سورة الروم مكية، وهي ستون آية كوفي
حدثنا عبيد الله، قال : حدثني أبي، قال : حدثنا الهذيل، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، قال : أقتتل الروم وفارس فهزمت الروم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فشق عليهم وهم بمكة، وفرح الكفار وشمتوا فقتلوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا لهم : إنكم أهل كتاب، والروم أهل كتاب فقد ظهر إخواننا أهل فارس على إخوانكم من الروم فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ الم غلبت الروم في أدنى الأرض ﴾ وأدنى الأرض يومئذ أذرعات فيها كان القتال ﴿ وهم من بعد غليهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ﴾ أن يظهر الروم على فارس ومن بعد ما ظهرت، قال : فخرج أبو بكر الصديق، رضوان الله عليه، إلى الكفار.
فقال : أفرحتم لظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقر الله أعينكم ليظهرن الله الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبى بن خلف الجمحي : كذبت يا أبا فصيل، فقال أبو بكر، رضي الله عنه : أنت أكذب يا عدو الله، فقال : أناجيك عشر قلائص منى، وعشر قلائص منك إلى ثلاث سنين، ثم جاء أبو بكر، رضي الله عنه، إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : ناجيت عدو الله أبى بن خلف أن يظهر الله عز وجل الروم على فارس إلى ثلاث سنين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ما كذلك ذكرت لك"، إنما قال : الله عز وجل :﴿ بضع سنين ﴾ والبضع ما بين الثلاث إلى التسع فاذهب فزايدهم في الخطر، ومادهم في الأجل، فخرج أبو بكر، رضي الله عنه، فلقي أبي بن خلف.
فقال : لعلك ندمت يا أبا عامر، قال : فقال : تعالى أزايدك في الخطر، وأمادكم في الأجل، فنجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين، قال : قد فعلت، قال : وكانت امرأة بفارس لا تلد إلا ملوكا أبطالا، فدعاها كسرى، فقال : إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشا واستعمل رجلا من بنيك، فأشيري على أيهم استعمل، فقالت : هذا فلان وسمته وهو أروغ من ثعلب وأجبن من صقر، وهذا الفرخان وهو أنقذ من السنان، وهو شهر بران، وهو أحلم من الأرزان فاستعمل أيهم شئت.
قال : إني استعمل الحليم، فبعث شهر بران على الجيش، فسار الروم إلى أرض فارس، فظهر عليهم وخرب مدائنهم، وقطع زيتونهم، فلما ظهرت فارس على الروم جلس الفرخان يشرب، فقال لأصحابه : قد رأيت في المنام أني جالس على سرير كسرى، فعمد الملاقون المبلغون بالأحاديث، فكتبوا إلى كسرى أن عبدك الفرخان يتمنى في المنام أن يقعد على سريرك، فكتب كسرى إلى شهربران إذا جاءك كتابي هذا فابعث برأس أخيك الفرخان، فكتب إليه شهربران أيها الملك إن الفرخان له صولة ونكاية في العدو، فلا تفعل، فكتب إليه كسرى إن في رجال فارس منه خلفا وبدلا، فعجل على برأسه فراجعه.
فقال : أيها الملك، إنك لن تجد من الفرخان بدلا صولة ونكاية، فغضب كسرى فلم يجبه وبعث بريدا إلى أهل فارس الذين بالروم : إني قد نزعت عنكم شهربران واستعملت عليكم الفرخان، ودفع إلى صاحب البريد صحيفة صغيرة، فقال : إذا ولي الفرخان وانقاد له أخوه، فادفع إليه الصحيفة، فلما قرأ شهربران الكتاب قال : سمعا وطاعة ووضع تاجه على رأس أخيه، ونزل عن سريره، وجلس عليه الفرخان، ودفع الرسول الصحيفة إليه، فقال : ائتوني بشهربران، فأتى به ليضرب عنقه، فقال شهربران : لا تعجل حتى أكتب وصيتي قال : فكتبها، فدعا بسقط فيه ثلاث صحائف.
