ﰡ
فخرجَ أبُو بكرٍ رضي الله عنه إلى الكفَّار وقال: (أفَرِحْتُمْ بظُهُور إخْوَانِكُمْ عَلَى إخْوَانِنَا؟! فَلاَ تَفْرَحُواْ وَلاَ يُقِرُّ اللهُ أعْيُنَكُمْ، فَوَاللهِ لَيَظْهَرَنَّ الرُّومُ عَلَى فَارسَ، أخْبَرَنَا بذلِكَ نَبيُّنَا) فَقَامَ إلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ وَقَالَ لَهُ: كَذبْتَ! فَقَالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ: أنْتَ أكْذَبُ يَا عَدُوَّ اللهِ) فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ: كَمَا غَلَبَتْ عَبَدَةُ النِّيْرَانِ أهْلَ الْكِتَاب، فَكَذلِكَ نَحْنُ نَغْلِبُكُمْ) وَاسْتَبْعَدَ الْمُشْرِكُونَ ظُهُورَ الرُّومِ عَلَى فَارسَ لِشِدَّةِ شَوْكَةِ أهْلِ فَارسَ. فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ: (أنَا أُرَاهِنُكَ عَلَى أنَّ الرُّومَ تَغْلِبُ إلَى ثَلاَثِ سِنِيْنَ) فَرَاهَنَهُ أُبَيُّ عَلَى خَمْسٍ مِنَ الإبلِ، وَقِيْلَ: عَلَى عَشْرٍ مِنَ الإبلِ، (فَإنْ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارسَ غَرِمْتَ، وإنْ ظَهَرَتْ فَارسُ غَرِمْتُ أنَا) ثُمَّ جَاءَ أبُو بَكْرٍ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بذلِكَ، فََقَالَ صلى الله عليه وسلم:" زدْ فِي الْخَطَرِ وَأبْعِدْ فِي الأَجَلِ "فَفَعَلَ ذلِكَ، وَجَعَلَ الأَجَلَ تِسْعَ سِنِيْنَ، وَكَانَ ذلِكَ قَبْلَ تَحْرِيْمِ الْقِمَار. رُوي أنَّ النَّّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَبي بَكْرٍ:" " إنَّمَا الْبضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلاَثِ إلَى التِّسْعِ ". قََرَأ: " زدْهُ فِي الْخَطَرِ وَمَادَّهُ فِي الأَجَلِ " "فَخَرَجَ أبُو بَكْرٍ فَلَقِيَ أُبَيّاً فَقَالَ: لَعَلَّكَ نَدِمْتَ! فَقَالَ: أزيدُكَ فِي الْخَطَرِ وَأُمَادُّكَ فِي الأَجَلِ، فَاجْعَلْهَا مِائَةَ قُلُوصٍ إلَى تِسْعِ سِنِيْنَ، قَالَ: قَدْ أخَافُ فَعَلْتُ. فَلَمَّا خَشِيَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أنْ يَخْرُجَ أبُو بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ، أتَاهُ فَلَزِمَهُ وَقًَالَ أُبَيُّ: إنْ تَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ فَأَقِرَّ لِي كَفِيْلاً، فَكَفَلَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أبي بَكْرٍ، فَلَمَّا أرَادَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أنْ يَخْرُجَ إلَى أُحُدٍ، أتَاهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أبي بَكْرٍ فَلَزِمَهُ وَقَالَ: لاَ وَاللهِ لاَ أدَعُكَ حَتَّى تُعْطِيَنِي كَفِيْلاً، فَأَعْطَاهُ كَفِيْلاً وَمَضَى إلَى أُحُدٍ، ثُمَّ رَجَعَ فَمَاتَ بمَكَّةَ مِنْ جِرَاحَتِهِ الَّتِي جَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِيْنَ بَارَزَهُ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارسَ يَوْمَ الْحُدَيْبيَةِ وَذِلكَ عَلَى رَأسِ تِسْعِ سِنِيْنَ مِنْ مُرَاهَنَتِهِمْ، وهذا قولُ أكثرِ المفسِّرين. وقال أبو سَعيد الخدريُّ ومقاتلُ:" لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَتَلَتِ الْمُسْلِمُونَ كُفَّارَ مَكَّةَ، وَأتَّاهُمُ الْخَبَرُ أنَّ الرُّومَ قَدْ غَلَبَتْ فَارسَ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بذلِكَ، وَغَلَبَ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أُبَيّاً وَأخَذ مَالَ الْخَطَرِ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَجَاءَ بهِ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " تَصَدَّقْ بهِ " ". ومعنى الآيةِ: ﴿ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ ﴾ يعني الْجَزِيْرَةَ؛ وهي أقربُ أرضِ الرُّومِ إلى فارسَ، وقال عكرمةُ: (يَعْنِي أذْرُعَاتٍ وَكُسْكُرُ). وقولهُ ﴿ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ ﴾ يعني الرومَ مِن بعد غَلَبَةِ فارسَ إيَّاهم سيغلبونَ فارس ﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾؛ وهو ما بينَ الثلاثِ إلى العشرِ، فالتقَى الرومُ وفارس في السَّنة السابعة من غَلَبَةِ فارسَ إيَّاهم، فغلبتهم الرومُ، فجاء جبريلُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهزيْمة فارسَ وظهور الرُّوم عليهم، ووافقَ ذلك يومَ بدرٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ﴾؛ أي قبلَ أنْ غُلبت الرومُ ومِن بعدِ ما غُلبت، يعني أنَّ غلبةَ أحدِ الفريقين الآخرَ، أيُّهما كان الغالبُ والمغلوب؛ فإنَّ ذلك كان بأمرِ الله تعالى وإرادته وقضائهِ وقدره. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾؛ يعني بغلب الرومَ فارس، يفرحُ المؤمنون.
﴿ بِنَصْرِ ٱللَّهِ ﴾؛ الرومَ على فارسَ، ويكون فرحُ المؤمنين يومئذٍ لظهور معجزة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإهلاكِ بعضِ الكفَّار بعضاً كما يفرحُ الصَّالحون بقتلِ الظَّالِمين بعضَهم بعضاً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ ﴾؛ أي ينصرُ مُحَمداً صلى الله عليه وسلم على أعدائهِ.
﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴾؛ أي هو العزيزُ بالنَّقمةِ ممن عصاهُ، الرَّحِيْمُ بأوليائهِ وهم المؤمنونَ.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾؛ إنَّ اللهَ لا يخلفُ وعدَهُ؛ لأن أكثرَهم كفَّارٌ.
﴿ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾، فتعلَمُون أنَّ الله لَم يخلُقِ السَّماوات والأرضَ.
﴿ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ﴾؛ إلاّ بالحقِّ؛ أي إلاّ الحقَّ.
﴿ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾؛ ومعنى الآية: أوَلَمْ يتفكَّرْ أهلُ مكَّة بقلوبهم فيعلَمُون أنَّ الله مَا خلقَ السَّماوات والأرضَ، وما فيهما من العجائب والبدائع إلاّ ليُحِقَّ الحقَّ ويُبْطِلَ الباطلَ، ويجزي كلَّ عاملٍ بما عَمِلَ عند انقضاءِ الأجَلِ المسمَّى الذي جعلَهُ اللهُ لانقضاء أمرِ السَّماوات والأرضِ وهو يومُ القيامةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ ﴾؛ يعني كفَّارَ مكَّة.
﴿ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾.
﴿ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ﴾؛ صارَ أمرُ.
﴿ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾؛ مِن الأُمم السالفةِ حين كذبوا الرُّسلَ إلى الهلاكِ بتكذيبهم فيَعْتَبرُوا. ثُم وصفَ تلكَ الأممَ فقال: ﴿ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ ﴾؛ أي حَرَثُوها وقلَبُوها للزراعةِ والغَرسِ.
﴿ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ﴾؛ كفارُ مكَّة لأنَّهم كانوا أطولَ عُمراً وأكثرَ عَدداً.
﴿ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾، فلم يَبْقَ منهم ولا مِن عمارَتِهم أثرٌ، فكذلكَ يكونُ حال هؤلاء. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾؛ بإهلاكِهم.
﴿ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾؛ بالكُفرِ والتكذيب.
﴿ وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ ﴾؛ أي يَتَبَرَّؤُنَ منها ويتبَرَّؤُنَ منهم.
﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾؛ أي يُحضَرون في العذاب، ويُحبَسُونَ.
﴿ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾: صَلاَةُ الْفَجْرِ.
﴿ وَعَشِيّاً ﴾: الْعَصْرُ.
