ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة التكوير (٨١) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١)رفعت الشّمس بإضمار فعل مثل الثاني لأن إِذَا بمنزلة حروف المجازاة لا يليها إلا الفعل مظهرا أو مضمرا. وعن أبيّ بن كعب كُوِّرَتْ ذهب ضوءها، وعن ابن عباس أظلمت. قال أبو جعفر: يقال: كوّر الشيء وكبّر الشيء إذا لفّ ورمي به، وفي الحديث «نعوذ بك من الحور بعد الكون» «١» أي من الرجوع بعد أن كان أمرنا ملتئما، ويروى «بعد الكور».
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢]
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢)
رفعت النجوم بإضمار فعل أيضا. قال أبيّ: انْكَدَرَتْ تناثرت، وقال ابن عباس: بعثرت.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٣]
وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣)
بإضمار فعل أيضا.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٤]
وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤)
«٢» عُطِّلَتْ قال: أي أهملت. قال الأصمعي: العشراء النّاقة إذا أتى عليها من حملها عشرة أشهر، وقال أبو عبيدة: الناقة إذا أتى عليها من حملها ستة أشهر إلى أن تضع وبعد ذلك وهم يتفقدونها وتعزّ عليهم.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٥]
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥)
فيه قولان: أحدهما حشرت يوم القيامة ليعوّضها الله مما لحقها من الألم في الدنيا وقال قتادة: حشرت جمعت.
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٢٣ (قرأ الجمهور بتشديد الطاء، ومضر عن اليزيدي بتخفيفها).
[سورة التكوير (٨١) : آية ٦]
وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦)وقرأ أبو عمرو سُجِّرَتْ «١» مخففا واحتجّ بالبحر المسجور وخالفه جماعة من أهل العلم من أهل اللغة قالوا: البحر المسجور واحد، والبحار جمع الجمع أولى بالتكثير والتشديد قالوا: والبحر المسجور بحر هذه صفته، وليس هذا مثل وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا معناه ومعروف في اللغة أن يقال: سجرت الشيء ملأته كما قال: [الكامل] ٥٤١-
فتوسّطا عرض السّريّ وصدّعا | مسجورة متجاورا قلّامها «٢» |
إذا شاء طالع مسجورة | يرى حولها النّبع والسّاسما «٣» |
بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينا هم على ذلك تناثرت النجوم، وبيناهم على ذلك إذ وقعت الجبال وتزلزلت الأرض وهربت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن وعطلت العشار أي أهملها أهلها، واختلطت الوحوش بالناس فذلك حشرها، وقالت الجن للإنس نحن نعرف لكم الخبر فمضوا إلى البحار فوجدوها قد سعّرت نيرانا ثم تصدّعت الأرض إلى الأرض السفلى إلى السماء العليا ثم أرسلت عليهم الريح فأماتتهم.
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ٧ الى ٨]
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨)
أي قرّبت الصالح مع الصالح هذا معنى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) يقال: وأدها يئدها وأدا فهو وائد وهي موءودة إذا دفنها حية وألقى عليها التراب. واشتقاقه من وأده إذا أثقله قال هارون القارئ في حرف أبيّ وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ «٤» قال أبو عبيد: هذا أبين معنى. قال أبو جعفر: خولف في هذا
(٢) الشاهد للبيد في ديوانه ٣٠٧، ولسان العرب (سجر) و (عرض) و (صدع)، و (قلم)، وتهذيب اللغة ٩/ ١٨١، وجمهرة اللغة ٧٤٧، وتاج العروس (عرض) و (صدع)، وكتاب العين ١/ ٢٧٦، ومقاييس اللغة ٤/ ٢٧٥، ومجمل اللغة ٣/ ٤٧٠، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٥٧.
(٣) الشاهد للنمر بن تولب في ديوانه ٣٨٠، ولسان العرب (سمسم)، وتاج العروس (سمسم) وبلا نسبة في جهرة اللغة ٤٥٧، والمخصّص ١٠/ ٣٧.
(٤) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٢٤، ومعاني الفراء ٣/ ٢٤٠.
أحدهما أن المعنى طلب منها من قتلها توبيخا له فقيل لها: من قتلك؟ والمعنى الآخر أنها سئلت فقيل لها لم قتلت بغير ذنب توبيخا لقاتلها؟ كما يقال لعيسى صلّى الله عليه وسلّم: أأنت قلت للناس اتّخذوني وأمي إلهين من دون الله. وزعم الفراء «١» أن مثل هذا قوله: [الكامل] ٥٤٣-
الشّاتمي عرضي ولم أشتمهما | والناذرين إذا لم القهما دمي «٢» |
لأن الله جلّ وعزّ قد انتصر لهم ممن ظلمهم. قال صلّى الله عليه وسلّم: «الله أعلم بما كانوا عاملين».