وقال : ويحك أنت ابن أمي وأبي، وهذه ثلاث صحائف جاءتني في قتلك، فراجعت فيك كسرى ثلاث مرات، فقال الفرخان : أمنا والله كانت أعرف بنا، أنت أحلم من الأزرق حين راجعت في ثلاث مرات، وأنا أنفذ من السنان حين أردت قتلك بكتاب واحد ثم رد الملك إلى أخيه، وكان أكبر منه، فكتب شهربران إلى قيصر إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد، ولا تبلغها الصحف، فالقني ولا تلقني إلا في خمسين روميا، فإني ألقاك في خمسين فارسيا، فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي، فجعل يبثهم في الطرق، وبعث بين يديه العيون مخافة أن يكون مكرا منه حتى أتته عيونه أن ليس معه إلا خمسين رجلا، ثم بسطت لهم بسط، فمشيا عليها ونزلا عن برذونيهما إلى قبة من ديباج ضربت لهما عراها ذهب، وأزرارها فضة، وأطنابها إبريسم، مع أحدهما سكين نصابها زمرد أخضر، وقرابها من ذهب، ومع الآخر سكين نصابها من فارهرة خضراء، وقرابها من ذهب، ودعوا ترجمانا بينهما.
فقال شهربران لقيصر : إن الذين كسروا شوكتك وأطفئوا جمرتك وخربوا مدائنك وقطعوا شجرك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا على ذلك، وأرادني على قتل أخي، وأراد أخي على قتلى، فأبينا، فخالفناه جميعا، فنحن نقاتله معك، فقال : أصبتما، فأشار أحدهما إلى الآخر السر بين اثنين، فإذا جاوزهما فشا، فقتلا الترجمان بسكينيهما، وأهلك الله عز وجل كسرى، وجاء الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه بظهور الروم، فذلك قوله عز وجل :﴿ وهم من بعد غليهم سيغلبون ﴾.
ﰡ
﴿ وَمِن بَعْدُ ﴾ ما ظهرت الروم على فارس.
﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٤] وذلك أن فارس غلبت الروم، ففرح بذلك كفار مكة، فقالوا: إن فارس ليس لهم كتاب، ونحن منهم، وقد غلبوا أهل الروم، وهم أهل كتاب قبلكم، فنحن أيضاً نغلبكم كما غلبت فارس الروم، فخاطرهم أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، على أن يظهر الله عز وجل الروم على فارس، فلما كان يوم بدر غلبت المسلمون كفا مكة، وأتى المسلمين الخبر بعد ذلك، والنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بالحديبية أن الروم قد غلبوا أهل فارس، ففرح المسلمون بذلك، فلذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ ﴿ بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ ﴾ فنصر الله عز وجل الروم على فارس، ونصر المؤمنين على المشركين يوم بدر. قال أبو محمد: سألت أبا العباس ثعلب عن البضع والنيف، فقال البضع: من ثلاث إلى تسع، والنيف: من واحد إلى خمسة، وربما أدخلت كل واحدة على صاحبتها فتجوز مجازها، فأخذ أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، الخطر من صفوان بن أمية، والنبى صلى الله عليه وسلم بالحديبية مقيم حين صده المشركين عن دخول مكة.
﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ يعنى المنيع فى ملكه ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ٥] بالمؤمنين حين نصرهم.﴿ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ وذلك أن الله عز وجل وعد المؤمنين في أول السورة أن يظهر الروم على فارس حين قال تعالى: ﴿ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾ على أهل فارس، وذلك قوله عز وجل ﴿ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ بأن الروم تظهر على فارس.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٦] يعن كفار مكة.﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ يعنى حرفتهم وحيلتهم، ومتى يدرك زرعهم، وما يصلحهم في معايشهم لصلاح دنياهم.
﴿ وَهُمْ عَنِ ٱلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [آية: ٧] حين لا يؤمنون بها، ثم وعظهم ليعتبروا.
﴿ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ يقول: السموات والأرض لهما أجل ينتهيان إليه، يعنى يوم القيامة ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ ﴾ يعنى عز وجل كفار مكة.
