ﰡ
مكيّة وهى ستون اية رب يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج ابن ابى حاتم عن ابن شهاب واخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة ويحيى بن يعمر وقتادة قال ابن شهاب بلغنا ان المشركين كانوا يجادلون المسلمين وهم بمكة قبل ان يخرج رسول الله ﷺ فيقولون تشهدون «اى الروم- ابو محمد» انهم اهل الكتاب وقد غلبتهم المجوس وانكم تزعمون ستغلبوننا بالكتاب الذي انزل على نبيكم فكيف غلبت المجوس الروم وهم اهل الكتاب فستغلبكم كما غلبت فارس الروم «١».
الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ اى ادنى ارض العرب منهم لانها الأرض المعهودة عندهم او فى ادنى ارضهم من العرب واللام بدل من الاضافة قال عكرمة هى أذرعات وكسكر وقال مجاهد ارض الجزيرة وقال مجاهد «٢» الأردن وفلسطين وَهُمْ اى الروم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ مصدر مبنى للمفعول اى من
(٢) هكذا فى الأصل لعلهم نقلوا عن مجاهد قولين او صدر هذا من سبق قلم- ابو محمد عفا الله عنه-
فِي بِضْعِ سِنِينَ البضع ما بين الثلاث الى السبع وقيل ما بين الثلاث الى التسع وقيل ما دون العشرة وقال الجوهري تقول بضع وبضعة عشر رجلا فاذا جاوزت العشرين لا تقول بضع وعشرون ولهذا يخالف ما جاء فى الحديث قال رسول الله ﷺ الايمان بضع وسبعون شعبة قال البغوي كان بين فارس والروم قتال فكان المشركون يودّون غلبة فارس على الروم لان اهل فارس كانوا مجوسا أميين والمسلمون يودّون غلبة الروم على فارس لانهم كانوا اهل كتاب فبعث كسرى يعنى پرويز بن هرمز بن نوشيروان جيشا الى الروم واستعمل عليهم رجلا يقال له شهريزاد وبعث قيصر جيشا وامّر عليهم رجلا يقال له يحيس فالتفتا ما ذرعات الشام وبصرى (وهواد فى الشام الى ارض العرب والعجم) فغاب فارس الروم فبلغ ذلك المسلمين بمكة فشق ذلك عليهم وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين انكم اهل كتاب والنصارى اهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا اهل فارس على إخوانكم من الروم فان قاتلتمونا لنظهرن عليكم فانزل الله تعالى هذه الاية فخرج ابو بكر الصديق رضى الله عنه الى الكفار فقال فرحتم بظهور إخوانكم فو الله ليظهرن الروم على فارس على ما أخبرنا بذلك نبينا فقال أبيّ بن خلف الجمحي كذبت فقال أنت أكذب يا عدو الله فقال اجعل بيننا وبينك أجلا انا جئك (والمناحبة المراهنة) على عشر قلائص منى وعشر قلائص منك فان ظهر الروم على فارس غرمت وان ظهر فارس على الروم غرمت ففعلوا وجعل الاجل ثلاث سنين فجاء ابو بكر الى النبي ﷺ فاخبره بذلك (وذلك قبل تحريم القمار) فقال رسول الله ﷺ ما هكذا ذكرت انما البضع ما بين الثلاث الى التسع فزائده فى الخطر وماده فى الاجل فخرج ابو بكر فراى ابيّا فقال لعلك ندمت قال لا أزايدك فى الخطر وامادك فى الاجل فجعل مائة قلوص ومائة قلوص الى تسع سنين وقيل الى سبع سنين قال قد فعلت- فلمّا خشى أبيّ بن خلف ان يخرج ابو بكر من مكة أتاه فلزمه وقال انى أخاف ان تخرج من مكة فاقسم لى كفيلا فكفل له عبد الله بن ابى بكر ابنه فقال لا والله لا أدعك حتى تعطينى كفيلا فاعطاه- ثم خرج الى أحد فرجع أبيّ بن خلف الى مكة فمات بمكة من جراحته التي جرحه النبي حين بارزه- فظهرت
(مسئلة) :- قال ابو حنيفة العقود الفاسدة كعقد الربوا وغيرها جائزة فى دار الحرب بين المسلمين والكفار مستدلا بقصة ابى بكر ولان اموال الكفار غير معصوم يجوز أخذها ما لم يكن غدرا بعد الاستيمان.
قال البغوي وكان سبب غلبة الروم على فارس على ما قال عكرمة ان شهريزاد بعد ما غلب الروم لم يزل يطيئهم ويخرّب مدائنهم حتى بلغ الخليج- فبينا اخوه فرخان جالس على سريره يشرب فقال لاصحابه لقد رأيت انى جالس على سرير كسرى فبلغت حكمته كسرى فكتب الى شهريزاد إذا أتاك كتابى فابعث الىّ راس فرخان فكتب اليه ايها الملك انك لن تجد مثل فرخان وان له نكابة وصوتا فى العدو فلا تغفل- فكتب اليه ان فى رجال فارس خلقا منه فعجل الىّ برأسه فكتب فغضب كسرى ولم يجبه وبعث بريدا الى اهل الجيش انى قد نزعت منكم شهريزاد واستعملت عليكم فرخان ثم دفع الى البريد صحيفة صغيرة امر فيها بقتل شهريزاد فقال إذا ولّى فرخان الملك وانقاد له اخوه فاعطه الصحيفة- فلمّا قرأ شهريزاد الكتاب قال سمعا وطاعة ونزل عن سريره وجلس فرخان ودفع الصحيفة فقال ايتوني بشهريزاد فقدمه ليضرب عنقه فقال لا تعجل علىّ حتى اكتب وصيتي قال نعم فدعى بالسقط وأعطاه ثلاث صحائف وقال كل هذا راجعت فيك لسرى وأنت تريد ان تقتلنى بكتاب واحد فرد الملك الى أخيه فكتب شهريزاد الى قيصر ملك الروم ان لى إليك حاجة لا يحملها البريد ولا يبلغها الصحف فالقنى ولا تلقنى الا فى خمسين روميا فانى ألقاك فى خمسين فارسيّا فاقبل قيصر فى خمسين روميا «١» وجعل يضع العيون بين يديه فى الطريق وخاف ان يكون قد مكر حتى أتاه عيون له انه ليس معه الا خمسون
وَعْدَ اللَّهِ اى وعد الله وعدا مصدر مؤكد لنفسه لا ما قبله وهو قوله وهم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فى معنى الوعد لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ لامتناع الكذب عليه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يعنى كفار مكة لا يَعْلَمُونَ وعده ولا صحة وعده لجهلهم وعدم تفكرهم.
يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى امور معاشهم كيف يكتسبون وكيف يتجرون وكيف يزرعون ونحو ذلك وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ التي هى المستقر ابدا هُمْ غافِلُونَ لا تخطر ببالهم هم الثانية تكرير للاولى او مبتدا وغافلون خبره والجملة خبر الاولى والرابطة إعادة لفظ المبتدا نحو الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وهو على الوجهين مناد على تمكن غفلتهم عن الاخرة وهذه الجملة محققة لمضمون الجملة السابقة بدل من قوله لا يَعْلَمُونَ تقريرا وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعض ظاهرها دون العلم بجميعها فان من العلم بظاهر معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وافعالها وأسبابها وكيفية صدورها منها وكيفية التصرف فيها ولذلك نكر ظاهرا واما باطنها انها مجاز الى الاخرة ووصلة الى نيلها وأنموذج لاحوالها واشعارا بانه لا فرق بين عدم العلم والعلم الذي يختص بظاهر الدنيا.
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا الهمزة للتوبيخ والواو للعطف على محذوف تقديره اقصروا نظرهم على ظاهر من الحيوة الدنيا ولم يتفكروا فِي أَنْفُسِهِمْ اى لم يحدثوا التفكر فيها حتى يظهر لهم بعض بواطنها او المعنى او لم يتفكروا فى امر أنفسهم فانها اقرب إليهم من غيرها وامراة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له فى الممكنات بأسرها فان الإنسان عالم صغير حتى يعلموا ويقولوا ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ اى ما خلقها باطلا عبثا بغير حكمة بالغة بل خلقها مقرونة مصحوبة بالحكمة وَأَجَلٍ مُسَمًّى يعنى ما خلقها للخلود بل لاجل معين ينتهى عنده وبعده قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب قال الله أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ يدل على ان تركهم غير راجعين عبث فمن تفكر فى نظام السموات والأرض
أَوَلَمْ يَسِيرُوا الهمزة للانكار والتوبيخ وانكار النفي اثبات وتقرير والواو للعطف على محذوف تقديره الم يخرج اهل مكة من ديارهم ولم يسيروا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا منصوب فى جواب النفي كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم كيف فى محل النصب على انه خبر كان قدم عليه لما له صدر الكلام والجملة فى محل النصب على انه مفعول لينظروا يعنى انهم قد ساروا فى أسفارهم ونظروا الى اثار الّذين كذّبوا الرسل من قبلهم فدمروا على تكذيبهم كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً كعاد وثمود وغيرهم فان القرون الماضية كانوا أشد قوة وأطول أعمارا واكثر اثارا من القرون التالية- هذه الجملة مع ما عطف عليه مستأنفة فى جواب كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَأَثارُوا الْأَرْضَ مع ما عطف عليه عطف على كانوا اى قلّبوا وجهها لاستنباط المياه واستخراج المعادن وكربوها للزرع وغير ذلك وَعَمَرُوها اى الأرض عمارة أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها منصوب على انه صفة مصدر محذوف يعنى عمروها عمارة اكثر من عمارة اهل مكة إياها فانهم فى واد غير ذى زرع لا تبسط لهم فى غيرها وفيه تهكم بهم حيث كانوا مفترين بالدنيا مفتخرين بها وهم أضعف حالا فى الدنيا فان مدارها على التبسط فى البلاد والتسلط على العباد والتصرف فى أقطار الأرض بانواع العمارة وهم ضعفاء يلجئون الى واد لا نفع لها ولولا رحلتى الشتاء والصيف لهم الى اليمن والشام لماتوا جوعا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ عطف على كانوا أشدّ منهم قوة فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ معطوف على جملتين محذوفتين معطوفتين على جاءتهم تقديره جاءتهم رسلهم بالبينات فكذبوهم فدمرهم الله فى الدنيا فما كان الله ليظلمهم اى ما كان صفة الله ظلمهم فان اللام لام الجحود وان بعدها مقدرة يعنى ما كان صفة الله ان يفعل بهم
ثُمَّ اى بعد التدمير فى الدنيا عطف على جملة مقدرة وهى فدمرهم الله ثم كانَ عاقِبَةَ قرأ اهل الحجاز والبصرة بالرفع على انه اسم كان وخبره ما بعده او محذوف كما سنذكر واهل الكوفة والشام بالنصب على انه خبر كان والاسم ان كذّبوا الَّذِينَ أَساؤُا من الأعمال تقديره ثم كان عاقبتهم فوضع المظهر موضع المضمر للدلالة على بعض ما يقتضى تلك العاقبة السُّواى تأنيث أسوأ كالحسنى تأنيث احسن يعنى الخصلة التي تسؤهم او عقوبة هى أسوأ العقوبات او هو مصدر كالبشرى نعت به مبالغة قيل السّوآء اسم من اسماء جهنم كما ان الحسنى اسم من اسماء الجنة أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ عطف على كذّبوا وان كذّبوا مع ما عطف عليه منصوب على العلية لقوله ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا- السُّواى تقديره لان كذبوا وجاز ان يكون بدلا او عطف بيان السّواى يعنى ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب يعنى حملهم تلك السيئات على ان كذبوا بايات الله. عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء فى قلبه فان تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها وان زاد زادت حتى تعلو قلبه ذلكم الران الّذى ذكر الله فى كتابه كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ رواه احمد والترمذي والنسائي وغيرهم وجاز ان يكون ان كذبوا مع ما عطف عليه خبر كان والسواى مصدر أساءوا او مفعوله والمعنى ثم كان عاقبة الذين اقترفوا الخطيئة ان طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا بايات الله ويجوز ان يكون السّواى مصدرا ومفعولا للفعل وان كذّبوا تابعا لها بدلا او عطف بيان والخبر محذوف للابهام والتهويل تقديره ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ فعلوا السيئات اى التكذيب جهنم وما لا يعرف ما أعد لهم من العذاب فيها وجاز ان يكون مفسرة للاساءة فان الاساءة إذا كانت مفسرة بالتكذيب والاستهزاء كانت متضمنة لمعنى القول-.
اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ اى يخلقهم ابتداء ثُمَّ يُعِيدُهُ اى الخلق يبعثهم بعد الموت ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فيجزيهم بأعمالهم قرأ ابو بكر بالياء للغيبة لان الضمير عائد الى الخلق والباقون بالتاء التفاتا من الغيبة الى الخطاب للمبالغة
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ظرف متعلق بقوله يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ والجملة معطوفة على قوله اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قال قتادة والكلبي اى ييئسون من كل خير وقال مجاهد يغتضحون وقال الفراء ينقطع كلامهم وحجتهم فى القاموس البلس محركة من لا خير عنده والمبلس الساكت على ما فى نفسه وابلس يئس وتحير ومنه إبليس او هو أعجمي وقال الجزري فى النهاية المبلس الساكت من الحزن او الخوف والإبلاس الحيرة.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ اى من الذين اشركوهم بالله سبحانه فى العبادة على زعم انهم يشفعون لنا عند الله فهم لا يكونون لهم شُفَعاءُ يجيرونهم من عذاب الله أورد بصيغة الماضي لتحقق وقوعه وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ اى يحجدون بآلهتهم حين يئسوا منهم- وقيل معناه كانوا فى الدنيا بسبب شركائهم كافرين بالله تعالى.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ظرف متعلق بيتفرّقون يَوْمَئِذٍ بدل من يوم تقوم الساعة او تأكيد له اى يوم إذا كانوا مبلسين وكانوا بشركائهم كافرين يَتَفَرَّقُونَ قال مقاتل يتفرقون بعد الحساب سيق المؤمنون الى الجنة والكافرون الى النار ثمّ لا يجتمعون ابدا ثم فصله بقوله.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ اى ارض ذات ازهار وانهار من رياض الجنة يُحْبَرُونَ قال ابن عباس رض يكرمون وقال مجاهد وقتادة ينعمون وقال ابو عبيدة يسرون والحبرة السرور وقيل الحبرة كل نعمة حسنة والتخبير التحسين وفى النهاية للجزرى الحبرة بالفتح النعمة وسعة العيش والحبرة بالكسر وقد يفتح الجمال والهيئة الحسنة وفى القاموس نحوه وفى حديث ابى موسى لو علمت انك يا رسول تسمع لقراءتى لحبرتها لك تحبيرا اى حسنت صوتى بها- قال البغوي وقال الأوزاعي عن يحيى بن كثير يحيرون هو السّماء فى الجنة وكذا اخرج هناد والبيهقي عن يحيى بن كثير فى هذه الاية وقال الأوزاعي إذا أخذ فى السماع لم تبق شجرة فى الجنة الا ورفت وقال ليس أحد من خلق الله احسن صوتا من اسرافيل فاذا أخذ فى السماع قطع على اهل سبع سموت صلاتهم وتسبيحهم- واخرج ابن عساكر عن الأوزاعي فى هذه الاية قال هو السماء إذا أراد اهل الجنة ان يطربوا اوحى الله تعالى الى رياح يقال لها العفافة
نحن الخيرات الحسان... ازواج قوم كرام
ومما يغنّين
نحن الخالدات فلا نموتن... نحن الامنات فلا نخافن
نحن المقيمات فلا نطحن
كذا اخرج الطبراني عن ابن عمر رض مرفوعا واخرج الطبراني والبيهقي وابن ابى الدنيا عن انس نحوه وعن مالك بن دينار عند احمد فى الزهد يقول الله لداؤد عليه السلام مجدنى بذلك الصوت الحسن فيندفع داود بصوت ستقرع نعيم اهل الجنة وعن ابى هريرة عند الاصبهانى مرفوعا ان الله تعالى ليوصى الى شجرة الجنة ان اسمعي عبادى الذين شغلوا أنفسهم عن المعازف والمزامير بذكرى فيسمعهم بأصوات ما سمع الخلائق مثلها قط بالتسبيح والتقديس. وفى الباب أحاديث كثيرة واخرج الحكيم فى نوادر الأصول عن ابى موسى رض قال قال رسول الله ﷺ من استمع الى صوت غناء لم يؤذن له ان يسمع صوت الروحانيين قال يا رسول الله ما الروحانيون قال قراء اهل الجنة واخرج دينورى عن مجاهد قال ينادى مناد يوم القيامة ان الذين كانوا ينزهون أصواتهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان قال فيحلهم الله فى رياض من مسك فيقول للملائكة اسمعوا عبادى تحميدي و
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ اى البعث والقيامة فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ مدخلون لا يغيبون عنه.
فَسُبْحانَ اللَّهِ مصدر لفعل محذوف تقديره فسبحوا لله سبحانا حذف الفعل وأضيف المصدر الى المفعول والفاء للسببية والتفريع على ما سبق من صفاته تعالى من الإبداء والاعادة وغيرها والمراد بالتسبيح الصلاة يعنى صلوا لله حِينَ تُمْسُونَ اى حين تدخلون فى المساء صلوة المغرب شكرا لما أنعم الله من تمام النهار بالسلامة والنعمة والدخول فى الليل للسكون والراحة- بدا بذكر صلوة المغرب لتقدم الليل على النهار فى اعتبار الشهور والأيام وَحِينَ تُصْبِحُونَ شكرا لما أنعم الله عليه من تمام الليل بالسلامة والراحة والدخول فى النهار لكسب المعاش والمعاد ذكر صلوة الصبح بعد المغرب لمقابلة الصباح بالمساء.
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال ابن عباس اى يحمدون اهل السموات والأرض ويصلون له الجملة حال من الله او معترضة وَعَشِيًّا اى اخر النهار عن عشى العين إذا نقص نورها عطف على يصبحون يعنى صلوا صلوة العصر صلوة الوسطى- ولما كان ذلك وقت اشتغال الناس بامور الأسواق قدم ذكرها على ذكر الظهر اهتماما يعنى لا بد لكم من الاشتغال بالصلوة حين اشتغال الناس بامور الدنيا كيلا تكونوا من الذين لا يلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وَحِينَ تُظْهِرُونَ اى تدخلون فى الظهيرة يظهر عليكم صولة الشمس ويذكركم حر نار جهنم وحر ذكائها يوم القيامة- خص هذه الأوقات لما تظهر فيها قدرته وتتجدد نعمته ولما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزيهه واستحقاقه الحمد والشكر ممن له نميز من اهل السموات والأرض ذكر فى هذه الاية أربعا من الصلوات الخمس وقيل حين تمسون اشارة الى المغرب والعشاء جميعا اخرج ابن جرير والطبراني والحاكم قول ابن عباس ان الاية جامعة للصلوات الخمس حين تمسون كناية عن المغرب والعشاء جميعا-
عن ابن عباس رض قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قال حين يصبح وحين يمسى سبحان اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ الى قوله.
وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ أدرك ما فاته فى يومه ذلك ومن قالهن حين يمسى أدركه ما فاته فى الليلة- رواه ابو داؤد وعنه عليه السّلام من سره ان يكتال له بالقفيز الا وفى فليقل فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ الاية- رواه الثعلبي من حديث انس بسند ضعيف جدا عن ابى هريرة ان رسول الله ﷺ قال من قال سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر متفق عليه وعنه قال قال رسول الله ﷺ من قال حين يصبح وحين يمسى سبحان الله ويحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به الا أحد قال مثل ما قال او زاد عنه متفق عليه وعنه قال قال رسول الله ﷺ كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى الرحمان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم- متفق عليه وعن جويرية بنت الحارث بن ابى ضرار رضى الله عنها ان النبي ﷺ خرج ذات غداة من عندها (وكان اسمها برة) فخرج وهى فى المسجد فرجع بعد ما تعالى النهار وقال مازلت فى مجلسك هذا منذ خرحت بعد قالت نعم فقال لقد قلت بعدك اربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بكلماتك لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته- رواه مسلم وعن سمرة بن جندب قال قال رسول الله ﷺ أفضل الكلام اربع سبحان «١» الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وفى رواية أحب الكلام الى الله اربع
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ كالانسان من النطفة والطائر من البيضة وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ النطفة والبيضة من الحيوان او يعقب الحيوة بالموت وبالعكس وَيُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها اى يبسها وَكَذلِكَ اى مثل ذلك الإخراج تُخْرَجُونَ من قبوركم احياء بعد الموت فلم تنكرونه بعد ما تشاهدون نظيره فهى تعليل للبعث قرأ «وخلف وابن ذكوان بخلاف عنه ابو حمد» حمزة والكسائي بفتح التاء وضم الراء على البناء للفاعل والباقون يضم التاء وفتح الراء على البناء للمفعول..
وَمِنْ آياتِهِ اى من آيات قدرته تعالى على البعث أَنْ خَلَقَكُمْ اى خلق أصلكم آدم مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ إذا للمفاجاة مضاف الى الجملة والعامل فيه معنى المفاجاة والمعنى ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين فى الأرض بعد ما كنتم جمادا بلا حس وحركته.
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ من للابتداء لان حواء خلقت من ضلع آدم وسائر النساء من نطف الرجال او للبيان لانهن من جنسهم لا من جنس اخر أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها لتميلوا إليها وتألفوا لها فان الجنسية علة الضم والاختلاف سبب التنافر وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ اى بين الرجال والنساء او بين افراد الجنس مَوَدَّةً وَرَحْمَةً بواسطة الزواج حال الشبق وغيرها بخلاف سائر الحيوانات نظما لامر المعاش او بان تعيّش الإنسان موقوف على التعاون المحوج الى التواد والتراحم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فى عظمة الله وقدرته فيعلمون ما فى ذلك من الحكم ومن التناسل.
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ اى لغاتكم بان علّم كل صنف لغة وألهمه واقدره عليها او أجناس نطقكم واشكاله وكيفيات أصواتكم بحيث لا يكاد يلتبس صوت أحد بغيره وَأَلْوانِكُمْ اى ألوان الجلد من السواد والبياض وغيرها
وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ منامكم فى زمانين لاستراحة القوى النفسانية وقوة القوى الطبيعية وَابْتِغاؤُكُمْ المعاش والمعاد مِنْ فَضْلِهِ فى كلا الزمانين او المعنى منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف وضم بالزمانين والفعلين بعاطفين اشعارا بان كلّا من الزمانين وان خص بأحدهما فهو صالح للاخر عند الحاجة ويؤيده سائر الآيات الواردة فيه إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع تفهم واستبصار فان الحكمة فيه ظاهرة.
وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ مقدر بان او الفعل فيه نزل منزلة المصدر كقوله تسمع للمعيدى خير من ان تراه او صفة لمحذوف تقديره اية يريكم بها البزق خَوْفاً من الصاعقة وفى حالة السفر وَطَمَعاً فى الغيث إذا كنتم فى منازلكم ونصبهما على العلة لفعل يلزم المذكور فان إراءتهم يستلزم رؤيتهم الى البرق للخوف او الطمع او الفعل مذكور بحذف المضاف اى لاراءة خوف وطمع او بتأويل الخوف والطمع بالاخافة والاطماء كقولك فعلته رغما للشيطان او على الحال مثل كلمته شفاها وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً مطرا فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بالانبات بَعْدَ مَوْتِها اى يبسها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ اى يستعملون عقولهم فيدركون كمال قدرة الصانع وحكمته.
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ اى يبقيان فى حيزيهما بِأَمْرِهِ اى بإقامته لهما وإرادته ببقائهما ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ الجملة معطوفة على ان تقوم بتأويل المفرد كانّه قال ومن آياته قيام السماء والأرض ثم خروجكم من القبور إذا دعاكم دعوة واحدة وثم لتراخى زمانه او لعظم ما فيه وقوله مِنَ الْأَرْضِ قال البغوي اكثر العلماء على انه متعلق بتخرجون وقال البيضاوي هذا لا يجوز لان ما بعد إذا لا يعمل فيما قبله بل متعلق بقوله دعاكم كقوله دعوته من أسفل الوادي- اخرج ابن عساكر عن زيد بن جابر الشافعي فى قوله تعالى وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قال يقف اسرافيل على صخرة بيت المقدس فيقول يا ايها العظام النخرة والجلود المتمزقة والاشعار المتقطعة ان الله يأمرك ان تجتمع لفصل الحساب- وإذا الثانية للمفاجاة ولذلك ناب مناب الفاء فى جواب الاولى ظرف مضاف الى الجملة والعامل فيه معنى المفاجاة تقديره ففاجأتم وقت خروجكم.
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ملكا وخلقا كُلٌّ اى كل واحد منها
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد الإهلاك وَهُوَ الاعادة وتذكير الضمير لتذكير الخبر او الاعادة بمعنى ان يعيد أَهْوَنُ عَلَيْهِ الجملة حال من فاعل يعيد او معطوفة على ما سبق قال الربيع بن خيثم والحسن وقتادة والكلبي أهون بمعنى هين ولا شىء على الله بعزيز ويجئ افعل بمعنى الفعيل وهو رواية العوفى عن ابن عباس. وقال مجاهد وعكرمة وهو أهون على طريق ضرب المثل اى هو أيسر عليه على ما يقع فى عقر لكم فان فى عقول الناس الاعادة أهون من الإنشاء وقيل هو أهون عليه عندكم وقيل هو يعنى العود أهون على الخلق فانهم فى العود يقومون بصيحة واحدة فيكون أهون عليهم من ان يكونوا نطفا ثم علقا ثم مضغا الى ان يصيروا رجالا ونساء وهذا معنى رواية حبان عن الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى اى الوصف الأعلى الذي ليس لغيره ما يساويه او يدانيه كالقدرة العامّة والحكمة التامّة قال ابن عباس هى انه ليس كمثله شىء- واخرج عبد الرزاق وابن ابى حاتم انه قال قتادة فى قوله تعالى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى قال شهادة ان لا اله الا الله قلت أراد به الوصف بالوحدانية فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يصف به ما فيهما نطقا ودلالة وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب فى ملكه وخلقه لقادر على كل شىء لا يعجزه شىء من الإبداء والاعادة الْحَكِيمُ الذي يجرى الافعال على ما يقتضيه الحكمة- اخرج الطبراني عن ابن عباس قال كان اهل الشرك يكبّون اللهم لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملكت فنزلت.
