ﰡ
مكية، إلا قوله: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾، آيها: ستون آية، وحروفها: ثلاثة آلاف وخمس مئة وأربعة وثلاثون حرفًا، وكلمها: ثمان مئة وتسع عشرة كلمة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
* * *﴿الم (١)﴾.
[١] نقل المفسرون أنه كان بين فارس والروم قتال، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم؛ لأنهم أصحاب كتاب مثلهم، والمشركون يحبون ظهور فارس؛ لأنهم كانوا مجوسًا لا كتاب لهم كالمشركين، فبعث كسرى ملك فارس جيشًا، وبعث قيصر ملك الروم جيشًا، فالتقيا فغلب فارس الروم، فبلغ ذلك المسلمين بمكة، فشق عليهم، وفرح به كفار مكة، وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم، وإنكم إن قاتلتمونا، لنظهرن عليكم، فأنزل الله -عز وجل-: ﴿الم﴾ (١) تقدم التنبيه على
* * *
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (٢)﴾.
[٢] ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ حين قاتلهم الفرس.
* * *
﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣)﴾.
[٣] ﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ أقربها، وهي أذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ الفرسَ.
* * *
﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤)﴾.
[٤] ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ هو ما بين ثلاث إلى عشر، فلما نزلت الآيات، قال أبو بكر: "لا يقر الله أعينكم، ستكون لهم الغلبة عليكم" فَنَاحَبَهُ؛ أي: راهنه أُبي بن خلف على عشر قلص إلى ثلاث سنين، فأخبر النبي - ﷺ - بذلك، فقال: "إنما البضع من الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر، وماده في الأجل"، وذلك قبل تحريم القمار، فجعلا المناحبة على مئة قلوص إلى تسع سنين، فمات أُبي بن خلف من طعنة النبي - ﷺ - حين بارزه، ثم نصرت الروم بعد سبع سنين، وكان يوم الحديبية أو بدر، فأخذ أبو بكر الرهن من
وقد حكى بعض المؤرخين في معنى ذلك: أن بيت المقدس لما فتح على يد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في سنة خمس عشرة، أو ست عشرة من الهجرة الشريفة، واستمر بأيدي المسلمين أربع مئة وسبعًا وسبعين سنة، ثم تغلب عليه الفرنج، واستولوا عليه في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة من الهجرة الشريفة، واستمر بأيديهم إحدى وتسعين سنة، إلى أن فتحه الله على يد الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب -رحمه الله- في يوم الجمعة سابع عشري رجب سنة ثلاث وثمانين وخمس مئة، ووقع من الاتفاقات العجيبة أن الناصر صلاح الدين كان قبل ذلك استولى على مدينة حلب في صفر سنة تسع وسبعين وخمس مئة فامتدحه القاضي محي الدين بن الزكي قاضي دمشق بقصيدة منها:
(٢) انظر: "القراءات الشاذة" لابن خالويه (ص: ١١٦)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٢٢١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٦٣).
(٣) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٤٨٧).
وَفَتْحُكُمْ حَلَبًا بِالسَّيْفِ في صَفَرٍ | مبشرٌ بفتوحِ القدسِ في رَجَبِ |
قال ابن خلكان في "تاريخه" في ترجمة ابن الزكي: ولما وقفت أنا على هذا البيت وهذه الحكاية، لم أزل أتطلب تفسير ابن مرجان حتى وجدته على هذه الصورة، ولكن رأيت هذا الفصل مكتوبًا في الحاشية بخط الأصل، ولا أدري هل كان من أصل الكتاب، أم هو ملحق، قال وذكر له حسابًا طويلًا وطريقًا في استخراج ذلك حين حزره من قوله تعالى: ﴿بِضْعِ سِنِينَ﴾، انتهى (٢)، وقد صحيح البغوي الأول كما تقدم.
﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ من قبل قتالهم وبعده، فأي الفريقين كان له الغلبة، فهو بأمر الله وقضائه.
﴿وَيَوْمَئِذٍ﴾ أي: يوم يغلب الروم فارس.