[سورة التكوير (٨١) : آية ١٠]
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠)
كذا قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم «٣»، وقرأ أبو عمرو وابن كثير ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي نُشِرَتْ والحجة لهم صُحُفاً مُنَشَّرَةً [المدثر: ٥٢] وهذا ليس من الحجج الموجبة لترك ما قرأ به من تقوم بقراءته الحجّة لأن نشرت يقع للقليل والكثير عند النحويين والقراءتان صحيحتان.
[سورة التكوير (٨١) : آية ١١]
وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١)
وقال الفراء: نزعت وطويت قال: وكذا قشطت كما تقول: كافور وقافور.
[سورة التكوير (٨١) : آية ١٢]
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢)
قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وقراءة أبي عمرو والكوفيين سُعِّرَتْ «٤» ويحتجّ لهم بأن الجحيم واحد ويحتج عليهم بأن الجحيم وإن كان واحدا فالتكثير أولى به لكثرة سعّرت. قال أحمد بن عبيد يقال: جحمت النار أي أكثرت وقودها، وقال الفراء:
جحمت الجمر جعلت بعضه على بعض ورجل جاحم بخيل ضنين.
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤)
بإضمار فعل كالثاني، وجواب «إذا» عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤) قيل: معناه ما وجدته حاضرا كما تقول: أحمدت فلانا أي أصبته محمودا قال قتادة: ما أحضرت من عمل.
[سورة التكوير (٨١) : آية ١٥]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥)
«لا» زائدة للتوكيد أي فأقسم بالخنس وفي معنى الخنس ثلاثة أقوال قد مر منها ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنها النجوم الخمسة، وروى سعيد عن سماك
(٢) مرّ الشاهد رقم (٥١٤).
(٣) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٢٥.
(٤) انظر تيسير الداني ١٧٩ (قرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف الجيم والباقون بتشديدها).
«الخنّس» النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل. فظاهر هذا القول عام لجميع النجوم، وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة وبكر بن عبد الله المزني وعبد الرّحمن بن زيد. وروى عكرمة عن ابن عباس قال: الخنّس الظباء، وهو قول سعيد بن جبير والضحاك وقال جابر بن زيد وإبراهيم النخعي: الخنس بقر الوحش. قال أبو جعفر: إذا كان التقدير:
فأقسم بربّ الخنس، فالمعنى واحد إلا أن القول الأول أجلها وأعرفها، وإنما يقال لبقر الوحش والظباء خنّس الواحد أخنس وخنساء كما قال: [الكامل] ٥٤٤-
خنساء ضيّعت الغرير فلم ترم | عرض الشّقائق طرفها ويغامها «١» |
[سورة التكوير (٨١) : آية ١٦]
الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦)
«الجواري» في موضع خفض حذفت الكسرة من الياء لثقلها فإن كان بغير ألف ولام حذفت الياء لسكونها وسكون التنوين إذ كان جمع جارية وكذا إن سمّيت به على قول الخليل وسيبويه «٢»، وأما الكوفيون ويونس فيقولون إذا سمّيت رجلا بجوار لم تصرفها في النصب والخفض فقلت: رأيت بواري ومررت بجواري، وقيل في الرفع هؤلاء جواري بإسكان الياء. قال الخليل: هذا خطأ لأنه كان يجب أن يقال على هذا:
هذا جواري فأعلم بضم الياء، قال: ولا يكون أثقل من فواعل إذا سميت به. قال سيبويه «٣» : سألت الخليل عن امرأة تسمى بقاض فقال: هي مجراة في الرفع والخفض، تقول: مررت بقاض وهذه قاض. قال أبو جعفر: وقول يونس والكوفيين: مررت بقاضي وهذا قاضي فاعلم الْكُنَّسِ جمع كانس ويقال: كنّاس.
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١٧ الى ١٨]
وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨)
وَاللَّيْلِ عطف على «الخنس»، وليست الواو واو قسم إِذا عَسْعَسَ قال الفرّاء:
أجمع المفسرون على أنه إذا أقبل، وهذا غلط. روى مجاهد عن ابن عباس «إذا عسعس» إذا أدبر. قال الضحّاك إِذا تَنَفَّسَ إذا أضاء وأقبل.