ضَرَبَ الله اى بيّن لَكُمْ ايها المشركون مَثَلًا كائنا مِنْ أَنْفُسِكُمْ اى شبها منتزعا من أحوالكم فانها من اقرب الأمور إليكم وهو هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ اى من ممّا ليككم مِنْ شُرَكاءَ لكم فِي ما رَزَقْناكُمْ من الأموال وغيرها فَأَنْتُمْ وهم فِيهِ سَواءٌ فى التملك والتصرف يتصرفون فيه كتصرفكم تَخافُونَهُمْ ان تتصرفون فيها دونهم
بَلِ اتَّبَعَ إضراب من مضمون الكلام السابق يعنى ليس الله شريك بل اتبع الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بتعريضها للعذاب بالاشراك بالله أَهْواءَهُمْ فى الشرك بِغَيْرِ عِلْمٍ حال من فاعل اتبعوا يعنى جاهلين بما يجب عليهم فَمَنْ يَهْدِي اى إياه الفاء للسببية والاستفهام للانكار إذا اتبعوا أهواءهم ولم يقبلوا هدى الله فلا أحد يهديهم وضع المظهر يعنى قوله مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ موضع الضمير اشعارا بان الله أضلهم فمن يقدر على هدايته وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يخلصونهم عن آفاتها.
فَأَقِمْ الفاء للسببية يعنى لما ثبت وحدانيته تعالى وظهر ان المشركين انما اتبعوا أهواءهم جاهلين فاقم أنت وَجْهَكَ اى أخلص بوجهك لِلدِّينِ اى للاسلام حَنِيفاً مائلا اليه مستقيما عليه غير ملتفت عنه الى غيره فِطْرَتَ اللَّهِ منصوب على الإغراء اى الزموا فطرة الله اى خلقته والمراد به دينه يعنى الإسلام كذا قال ابن عباس رض وجماعة من المفسرين فالاية خطاب للنبى ﷺ ولامته بتبعيته فالاية بمنزلة التأكيد او التفسير لما قبله سماه فطرة لكونه لازما لكل مخلوق كما يدل عليه قوله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها خلقهم مستعدين لها متمكنين على إدراكها وقيل المراد به العهد المأخوذ من آدم وذريته بقوله أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى قالوا كل مولود فى العالم مولود على ذلك الإقرار وهو الحنيفة التي وقعت الخلفة عليها وقد مرّ ما ورد فى هذا الباب فى تفسير هذه الاية فى سورة الأعراف عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ما من مولود الا يولد على الفطرة فابواه يهود انه او ينصرانه او يمحبسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاع هل تحسون فيها من جدعاء ثم قرأ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ متفق عليه يعنى كل مولود يولد فى مبدا الخلقة على الجبلة السليمة والطبع المهيا لقبول الحق فلو ترك عليها لاستمر على
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ اى راجعين اليه من أناب إذا رجع مرة بعد اخرى وقيل معناه منقطعين اليه من غيره من الناب منصوب بفعل مقدر وهو كونوا بدليل عطف لا تكونوا عليه او حال من الضمير فى الزموا او ملتزمين الناصب المقدر لفطرت الله او فى أقم لان الاية خطاب للرسول ﷺ وأمته صدّرت بخطاب الرسول لتعظيمه كما فى قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ يدل عليه قوله وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ بدل من المشركين يعنى تقرقوا واختلفوا فيما يعبدونه على اختلاف اهوائهم قرأ حمزة والكسائي فارقوا يعنى تركوا دينهم الّذى أمروا به وَكانُوا شِيَعاً فرقا تشايع كل امامها الذي اخترع لهم دينا قيل المراد به اهل البدع من هذه الامة حيث تركوا دين الحق واتبعوا أهواءهم واطلق عليهم لفظ المشركين لكونهم ممن اتخذ الهه هواه عن عبد الله بن عمرو رض قال قال رسول الله ﷺ تفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة كلهم فى النار الا واحدة قيل من هى يا رسول الله قال ما انا عليه وأصحابي- رواه الترمذي كُلُّ حِزْبٍ منهم بِما لَدَيْهِمْ من الاعتقاد فَرِحُونَ مسرورون ظنّا بانهم على الحق روى الدارمي عن ابراهيم بن إسحاق عن ابن المبارك عن الأوزاعي قال قال إبليس لاوليائه من اى شىء تأتون بنى آدم فقالوا من كل شىء فقال فهل تأتونهم من قبل الاستغفار فقالوا هيهات ذاك شىء قرن بالتوحيد قال لابثن فيهم شيئا لا يستغفرون منه قال فبث فيهم الأهواء.
وَإِذا مَسَّ النَّاسَ يعنى كفار مكة ضُرٌّ قحط وشدة دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ راجعون اليه من دعاء غيره ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً خلاصا من الشدة او خصبا ورحمة إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ فاجاء فريق منهم بالاشراك بربهم الذي عافاهم ونسبوا معافاتهم الى غيره- عن زيد بن خالد الجهتى قال صلى لنا رسول الله ﷺ صلوة الصبح بالحديبية على اثر سماء كانت من الليل فلما انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال قال أصبح من عبادى مؤمن وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب واما
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ اللام فيه للعاقبة وقيل للامر بمعنى التهديد لقوله تعالى فَتَمَتَّعُوا غير ان فيه التفات من الغيبة الى الخطاب فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة تمتيعكم.
أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً أم منقطعة بمعنى بل والهمزة والاستفهام للانكار عطف على كلّ حزب بما لديهم فرحون وجاز ان يكون متصلة معطوفة على مقدر تقديره أيشركون بلا حجة أم أنزلنا عليهم سلطانا قال ابن عباس يعنى حجة وعذرا وقال قتادة كتابا وقيل ذو سلطان يعنى ملكا معه برهان او رسولا مؤيدا بالمعجزة فَهُوَ يَتَكَلَّمُ نطقا او دلالة كقوله تعالى كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ اى باشراكهم وصحته او بالأمر الذي بسببه يشركون به وبالوهيته والاستفهام فى أم أنزلنا للتقرير يعنى حمل المخاطب على الإقرار بانهم يشركون بلا حجة.