﴿يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
* * *
(٢) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (٤/ ٢٢٩ - ٢٣٠).
[٥] ﴿بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ من له كتاب على من لا كتاب له.
﴿يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ﴾ فينصر هؤلاء تارة، وهؤلاء أخرى.
﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب.
﴿الرَّحِيمُ﴾ بالمؤمنين.
* * *
﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ نصب على المصدر؛ أي: وعد الله وعدًا بظهور الروم على فارس.
﴿لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ صحة وعده؛ لجهلهم.
* * *
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)﴾.
[٧] ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ من أمر معاشهم، ولا فرق بين عدم العلم وبين العلم المقصور على الدنيا.
﴿وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ ساهون لا يتفكرون فيها، وكرر الضمير تأكيدًا.
* * *
﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨)﴾.
[٨] ثم وبخهم على ترك النظر فيما يدلهم على المطلوب منهم فقال:
فيقولوا: ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ أي: لم يخلقهما عبثًا، بل لحكم ظاهرة ﴿وَأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ آتٍ (١) لوقت معلوم، إذا انتهت إليه، فنيت، وهو يوم القيامة.
﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ﴾ بالبعث والجزاء.
﴿لَكَافِرُونَ﴾ جاحدون، يظنون بقاء الدنيا، وعبر عنه بلقاء الله؛ لأنه عظم الأمر، وفيه النجاة والهلكة.
* * *
﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩)﴾.
[٩] ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا﴾ أهل مكة.
﴿فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ المعنى: ألم يسافروا، فيعترفوا (٢) مصارع المهلكين؛ كعاد وثمود بعد أن.
﴿كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ﴾ حرثوها وقلبوها للزراعة، وسمي الثور ثورًا؛ لإثارته الأرض؛ كما سميت بقرة لبقرها الأرض.
(٢) في "ت": "فيعتبروا".
﴿وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ فلم يؤمنوا، فأهلكهم الله.
﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ فيدمرهم من غير جرم.
﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بكفرهم.
* * *
﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ﴾ أي: آخر أمر ﴿الَّذِينَ أَسَاءُوا﴾ العمل بكفرهم.
﴿السُّوأَى﴾ تأنيث الأسوأ، وهو الأقبح، يعني: الخلة التي تسوْؤهم، وهي جهنم.
﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾ أي: لأجل أن كذبوا (١).
﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ محمد - ﷺ -، والقرآن.
﴿وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب: (عَاقِبَةُ) بالرفع اسم كان، وخبرها (السُّوءَى)، وقرأ الباقون: بالنصب على خبر كان (٢)، وتقديره: ثم كان السوءى عاقبة الذين أساؤوا.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٠٦)، و"التيسير" للداني (ص: ١٧٤)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٤٨٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري =
[١١] ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ ينشئهم ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ بالبعث بعد الموت.
﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فيجزيهم بأعمالهم. قرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: (يُرْجَعُونَ) بالغيب مع ضم حرف المضارعة، واختلف عن يعقوب، فقرأ رويس: بالخطاب، وروح: بالغيب، وكل منهما يفتح حرف المضارعة على أصل يعقوب، وقرأ الباقون: بالخطاب مع الضم (١).
* * *
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ﴾ أي: ييئس.
﴿الْمُجْرِمُونَ﴾ المشركون من كل خير.
* * *
﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (١٣)﴾.
[١٣] ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ﴾ الذين عبدوهم دون الله.
﴿شُفَعَاءُ﴾ يجيرونهم من عذاب الله.
﴿وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ﴾ أي: بآلهتهم ﴿كَافِرِينَ﴾ جاحدين، يتبرأ كل
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٧٥)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٤٨٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٠٨ و ٣٤٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٦٧).
* * *
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ بعد الحساب إلى الجنة والنار، فلا يجتمعون أبدًا.
* * *
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ﴾ بستان مخضر في الجنة.
﴿يُحْبَرُونَ﴾ يُسرون، وكل أرض ذات نبات وماء روضة، ونكرت إرادةً الجنس، وتفخيمًا لها.
