بالصبر الذي هو من أجل عوامل النصر من الكافر، إذ هو أقل حرصا على متاع الدنيا، وأعظم رجاء لله والدار الآخرة، يؤيد هذا قوله تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ﴾.
ثم انتقل من خطاب المؤمنين الذين قتلوا أولئك الصناديد بسيوفهم، إلى خطاب الرسول صلى الله عليه وسلّم، وهو قائدهم الأعظم فقال: ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ يا محمد أحدا
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
373
من المشركين ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾؛ أي: في الوقت الذي رميت فيه القبضة من التراب بإلقائها في الهواء، فأصابت وجوههم، فإن ما فعلته لا يكون له من التأثير مثل ما حدث ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿رَمى﴾ وجوههم كلهم بذلك التراب، الذي ألقيته في الهواء على قلته أو بعد تكثيره بمحض قدرته.
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم رمى المشركين يومئذ بقبضة من التراب وقال: «شاهت الوجوه» ثلاثا، فأعقبت رميته هزيمتهم، ومعنى (١) شاهت الوجوه، قبحت يقال: شاه وجهه يشوه شوها وشوهة، ويقال: رجل أشوه وامرأة شوهاء إذا كانا قبيحين.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما قال في استغاثته يوم بدر: «يا رب إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض أبدا» قال له جبريل: خذ قبضة من التراب فارم بها وجوههم، ففعل، فما من أحد من المشركين إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين.
وقال ثعلب (٢): المعنى ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ الفزع والرعب في قلوبهم، ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ بالحصباء فانهزموا ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾؛ أي: أعانك وأظفرك، والعرب تقول: رمى الله لك، أي أعانك وأظفرك وصنع لك، وقد حكى مثل هذا أبو عبيدة في كتاب «المجاز» وقال محمد بن يزيد المبرد: المعنى ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ بقوتك ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ ولكنك بقوة الله رميت، وقيل: المعنى إن تلك الرمية بالقبضة من التراب التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه رمي البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه، لأنّ أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله عز وجل، فكأن الله فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصلا، هكذا في «الكشاف» فإن قلت: كيف نفى عن المؤمنين قتل الكفار مع أنهم قتلوهم يوم بدر، ونفى عن النبي صلى الله عليه وسلّم رميهم
فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم رمى المشركين يومئذ بقبضة من التراب وقال: «شاهت الوجوه» ثلاثا، فأعقبت رميته هزيمتهم، ومعنى (١) شاهت الوجوه، قبحت يقال: شاه وجهه يشوه شوها وشوهة، ويقال: رجل أشوه وامرأة شوهاء إذا كانا قبيحين.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما قال في استغاثته يوم بدر: «يا رب إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض أبدا» قال له جبريل: خذ قبضة من التراب فارم بها وجوههم، ففعل، فما من أحد من المشركين إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين.
وقال ثعلب (٢): المعنى ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ الفزع والرعب في قلوبهم، ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ بالحصباء فانهزموا ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾؛ أي: أعانك وأظفرك، والعرب تقول: رمى الله لك، أي أعانك وأظفرك وصنع لك، وقد حكى مثل هذا أبو عبيدة في كتاب «المجاز» وقال محمد بن يزيد المبرد: المعنى ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ بقوتك ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ ولكنك بقوة الله رميت، وقيل: المعنى إن تلك الرمية بالقبضة من التراب التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة، لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه رمي البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، فأثبت الرمية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه، لأنّ أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله عز وجل، فكأن الله فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصلا، هكذا في «الكشاف» فإن قلت: كيف نفى عن المؤمنين قتل الكفار مع أنهم قتلوهم يوم بدر، ونفى عن النبي صلى الله عليه وسلّم رميهم
(١) زاد المسير.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
374
مع أنه رماهم يوم بدر بالحصى في وجوهم، قلت: نفى الفعل عنهم وعنه باعتبار الإيجاد إذ الموجد له حقيقة هو الله تعالى، وإثباته لهم باعتبار الكسب والصورة فقوله: ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾؛ أي: أتيت بصورة الرمي، وقرأ (١) حمزة، والكسائي، وابن عامر: ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾، ﴿وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾ بتخفيف نون ﴿لكِنَّ﴾، ورفع الجلالة، والباقون بالتشديد ونصب الجلالة، وجاءت هنا لكن أحسن مجيء لوقوعها بين نفي وإثبات، ولم يقل: فلم تقتلوهم إذ قتلتموهم كما قال: ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ مبالغة في الجملة الثانية اه من «السمين».
والفرق (٢) بين قتل المسلمين للكفار، وبين رمي النبي صلى الله عليه وسلّم إياهم بالتراب:
أن الأول فعل من أفعالهم المقدورة لهم، بحسب سنن الله في الأسباب الدنيوية، وأن الثاني لم يكن سببا عاديا لإصابتهم، وهزيمتهم لا مشاهدا كضرب أصحابه، لأعناق المشركين، ولا غير مشاهد، إذ هو لا يكون سببا لشكاية أعينهم، وشوهة وجوههم لقلته، وبعده عن راميه وكونهم غير مستقبلين له، كلهم، ومن ثم كانت الحاجة ماسة إلى بيان نقص الأول، وعدم استقلاله بالسببية، وبيان أنه لولا تأييد الله ونصره لما وصل كسبهم المحض إلى هذا الفشل؛ لأنك قد علمت ما كان من خوفهم، وكراهتهم للقتال، وبمجادلة النبي صلى الله عليه وسلّم فهم لو ظلوا على هذه الحال مع قلتهم وضعفهم، لكان مقتضى الأسباب العادية أن يمحقهم المشركون محقا.
والفرق بين فعله تعالى في القتل، وفعله في الرمي: أن الأول عبارة عن تسخيره تعالى لهم أسباب القتل، كما هو الحال في جميع كسب البشر وأعمالهم الاختيارية من كونها لا تستقل في حصول غاياتها إلا بفعل الله، وتسخيره لهم للأسباب التي لا يصل إليه كسبهم عادة كما بين ذلك سبحانه بقوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)﴾ فالإنسان يحرث الأرض ويلقي فيها البذر، ولكنه لا يملك إنزال المطر، ولا إنبات الحب وتغذيته بمختلف عناصر
فصل
والفرق (٢) بين قتل المسلمين للكفار، وبين رمي النبي صلى الله عليه وسلّم إياهم بالتراب:
أن الأول فعل من أفعالهم المقدورة لهم، بحسب سنن الله في الأسباب الدنيوية، وأن الثاني لم يكن سببا عاديا لإصابتهم، وهزيمتهم لا مشاهدا كضرب أصحابه، لأعناق المشركين، ولا غير مشاهد، إذ هو لا يكون سببا لشكاية أعينهم، وشوهة وجوههم لقلته، وبعده عن راميه وكونهم غير مستقبلين له، كلهم، ومن ثم كانت الحاجة ماسة إلى بيان نقص الأول، وعدم استقلاله بالسببية، وبيان أنه لولا تأييد الله ونصره لما وصل كسبهم المحض إلى هذا الفشل؛ لأنك قد علمت ما كان من خوفهم، وكراهتهم للقتال، وبمجادلة النبي صلى الله عليه وسلّم فهم لو ظلوا على هذه الحال مع قلتهم وضعفهم، لكان مقتضى الأسباب العادية أن يمحقهم المشركون محقا.
والفرق بين فعله تعالى في القتل، وفعله في الرمي: أن الأول عبارة عن تسخيره تعالى لهم أسباب القتل، كما هو الحال في جميع كسب البشر وأعمالهم الاختيارية من كونها لا تستقل في حصول غاياتها إلا بفعل الله، وتسخيره لهم للأسباب التي لا يصل إليه كسبهم عادة كما بين ذلك سبحانه بقوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)﴾ فالإنسان يحرث الأرض ويلقي فيها البذر، ولكنه لا يملك إنزال المطر، ولا إنبات الحب وتغذيته بمختلف عناصر
(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
375
التربة، ولا دفع الجوائح عنه.
وأن الثاني من فعله تعالى وحده، بدون كسب عادي للنبي صلى الله عليه وسلّم في تأثيره فالرمي منه كان صوريا لتظهر الآية على يده صلى الله عليه وسلّم، فما مثله في ذلك إلا مثل أخيه موسى عليه السلام، في إلقائه العصا ﴿فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى﴾.
والواو في قوله: ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا﴾؛ أي: ولينعم على المؤمنين إنعاما جميلا عاطفة (١) لما بعدها على علة مقدرة قبلها؛ أي: ولكن الله رمى ليمحق الكافرين، وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا بالنصر والغنيمة، وحسن السمعة ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿سَمِيعٌ﴾ لدعائهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بأحوالهم، والبلاء هنا بمعنى النعمة، والمعنى: فعل الله تعالى ما ذكر لإقامته حجته وتأييد رسوله، وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا، إنه تعالى سميع لما كان من استغاثة الرسول والمؤمنين ربهم، ودعائهم إياه وحده ولكل نداء وكلام، عليم بنياتهم الباعثة عليه، والعواقب التي تترتب عليه.
١٨ - وقوله: ﴿ذلِكُمْ﴾ مبتدأ خبره محذوف، والمصدر المؤول من قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ﴾؛ أي: مضعف مكرهم لرسوله وللمؤمنين، ومحاولتهم القضاء على دعوة التوحيد، والإصلاح قبل أن يقوى أمرها وتشتد، معطوف عليه، والتقدير (٢) ذلكم الإبلاء والإنعام للمؤمنين بالنصر والغنيمة حق، وتوهين كيد الكافرين بالهزيمة حق.
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، ﴿موهن﴾ بفتح الواو، وتشديد الهاء، والتنوين فـ ﴿كَيْدِ﴾ منصوب على المفعولية من وهن، والتعدية بالتضعيف بما عينه حرف حلق غير الهمزة قليل، نحو ضعفت، ووهنت، وبابه أن يعدى بالهمزة نحو أذهلته، وأوهنته، وألحمته، وقرأ باقي السبعة والحسن، وأبو رجاء، والأعمش، وابن محيصن بسكون الواو وتخفيف الهاء من أوهن، كأكرم منونا، وأضافه حفص إلى كيد.
وأن الثاني من فعله تعالى وحده، بدون كسب عادي للنبي صلى الله عليه وسلّم في تأثيره فالرمي منه كان صوريا لتظهر الآية على يده صلى الله عليه وسلّم، فما مثله في ذلك إلا مثل أخيه موسى عليه السلام، في إلقائه العصا ﴿فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى﴾.
والواو في قوله: ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا﴾؛ أي: ولينعم على المؤمنين إنعاما جميلا عاطفة (١) لما بعدها على علة مقدرة قبلها؛ أي: ولكن الله رمى ليمحق الكافرين، وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا بالنصر والغنيمة، وحسن السمعة ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿سَمِيعٌ﴾ لدعائهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بأحوالهم، والبلاء هنا بمعنى النعمة، والمعنى: فعل الله تعالى ما ذكر لإقامته حجته وتأييد رسوله، وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا، إنه تعالى سميع لما كان من استغاثة الرسول والمؤمنين ربهم، ودعائهم إياه وحده ولكل نداء وكلام، عليم بنياتهم الباعثة عليه، والعواقب التي تترتب عليه.
١٨ - وقوله: ﴿ذلِكُمْ﴾ مبتدأ خبره محذوف، والمصدر المؤول من قوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ﴾؛ أي: مضعف مكرهم لرسوله وللمؤمنين، ومحاولتهم القضاء على دعوة التوحيد، والإصلاح قبل أن يقوى أمرها وتشتد، معطوف عليه، والتقدير (٢) ذلكم الإبلاء والإنعام للمؤمنين بالنصر والغنيمة حق، وتوهين كيد الكافرين بالهزيمة حق.
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، ﴿موهن﴾ بفتح الواو، وتشديد الهاء، والتنوين فـ ﴿كَيْدِ﴾ منصوب على المفعولية من وهن، والتعدية بالتضعيف بما عينه حرف حلق غير الهمزة قليل، نحو ضعفت، ووهنت، وبابه أن يعدى بالهمزة نحو أذهلته، وأوهنته، وألحمته، وقرأ باقي السبعة والحسن، وأبو رجاء، والأعمش، وابن محيصن بسكون الواو وتخفيف الهاء من أوهن، كأكرم منونا، وأضافه حفص إلى كيد.
(١) الشوكاني.
(٢) الصاوي.
(٢) الصاوي.
وبعد أن ذكر خذلانهم وإضعاف كيدهم: انتقل منه إلى توبيخهم على استنصارهم إياه على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد روى محمد بن إسحاق عن الزهري أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أينا كان أقطع للرحم، وأتى بما لا يعرف، فأحنه (١) الغداة، فكان ذلك منه استفتاحا.
١٩ - وقال السدي: كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر، أخذوا بأستار الكعبة، فاستنصروا الله، وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين، فأجابهم الله تعالى بقولهم: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا﴾؛ أي: إن تطلبوا الفتح والنصر لأعلى الجندين، وأهداهما ﴿فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ والنصر لأعلاهما وأهداهما، وهذا من قبيل التهكم بهم، لأنه قد جاءهم الهلاك والذلة.
﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا﴾ وتنزجروا عن عداوة النبي صلى الله عليه وسلّم وقتاله ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾؛ أي: فالانتهاء خير لكم، لأنكم قد ذقتم من الحرب ما ذقتم من قتل وأسر بسبب ذلك العدوان.
﴿وَإِنْ تَعُودُوا﴾ إلى حربه وقتاله ﴿نَعُدْ﴾ إلى مثل ما رأيتم من الفتح له عليكم حتى يجيء الفتح الأعظم، الذي به تدول الدولة للمؤمنين عليكم، وبه يذل شرككم، وتذهب ريحكم ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ﴾؛ أي: ولن يدفع عنكم رهطكم ﴿شَيْئًا﴾ من بأس الله، وشديد نقمته، ولو كثرت عددا إذ لا تكون الكثرة وسيلة من وسائل النصر أمام القلة، إلا إذا تساوت معها في أمور كثيرة، كالصبر والثبات، والثقة بالله تعالى، فهو الذي بيده النصر والقوة.
قال الحسن ومجاهد والسدي (٢): وهذا خطاب للكفار على سبيل التهكم بهم، والمعنى: إن تستنصروا أيها الكفار لأعلى الجندين فقد جاءكم النصر لأعلاهما، وقد زعمتم أنكم الأعلى، فالتهكم في المجيء، أو: فقد جاءكم الهزيمة، فالتهكم في نفس الفتح، وإن تنتهوا عن قتال الرسول وعداوته وتكذبيه
١٩ - وقال السدي: كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر، أخذوا بأستار الكعبة، فاستنصروا الله، وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين، فأجابهم الله تعالى بقولهم: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا﴾؛ أي: إن تطلبوا الفتح والنصر لأعلى الجندين، وأهداهما ﴿فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ والنصر لأعلاهما وأهداهما، وهذا من قبيل التهكم بهم، لأنه قد جاءهم الهلاك والذلة.
﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا﴾ وتنزجروا عن عداوة النبي صلى الله عليه وسلّم وقتاله ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾؛ أي: فالانتهاء خير لكم، لأنكم قد ذقتم من الحرب ما ذقتم من قتل وأسر بسبب ذلك العدوان.
﴿وَإِنْ تَعُودُوا﴾ إلى حربه وقتاله ﴿نَعُدْ﴾ إلى مثل ما رأيتم من الفتح له عليكم حتى يجيء الفتح الأعظم، الذي به تدول الدولة للمؤمنين عليكم، وبه يذل شرككم، وتذهب ريحكم ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ﴾؛ أي: ولن يدفع عنكم رهطكم ﴿شَيْئًا﴾ من بأس الله، وشديد نقمته، ولو كثرت عددا إذ لا تكون الكثرة وسيلة من وسائل النصر أمام القلة، إلا إذا تساوت معها في أمور كثيرة، كالصبر والثبات، والثقة بالله تعالى، فهو الذي بيده النصر والقوة.
قال الحسن ومجاهد والسدي (٢): وهذا خطاب للكفار على سبيل التهكم بهم، والمعنى: إن تستنصروا أيها الكفار لأعلى الجندين فقد جاءكم النصر لأعلاهما، وقد زعمتم أنكم الأعلى، فالتهكم في المجيء، أو: فقد جاءكم الهزيمة، فالتهكم في نفس الفتح، وإن تنتهوا عن قتال الرسول وعداوته وتكذبيه
(١) من حال الرجل إذا هلك وباعه باع، وأحانه الله إذا هلك ا. هـ مختار.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
فهو خير لكم في الدين بالخلاص من العقاب والفوز بالثواب، وفي الدنيا بالخلاص من القتل، والأسر والنهب، وإن تعودوا إلى القتال نعد إلى تسليط المسلمين على قتلكم، ولن تدفع عنكم جماعتكم شيئا من الضرر ولو كثرت.
وقيل: هذا خطاب للمؤمنين، والمعنى: إن تستنصروا أيها المؤمنون، فقد جاءكم النصر، وإن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال، وعن طلب الفداء على الأسرى فهو خير لكم، وإن تعودوا إلى تلك المنازعة نعد إلى ترك نصرتكم، ثم لا تنفعكم كثرتكم.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم (١): ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بفتح همزة أن على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: والأمر، والشأن كون الله سبحانه وتعالى مع المؤمنين بمعونته، وتوفيقه، فلا تضرهم قلتهم، ولا كثرة عددكم فهو يؤتي النصر من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، أو على أنه معطوف على علة محذوفة، لمعلول محذوف، تقديره: فعل الله بكم ما فعل من الأسر، والقتل، والهمزيمة، لأن الله سبحانه وتعالى ليس معكم، وأن الله مع المؤمنين، وقرأ باقي السبعة بكسرها على الاستئناف، وقرأ ابن مسعود: ﴿والله مع المؤمنين﴾.
٢٠ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ في الاجابة إلى الجهاد، وترك المال إذ أمر الله بتركه؛ أي: داوموا على طاعته، وعلى عدم التولي، وعلى ترك المال يدم لكم العز الذي حصل لكم ببدر ﴿وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ﴾؛ أي: عن الرسول؛ أي: ولا تعرضوا عن طاعته، وعن قبول قوله، وعن معونته في الجهاد، فالضمير في ﴿عَنْهُ﴾ عائد على الرسول؛ لأنّ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلّم هي من طاعة الله، ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الله، وإلى رسوله، وقل: الضمير راجع إلى الأمر الذي دل عليه ﴿أَطِيعُوا﴾ وأصل تولوا تتولوا بتائين.
﴿وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾؛ أي: والحال أنكم تسمعون كلامه الداعي إلى وجوب طاعته، وموالاته، ونصره في جهاده، ولا شك أن المراد بالسماع هنا: سماع
وقيل: هذا خطاب للمؤمنين، والمعنى: إن تستنصروا أيها المؤمنون، فقد جاءكم النصر، وإن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال، وعن طلب الفداء على الأسرى فهو خير لكم، وإن تعودوا إلى تلك المنازعة نعد إلى ترك نصرتكم، ثم لا تنفعكم كثرتكم.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم (١): ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بفتح همزة أن على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: والأمر، والشأن كون الله سبحانه وتعالى مع المؤمنين بمعونته، وتوفيقه، فلا تضرهم قلتهم، ولا كثرة عددكم فهو يؤتي النصر من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، أو على أنه معطوف على علة محذوفة، لمعلول محذوف، تقديره: فعل الله بكم ما فعل من الأسر، والقتل، والهمزيمة، لأن الله سبحانه وتعالى ليس معكم، وأن الله مع المؤمنين، وقرأ باقي السبعة بكسرها على الاستئناف، وقرأ ابن مسعود: ﴿والله مع المؤمنين﴾.
٢٠ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ في الاجابة إلى الجهاد، وترك المال إذ أمر الله بتركه؛ أي: داوموا على طاعته، وعلى عدم التولي، وعلى ترك المال يدم لكم العز الذي حصل لكم ببدر ﴿وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ﴾؛ أي: عن الرسول؛ أي: ولا تعرضوا عن طاعته، وعن قبول قوله، وعن معونته في الجهاد، فالضمير في ﴿عَنْهُ﴾ عائد على الرسول؛ لأنّ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلّم هي من طاعة الله، ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الله، وإلى رسوله، وقل: الضمير راجع إلى الأمر الذي دل عليه ﴿أَطِيعُوا﴾ وأصل تولوا تتولوا بتائين.
﴿وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾؛ أي: والحال أنكم تسمعون كلامه الداعي إلى وجوب طاعته، وموالاته، ونصره في جهاده، ولا شك أن المراد بالسماع هنا: سماع
(١) الفتوحات والبحر المحيط.
الفهم والتصديق بما يسمع كما هو شأن المؤمنين الذين من دأبهم أن يقولوا: ﴿سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ والمعنى: وأنتم تسمعون ما يتلى عليكم من الحجج، والبراهين، وتصدقون بها، ولستم كالصم البكم
٢١ - ﴿وَلا تَكُونُوا﴾ أيها المؤمنون ﴿كَالَّذِينَ قالُوا﴾ بأسلنتهم ﴿سَمِعْنا﴾ دعوتك ﴿وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾؛ أي: لا يتعظون، ولا ينتفعون بما سمعوا من القرآن، والمواعظ؛ أي: قالوا بألسنتهم: إنا قبلنا تكاليف الله تعالى، والحال: أنهم لا يقبلونها بقلوبهم، وهم المشركون، أو المنافقون، أو اليهود، أو الجميع من هؤلاء، فإنهم يسمعون بآذانهم من غير فهم ولا عمل، فهم كالذي لا يسمع أصلا، لأنهم لم ينتفعوا بما سمعوا.
٢٢ - ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ﴾ جمع دابة، وهي كل ما دب على الأرض، وقل أن يستعمل في الإنسان، بل الغالب أن يستعمل في الحشرات، ودواب الركوب، فإذا استعمل في الإنسان كان ذلك في موضع الاحتقار؛ أي: إن شر ما دب على الأرض وأقبحه وأخسه ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ تعالى؛ أي: في حكم الله وقضائه هم ﴿الصُّمُّ﴾ الذين لا يسمعون الحق ﴿الْبُكْمُ﴾ الذين لا ينطقون به، وصفوا بذلك مع كونهم ممن يسمع وينطق لعدم انتفاعهم بالسمع والنطق ﴿الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ ولا يعرفون ما فيه النفع لهم، فيأتونه، وما فيه الضرر عليهم فيجتنبونه، فهم شر الدواب عند الله تعالى، لأنها تميز بعض تمييز، وتفرق بين ما ينفعها ويضرها، والمعنى: إن شر الدواب في حكم الله وقضائه هم الصم الذين لا يصغون بأسماعهم ليعرفوا الحق، ويعتبروا بالموعظة الحسنة، فهم بفقدهم لمنفعة السمع كانوا كأنهم فقدوا حاسته، البكم الذين لا يقولون الحق ومن ثم كانوا كأنهم فقدوا النطق الذين لا يعقلون الفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، إذ هم لو عقلوا لطلبوه واهتدوا إلى ما فيه المنفعة والفائدة لهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)﴾.
والخلاصة: أنهم حين فقدوا منفعة السمع والنطق والعقل.. كانوا كأنهم فقدوا هذه المشاعر والقوى بأن خلقوا خداجا ناقصي هذه المشاعر، أو طرأت
٢١ - ﴿وَلا تَكُونُوا﴾ أيها المؤمنون ﴿كَالَّذِينَ قالُوا﴾ بأسلنتهم ﴿سَمِعْنا﴾ دعوتك ﴿وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾؛ أي: لا يتعظون، ولا ينتفعون بما سمعوا من القرآن، والمواعظ؛ أي: قالوا بألسنتهم: إنا قبلنا تكاليف الله تعالى، والحال: أنهم لا يقبلونها بقلوبهم، وهم المشركون، أو المنافقون، أو اليهود، أو الجميع من هؤلاء، فإنهم يسمعون بآذانهم من غير فهم ولا عمل، فهم كالذي لا يسمع أصلا، لأنهم لم ينتفعوا بما سمعوا.
٢٢ - ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ﴾ جمع دابة، وهي كل ما دب على الأرض، وقل أن يستعمل في الإنسان، بل الغالب أن يستعمل في الحشرات، ودواب الركوب، فإذا استعمل في الإنسان كان ذلك في موضع الاحتقار؛ أي: إن شر ما دب على الأرض وأقبحه وأخسه ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ تعالى؛ أي: في حكم الله وقضائه هم ﴿الصُّمُّ﴾ الذين لا يسمعون الحق ﴿الْبُكْمُ﴾ الذين لا ينطقون به، وصفوا بذلك مع كونهم ممن يسمع وينطق لعدم انتفاعهم بالسمع والنطق ﴿الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ ولا يعرفون ما فيه النفع لهم، فيأتونه، وما فيه الضرر عليهم فيجتنبونه، فهم شر الدواب عند الله تعالى، لأنها تميز بعض تمييز، وتفرق بين ما ينفعها ويضرها، والمعنى: إن شر الدواب في حكم الله وقضائه هم الصم الذين لا يصغون بأسماعهم ليعرفوا الحق، ويعتبروا بالموعظة الحسنة، فهم بفقدهم لمنفعة السمع كانوا كأنهم فقدوا حاسته، البكم الذين لا يقولون الحق ومن ثم كانوا كأنهم فقدوا النطق الذين لا يعقلون الفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، إذ هم لو عقلوا لطلبوه واهتدوا إلى ما فيه المنفعة والفائدة لهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)﴾.
والخلاصة: أنهم حين فقدوا منفعة السمع والنطق والعقل.. كانوا كأنهم فقدوا هذه المشاعر والقوى بأن خلقوا خداجا ناقصي هذه المشاعر، أو طرأت
عليهم آفات أذهبت هذه القوى بل هم شر منهم لأن هذه المشاعر، خلقت لهم، فأفسدوها على أنفسهم، إذ لم يستعملوها فيما خلقت لأجله حين التكليف، وفي الآية غاية الذم لهم بأنهم أشر من الكلب، والخنزير، والحمير.
٢٣ - ﴿وَلَوْ عَلِمَ﴾ اللَّهُ سبحانه وتعالى ﴿فِيهِمْ﴾؛ أي: في هؤلاء الصم البكم ﴿خَيْرًا﴾؛ أي: سعادة ﴿لَأَسْمَعَهُمْ﴾ سماعا ينتفعون به ويتعقلون عنده الحجج والبراهين، والمعنى:
قال الزجاج: ﴿لَأَسْمَعَهُمْ﴾ جواب كل ما سألوا عنه، وقيل: ﴿لَأَسْمَعَهُمْ﴾ كلام الموتى الذين طلبوا إحياءهم؛ لأنهم طلبوا إحياء قصي بن كلاب، وغيره، ليشهدوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى الحجج والبراهين سماع تفهم، وقد علم أنه لا خير فيهم ﴿لَتَوَلَّوْا﴾ عن قبولها وأعرضوا عن إذعانها. ﴿وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ عنها قبل ذلك؛ أي: لتولوا عن القبول، والإذعان، والحال أنهم معرضون من قبل ذلك بقلوبهم عن قبوله والعمل به، كراهية وعنادا للداعي إليه، ولأهله، فقد فقدوا الاستعداد لقبول الحق، والخير، فقدا تاما لا فقدا عارضا موقوتا.