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً نعمة من صحة وسعة فَرِحُوا بطروا بِها بسببها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ اشدة بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ اى بشوم معاصيهم إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ فاجاءوا القنوط من رحمته وهذا خلاف وصف المؤمن فانه يشكر عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة ويصبر ويحتسب.
أَوَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم يتفكروا ولم يعلموا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ اى يضيق فما لهم بطروا فى السراء ولم يشكروا وقنطوا فى الضراء ولم يرجعوا الى الله راجين مغفرته بالندم والتوبة وترك المعصية ولم يصبروا ولم يحتسبوا كالمؤمنين إِنَّ فِي ذلِكَ القبض والبسط لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يستدلون بهما على كمال القدرة والحكمة.
فَآتِ الفاء للسببية يعنى إذا عرفت ان قبض الرزق والبسط من الله تعالى فات ذَا الْقُرْبى مصدر بمعنى القرابة حَقَّهُ من البر والصلة والنفقة الواجبة بقوله تعالى وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ وقد مرّ بحث نفقة المحارم فى تفسير تلك الاية فى سورة البقرة وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ المسافر الّذى ليس معه ما له وكان له مال فى وطنه اتهم حقوقهم من مال الزكوة ابتغاء مرضات
وَما آتَيْتُمْ بالمد عند الجمهور يعنى ما أعطيتم أكلة الربوا مِنْ رِباً زيادة محرمة فى المعاملة او عطية مباحة من هدية او هبة يتوقع بها مزيد مكافاة وعلى هذا التأويل سمى العطية بالربا باسم المطلوب وهو الزيادة- وقرأ ابن كثير ما آتيتم فى الموضعين مقصورا اى ما جئتم به من إعطاء زيادة محرمة او عطية مباحة يتوقعون بها مزيد مكافاة لِيَرْبُوَا قرأ اهل المدينة ويعقوب بالتاء للخطاب مضمومة والباء المضمومة واسكان الواو اى لتربوا أنتم وتصيرون ذا زيادة فِي أَمْوالِ النَّاسِ اى اموال المعطين او المعطى لهم وقرأ الباقون ليربوا بالياء التحتانية المفتوحة وفتح الواو اى ليزيدوا فى أموالهم فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ فلا يزيدوا عنده ولا يبارك فيه. قال البغوي اختلفوا فى معنى الاية فقال سعيد بن جبير رض ومجاهد وطاءوس وقتادة واكثر المفسرين هو الرجل يعطى غيره العطية ليثيب اكثر منها وهذا جائز حلال ولكن لا يثاب عليه يوم القيامة وهو معنى قوله فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وكان هذا حراما على النّبي ﷺ لقوله تعالى وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وقال الضحاك هو الرجل يعطى قريبه او صديقه لتكثير ماله ولا يريد به وجه الله وقال الشعبي هو الرجل يلتزق بالرجل فيخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح ماله التماس عونه لا لوجه الله فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ لانه لا يريد به وجهه قال رسول الله ﷺ انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى الدنيا يصيبها او امراة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ اى ما أعطيتم من صدقة او فعلتم أداء الزكوة تُرِيدُونَ به وَجْهَ اللَّهِ ذاته او ثوابه ورضاءه فَأُولئِكَ يعنى الذين يؤتون الزّكوة هُمُ الْمُضْعِفُونَ اى الذين يضاعف لهم الثواب فيعطون بالحسنة عشرة أمثالها الى سبع مائة ضعف الى ما لا نهاية له ويضاعف لهم أموالهم ببركة الزكوة او المعنى هم ذووا
اللَّهُ مبتدا وما بعده خبره الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ... هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ اى ممن اشركتموها بالله من الأصنام وغيرها والاستفهام للانكار اى ليس شىء منها مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ذكر الله سبحانه لوازم الالوهية وأثبتها لنفسه ونفاها عن غيره مؤكدا بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان ووقع عليه الوفاق ثم استنتج من ذلك تقدسه عن ان يكون له شريكا فقال سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ قرا «وخلف ابو محمد» حمزة والكسائي بالتاء الفوقانية والباقون بالياء التحتانية وجاز ان يكون الَّذِي خَلَقَكُمْ صفة لله وهَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ خبره والرابط من ذلكم لانه بمعنى من أفعاله تقديره الله الّذى خلقكم هل من شركائكم من يفعل شيئا من أفعاله. من الاولى والثانية تفيد ان شيوع الحكم فى جنس الشركاء والافعال والثالثة مزيدة لتعميم النفي وكل منها مستقلة لتعجيز الشركاء.
ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق والقتال والجدال ومحق البركات والظلم وكثرة المضار والأمراض والضلال والرياح المفسدة فى البحار ومصادمة الدواب فى البحار. وقال البغوي أراد بالبر البوادي والمفاوز وبالبحر المدائن والقرى التي على المياه الجارية واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن عكرمة انه قال العرب يسمى المصر يحرا يقول احدبت البر وانقطعت مادة البحر وقال عطية وغيرها البر ظهر الأرض من الأمصار وغيرها والبحر هو البحر المعروف وقلة المطر كما تؤثر فى البر تؤثر فى البحر فتخلوا جواف الاصداف لان الصدف إذا جاء المطر ترتفع الى وجه البحر وتفتح فاه فما يقع فى فيه من المطر صار لؤلؤا وقال ابن عباس ومجاهد الفساد فى البر قتل ابن آدم أخاه وفى البحر غصب الملك الجابر السفينة اخرج الفريابي وابن المنذر رض وابن ابى حاتم عن مجاهد انه قال ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ بقتل قابيل أخاه وفى البحر بان ملك عمان جلندى كان يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً وقال الضحاك كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتى ابن آدم شجرة «اى ذات أفق اى ذات كلاء وأنيق حسن معجب»
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ اى من قبلكم لتروا منازل الذين ظلموا خاوية كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ الجملة حال بتقدير قد او استيناف للدلالة على ان سوء عاقبتهم كان لظهور الشرك وغليته فيهم او كان الشرك فى أكثرهم وما دونه من المعاصي فى قليلهم فاهلكوا جميعا بشوم الجار السوء او بتركهم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر جملة قل سيروا تأكيد من حيث المعنى ليذيقهم لدلالة على اذاقة العذاب.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ حذرا عما لحق بمن قبلك فالفاء للسببية لِلدِّينِ الْقَيِّمِ البليغ فى الاستقامة وهو دين الإسلام مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ اى لا يقدر أحد ان يرده مِنَ اللَّهِ متعلق بيأتي او بمردّ لانه مصدر على معنى لا يرده الله لتعلق إرادته بمجيئه يمكن ان يكون المراد بذلك اليوم يوم يأتيهم العذاب فى الدنيا والظاهر ان المراد به يوم القيامة يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ أصله يتّصدّعون اى يتضرفون فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فى السّعير او فريق يعذب فى الدنيا وفريق لا يعذب كيوم بدر.
مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ اى وباله فى الدنيا والاخرة وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ اى يسوون منازل حسنة فى القبور وفى الجنة.
لِيَجْزِيَ الله متعلق بيمهدون الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ظاهر موضع الضمير لبيان مناط جزائهم مِنْ فَضْلِهِ متعلق بيجزى قال ابن عباس رض ليثيبهم الله اكثر من ثواب أعمالهم اقتصر على جزاء المؤمنين للاشعار بانه المقصود بالذات وان الله انما يريد الاثابة الا من ابى وظلم على نفسه واختار النار
وقوله من فضله دالّ على ان الاثابة تفضل محض وتأويله بالعطاء او الزيادة على الثواب عدول عن الظاهر قلت ويؤيده ما اخرج احمد فى الزهد عن ابى الحارث قال اوحى الله تعالى الى داود انذر عبادى الصالحين فلا يعجبوا بانفسهم ولا يتكلوا على أعمالهم فانه ليس عبد من عبادى أنصبه للحساب وأقيم عليه عدلى الا عذبته واخرج ابو نعيم عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ ان الله تبارك وتعالى اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك ان لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا اناصب عبدا لحساب يوم القيامة أشاء أعذبه الا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك لا يلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي- واخرج الطبراني عن واثلة بن الأسقع رضى الله عنه يبعث الله يوم القيامة عبدا لا ذنب له فيقول الله تبارك وتعالى باىّ الامرين أحب إليك ان اجزى بعملك او بنعمتي عليك قال اى رب أنت اعلم انى لم اعصك قال خذوا عبدى بنعمة من نعمى فما يبقى له حسنة الا استغرقتها تلك النعمة فيقول بنعمتك ورحمتك. واخرج البزار عن انس عن النبي ﷺ يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من الله تعالى يقول الله تعالى لاصغر نعمة من ديوان النعم خذى منك من العمل الصالح فتستوعب العمل الصالح فيقول وعزتك ما استوعبت ويبقى الذنوب وقد ذهب العمل الصالح كله فاذا أراد الله تعالى ان يرحم عبدا قال يا عبدى قد ضاعفت ولك حسناتك وتجاوزت عن سياتك ووهبت لك نعمتى واخرج الطبراني فى الأوسط عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي ﷺ قال من قال لا اله الا الله كان له بها عهدا عند الله ومن قال سبحان الله كتب له بها مائة الف حسنة فقال رجل يا رسول الله كيف نهلك بعد هذا قال والّذى نفسى بيده ان الرجل ليجىء يوم القيامة بعمل لو وضع على جبل لاثقله فتقوم نعمة من نعم الله تعالى فكان كله يستنفد ذلك كله يوما يتفضل الله به من رحمته
وهاهنا إشكالان أحدهما انه لا يبقى حينئذ فائدة فى الطاعة وترك المعصية فان الله تعالى لو لم يتفضل عذّب اهل الطاعة ولو تفضل غفر اهل المعصية وادخل الجنة وثانيهما انه معارض لقوله تعالى ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فانه يدل على ان دخول الجنة مسبب بالأعمال- والجواب عن الاول ان الطاعة يقتضى محبة الله عبده حيث قال الله تعالى إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وقال رسول الله ﷺ حكاية عن الله سبحانه ما يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحببته رواه البخاري عن ابى هريرة فى حديث طويل والمحبة يقتضى التفضل والتفضل سبب لجلب كل خير ودفع كل ضرر وعن الثاني بان للجنة منازل تنال فيها بالأعمال فان درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال واما اصل دخولها والخلود فيها فبفضل الله ورحمته يؤيده ما أخرجه هناد فى الزهد عن ابن مسعود قال تجوزون الصراط بعفو الله وتدخلون الجنة برحمة الله وتقسمون المنازل بأعمالكم واخرج ابو نعيم عن عون بن عبد الله مثله والله اعلم..
وَمِنْ آياتِهِ دلائل قدرته أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ من الشمال الى الجنوب وبالعكس ومن المشرق الى المغرب وبالعكس على حسب إرادته من غير محرك كما يشهد به الحس قرا حمزة «١» والكسائي الرّيح على ارادة الجنس مُبَشِّراتٍ بالمطر حال من الرياح وَلِيُذِيقَكُمْ المذوقات من الحبوب والثمار وغيرها معطوف على معنى مبشرات كانّه قال ليبشركم وليذيقكم او على محذوف تقديره يرسل
لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ
بالدلالات الواضحات على صدقهم فامن بهم قوم وكفر بهم آخرون يدل عليه قوله انْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
اى عذبنا الذين كفروا بهم كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
معطوف على جملة محذوفة تقديره ونصرنا الذين أمنوا كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
وفيه اشعار بان الانتقام من الكفار كان لاجل نصر المؤمنين واظهار كرامتهم. فان قيل هذه الاية تدل على وجوب نصر المؤمنين تفضلا فيلزم منه ان لا يغلب الكفار عليهم قط وقد يرى خلاف ذلك- قلنا اللام والاضافة فى نصر المؤمنين للعهد والمراد ان المؤمنين الذين جاهدوا الكفار خالصا لاعلاء كلمة الله والموعود من الله ان ينصرهم ولو بعد حين وعن ابى الدرداء قال سمعت رسول الله ﷺ يقول ما من مسلم يرد عن عرض أخيه الا كان حقّا على الله..
... ان يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا هذه الاية كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
. أخرجه الترمذي وحسنه وأخرجه إسحاق بن راهويه والطبراني وغيرهما من حديث اسماء بنت يزيد وقد يوقف على حقّا على انه متعلق بالانتقام.
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ متصلا تارة فِي السَّماءِ اى فى سمتها كقوله تعالى وفرعها فى السماء كَيْفَ يَشاءُ حال من مفعول يبسط اى سائرا او واقعا مطبقا او غير مطبق من جانب دون جانب الى غير ذلك وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً قطعا تارة اخرى «بخلاف عن وهب وابو جعفر- ابو محمد» قرأ ابن عامر بسكون السين على انه مخففا او جمع كسقة او مصدر وصف به فَتَرَى الْوَدْقَ المطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فى التارتين فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يعنى بلدهم إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ يفرحون بمجئى الخصب.