* * *
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ﴾ بالبعث يوم القيامة.
﴿فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ لا يغيبون عنه.
* * *
[١٧] سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن المواقيت الخمس، هل هي في كتاب الله تعالى؟ قال: "نعم"، ثم تلا: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ (١) أي: نزهوا الله.
﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾ تدخلون في المساء، والمراد: صلاتا المغرب والعشاء.
﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ أي: تدخلون في الصباح، وهو صلاة الفجر.
* * *
﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: "يحمده أهل السموات والأرض ويصلون" (٢)، ﴿وَعَشِيًّا﴾ هي صلاة العصر.
﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ تدخلون في الظهيرة، وهي صلاة الظهر.
واتفق الأئمة على أن الصلوات المفروضات في اليوم والليلة خمس، وعلى أنها سبع عشرة ركعة، الظهر أربع، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، والفجر ركعتان، وتجب الصلاة بأول الوقت لغير معذور، وعليه بآخره بالاتفاق.
فأول وقت الظهر: إذا زالت الشمس، وهو ابتداء طول الظل بعد تناهي
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٢٢١).
ثم العصر، ووقتها من خروج وقت الظهر على الاختلاف بينهم، وآخر وقتها المختار مصير ظل كل شيء مثليه عند مالك والشافعي وأحمد، ووقت الضرورة عند الشافعي وأحمد إلى غروب الشمس، وهو آخر الوقت عند أبي حنيفة، وقال مالك: وقت الضرورة ببقاء خمس ركعات من النهار يدرك ما الظهر والعصر، وما دون ذلك يدرك ما العصر دون الظهر.
ثم المغرب، ووقتها من مغيب الشمس بالاتفاق، قال مالك: وقت المغرب في الأخبار مغيب الشمس، وهو وقت واحد مضيق غير ممتد، لا يؤخر عنه، مقدر آخره بالفراغ منها في حق كل مكلف، وآخر وقتها عند الشافعي وأحمد مغيب الشفق الأحمر بالأفق، وهو من بقايا شعاع الشمس، وعند أبي حنيفة هو البياض الذي يبقى بعد الحمرة؛ خلافًا لصاحبيه.
ثم العشاء، ووقتها من مغيب الشفق على الاختلاف بينهم، وآخر وقتها المختار عند مالك والشافعي وأحمد ثلث الليل الأول، ووقت الضرورة عند مالك بقاء أربع ركعات من الليل قبل طلوع الفجر يدرك ما المغرب والعشاء، وما دون ذلك يدرك بها العشاء وحدها، وعند الشافعي وأحمد وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني، وهو البياض الذي يبدو من قبل
ثم الفجر، ووقتها من طلوع الفجر الثاني وهو الصادق إلى طلوع الشمس بالاتفاق، وتعجيلها أفضل عند الثلاثة، وعند أبي حنيفة يستحب الإسفار، فمن أدرك قبل الشمس ركعة، فقد أدرك الصلاة عند الشافعي، وعند مالك مع الطمأنينة، وعند أحمد يدرك الوقت بتكبيرة الإحرام، وكذا الحكم عندهم في جميع الصلوات، وعند أبي حنيفة إذا طلعت الشمس وهو في صلاة الفجر بطلت صلاته، وليس كذلك إذا خرج الوقت في بقية الصلوات، والزائد على قدر واجب في الصلاة في قيام ونحوه نفل بالاتفاق.
* * *
﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩)﴾.
[١٩] ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ كالإنسان من النطفة، والطائر من البيضة.
﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ عكسه. قرأ نافع، وأبو جعفر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: (الْمَيِّت) بالتشديد في الحرفين، والباقون: بالتخفيف (١).
﴿وَيُحْيِ الْأَرْضَ﴾ بالمطر وإخراج النبات ﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يبسها.
﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ أي: كذلك نحييكم عند البعث. قرأ حمزة،
* * *
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ دلائله الدالة على قدرته ووحدانيته.