﴿ وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ الظُّهْرُ). وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ أي يحمدُه أهلُ السَّماوات وأهل الأرضِ، ويصَلُّون له ويسجدُون. وعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنْ قَالَ: ﴿ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ... ﴾ إلى قولهِ تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ وآخِرُ سُورَةِ الصَّافَّاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ، كَتَبَ اللهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَقَطَرِ الْمَطَرِ، وَعَدَدَ وَرَقِ الشَّجَرِ، وَعَدَدَ نَبَاتِ الأَرْضِ. وَإذا مَاتَ أجْرَى اللهُ لَهُ بكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ فِي قَبْرِهِ ". وقال صلى الله عليه وسلم:" مَنْ سَرَّهُ أنْ يَكْتَالَ لَهُ بالْقَفِيْزِ الأَوْفَى فَلْيَقُلْ: ﴿ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ... ﴾ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ... ﴾ إلَى آخِرِ السُّورَةِ ".
﴿ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ ﴾، ويخرجُ النطفةَ وهي ميتةٌ من الإنسان الحيِّ، ويقالُ: يخرجُ الفرخَ من البيضةِ، والبيضةَ من الفرخِ.
﴿ وَيُحْي ٱلأَرْضَ ﴾، بإخراجِ الزُّروعِ منها.
﴿ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾؛ أي بعدَ أن كانت لا تُنْبتُ.
﴿ وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾، مِن قبوركم يومَ القيامةِ إلى الْمَحْشَرِ، فإنَّ بعثَكم بمنْزِلة ابتداءِ خَلْقِكم، وهما في قدرةِ الله تستويان. قرأ حمزةُ: (تَخْرُجُونَ) بفتح التَّاءِ.
﴿ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴾؛ أي ثُم إذا أنتم من لَحمٍ ودمٍ تنتشرونَ؛ أي تتفرَّقُون في حوائجِكم، وتنبسطونَ في الأرضِ.
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا ﴾؛ أي من علاماتِ توحيده وقُدرته أنْ خلقَ لكم من جنسِكم نساءً لتطمَئِنُّوا إليها، ولَم يجعلهنَّ من الجنِّ.
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾؛ أي جعلَ بين الزَّوجين مودَّةً ورحمةً، فيما يتراحَمان ويتوادَّان، وما مِن شيءٍ أحبُّ إلى أحدِهما من الآخرِ من غير رَحِمٍ بينهما، حتى أنَّ كثيراً مِن الناس يهجرُ عشيرتَهُ بسبب زوجتهِ، وكذلك مِن النِّساءِ من تَهجرُ عشيرتَها بسبب زوجِها. والمعنَى: من دلالةِ توحيدِ الله وقدرته أنْ خلقَ من نُطفةِ الرِّجال ذُكوراً وإناثاً؛ ليسكُنَ الذكورُ إلى الإناثِ، والنُّطَفُ عن صفةٍ واحدة.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾؛ في عظمةِ الله وقُدرتهِ.
﴿ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾، أي لُغَاتِكُمْ وأصوَاتِكم وصُوَركم وألوانِكم، لأنَّ الخلقَ بين عربيٍّ وعجميٍّ وأسود وأحمرٍ وأبيض، وهم وَلَدُ رجلٍ واحد وامرأةٍ واحدة.
﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ ﴾؛ أي للبَرِّ والفاجرِ والإنسِ والجنِّ.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ القُرْآنَ؛ سَماعَ الاستدلالِ، والاعتبار، والتدبُّر.
﴿ فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾؛ أي في البَرْقِ، وإنزالِ المطر وإحياءِ الأرض بعد قحْطِها.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾.
﴿ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾؛ مِن قبوركم مُهْطِعِيْنَ إلى الدَّاعي.
﴿ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴾، أي كلٌّ له مُطيعون في الحياةِ والبقاء والموتِ والبعث، وإنَّ عَصَوْا في العبادةِ فَهُمْ منقادونَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ لا يقْدِرون على الامتناعِ مِن شيءٍ يرادُ بهم من صحَّة ومرضٍ وغِنًى وفقرٍ وحياة وموتٍ.
﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾؛ أي القاهرُ لكلِّ شيء، الْحَكِيْمُ في جميعِ أفعاله.