وَإِنْ كانُوا مخففة من الثقيلة يعنى وانهم كانوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ المطر خفف المكي و «بضريان- ابو محمد و» البصري ينزل مِنْ قَبْلِهِ
فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ يعنى اثار الغيث من النبات والأشجار والحبوب والثمار ولذلك جمعه ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي وقرأ الجمهور اثر رحمت الله مفردا على ارادة الجنس كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بالانبات بَعْدَ مَوْتِها اى يبسها إِنَّ ذلِكَ الذي قدر على احياء الأرض بعد موتها لَمُحْيِ الْمَوْتى يحييهم بعد ما يميتهم فما وجه انكاركم ايها الكفار بعد ما تشاهدون ما يماثله وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ان نسبة قدرته الى جميع الممكنات على السواء.
وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً موجبا ليبس الأرض فَرَأَوْهُ اى راوا الأثر او الزرع فانه مدلول عليه بما تقدم مُصْفَرًّا واللام جواب قسم مقدر لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ بنعمة الله جواب للقسم سدّ مسد الجزاء مبنية حال الكفار لقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم- والنظر السوي يقتضى ان يتوكلوا على الله ويلتجئوا اليه بالاستغفار إذا احتبس المطر عنهم ولا ييئسوا من رحمة الله. وان يبادروا الى الشكر والاستدانة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولا يفرطوا فى الاستبشار وان يصبروا على بلائه إذا ضرب بزرعهم آفة ولا يكفروا نعمه.
فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى «١» وهم مثلهم لسدهم عن الحق مشاعرهم وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ قرأ ابن كثير لا يسمع بالياء على الغيب على البناء للفاعل من المجرد ورفع الصم والجمهور على صيغة الخطاب من الافعال ونصب الصم الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ
وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ اى الكفار قرأ حمزة تهدى بصيغة المضارع سماهم عميا لفقدهم المقصود الحقيقي من الابصار او لعمى قلوبهم عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ سماع إفهام وقبول إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فان ايمانهم يدعوهم الى تلقى اللفظ وتدبر المعنى ويجوز ان يراد بالمؤمن المشارف للايمان او من قدر الله له الايمان فَهُمْ مُسْلِمُونَ لما تأمرهم به..
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ اى ابتداؤكم ضعف اى ضعف الطفولية او جعل الضعف أساس أمركم كقوله تعالى خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ او المعنى خلقكم من اصل ضعيف وهو النطفة اى ذى ضعف كقوله تعالى أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ اى ضعف الطفولية قُوَّةً اى شبابا ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً هرما وَشَيْبَةً قرأ ابو بكر وحمزة من ضعف فى المواضع الثلاثة بفتح الضاد وكذلك روى حفص عن عاصم فيهن غير انه ترك ذلك واختار الضم اتباعا منه لرواية حدثه بها الفضل بن مرزوق عن عطية العوفى عن عبد الله بن عمر رض انه ﷺ اقرأ ذلك بالضم وردّ عليه الفتح- كذا اخرج ابو داؤد والترمذي عن ابن عمر رض وهذه الرواية ضعيفة كذا قال الداني وما رواه حفص عن عاصم عن ائمته أصح والباقون بضم الضاد فيهن كذا قال الداني وقال البغوي فى التفسير قرأ حفص بضم الضاد وفتحها والآخرون بفتحها وهما لغتان فالضمة لغة قريش والفتح لغة تميم وفى القاموس الضعف بالفتح فى الرأي وبالضم فى البدن يَخْلُقُ ما يَشاءُ من الضعف والقوة والشباب والشيب وَهُوَ الْعَلِيمُ بتدبير خلقه الْقَدِيرُ على كل ما يشاء.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ اى القيامة سميت بها لانها تقوم فى اخر ساعة من ساعات الدنيا او لانها يقع بغتة وصارت علما لها بالغلبة كالكواكب للزهرة يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ يحلف المشركون ما لَبِثُوا فى الدّنيا والقبور بدليل قوله تعالى.
لَقَدْ لَبِثْتُمْ... إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ... غَيْرَ ساعَةٍ من الزمان استقلوا مدة لبثهم اضافة الى مدة عذابهم فى الاخرة او نسيانا او لان ما مضى صار كان لم يكن قال الله تعالى كَذلِكَ اى مثل ذلك الصرف عن الصدق والتحقيق كانُوا فى الدنيا يُؤْفَكُونَ يصرفون عن الحق حيث
فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ قرأ الكوفيون لا ينفع بالياء التحتانية والباقون بالتاء الفوقانية لتأنيث الفاعل لكنه غير حقيقى ومفصول وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ اى لا يطلب منهم العتبى اى الرضاء كذا فى القاموس يعنى لا يطلب منهم موجبات رضاء الله منهم من التوبة والطاعة كما طلب منهم فى الدنيا من قولهم استعتبني فلان فاعتبته اى استرضانى فارضية او المعنى لا يطلب رضاؤهم بالله كما يطلب من المؤمنين رضاؤهم عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ ان الله يقول لاهل الجنة هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من الخلق فيقول اما أعطيكم أفضل من ذلك قالوا وما أفضل من ذلك فيقول احلّ لكم رضوانى فلا أسخط بعده- متفق عليه وقال الله تعالى وَلَسَوْفَ يَرْضى..
وَلَقَدْ ضَرَبْنا اى بيّنّا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ اى انواع الحكايات التي هى فى الغرابة كالامثال مثل صفة المبعوثين من الكفار يوم القيامة وما يقولون وما يقال لهم وما لا يكون لهم من الانتفاع بالمعذرة وعدم استغنائهم. او بينّا لهم من كل مثل ينبّههم على التوحيد والبعث وصدق الرسول وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ
كَذلِكَ اى طبعا مثل ذلك الطبع الذي طبعنا على قلوب كفار مكة الّذين قالوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ توحيد الله او لا يطلبون العلم ويصرون على خرافات اعتقدوها فان الجهل المركب يمنع عن ادراك الحق ويوجب تكذيب المحق.
فَاصْبِرْ على اذاهم إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بنصرتك واظهار دينك على سائر الأديان حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ اى لا يجملنك على الخفة والقلق او لا يحملنك على الجهل واتباعهم فى الغى الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ بتكذيبهم وإيذائهم- تم تفسير سورة الروم خامس عشر رجب سنة الف ومائتين وست والحمد لله رب العالمين ويتلوه إنشاء الله تعالى سورة لقمان والحمد لله.