﴿ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ ﴾ بالبعث بعد الموت ﴿ لَكَافِرُونَ ﴾ [آية: ٨].
ثم خوفهم عز وجل ﴿ أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ يعنى الأمم الخالية، فكان عاقبتهم العذالب في الدنيا.
﴿ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ ﴾ من أهل مكة ﴿ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ ﴾ يعنى عاشوا في الأرض ﴿ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ﴾ أكثر مما عاش فيه كفار مكة.
﴿ وَجَآءَتْهُمْ ﴾ يعنى الأمم الخالية ﴿ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ يعنىأخبرتهم بأمر العذاب.
﴿ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ فيعذبهم على غير ذنب.
﴿ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [الآية: ٩] ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ﴾ يعنى أشركوا ﴿ ٱلسُّوۤءَىٰ ﴾ العذاب في الدينا ﴿ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى بأن كذبوا بالعذاب أنه ليس بنازل بهم في الدنيا.
﴿ وَكَانُواْ بِهَا ﴾ يعنى العذاب ﴿ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [آية: ١٠] تكذيباً به أنه لا يكون.
﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ١١] فى الآخرة، فجزيهم بأعمالهم.﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ ﴾ يعنى يوم القيامة ﴿ يُبْلِسُ ﴾ يعنى ييأس ﴿ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [آية: ١٢] يعنى كفار مكة من شفاعة الملائكة.
﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مِّن شُرَكَآئِهِمْ ﴾ من الملائكة ﴿ شُفَعَاءُ ﴾ فيشفعوا لهم ﴿ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [آية: ١٣] يعنى تبرأت الملائكة ممن كان يعبدها.﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ ﴾ يوم القيامة ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ [آية: ١٤] بعد الحساب إلى الجنة، وإلى النار، فلا يجتمعون أبداً، ثم أخبرهم بمنزلة الفريقين جميعاً، فقال سبحانه: ﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴾ [آية: ١٥] يعنى فى بساتين يكرمون وينعمون فيها وهي الجنة.﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بتوحيد الله عز وجل.
﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾ يعنى القرآن.
﴿ وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ ﴾ يعنى البعث.
﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ [آية: ١٦] ﴿ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ ﴾ يعنى فصلوا لله عز وجل.
﴿ حِينَ تُمْسُونَ ﴾ يعنى صلاة المغرب والصلاة العشاء.
﴿ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ [آية: ١٧] يعن صلاة الفجر.﴿ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ يحمده الملائكة فى السموات ويحمده المؤمنون في الأرض.
﴿ وَعَشِيّاً ﴾ يعني صلاة العصر ﴿ وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ [آية: ١٨] يعنى صلاة الأولى.
﴿ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ ﴾ يقول: يخرج الناس والدواب والطير من النطف وهى ميتة.
﴿ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ ﴾ يعنى النطف ﴿ مِنَ ٱلْحَيِّ ﴾ يعنى من الناس والدواب والطير.
﴿ وَيُحْيِي ٱلأَرْضَ ﴾ بالماء ﴿ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ فينبت العشب فذلك حياتها، ثم قال: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ يعنى وهكذا ﴿ تُخْرَجُونَ ﴾ [آية: ١٩] يا بنى آدم من الأرض أن الله عز وجل يرسل يوم القيامة ماء الحيوان من السماء السابعة من البحر المسجور على الأرض بين النفختين فتنبت عظام الخلق ولحومهم وجلودهم كما ينبت العشب من الأرض.
﴿ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ﴾ يعنى آدم صلى الله عليه وسلم خلقه من طين.
﴿ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ ﴾ يعنى ذرية آدم بشر.