﴿ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾، أي تخافُونَ عبيدَكم أنْ يُقاسِموكم في مالِكم كما تخافونَ نساءكم وأقاربكم أن يورثوكم بعدَكم، أو تخافُوا لائمةَ عبيدِكم إذا لَم تعطُوهم حقَّهم، كما تخافون لاَئِمَةَ بعضِكم بعضاً من الأقارب والشُّركاء إذا لَم يؤدُّوا حقَّهم إليهم. قالوا: لاَ! فقال: أفَتَرْضَوْنَ للهِ تعالى ما لا ترضَونَ لأنفُسِكم، تُشرِكون عبيدَ الله في مُلكهِ، وقد خلَقَهم، ولا تشركون عبيدَكم فيما رزَقَكم اللهُ وأنتم لَم تخلِقُوهم، وتجعلونَ الْخَوْفَ من عبيدِ الله كالخوفِ من الله إذ تعبدُونَهم كعبادةِ الله تعالى.
﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾؛ أي هكذا يبيِّنُ الآياتِ واحدةً بعد واحدةٍ ليكون ذلك أقربَ إلى الفهمِ وواقع في القلب. ومعنى ﴿ أَنفُسَكُمْ ﴾ ها هنا: أمثَالَكُمْ من الأحرار، كقوله﴿ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾[الحجرات: ١١].
ومعنى الآيةِ: كيفَ رضِيتم أن تكون آلِهتُكم التي تعبدونَها لِي شركاءَ وأنتُم عبيدي وأنا مَالِكُهم جميعاً، فكما لا يجوزُ استواءُ المملوكِ مع سيِّده، كذلك لا يجوزُ استواءُ المخلوق مع خالقهِ.
﴿ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾؛ أي ما لَهم من مَانِعين من عذاب الله.
﴿ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ﴾؛ أي خَلَقَ اللهُ المؤمنين عليها، وقد وَرَدَ في الحديثِ:" كُلُّ مَوْلُودٍ يُوْلَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ "إلى آخرِ الحديثِ. وانتصبَ قولهُ ﴿ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ﴾ على الإغراءِ، وَقِيْلَ: على معنى: اتَّبعْ فطرةَ اللهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ﴾؛ أي لا تغييرَ لدِين اللهِ الذي أمرَ الناسَ بالثَّباتِ عليهِ، وهو نفيٌ معناه النهيُ؛ أي لا تُبدِّلُوا دينَ اللهِ الذي هو التوحيدُ بالشِّركِ. وقولهُ تعالى: ﴿ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ ﴾ يعني التوحيدَ هو الدينُ المستقيم.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ ﴾؛ يعني كفَّارَ مكَّة.
﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾؛ توحيدَ اللهِ ودِينَ الإسلامِ هو الحقُّ.
﴿ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ ﴾؛ أي زَايَلُوا دِينَهم الذي أُمِرُوا بالثبات عليهِ. وَمن قرأ (فَرَّقُواْ دِيْنَهُمْ) فمعناهُ: صَارُوا فِرَقاً، وذلكَ معنى قولهِ: ﴿ وَكَانُواْ شِيَعاً ﴾، أي صارُوا جماعةً.
﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾، أي كلُّ جماعةٍ اختَارَتْ دِيناً مثل اليهودِ والنَّصارى وسائرِ الْمِلَلِ، كلُّ أهلِ دِينٍ يفرحون بما عندَهم من الدِّين.
﴿ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾؛ أي رَاجِعين إليه، مُنقَطِعين من الْخَلْقِ، لا يَلجَأُونَ في شَدائدِهم إلى أوثَانِهم.
﴿ ثُمَّ إِذَآ ﴾؛ أذهبَ عنهُم تلكَ الشدَّةَ و ﴿ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً ﴾؛ أي أعطَاهم من عندهِ المطرَ.
﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾؛ أي يَعُودُونَ إلى الشِّركِ ﴿ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ ﴾؛ فيبدِّلُوا الشُّكرَ كُفراً.
﴿ فَتَمَتَّعُواْ ﴾؛ أي تلَذذُوا في الدُّنيا.
﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾، مَاذا ينْزِلُ بكم.
﴿ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾، يشهدُ وينطقُ بأنَّ اللهَ أمَرَهم بما يفعلون. وهنا استفهامُ إنكارٍ؛ أي ليسَ الأمرُ على هذا.
﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾؛ شِدَّةٌ ومِحنَةٌ وبليَّةٌ.
﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾؛ في الشِّركِ من المعاصي ﴿ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾؛ أي إذا هم يَيْأَسُونَ من رحمةِ الله.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾؛ أي في البَسْطِ والتَّقتيرِ.
﴿ لآيَاتٍ ﴾؛ دالَّةٍ على التوحيدِ.
﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾.
﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾؛ أي الذي ذكرتُ مِن الصِّلةِ والإعطاء والضِّيافة خيرٌ.