﴿أَنْ خَلَقَكُمْ﴾ أي: خلق أصلكم، وهو آدم ﴿مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ تنبسطون في الأرض، و (إِذَا) للمفاجأة؛ أي: فاجأتم وقت كونكم بشرًا منتشرين.
* * *
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ حواء من ضلع آدم، والنساء بعدها من أصلاب الرجال ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ لتأووا إلى أزواجكم.
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً﴾ الجماع ﴿وَرَحْمَةً﴾ الولد، فبرحمة الله يتعاطفون، ويرزق بعض بعضًا.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في عظمة الله وقدرته.
* * *
[٢٢] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ﴾ باللغات.
﴿وَأَلْوَانِكُمْ﴾ أبيض وأسود وغيرهما.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ ظاهرة ﴿لِلْعَالِمِينَ﴾ قرأ حفص عن عاصم: بكسر اللام الثالثة، جمع عالم، وهو ذو العلم، وخص العلماء؛ لأنهم أهل النظر والاستدلال، دون الجهال المشغولين بحطام الدنيا وزخارفها، وقرأ الباقون: بفتح اللام (١)، جمع العالم، وهم الخلق، معناه: الآيات حجة على كل مخلوق.
* * *
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ﴾ أي: نومكم ﴿بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾.
﴿وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي: جعل الليل للسكنى، والنهار للتصرف في طلب المعاش.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ سماع تدبر واعتبار.
* * *
[٢٤] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا﴾ من الصواعق.
﴿وَطَمَعًا﴾ في الغيث.
﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ﴾ بالنبات ﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يبسها.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب: (وَيُنْزِلُ) بالتخفيف، والباقون: بالتشديد (١).
* * *
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ أي تدوما قائمتين إلى أجلهما.
﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ﴾ أي: من القبور ﴿إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ المعنى: من دلائله على ألوهيته قيام السموات والأرض، ثم خروج الموتى حين يقال: يا أهل القبور اخرجوا، فيخرجون بلا توقف ولا إباء.
* * *
[٢٦] ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ مطيعون لا يمتنعون عليه، والمراد: طاعة الإرادة، لا طاعة العبادة.
* * *
﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ ينشئه من العدم أولًا.
﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ بعد الموت للبعث.
﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ أي هو هين عليه، وما شيء عليه بعزيز.
﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: الوصف الذي ليس لغيره مثله.
﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ صفتان موافقتان لمعنى الآية؛ لأنه وصف الوحدانية.
* * *
﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨)﴾.
[٢٨] ثم عقبه بصفات التشريك فقال: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ أي: بين لكم شبهًا من حالكم، و (مِنْ) هذه ابتدائية؛ أي: أخذ مثلًا وانتزعه من أقرب شيء منكم، وهي أنفسكم، ثم بين المثل فقال: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا
﴿مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ من المال، و (مِنْ) هنا زائدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ﴿فَأَنْتُمْ﴾ وهم ﴿فِيهِ﴾ في المال.
﴿سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ﴾ أي: تخافون مواليكم خيفة ﴿كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: أمثالكم من الأحرار، المعنى: هل ترضون أن يشارككم مَنْ ملكت أيمانكم فيما رزقناكم، فتكونوا سواء، فتخافونهم أن ينفردوا بأمر دونكم، كما تخافون الشركاء الأحرار؟ فإذا لم ترضوا ذاك، فكيف ترضون لله بشريك فيما يملكه؟ ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: كهذا التفصيل ﴿نُفَصِّلُ﴾ نبين ﴿الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ ينظرون إلى هذه الدلائل بعقولهم.
* * *
﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٩)﴾.
[٢٩] فلما لم ينزجروا، أضرب عنهم فقال: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أنفسَهم بالكفر ﴿أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ بل تقليدًا للجهالة ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ﴾ أي: أضلَّه.
﴿اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ مانعين من العذاب.