﴿ تَنتَشِرُونَ ﴾ [آية: ٢٠] في الأرض، يعنى تتبسطون في الأرض، كقوله سبحانه:﴿ وَيَنشُرُ ﴾[الشورى: ٢٨] يعنى ويبسط رحمته.﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾ يعنى علاماته أن تعرفوا توحيده، وإن لم تروه ﴿ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ يعنى بعضكم من بعض ﴿ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم ﴾ وبين أزواجكم ﴿ مَّوَدَّةً ﴾ يعنى الحب ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ﴾ ليس بينها وبينه رحم ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ يعنى إن هذا الذى ذكر لعبرة ﴿ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٢١] فيعتبرون فى توحيد الله عز وجل.﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾ يعنى ومن علامة الرب عز وجل، أنه واحد فتعرفوا توحيده بصنعه أن ﴿ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ وأنتم تعلمون ذلك، كقوله سبحانه:﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ﴾[الزمر: ٣٨] ﴿ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ ﴾ عربى وعجمى وغيره ﴿ وَ ﴾ اختلاف ﴿ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾ أبيض وأحمر وأسود ﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ ﴾ يعنى أن في هذا الذى ذكر لعبرة ﴿ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٢٢] فى توحيد الله عز وجل.﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾ يعنى ومن علامات الرب تعالى أن يعرف توحيده بصنعه.
﴿ مَنَامُكُم بِٱلْلَّيْلِ ﴾ يعنى النوم، ثم قال: ﴿ وَ ﴾ بـ ﴿ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ ﴾ يعنى الرزق ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ﴾ يعنى إن في هذا الذي ذكر لعبرة ﴿ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [آية: ٢٣] المواعظ، فيوحدون ربهم عز وجل.﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾ يعنى ومن علاماته أن تعرفوا توحيد الرب جل جلاله بصنعه، وإن لم تروه ﴿ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً ﴾ من الصواعق لمن كان بأرض، نظيرها فى الرعد ﴿ وَطَمَعاً ﴾ فى رحمته، يعنى المطر ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً ﴾ يعنى المطر ﴿ فَيُحْيِي بِهِ ﴾ بالمطر ﴿ ٱلأَرْضَ ﴾ بالنبات ﴿ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ يعنى عز وجل فى هذا الذى ذكر ﴿ لآيَاتٍ ﴾ يعنى لعبرة ﴿ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٢٤] عن الله عز وجل، فيوحدونه.﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾ يعنىعلاماته أن تعرفوا توحيد الله تعالى بصنعه ﴿ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ ﴾ يعنى السماوات السبع والأرضين السبع؛ قال ابن مسعود: قامتا على غير عمد ﴿ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ ﴾ يدعو إسرافيل صلى الله عليه وسلم من صخرة بيت المقدس في الصور عن أمر الله عز وجل ﴿ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ [آية: ٢٥] وفى هذه كله الذى ذكره من صنعه عبرة وتفكراً في توحيد الله عز وجل، ثم عظم نفسه تعالى ذكره.
﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ في ملكه، لقولهم: إن الله عز وجل لا يقدر على البعث ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٢٧] في أمر حكم البعث.﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ نزلت في كفار قريش، وذلك أنهم كانوا يقولون فى إحرامهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، فقال تعالى: ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ يقول: وصف لكم يا معشر الأحرار، من كفار قريش مثالاً يعنى شبهاً من عبيدكم.
﴿ هَلْ لَّكُمْ ﴾ استفهام ﴿ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ من العبيد ﴿ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ من الأموال ﴿ فَأَنتُمْ ﴾ وعبيدكم ﴿ فِيهِ سَوَآءٌ ﴾ في الرزق. ثم قال: ﴿ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ يقول عز وجل: تخافون عبيدكم أن يرثوكم بعد الموت كما تخافون أن يرثكم الأحرار من أوليائكم، فقالوا: للنبى صلى الله عليه وسلم: لا، قال لهم النبى صلى الله عليه وسلم:" أفترضون لله عز وجل الشركة فى ملكه وتكرهون الشرك فى أموالكم "، فسكتوا ولم يجيبوا النبى صلى الله عليه وسلم. إلا شريكاً هو لك تملكه ما ملك، يعنون الملاكئة، قال: فكما لا تخافون أن يرثكم عبيدكم، فكذلك ليس لله عز وجل شريك.
﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ ﴾ يعنى هكذا نبين الآيات ﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٢٨] عن الله عز وجل الأمثل، فيوحدونه، ثم ذكرهم فقال سبحانه:﴿ بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ يعلمونه بأن معه شريكاً ﴿ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ ﴾ يقول: فمن يهدى إلى توحيد الله من قد أضله الله عز وجل عنه.
﴿ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ [آية: ٢٩] يعنى مانعين من الله عز وجل.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ﴾ يعنى فأخلص دينك الإسلام لله عز وجل ﴿ حَنِيفاً ﴾ يعنى مخلصاً ﴿ فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ يعنى ملة الإسلام التوحيد الذى خلقهم عليه، ثم أخذ الميثاق من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى ربنا، وأقروا له بالربوبية والمعرفة له تبارك وتعالى، ثم قال سبحانه: ﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ﴾ يقول: لا تحويل لدين الله عز وجل الإسلام ﴿ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ ﴾ يعنى التوحيد وهو الدين المستقيم.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣٠] توحيد الله عز وجل. ثم أمرهم بالإنابة من الكفر وأمرهم بالصلاة، فقال عز وجل ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ يقول: راجعين إليه من الكفر إلى التوحيد لله تعالى ذكره.
﴿ وَٱتَّقُوهُ ﴾ يعنى واخشوه.
﴿ وَأَقِيمُواْ ﴾ يعنى وأتموا ﴿ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ٣١] يقول: لكفار مكة كونوا من الموحدين لله عز وجل ولا تكونوا: ﴿ مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ ﴾ يعنى أهل الأديان فرقوا دينهم الإسلام.
﴿ وَكَانُواْ شِيَعاً ﴾ يعنى أحزاباً فى الدين يهود ونصارى ومجوس وغيره ونحو ذلك.
﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [آية: ٣٢] كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون به.﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ ﴾ يعنى كفار مكة ضر، يعنى السنين، وهو الجوع، يعنى قحط المطر عليهم سبع سنين.
﴿ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ يقول: عز وجل راجعين إليه يدعونه أن يكشف عنهم الضر، لقوله تعالى حم الدخان:﴿ رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ ﴾[الدخان: ١٢] يعنى الجوع﴿ إِنَّا مْؤْمِنُونَ ﴾[الدخان: ١٢].
قال تعالى: ﴿ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً ﴾ يعنى إذا أعطاهم من عنده نعمة، يعنى المطر ﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٣٣] يقول: تركوا توحيد ربهم فى الرخاء، وقد وحدوه في الضر.﴿ لِيَكْفُرُواْ ﴾ يعنى لكى يكفروا ﴿ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ ﴾ بالذى أعطيناهم من الخير فى ذهاب الضر عنهم، وهو الجوع، ثم قال سبحانه: ﴿ فَتَمَتَّعُواْ ﴾ قليلاً إلى آجالكم ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣٤] هذا وعيد، ثم ذكر شركهم، فقال: ﴿ أَمْ أَنزَلْنَا ﴾ وأم هاهنا صلة على أهل مكة، يعنى كفارهم ﴿ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً ﴾ يعنى كتاباً من السماء.
﴿ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ ﴾ يعنى ينطق ﴿ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٣٥] يعنى ينطق بما يقولون من الشرك. ثم ذكرهم أيضاً، فقال سبحانه:﴿ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ ﴾ كفار مكة ﴿ رَحْمَةً ﴾ يعنى أعطينا كفار مكة رحمة، يعنى المطر ﴿ فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾ بلاء يعنى الجوع أو شدة من قحط سبع سنين ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ من الذنوب ﴿ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [آية: ٣٦] يعنى إذا هم من المطر آيسون، ثم وعظهم ليعتبروا.
﴿ وَيَقْدِرُ ﴾ على من يشاء ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ﴾ يقول: إن فى بسط الرزق والفتر لعبرة ﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٣٧] يعنى يصدقون بتوحيد الله عز وجل.﴿ فَآتِ ﴾ يعنى فأعط ﴿ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ﴾ يعنى قرابة النبى صلى الله عليه وسلم وحق القرابة والصلة، ثم قال سبحانه: ﴿ وَٱلْمِسْكِينَ ﴾ يعنى السائل حقه أن يتصدق عليه، ثم قال: ﴿ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ يعنى حق الضيف نازل عليك أن تحسن إليه ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ يقول: إعطاء الحق أفضل ﴿ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ ﴾ من الإمساك عنهم، ثم نعتهم، عز وجل، فقال: ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ٣٨].