﴿ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ ﴾؛ يعني رضَا اللهِ؛ أي إعطاءُ الْحُرِّ أفضلُ من الإمسَاكِ ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾؛ أي الفائزونَ السُّعداءُ الباقون في الجنَّة، ومَن أعطَى أحَداً لا يريدُ به وجهَ اللهِ ذهبَ مالهُ مِن غير أن يحصلَ على شيءٍ، فلذلك قالَ: ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ ﴾.
قرأ ابنُ كثيرٍ (أتَيْتُمْ) مقصوراً غيرَ ممدودٍ. وقولهُ تعالى (لِيَرْبُوَا)، قرأ الحسنُ ونافع: (لِتُرْبُو) بتاءٍ مضمومةٍ وجزمِ الواو على الخطاب؛ أي لتُرْبُو أنتُم، وقرأ الباقونَ (لِيَرْبُوَا) بياءٍ مفتوحة ونصب الواو، وجعلوا الفعلَ للرِّبَا. وقولهُ تعالى: ﴿ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ ﴾؛ أي ما أعطيتُم من صدقةٍ تريدون بها رضَا اللهِ.
﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ ﴾؛ الذين يُضَاعَفُ لَهم في العاجلِ والآجلِ، يقالُ: رجلٌ مُضْعِفٌ؛ أي ذُو أضْعَافٍ كما يقالُ: رجلٌ مُقَوِّي ذو قوَّةٍ، وموسِرٌ؛ أي صاحبُ يَسَارٍ. وعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قولهِ تعالى ﴿ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً ﴾: (الرِّبَا هَا هُنَا هُوَ هِبَةُ الرَّجُلِ لِصَاحِبهِ يُرِيْدُ أنْ يُثَابَ أفْضَلَ مِنْهُ). وقال السديُّ: (هُوَ الْهَدِيَّةُ يُهْدِيْهَا الرَّجُلُ لأَخِيْهِ يَطْلُبُ الْمُجَازَاةَ، فَإنَّْ ذلِكَ لاَ يَرْبُو عِنْدَ اللهِ، وَلاَ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ)، وقال الزجَّاجُ: (هُوَ دَفْعُ الإنْسَانِ الشَّيْءَ لِيُعَوَّضَ مَا هُوَ أكْبَرُ مِنْهُ، وَذلِكَ لَيْسَ بحَرَامٍ وَلَكِنَّهُ لاَ ثَوَابَ فِيْهِ؛ لأَنَّ الَّذِي يُهْدِيْهِ يَسْتَدْعِي مَا هُوَ أكْثَرُ مِنْهُ، وَإنَّمَا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ هُوَ الْعَطِيَّةُ الَّتِي لاَ يُطْلَبُ بهَا الْمُكَافَأَةَ، وَلاَ يُرَادُ بهَا إلاَّ رضَا وَجْهِ اللهِ).
﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾؛ بعد انقضاءِ آجَالِكم.
﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾؛ بعدَ الموتِ.
﴿ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.
﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ ﴾؛ أي بشُؤْمِ ذنُوبهم ومعاصيهم، الناسُ كفَّارُ مكَّة.
﴿ لِيُذِيقَهُمْ ﴾؛ اللهُ بالجوعِ في السِّنين السبعِ، يعني ﴿ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ ﴾؛ أي جزاؤهُ ليكونَ عقوبةً معجَّلةً.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾؛ من الكُفْرِ إلى الإيْمانِ، ومن المعصيةِ إلى الطاعةِ، فيكشفُ الله عنهم الشدَّةَ. وفي هذا تَنبيْهٌ على أنَّ الله تعالى إنَّما يقضي بالْجُدُوبَةِ ونقصِ الثَّمراتِ والنباتِ لُطْفاً منه في رجوعِ الخلقِ عن المعصيةِ.
﴿ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ﴾، أي كيفَ صارَ إجرامُ.
﴿ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ ﴾؛ أي انظُرُوا إلى ديار عَادٍ وثَمُودَ وقومِ لُوطٍ لِيَدُلَّكُمْ ذلك على أنهُ لاَ ينبغِي لأحدٍ أن يَكْفُرَ باللهِ تعالى.
﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ ﴾؛ يعني يومَ القيامةِ.
﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾؛ أي يومَ القيامةِ يتفرَّقون بعدَ الحساب إلى الجنَّة والنار.
﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾؛ أي يَطَأُونَ لأنفسهم منازلَهم في الجنةِ.