* * *
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ أخلصْ دينك لله، وذكر الوجه؛ لأنه جامع
﴿فِطْرَتَ اللَّهِ﴾ خلقة الله. وقف ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي (١)، ويعقوب: (فِطْرَهْ) بالهاء (٢)، وهو نصب على الإغراء؛ أي: الزم فطرة الله.
﴿الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ وهي الإسلام.
﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ خبر بمعنى النهي؛ أي: لا تبدلوا دين الله.
﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ المستقيم.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ استقامته؛ لعدم تدبرهم.
* * *
﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١)﴾.
[٣١] ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ أي: فأقم وجهك أنت وأمتك منيبين؛ أي: راجعين إليه بالتوبة، لأن مخاطبته - ﷺ - تدخل معه فيها الأمة.
﴿وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
* * *
﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢)﴾.
[٣٢] وقوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ بدل من المشركين؛ أي:
(٢) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٤٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٧٠).
﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ أي: صاروا فرقًا مختلفة.
﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ من الدين.
﴿فَرِحُونَ﴾ مسرورون؛ ظنًّا منهم أنه الحق.
* * *
﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ﴾ قحط وشدة ﴿دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ﴾ منقلبين.
﴿إِلَيْهِ﴾ بالدعاء.
﴿ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً﴾ خصبًا ونعمة.
﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ فأجاء فريق منهم بالإشراك.
* * *
﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤)﴾.
[٣٤] ثم أمرهم إيعادًا وتهديدًا فقال: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ أي: بسبب ما أتيناهم، ثم خاطب هؤلاء الذين فعلوا هذا خطاب تهديد.
فقال: ﴿فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ حالكم في الآخرة.
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٠٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٧١).
[٣٥] ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾ أي: حجة.
﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ أي: يبين عذرهم عن شركهم.
* * *
﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً﴾ نعمة من مطر ونحوه.
﴿فَرِحُوا بِهَا﴾ فرح البطر.
﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ قحط ونحوه.
﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ من أعمالهم الخبيثة.
﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ فأجاؤا القنوط، وهو الإياس من رحمته تعالى. قرأ أبو عمرو، ويعقوب، والكسائي، وخلف: (يَقْنِطُونَ) بكسر النون، والباقون: بفتحها (١).
* * *
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ يوسِّعه ﴿لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ يضيق.
* * *
﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ بأن تبره وتصله ﴿وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ من الزكاة، وتقدم الكلام عليهما في سورة التوبة، واختلاف الأئمة فيهما، وفي بقية الأصناف الثمانية ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ يطلبون ثوابه.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ حيث حصلوا بما بسط لهم من (١) النعيم المقيم.
* * *
﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا﴾ قرأ ابن كثير: (أَتيتُمْ) بقصر الهمزة، وقرأ الباقون: بالمد (٢)؛ أي: أعطيتم، ومن قصر، فمعناه: ما جئتم من ربا ذلك على وجه الإعلام (٣)؛ كما تقول: أتيت خطأً، وأتيت صوابًا، فهو يؤول في المعنى إلى قول من مد ﴿لِيَرْبُوَا﴾ أي: يزيد ﴿فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ قرأ
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٠٧)، و"التيسير" للداني (ص: ٨١)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٤٩٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٧٢).
(٣) في "ت": "ومجيئهم ذلك على وجه الإعطاء".
﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ﴾ تبتغون ﴿وَجْهَ اللَّهِ﴾ اتفق القراء على مد (مَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ) من أجل قوله: (وَإِيَتاءِ الزَّكَاةِ)، ثم رجع من الخطاب إلى الغيبة.
فقال: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ تُضاعَف حسناتهم.
* * *
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ المعنى: هو المختص بهذهِ الأشياء ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ فلم يجيبوا عجزًا.
فقال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ به من المعبودين. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (تُشْرِكُونَ) بالخطاب، والباقون: بالغيب (٢).
* * *
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٢١)، و"الكشف" لمكي (١/ ٥١٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٧٣).