واعلم: أن للسماع درجات باعتبار ما يطالب الله به من الاهتداء بكتابه:
١ - أن يتعمد من يتلى عليه أن لا يسمعه مبارزة له بالعدوان بادىء ذي بدء خوفا من سلطانه على القلوب أن يغلبهم.
٢ - أن يستمع، وهو لا ينوي أن يفهم ويتدبر، كالمنافقين الذين قال الله فيهم: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفًا﴾.
٣ - أن يستمع لأجل التماس شبهة للطعن والاعتراض، كما كان يفعل
٢٣ - ﴿وَلَوْ عَلِمَ﴾ اللَّهُ سبحانه وتعالى ﴿فِيهِمْ﴾؛ أي: في هؤلاء الصم البكم ﴿خَيْرًا﴾؛ أي: سعادة ﴿لَأَسْمَعَهُمْ﴾ سماعا ينتفعون به ويتعقلون عنده الحجج والبراهين، والمعنى:
ولو علم الله فيهم خيرا أي استعدادا للايمان، والهداية بنور النبوة، ولم يفسد قبس الفطرة سوء القدوة، وفساد التربية | لأسمعهم بتوفيقه الكتاب والحكمة سماع تدبر وتفهم، ولكنه قد علم أنه لا خير فيهم، فهم ممن ختم الله على قلوبهم، وأحاطت بهم خطاياهم. |
واعلم: أن للسماع درجات باعتبار ما يطالب الله به من الاهتداء بكتابه:
١ - أن يتعمد من يتلى عليه أن لا يسمعه مبارزة له بالعدوان بادىء ذي بدء خوفا من سلطانه على القلوب أن يغلبهم.
٢ - أن يستمع، وهو لا ينوي أن يفهم ويتدبر، كالمنافقين الذين قال الله فيهم: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفًا﴾.
٣ - أن يستمع لأجل التماس شبهة للطعن والاعتراض، كما كان يفعل
المعاندون من المشركين وأهل الكتاب، وقت التنزيل وفي كل حين إذا استمعوا إلى القرآن أو نظروا فيه.
٤ - أن يسمع ليفهم ويتدبر ثم يحكم له أو عليه، وهذا هو المنصف، وكم من السامعين أو القارئين آمن من بعد أن نظر، وتأمل، فقد نظر طبيب فرنسي في ترجمة القرآن، فرأى أن كل النظريات الطبية التي فيه كالطهارة والاعتدال في المآكل، والمشارب، وعدم الإسراف فيهما، ونحو ذلك من المسائل التي فيها محافظة على الصحة، توافق أحدث النظريات التي استقر عليها رأي الأطباء، في هذا العصر، فرغب في هذا كله وأسلم.
وكثير من المسلمين يستمعون القراء، ويتلون القرآن، فلا يشعرون بأنهم في حاجة إلى فهمه وتدبر معناه، بل يستمعونه للتلذذ بتجويده، وتوقيع التلاوة على قواعد النغم، أو يقصدون بسماعه التبرك فقط، ومنهم من يحضر الحفاظ عنده في ليالي رمضان، ويجلسهم في حجرة البوابين أو غيرهم من الخدم تشبها بالأكابر والوجهاء.
٢٤ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: صدقوا الله ورسوله ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾؛ أي: أجيبوا الله والرسول بحسن الطاعة، والانقياد، فاستجاب هنا بمعنى أجاب، لأن السين والتاء فيه زائدتان، وإن كان استجاب يتعدى باللام، وأجاب بنفسه كما أن قوله: ﴿يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ﴾ وقد يتعدى استجاب بنفسه، كما في قول الشاعر:
﴿إِذا دَعاكُمْ﴾ الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم؛ وإنما أفرد الضمير لأن استجابة الرسول استجابة لله تعالى، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد، وأخرج البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلم أجبه، ثم أتيته فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، فقال صلى الله عليه وسلّم: «ألم يقل الله: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم»، ثم ذكر الحديث.
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خرج على أبيّ بن كعب
٤ - أن يسمع ليفهم ويتدبر ثم يحكم له أو عليه، وهذا هو المنصف، وكم من السامعين أو القارئين آمن من بعد أن نظر، وتأمل، فقد نظر طبيب فرنسي في ترجمة القرآن، فرأى أن كل النظريات الطبية التي فيه كالطهارة والاعتدال في المآكل، والمشارب، وعدم الإسراف فيهما، ونحو ذلك من المسائل التي فيها محافظة على الصحة، توافق أحدث النظريات التي استقر عليها رأي الأطباء، في هذا العصر، فرغب في هذا كله وأسلم.
وكثير من المسلمين يستمعون القراء، ويتلون القرآن، فلا يشعرون بأنهم في حاجة إلى فهمه وتدبر معناه، بل يستمعونه للتلذذ بتجويده، وتوقيع التلاوة على قواعد النغم، أو يقصدون بسماعه التبرك فقط، ومنهم من يحضر الحفاظ عنده في ليالي رمضان، ويجلسهم في حجرة البوابين أو غيرهم من الخدم تشبها بالأكابر والوجهاء.
٢٤ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: صدقوا الله ورسوله ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾؛ أي: أجيبوا الله والرسول بحسن الطاعة، والانقياد، فاستجاب هنا بمعنى أجاب، لأن السين والتاء فيه زائدتان، وإن كان استجاب يتعدى باللام، وأجاب بنفسه كما أن قوله: ﴿يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ﴾ وقد يتعدى استجاب بنفسه، كما في قول الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى | فلم يستجبه عند ذاك مجيب |
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خرج على أبيّ بن كعب
381
وهو يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «يا أبي» فالتفت أبي ولم يجبه، وصلى أبي، وخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «وعليك السلام، ما منعك يا أبيّ أن تجيبني إذ دعوتك»، فقال:
يا رسول الله، إنّي كنت في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلّم: «أفلم تجد فيما أوحي إليّ ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ﴾» قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله تعالى، وذكر الحديث. وقال: حديث حسن صحيح.
قيل (١): هذه الإجابة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلّم، فعلى هذا ليس لأحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر، وقيل: لو دعاه أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير.. فله أن يقطع صلاته.
﴿لِما يُحْيِيكُمْ﴾؛ أي: لما فيه حياتكم من علوم الديانات والشرائع، لأن العلم حياة، كما أن الجهل موت، قال الشاعر:
لا تعجبنّ الجهول حلّته... فذاك ميت وثوبه كفن
قال (٢) السدي: هو الإيمان لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان، وقال قتادة: هو القرآن لأنه حياة القلوب، وفيه النجاة والعصمة في الدارين، وقال مجاهد: هو الحق، وقال محمد بن إسحاق: هو الجهاد لأن الله أعزه به بعد الذل، وقيل: هو الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
والمعنى (٣): أن الرسول صلى الله عليه وسلّم إذا دعاكم بأمر ربكم لما فيه حياتكم الروحية من علم بسننه في خلقه، ومن حكمة وفضيلة، ترفع نفس الإنسان وترقى بها إلى مراتب الكمال، حتى تحظى بالقرب من ربها، وتنال رضوانه في الدار الآخرة... فأجيبوا دعوته بقوة وعزم كما قال في آية أخرى: ﴿خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ وطاعته صلى الله عليه وسلّم واجبة في حياته، وبعد مماته، فيما علم أنه دعا إليه دعوة عامة من أمور الدين الذي بعثه الله به، كبيانه لصفة الصلاة، وعددها، قولا أو فعلا
يا رسول الله، إنّي كنت في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلّم: «أفلم تجد فيما أوحي إليّ ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ﴾» قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله تعالى، وذكر الحديث. وقال: حديث حسن صحيح.
قيل (١): هذه الإجابة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلّم، فعلى هذا ليس لأحد أن يقطع صلاته لدعاء أحد آخر، وقيل: لو دعاه أحد لأمر مهم لا يحتمل التأخير.. فله أن يقطع صلاته.
﴿لِما يُحْيِيكُمْ﴾؛ أي: لما فيه حياتكم من علوم الديانات والشرائع، لأن العلم حياة، كما أن الجهل موت، قال الشاعر:
لا تعجبنّ الجهول حلّته... فذاك ميت وثوبه كفن
قال (٢) السدي: هو الإيمان لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان، وقال قتادة: هو القرآن لأنه حياة القلوب، وفيه النجاة والعصمة في الدارين، وقال مجاهد: هو الحق، وقال محمد بن إسحاق: هو الجهاد لأن الله أعزه به بعد الذل، وقيل: هو الشهادة لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
والمعنى (٣): أن الرسول صلى الله عليه وسلّم إذا دعاكم بأمر ربكم لما فيه حياتكم الروحية من علم بسننه في خلقه، ومن حكمة وفضيلة، ترفع نفس الإنسان وترقى بها إلى مراتب الكمال، حتى تحظى بالقرب من ربها، وتنال رضوانه في الدار الآخرة... فأجيبوا دعوته بقوة وعزم كما قال في آية أخرى: ﴿خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ وطاعته صلى الله عليه وسلّم واجبة في حياته، وبعد مماته، فيما علم أنه دعا إليه دعوة عامة من أمور الدين الذي بعثه الله به، كبيانه لصفة الصلاة، وعددها، قولا أو فعلا
(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
382
فقد صلى بأصحابه وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وقال: «خذوا عني مناسككم». وكبيانه لمقادير الزكاة وغيرها من السنن العملية المتواترة، وأقواله كذلك، فكل من ثبت عنده شيء منها ببحثه أو ببحث العلماء الذين يثق بهم..
وجب عليه الاهتداء به، أما الإرشادات النبوية في أمور العادات كاللباس، والطعام، والشراب، والنوم.. فلم يعدها أحد من الأئمة دينا يجب الاقتداء به فيه.
ويستدل (١) بهذا الأمر بالاستجابة على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله، أو قول رسوله في حكم من الأحكام الشرعية، أن يبادر إلى العمل به كائنا ما كان، ويدع ما خالفه من الرأي وأقوال الرجال، وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة، وترك التقيد بالمذاهب، وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائنا ما كان.
﴿وَاعْلَمُوا﴾ يا معشر المؤمنين ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؛ أي: يحول بين المرء وبين ما يريده بقلبه، فإن الأجل يحول دون الأمل، فكأنه (٢) قال تعالى: بادروا إلى الأعمال الصالحة، ولا تعتمدوا على ما يقع في قلوبكم من توقع طول البقاء فإن ذلك غير موثوق به، وقال مجاهد:
المراد بالقلب هنا العقل؛ أي: فإن الله تعالى يحول بين المرء وعقله.
والمعنى: فبادروا إلى الأعمال، وأنتم تعقلون، فإنكم لا تأمنون زوال العقل، والله يحول بين المرء الكافر وطاعته، ويحول بين المرء المطيع ومعصيته، والقلوب بيد الله، يقلبها كيف يشاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» ولا يستطيعون المرء أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه تعالى.
والمعنى (٣): أنه تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء والقادر على
وجب عليه الاهتداء به، أما الإرشادات النبوية في أمور العادات كاللباس، والطعام، والشراب، والنوم.. فلم يعدها أحد من الأئمة دينا يجب الاقتداء به فيه.
ويستدل (١) بهذا الأمر بالاستجابة على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله، أو قول رسوله في حكم من الأحكام الشرعية، أن يبادر إلى العمل به كائنا ما كان، ويدع ما خالفه من الرأي وأقوال الرجال، وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة، وترك التقيد بالمذاهب، وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائنا ما كان.
﴿وَاعْلَمُوا﴾ يا معشر المؤمنين ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؛ أي: يحول بين المرء وبين ما يريده بقلبه، فإن الأجل يحول دون الأمل، فكأنه (٢) قال تعالى: بادروا إلى الأعمال الصالحة، ولا تعتمدوا على ما يقع في قلوبكم من توقع طول البقاء فإن ذلك غير موثوق به، وقال مجاهد:
المراد بالقلب هنا العقل؛ أي: فإن الله تعالى يحول بين المرء وعقله.
والمعنى: فبادروا إلى الأعمال، وأنتم تعقلون، فإنكم لا تأمنون زوال العقل، والله يحول بين المرء الكافر وطاعته، ويحول بين المرء المطيع ومعصيته، والقلوب بيد الله، يقلبها كيف يشاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» ولا يستطيعون المرء أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه تعالى.
والمعنى (٣): أنه تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء والقادر على
(١) الشوكاني.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.
383
الحيلولة بين الإنسان وبين ما يشتهيه قلبه، فهو الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعا، إذ بيده تعالى ملكوت كل شيء، وزمامه، وفي ذلك حض على المراقبة، والخوف من الله تعالى والبدار إلى الاستجابة له، وقال مجاهد: يحول بين المرء وعقله، فلا يدري ما يعمل عقوبة على عناده، وقال السدي: يحول بين كل واحد، وقلبه فلا يقدر على إيمان ولا كفر إلا بإذنه، وقيل: غير ذلك، وقرأ ابن أبي إسحاق ﴿بَيْنَ الْمَرْءِ﴾ بكسر الميم اتباعا لحركة الإعراب، إذ في المرء لغتان فتح الميم مطلقا، وإتباعها حركة الاعراب، وقرأ الحسن، والزهري: ﴿بين المرّ﴾ بتشديد الراء من غير همز، ووجهه: أنه نقل حركة الهمزة إلى الراء، وحذف الهمزة، ثم شدها كما تشدد في الوقف، وأجرى الوصل مجرى الوقف ﴿وَ﴾ اعملوا ﴿أَنَّهُ﴾؛ أي: أن الشأن ﴿إِلَيْهِ﴾ سبحانه وتعالى ﴿تُحْشَرُونَ﴾ في الآخرة للجزاء على أعمالكم، فيجازيكم بحسب مراتب أعمالكم، فسارعوا إلى طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم.
٢٥ - ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ أي بلية؛ أي: واحذروا سبب بلية إن أصابتكم ﴿لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ خطاب للمؤمنين جميعا صلحائهم وغيرهم، والمراد بالفتنة العذاب الدنيوي كالقحط والغلاء وتسليط الظلمة، وغير ذلك؛ أي (١): واحذروا أيها المؤمنون فتنة إن نزلت بكم لم تقتصر على الظالمين خاصة بل تتعدى إليكم جميعا، وتصل إلى الصالح والطالح، واتقاء تلك الفتنة بالنهي عن المنكر، فالواجب على كل من رآه أن يزيله إذا كان قادرا على ذلك، فإذا سكت عليه فكلهم عصاة، هذا بفعله وهذا برضاه، وقد جعل الله تعالى الراضي بمنزلة العامل، فانتظم في العقوبة. وعلامة الرضا بالمنكر: عدم التألم من الخلل الذي يقع في الدين بفعل المعاصي، فلا يتحقق كون الإنسان كارها له إلا إذا تألم له تألمه لفقد ولده، أو ماله، فكل من لم يكن بهذه الحالة فهو راض بالمنكر، فتعمه العقوبة والمصيبة بهذا الاعتبار، وعبارة المراغي هنا: وبعد أن أمرنا الله سبحانه بتلك الأوامر، ونهانا عن النواهي التي تخص أعمال الإنسان الاختيارية أمرنا أن نتقي الفتن الاجتماعية، التي لا تخص الظالمين، بل تتعداهم إلى غيرهم، وتصل
٢٥ - ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ أي بلية؛ أي: واحذروا سبب بلية إن أصابتكم ﴿لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ خطاب للمؤمنين جميعا صلحائهم وغيرهم، والمراد بالفتنة العذاب الدنيوي كالقحط والغلاء وتسليط الظلمة، وغير ذلك؛ أي (١): واحذروا أيها المؤمنون فتنة إن نزلت بكم لم تقتصر على الظالمين خاصة بل تتعدى إليكم جميعا، وتصل إلى الصالح والطالح، واتقاء تلك الفتنة بالنهي عن المنكر، فالواجب على كل من رآه أن يزيله إذا كان قادرا على ذلك، فإذا سكت عليه فكلهم عصاة، هذا بفعله وهذا برضاه، وقد جعل الله تعالى الراضي بمنزلة العامل، فانتظم في العقوبة. وعلامة الرضا بالمنكر: عدم التألم من الخلل الذي يقع في الدين بفعل المعاصي، فلا يتحقق كون الإنسان كارها له إلا إذا تألم له تألمه لفقد ولده، أو ماله، فكل من لم يكن بهذه الحالة فهو راض بالمنكر، فتعمه العقوبة والمصيبة بهذا الاعتبار، وعبارة المراغي هنا: وبعد أن أمرنا الله سبحانه بتلك الأوامر، ونهانا عن النواهي التي تخص أعمال الإنسان الاختيارية أمرنا أن نتقي الفتن الاجتماعية، التي لا تخص الظالمين، بل تتعداهم إلى غيرهم، وتصل
(١) المراح.
384
إلى الصالح والطالح فقال: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾؛ أي: اتقوا وقوع الفتن التي لا تختص إصابتها بمن يباشرها وحده بل تعمه وغيره، كالفتن القومية التي تقع بين الأمم في التنازع على المصالح العامة من الملك والسيادة، أو التفرق في الدين والشريعة، والانقسام إلى الأحزاب الدينية، والأحزاب السياسية، ونحو ذلك من ظهور البدع، والتكاسل في الجهاد، وإقرار المنكر الذي يقع بين أظهرهم، والمداهنة في الأمر بالمعروف، ونحو ذلك من الذنوب التي جرت سنة الله تعالى أن تعقاب عليها الأمم في الدنيا قبل الآخرة، وروي عن ابن عباس قال: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب. وقال عدي بن عميرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك.. عذب الله الخاصة والعامة» وقال البيضاوي:
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾؛ أي: اتقوا ذنبا يعمكم أثره، كإقرار المنكر بين أظهركم، والمداهنة في الأمر بالمعروف، وافتراق الكلمة، وظهور البدع، والتكاسل في الجهاد انتهى.
وروى البخاري والترمذي «أن الناس إذا رأوا الظالم، ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده» وفي مسلم من حديث زينب بنت جحش، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم إذا كثر الخبث».
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به» متفق عليه.
فإن قلت (١): ظاهر قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ يشمل الظالم وغير الظالم، كما تقدم تفسيره، فكيف يليق برحمة الله وكرمه أن يوصل الفتنة إلى من لم يذنب؟
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾؛ أي: اتقوا ذنبا يعمكم أثره، كإقرار المنكر بين أظهركم، والمداهنة في الأمر بالمعروف، وافتراق الكلمة، وظهور البدع، والتكاسل في الجهاد انتهى.
وروى البخاري والترمذي «أن الناس إذا رأوا الظالم، ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده» وفي مسلم من حديث زينب بنت جحش، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم إذا كثر الخبث».
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به» متفق عليه.
فإن قلت (١): ظاهر قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ يشمل الظالم وغير الظالم، كما تقدم تفسيره، فكيف يليق برحمة الله وكرمه أن يوصل الفتنة إلى من لم يذنب؟
(١) الخازن.
385
قلت: إنه تعالى مالك الملك، وخالق الخلق، وهم عبيده وفي ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، فيحسن ذلك منه على سبيل المالكية، أو لأنه تعالى علم اشتمال ذلك على أنواع من أنواع المصلحة، والله أعلم بمراده.
وقرأ ابن (١) مسعود وعلي، وزيد بن ثابت، والباقر، والربيع بن أنس، وأبو العالية ﴿لتصيبن﴾ وفي ذلك وعيد للظالمين فقط، وعلى هذا التوجيه خرج ابن جني قراءة الجماعة ﴿لا تُصِيبَنَّ﴾ وحكى النقاش عن ابن مسعود، أنه قرأ فتن أن تصيب ﴿وَاعْلَمُوا﴾ أيها المؤمنون ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿شَدِيدُ الْعِقابِ﴾؛ أي: شديد عقابه للأمم، والأفراد، التي خالفت سننه التي لا تبديل لها ولا تحويل، أو خالفت هدى دينه المزكي، للأنفس المطهر للقلوب، ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشر سببه، والمعنى: الزموا الاستقامة خوفا من عذاب الله تعالى، وهذا العقاب (٢) منه ما هو في الدنيا، وهو مطرد في الأمم وقد أصيبت به الأمة الإسلامية في القرن الأول الذي كان أهله خير القرون بعده، إذ قصروا في درء الفتنة الأولى، فعاقبهم الله عقابا شديدا على ذلك، ثم تسلسل العقاب في كل جيل وقع فيه ذلك، ثم امتزجت الفتن المذهبية بالفتن السياسية على الملك والسلطان، حتى زالت الخلافة التي تنافسوا فيها وتقاتلوا لأجلها.
وقد يقع هذا العقاب للأفراد، لكنهم ربما لا يشعرون به، لأنه يقع تدريجيا، فلا يكاد يحس به، وأما العقاب الأخروي فأمره الله إلى العالم بالسر والنجوى، والذي جعل العقاب آثارا طبيعية للذنوب التي تجترحها الأفراد والأمم.
٢٦ - وقوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ خطاب للمهاجرين يذكرهم فيه سبحانه بما كان من ضعفهم وقلتهم، وقد يكون الخطاب للمؤمنين عامة في عصر التنزيل، يذكرهم فيه بما كان من ضعف أمتهم العربية في الجزيرة بين الدول القوية من فارس والروم.
وقرأ ابن (١) مسعود وعلي، وزيد بن ثابت، والباقر، والربيع بن أنس، وأبو العالية ﴿لتصيبن﴾ وفي ذلك وعيد للظالمين فقط، وعلى هذا التوجيه خرج ابن جني قراءة الجماعة ﴿لا تُصِيبَنَّ﴾ وحكى النقاش عن ابن مسعود، أنه قرأ فتن أن تصيب ﴿وَاعْلَمُوا﴾ أيها المؤمنون ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿شَدِيدُ الْعِقابِ﴾؛ أي: شديد عقابه للأمم، والأفراد، التي خالفت سننه التي لا تبديل لها ولا تحويل، أو خالفت هدى دينه المزكي، للأنفس المطهر للقلوب، ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشر سببه، والمعنى: الزموا الاستقامة خوفا من عذاب الله تعالى، وهذا العقاب (٢) منه ما هو في الدنيا، وهو مطرد في الأمم وقد أصيبت به الأمة الإسلامية في القرن الأول الذي كان أهله خير القرون بعده، إذ قصروا في درء الفتنة الأولى، فعاقبهم الله عقابا شديدا على ذلك، ثم تسلسل العقاب في كل جيل وقع فيه ذلك، ثم امتزجت الفتن المذهبية بالفتن السياسية على الملك والسلطان، حتى زالت الخلافة التي تنافسوا فيها وتقاتلوا لأجلها.
وقد يقع هذا العقاب للأفراد، لكنهم ربما لا يشعرون به، لأنه يقع تدريجيا، فلا يكاد يحس به، وأما العقاب الأخروي فأمره الله إلى العالم بالسر والنجوى، والذي جعل العقاب آثارا طبيعية للذنوب التي تجترحها الأفراد والأمم.
٢٦ - وقوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ خطاب للمهاجرين يذكرهم فيه سبحانه بما كان من ضعفهم وقلتهم، وقد يكون الخطاب للمؤمنين عامة في عصر التنزيل، يذكرهم فيه بما كان من ضعف أمتهم العربية في الجزيرة بين الدول القوية من فارس والروم.
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
386
أي: واذكروا يا معشر المهاجرين ﴿إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ في العدد في أول الإسلام ﴿مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: مقهورون في أرض مكة ﴿تَخافُونَ﴾ من مبدأ الإسلام إلى حين الهجرة إذا خرجتم من البلد ﴿أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾؛ أي: أن يأخذكم مشركو العرب من قريش وغيرها، بسرعة لشدة عداوتهم لكم، ولقربهم منكم، والمراد أن ينتزعوكم بسرعة، فيفتكوا بكم كما كان يتخطف بعضهم بعضا في خارج الحرم، وتتخطفهم الأمم من أطراف جزيرتهم، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ ﴿فَآواكُمْ﴾ وضمكم أيها المهاجرون إلى الأنصار ونقلكم إلى المدينة فصرتم آمنين من كفار مكة، ﴿وَأَيَّدَكُمْ﴾ وإياهم؛ أي: قواكم ﴿بِنَصْرِهِ﴾ سبحانه وتعالى إياكم في بدر، وفي سائر غزواتكم، ويؤيدكم على من سواكم من فارس والروم، وغيرهما كما وعدكم بذلك في كتابه الكريم، ﴿وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ﴾؛ أي: من الغنائم وغيرها، وكانت محرمة على من كان قبل هذه الأمة ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ هذه النعم العظيمة؛ أي: رجاء أن تشكروا هذه النعم وغيرها مما يؤتيكم من فضله كما وعد في كتابه ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ الآية.
قال كان هذا الحي أذل الناس ذلا، وأشقاه عبثا، وأجوعه بطونا، وأعراه جلودا وأبينه ضلالة معكوفين على رأس حجر بين فارس والروم، لا والله ما في بلادهم ما يحسدون عليه من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات منهم ردي في النار يؤكلون ولا يأكلون، لا والله ما نعلم قبيلا من حاضر الأرض يومئذ كان أشر منهم منزلا حتى جاء الله بالإسلام، فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا لله نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من نعم الله عز وجل.
وفي الآية من العبرة التي يجب على المؤمنين أن يتذكروها أنه أورث من اهتدى بهديه سعادة الدنيا وبسطة السلطان، ومكن لأهله في الأرض، وأنالهم ما لم يكونوا يرجونه لولا هدى الدين، وأورثهم في الآخرة فوزا ورضوانا من ربهم وروحا، وريحانا، وجنة نعيم.
وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ الآية.
قال كان هذا الحي أذل الناس ذلا، وأشقاه عبثا، وأجوعه بطونا، وأعراه جلودا وأبينه ضلالة معكوفين على رأس حجر بين فارس والروم، لا والله ما في بلادهم ما يحسدون عليه من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات منهم ردي في النار يؤكلون ولا يأكلون، لا والله ما نعلم قبيلا من حاضر الأرض يومئذ كان أشر منهم منزلا حتى جاء الله بالإسلام، فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا لله نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من نعم الله عز وجل.
وفي الآية من العبرة التي يجب على المؤمنين أن يتذكروها أنه أورث من اهتدى بهديه سعادة الدنيا وبسطة السلطان، ومكن لأهله في الأرض، وأنالهم ما لم يكونوا يرجونه لولا هدى الدين، وأورثهم في الآخرة فوزا ورضوانا من ربهم وروحا، وريحانا، وجنة نعيم.