﴿ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾؛ ثوابَهم، ثُم يزيدَهم ﴿ مِن فَضْلِهِ ﴾؛ أي يُثِيبَهُمْ أكثرَ مِن أعمالِهم.
﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ ﴾؛ أي يُكرِمُهم ولا يُثيبهم ولا يرضَى عنهم.
﴿ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ ﴾؛ يعْني الغيثَ والخِصْبَ.
﴿ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ ﴾؛ أي السفنُ تجري في البحرِ بتلكَ الرِّياحِ.
﴿ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ﴾؛ أي ولتَسْلُكوا في البحرِ على السُّفن للتجارةِ وطلب الرزقِ بهذه الرياح.
﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾؛ هذه النِّعَمَ فتوحِّدُونه.
﴿ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ ﴾؛ أي عذبنا الذين كذبُوهم.
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ ﴾؛ أي كان وَاجِباً علينا إنْجاءُ المؤمنين مع الرُّسُلِ من عذاب الأُمَمِ، وفي هذا تبشيرٌ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالظَّفَرِ والنصرِ على مَن كذبَ بهِ.
﴿ فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً ﴾ أي قِطَعاً بعضُها فوق بعضٍ.
﴿ فَتَرَى ٱلْوَدْقَ ﴾ يعني المطرَ.
﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ﴾؛ أي من وَسَطِهِ إلى قومٍ دونَ قوم.
﴿ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ ﴾؛ بذلك المطرِ.
﴿ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾؛ يفرَحُون بالمطرِ.
﴿ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ﴾؛ المطرُ ﴿ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ﴾؛ أي يائسين من ذلك، كرَّرَهُ للتأكيدِ، والْمُبْلِسُ هو الآيسُ القَانِطُ.
﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ ﴾، أي الذي فَعَلَ ذلك هو الذي يُحيي الموتَى للنُّشُور، فإنه كما يعيدُ الشجرَ الذي ظَهَرَ يُبْسُهُ، ويعيدُ فيه الْخُضْرَةَ والنورَ والثمرةَ، كذلك يُحيي الموتَى.
﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾؛ من الموتِ والبعثِ قديرٌ.
﴿ لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ﴾، لصَارُوا بعد اصفرار النَّبتِ يَجْحَدُونَ ما سَلَفَ من النعمةِ، يعني أنَّهم يفرحون عند الخصب، وإذا استبطأُوا الخصبَ والرزق جَزِعُوا فكَفَرُوا بالنِّعَمِ.
﴿ فَهُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾؛ أي هم الذين يَسْتَبْدِلُونَ به فهم مُخلِصُونَ مُنقَادُونَ لأمرِ الله.
﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ﴾، ثُم جعلَكم أقوياءَ بما أعطاكم مِن العقلِ والاستطاعة والهدايةِ والتصرُّف في اختلاف المنافعِ ودفع المضارِّ.
﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ﴾؛ قُوَّةِ الشَّباب.
﴿ ضَعْفاً ﴾؛ عند الكبر والهرمِ.
﴿ وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾؛ مِن ضعفٍ وقوة وشَيبةٍ وشبَابٍ.
﴿ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ ﴾؛ أي العَلِيْمُ بخلقهِ القَادِرُ على تَحويلِهم من حالٍ إلى حال.
﴿ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ ﴾؛ أي هكذا كانوا يَكْذِبُونَ في الدُّنيا بجهلهم وغفلتِهم كما كذبُوا في الآخرةِ.
﴿ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾؛ وقُوعَهُ في الدُّنيا فلا ينفعُكم العلمُ به الآنَ.
﴿ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾؛ أي لا يُجَابُونَ إلى ما يطلُبون من الرَّجعةِ إلى الدُّنيا، فإنَّهم يقُولون:﴿ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً ﴾[السجدة: ١٢].
قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (لاَ يُقْبَلُ مِنَ الَّذِيْنَ أشْرَكُواْ عُذْرٌ وَلاَ عِتَابٌ وَلاَ تَوْبَةٌ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ).
﴿ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ ﴾؛ مثلَ العصَا واليدِ وبكلِّ حُجَّةٍ.
﴿ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ ﴾؛ أي مَا أنتم إلاّ على الباطلِ يا مُحَمَّدُ وأصحابُكَ!.
ومعنى الآيةِ: (وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّ) رأيَكَ وحِلمَكَ يا مُحَمَّدُ ﴿ ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ﴾؛ بالبعثِ والحساب.