[٤١] ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ﴾ الجدب وقلة البركة ﴿فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ السواحل والمدن التي على ظهر البحر والأنهار، وقال الحسن بن أبي الحسن: البر والبحر هما المعروفان المشهوران في اللغة، قال ابن عطية: وهذا هو القول الصحيح، وظهور الفساد فيهما هو بارتفاع البركات، ونزول رزايا وحدوث فتن، وتغلب عدو، وهذه الثلاثة توجد في البر (١) والبحر (٢).
﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾ أي: جزاءً بما كسبت.
﴿أَيْدِي النَّاسِ﴾ من الذنوب.
﴿لِيُذِيقَهُمْ﴾ قرأ روح عن يعقوب، وقنبل بخلاف عنه: (لِنُذِيقَهُمْ) بالنون، والباقون: بالياء (٣) أي عقوبة ﴿بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ من الذنوب ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عن معاصيهم بالتوبة.
* * *
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ ليروا
(٢) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (٤/ ٣٤٠).
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٠٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٤٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٧٤).
* * *
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣)﴾.
[٤٣] ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ تقدم تفسيره.
﴿لِلدِّينِ الْقَيِّمِ﴾ المستقيم، وهو دين الإسلام.
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾ يوم القيامة ﴿لَا مَرَدَّ لَهُ﴾ لا يقدر أحد على رده ﴿مِنَ اللَّهِ﴾. قرأ حمزة: (لاَ مَرَدَّ لَهُ) بالمد بحيث لا يبلغ الإشباع (١).
﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ يتفرقون: فريق إلى الجنة، وفريق إلى النار.
* * *
﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ أي: وَبالُ كفره.
﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ يوطِّئون منزلًا في الجنة.
* * *
﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ﴾ من عطائه.
﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ لا يُظهر عليهم أمارات الرحمة، ولا يرضاه لهم دينًا.
[٤٦] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ﴾ الشمال والصبا والجنوب؛ فإنها رياح الرحمة، وأما الدبور، فريح العذاب ﴿مُبَشِّرَاتٍ﴾ بالمطر.
﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ المنافع التابعة لها.
﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ﴾ في البحر بالرياح.
﴿بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ لتطلبوا من رزقه بتجارة البحر.
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ نعمة الله.
* * *
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالدلالات على صدقهم.
﴿فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ عذبنا الذين كذبوهم.
﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بإنجائهم من العذاب لإيمانهم.
* * *
﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨)﴾.
[٤٨] ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ﴾ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (الرِّيحَ)
﴿فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ أي: تنشره ﴿فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ﴾ أي: نحوها.
﴿كَيْفَ يَشَاءُ﴾ من قلة وكثرة.
﴿وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا﴾ قرأ ابن عامر، وأبو جعفر: بإسكان السين على التوحيد، وقرأ الباقون: بفتح السين جمع كسفة؛ أي: قطعًا، واختلف عن هشام (٢) ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ﴾ أي: المطر ﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ وسطه.
﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ﴾ أي: بالودق.
﴿مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ يفرحون بالمطر.
* * *
﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩)﴾.
[٤٩] ﴿وَإِنْ كَانُوا﴾ أي: الخلق ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ المطر.
﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ من قبل السحاب ﴿لَمُبْلِسِينَ﴾ آيسين.
* * *
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٠٨)، و"التيسير" للداني (ص: ١٧٥)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٠٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٧٤ - ٧٥).
[٥٠] ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب، وأبو بكر عن عاصم: (أَثَرِ) بقصر الهمزة وحذف الألف بعد الثاء على التوحيد، وقرأ الباقون: بمد الهمزة وألف بعد الثاء على الجمع (١)، وأمال الدوري عن الكسائي فتحة الثاء (٢)، و (رَحْمَتِ) رسمت بالتاء في سبعة مواضع، ووقف عليها بالهاء: ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، ويعقوب (٣)، المعنى: انظر إلى تأثير المطر.
﴿كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ بالنبات والأشجار وأنواع الثمار.
﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ أي: محييها بعد الموت.
﴿لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾ وهو الله تعالى.
﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ من البعث وغيره.
* * *
﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١)﴾.