[سورة التكوير (٨١) : آية ١٩]
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)
جواب القسم، وأجاز الكسائي «أنه» بالفتح أي أقسم أنه وتابعه على ذلك محمد بن يزيد النحويّ.
(٢) انظر الكتاب ٣/ ٣٤٤.
(٣) انظر الكتاب ٣/ ٣٤٤.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢٠]
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)ذِي قُوَّةٍ نعت لرسول أي ذي قوة على أمر الله جلّ وعزّ وطاعته عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ نعت أيضا أي ذي منزلة رفيعة.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢١]
مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)
مُطاعٍ ثَمَّ أي مطاع في السموات أَمِينٍ على وحي الله جلّ وعزّ ورسالاته فهذا التمام.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢٢]
وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢)
أي ليس خطابه ولا بيانه ولا فعله فعل مجنون.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢٣]
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)
والهاء تعود على الرسول وهو جبريل صلّى الله عليه وسلّم كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى عن يزيد بن هارون ثنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين الله تعالى يقول: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) فقالت أنا أول من سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ذاك جبريل صلّى الله عليه وسلّم لم أره على صورته التي خلق عليها إلا مرتين قد هبط من السماء قد سدّ عظم خلقه ما بين السماء والأرض» «١».
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢٤]
وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤)
قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع ويحيى والأعمش وحمزة، ويقال: إنها في حرف أبيّ بن كعب كذلك وقرأ ثلاثة من الصحابة «بظنين» «٢» كما قرئ على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل عن علي بن عبد الله المديني عن سفيان عن عمرو، قال: سمعت ابن عباس يقرأ «بظنين» بالظاء، وروى شعبة عن مغيرة عن مجاهد قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقرأ بظنين بالظاء، وقال عروة سمعت عائشة تقرأ بالظاء. وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي، ولا اختلاف بين أهل التفسير واللغة أن معنى «بظنين» بمتّهم و «بضنين» ببخيل فالقراءتان صحيحتان قد رواهما الجماعة إلّا أنه في السواد بالضاد، وعدل أبو عمرو والكسائي وهما نحويا القراءة إلى القراءة. «بظنين» لأنه يقال: فلان ظنين على كذا أيّ متّهم عليه، وظنين بكذا وإن كانت حروف الخفض يسهل فيها مثل هذا، وعدل أبو عبيد أيضا إليها لأنه ذكر أنه جواب لأنهم كذّبوه. وهذا الّذي احتجّ به لا نعلم أحدا من أهل العلم يعرفه ولا يرى أنه جواب، ولا هو عندهم
(٢) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٢٦، وتيسير الداني ١٧٩.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢٥]
وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥)
لو حذفت الباء لنصبت لشبه «ما» بليس.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢٦]
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦)
ذكر الفرّاء «٢» أن المعنى فإلى أين تذهبون وحذفت «إلى» كما يقال: ذهبت الشام وذهبت إلى الشام، وانطلقت إلى السوق وانطلقت السّوق، وخرجت الشام وإلى الشام، وحكى الكسائي: انطلق به الغور، والتقدير عنده: إلى الغور فحذفت «إلى» فجعل الكوفيون هذه الأفعال الثلاثة انطلق وذهب وخرج يجوز معها حذف إلى، وقاسوا على ما سمعوا من ذلك زعموا. فأما سيبويه فحكى منها واحدا ولا يجيز غيره وهو ذهبت الشام، ولا يجيز ذهبت مصر، وعلى هذا قول البصريين لا يقيسون من هذا شيئا.
وروى أبو العباس على هذا شيئا فزعم أن قولهم: ذهبت الشام ومعناه الإبهام أي ذهبت شامة الكعبة، غير أن هذا إنما يرجع فيه إلى قول من حكى ذلك عن العرب ولم يحكه سيبويه إلا على أنه الشام بعينها.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢٧]
إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧)
أي ما في القرآن إلا عظة وتذكرة للعالمين.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢٨]
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨)
لِمَنْ بدل من العالمين على إعادة اللام، ولو كان بغير لام لجاز. قال مجاهد:
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) أي أن يتبع الحق.
[سورة التكوير (٨١) : آية ٢٩]
وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)
وَما تَشاؤُنَ في معناه قولان أحدهما وما تشاؤون أن تستقيموا أي تتّبعوا الحقّ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ والقول الآخر أنه منهم أي ما تشاؤون يشاء من الطاعة والمعصية إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ذلك منكم، ولو لم يشأ لحال بينكم وبينه.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٤٣. [.....]