ثم قال تعالى: ﴿ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً ﴾ يقول: وما أعطيتم من عطية ﴿ لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ ﴾ يعنى تزدادوا فى أموال الناس، نزلت في أهل الميسر من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، يقول: أعطيتم من عطية ليلتمس بها الزيادة من الناس.
﴿ فَلاَ يَرْبُو عِندَ ٱللَّهِ ﴾ يقول: فلا تضاعف تلك العطية عند الله، ولا تزكوا، ولا إثم فيه، ثم بين الله عز وجل ما يربوا من النفقة، فقال عز وجل: ﴿ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ ﴾ يقول: وما أعطيتم من صدقة ﴿ تُرِيدُونَ ﴾ بها ﴿ وَجْهَ ٱللَّهِ ﴾ ففيه الأضعاف، فذلك قوله عزو جل: ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ ﴾ [آية: ٣٩] الواحدة عشرة فصاعداً. ثم أخبر تبارك وتعالى عن صنعه ليعرف توحيد، فقال تعالى: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ ولم تكونوا شيئاً ﴿ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ عند آجالكم ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ فى الآخرة ﴿ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ ﴾ مع الله، يعنى الملائكة الذين عبدوهم ﴿ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ ﴾ مما ذكر في هذه الآية من الخلق والرزق والبعث بعد الموت من يفعل من ذلك ﴿ مِّن شَيْءٍ ﴾ ثم نزه نفسه جل جلاله عن الشركة، فقال: ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ ﴾ يعنى وارتفع ﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٤٠] ثم أخبرهم عن قحط المطر فى البر ونقص الثمار فى الريف يعنى القرى حيث تجرى فيها الأنهار إنما أصابهم بتركهم التوحيد، فقال:﴿ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ﴾ يعنى قحط المطر وقلة النبات في البر، يعنى حيث لا تجرى الأنهار، وأهل العمود، ثم قال: ﴿ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ ﴾ يعنى قحط المطر ونقص الثمار فى البحر، يعنى فى الريف يعنى القرى حيث تجرى فيها الأنهار ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ ﴾ من المعاصى، يعنى كفار مكة ﴿ لِيُذِيقَهُمْ ﴾ الله الجوع ﴿ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ ﴾ يعني الكفر والتكذيب في السنين السبع ﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾ يعنى لكى ﴿ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٤١] من الكفر إلى الإيمان.
﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٤٥] بتوحيد الله عز وجل.﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾ يعنى ومن علاماته عز وجل، وإن لم تروه، أن تعرفوا توحيده بصنعه عز وجل ﴿ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ ﴾ يعنى يستبشر بها الناس رجاء المطر ﴿ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ ﴾ يقول: وليعطيكم من نعمته يعنى المطر ﴿ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ ﴾ في البحر ﴿ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ ﴾ في البحر ﴿ مِن فَضْلِهِ ﴾ يعنى الرزق كل هذا بالرياح ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٤٦] رب هذه النعم فتوحدونه. ثم خوف كفار مكة لكى لا يكذبوا النبى صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ فأخبروا قومهم بالعذاب أنه نازل بهم فى الدنيا إن لم يؤمنوا، فكذبوهم بالعذاب أنه غير نازل بهم فى الدنيا، فعذبهم الله عز وجل، فلذلك قوله عز وجل: ﴿ فَٱنتَقَمْنَا ﴾ بالعذاب ﴿ مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ ﴾ يعنى الذين أشركوا ﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ ﴾ [آية: ٤٧] يعنى المصدقين للأنبياء، عليهم السلام، بالعذاب، فكان نصرهم أن الله عز وجل أنجاهم من العذاب مع الرس.