[٥١] ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ مضرة على زرعهم، فأفسدته ﴿فَرَأَوْهُ﴾ أي:
(٢) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٤٩)، و "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٥٤ - ٥٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٧٦).
(٣) سلفت عند تفسير الآية (٢١٨) من سورة البقرة.
* * *
﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢)﴾.
[٥٢] ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾.
* * *
﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣)﴾.
[٥٣] ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ تقدم تفسير نظير هاتين الآيتين. واختلاف القراء فيهما مستوفًى في سورة النمل [الآية: ٨١]، وكذا الحكم في التفسير والاختلاف هنا.
* * *
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤)﴾.
[٥٤] ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ أي: من النطف ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ أي: من بعد ضعف الطفولة قوة الشباب. قرأ أبو عمرو: (خَلَقكُّمْ) بإدغام القاف في الكاف، وقرأ: (مِنْ بَعْد ضَعْفٍ) بإدغام الدال في الضاد (١)، ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ﴾ أي: قوة الشباب ﴿ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾
﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ من ضعف وقوة وشبيبة وشيبة.
﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ﴾ بتدبير خلقه ﴿الْقَدِيرُ﴾ على ما يشاء.
* * *
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥)﴾.
[٥٥] ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾ التي فيها القيامة.
﴿يُقْسِمُ﴾ يحلف ﴿الْمُجْرِمُونَ﴾ المشركون ﴿مَا لَبِثُوا﴾ في القبور ﴿غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ استقلوا ذلك لما استقبلوا من هول يوم القيامة، ويكذبون ثَمَّ، فيفتضحون.
﴿كَذَلِكَ﴾ مثلَ ذلك الصرف عن الصدق ﴿كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ يُصرفون إلى الكذب في الدنيا. قرأ أبو عمرو، ورويس عن يعقوب: ﴿كَذَلِك كَّانُوا﴾ بإدغام الكاف الأولى في الثانية (٢).
* * *
(٢) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٢٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٧٨).
[٥٦] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ﴾ من الملائكة والإنس مُنْكِرين عليهم كذبَهم:
﴿لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ أي: فيما كتبه الله لكم في سابق علمه من اللبث في القبور.
﴿إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ والفاء بعد جواب شرط محذوف يدل عليه الكلام، تقديره: إن شككتم في يوم البعث.
﴿فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ﴾ الذي كنتم تنكرونه في الدنيا.
﴿وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ أنه حق. قرأ نافع، وابن كثير، وعاصم، ويعقوب، وخلف: (لَبِثْتُمْ) و (لَبِثْتَ) حيث وقع بإظهار الثاء عند التاء، والباقون: بالإدغام (١).
* * *
﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧)﴾.
[٥٧] ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ﴾ اعتذارهم ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي: لا تُطلب منهم العتبى؛ أي: لا يقال لهم: أَرضوا ربكم
* * *
﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (٥٨)﴾.
[٥٨] ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾ وصفناهم فيه بأنواع الصفات التي هي في الغرابة كالأمثال. قرأ ابن كثير: (القُرَانِ) حيث وقع بالنقل، والباقون: بالهمز (٣).
﴿وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ عنادًا:
﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ﴾ أي: أصحاب باطل.
* * *
﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٥٩)﴾.
[٥٩] ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: مثلَ ذلك الطبع، وهو الختم.
﴿يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ﴾ الجهلَة ﴿الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ توحيد الله.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٠٩)، و"التيسير" للداني (ص: ١٧٦)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٥٠٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٧٨).
(٣) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٢١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٧٨).
[٦٠] ﴿فَاصْبِرْ﴾ على أذاهم ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ بنصرك، وإظهار دينك، لا بد من إنجازه ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ﴾ لا يحملنك على الخفة والطيش ﴿الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ بالبعث، والخطاب للنبي - ﷺ -، والمراد: أمته. قرأ رويس عن يعقوب: (يَسْتَخِفَّنْكَ) بتخفيف النون، والباقون: بالتشديد (١)، والله أعلم.
* * *