387
هذا حين كانوا يعملون بهديه، فلما أعرضوا عنه، ونأوا بجانبهم، عاقبهم الله بما جرت به سننه في الأرض، فأضاعوا ملكهم، وسلط عليهم أعداءهم، فليعتبر المسلمون بما حل بهم، وليرجعوا إلى تاريخ أسلافهم، وليستضيؤوا بنورهم، وليتوبوا إلى رشدهم، لعله يعيد إليهم تراثهم الغابر، وعزهم الماضي ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
٢٧ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى (١) فتعطلوا فرائضه، أو تتعدوا حدوده، وتنتهكوا محارمه التي بينها لكم في كتابه، ﴿وَ﴾ لا تخونوا ﴿الرَّسُولَ﴾ محمدا صلى الله عليه وسلّم فترغبوا عن بيانه لكتابه إلى بيانه بأهوائكم، أو أراء مشايخكم، أو آبائكم، أو أوامر أمرائكم، أو ترك سنته إلى سنة آبائكم وزعمائكم زعما منكم أنهم أعلم بمراد الله ورسوله منكم، ﴿وَ﴾ لا ﴿تَخُونُوا أَماناتِكُمْ﴾ فيما بين بعضكم وبعض آخر منكم من المعاملات المالية، وغيرها حتى الشؤون الأدبية، والاجتماعية، فإفشاء السر خيانة محرمة، ويكفي في العلم بكونه سرا قرينة قولية كقول محدثك: هل يسمعنا أحد، أو فعلية كالالتفات لرؤية من عساه يجيء، وآكد الأمانات السر وأحقها بالحفظ ما يكون بين الزوجين، كذلك لا تخونوا أماناتكم فيما بينكم وبين أولي الأمر من شؤون سياسية أو حربية، فتطلعوا عليها عدوكم، وينتفع بها في الكيد لكم، وقرأ مجاهد ﴿أمانتكم﴾ بالإفراد، والمراد الجمع.
والخيانة من صفات المنافقين، والأمانة من صفات المؤمنين، قال أنس بن مالك: قلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا قال: «لا إيمان لمن لا عهد له» رواه الإمام أحمد.
وروى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم».
٢٧ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى (١) فتعطلوا فرائضه، أو تتعدوا حدوده، وتنتهكوا محارمه التي بينها لكم في كتابه، ﴿وَ﴾ لا تخونوا ﴿الرَّسُولَ﴾ محمدا صلى الله عليه وسلّم فترغبوا عن بيانه لكتابه إلى بيانه بأهوائكم، أو أراء مشايخكم، أو آبائكم، أو أوامر أمرائكم، أو ترك سنته إلى سنة آبائكم وزعمائكم زعما منكم أنهم أعلم بمراد الله ورسوله منكم، ﴿وَ﴾ لا ﴿تَخُونُوا أَماناتِكُمْ﴾ فيما بين بعضكم وبعض آخر منكم من المعاملات المالية، وغيرها حتى الشؤون الأدبية، والاجتماعية، فإفشاء السر خيانة محرمة، ويكفي في العلم بكونه سرا قرينة قولية كقول محدثك: هل يسمعنا أحد، أو فعلية كالالتفات لرؤية من عساه يجيء، وآكد الأمانات السر وأحقها بالحفظ ما يكون بين الزوجين، كذلك لا تخونوا أماناتكم فيما بينكم وبين أولي الأمر من شؤون سياسية أو حربية، فتطلعوا عليها عدوكم، وينتفع بها في الكيد لكم، وقرأ مجاهد ﴿أمانتكم﴾ بالإفراد، والمراد الجمع.
والخيانة من صفات المنافقين، والأمانة من صفات المؤمنين، قال أنس بن مالك: قلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا قال: «لا إيمان لمن لا عهد له» رواه الإمام أحمد.
وروى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم».
(١) المراغي.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» أخرجه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: والحال أنكم تعلمون مفاسد الخيانة، وتحريم الله إياها وسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة، وقد يكون المعنى: وأنتم تعلمون أنّ ما فعلتموه خيانة لظهوره، فإن خفي عليكم حكمه، فالجهل له عذر إذا لم يكن مما علم من الدين ضرورة، أو مما يعلم ببداهة العقل، أو باستفتاء القلب، كفعلة أبي لبابة التي كان سببها الحرص على المال والولد، ومن ثم فطن لها قبل أن يبرح مكانه،
٢٨ - ﴿وَاعْلَمُوا﴾؛ أيها المؤمنون ﴿أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ عظيمة مانعة لكم عن أمور الآخرة؛ أي: محنة يظهر بها ما في النفس من اتباع الهوى، أو تجنبه، ولذلك مال أبو لبابة إلى قريظة في إطلاعهم على حكم سعد، لأنّ ماله وولده كان فيهم؛ أي: (١) إن فتنة الأموال والأولاد عظيمة لا تخفى على ذوي الألباب، إذ أموال الإنسان عليها مدار معيشته، وتحصيل رغائبه، وشهواته، ودفع كثير من المكاره عنه من أجل ذلك يتكلف في كسبها المشاق، ويركب الصعاب ويكلفه الشرع فيها التزام الحلال واجتناب الحرام، ويرغبه في القصد والاعتدال ويتكلف العناء في حفظها، وتتنازعه الأهواء في انفاقها، ويفرض عليه الشارع فيها حقوقا معينة، وغير معينة كالزكاة، ونفقات الأولاد، والأزواج وغيرها وأما الأولاد فحبهم مما أودع في الفطرة، فهم ثمرات الأفئدة وأفلاذ الأكباد لدى الآباء والأمهات، ومن ثم يحملهما ذلك على بذل كل ما يستطاع بذله في سبيلهم من مال، وصحة، وراحة، وقد روي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم: «الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة».
فحب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الذنوب والآثام في سبيل تربيتهم، والإنفاق عليهم، وتأثيل الثروة لهم، وكل ذلك قد يؤدي إلى الجبن عند الحاجة إلى الدفاع عن الحق، أو الأمة، أو الدين، وإلى البخل بالزكاة،
﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: والحال أنكم تعلمون مفاسد الخيانة، وتحريم الله إياها وسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة، وقد يكون المعنى: وأنتم تعلمون أنّ ما فعلتموه خيانة لظهوره، فإن خفي عليكم حكمه، فالجهل له عذر إذا لم يكن مما علم من الدين ضرورة، أو مما يعلم ببداهة العقل، أو باستفتاء القلب، كفعلة أبي لبابة التي كان سببها الحرص على المال والولد، ومن ثم فطن لها قبل أن يبرح مكانه،
٢٨ - ﴿وَاعْلَمُوا﴾؛ أيها المؤمنون ﴿أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ عظيمة مانعة لكم عن أمور الآخرة؛ أي: محنة يظهر بها ما في النفس من اتباع الهوى، أو تجنبه، ولذلك مال أبو لبابة إلى قريظة في إطلاعهم على حكم سعد، لأنّ ماله وولده كان فيهم؛ أي: (١) إن فتنة الأموال والأولاد عظيمة لا تخفى على ذوي الألباب، إذ أموال الإنسان عليها مدار معيشته، وتحصيل رغائبه، وشهواته، ودفع كثير من المكاره عنه من أجل ذلك يتكلف في كسبها المشاق، ويركب الصعاب ويكلفه الشرع فيها التزام الحلال واجتناب الحرام، ويرغبه في القصد والاعتدال ويتكلف العناء في حفظها، وتتنازعه الأهواء في انفاقها، ويفرض عليه الشارع فيها حقوقا معينة، وغير معينة كالزكاة، ونفقات الأولاد، والأزواج وغيرها وأما الأولاد فحبهم مما أودع في الفطرة، فهم ثمرات الأفئدة وأفلاذ الأكباد لدى الآباء والأمهات، ومن ثم يحملهما ذلك على بذل كل ما يستطاع بذله في سبيلهم من مال، وصحة، وراحة، وقد روي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم: «الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة».
فحب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الذنوب والآثام في سبيل تربيتهم، والإنفاق عليهم، وتأثيل الثروة لهم، وكل ذلك قد يؤدي إلى الجبن عند الحاجة إلى الدفاع عن الحق، أو الأمة، أو الدين، وإلى البخل بالزكاة،
(١) المراغي.
والنفقات المفروضة، والحقوق الثابتة، كما يحملهم ذلك على الحزن على من يموت منهم بالسخط على المولى والاعتراض عليه، إلى نحو ذلك من المعاصي كنوح الأمهات، وتمزيق ثيابهن، ولطم وجوههن، وعلى الجملة: ففتنة الأولاد أكثر من فتنة الأموال، الرجل يكسب المال الحرام، ويأكل أموال الناس بالباطل، لأجل الأولاد.
فيجب على المؤمن أن يتقي الفتنتين، فيتقي الأولى بكسب المال من الحلال، وإنفاقه في سبيل البر، والإحسان، ويتّقي خطر الثانية من ناحية ما يتعلق منها بالمال، ونحوه بما يشير إليه الحديث، ومن ناحية ما أوجبه الدين من حسن تربية الأولاد، وتعويدهم الدين والفضائل، وتجنيبهم المعاصي والرذائل.
﴿وَ﴾ اعلموا أيها المؤمنون ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى: ﴿عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ وثواب جسيم، فعليكم أن تؤثروا ما عند ربكم من الأجر العظيم، بمراعاة أحكام دينه، في الأموال والأولاد على ما عساه قد يفوتكم في الدنيا من التمتع بهما، فإنّ سعادة الآخرة، وهو ثواب الله تعالى، خير من سعادة الدنيا، وهو المال والولد؟ لأن سعادة الآخرة لا نهاية لها، ولا انقضاء، وسعادة الدنيا تفنى وتنقضي.
٢٩ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ﴾؛ أي: إن تمتثلوا أوامر الله وتجتنبوا نواهيه ﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا﴾؛ أي: نجاة مما تخافون في الدارين، أو يجعل لكم نورا، وتوفيقا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل، وقال مجاهد: يجعل لكم مخرجا في الدنيا والآخرة، وقال مقاتل: مخرجا في الدين من الشبهات، وقال عكرمة: نجاة، أي: يفرق بينكم وبين ما تخافون، وقال محمد بن إسحاق: فصلا بين الحق والباطل، يظهر الله به حقكم، ويطفىء باطل من خالفكم، وقيل: يفرق بينكم وبين الكفار، بأن يظهر دينكم ويعليه، ويبطل الكفر ويوهنه، أو نصرا، لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين الكفر بإذلال حزبه، والإسلام بإعزاز أهله، أو بيانا وظهورا في أقطار الأرض {وَيُكَفِّرْ
فيجب على المؤمن أن يتقي الفتنتين، فيتقي الأولى بكسب المال من الحلال، وإنفاقه في سبيل البر، والإحسان، ويتّقي خطر الثانية من ناحية ما يتعلق منها بالمال، ونحوه بما يشير إليه الحديث، ومن ناحية ما أوجبه الدين من حسن تربية الأولاد، وتعويدهم الدين والفضائل، وتجنيبهم المعاصي والرذائل.
﴿وَ﴾ اعلموا أيها المؤمنون ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى: ﴿عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ وثواب جسيم، فعليكم أن تؤثروا ما عند ربكم من الأجر العظيم، بمراعاة أحكام دينه، في الأموال والأولاد على ما عساه قد يفوتكم في الدنيا من التمتع بهما، فإنّ سعادة الآخرة، وهو ثواب الله تعالى، خير من سعادة الدنيا، وهو المال والولد؟ لأن سعادة الآخرة لا نهاية لها، ولا انقضاء، وسعادة الدنيا تفنى وتنقضي.
٢٩ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ﴾؛ أي: إن تمتثلوا أوامر الله وتجتنبوا نواهيه ﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا﴾؛ أي: نجاة مما تخافون في الدارين، أو يجعل لكم نورا، وتوفيقا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل، وقال مجاهد: يجعل لكم مخرجا في الدنيا والآخرة، وقال مقاتل: مخرجا في الدين من الشبهات، وقال عكرمة: نجاة، أي: يفرق بينكم وبين ما تخافون، وقال محمد بن إسحاق: فصلا بين الحق والباطل، يظهر الله به حقكم، ويطفىء باطل من خالفكم، وقيل: يفرق بينكم وبين الكفار، بأن يظهر دينكم ويعليه، ويبطل الكفر ويوهنه، أو نصرا، لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين الكفر بإذلال حزبه، والإسلام بإعزاز أهله، أو بيانا وظهورا في أقطار الأرض {وَيُكَفِّرْ
390
عَنْكُمْ}؛ أي: يمح (١) عنكم ﴿سَيِّئاتِكُمْ﴾؛ أي: الصغائر منها ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾؛ أي: يستر لكم الكبائر منها ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾؛ أي: ذو المن والعطاء الجسيم على عباده بالمغفرة والجنة، أو المعنى: ﴿يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ﴾؛ أي: يسترها في الدنيا ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾؛ أي: يزلها في الآخرة، وفي «الصاوي»: قوله: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ عطف مرادف على ما قبله، انتهى وفي «البحر»: وإنما تغاير الظرفان لئلا يلزم التكرار ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾؛ لأنه هو الذي يفعل ذلك بكم، فله الفضل العظيم عليكم، وعلى غيركم من خلقه، ومن كان كذلك فإنه إذا وعد بشيء وفى به، قيل: إنه يتفضل على الطائعين بقبول الطاعات، ويتفضل على العاصين بغفران السيئات، وقيل: معناه إن بيده الفضل العظيم، فلا يطلب من عند غيره.
وفي قوله: ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ إيماء (٢) وتنبيه إلى أنّ ما وعد به المتقين من المثوبة فضل منه وإحسان، تفضل به علينا بدون واسطة، وبدون التماس عوض.
الإعراب
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥)﴾.
﴿يا أَيُّهَا﴾ يا حرف نداء ﴿أي﴾ منادى نكرة مقصودة ﴿ها﴾ حرف تنبيه زائد تعويضا عما فات ﴿أي﴾ من الإضافة، وجملة النداء مستأنفة ﴿الَّذِينَ﴾ اسم موصول في محل الرفع صفة لـ ﴿أي﴾، ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، إِذا ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿لَقِيتُمُ الَّذِينَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿كَفَرُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول
وفي قوله: ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ إيماء (٢) وتنبيه إلى أنّ ما وعد به المتقين من المثوبة فضل منه وإحسان، تفضل به علينا بدون واسطة، وبدون التماس عوض.
الإعراب
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥)﴾.
﴿يا أَيُّهَا﴾ يا حرف نداء ﴿أي﴾ منادى نكرة مقصودة ﴿ها﴾ حرف تنبيه زائد تعويضا عما فات ﴿أي﴾ من الإضافة، وجملة النداء مستأنفة ﴿الَّذِينَ﴾ اسم موصول في محل الرفع صفة لـ ﴿أي﴾، ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، إِذا ظرف لما يستقبل من الزمان، ﴿لَقِيتُمُ الَّذِينَ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿كَفَرُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
391
﴿زَحْفًا﴾ حال من المفعول به وهو الذين فهو مصدر مؤول بمشتق تقديره: حال كونهم زاحفين، ﴿فَلا﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿إِذا﴾، وجوبا لكون الجواب جملة طلبية ﴿لا﴾ ناهية جازمة ﴿تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾ فعل وفاعل ومفعولان مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة جواب إذ لا محل لها من الإعراب، وجملة إذا جواب النداء، لا محل لها من الإعراب.
﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ﴾.
﴿وَمَنْ﴾ الواو: استئنافية ﴿مَنْ﴾ اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما ﴿يُوَلِّهِمْ﴾ فعل ومفعول أول مجزوم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل الشرط لها، وفاعله ضمير يعود على من ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ﴿يوم﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿يُوَلِّهِمْ﴾ ﴿يوم﴾ مضاف ﴿إذ﴾ ظرف لما مضى من الزمان في محل الجر، مضاف إليه، مبني بسكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين ﴿دُبُرَهُ﴾ مفعول ثان، ومضاف إليه، ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء ﴿مُتَحَرِّفًا﴾ إما منصوب على الاستثناء من ضمير المؤمنين؛ أي: ومن يولهم إلا رجلا منهم ﴿مُتَحَرِّفًا﴾ أو متحيزا أو حال من فاعل ﴿يُوَلِّهِمْ﴾ ﴿لِقِتالٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُتَحَرِّفًا﴾ واللام فيه للتعليل ﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا﴾ معطوف عليه ﴿إِلى فِئَةٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُتَحَيِّزًا﴾.
﴿فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.
﴿فَقَدْ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿مَنْ﴾ الشرطية وجوبا لكون الجواب مقرونا بـ ﴿قد﴾، ﴿قد﴾ حرف تحقيق ﴿باءَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية على كونها جوابا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية مستأنفة استئنافا بيانيا، لا محل لها من الإعراب، ﴿بِغَضَبٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿باءَ﴾ أو حال من فاعله، والباء فيه للملابسة؛ أي ملتبسا ومصحوبا بغضب ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ جار ومجرور متعلقان بـ ﴿باءَ﴾، ﴿وَمَأْواهُ﴾ مبتدأ، ومضاف إليه، ﴿جَهَنَّمُ﴾ خبره، ولم ينون للعلمية، والتأنيث المعنوي، والجملة الاسمية في محل الجزم معطوفة على جملة ﴿باءَ﴾ على
﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ﴾.
﴿وَمَنْ﴾ الواو: استئنافية ﴿مَنْ﴾ اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما ﴿يُوَلِّهِمْ﴾ فعل ومفعول أول مجزوم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونه فعل الشرط لها، وفاعله ضمير يعود على من ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ﴿يوم﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿يُوَلِّهِمْ﴾ ﴿يوم﴾ مضاف ﴿إذ﴾ ظرف لما مضى من الزمان في محل الجر، مضاف إليه، مبني بسكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين ﴿دُبُرَهُ﴾ مفعول ثان، ومضاف إليه، ﴿إِلَّا﴾ أداة استثناء ﴿مُتَحَرِّفًا﴾ إما منصوب على الاستثناء من ضمير المؤمنين؛ أي: ومن يولهم إلا رجلا منهم ﴿مُتَحَرِّفًا﴾ أو متحيزا أو حال من فاعل ﴿يُوَلِّهِمْ﴾ ﴿لِقِتالٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُتَحَرِّفًا﴾ واللام فيه للتعليل ﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا﴾ معطوف عليه ﴿إِلى فِئَةٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُتَحَيِّزًا﴾.
﴿فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.
﴿فَقَدْ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿مَنْ﴾ الشرطية وجوبا لكون الجواب مقرونا بـ ﴿قد﴾، ﴿قد﴾ حرف تحقيق ﴿باءَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية على كونها جوابا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية مستأنفة استئنافا بيانيا، لا محل لها من الإعراب، ﴿بِغَضَبٍ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿باءَ﴾ أو حال من فاعله، والباء فيه للملابسة؛ أي ملتبسا ومصحوبا بغضب ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ جار ومجرور متعلقان بـ ﴿باءَ﴾، ﴿وَمَأْواهُ﴾ مبتدأ، ومضاف إليه، ﴿جَهَنَّمُ﴾ خبره، ولم ينون للعلمية، والتأنيث المعنوي، والجملة الاسمية في محل الجزم معطوفة على جملة ﴿باءَ﴾ على
392
كونها جوابا لـ ﴿مَنْ﴾ الشرطية ﴿وَبِئْسَ﴾ الواو: استئنافية ﴿بِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ فعل وفاعل، وهو من أفعال الذم، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: هي، وهو مبتدأ، خبره جملة ﴿بِئْسَ﴾، والجملة الاسمية مستأنفة.
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧)﴾.
﴿فَلَمْ﴾ ﴿الفاء﴾ (١) فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره، إن افتخرتم بقتلهم، وأردتم بيان حقيقة الأمر فيهم، فأقول لكم: أنتم لم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم، لأنه هو الذي أنزل الملائكة، وألقى الرعب في قلوبهم، وشاء لكم النصر والظفر، وقوى قلوبكم، وأذهب عنها الفزع والجزع كما ذكره الزمخشري ﴿لم تقتلوهم﴾ جازم وفعل وفاعل ومفعول والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ﴿وَلكِنَّ﴾ الواو: عاطفة ﴿لكِنَّ﴾ حرف نصب واستدراك، ﴿اللَّهَ﴾ اسمها ﴿قَتَلَهُمْ﴾ فعل ومفعول وفاعله، ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿لكِنَّ﴾ وجملة ﴿لكِنَّ﴾ في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لم تقتلوهم﴾ على كونها مقولا لجواب إذا المقدرة، ﴿وَما﴾ الواو: عاطفة ما نافية ﴿رَمَيْتَ﴾ فعل، وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ﴾، وصح العطف عليها؛ لأن (٢) المضارع المنفي بـ ﴿لم﴾ في قوة الماضي المنفي بما، فإنك إذا قلت: لم يقم كان معناه، ما قام ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، في محل النصب على الظرفية ﴿رَمَيْتَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿رَمَيْتَ﴾؛ أي: وما رميت الرعب والهزيمة في قلوبهم، وقت رميك إياهم بالحصى ﴿وَلكِنَّ﴾ الواو: عاطفة ﴿لكِنَّ﴾ حرف استدراك ونصب ﴿اللَّهَ﴾ اسمها ﴿رَمى﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الرفع خبر ﴿لكِنَّ﴾، وجملة ﴿لكِنَّ﴾ معطوفة على جملة {وَما
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧)﴾.
﴿فَلَمْ﴾ ﴿الفاء﴾ (١) فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره، إن افتخرتم بقتلهم، وأردتم بيان حقيقة الأمر فيهم، فأقول لكم: أنتم لم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم، لأنه هو الذي أنزل الملائكة، وألقى الرعب في قلوبهم، وشاء لكم النصر والظفر، وقوى قلوبكم، وأذهب عنها الفزع والجزع كما ذكره الزمخشري ﴿لم تقتلوهم﴾ جازم وفعل وفاعل ومفعول والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ﴿وَلكِنَّ﴾ الواو: عاطفة ﴿لكِنَّ﴾ حرف نصب واستدراك، ﴿اللَّهَ﴾ اسمها ﴿قَتَلَهُمْ﴾ فعل ومفعول وفاعله، ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿لكِنَّ﴾ وجملة ﴿لكِنَّ﴾ في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لم تقتلوهم﴾ على كونها مقولا لجواب إذا المقدرة، ﴿وَما﴾ الواو: عاطفة ما نافية ﴿رَمَيْتَ﴾ فعل، وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ﴾، وصح العطف عليها؛ لأن (٢) المضارع المنفي بـ ﴿لم﴾ في قوة الماضي المنفي بما، فإنك إذا قلت: لم يقم كان معناه، ما قام ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، في محل النصب على الظرفية ﴿رَمَيْتَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه، والظرف متعلق بـ ﴿رَمَيْتَ﴾؛ أي: وما رميت الرعب والهزيمة في قلوبهم، وقت رميك إياهم بالحصى ﴿وَلكِنَّ﴾ الواو: عاطفة ﴿لكِنَّ﴾ حرف استدراك ونصب ﴿اللَّهَ﴾ اسمها ﴿رَمى﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل الرفع خبر ﴿لكِنَّ﴾، وجملة ﴿لكِنَّ﴾ معطوفة على جملة {وَما
(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
393
رَمَيْتَ}. ﴿وَلِيُبْلِيَ﴾ الواو: عاطفة ﴿لِيُبْلِيَ﴾ ﴿اللام﴾ حرف جر وتعليل ﴿يبلي﴾ فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ مفعول أول، ﴿مِنْهُ﴾ متعلق بـ ﴿يبلى﴾ ﴿بَلاءً﴾ مفعول ثان ﴿حَسَنًا﴾ صفة له. قال الزمخشري؛ أي: وليعطي المؤمنين من عنده عطاء جميلا، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: ولإبلائه المؤمنين منه بلاء حسنا، الجار والمجرور معطوف على علة محذوفة تقديره، ولكن الله رمى، وفعل بالكفار ما فعل لمحق الكافرين، ولإبلائه المؤمنين منه بلاء حسنا، كما أشرنا إليه في مبحث التفسير. ﴿إِنَّ﴾ حرف مشبه بالفعل ﴿اللَّهَ﴾ اسمها منصوب ﴿سَمِيعٌ﴾ خبرها مرفوع ﴿وعَلِيمٌ﴾ خبر ثان مرفوع.
﴿ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨)﴾.
﴿ذلِكُمْ﴾ مبتدأ وخبره محذوف جوازا تقديره ذلكم الإبلاء، والقتل والرمي حق، والجملة مستأنفة، ﴿وَأَنَّ﴾ الواو: عاطفة ﴿أَنَّ﴾ حرف نصب ومصدر ﴿اللَّهَ﴾ اسمها ﴿مُوهِنُ﴾ خبرها ﴿كَيْدِ﴾ بالجر مضاف إليه، وبالنصب مفعول مُوهِنُ. ﴿الْكافِرِينَ﴾ مضاف إليه وجملة أن في تأويل مصدر مرفوع على كونه مبتدأ خبره محذوف تقديره: وتوهين الله كيد الكافرين، حق، والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿ذلِكُمْ﴾، ويجوز أن تكون جملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم المحذوف تقديره: واعلموا توهين الله كيد الكافرين.
﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)﴾.
﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا﴾ جازم وفعل وفاعل ﴿فَقَدْ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب إن الشرطية، وجوبا لكون الجواب مقرونا بـ ﴿قد﴾ ﴿قد﴾ حرف تحقيق ﴿جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونها جوابا لها، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا﴾ جازم وفعل وفاعل ﴿فَهُوَ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية وجوبا لكون الجواب جملة اسمية ﴿هو خير﴾ مبتدأ وخبر ﴿لَكُمْ﴾ متعلق بـ ﴿خَيْرٌ﴾، والجملة الاسمية في محل
﴿ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨)﴾.
﴿ذلِكُمْ﴾ مبتدأ وخبره محذوف جوازا تقديره ذلكم الإبلاء، والقتل والرمي حق، والجملة مستأنفة، ﴿وَأَنَّ﴾ الواو: عاطفة ﴿أَنَّ﴾ حرف نصب ومصدر ﴿اللَّهَ﴾ اسمها ﴿مُوهِنُ﴾ خبرها ﴿كَيْدِ﴾ بالجر مضاف إليه، وبالنصب مفعول مُوهِنُ. ﴿الْكافِرِينَ﴾ مضاف إليه وجملة أن في تأويل مصدر مرفوع على كونه مبتدأ خبره محذوف تقديره: وتوهين الله كيد الكافرين، حق، والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿ذلِكُمْ﴾، ويجوز أن تكون جملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم المحذوف تقديره: واعلموا توهين الله كيد الكافرين.
﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)﴾.
﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا﴾ جازم وفعل وفاعل ﴿فَقَدْ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب إن الشرطية، وجوبا لكون الجواب مقرونا بـ ﴿قد﴾ ﴿قد﴾ حرف تحقيق ﴿جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونها جوابا لها، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا﴾ جازم وفعل وفاعل ﴿فَهُوَ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية وجوبا لكون الجواب جملة اسمية ﴿هو خير﴾ مبتدأ وخبر ﴿لَكُمْ﴾ متعلق بـ ﴿خَيْرٌ﴾، والجملة الاسمية في محل
394
الجزم جواب إن الشرطية، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إِنْ﴾ الأولى ﴿وَإِنْ تَعُودُوا﴾ جازم وفعل وفاعل ﴿نَعُدْ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ إِنْ على كونه جوابا لها، وفاعله ضمير يعود على الله، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إِنْ﴾ الأولى، ﴿وَلَنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿لَنْ﴾ حرف نصب ﴿تُغْنِيَ﴾ فعل مضارع منصوب بـ ﴿لَنْ﴾ ﴿عَنْكُمْ﴾ متعلق به ﴿فِئَتُكُمْ﴾ فاعل، ومضاف إليه ﴿شَيْئًا﴾ مفعول به، والجملة في محل الجزم معطوفة على جملة ﴿نَعُدْ﴾ ﴿وَلَوْ﴾ الواو: عاطفة ﴿لَوْ﴾ حرف شرط ﴿كَثُرَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الفئة، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾ وجوابها محذوف تقديره: فلن تغنى عنكم، وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة محذوفة تقديره، ولن تغنى عنكم فئتكم شيئا إن وجدت ولو كثرت ﴿وَإِنْ﴾ الواو: استئنافية ﴿إِنْ﴾ حرف نصب ﴿اللَّهَ﴾ اسمها ﴿مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ خبرها، وجملة ﴿إِنْ﴾ في تأويل مصدر ساد من مفعولي علم المحذوف تقديره: واعلموا كون الله مع المؤمنين بالنصر والإمداد، والجملة مستأنفة.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾.
﴿يا أَيُّهَا﴾ ﴿يا﴾ حرف نداء ﴿أي﴾ منادي نكرة مقصودة ﴿ها﴾ حرف تنبيه ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ وجملة النداء مستأنفة ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ فعل وفاعل، ومفعول ﴿وَرَسُولَهُ﴾ معطوف على الجلالة والجملة جواب النداء ﴿وَلا تَوَلَّوْا﴾ جازم وفعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَطِيعُوا﴾ ﴿عَنْهُ﴾ متعلق بـ ﴿تَوَلَّوْا﴾ ﴿وَأَنْتُمْ﴾ مبتدأ، وجملة ﴿تَسْمَعُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿تَوَلَّوْا﴾. ﴿وَلا تَكُونُوا﴾ جازم وفعل ناقص واسمه ﴿كَالَّذِينَ﴾ خبره، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَلا تَوَلَّوْا﴾ ﴿قالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿سَمِعْنا﴾ مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾ وان شئت قلت: ﴿سَمِعْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾ ﴿وَهُمْ﴾ مبتدأ وجملة ﴿لا يَسْمَعُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾.
﴿يا أَيُّهَا﴾ ﴿يا﴾ حرف نداء ﴿أي﴾ منادي نكرة مقصودة ﴿ها﴾ حرف تنبيه ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ وجملة النداء مستأنفة ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ فعل وفاعل، ومفعول ﴿وَرَسُولَهُ﴾ معطوف على الجلالة والجملة جواب النداء ﴿وَلا تَوَلَّوْا﴾ جازم وفعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَطِيعُوا﴾ ﴿عَنْهُ﴾ متعلق بـ ﴿تَوَلَّوْا﴾ ﴿وَأَنْتُمْ﴾ مبتدأ، وجملة ﴿تَسْمَعُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿تَوَلَّوْا﴾. ﴿وَلا تَكُونُوا﴾ جازم وفعل ناقص واسمه ﴿كَالَّذِينَ﴾ خبره، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَلا تَوَلَّوْا﴾ ﴿قالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿سَمِعْنا﴾ مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾ وان شئت قلت: ﴿سَمِعْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾ ﴿وَهُمْ﴾ مبتدأ وجملة ﴿لا يَسْمَعُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل
395
النصب حال من واو: ﴿قالُوا﴾.
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)﴾.
﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ﴿شَرَّ الدَّوَابِّ﴾ اسم ﴿إِنَّ﴾ ومضاف إليه، ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ متعلق بـ ﴿شَرَّ﴾، ﴿الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ﴾ كل من الثلاثة خبر المبتدأ كقولهم: الرمان حلو حامض، وجملة ﴿لا يَعْقِلُونَ﴾ صلة الموصول، وجملة ﴿إِنَّ﴾ من اسمها وخبرها مستأنفة. ﴿وَلَوْ﴾ الواو: استئنافية ﴿لَوْ﴾ حرف شرط ﴿عَلِمَ اللَّهُ﴾ فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾ لا محل لها من الإعراب ﴿فِيهِمْ﴾ متعلق بـ عَلِمَ ﴿خَيْرًا﴾ مفعول به ﴿لَأَسْمَعَهُمْ﴾ ﴿اللام﴾ رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾ الشرطية ﴿أسمعهم﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية جواب ﴿لَوْ﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾ حرف شرط وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَتَوَلَّوْا﴾ ﴿اللام﴾ رابطة لجواب لو الشرطية ﴿تولوا﴾ فعل وفاعل والجملة جواب ﴿لَوْ﴾ وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿لَوْ﴾ الأولى ﴿وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿تولوا﴾.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)﴾.
﴿يا أَيُّهَا﴾ منادى نكرة مقصودة ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ وجملة النداء مستأنفة ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب، ﴿لِلَّهِ﴾ متعلق بـ ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ ﴿وَلِلرَّسُولِ﴾ معطوف على الجار، والمجرور قبله ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿دَعاكُمْ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الرسول﴾ وجملة ﴿دعا﴾ في محل الخفض بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها، على كونها فعل شرط لها والظرف متعلق بالجواب المحذوف، تقديره: إذا دعاكم لما يحييكم.. استجيبوا لله وللرسول ﴿لِما﴾ جار
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)﴾.
﴿إِنَّ﴾ حرف نصب ﴿شَرَّ الدَّوَابِّ﴾ اسم ﴿إِنَّ﴾ ومضاف إليه، ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ متعلق بـ ﴿شَرَّ﴾، ﴿الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ﴾ كل من الثلاثة خبر المبتدأ كقولهم: الرمان حلو حامض، وجملة ﴿لا يَعْقِلُونَ﴾ صلة الموصول، وجملة ﴿إِنَّ﴾ من اسمها وخبرها مستأنفة. ﴿وَلَوْ﴾ الواو: استئنافية ﴿لَوْ﴾ حرف شرط ﴿عَلِمَ اللَّهُ﴾ فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿لَوْ﴾ لا محل لها من الإعراب ﴿فِيهِمْ﴾ متعلق بـ عَلِمَ ﴿خَيْرًا﴾ مفعول به ﴿لَأَسْمَعَهُمْ﴾ ﴿اللام﴾ رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾ الشرطية ﴿أسمعهم﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية جواب ﴿لَوْ﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية مستأنفة ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾ حرف شرط وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَتَوَلَّوْا﴾ ﴿اللام﴾ رابطة لجواب لو الشرطية ﴿تولوا﴾ فعل وفاعل والجملة جواب ﴿لَوْ﴾ وجملة ﴿لَوْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿لَوْ﴾ الأولى ﴿وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿تولوا﴾.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)﴾.
﴿يا أَيُّهَا﴾ منادى نكرة مقصودة ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ وجملة النداء مستأنفة ﴿آمَنُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب، ﴿لِلَّهِ﴾ متعلق بـ ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ ﴿وَلِلرَّسُولِ﴾ معطوف على الجار، والمجرور قبله ﴿إِذا﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان ﴿دَعاكُمْ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الرسول﴾ وجملة ﴿دعا﴾ في محل الخفض بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها، على كونها فعل شرط لها والظرف متعلق بالجواب المحذوف، تقديره: إذا دعاكم لما يحييكم.. استجيبوا لله وللرسول ﴿لِما﴾ جار
396
ومجرور متعلق بـ ﴿دعا﴾ ﴿يُحْيِيكُمْ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾ والجملة الفعلية صلة ﴿لِما﴾ أو صفة لها ﴿وَاعْلَمُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ ناصب واسمه ﴿يَحُولُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بَيْنَ الْمَرْءِ﴾ ظرف ومضاف إليه، ﴿وَقَلْبِهِ﴾ معطوف على ﴿الْمَرْءِ﴾ والظرف متعلق بـ ﴿يَحُولُ﴾، وجملة ﴿يَحُولُ﴾ في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾ وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم تقديره: واعلموا حيلولة الله بين المرء وقلبه، ﴿وَأَنَّهُ﴾ ناصب واسمه ﴿إِلَيْهِ﴾ متعلق بـ ﴿تُحْشَرُونَ﴾ وجملة ﴿تُحْشَرُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿أن﴾ وجملة ﴿أن﴾ معطوفة على جملة ﴿أَنَّ﴾ الأولى على كونها في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم تقديره: وحشركم إليه تعالى.
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾.
﴿وَاتَّقُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ على كونها جواب النداء ﴿فِتْنَةً﴾ مفعول به ﴿لا﴾ نافية ﴿تُصِيبَنَّ﴾ فعل مضارع في محل الرفع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على فتنة ﴿الَّذِينَ﴾ مفعوله، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ ﴿فِتْنَةً﴾ ﴿ظَلَمُوا﴾ فعل وفاعل والجملة صلة الموصول ﴿مِنْكُمْ﴾ جار ومجرور حال من واو ﴿ظَلَمُوا﴾ ﴿خَاصَّةً﴾ منصوب على الحال من الفاعل المستتر في قوله ﴿لا تُصِيبَنَّ﴾ وأصلها أن تكون صفة لمصدر محذوف تقديره إصابة خاصة كما في «السمين» ﴿وَاعْلَمُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ ناصب واسمه ﴿شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ خبر ﴿أَنَّ﴾ ومضاف إليه، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم تقديره، واعلموا شدّة عذاب الله تعالى.
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)﴾.
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾.
﴿وَاتَّقُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ على كونها جواب النداء ﴿فِتْنَةً﴾ مفعول به ﴿لا﴾ نافية ﴿تُصِيبَنَّ﴾ فعل مضارع في محل الرفع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على فتنة ﴿الَّذِينَ﴾ مفعوله، والجملة الفعلية في محل النصب صفة لـ ﴿فِتْنَةً﴾ ﴿ظَلَمُوا﴾ فعل وفاعل والجملة صلة الموصول ﴿مِنْكُمْ﴾ جار ومجرور حال من واو ﴿ظَلَمُوا﴾ ﴿خَاصَّةً﴾ منصوب على الحال من الفاعل المستتر في قوله ﴿لا تُصِيبَنَّ﴾ وأصلها أن تكون صفة لمصدر محذوف تقديره إصابة خاصة كما في «السمين» ﴿وَاعْلَمُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ ناصب واسمه ﴿شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ خبر ﴿أَنَّ﴾ ومضاف إليه، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم تقديره، واعلموا شدّة عذاب الله تعالى.
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)﴾.
397
﴿وَاذْكُرُوا﴾ فعل وفاعل والجملة معطوفة على جملة ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بـ ﴿اذْكُرُوا﴾ ﴿أَنْتُمْ﴾ مبتدأ ﴿قَلِيلٌ﴾ خبر والجملة الاسمية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿مُسْتَضْعَفُونَ﴾ صفة أولى لـ ﴿قَلِيلٌ﴾ ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ متعلق به، ﴿تَخافُونَ﴾ فعل وفاعل، والجلمة في محل الرفع صفة ثانية لـ ﴿قَلِيلٌ﴾، ﴿أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾ ناصب وفعل ومفعول، وفاعل، والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ ﴿تَخافُونَ﴾ تقديره: تخافون تخطف الناس إياكم، ﴿فَآواكُمْ﴾ ﴿الفاء﴾ حرف عطف وتفريع ﴿أواكم﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة مفرعة على الجملة الاسمية، في قوله: ﴿إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ على كونها مضافا إليه لـ ﴿إِذْ﴾ ﴿وَأَيَّدَكُمْ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿أواكم﴾ ﴿بِنَصْرِهِ﴾ جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿أَيَّدَكُمْ﴾ ﴿وَرَزَقَكُمْ﴾ فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة ﴿أواكم﴾ ﴿مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿رزق﴾ ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ ناصب واسمه، وجملة ﴿تَشْكُرُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿لعل﴾، وجملة ﴿لعل﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)﴾.
﴿يا أَيُّهَا﴾ منادى نكرة مقصودة، وجملة النداء مستأنفة ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ ﴿آمَنُوا﴾ صلة الموصول ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ﴾ جازم وفعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب النداء، ﴿وَالرَّسُولَ﴾ معطوف على الجلالة ﴿وَتَخُونُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على تخونوا الأول ﴿أَماناتِكُمْ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، ﴿وَأَنْتُمْ﴾ مبتدأ وجملة ﴿تَعْلَمُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من واو ﴿تَخُونُوا﴾ ومفعول ﴿تَعْلَمُونَ﴾ محذوف تقديره: وأنتم تعلمون أن ما وقع منكم خيانة.
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
﴿وَاعْلَمُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿تَخُونُوا﴾ على كونه جواب النداء، ﴿أَنَّما﴾ ﴿أن﴾ حرف نصب و ﴿ما﴾ كافة لكفها ما قبلها عن العمل، فيما بعدها
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)﴾.
﴿يا أَيُّهَا﴾ منادى نكرة مقصودة، وجملة النداء مستأنفة ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ ﴿آمَنُوا﴾ صلة الموصول ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ﴾ جازم وفعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب النداء، ﴿وَالرَّسُولَ﴾ معطوف على الجلالة ﴿وَتَخُونُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على تخونوا الأول ﴿أَماناتِكُمْ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، ﴿وَأَنْتُمْ﴾ مبتدأ وجملة ﴿تَعْلَمُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من واو ﴿تَخُونُوا﴾ ومفعول ﴿تَعْلَمُونَ﴾ محذوف تقديره: وأنتم تعلمون أن ما وقع منكم خيانة.
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
﴿وَاعْلَمُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿تَخُونُوا﴾ على كونه جواب النداء، ﴿أَنَّما﴾ ﴿أن﴾ حرف نصب و ﴿ما﴾ كافة لكفها ما قبلها عن العمل، فيما بعدها
398
﴿أَمْوالُكُمْ﴾ مبتدأ ﴿وَأَوْلادُكُمْ﴾ معطوف عليه ﴿فِتْنَةٌ﴾ خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم تقديره: واعلموا كون أموالكم وأولادكم فتنة ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ ناصب واسمه ﴿عِنْدَهُ﴾ ظرف ومضاف إليه خبر مقدم ﴿أَجْرٌ﴾ مبتدأ مؤخر ﴿عَظِيمٌ﴾ صفة لأجر، وجملة المبتدأ والخبر، في محل الرفع خبر ﴿أَنَّ﴾، وجملة ﴿أَنَّ﴾ معطوفة على جملة ﴿أَنَّما﴾ على كونها في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي ﴿علم﴾ تقديره وكون أجر عظيم عند الله تعالى.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)﴾.
﴿يا أَيُّهَا﴾ منادى نكرة مقصودة، والجملة مستأنفة ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ ﴿آمَنُوا﴾ صلة الموصول ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ﴾ جازم وفعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿يَجْعَلْ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه جواب الشرط لها، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور متعلق به ﴿فُرْقانًا﴾ مفعول به، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية من فعل شرطها وجوابها جواب النداء لا محل لها من الإعراب، ﴿وَيُكَفِّرْ﴾ معطوف على ﴿يَجْعَلْ﴾ وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَنْكُمْ﴾ متعلق به ﴿سَيِّئاتِكُمْ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، ﴿وَيَغْفِرْ﴾ معطوف على يجعل وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَكُمْ﴾ متعلق به ﴿وَاللَّهُ﴾ مبتدأ ﴿ذُو الْفَضْلِ﴾ خبر ومضاف إليه، ﴿الْعَظِيمِ﴾ صفة لـ ﴿الْفَضْلِ﴾، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
التصريف ومفردات اللغة
﴿زَحْفًا﴾ من زحف (١) إذا مشى على بطنه كالحية، أو دبّ على مقعده، كالصبي، أو على ركبتيه، أو مشى بثقل في الحركة واتصال وتقارب في الخطو كزحف صغار الجراد، والعسكر المتوجه إلى العدوّ لأنه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)﴾.
﴿يا أَيُّهَا﴾ منادى نكرة مقصودة، والجملة مستأنفة ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لـ ﴿أي﴾ ﴿آمَنُوا﴾ صلة الموصول ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ﴾ جازم وفعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، ﴿يَجْعَلْ﴾ فعل مضارع مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه جواب الشرط لها، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور متعلق به ﴿فُرْقانًا﴾ مفعول به، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية من فعل شرطها وجوابها جواب النداء لا محل لها من الإعراب، ﴿وَيُكَفِّرْ﴾ معطوف على ﴿يَجْعَلْ﴾ وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَنْكُمْ﴾ متعلق به ﴿سَيِّئاتِكُمْ﴾ مفعول به، ومضاف إليه، ﴿وَيَغْفِرْ﴾ معطوف على يجعل وفاعله ضمير يعود على الله ﴿لَكُمْ﴾ متعلق به ﴿وَاللَّهُ﴾ مبتدأ ﴿ذُو الْفَضْلِ﴾ خبر ومضاف إليه، ﴿الْعَظِيمِ﴾ صفة لـ ﴿الْفَضْلِ﴾، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
التصريف ومفردات اللغة
﴿زَحْفًا﴾ من زحف (١) إذا مشى على بطنه كالحية، أو دبّ على مقعده، كالصبي، أو على ركبتيه، أو مشى بثقل في الحركة واتصال وتقارب في الخطو كزحف صغار الجراد، والعسكر المتوجه إلى العدوّ لأنه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه
(١) المراغي.
399
يزحف، إذ الكل يرى كجسم واحد متصل، فتحس حركته بطيئة، وإن كانت في الواقع سريعة، وفي «المصباح» زحف القوم زحفا من باب نفع وزحوفا، ويطلق على الجيش الكثير، زحف تسمية بالمصدر، والجمع زحوف مثل فلس وفلوس، والصبي يزحف على الأرض قبل أن يمشي، وزحف البعير إذا أعيا فجر فرسنه، وأزحف بالألف، ومنه قيل: زحف الماشي، وأزحف أيضا إذا أعيا. انتهى.
﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾ ﴿الْأَدْبارَ﴾: جمع دبر، وهو الخلف، ومقابله القبل، ومن ثم يكنى بهما عن السؤتين، وتولية الدبر والأدبار، يراد بهما الهزيمة، لأن المنهزم يجعل خصمه متوجها إلى دبره ومؤخره، وفي «الجمل» (١): يطلق الدبر على مقابل القبل، ويطلق على الظهر، وهو المراد هنا، والمقصود ملزوم تولية الظهر، وهو الانهزام، فهذا اللفظ استعمل في ملزوم معناه. انتهى.
﴿إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ﴾؛ أي: لأجل التمكن من القتال، والمتحرف للقتال أو غيره: هو المنحرف عن جانب إلى آخر من الحرف، وهو الطرف ﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا﴾ والمتحيز (٢) المنضم إلى جانب، وقال أبو عبيدة: التحيز، والتحوز، التنحي والتحوز الانضمام، وقال الليث: ما لك متحوزا إذا لم تستقر على الأرض، وأصله: من الحوز وهو الجمع، يقال: حزته في الطرس، فانحاز، وتحيز انضم، واجتمع، وتحوزت الحية انطوت واجتمعت، وسمي التنحي تحيزا؛ لأنّ المتنحي عن جانب ينضم عنه، ويجتمع إلى غيره، وتحيز تفيعل أصله تحيوز اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت فيها الياء، وتحوز تفعل ضعفت عينه، ووزن (٣) متحيز متفيعل، والأصل: متحيوز فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء ﴿إِلى فِئَةٍ﴾ والفئة: الطائفة من الناس ﴿وَمَأْواهُ﴾ والمأوى: الملجأ الذي يأوي إليه الإنسان، ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ والرمي معروف، ويكون بالسهم، والحجر والتراب ﴿بَلاءً﴾ هو اسم مصدر لأبلى يبلي إبلاء وبلاء، والمراد به هنا: المبلو به، أي:
﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾ ﴿الْأَدْبارَ﴾: جمع دبر، وهو الخلف، ومقابله القبل، ومن ثم يكنى بهما عن السؤتين، وتولية الدبر والأدبار، يراد بهما الهزيمة، لأن المنهزم يجعل خصمه متوجها إلى دبره ومؤخره، وفي «الجمل» (١): يطلق الدبر على مقابل القبل، ويطلق على الظهر، وهو المراد هنا، والمقصود ملزوم تولية الظهر، وهو الانهزام، فهذا اللفظ استعمل في ملزوم معناه. انتهى.
﴿إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ﴾؛ أي: لأجل التمكن من القتال، والمتحرف للقتال أو غيره: هو المنحرف عن جانب إلى آخر من الحرف، وهو الطرف ﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا﴾ والمتحيز (٢) المنضم إلى جانب، وقال أبو عبيدة: التحيز، والتحوز، التنحي والتحوز الانضمام، وقال الليث: ما لك متحوزا إذا لم تستقر على الأرض، وأصله: من الحوز وهو الجمع، يقال: حزته في الطرس، فانحاز، وتحيز انضم، واجتمع، وتحوزت الحية انطوت واجتمعت، وسمي التنحي تحيزا؛ لأنّ المتنحي عن جانب ينضم عنه، ويجتمع إلى غيره، وتحيز تفيعل أصله تحيوز اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت فيها الياء، وتحوز تفعل ضعفت عينه، ووزن (٣) متحيز متفيعل، والأصل: متحيوز فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء ﴿إِلى فِئَةٍ﴾ والفئة: الطائفة من الناس ﴿وَمَأْواهُ﴾ والمأوى: الملجأ الذي يأوي إليه الإنسان، ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ والرمي معروف، ويكون بالسهم، والحجر والتراب ﴿بَلاءً﴾ هو اسم مصدر لأبلى يبلي إبلاء وبلاء، والمراد به هنا: المبلو به، أي:
(١) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات.
400
المعطى ﴿مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ﴾ والموهن: المضعف من أوهنه إذا أضعفه، والكيد: التدبير الذي يقصد به غير ظاهره، فتسوء عاقبة من يقصد به ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا﴾ والاستفتاح: طلب الفتح، والفصل في الأمر كالنصر في الحرب.
﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ﴾ الخيانة (١): لغة تدل على الإخلاف والخيبة بنقص ما كان يرجى ويؤمل من الخائن، فقالوا: خانه سيفه إذا نبا عن الضربة، وخانته رجلاه إذا لم يقدر على المشي، ومنه قوله: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾؛ أي: تنقصونها بعص ما أحل لها من اللذات، ثمّ استعمل في ضد الأمانة والوفاء؛ لأن الرجل إذا خان الرجل فقد أدخل عليه النقصان، ﴿أَمِنْتُكُمْ﴾ جمع أمانة، والأمانة كل حقّ مادي أو معنوي يجب عليك أداؤه إلى أهله، قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾.
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ والفتنة: الاختبار والامتحان بما يشق على النفس فعله أو تركه، أو قبوله أو إنكاره، فهي تكون في الاعتقاد والأقوال والأفعال، والأشياء، فيمتحن الله المؤمنين والكافرين، والصادقين والمنافقين، ويجازيهم بما يترتب على فتنتهم من اتباع الحق، أو الباطل، وعمل الخير أو الشر ﴿أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾ وفي «المصباح» خطفه يخطفه من باب تعب استلبه بسرعة وخطفه خطفا من باب ضرب لغة، واختطف وتخطف مثله، والخطفة مثل تمرة المرّة يقال لما اختطفه الذئب ونحوه من حيوان، هي خطفة تسمية بذلك اه.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ﴾ التقوى: ترك الذنوب، والآثام، وفعل ما يستطاع من الطاعات، والواجبات الدينية، وبعبارة أخرى: هي اتقاء ما يضر الإنسان في نفسه، وفي جنسه، وما يحول بينه وبين المقاصد الشريفة، والغايات الحسنة.
﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا﴾ والفرقان أصله الفرق، والفصل بين الشيئين أو الأشياء، ويراد به هنا نور البصيرة الذي به يفرق بين الحق والباطل والضار والنافع،
﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ﴾ الخيانة (١): لغة تدل على الإخلاف والخيبة بنقص ما كان يرجى ويؤمل من الخائن، فقالوا: خانه سيفه إذا نبا عن الضربة، وخانته رجلاه إذا لم يقدر على المشي، ومنه قوله: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾؛ أي: تنقصونها بعص ما أحل لها من اللذات، ثمّ استعمل في ضد الأمانة والوفاء؛ لأن الرجل إذا خان الرجل فقد أدخل عليه النقصان، ﴿أَمِنْتُكُمْ﴾ جمع أمانة، والأمانة كل حقّ مادي أو معنوي يجب عليك أداؤه إلى أهله، قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾.
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ والفتنة: الاختبار والامتحان بما يشق على النفس فعله أو تركه، أو قبوله أو إنكاره، فهي تكون في الاعتقاد والأقوال والأفعال، والأشياء، فيمتحن الله المؤمنين والكافرين، والصادقين والمنافقين، ويجازيهم بما يترتب على فتنتهم من اتباع الحق، أو الباطل، وعمل الخير أو الشر ﴿أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾ وفي «المصباح» خطفه يخطفه من باب تعب استلبه بسرعة وخطفه خطفا من باب ضرب لغة، واختطف وتخطف مثله، والخطفة مثل تمرة المرّة يقال لما اختطفه الذئب ونحوه من حيوان، هي خطفة تسمية بذلك اه.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ﴾ التقوى: ترك الذنوب، والآثام، وفعل ما يستطاع من الطاعات، والواجبات الدينية، وبعبارة أخرى: هي اتقاء ما يضر الإنسان في نفسه، وفي جنسه، وما يحول بينه وبين المقاصد الشريفة، والغايات الحسنة.
﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا﴾ والفرقان أصله الفرق، والفصل بين الشيئين أو الأشياء، ويراد به هنا نور البصيرة الذي به يفرق بين الحق والباطل والضار والنافع،
(١) المراغي.
401
وبعبارة ثانية: هو العلم الصحيح والحكم الرجيح، وقد أطلق هذا اللفظ على التوراة والإنجيل، والقرآن، وغلب على الأخير قال تعالى: ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا (١)﴾ من قبل أن كلامه تعالى يفرق في العلم والاعتقاد بين الإيمان والكفر، والحق والباطل، والعدل والجور، والخير والشر، والفرقان (١) في الأصل: مصدر فرق بين الشيئين؛ أي: حال بينهما. وقال ابن عباس وجماعة: ﴿فُرْقانًا﴾؛ أي: مخرجا في الدين من الضلال، وقال مزرد بن ضرار:
وقال الآخر:
وقال الآخر:
أو مخرجا من الشبهات، وتوفيقا وشرحا للصدور؛ أو تفرقة بينكم وبين غيركم من أهل الأديان وفضلا ومزية في الدنيا والآخرة، ولفظ ﴿فُرْقانًا﴾ مطلق، فيصلح لما يقع به فرق بين المؤمنين والكافرين في أمور الدنيا والآخرة.