﴿ فَٱنظُرْ ﴾ يا محمد ﴿ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَةِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى النبت من آثار المطر ﴿ كَيْفَ يُحْيِيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ ﴾ بالمطر فتنبت من بعد موتها حين لم يكن فيها نبت، ثمدل على نفسه، فقال: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ يقول: إن هذا الذى فعل ما ترون ﴿ لَمُحْييِ ٱلْمَوْتَىٰ ﴾ فى الآخرة، فلا تكذبوا بالبعث، يعنى كفار مكة، ثم قال تعالى: ﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آية: ٥٠] من البعث وغيره، ثم وعظهم ليعتبروا، فقال: عز وجل:﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً ﴾ على هذا النبت الأخضر ﴿ فَرَأَوْهُ ﴾ النبت ﴿ مُصْفَرّاً ﴾ من البرد بعد الخضرة ﴿ لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [آية: ٥١] برب هذه النعم، ثم عاب كفار مكة، فضرب له مثلاً، فقال عز وجل: ﴿ فَإِنَّكَ ﴾ يا محمد ﴿ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ ﴾ النداء فشبه الكفار بالأموات يقول: فكما لا يسمع الميت النداء، فكذلك الكفار لا يسمعون الإيمان ولا يفقهون، ثم قال: ﴿ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ ﴾ [أية: ٥٢] فشبهوا أيضاً بالصم إذا ولو مدبرين، يقول: إن الأصم إذا ولى مدبراً، ثم ناديته لا يسمع الدعاء فكذلك الكافر لا يسمع الإيمان إذا دعى.﴿ وَمَآ أَنتَ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ﴿ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ ﴾ للإيمان يقول: عموا عن الإيمان ﴿ عَن ضَلاَلَتِهِمْ ﴾ يعنى كفرهم الذى هم عليه، ثم أخبر النبى صلى الله عليه وسلم، فمن يسمع الإيمان، فقال سبحانه: ﴿ إِن تُسْمِعُ ﴾ بالإيمان ﴿ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ﴾ يعنى يصدق بالقرآن أنه جاء من الله عز وجل ﴿ فَهُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ [آية: ٥٣] يعنى فهم مخلصون بالتوحيد.
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ ﴾ للكفار يوم القيامة: ﴿ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ ﴾ فهذا قول مالك الموت لهم فى الآخرة. ثم قال: ﴿ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ ﴾ الذى كنتم به تكذبون أنه غير كائن ﴿ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥٦] كم لبثتم في القبور.
﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ يعنى أشركوا ﴿ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ [آية: ٥٧] في الآخرة فيعتبون.
﴿ لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾ يعنى من كل شبه نظيرها في الزمر.
﴿ وَلَئِن جِئْتَهُمْ ﴾ يا محمد ﴿ بِآيَةٍ ﴾ كما سأل كفار مكة لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } للنبى صلى الله عليه وسلم ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ ﴾ [آية: ٥٨] لقالوا: ما أنت يا محمد إلا كذاب، وما هذه الآية من الله عز وجل، كما كذبوا فى انشقاق القمر حين قالوا: هذا سحر.﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ ﴾ يقول: هكذا يختم الله عز وجل بالكفر ﴿ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥٩] يتوحيد الله عز وجل، فلما أخبرهم الله عز وجل بالعذاب أنه نازل بهم فى الدنيا كذبوه، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ فَٱصْبِرْ ﴾ يا محمد على تكذيبهم إياك بالعذاب، يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر، فقال: فاصبر ﴿ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ يعنى صدق، بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا، فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: عجل لنا العذاب فى الدنيا إن كنتم صادقاً، هذا قول النضر بن الحارث القرشى من بنى عبدالدار بن قصى، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ﴾ ولا يستفزنك فى تعجيل العذاب بهم ﴿ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ﴾ [آية: ٦٠] بنزول العذاب عليهم في الدنيا، فعذبهم الله عز وجل، ببدر حين قتلهم وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم، وعجل الله أرواحهم إلى النار، فهم يعرضون عليها كل يوم طرفى النهار ما دامت الدنيا، فقتل الله النضر بن الحارث ببدر، وضرب عنقه على بن أبى طالب، رضى الله عنه.