والتقوى هنا: إن كانت من اتقاء الكبائر، كانت السيئات الصغائر، ليتغاير الشرط والجزاء، وتكفيرها في الدنيا ومغفرتها إزالتها في القيامة، وتغاير الظرفان لئلا يلزم التكرار كما مرّ في بحث التفسير.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعا وضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التشبيه البليغ في قوله ﴿زَحْفًا﴾ لأن المعنى (٢) على التشبيه بالزاحفين
بادر الأفق أن يغيب فلمّا | أظلم اللّيل لم يجد فرقانا |
ما لك من طول الأسى فرقان | بعد قطين رحلوا وبانوا |
وكيف أرجو الخلد والموت طالبي | وما لي من كأس المنيّة فرقان |
والتقوى هنا: إن كانت من اتقاء الكبائر، كانت السيئات الصغائر، ليتغاير الشرط والجزاء، وتكفيرها في الدنيا ومغفرتها إزالتها في القيامة، وتغاير الظرفان لئلا يلزم التكرار كما مرّ في بحث التفسير.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعا وضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التشبيه البليغ في قوله ﴿زَحْفًا﴾ لأن المعنى (٢) على التشبيه بالزاحفين
(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
402
على أدبارهم في بطء السير، وذلك لأنّ الجيش إذا كثر والتحم بعضه ببعض يتراءى أن سيره بطيء، وإن كان في نفسه سريعا، فالمراد من هذه الحال بعد كون المراد التشبيه ما يلزم هذه المشابهة، وهو: الكثرة.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾ لما فيه من إطلاق اللازم، وهو تولية الظهر، وإرادة الملزوم، وهو الانهزام، فكأنه قال: فلا تنهزموا.
ومنها: التعريض في قوله: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ حيث عدل عن ذكر الظهر إلى الدبر تعريضا (١) بسوء حالهم، وقبح فعالهم، وخساسة منزلتهم، بذكر ما يستهجن ذكره، وهو الدبر، وبعض البيانيين يسمي هذا بالإيماء، وبعضهم بالكناية، وهذا ليس بشيء فإن الكناية أن تصرّح باللفظ الجميل على المعنى القبيح. ذكره في التحرير.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ﴾ وفي قوله: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ وفي قوله: ﴿وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾ وفي قوله: ﴿سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ والجناس المغاير في قوله: ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا﴾ وفي قوله: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾ وفي وقوله: ﴿لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾.
ومنها: التهكم في قوله: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ لأن الأصح أن يكون الخطاب للمشركين على سبيل التهكم، كقوله: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)﴾ لأنهم هم الذين وقع بهم الهلاك، والفتح وقع لغيرهم.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ لأنه كناية (٢) عن كونه أقرب للشخص من قلبه لذاته، بل هو تعالى
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾ لما فيه من إطلاق اللازم، وهو تولية الظهر، وإرادة الملزوم، وهو الانهزام، فكأنه قال: فلا تنهزموا.
ومنها: التعريض في قوله: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ حيث عدل عن ذكر الظهر إلى الدبر تعريضا (١) بسوء حالهم، وقبح فعالهم، وخساسة منزلتهم، بذكر ما يستهجن ذكره، وهو الدبر، وبعض البيانيين يسمي هذا بالإيماء، وبعضهم بالكناية، وهذا ليس بشيء فإن الكناية أن تصرّح باللفظ الجميل على المعنى القبيح. ذكره في التحرير.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ﴾ وفي قوله: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ وفي قوله: ﴿وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾ وفي قوله: ﴿سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ والجناس المغاير في قوله: ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا﴾ وفي قوله: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾ وفي وقوله: ﴿لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾.
ومنها: التهكم في قوله: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ لأن الأصح أن يكون الخطاب للمشركين على سبيل التهكم، كقوله: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)﴾ لأنهم هم الذين وقع بهم الهلاك، والفتح وقع لغيرهم.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ لأنه كناية (٢) عن كونه أقرب للشخص من قلبه لذاته، بل هو تعالى
(١) البحر المحيط.
(٢) الصاوي.
(٢) الصاوي.
403
أقرب من السمع للأذن، ومن البصر للعين، ومن اللمس للجسد، ومن الشم للأنف، ومن الذوق للسان، فشبه القرب بالحيلولة، واستعير اسم المشبه به، وهو الحيلولة للمشبه وهو القرب، واشتق من الحيلولة ﴿يَحُولُ﴾ بمعنى يقرب على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ لما فيه من إطلاق المسبب الذي هو المصائب والفتن، وإرادة السبب الذي هو الذنوب والمعاصي.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ لما فيه من إطلاق المسبب الذي هو المصائب والفتن، وإرادة السبب الذي هو الذنوب والمعاصي.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
404
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية، مناسبة (١) هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر المؤمنين عامة بنعمه عليهم بقوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ﴾.. ذكر هنا نعمه على رسوله خاصة، بدفع كيد المشركين، ومكر الماكرين بنصره عليهم، وخيبة مسعاهم في إيقاع الأذى به بعد أن تآمروا عليه، وقطعوا برأي معين فيه.
قوله تعالى: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً...﴾
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية، مناسبة (١) هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر المؤمنين عامة بنعمه عليهم بقوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ﴾.. ذكر هنا نعمه على رسوله خاصة، بدفع كيد المشركين، ومكر الماكرين بنصره عليهم، وخيبة مسعاهم في إيقاع الأذى به بعد أن تآمروا عليه، وقطعوا برأي معين فيه.
قوله تعالى: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً...﴾
(١) المراغي.
405
مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله (١) سبحانه وتعالى لما نفى عنهم أن يكونوا ولاة البيت.. ذكر من فعلهم القبيح، ما يؤكد ذلك، وأن من كانت صلاته ما ذكر لا يستأهل أن يكونوا أوياءه.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٢): أن الله سبحانه وتعالى لما بيّن أحوال هؤلاء المشركين في الطاعات البدنية بقوله: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً﴾.. أردف ذلك بذكر أحوالهم في الطاعات المالية.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: لما ذكر (٣) الله سبحانه وتعالى ما يحل بهم من حشرهم إلى النار، وجعلهم فيها وخسرهم.. تلطف بهم، وأنهم إذا انتهوا عن الكفر، وآمنوا غفرت لهم ذنوبهم السالفة، وليس ثم ما يترتب على الانتهاء عنه غفران الذنوب سوى الكفر، فلذلك كان المعنى أن ينتهوا عن الكفر.
وعبارة «المراغي» هنا: مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما بين حال من يصرّ على الكفر، والصد عن سبيل الله، وقتال رسوله والمؤمنين، وعاقبة أعمالهم في الدنيا والآخرة.. أردف ذلك ببيان من يرجعون عنه، ويدخلون في الإسلام، لأن الأنفس في حاجة إلى هذا البيان.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية، أجمع المفسرون على أن سبب نزول هذه الآية: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما بويع (٤) رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة العقبة، وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة، أشفقت قريش أن يعلو أمره، وقالوا: والله لكأنكم به قد كر عليكم بالرجال، فاجتمع جماعة من
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٢): أن الله سبحانه وتعالى لما بيّن أحوال هؤلاء المشركين في الطاعات البدنية بقوله: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً﴾.. أردف ذلك بذكر أحوالهم في الطاعات المالية.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: لما ذكر (٣) الله سبحانه وتعالى ما يحل بهم من حشرهم إلى النار، وجعلهم فيها وخسرهم.. تلطف بهم، وأنهم إذا انتهوا عن الكفر، وآمنوا غفرت لهم ذنوبهم السالفة، وليس ثم ما يترتب على الانتهاء عنه غفران الذنوب سوى الكفر، فلذلك كان المعنى أن ينتهوا عن الكفر.
وعبارة «المراغي» هنا: مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما بين حال من يصرّ على الكفر، والصد عن سبيل الله، وقتال رسوله والمؤمنين، وعاقبة أعمالهم في الدنيا والآخرة.. أردف ذلك ببيان من يرجعون عنه، ويدخلون في الإسلام، لأن الأنفس في حاجة إلى هذا البيان.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية، أجمع المفسرون على أن سبب نزول هذه الآية: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما بويع (٤) رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة العقبة، وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة، أشفقت قريش أن يعلو أمره، وقالوا: والله لكأنكم به قد كر عليكم بالرجال، فاجتمع جماعة من
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) زاد المسير.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) زاد المسير.
406
أشرافهم ليدخلوا دار الندوة فيتشاوروا في أمره، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ كبير، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا شيخ من أهل نجد، سمعت ما اجتمعم له، فأردت أن أحضركم، ولن تعدموا من رأيي نصحا، فقالوا: ادخل، فدخل معهم، فقالوا: انظروا في أمر هذا الرجل، فقال بعضهم: احبسوه في وثاق، وتربصوا به ريب المنون، فقال إبليس: ما هذا برأي يوشك أن يغضب له قومه، فيأخذوه من أيديكم، فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم، فتستريحوا من إيذائه لكم، فقال إبليس لا مصلحة لكم فيه، لأنه قد يجمع طائفة على نفسه، ويقاتلكم بهم، فقال أبو جهل: الرأي أن نجمع من كل قبيلة غلاما، ثم نعطي كل غلام سيفا فيضربوه به ضربة رجل واحد، فيفرق دمه في القبائل، فلا تقدر بنو هاشم على محاربة قريش كلها، فيرضون بأخذ الدية، فقال إبليس: هذا هو الرأي الصواب، فتفرقوا عن ذلك، وأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأمره أن لا يبيت في مضجعه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت في مضجعه تلك الليلة، وأمر عليا فبات في مكانه، وبات المشركون يحرسونه، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم أذن الله له في الخروج إلى المدينة، وجاء المشركون لما أصبحوا، فرأوا عليّا فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره حتى بلغوا الجبل، فمروا بالغار، فرأوا نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخله لم يكن عليه نسج العنكبوت، فأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة، يذكره نعمته عليه ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية. ذكره ابن هشام في «سيرته» (١/ ٤٨٠ - ٤٨٣) قال فيه، قال ابن إسحاق: حدثني به من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس، ورواه أحمد في «مسنده» رقم (٣٢٥١) مختصرا.
قوله تعالى: ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (١) ابن جرير عن سعيد بن جبير، قال: قتل النبي صلى الله عليه وسلّم يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وكان المقداد
قوله تعالى: ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (١) ابن جرير عن سعيد بن جبير، قال: قتل النبي صلى الله عليه وسلّم يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وكان المقداد
(١) لباب النقول.
407
أسر النضر، فلما أمر بقتله، قال المقداد: يا رسول الله: أسيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول، قال: وفيه أنزلت هذه الآية ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا...﴾» الآية.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير، قال: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث.
وروى البخاري عن أنس قال: قال أبو جهل بن هشام: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ...﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان المشركون يطوفون بالبيت، ويقولون: غفرانك، غفرانك، فأنزل الله ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ...﴾ الآية.
ولا مانع من أن الآية نزلت في هذا وهذا، وأنهما معا كانا سببا لنزول الآية. والله أعلم.
وأخرج (١) ابن جرير عن ابن أبزى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمكة فأنزل الله: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ فخرج إلى المدينة، فأنزل الله ﴿وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، وكان أولئك البقية من المسلمين، الذين بقوا فيها يستغفرون، فلما خرجوا أنزل الله: ﴿وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ...﴾ الآية، فأذن في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.
قوله تعالى: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ...﴾ الآية (٢)، سبب نزولها: أن قريشا كانوا يطوفون بالبيت، ويصفقون، ويصفرون، ويضعون خدودهم بالأرض، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عمر.
وأخرج ابن جرير عن سعيد، قال: كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلّم في
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير، قال: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث.
وروى البخاري عن أنس قال: قال أبو جهل بن هشام: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ...﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان المشركون يطوفون بالبيت، ويقولون: غفرانك، غفرانك، فأنزل الله ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ...﴾ الآية.
ولا مانع من أن الآية نزلت في هذا وهذا، وأنهما معا كانا سببا لنزول الآية. والله أعلم.
وأخرج (١) ابن جرير عن ابن أبزى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمكة فأنزل الله: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ فخرج إلى المدينة، فأنزل الله ﴿وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، وكان أولئك البقية من المسلمين، الذين بقوا فيها يستغفرون، فلما خرجوا أنزل الله: ﴿وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ...﴾ الآية، فأذن في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.
قوله تعالى: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ...﴾ الآية (٢)، سبب نزولها: أن قريشا كانوا يطوفون بالبيت، ويصفقون، ويصفرون، ويضعون خدودهم بالأرض، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عمر.
وأخرج ابن جرير عن سعيد، قال: كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلّم في
(١) لباب النقول.
(٢) زاد المسير.
(٢) زاد المسير.
408
الطواف يستهزؤون به، ويصفرون، ويصفقون، فنزلت: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ...﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية، قال (١) ابن إسحاق: حدثني الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمير بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن، قالوا: لما أصيب قريش يوم بدر، ورجعوا إلى مكة، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وآبناؤهم فكلموا أبا سفيان ومن كان له من قريش في ذلك العير تجارة، فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، فلعلنا أن ندرك منه ثأرا، ففعلوا، ففيهم كما ذكر عن ابن عباس أنزل الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿يُحْشَرُونَ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحكم بن عتيبة، قال: نزلت في أبي سفيان أنفق على المشركين أربعين أوقية من ذهب. الأوقية اثنان وأربعون مثقالا.
وأخرج (٢) ابن جرير عن ابن أبزى، وسعيد بن جبير، قالا: نزلت في أبي سفيان، استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش - أي من أخلاط القبائل - ليقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
التفسير وأوجه القراءة
٣٠ - أي: ﴿وَ﴾ اذكر يا محمد لأمتك قصة ﴿إِذْ يَمْكُرُ﴾ ويحتال في إيقاع الضرر والهلاك ﴿بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من قومك، وهذا تذكار لما مكرت قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله تعالى في خلاصه من مكرهم، واستيلائه عليهم؛ أي: واذكر نعمته تعالى عليك في ذلك الزمن القريب، الذي يمكر بك فيه قومك الذين كفروا بما يدبرون في السر من وسائل إيقاع الهلاك بك، فإن في ذلك القصص على
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية، قال (١) ابن إسحاق: حدثني الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمير بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن، قالوا: لما أصيب قريش يوم بدر، ورجعوا إلى مكة، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وآبناؤهم فكلموا أبا سفيان ومن كان له من قريش في ذلك العير تجارة، فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، فلعلنا أن ندرك منه ثأرا، ففعلوا، ففيهم كما ذكر عن ابن عباس أنزل الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿يُحْشَرُونَ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحكم بن عتيبة، قال: نزلت في أبي سفيان أنفق على المشركين أربعين أوقية من ذهب. الأوقية اثنان وأربعون مثقالا.
وأخرج (٢) ابن جرير عن ابن أبزى، وسعيد بن جبير، قالا: نزلت في أبي سفيان، استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش - أي من أخلاط القبائل - ليقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
التفسير وأوجه القراءة
٣٠ - أي: ﴿وَ﴾ اذكر يا محمد لأمتك قصة ﴿إِذْ يَمْكُرُ﴾ ويحتال في إيقاع الضرر والهلاك ﴿بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من قومك، وهذا تذكار لما مكرت قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله تعالى في خلاصه من مكرهم، واستيلائه عليهم؛ أي: واذكر نعمته تعالى عليك في ذلك الزمن القريب، الذي يمكر بك فيه قومك الذين كفروا بما يدبرون في السر من وسائل إيقاع الهلاك بك، فإن في ذلك القصص على
(١) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
(٢) لباب النقول.
409
المؤمنين والكافرين في عهدك، ومن بعدك، لأكبر الحجج على صدق دعوتك، ووعد ربك بنصرتك؛ أي: واذكر لهم قصة إذ يمكرون بك، ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ في مكان، ويمنعوك من الحركة بالوثاق (١)، أو الحبس أو الإثخان بالجرح من قولهم: ضربه حتى أثبته لا حراك به، ولا براح، وقال ابن عباس ومجاهد: ليقيدوك وقيل: المعنى ليحبسوك، وقرأ النخعي ليبيتوك من البيات، وقرىء ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ بالتشديد أَوْ لـ ﴿يَقْتُلُوكَ﴾ بسيوفهم ﴿أَوْ﴾ لـ ﴿يُخْرِجُوكَ﴾ من وطنك مكة، وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومبايعتهم، فزعوا، فاجتمعوا في دار الندوة، متشاورين في أمره كما سبق في أسباب النزول.
وحديث ذلك المكر الذي ترتبت عليه الهجرة إلى المدينة، وبها ظهر الإسلام، وخذل الشرك، روي من طرق عدة أقربها رواية ابن إسحاق وابن هشام في سيرتهما كما ذكرناها سابقا، وهذه الآية مدنية كسائر السورة، وهو الصواب.
والخلاصة: أن كلمتهم قد اتفقت على إيقاع الأذى بك بإحدى ثلاث خصال: إما بالحبس الذي يمنعك من لقاء الناس، ودعوتهم إلى الإسلام، وإما بالقتل، بطريق لا يكون ضررها عظيما عليهم، كما مر، وإما بالإخراج والنفي من الوطن ﴿وَيَمْكُرُونَ﴾ بك، وبمن معك من المؤمنين؛ أي: يريدون إهلاككم من حيث لا تحتسبون؛ أي: إن دأبهم معك، ومع من اتبعك من المؤمنين، تدبير الأذى لكم دائما، والله محيط بما دبروا لكم، فقد أخرجك من بينهم إلى دار الهجرة، ووطن السلطان، والقوة وكرر (٢) قوله: ﴿وَيَمْكُرُونَ﴾ إخبارا باستمرار مكرهم، وكثرته ﴿وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ بهم؛ أي: ويرد الله سبحانه وتعالى عليهم مكرهم في نحورهم، وذلك بأن أخرجهم إلى بدر، وقلل المسلمين حتى حملوا عليهم، فلقوا ما لقوا، والمكر (٣) هو التدبير، وهو من الله تعالى التدبير بالحق، والمعنى:
وحديث ذلك المكر الذي ترتبت عليه الهجرة إلى المدينة، وبها ظهر الإسلام، وخذل الشرك، روي من طرق عدة أقربها رواية ابن إسحاق وابن هشام في سيرتهما كما ذكرناها سابقا، وهذه الآية مدنية كسائر السورة، وهو الصواب.
والخلاصة: أن كلمتهم قد اتفقت على إيقاع الأذى بك بإحدى ثلاث خصال: إما بالحبس الذي يمنعك من لقاء الناس، ودعوتهم إلى الإسلام، وإما بالقتل، بطريق لا يكون ضررها عظيما عليهم، كما مر، وإما بالإخراج والنفي من الوطن ﴿وَيَمْكُرُونَ﴾ بك، وبمن معك من المؤمنين؛ أي: يريدون إهلاككم من حيث لا تحتسبون؛ أي: إن دأبهم معك، ومع من اتبعك من المؤمنين، تدبير الأذى لكم دائما، والله محيط بما دبروا لكم، فقد أخرجك من بينهم إلى دار الهجرة، ووطن السلطان، والقوة وكرر (٢) قوله: ﴿وَيَمْكُرُونَ﴾ إخبارا باستمرار مكرهم، وكثرته ﴿وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ بهم؛ أي: ويرد الله سبحانه وتعالى عليهم مكرهم في نحورهم، وذلك بأن أخرجهم إلى بدر، وقلل المسلمين حتى حملوا عليهم، فلقوا ما لقوا، والمكر (٣) هو التدبير، وهو من الله تعالى التدبير بالحق، والمعنى:
(١) البيضاوي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الخازن.
410
إنهم احتالوا في إبطال أمر محمد صلى الله عليه وسلّم والله سبحانه وتعالى أظهره وقواه ونصره، فضاع فعلهم وتدبيرهم، وظهر فعل الله وتدبيره، وسمي (١) ما وقع منه تعالى من التدبير مكرا مشاكلة بما وقع منهم من المكر ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾؛ أي: أفضل المجازين لمكر الماكرين بمثل فعلهم، فهو تعالى يعذبهم على مكرهم من حيث لا يشعرون، فيكون ذلك أشد ضررا عليهم، وأعظم بلاء من مكرهم، لأن مكره تعالى نصر للحق، وإعزاز لأهله، وخذلان للباطل وحزبه، وفي الآية: إيماء إلى أن هذه حالهم الدائمة في معاملته صلى الله عليه وسلّم ومن تبعه من المؤمنين.
٣١ - ولما قص الله سبحانه وتعالى مكرهم في ذات محمد صلى الله عليه وسلّم.. قص علينا مكرهم في دين محمد صلى الله عليه وسلّم فقال: ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: وإذا قرأت على هؤلاء الذين كفروا ﴿آياتُنا﴾ القرآنية الواضحة، لمن شرح الله صدره لفهمها ﴿قالُوا﴾ جهلا منهم، وعنادا للحق، وهم يعلمون أنهم كاذبون ﴿قَدْ سَمِعْنا﴾ ما قال محمد صلى الله عليه وسلّم من الآيات، أو قد سمعنا مثل ما قال محمد من التوراة والإنجيل، وقد تنازع هذا العامل مع قوله: ﴿لَقُلْنا﴾ في قوله: مثل هذا ﴿لَوْ نَشاءُ﴾ القول ﴿لَقُلْنا مِثْلَ هذا﴾ الذي تلي علينا محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿إِنْ هذا﴾؛ أي: ما هذا القرآن الذي تلاه محمد صلى الله عليه وسلّم علينا ﴿إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: إلا أكاذيب الأولين، وأخبار الماضين، من القرون الخالية أي ما سطروه وكتبوه من القصص والأخبار.
والمعنى: ما هذا القرآن إلا ما كتب الأولون من القصص؛ أي: إنّ أخبار القرآن عن الرسل، وأقوامهم تشبه قصص أولئك الأمم، فهم يستطيعون أن يأتوا بمثلها، فما هي من خبر الغيب الدال على أنه وحي من الله، وقد كان النضر بن الحارث أول من قال هذه الكلمة، فقلده فيها غيره، لأنه كان يأتي الحيرة - بكسر الحاء بلدة بقرب الكوفة - يتجر، فيشتري كتب أخبار الأعاجم، ويحدث بها أهل مكة، ولكنهم لم يكونوا يعتقدون أنها أساطير مختلقة، وأن محمدا هو الذي
٣١ - ولما قص الله سبحانه وتعالى مكرهم في ذات محمد صلى الله عليه وسلّم.. قص علينا مكرهم في دين محمد صلى الله عليه وسلّم فقال: ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: وإذا قرأت على هؤلاء الذين كفروا ﴿آياتُنا﴾ القرآنية الواضحة، لمن شرح الله صدره لفهمها ﴿قالُوا﴾ جهلا منهم، وعنادا للحق، وهم يعلمون أنهم كاذبون ﴿قَدْ سَمِعْنا﴾ ما قال محمد صلى الله عليه وسلّم من الآيات، أو قد سمعنا مثل ما قال محمد من التوراة والإنجيل، وقد تنازع هذا العامل مع قوله: ﴿لَقُلْنا﴾ في قوله: مثل هذا ﴿لَوْ نَشاءُ﴾ القول ﴿لَقُلْنا مِثْلَ هذا﴾ الذي تلي علينا محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿إِنْ هذا﴾؛ أي: ما هذا القرآن الذي تلاه محمد صلى الله عليه وسلّم علينا ﴿إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: إلا أكاذيب الأولين، وأخبار الماضين، من القرون الخالية أي ما سطروه وكتبوه من القصص والأخبار.
والمعنى: ما هذا القرآن إلا ما كتب الأولون من القصص؛ أي: إنّ أخبار القرآن عن الرسل، وأقوامهم تشبه قصص أولئك الأمم، فهم يستطيعون أن يأتوا بمثلها، فما هي من خبر الغيب الدال على أنه وحي من الله، وقد كان النضر بن الحارث أول من قال هذه الكلمة، فقلده فيها غيره، لأنه كان يأتي الحيرة - بكسر الحاء بلدة بقرب الكوفة - يتجر، فيشتري كتب أخبار الأعاجم، ويحدث بها أهل مكة، ولكنهم لم يكونوا يعتقدون أنها أساطير مختلقة، وأن محمدا هو الذي
(١) الشوكاني.
افتراها، إذ لم يكونوا يتهمونه بالكذب، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ لأنهم يعلمون أنه أمي لم يتعلم شيئا، بل قالوا ذلك ليصدوا العرب عن القرآن، وقد كان زعماء قريش كالنضر بن الحارث، وأبي جهل، والوليد بن المغيرة، يتواصون بالإعراض عن سماع القرآن، ويمنعون الناس عنه خوفا من استمالة الناس إليه، لما رأوا من شدة تأثيره وسلطانه على القلوب، حتى قال الوليد بن المغيرة: كلمته المشهورة: إنه يعلو ولا يعلى عليه، وإنه يحطم ما تحته.
٣٢ - ﴿وَ﴾ اذكر يا محمد قصة ﴿إِذْ قالُوا﴾؛ أي: قصة إذ قال هؤلاء الذين كفروا من قومك دعاء على أنفسهم ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كانَ﴾ هذا القرآن وما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلّم من التوحيد ﴿هُوَ الْحَقَّ﴾ والصدق حالة كونه منزلا ﴿مِنْ عِنْدِكَ﴾ ليدين به عبادك كما يدعي محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنا﴾؛ أي: فأنزل علينا ﴿حِجارَةً مِنَ السَّماءِ﴾ عقوبة على إنكارنا، قالوا هذه المقالة مبالغة في الجحود والإنكار ﴿أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾؛ أي: وجيع غير الحجارة، قاله النضر بن الحارث استهزاء، وقد أسره المقداد يوم بدر، فقتله النبي صلى الله عليه وسلّم، أو قاله أبو جهل وقد ذبحه ابن مسعود يوم بدر، وقرأ الجمهور: ﴿هُوَ الْحَقَّ﴾ بالنصب جعلوا ﴿هُوَ﴾ فصلا، وقرأ الأعمش، وزيد بن علي بالرفع، وهي جائزة في العربية، وفي هذا (١) إيماء إلى أنهم لا يتبعونه، وإن كان هو الحق المنزل من عند الله، بل يفضلون الهلاك بحجارة يرجمون بها من السماء، أو بعذاب أليم سوى ذلك كما أن فيه تهكما وإظهارا للحزم واليقين، بأنه ليس من عند الله، وحاشاه، ومنه يعلم أيضا أن دعاءهم كفر وعناد، لا لأن ما يدعوهم إليه قبيح وضار.
روي أن معاوية قال لرجل من سبأ: ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة! فقال: أجهل من قومي قومك حين قالوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ﴾ ولم يقولوا: فاهدنا له.
٣٢ - ﴿وَ﴾ اذكر يا محمد قصة ﴿إِذْ قالُوا﴾؛ أي: قصة إذ قال هؤلاء الذين كفروا من قومك دعاء على أنفسهم ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كانَ﴾ هذا القرآن وما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلّم من التوحيد ﴿هُوَ الْحَقَّ﴾ والصدق حالة كونه منزلا ﴿مِنْ عِنْدِكَ﴾ ليدين به عبادك كما يدعي محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنا﴾؛ أي: فأنزل علينا ﴿حِجارَةً مِنَ السَّماءِ﴾ عقوبة على إنكارنا، قالوا هذه المقالة مبالغة في الجحود والإنكار ﴿أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾؛ أي: وجيع غير الحجارة، قاله النضر بن الحارث استهزاء، وقد أسره المقداد يوم بدر، فقتله النبي صلى الله عليه وسلّم، أو قاله أبو جهل وقد ذبحه ابن مسعود يوم بدر، وقرأ الجمهور: ﴿هُوَ الْحَقَّ﴾ بالنصب جعلوا ﴿هُوَ﴾ فصلا، وقرأ الأعمش، وزيد بن علي بالرفع، وهي جائزة في العربية، وفي هذا (١) إيماء إلى أنهم لا يتبعونه، وإن كان هو الحق المنزل من عند الله، بل يفضلون الهلاك بحجارة يرجمون بها من السماء، أو بعذاب أليم سوى ذلك كما أن فيه تهكما وإظهارا للحزم واليقين، بأنه ليس من عند الله، وحاشاه، ومنه يعلم أيضا أن دعاءهم كفر وعناد، لا لأن ما يدعوهم إليه قبيح وضار.
روي أن معاوية قال لرجل من سبأ: ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة! فقال: أجهل من قومي قومك حين قالوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ﴾ ولم يقولوا: فاهدنا له.
(١) المراغي.
٣٣ - ثم قال: سبحانه وتعالى: بيانا للموجب لإمهالهم، والتوقف في إجابة دعائهم ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾؛ أي: وما كان من سنة الله تعالى، ولا من مقتضى رحمته وحكمته أن يعذبهم وأنت الرسول موجود مقيم فيهم؛ لأنه إنما أرسلك رحمة ونعمة، لا عذابا ونقمة، فإنك ما دمت فيهم، فهم في مهملة من العذاب الذي هو الاستئصال مع أنه قد جرت سنته أيضا أن لا يعذب أمثالهم من مكذبي الرسل وهم بين أظهرهم، بل كان يخرج الرسل أولا، كما حدث لهود، وصالح، ولوط، وقرأ أبو السمال: ﴿وما كان ليعذبهم﴾ بفتح اللام، وهي لغة غير معروفة ولا مستعملة في القرآن.
﴿وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ﴾ هذا الاستئصال ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾؛ أي: وفيهم من يستغفر من المسلمين الذين بقوا فيهم بعد الهجرة؛ أي: وما كان الله ليعذبهم هذا العذاب الذي عذب بمثله الأمم قبلهم، فاستأصلهم وفيهم من يستغفر من المسلمين الذين بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المستضعفين، فلما خرجوا من بين أظهرهم عذبهم بيوم بدر وما بعده.
روى ابن جرير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمكة فأنزل الله ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ ثم خرج إلى المدينة فأنزل الله: ﴿وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ وكان من بقي في مكة من المؤمنين يستغفرون فلما خرجوا أنزل الله ﴿وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ الآية، فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم به، وقيل: المعنى وما كان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر الله تعالى، وقيل: المعنى وهم يستغفرون في الطواف بقولهم: غفرانك.
قال أهل المعاني (١): دلت هذه الآية على أن الاستغفار أمان وسلامة من العذاب.
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن الله أنزل عليّ
﴿وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ﴾ هذا الاستئصال ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾؛ أي: وفيهم من يستغفر من المسلمين الذين بقوا فيهم بعد الهجرة؛ أي: وما كان الله ليعذبهم هذا العذاب الذي عذب بمثله الأمم قبلهم، فاستأصلهم وفيهم من يستغفر من المسلمين الذين بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المستضعفين، فلما خرجوا من بين أظهرهم عذبهم بيوم بدر وما بعده.
روى ابن جرير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمكة فأنزل الله ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ ثم خرج إلى المدينة فأنزل الله: ﴿وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ وكان من بقي في مكة من المؤمنين يستغفرون فلما خرجوا أنزل الله ﴿وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ الآية، فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم به، وقيل: المعنى وما كان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر الله تعالى، وقيل: المعنى وهم يستغفرون في الطواف بقولهم: غفرانك.
قال أهل المعاني (١): دلت هذه الآية على أن الاستغفار أمان وسلامة من العذاب.
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن الله أنزل عليّ
(١) الخازن.
أمانين لأمتي، ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ ﴿وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة» أخرجه الترمذي.
٣٤ - ولما بين الله سبحانه وتعالى أن المانع من تعذيبهم، هو الأمران المتقدمان، وجود رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أظهرهم، ووقوع الاستغفار.. ذكر بعد ذلك أنّ هؤلاء الكفار، أعني كفار مكة، مستحقون لعذاب الله لما ارتكبوا من القبائح، فقال: ﴿وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: وأي شيء لهم يمنع من تعذيب الله إياهم ﴿وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾؛ أي: والحال أنهم يصدون النّاس ويمنعونهم عن الوصول إلى المسجد الحرام لزيارته، كما وقع منهم عام الحديبية من منع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه من البيت، وفي «السمين»: وما اسم استفهام إنكاري، مبتدأ و ﴿لَهُمْ﴾ خبره، وقوله: ﴿أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ على تقدير الجار المتعلق بما تعلق به الظرف الواقع خبرا، والمعنى: وأي شيء ثبت واستقر لهم في أن لا يعذبهم الله؛ أي: في عدم تعذيبه؛ أي: أي مانع منه؛ أي: لا مانع منه بعد زوال هذين المانعين، وهما كون النبي صلى الله عليه وسلّم فيهم، وكون الضعفاء يستغفرون، وهم مستضعفون فيما بينهم، فلما زال هذان المنعان وجب عليهم العذاب، ولم يبق له مانع ا. هـ؛ أي: وأي شيء يمنع تعذيبهم، بما دون عذاب الاستئصال، عند زوال المانع منه، وكيف لا يعذبون وهم يمنعون المسلمين من دخول المسجد الحرام ولو لأداء النسك، فما كان مسلم يقدر أن يدخل المسجد الحرام، فإن دخل مكة.. عذبوه، إذا لم يكن فيها من يجيره، والمراد بالعذاب هنا: عذاب بدر، إذ قتل صناديدهم ورؤساء الكفر، كأبي جهل، والنضر بن الحارث، وأسر سراتهم.
وجملة قوله: ﴿وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ﴾ في محل نصب على أنها حال من فاعل ﴿يَصُدُّونَ﴾؛ أي: والحال أنهم ما كانوا أولياء المسجد الحرام، وما كانوا مستحقين للولاية عليه لشركهم وعمل المفاسد فيه، كطوافهم فيه عراة، رجالا ونساء، وهذا رد لقولهم نحن ولاة الحرم والبيت، فنصد من نشاء، وندخل من نشاء ﴿إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾؛ أي: ما يلي أمره إلا من كان برا تقيا، لا من كان كافرا عابدا للصنم؛ أي: ما أولياء المسجد إلا الذين يتحرزون عن
٣٤ - ولما بين الله سبحانه وتعالى أن المانع من تعذيبهم، هو الأمران المتقدمان، وجود رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين أظهرهم، ووقوع الاستغفار.. ذكر بعد ذلك أنّ هؤلاء الكفار، أعني كفار مكة، مستحقون لعذاب الله لما ارتكبوا من القبائح، فقال: ﴿وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: وأي شيء لهم يمنع من تعذيب الله إياهم ﴿وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾؛ أي: والحال أنهم يصدون النّاس ويمنعونهم عن الوصول إلى المسجد الحرام لزيارته، كما وقع منهم عام الحديبية من منع رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه من البيت، وفي «السمين»: وما اسم استفهام إنكاري، مبتدأ و ﴿لَهُمْ﴾ خبره، وقوله: ﴿أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ على تقدير الجار المتعلق بما تعلق به الظرف الواقع خبرا، والمعنى: وأي شيء ثبت واستقر لهم في أن لا يعذبهم الله؛ أي: في عدم تعذيبه؛ أي: أي مانع منه؛ أي: لا مانع منه بعد زوال هذين المانعين، وهما كون النبي صلى الله عليه وسلّم فيهم، وكون الضعفاء يستغفرون، وهم مستضعفون فيما بينهم، فلما زال هذان المنعان وجب عليهم العذاب، ولم يبق له مانع ا. هـ؛ أي: وأي شيء يمنع تعذيبهم، بما دون عذاب الاستئصال، عند زوال المانع منه، وكيف لا يعذبون وهم يمنعون المسلمين من دخول المسجد الحرام ولو لأداء النسك، فما كان مسلم يقدر أن يدخل المسجد الحرام، فإن دخل مكة.. عذبوه، إذا لم يكن فيها من يجيره، والمراد بالعذاب هنا: عذاب بدر، إذ قتل صناديدهم ورؤساء الكفر، كأبي جهل، والنضر بن الحارث، وأسر سراتهم.
وجملة قوله: ﴿وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ﴾ في محل نصب على أنها حال من فاعل ﴿يَصُدُّونَ﴾؛ أي: والحال أنهم ما كانوا أولياء المسجد الحرام، وما كانوا مستحقين للولاية عليه لشركهم وعمل المفاسد فيه، كطوافهم فيه عراة، رجالا ونساء، وهذا رد لقولهم نحن ولاة الحرم والبيت، فنصد من نشاء، وندخل من نشاء ﴿إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾؛ أي: ما يلي أمره إلا من كان برا تقيا، لا من كان كافرا عابدا للصنم؛ أي: ما أولياء المسجد إلا الذين يتحرزون عن
المنكرات، كما كانوا يفعلونه عند البيت من المكاء والتصدية، ومن كانت هذه حاله لا يكون وليا للمسجد الحرام، بل هم أهل لأن يقتلوا بالسيف، ويحاربوا ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ أنه لا ولاية لهم عليه؛ أي: لا يعلمون أنهم ليسوا أولياء الله، ولا أن أولياءه ليسوا إلا المتقين، فهم الآمنون من عذابه بمقتضى عدله في خلقه، والجديرون بولاية بيته.
وقد نسب هذا الجهل إلى الأكثر، إذ كان فيهم من لا يجهل حالهم في جاهليتهم، وضلالهم في شركهم، وكون الله لا يرضى عنهم كما كان فيهم من يكتم إيمانه خوفا من الفتنة، ومنهم المستعدون له بسلامة الفطرة، وقد جرت سنة القرآن أن يدقق في الحكم، ولا يقول إلا الحق، ولا يقول كما يقول الناس: إنّ القليل لا حكم له.
٣٥ - ثم بين سبحانه سوء حالهم في أفضل ما بني البيت لأجله، وهي الصلاة، فقد كانوا يطوفون عراة فقال: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ﴾؛ أي: عبادتهم ﴿عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً﴾؛ أي: صفيرا فكان الواحد منهم يشبك أصابع إحدى كفيه بأصابع الأخرى، ويضمها، وينفخ فيهما فيظهر من ذلك صوت ﴿وَتَصْدِيَةً﴾؛ أي: تصفيقا أي ضربا لإحدى الكفين على الأخرى أي: ما كان شيء مما يعدونه عبادة وصلاة إلا هذين الفعلين، وهما المكاء والتصدية؛ أي إذا كان لهم صلاة، فلم تكن إلا هذين، قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت عراة، مشتبكين بين أصابعهم، يصفرون ويصفقون بإحدى اليدين على الأخرى، وروي عن سعيد بن جبير، قال: كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلّم في الطواف يستهزؤون ويصفرون، يفعلون ذلك إذا قرأ الرسول صلى الله عليه وسلّم يخلطون عليه في صلاته، فنزلت ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً﴾.
وبالجملة (١): فقد كانت صلاتهم وطوافهم من قبيل اللهو واللعب، سواء عارضوا الرسول صلى الله عليه وسلّم في طوافه وخشوع صلاته وحسن تلاوته، أم لا؟ {فَذُوقُوا
وقد نسب هذا الجهل إلى الأكثر، إذ كان فيهم من لا يجهل حالهم في جاهليتهم، وضلالهم في شركهم، وكون الله لا يرضى عنهم كما كان فيهم من يكتم إيمانه خوفا من الفتنة، ومنهم المستعدون له بسلامة الفطرة، وقد جرت سنة القرآن أن يدقق في الحكم، ولا يقول إلا الحق، ولا يقول كما يقول الناس: إنّ القليل لا حكم له.
٣٥ - ثم بين سبحانه سوء حالهم في أفضل ما بني البيت لأجله، وهي الصلاة، فقد كانوا يطوفون عراة فقال: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ﴾؛ أي: عبادتهم ﴿عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً﴾؛ أي: صفيرا فكان الواحد منهم يشبك أصابع إحدى كفيه بأصابع الأخرى، ويضمها، وينفخ فيهما فيظهر من ذلك صوت ﴿وَتَصْدِيَةً﴾؛ أي: تصفيقا أي ضربا لإحدى الكفين على الأخرى أي: ما كان شيء مما يعدونه عبادة وصلاة إلا هذين الفعلين، وهما المكاء والتصدية؛ أي إذا كان لهم صلاة، فلم تكن إلا هذين، قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت عراة، مشتبكين بين أصابعهم، يصفرون ويصفقون بإحدى اليدين على الأخرى، وروي عن سعيد بن جبير، قال: كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلّم في الطواف يستهزؤون ويصفرون، يفعلون ذلك إذا قرأ الرسول صلى الله عليه وسلّم يخلطون عليه في صلاته، فنزلت ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً﴾.
وبالجملة (١): فقد كانت صلاتهم وطوافهم من قبيل اللهو واللعب، سواء عارضوا الرسول صلى الله عليه وسلّم في طوافه وخشوع صلاته وحسن تلاوته، أم لا؟ {فَذُوقُوا
(١) المراغي.
الْعَذابَ}؛ أي: فذوقوا أيها المشركون في الدنيا عذاب القتل لبعض كبرائكم، والأسر للآخرين منهم، وانهزام الباقين، مدحورين مكسورين يوم بدر، ﴿بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلّم.
والخلاصة: فذوقوا العذاب الذي طلبتموه، وما كان لكم أن تستعجلوه إذ قلتم: ﴿أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾.
وقرأ أبان بن تغلب، وعاصم، والأعمش بخلاف عنهما (١) ﴿صلاتهم﴾ بالنصب ﴿إلا مكاء وتصدية﴾ بالرفع، وخطأ قوم منهم أبو علي الفارسي هذه القراءة لجعل المعرفة خبرا والنكرة اسما، قالوا: ولا يجوز ذلك إلا في ضرورة كقوله:
يكون مزاجها عسل وماء
وخرّجها أبو الفتح على أن المكاء والتصدية اسم جنس، واسم الجنس تعريفه وتنكيره واحد، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه ﴿إلا مكا﴾ بالقصر منونا فمن مد فكالثغاء، والرغاء، ومن قصر فكالبكاء في لغة من قصر.
٣٦ - ولما ذكر الله سبحانه وتعالى عبادة الكفار البدنية، وهي المكاء والتصدية.. ذكر عقبها عبادتهم المالية التي لا جدوى لها في الآخرة، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ورسوله صلى الله عليه وسلّم يعني كفار قريش وخبر إن جملة قوله: ﴿يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ﴾ ويصرفونها في محاربة النبي صلى الله عليه وسلّم ﴿لِيَصُدُّوا﴾ الناس ويمنعوهم ﴿عَنْ﴾ الدخول في ﴿سَبِيلِ اللَّهِ﴾ تعالى ودينه واتباع رسوله؛ أي: إن مقصدهم بالانفاق الصد عن اتباع محمد وهو سبيل الله وإن لم يكن عندهم كذلك.
قال مقاتل والكلبي (٢): نزلت هذه الآية في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا من كبار قريش، أبي جهل وأصحابه، يطعم كل واحد منهم كل يوم
والخلاصة: فذوقوا العذاب الذي طلبتموه، وما كان لكم أن تستعجلوه إذ قلتم: ﴿أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾.
وقرأ أبان بن تغلب، وعاصم، والأعمش بخلاف عنهما (١) ﴿صلاتهم﴾ بالنصب ﴿إلا مكاء وتصدية﴾ بالرفع، وخطأ قوم منهم أبو علي الفارسي هذه القراءة لجعل المعرفة خبرا والنكرة اسما، قالوا: ولا يجوز ذلك إلا في ضرورة كقوله:
يكون مزاجها عسل وماء
وخرّجها أبو الفتح على أن المكاء والتصدية اسم جنس، واسم الجنس تعريفه وتنكيره واحد، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه ﴿إلا مكا﴾ بالقصر منونا فمن مد فكالثغاء، والرغاء، ومن قصر فكالبكاء في لغة من قصر.
٣٦ - ولما ذكر الله سبحانه وتعالى عبادة الكفار البدنية، وهي المكاء والتصدية.. ذكر عقبها عبادتهم المالية التي لا جدوى لها في الآخرة، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ورسوله صلى الله عليه وسلّم يعني كفار قريش وخبر إن جملة قوله: ﴿يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ﴾ ويصرفونها في محاربة النبي صلى الله عليه وسلّم ﴿لِيَصُدُّوا﴾ الناس ويمنعوهم ﴿عَنْ﴾ الدخول في ﴿سَبِيلِ اللَّهِ﴾ تعالى ودينه واتباع رسوله؛ أي: إن مقصدهم بالانفاق الصد عن اتباع محمد وهو سبيل الله وإن لم يكن عندهم كذلك.
قال مقاتل والكلبي (٢): نزلت هذه الآية في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا من كبار قريش، أبي جهل وأصحابه، يطعم كل واحد منهم كل يوم
(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
416
عشر جزور، وقال سعيد بن جبير، ومجاهد: نزلت في أبي سفيان، وكان استأجر ليوم أحد ألفين من الأحابيش سوى من استجاش من العرب، وأنفق فيهم أربعين أوقية، والأوقية اثنان وأربعون مثقالا كما مر، وأخرج ابن إسحاق عن مشايخه أنها نزلت في أبي سفيان ومن كان له في العير من قريش تجارة كما مر ذلك في أسباب النزول.
والمعنى (١): أن غرض هؤلاء الكفار في إنفاق أموالهم، هو الصد عن سبيل الحق، بمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجمع الجيوش لذلك، وإنفاق أموالهم عليها، وذلك كما وقع من كفار قريش يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، فإن الرؤساء كانوا ينفقون أموالهم على الجيش، ثم أخبر الله سبحانه عن الغيب على وجه الإعجاز، فقال: ﴿فَسَيُنْفِقُونَها﴾؛ أي: فينفقون أموالهم في المستقبل في الصد عن سبيل الله، أو المعنى فسيعلمون عاقبة إنفاقها من الخيبة، وعدم الظفر بالمقصود، فحصلت المغايرة، ذكره في «الفتوحات» ﴿ثُمَّ تَكُونُ﴾ نفقاتهم في ذلك ﴿عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾؛ أي: ندامة لفواتها وفوات قصدهم من نصرتهم على محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ثُمَّ﴾ في آخر أمرهم ﴿يُغْلَبُونَ﴾ كما وعد الله تعالى به في مثل قوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾.
أي: إنه سيقع هذا الانفاق، وتكون عاقبته الحسرة؛ لأنه سيذهب المال، ولا يصلون إلى المقصود، بل يغلبون كما وعد الله به نبيه، وسينكسرون المرة بعد المرة.
ومعنى (٢) ﴿ثُمَّ﴾ في الموضعين: إما التراخي في الزمان لما بين الانفاق المذكور وبين ظهور دولة الإسلام من الامتداد، وإما التراخي في الرتبة بين بذل المال، وعدم حصول المقصود من المبيانة، ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: استمروا على الكفر، كأبي جهل وأصحابه، وإنما فسرنا كذلك؛ لأن من هؤلاء
والمعنى (١): أن غرض هؤلاء الكفار في إنفاق أموالهم، هو الصد عن سبيل الحق، بمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وجمع الجيوش لذلك، وإنفاق أموالهم عليها، وذلك كما وقع من كفار قريش يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، فإن الرؤساء كانوا ينفقون أموالهم على الجيش، ثم أخبر الله سبحانه عن الغيب على وجه الإعجاز، فقال: ﴿فَسَيُنْفِقُونَها﴾؛ أي: فينفقون أموالهم في المستقبل في الصد عن سبيل الله، أو المعنى فسيعلمون عاقبة إنفاقها من الخيبة، وعدم الظفر بالمقصود، فحصلت المغايرة، ذكره في «الفتوحات» ﴿ثُمَّ تَكُونُ﴾ نفقاتهم في ذلك ﴿عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾؛ أي: ندامة لفواتها وفوات قصدهم من نصرتهم على محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ثُمَّ﴾ في آخر أمرهم ﴿يُغْلَبُونَ﴾ كما وعد الله تعالى به في مثل قوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾.
أي: إنه سيقع هذا الانفاق، وتكون عاقبته الحسرة؛ لأنه سيذهب المال، ولا يصلون إلى المقصود، بل يغلبون كما وعد الله به نبيه، وسينكسرون المرة بعد المرة.
ومعنى (٢) ﴿ثُمَّ﴾ في الموضعين: إما التراخي في الزمان لما بين الانفاق المذكور وبين ظهور دولة الإسلام من الامتداد، وإما التراخي في الرتبة بين بذل المال، وعدم حصول المقصود من المبيانة، ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: استمروا على الكفر، كأبي جهل وأصحابه، وإنما فسرنا كذلك؛ لأن من هؤلاء
(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
417
الكفار المذكورين سابقا من أسلم، وحسن إسلامه، كالعباس بن عبد المطلب ﴿إِلى جَهَنَّمَ﴾ لا إلى غيرها ﴿يُحْشَرُونَ﴾؛ أي: يساقون يوم القيامة فيكون لهم شقاء الدارين وعذابهما.
وقد كان (١) للمسلمين في هذه الآية عبرة وعظة فلينفقوا أموالهم في سبيل الله كما أنفق أسلافهم فيها، لأن لهم بها سعادة الدارين، والكفار في هذا العصر ينفقون الكثير من الأموال للصد عن الإسلام، وفتنة الضعفاء من العامة بالدعوة إلى دينهم، وتعليم أولاد المسلمين في مدارسهم، ومعالجة رجالهم ونسائهم في مستشفياتهم إلى نحو ذلك من الوسائل الناجعة في نشر دينهم، وفتنة المسلمين عن دينهم، وهم لا يبالون ماذا يفعلون، ألا ساء ما يعملون.
٣٧ - ثم بين سبحانه العلة التي لأجلها كانت الحسرة عليهم والحشر إلى جهنم، فقال: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ﴾ وقرأ حمزة (٢) والكسائي، ويعقوب، ليميز بضم الياء الأولى وفتح الميم وتشديد الياء الثانية المكسورة من التمييز، وهو أبلغ من الميز، وقرأ الباقون بالتخفيف من ماز يميز كباع يبيع، واللام متعلقة بـ ﴿يُحْشَرُونَ﴾ أو بـ ﴿يُغْلَبُونَ﴾؛ أي: يحشرون إلى جهنم ليميز الله سبحانه وتعالى،
ويفصل الفريق الخبيث من الكفار ﴿مِنَ﴾ الفريق ﴿الطَّيِّبِ﴾ من المؤمنين ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ﴾؛ أي: ويجعل الفريق الخبيث ﴿بَعْضَهُ﴾ منضما متراكبا ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ آخر ﴿فَيَرْكُمَهُ﴾؛ أي: فيجمعه ﴿جَمِيعًا﴾ ويضم بعضه إلى بعض، حتى يتراكم ويركب بعضه بعضا، لفرط ازدحامهم، يقال: ركم الشيء يركمه إذا جمعه، وألقى بعضه على بعض، ﴿فَيَجْعَلَهُ﴾ أي: يطرحه ﴿فِي جَهَنَّمَ﴾؛ وقيل: المعنى يضم الله تعالى تلك الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض، فيلقيها في جهنم، ويعذبهم بها ﴿أُولئِكَ﴾ الفريق الذين كفروا، وخبثوا اعتقادا وأعمالا ﴿هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ في الدنيا والآخرة، لأنهم اشتروا بأعمالهم عقاب الآخرة.
وقد كان (١) للمسلمين في هذه الآية عبرة وعظة فلينفقوا أموالهم في سبيل الله كما أنفق أسلافهم فيها، لأن لهم بها سعادة الدارين، والكفار في هذا العصر ينفقون الكثير من الأموال للصد عن الإسلام، وفتنة الضعفاء من العامة بالدعوة إلى دينهم، وتعليم أولاد المسلمين في مدارسهم، ومعالجة رجالهم ونسائهم في مستشفياتهم إلى نحو ذلك من الوسائل الناجعة في نشر دينهم، وفتنة المسلمين عن دينهم، وهم لا يبالون ماذا يفعلون، ألا ساء ما يعملون.
٣٧ - ثم بين سبحانه العلة التي لأجلها كانت الحسرة عليهم والحشر إلى جهنم، فقال: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ﴾ وقرأ حمزة (٢) والكسائي، ويعقوب، ليميز بضم الياء الأولى وفتح الميم وتشديد الياء الثانية المكسورة من التمييز، وهو أبلغ من الميز، وقرأ الباقون بالتخفيف من ماز يميز كباع يبيع، واللام متعلقة بـ ﴿يُحْشَرُونَ﴾ أو بـ ﴿يُغْلَبُونَ﴾؛ أي: يحشرون إلى جهنم ليميز الله سبحانه وتعالى،
ويفصل الفريق الخبيث من الكفار ﴿مِنَ﴾ الفريق ﴿الطَّيِّبِ﴾ من المؤمنين ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ﴾؛ أي: ويجعل الفريق الخبيث ﴿بَعْضَهُ﴾ منضما متراكبا ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ آخر ﴿فَيَرْكُمَهُ﴾؛ أي: فيجمعه ﴿جَمِيعًا﴾ ويضم بعضه إلى بعض، حتى يتراكم ويركب بعضه بعضا، لفرط ازدحامهم، يقال: ركم الشيء يركمه إذا جمعه، وألقى بعضه على بعض، ﴿فَيَجْعَلَهُ﴾ أي: يطرحه ﴿فِي جَهَنَّمَ﴾؛ وقيل: المعنى يضم الله تعالى تلك الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض، فيلقيها في جهنم، ويعذبهم بها ﴿أُولئِكَ﴾ الفريق الذين كفروا، وخبثوا اعتقادا وأعمالا ﴿هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ في الدنيا والآخرة، لأنهم اشتروا بأعمالهم عقاب الآخرة.
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
وقيل: اللام في قوله: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ متعلقة بمحذوف تقديره؛ أي: إن (١) الله سبحانه وتعالى كتب النصر والغلب لعباده المتقين، والخذلان والحسرة لمن يعاديهم ويقاتلهم من الكفار، للصد عن سبيل الله، ليميز الكفر من الإيمان، والحق والعدل من الجور والطغيان، وهذا التمييز بين الأمرين في سنن الاجتماع هو بقاء أمثل الأمرين وأصلحهما ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ وسنن الله في الدنيا والآخرة واحدة، فالخبيث في الدنيا خبيث في الآخرة، ومن ثم قال: ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ الآية؛ أي: ويجعل الله الخبيث بعضه منضما متراكبا على بعض بحسب سنته تعالى في اجتماع المتشاكلات، واختلاف المتناكرات، كما جاء في الحديث: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» ثم يجعل أصحابه في جهنم إلى يوم القيامة، وبئس المصير لمن خسر نفسه وماله.
٣٨ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: لهؤلاء الكفار الذين آذوك وصدوا عن سبيل الله من كفار مكة، كأبي سفيان وأصحابه، وغيرهم من سائر الكفار، وفي «الكشاف»: قل لأجلهم هذا القول وهو: ﴿إِنْ يَنْتَهُوا﴾ وينزجروا ويرجعوا عما هم عليه من عداوتك وعنادك بالصد عن سبيل الله ﴿يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ﴾؛ أي: يغفر الله سبحانه وتعالى لهم ما سلف، وسبق منهم من عداوتك، وصدهم عن سبيل الله، وغير ذلك من سائر الذنوب، فلا يعاقبهم على شيء من ذلك في الآخرة، ويغفر لهم الرسول والمؤمنون، فلا يطالبون قاتلا منهم بدم، ولا سالبا أو غانما بسلب ولا غنم.
وفي مصحف ابن مسعود (٢): ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا﴾ بالتاء المثناة من فوق ﴿يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ﴾ خطابا لهم، وقرىء ﴿يغفر﴾ مبنيا للفاعل والضمير لله تعالى.
٣٨ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: لهؤلاء الكفار الذين آذوك وصدوا عن سبيل الله من كفار مكة، كأبي سفيان وأصحابه، وغيرهم من سائر الكفار، وفي «الكشاف»: قل لأجلهم هذا القول وهو: ﴿إِنْ يَنْتَهُوا﴾ وينزجروا ويرجعوا عما هم عليه من عداوتك وعنادك بالصد عن سبيل الله ﴿يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ﴾؛ أي: يغفر الله سبحانه وتعالى لهم ما سلف، وسبق منهم من عداوتك، وصدهم عن سبيل الله، وغير ذلك من سائر الذنوب، فلا يعاقبهم على شيء من ذلك في الآخرة، ويغفر لهم الرسول والمؤمنون، فلا يطالبون قاتلا منهم بدم، ولا سالبا أو غانما بسلب ولا غنم.
وفي مصحف ابن مسعود (٢): ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا﴾ بالتاء المثناة من فوق ﴿يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ﴾ خطابا لهم، وقرىء ﴿يغفر﴾ مبنيا للفاعل والضمير لله تعالى.
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
روى مسلم من حديث عمرو بن العاص، قال: فلما جعل الله الإيمان في قلبي، أتيت النبي صلى الله عليه وسلّم فقلت: أبسط يدك أبايعك فبسط يده، فقبضت يدي قال: «مالك؟» قلت: أردت أن أشترط، قال: «ماذا تشترط؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟».
﴿وَإِنْ يَعُودُوا﴾ ويرجعوا إلى الكفر، ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلّم وإلى الصد عن سبيل الله؛ أي: وإن يرتدوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه، ويرجعوا للكفر، وقتال النبي صلى الله عليه وسلّم ويكون العود بمعنى الاستمرار، ننتقم منهم بالعذاب ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: لأنه قد سبقت سيرة الأولين، الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتدمير، كما جرى على أهل بدر؛ أي: قد سبقت سنة الله فيهم بالاستئصال والتدمير فلهم ما لهم.
والمعنى: أي وإن يعودوا إلى العداء، والصد، والقتال تجر عليهم سننه المطردة في أمثال لهم من الأولين الذين عادوا الرسل، وقاتلوهم من نصر المؤمنين، وخذلانهم، وهلاكهم كما حدث لهم يوم بدر كما قال: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١)﴾.
ولا يخفى ما في قوله: ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ من (١) التهديد، والوعيد، الشديد، والتمثيل لهم بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله؛ أي: قد مضت سنة الله فيمن فعل مثل ما فعل هؤلاء من الأولين من الأمم، أن يصيبه بعذاب، فليتوقعوا مثل ذلك، وترسم ﴿سُنَّتُ﴾ هذه بالتاء المجرورة، وكذا الثلاثة التي في فاطر، وكذا التي في آخر غافر، ثم بين ما سلف من قوله: ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾
٣٩ - ورغب المؤمنين في قتالهم فقال: ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾؛ أي: حتى لا توجد فتنة في الدين؛ أي: وقاتل الذين كفروا أنت يا محمد ومن معك من المؤمنين حتى تزول الفتنة في الدين بالتعذيب
﴿وَإِنْ يَعُودُوا﴾ ويرجعوا إلى الكفر، ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلّم وإلى الصد عن سبيل الله؛ أي: وإن يرتدوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه، ويرجعوا للكفر، وقتال النبي صلى الله عليه وسلّم ويكون العود بمعنى الاستمرار، ننتقم منهم بالعذاب ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: لأنه قد سبقت سيرة الأولين، الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتدمير، كما جرى على أهل بدر؛ أي: قد سبقت سنة الله فيهم بالاستئصال والتدمير فلهم ما لهم.
والمعنى: أي وإن يعودوا إلى العداء، والصد، والقتال تجر عليهم سننه المطردة في أمثال لهم من الأولين الذين عادوا الرسل، وقاتلوهم من نصر المؤمنين، وخذلانهم، وهلاكهم كما حدث لهم يوم بدر كما قال: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١)﴾.
ولا يخفى ما في قوله: ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ من (١) التهديد، والوعيد، الشديد، والتمثيل لهم بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله؛ أي: قد مضت سنة الله فيمن فعل مثل ما فعل هؤلاء من الأولين من الأمم، أن يصيبه بعذاب، فليتوقعوا مثل ذلك، وترسم ﴿سُنَّتُ﴾ هذه بالتاء المجرورة، وكذا الثلاثة التي في فاطر، وكذا التي في آخر غافر، ثم بين ما سلف من قوله: ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾
٣٩ - ورغب المؤمنين في قتالهم فقال: ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾؛ أي: حتى لا توجد فتنة في الدين؛ أي: وقاتل الذين كفروا أنت يا محمد ومن معك من المؤمنين حتى تزول الفتنة في الدين بالتعذيب
(١) الشوكاني.
420
وضروب الإيذاء لأجل تركه كما فعلوا ذلك حين كانت لهم القوة والبطش في مكة، إذ أخرجوكم منها لأجل دينكم ثم أتوا لقتالكم في دار الهجرة ﴿وَ﴾ حتى ﴿يَكُونَ الدِّينُ﴾؛ أي: العبادة ﴿كُلُّهُ لِلَّهِ﴾: فلا يستطيع أحد أن يفتن أحدا عن دينه ويكرهه على ترك إلى دين المكره تقية وخوفا منه.
وخلاصة ذلك (١): قاتلوهم حتى يكون الناس أحرارا في عقائدهم، لا يكره أحد أحدا على ترك عقيدته إكراها، ولا يؤذي ويعذب لأجلها كما قال تعالى: ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ والمسلمون إنما يقاتلون لحرية دينهم، ولا يكرهون عليه أحدا من دونهم.
وروي عن ابن عباس تفسير الفتنة بالشرك، والمعنى عليه: قاتلوهم حتى لا يبقى شرك في مكة وغيرها، وتزول الأديان الباطلة فلا يبقى إلا الإسلام.
وتقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة؛ وهنا زيادة ﴿كُلُّهُ﴾ توكيدا للدين، وقرأ الأعمش ويكون برفع النون، والجمهور بنصبها.
﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾ عن الكفر، وعن قتالكم، وعن سائر المعاصي بالتوبة والإيمان ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾؛ أي: عليم لأنه تعالى لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ونياتهم، فيجازيهم على أعمالهم الحسنة من الإيمان وغيره ويثيبهم عليها بحسب علمه.
وقرأ الحسن ويعقوب من العشرة وسلام بن سليمان (٢): ﴿بما تعملون﴾ بالتاء على الخطاب، لمن أمروا بالمقاتلة على معنى: فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإسلام، والإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الايمان بصير يجازيكم، فيكون (٣) تعليقه بانتهائهم دلالة على أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة، يستدعي إثابة مقاتليهم للتسبب، وبالباء التحتية على الغيبة باتفاق السبعة.
وخلاصة ذلك (١): قاتلوهم حتى يكون الناس أحرارا في عقائدهم، لا يكره أحد أحدا على ترك عقيدته إكراها، ولا يؤذي ويعذب لأجلها كما قال تعالى: ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ والمسلمون إنما يقاتلون لحرية دينهم، ولا يكرهون عليه أحدا من دونهم.
وروي عن ابن عباس تفسير الفتنة بالشرك، والمعنى عليه: قاتلوهم حتى لا يبقى شرك في مكة وغيرها، وتزول الأديان الباطلة فلا يبقى إلا الإسلام.
وتقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة؛ وهنا زيادة ﴿كُلُّهُ﴾ توكيدا للدين، وقرأ الأعمش ويكون برفع النون، والجمهور بنصبها.
﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾ عن الكفر، وعن قتالكم، وعن سائر المعاصي بالتوبة والإيمان ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾؛ أي: عليم لأنه تعالى لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ونياتهم، فيجازيهم على أعمالهم الحسنة من الإيمان وغيره ويثيبهم عليها بحسب علمه.
وقرأ الحسن ويعقوب من العشرة وسلام بن سليمان (٢): ﴿بما تعملون﴾ بالتاء على الخطاب، لمن أمروا بالمقاتلة على معنى: فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإسلام، والإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الايمان بصير يجازيكم، فيكون (٣) تعليقه بانتهائهم دلالة على أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة، يستدعي إثابة مقاتليهم للتسبب، وبالباء التحتية على الغيبة باتفاق السبعة.
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البيضاوي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البيضاوي.
421
٤٠ - ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾؛ أي: وإن أعرض أولئك الكفار عن التوبة، والإيمان، وعن سماع تبليغكم، ولم ينتهوا عن كفرهم، وفتنتهم وقتالهم لكم ﴿فَاعْلَمُوا﴾ أيها المؤمنون ﴿أَنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَوْلاكُمْ﴾؛ أي: مواليكم، ومعينكم عليهم، وهذا وعد صريح بالظفر والنصر؛ أي: فأيقنوا أيها المؤمنون بنصر الله تعالى ومعونته لكم، وهو متولي أموركم، فلا تبالوا بهم، ولا تخشوا بطشهم، وجواب ﴿إِنْ﴾ محذوف، وجملة قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ علة للجواب المحذوف، والمعنى: وإن تولوا عن الإيمان، فلا تخشوا بأسهم، لأن الله مولاكم، وهو سبحانه وتعالى ﴿نِعْمَ الْمَوْلى﴾؛ أي: نعم الولي بالحفظ، فلا يضع من تولاه ﴿وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾؛ أي: نعم الناصر على الأعداء، فلا يغلب من نصره، وكل من كان في حماية الله تعالى كان آمنا من الآفات، مصونا عن المخلوقات، وهذا ثناء من الله تعالى على نفسه، فهو حمد قديم لقديم، وما غلب المسلمون في العصور الأخيرة وذهب أكثر ملكهم إلا لأنهم تركوا الاهتداء بهدي دينهم، وتركوا الاستعداد المادي والحربي الذي طلبه الله بقوله: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ واتكلوا على خوارق العادات، وقراءة الأحاديث، والدعوات، وذلك مما لم يشرعه الله، ولم يعمل به رسوله، إلى أنهم تركوا العدل والفضائل، وسنن الله في الاجتماع التي انتصر بها السلف الصالح، وأنفقوا أموال الأمة والدولة فيما حرم الله عليهم من الإسراف في شهواتهم.
وعلى العكس من ذلك، اتبع الإفرنج تعاليم الإسلام، فاستعدوا للحرب، واتبعوا سنن الله في العمران، فرجحت كفتهم، ولله الأمر.
وما مكن الله لسلف المسلمين من فتح بلاد كسرى، وقيصر، وغيرهما من البلاد إلا لما أصاب أهلها من الشرك وفساد العقائد في الآداب، ومساوي الأخلاق، والعادات، والانغماس في الشهوات، واتباع سلطان البدع، والخرافات فجاء الإسلام، وأزال كل هذا، واستبدل التوحيد والفضائل بها، ومن ثم نصر الله أهله على الأمم كلها.
ولما أضاع جمهرة المسلمين هذه الفضائل، واتبعوا سنن من قبلهم في اتباع
وعلى العكس من ذلك، اتبع الإفرنج تعاليم الإسلام، فاستعدوا للحرب، واتبعوا سنن الله في العمران، فرجحت كفتهم، ولله الأمر.
وما مكن الله لسلف المسلمين من فتح بلاد كسرى، وقيصر، وغيرهما من البلاد إلا لما أصاب أهلها من الشرك وفساد العقائد في الآداب، ومساوي الأخلاق، والعادات، والانغماس في الشهوات، واتباع سلطان البدع، والخرافات فجاء الإسلام، وأزال كل هذا، واستبدل التوحيد والفضائل بها، ومن ثم نصر الله أهله على الأمم كلها.
ولما أضاع جمهرة المسلمين هذه الفضائل، واتبعوا سنن من قبلهم في اتباع
422
البدع والرذائل، وقد حذرهم الإسلام من ذلك، ثم قصروا في الاستعداد المادي والحربي للنصر في الحرب، عاد الغلب عليهم لغيرهم، ومكن لسواهم في الأرض ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)﴾؛ أي: الصالحون لاستعمارها والانتفاع بما أودع فيها من كنوز وخيرات. وفق الله المسلمين إلى الهدى والرشاد، وجعلهم يعيدون سيرتهم الأولى، ويهتدون بهدي دينهم، ويستمسكون بآدابه، ويتبعون سيرة السلف الصالح، فيكتب لهم العز في الدنيا، والسعادة في الآخرة بمنه وكرمه، وفضله وجوده آمين.
الإعراب
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: واذكر يا محمد قصة إذ يمكر بك ﴿يَمْكُرُ﴾: فعل مضارع ﴿بِكَ﴾ متعلق به ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول فاعل ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل والجملة صلة الموصول وجملة ﴿يَمْكُرُ﴾: في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ اللام: حرف جر وتعليل ﴿يثبتوك﴾: فعل وفاعل ومفعول منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لإثباتهم إياك الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يَمْكُرُ﴾. ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿يثبتوك﴾ وكذا قوله: ﴿أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ معطوف على ﴿يثبتوك﴾ أيضا، والتقدير: أو لقتلهم إياك أو لإخراجهم إياك ﴿وَيَمْكُرُونَ﴾: فعل وفاعل مستأنف كرره للتأكيد، ﴿وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿يَمْكُرُونَ﴾. ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ خبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة.
﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية أو عاطفة ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان
الإعراب
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان متعلق بمحذوف تقديره: واذكر يا محمد قصة إذ يمكر بك ﴿يَمْكُرُ﴾: فعل مضارع ﴿بِكَ﴾ متعلق به ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول فاعل ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل والجملة صلة الموصول وجملة ﴿يَمْكُرُ﴾: في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ اللام: حرف جر وتعليل ﴿يثبتوك﴾: فعل وفاعل ومفعول منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لإثباتهم إياك الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يَمْكُرُ﴾. ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿يثبتوك﴾ وكذا قوله: ﴿أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ معطوف على ﴿يثبتوك﴾ أيضا، والتقدير: أو لقتلهم إياك أو لإخراجهم إياك ﴿وَيَمْكُرُونَ﴾: فعل وفاعل مستأنف كرره للتأكيد، ﴿وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿يَمْكُرُونَ﴾. ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ ﴿خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ خبر ومضاف إليه، والجملة مستأنفة.
﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية أو عاطفة ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان
423
﴿تُتْلى﴾: فعل مضارع مغير الصيغة ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق به ﴿آياتُنا﴾: نائب فاعل، ومضاف إليه والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذا﴾ والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب إِذا لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾: مستأنفة، ومعطوفة على قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ﴾ ﴿قَدْ سَمِعْنا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق ﴿سَمِعْنا﴾: فعل وفاعل ومفعوله محذوف تقديره: مثل هذا القرآن، وهو التوراة والإنجيل، وقد تنازع هذا العامل مع قوله: ﴿لَقُلْنا﴾ في قوله: ﴿مِثْلَ﴾ هذا كما يستفاد من الخازن، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾؛ ﴿لَوْ﴾ شرطية ﴿نَشاءُ﴾ فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على المشركين ومفعوله محذوف تقديره: لو نشاء القول، والجملة فعل شرط لـ لو ﴿لَقُلْنا﴾ ﴿اللام﴾: رابطة لجواب ﴿لَوْ﴾ الشرطية ﴿قلنا﴾: فعل وفاعل ﴿مِثْلَ﴾ هذا مفعول به، ومضاف إليه، لأن ﴿قلنا﴾: بمعنى ذكرنا، والجملة الفعلية جواب ﴿لَوْ﴾ الشرطية، وجملة لو الشرطية في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾ ﴿إِنْ﴾: نافية مهملة لانتقاض نفيها بـ ﴿إِلَّا﴾ هذا: مبتدأ ﴿إِلَّا﴾: إداة استثناء مفرغ ﴿أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾.
﴿وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢)﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾: والظرف متعلق بمحذوف تقديره: واذكر إذ قالوا، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ﴾: ﴿اللَّهُمَّ﴾: إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿اللَّهُمَّ﴾: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾، ﴿إِنْ﴾: حرف شرط ﴿كانَ﴾: فعل ماض ناقص في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾: الشرطية على كونه فعل شرط لها، هذا: اسمها ﴿هُوَ﴾ ضمير فصل ﴿الْحَقَّ﴾: خبر ﴿كانَ﴾. ﴿مِنْ عِنْدِكَ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ﴿الْحَقَّ﴾ ﴿فَأَمْطِرْ﴾
﴿وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢)﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾: والظرف متعلق بمحذوف تقديره: واذكر إذ قالوا، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ﴾: ﴿اللَّهُمَّ﴾: إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿اللَّهُمَّ﴾: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾، ﴿إِنْ﴾: حرف شرط ﴿كانَ﴾: فعل ماض ناقص في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾: الشرطية على كونه فعل شرط لها، هذا: اسمها ﴿هُوَ﴾ ضمير فصل ﴿الْحَقَّ﴾: خبر ﴿كانَ﴾. ﴿مِنْ عِنْدِكَ﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ﴿الْحَقَّ﴾ ﴿فَأَمْطِرْ﴾
424
﴿الفاء﴾: رابطة لجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية وجوبا ﴿أمطر﴾: فعل دعاء في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه جوابا لها، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿عَلَيْنا﴾ متعلق به ﴿حِجارَةً﴾: مفعول به ﴿مِنَ السَّماءِ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿حِجارَةً﴾ وفائدة (١) توصيف الحجارة بقوله: ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ الدلالة على أن المراد بالحجارة السجيل وهو حجارة مسومة، أي: معلمة معدة لتعذيب قوم من العصاة. وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول قالوا: على كونها جواب النداء ﴿أَوِ ائْتِنا﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿أمطر﴾، وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بِعَذابٍ﴾ متعلق بـ ﴿ائْتِنا﴾ ﴿أَلِيمٍ﴾ صفة لـ ﴿عذاب﴾.
﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)﴾.
﴿وَما﴾ الواو: استئنافية ﴿ما﴾: نافية ﴿كانَ اللَّهُ﴾: فعل ناقص واسمه ﴿لِيُعَذِّبَهُمْ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وجحود ﴿يعذبهم﴾: فعل ومفعول منصوب بـ ﴿أن﴾: مضمرة بعد لام الجحود، وجوبا، وفاعله ضمير يعود على الله، وجملة ﴿يعذب﴾: صلة أن المضمرة أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ما كان الله لتعذيبهم الجار والمجرور متعلق بواجب الحذف لوقوعه خبرا لكان تقديره: ما كان الله مريدا لتعذيبهم، وجملة ﴿كانَ﴾ مستأنفة، ومن أراد البسط في مبحث لام الجحود، فليراجع كتابنا «الدرر البهية في إعراب أمثلة الآجرومية» ﴿وَأَنْتَ﴾: مبتدأ ﴿فِيهِمْ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب حال من مفعول ﴿يعذبهم﴾: ﴿وَما كانَ اللَّهُ﴾: ناف وفعل ناقص واسمه ﴿مُعَذِّبَهُمْ﴾ خبره، وجملة ﴿كانَ﴾ معطوفة على جملة ﴿كانَ﴾ الأولى ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ وجملة ﴿يَسْتَغْفِرُونَ﴾: خبر المبتدأ والجملة الاسمية في محل النصب حال من هاء ﴿مُعَذِّبَهُمْ﴾.
{وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا
﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)﴾.
﴿وَما﴾ الواو: استئنافية ﴿ما﴾: نافية ﴿كانَ اللَّهُ﴾: فعل ناقص واسمه ﴿لِيُعَذِّبَهُمْ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وجحود ﴿يعذبهم﴾: فعل ومفعول منصوب بـ ﴿أن﴾: مضمرة بعد لام الجحود، وجوبا، وفاعله ضمير يعود على الله، وجملة ﴿يعذب﴾: صلة أن المضمرة أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ما كان الله لتعذيبهم الجار والمجرور متعلق بواجب الحذف لوقوعه خبرا لكان تقديره: ما كان الله مريدا لتعذيبهم، وجملة ﴿كانَ﴾ مستأنفة، ومن أراد البسط في مبحث لام الجحود، فليراجع كتابنا «الدرر البهية في إعراب أمثلة الآجرومية» ﴿وَأَنْتَ﴾: مبتدأ ﴿فِيهِمْ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب حال من مفعول ﴿يعذبهم﴾: ﴿وَما كانَ اللَّهُ﴾: ناف وفعل ناقص واسمه ﴿مُعَذِّبَهُمْ﴾ خبره، وجملة ﴿كانَ﴾ معطوفة على جملة ﴿كانَ﴾ الأولى ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ وجملة ﴿يَسْتَغْفِرُونَ﴾: خبر المبتدأ والجملة الاسمية في محل النصب حال من هاء ﴿مُعَذِّبَهُمْ﴾.
{وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا
(١) الفتوحات.
425
أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤)}.
﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ما: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ ﴿أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾: ناصب وفعل ومفعول، وفاعل، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر مقدر متعلق بما تعلق به الظرف الواقع خبرا، تقديره: وأي شيء ثبت، واستقر لهم في أن لا يعذبهم الله؛ أي: في عدم تعذيب الله إياهم، والجملة الاسمية مستأنفة، ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَصُدُّونَ﴾ خبره ﴿عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ متعلق به، والجملة الاسمية في محل النصب حال من مفعول ﴿يُعَذِّبَهُمُ﴾. ﴿وَما﴾ الواو: حالية ﴿ما﴾: نافية ﴿كانُوا﴾: فعل ماض ناقص، واسمه ﴿أَوْلِياؤُهُ﴾ خبر ﴿كان﴾ وجملة ﴿كان﴾ في محل النصب حال من واو ﴿يَصُدُّونَ﴾. ﴿إِنْ﴾: نافية ﴿أَوْلِياؤُهُ﴾: مبتدأ ومضاف إليه ﴿أَلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿الْمُتَّقُونَ﴾: خبر المبتدأ والجملة الاسمية مستأنفة، ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿لكِنَّ﴾، وجملة ﴿لكِنَّ﴾ معطوفة على جملة قوله ﴿إِنْ أَوْلِياؤُهُ﴾.
﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)﴾.
﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ﴾: ناف وفعل ناقص واسمه ﴿عِنْدَ الْبَيْتِ﴾: ظرف ومضاف إليه حال من ﴿صَلاتُهُمْ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿مُكاءً﴾: خبر ﴿كانَ﴾. ﴿وَتَصْدِيَةً﴾ معطوف عليه والجملة مستأنفة ﴿فَذُوقُوا الْعَذابَ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أن صلاتهم هذا اللعب واللهو وأردت بيان ما يقال لهم في الجزاء، فأقول لك: يقال لهم: ذوقوا العذاب ﴿ذوقوا العذاب﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة ﴿بِما﴾ الباء حرف جر ﴿ما﴾ مصدرية ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة: ﴿تَكْفُرُونَ﴾: خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل
﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ما: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ ﴿أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾: ناصب وفعل ومفعول، وفاعل، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر مقدر متعلق بما تعلق به الظرف الواقع خبرا، تقديره: وأي شيء ثبت، واستقر لهم في أن لا يعذبهم الله؛ أي: في عدم تعذيب الله إياهم، والجملة الاسمية مستأنفة، ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَصُدُّونَ﴾ خبره ﴿عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ متعلق به، والجملة الاسمية في محل النصب حال من مفعول ﴿يُعَذِّبَهُمُ﴾. ﴿وَما﴾ الواو: حالية ﴿ما﴾: نافية ﴿كانُوا﴾: فعل ماض ناقص، واسمه ﴿أَوْلِياؤُهُ﴾ خبر ﴿كان﴾ وجملة ﴿كان﴾ في محل النصب حال من واو ﴿يَصُدُّونَ﴾. ﴿إِنْ﴾: نافية ﴿أَوْلِياؤُهُ﴾: مبتدأ ومضاف إليه ﴿أَلَّا﴾ أداة استثناء مفرغ ﴿الْمُتَّقُونَ﴾: خبر المبتدأ والجملة الاسمية مستأنفة، ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿لكِنَّ﴾، وجملة ﴿لكِنَّ﴾ معطوفة على جملة قوله ﴿إِنْ أَوْلِياؤُهُ﴾.
﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)﴾.
﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ﴾: ناف وفعل ناقص واسمه ﴿عِنْدَ الْبَيْتِ﴾: ظرف ومضاف إليه حال من ﴿صَلاتُهُمْ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ ﴿مُكاءً﴾: خبر ﴿كانَ﴾. ﴿وَتَصْدِيَةً﴾ معطوف عليه والجملة مستأنفة ﴿فَذُوقُوا الْعَذابَ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أن صلاتهم هذا اللعب واللهو وأردت بيان ما يقال لهم في الجزاء، فأقول لك: يقال لهم: ذوقوا العذاب ﴿ذوقوا العذاب﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة ﴿بِما﴾ الباء حرف جر ﴿ما﴾ مصدرية ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة: ﴿تَكْفُرُونَ﴾: خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل
426
مصدر مجرور بـ ﴿الباء﴾ الجار والمجرور متعلق بـ ﴿ذوقوا﴾، والتقدير، فذوقوا العذاب بكفركم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها، وجملة ﴿كَفَرُوا﴾ صلة الموصول ﴿يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿لِيَصُدُّوا﴾ ﴿اللام﴾: لام كي ﴿يصدوا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق به، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لصدهم عن سبيل الله، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يُنْفِقُونَ﴾. ﴿فَسَيُنْفِقُونَها﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب ﴿سينفقونها﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿يُنْفِقُونَ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب ﴿تَكُونُ﴾: فعل مضارع ناقص واسمها ضمير مستتر فيها يعود على نفقاتهم ﴿عَلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور حال من ﴿حَسْرَةً﴾: لأنه صفة نكرة قدمت عليها، أو متعلق بـ ﴿تَكُونُ﴾ ﴿حَسْرَةً﴾: خبر تكون، وجملة ﴿تَكُونُ﴾ معطوفة على جملة ﴿سينفقونها﴾ ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف: ﴿يُغْلَبُونَ﴾ فعل مغير ونائب فاعل والجملة معطوفة على جملة ﴿تَكُونُ﴾. ﴿وَالَّذِينَ﴾: مبتدأ ﴿كَفَرُوا﴾: صلة الموصول إِلى ﴿جَهَنَّمَ﴾ متعلق بـ ﴿يُحْشَرُونَ﴾ وجملة ﴿يُحْشَرُونَ﴾ من الفعل المغير ونائب فاعله في محل الرفع خبر المبتدأ والجملة الاسمية مستأنفة.
﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧)﴾.
﴿لِيَمِيزَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل ﴿يميز الله الخبيث﴾: فعل وفاعل ومفعول ﴿مِنَ الطَّيِّبِ﴾ متعلق بـ ﴿يميز﴾، والجملة الفعلية صلة أن المصدرية أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره لميز الله الخبيث من الطيب الجار
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦)﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها، وجملة ﴿كَفَرُوا﴾ صلة الموصول ﴿يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾ وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة ﴿لِيَصُدُّوا﴾ ﴿اللام﴾: لام كي ﴿يصدوا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق به، والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لصدهم عن سبيل الله، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يُنْفِقُونَ﴾. ﴿فَسَيُنْفِقُونَها﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب ﴿سينفقونها﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿يُنْفِقُونَ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب ﴿تَكُونُ﴾: فعل مضارع ناقص واسمها ضمير مستتر فيها يعود على نفقاتهم ﴿عَلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور حال من ﴿حَسْرَةً﴾: لأنه صفة نكرة قدمت عليها، أو متعلق بـ ﴿تَكُونُ﴾ ﴿حَسْرَةً﴾: خبر تكون، وجملة ﴿تَكُونُ﴾ معطوفة على جملة ﴿سينفقونها﴾ ﴿ثُمَّ﴾ حرف عطف: ﴿يُغْلَبُونَ﴾ فعل مغير ونائب فاعل والجملة معطوفة على جملة ﴿تَكُونُ﴾. ﴿وَالَّذِينَ﴾: مبتدأ ﴿كَفَرُوا﴾: صلة الموصول إِلى ﴿جَهَنَّمَ﴾ متعلق بـ ﴿يُحْشَرُونَ﴾ وجملة ﴿يُحْشَرُونَ﴾ من الفعل المغير ونائب فاعله في محل الرفع خبر المبتدأ والجملة الاسمية مستأنفة.
﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧)﴾.
﴿لِيَمِيزَ﴾ ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل ﴿يميز الله الخبيث﴾: فعل وفاعل ومفعول ﴿مِنَ الطَّيِّبِ﴾ متعلق بـ ﴿يميز﴾، والجملة الفعلية صلة أن المصدرية أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره لميز الله الخبيث من الطيب الجار
427
والمجرور متعلق بـ ﴿يُحْشَرُونَ﴾. ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿يميز﴾ وفاعله ضمير يعود على الله ﴿بَعْضَهُ﴾ بدل من ﴿الْخَبِيثَ﴾ بدل بعض من كل ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ متعلق بـ ﴿يَجْعَلَ﴾. ﴿فَيَرْكُمَهُ﴾ ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿يركمه﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿يَجْعَلَ﴾ وفاعله ضمير يعود على الله، ﴿جَمِيعًا﴾: حال من ضمير ﴿يركمه﴾ أو توكيد له، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَجْعَلَ﴾ ﴿فَيَجْعَلَهُ﴾: فعل ومفعول، معطوف على ﴿يركمه﴾ وفاعله ضمير يعود على الله ﴿فِي جَهَنَّمَ﴾ متعلق به ﴿أُولئِكَ﴾: مبتدأ ﴿هُمُ﴾: ضمير فصل ﴿الْخاسِرُونَ﴾: خبره، والجملة مستأنفة.
﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿كَفَرُوا﴾ صلة الموصول ﴿إِنْ يَنْتَهُوا﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إِنْ﴾: حرف شرط ﴿يَنْتَهُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، ﴿يُغْفَرْ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة مجزوم بإن على كونه جواب الشرط ﴿لَهُمْ﴾ متعلق به، ما موصولة أو موصوفة، في محل الرفع نائب فاعل، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول القول ﴿قَدْ سَلَفَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ما والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، ﴿وَإِنْ﴾ الواو: عاطفة ﴿إِنْ﴾: حرف شرط ﴿يَعُودُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، وجواب (١) الشرط محذوف تقديره: ننتقم منهم بالعقاب والعذاب، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿إِنْ﴾ الأولى ﴿فَقَدْ﴾ ﴿الفاء﴾: تعليلة ﴿قد﴾: حرف تحقيق ﴿مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾: فعل وفاعل، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب مقول القول على كونها، معللة للجواب المحذوف.
﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق به ﴿كَفَرُوا﴾ صلة الموصول ﴿إِنْ يَنْتَهُوا﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿إِنْ﴾: حرف شرط ﴿يَنْتَهُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، ﴿يُغْفَرْ﴾: فعل مضارع مغير الصيغة مجزوم بإن على كونه جواب الشرط ﴿لَهُمْ﴾ متعلق به، ما موصولة أو موصوفة، في محل الرفع نائب فاعل، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول القول ﴿قَدْ سَلَفَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ما والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، ﴿وَإِنْ﴾ الواو: عاطفة ﴿إِنْ﴾: حرف شرط ﴿يَعُودُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها، وجواب (١) الشرط محذوف تقديره: ننتقم منهم بالعقاب والعذاب، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿إِنْ﴾ الأولى ﴿فَقَدْ﴾ ﴿الفاء﴾: تعليلة ﴿قد﴾: حرف تحقيق ﴿مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾: فعل وفاعل، ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب مقول القول على كونها، معللة للجواب المحذوف.
(١) الفتوحات.
428
﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩)﴾.
﴿وَقاتِلُوهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة (١) معطوفة على جملة قوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لكنّ لما كان الغرض من الأول التلطف بهم، وهو وظيفة النبي وحده، بالإفراد، ولما كان الغرض من الثاني تحريض المؤمنين على القتال، جاء بالجمع، فخوطبوا جميعا ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية بمعنى إلى ﴿لا تَكُونَ﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى، وهو تام ﴿فِتْنَةٌ﴾ فاعله والجملة الفعلية، في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى تقديره: إلى عدم كون فتنة، وشرك الجار والمجرور متعلق بـ ﴿قاتلوا﴾ و ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ﴾: فعل مضارع ناقص واسمه معطوف على تكون ﴿كُلُّهُ﴾ تأكيد للدين ﴿لِلَّهِ﴾ جار ومجرور خبر ﴿يَكُونَ﴾: ﴿فَإِنِ﴾ ﴿الفاء﴾ فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر: تقديره: إذا عرفتم ما أمرتكم به من قتالهم، وأردتم بيان حكم ما إذا انتهوا أو تولوا فأقول لكم: ﴿إن انتهوا﴾ ﴿إن﴾: حرف شرط ﴿انْتَهَوْا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب الشرط وجوبا ﴿إن﴾: حرف نصب ولفظ الجلالة اسمها ﴿بِما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿بَصِيرٌ﴾ الآتي ﴿يَعْمَلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: بما يعملونه ﴿بَصِيرٌ﴾: خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)﴾.
﴿وَإِنْ﴾ الواو: عاطفة ﴿إِنْ﴾ حرف شرط ﴿تَوَلَّوْا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم، بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها ﴿فَاعْلَمُوا﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة
﴿وَقاتِلُوهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة (١) معطوفة على جملة قوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لكنّ لما كان الغرض من الأول التلطف بهم، وهو وظيفة النبي وحده، بالإفراد، ولما كان الغرض من الثاني تحريض المؤمنين على القتال، جاء بالجمع، فخوطبوا جميعا ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية بمعنى إلى ﴿لا تَكُونَ﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى، وهو تام ﴿فِتْنَةٌ﴾ فاعله والجملة الفعلية، في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى تقديره: إلى عدم كون فتنة، وشرك الجار والمجرور متعلق بـ ﴿قاتلوا﴾ و ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ﴾: فعل مضارع ناقص واسمه معطوف على تكون ﴿كُلُّهُ﴾ تأكيد للدين ﴿لِلَّهِ﴾ جار ومجرور خبر ﴿يَكُونَ﴾: ﴿فَإِنِ﴾ ﴿الفاء﴾ فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر: تقديره: إذا عرفتم ما أمرتكم به من قتالهم، وأردتم بيان حكم ما إذا انتهوا أو تولوا فأقول لكم: ﴿إن انتهوا﴾ ﴿إن﴾: حرف شرط ﴿انْتَهَوْا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ ﴿الفاء﴾ رابطة لجواب الشرط وجوبا ﴿إن﴾: حرف نصب ولفظ الجلالة اسمها ﴿بِما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿بَصِيرٌ﴾ الآتي ﴿يَعْمَلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد، أو الرابط محذوف تقديره: بما يعملونه ﴿بَصِيرٌ﴾: خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابا لها، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)﴾.
﴿وَإِنْ﴾ الواو: عاطفة ﴿إِنْ﴾ حرف شرط ﴿تَوَلَّوْا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم، بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها ﴿فَاعْلَمُوا﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة
(١) الفتوحات.
429
لجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية وجوبا لكون الجواب جملة طلبية ﴿اعلموا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم على كونه جوابا لها، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية معطوفة على جملة ﴿إن﴾ الأولى ﴿أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ﴾ ناصب واسمه وخبره، وجملة ﴿أنْ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي ﴿اعلموا﴾ تقديره: فاعلموا، وأيقنوا كون الله تعالى مولاكم، وناصركم ﴿نِعْمَ الْمَوْلى﴾: فعل وفاعل وهو من أفعال المدح، والمخصوص بالمدح، محذوف وجوبا تقديره: هو، وهو في محل رفع على الابتداء، وجملة ﴿نِعْمَ﴾ في محل الرفع خبر له، والجملة الاسمية جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، ﴿وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾: فعل وفاعل والجملة في محل الرفع، خبر للمخصوص بالمدح المحذوف وجوبا المرفوع على كونه مبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿نِعْمَ الْمَوْلى﴾ على كونها إنشائية لا محل لها من الإعراب.
التصريف ومفردات اللغة
﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾؛ أي: ليشدوك بالوثاق ويرهقوك بالقيد والحبس حتى لا تقدر على الحركة؛ لأن كل من شد شيئا وأوثقه فقد أثبته لأنه لا يقدر على الحركة، وهذا إشارة لرأي أبي البختري، بفتح الباء وسكون الخاء المعجمة، وقوله: ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ﴾؛ أي: كلهم قتلة رجل واحد، وهذا إشارة لرأي أبي جهل، الذي صوبه صديقه إبليس لعنهما الله تعالى، وقوله: ﴿أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾؛ أي: من مكة منفيا، وهذا إشارة لرأي هشام بن عمرو اه من «شرح المواهب اللدنية».
﴿وَيَمْكُرُونَ﴾ بك؛ أي: ويحتالون ويتدبرون في أمرك وشأنك، والمكر (١) هو: التدبير الخفي، لإيصال المكروه إلى الممكور به من حيث لا يحتسب، والغالب أن يكون فيما يسوء ويذم من الكذب والحيل، وإذا نسب إلى الله.. كان من المشاكلة في الكلام بتسمية خيبة المسعى في مكرهم، أو مجازاتهم عليه باسمه.
التصريف ومفردات اللغة
﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾؛ أي: ليشدوك بالوثاق ويرهقوك بالقيد والحبس حتى لا تقدر على الحركة؛ لأن كل من شد شيئا وأوثقه فقد أثبته لأنه لا يقدر على الحركة، وهذا إشارة لرأي أبي البختري، بفتح الباء وسكون الخاء المعجمة، وقوله: ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ﴾؛ أي: كلهم قتلة رجل واحد، وهذا إشارة لرأي أبي جهل، الذي صوبه صديقه إبليس لعنهما الله تعالى، وقوله: ﴿أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾؛ أي: من مكة منفيا، وهذا إشارة لرأي هشام بن عمرو اه من «شرح المواهب اللدنية».
﴿وَيَمْكُرُونَ﴾ بك؛ أي: ويحتالون ويتدبرون في أمرك وشأنك، والمكر (١) هو: التدبير الخفي، لإيصال المكروه إلى الممكور به من حيث لا يحتسب، والغالب أن يكون فيما يسوء ويذم من الكذب والحيل، وإذا نسب إلى الله.. كان من المشاكلة في الكلام بتسمية خيبة المسعى في مكرهم، أو مجازاتهم عليه باسمه.
(١) المراغي.
430
﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ إن قلت: كيف (١) قال: والله خير الماكرين؟ ولا خير في مكرهم؟
قلت: يحتمل أن يكون المراد: والله أقوى الماكرين، فوضع خير موضع أقوى، وفيه التنبيه على أن كل مكر يبطل بفعل الله. وقيل: يحتمل أن يكون المراد أن مكرهم فيه خير بزعمهم، فقال تعالى: في مقابلته؛ ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ وقيل: ليس المراد التفضيل بل إن فعل الله خير مطلقا اه. «خازن».
﴿أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ والأساطير جمع أسطورة، كأراجيح جمع أرجوحة، وأحاديث جمع أحدوثة، وهي الأقاصيص والأخبار التي سطرت وكتبت في الكتب السالفة، بدون تمحيص ولا تثبت في صحتها، وفي «القاموس»: الأساطير الأحاديث لا نظام لها، واحدها: إسطار وإسطير، وأسطور وبالهاء في الكل، وأصل السطر الصف من الشيء، كالكتاب والشجر اه.
﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً﴾ و ﴿المكاء﴾ (٢) مصدر مكا يمكو مكوا من باب عدا و ﴿مُكاءً﴾ أيضا إذا صفر، أي شبك أصابع إحدى كفيه بأصابع الأخرى، ويضمها وينفخ فيها، فيظهر من ذلك صوت، والمكاء بالضم كالبكاء والصراخ. وهمزة (٣) ﴿المكاء﴾ مبدلة من واو؛ لقولهم مكا يمكو كغزا يغزو، ﴿والتصدية﴾ فيها قولان:
أحدهما: أنه من الصدى: وهو ما يسمع من رجع الصوت في الأمكنة الخالية الصلبة، يقال: منه: صدى يصدى تصدية، والمراد بها هنا ما يسمع من صوت التصفيق، والضرب بإحدى الكفين على الأخرى، وفي التفاسير: أن المشركين كانوا إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي ويتلو القرآن صفقوا بأيديهم، وصفروا بأفواههم، ليشغلوا عنه من يسمعه ويخلو عليه قراءته، وهذا مناسب لقوله: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾، وقيل: مأخوذ من التصدد والضجيج
قلت: يحتمل أن يكون المراد: والله أقوى الماكرين، فوضع خير موضع أقوى، وفيه التنبيه على أن كل مكر يبطل بفعل الله. وقيل: يحتمل أن يكون المراد أن مكرهم فيه خير بزعمهم، فقال تعالى: في مقابلته؛ ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ وقيل: ليس المراد التفضيل بل إن فعل الله خير مطلقا اه. «خازن».
﴿أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ والأساطير جمع أسطورة، كأراجيح جمع أرجوحة، وأحاديث جمع أحدوثة، وهي الأقاصيص والأخبار التي سطرت وكتبت في الكتب السالفة، بدون تمحيص ولا تثبت في صحتها، وفي «القاموس»: الأساطير الأحاديث لا نظام لها، واحدها: إسطار وإسطير، وأسطور وبالهاء في الكل، وأصل السطر الصف من الشيء، كالكتاب والشجر اه.
﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً﴾ و ﴿المكاء﴾ (٢) مصدر مكا يمكو مكوا من باب عدا و ﴿مُكاءً﴾ أيضا إذا صفر، أي شبك أصابع إحدى كفيه بأصابع الأخرى، ويضمها وينفخ فيها، فيظهر من ذلك صوت، والمكاء بالضم كالبكاء والصراخ. وهمزة (٣) ﴿المكاء﴾ مبدلة من واو؛ لقولهم مكا يمكو كغزا يغزو، ﴿والتصدية﴾ فيها قولان:
أحدهما: أنه من الصدى: وهو ما يسمع من رجع الصوت في الأمكنة الخالية الصلبة، يقال: منه: صدى يصدى تصدية، والمراد بها هنا ما يسمع من صوت التصفيق، والضرب بإحدى الكفين على الأخرى، وفي التفاسير: أن المشركين كانوا إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي ويتلو القرآن صفقوا بأيديهم، وصفروا بأفواههم، ليشغلوا عنه من يسمعه ويخلو عليه قراءته، وهذا مناسب لقوله: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾، وقيل: مأخوذ من التصدد والضجيج
(١) الخازن.
(٢) الفتوحات.
(٣) العكبري.
(٢) الفتوحات.
(٣) العكبري.
431
والصياح والتصفيق، فأبدلت إحدى الدالين ياء تخفيفا، ويدل عليه قراءة ﴿إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ بالكسر؛ أي يضجون ويلغطون.
والثاني: أنها من الصدّ وهو المنع، والأصل تصددة بدالين أيضا فأبدلت ثانيتهما ياء، ويؤيد هذا قراءة ﴿يَصُدُّونَ﴾ بالضم؛ أي: يمنعون.
﴿تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾؛ أي: ندامة يقال: حسر يحسر كطرب يطرب بمعنى ندم ندامة، ويقال: حسر كمه عن ذراعه، من باب ضرب يضرب، ويقال: حسر بصره إذا كل، وتعب من باب جلس فالأول والأخير لازمان، والأوسط متعد، هذا ما في «المختار»، وفي «المصباح»: حسر عن ذراعه حسرا من بابي ضرب وقتل، وحسرت المرأة ذراعها وخمارها، من باب ضرب كشفته فهي حاسر بغيرها، وحسر
البصر حسورا من باب: قعد كل لطول المدى، وحسرت على الشيء حسرا من باب تعب، والحسرة اسم منه اه.
﴿يُحْشَرُونَ﴾ من بابي ضرب ونصر، كما في «المصباح» ﴿فَيَرْكُمَهُ﴾ يقال: ركمه إذا جمعه، وضم بعضه إلى بعض، وفي «المختار» ركم الشيء إذا جمعه وألقى بعضه على بعض، وبابه: نصر، وارتكم الشيء وتراكم اجتمع، والركام الرمل المتراكم، والسحاب، ونحوه اه.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾، وفي قوله: ﴿وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾، وفي قوله: ﴿يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ﴾ ﴿فَسَيُنْفِقُونَها﴾، وفي قوله: ﴿نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾.
ومنها: الجناس المغاير بين ﴿وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ ﴿والْماكِرِينَ﴾ وبين ﴿يعذبهم﴾ ﴿ومُعَذِّبَهُمْ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ لأن المكر
والثاني: أنها من الصدّ وهو المنع، والأصل تصددة بدالين أيضا فأبدلت ثانيتهما ياء، ويؤيد هذا قراءة ﴿يَصُدُّونَ﴾ بالضم؛ أي: يمنعون.
﴿تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾؛ أي: ندامة يقال: حسر يحسر كطرب يطرب بمعنى ندم ندامة، ويقال: حسر كمه عن ذراعه، من باب ضرب يضرب، ويقال: حسر بصره إذا كل، وتعب من باب جلس فالأول والأخير لازمان، والأوسط متعد، هذا ما في «المختار»، وفي «المصباح»: حسر عن ذراعه حسرا من بابي ضرب وقتل، وحسرت المرأة ذراعها وخمارها، من باب ضرب كشفته فهي حاسر بغيرها، وحسر
البصر حسورا من باب: قعد كل لطول المدى، وحسرت على الشيء حسرا من باب تعب، والحسرة اسم منه اه.
﴿يُحْشَرُونَ﴾ من بابي ضرب ونصر، كما في «المصباح» ﴿فَيَرْكُمَهُ﴾ يقال: ركمه إذا جمعه، وضم بعضه إلى بعض، وفي «المختار» ركم الشيء إذا جمعه وألقى بعضه على بعض، وبابه: نصر، وارتكم الشيء وتراكم اجتمع، والركام الرمل المتراكم، والسحاب، ونحوه اه.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾، وفي قوله: ﴿وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾، وفي قوله: ﴿يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ﴾ ﴿فَسَيُنْفِقُونَها﴾، وفي قوله: ﴿نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾.
ومنها: الجناس المغاير بين ﴿وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ ﴿والْماكِرِينَ﴾ وبين ﴿يعذبهم﴾ ﴿ومُعَذِّبَهُمْ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ لأن المكر
432
حقيقة في الاحتيال في إيصال الضرر إلى الغير بطريق خفي، والمراد بمكر الله: رد مكرهم بطريق لا يعرفون، فإذا يقال في تقرير الاستعارة: شبه المكر بمعنى رد الحيلة بالمكر بمعنى الاحتيال في ترتب أثره عليه، فاستعير اسم المشبه به الذي هو المكر بمعنى الحيلة للمشبه الذي هو المكر بمعنى ردها فاشتق من المكر بمعنى الرد، يمكر بمعنى يرد، على طريقه الاستعارة التصريحية التبعية.
ويصح أن يكون مجازا مرسلا إذا قلنا: المراد بمكر الله مجازاتهم على مكرهم بجنسه، من إطلاق اسم السبب على المسبب، والعلاقة السببية، والمشاكلة تزيده حسنا على حسن. وتصح الاستعارة في هذا المعنى أيضا بأن يقال: شبه المكر بمعنى المجازاة بالمكر بمعنى الاحتيال، بجامع إيصال الضرر في كل، فاستعير اسم المشبه به الذي هو المكر بمعنى الاحتيال للمشبه الذي هو المكر بمعنى المجازاة، فاشتق من المكر بمعنى المجازاة، يمكر بمعنى يجازي، على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.
ويصح أن يكون استعارة تمثيلية بتشبيه حالة تقليل المسلمين في أعينهم الحامل لهم على هلاكهم، بمعاملة الماكر المحتال بإظهار خلاف ما يبطن.
ويصح أن يكون مشاكلة صرفة، فالوجوه أربعة اه «شهاب» بتصرف وزيادة.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ﴾ لأن الإمطار حقيقة في إنزال الغيث، ويصح أن يكون مجازا مرسلا علاقته المشابهة في الصب بكثرة.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾.
ومنها: القصر في قوله: ﴿إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾، وفي قوله: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً﴾.
ومنها: الحصر في قوله: ﴿إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.
ومنها: المقابلة في قوله: ﴿إِنْ يَنْتَهُوا﴾، وقوله: ﴿وَإِنْ يَعُودُوا﴾، وفي قوله: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾، وقوله: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾.
ويصح أن يكون مجازا مرسلا إذا قلنا: المراد بمكر الله مجازاتهم على مكرهم بجنسه، من إطلاق اسم السبب على المسبب، والعلاقة السببية، والمشاكلة تزيده حسنا على حسن. وتصح الاستعارة في هذا المعنى أيضا بأن يقال: شبه المكر بمعنى المجازاة بالمكر بمعنى الاحتيال، بجامع إيصال الضرر في كل، فاستعير اسم المشبه به الذي هو المكر بمعنى الاحتيال للمشبه الذي هو المكر بمعنى المجازاة، فاشتق من المكر بمعنى المجازاة، يمكر بمعنى يجازي، على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.
ويصح أن يكون استعارة تمثيلية بتشبيه حالة تقليل المسلمين في أعينهم الحامل لهم على هلاكهم، بمعاملة الماكر المحتال بإظهار خلاف ما يبطن.
ويصح أن يكون مشاكلة صرفة، فالوجوه أربعة اه «شهاب» بتصرف وزيادة.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ﴾ لأن الإمطار حقيقة في إنزال الغيث، ويصح أن يكون مجازا مرسلا علاقته المشابهة في الصب بكثرة.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: ﴿وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾.
ومنها: القصر في قوله: ﴿إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾، وفي قوله: ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً﴾.
ومنها: الحصر في قوله: ﴿إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.
ومنها: المقابلة في قوله: ﴿إِنْ يَنْتَهُوا﴾، وقوله: ﴿وَإِنْ يَعُودُوا﴾، وفي قوله: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾، وقوله: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾.
433
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونسأل الله الإعانة، وكمال التيسير، والتوفيق لنا لأصوب التفسير، وأن يكرمنا بإكماله كما وفقنا بابتدائه بمنه وكرمه وجوده وإفضاله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين آمين (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونسأل الله الإعانة، وكمال التيسير، والتوفيق لنا لأصوب التفسير، وأن يكرمنا بإكماله كما وفقنا بابتدائه بمنه وكرمه وجوده وإفضاله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين آمين (١).
(١) قال المؤلف: وكان الفراغ من تسويد هذا المجلد العاشر من الشرح على الجزء التاسع من القرآن منتصف ليلة الجمعة، الليلة السابعة من شهر الله المبارك رجب الفرد، من شهور السنة العاشرة بعد الألف وأربع مئة ٧/ ٧/ ١٤١٠ هـ من هجرة من أرسله الله تعالى ليكون للعالمين نذيرا، سيدنا ومولانا محمد من جعله الله لدينه سراجا منيرا، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
تم تصحيح هذه النسخة في الليلة السادسة والعشرين، أوائلها من شوال بيد مؤلفه في تاريخ ٢٦/ ١٠/ ١٤١١ هـ فلله سبحانه الحمد والشكر على هذا التوفيق، ونسأله تعالى الإخلاص في جميع الأعمال، ليكون موجبا لنا الخلاص من عهدتها في يوم العرض والقصاص.
تم تصحيح هذه النسخة في الليلة السادسة والعشرين، أوائلها من شوال بيد مؤلفه في تاريخ ٢٦/ ١٠/ ١٤١١ هـ فلله سبحانه الحمد والشكر على هذا التوفيق، ونسأله تعالى الإخلاص في جميع الأعمال، ليكون موجبا لنا الخلاص من عهدتها في يوم العرض والقصاص.
434
شعر