" بسم الله " اسم ملك لا أصل لملكه عند حدث ولا نسل له، فعنه يرث. ملك لا يستظهر بجيش وعدد، ولا يتعزز بقوم وعدد. ملك للخلق بأجمعهم – لكنه اختار قوما – لا لينتفع بهم – بل لنفعهم، ورد آخرين وأذلهم بمنعهم ووضعهم.
ﰡ
قال صلى الله عليه وسلم :" أعدى عدوِّك نَفْسُك التي بين جنبيك " وأوحى الله سبحانه إلى داود عليه السلام :" عادِ نَفْسَك فليس لي في المملكة مُناَزعٌ غيرها ". فَمَنْ عادَى نَفسَه فقد قام بحقِّ الله، ومَنْ لم يعادِ نفسه لَحِقَتْه هذه الوصمة. وأصلُ الإيمانِ الموالاةُ والمعاداةُ في الله ومَنْ جَنَحَ إلى الخارجين عن دائرة الإسلام انحاز إلى جانبهم.
قوله جل ذكره :﴿ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَنَ يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ ﴾.
أنا أعلم ﴿ بِمَا أَخْفَيْتُمْ ﴾ من دقائقِ التصنُّع وخَفِيَّات الرياء.
﴿ وَمَا أَعْلَنتُمْ ﴾ من التزيُّن للناس.
﴿ بِمَا أَخْفَيْتُمْ ﴾ من الاستسرار بالزَّلة، ﴿ وَمَا أَعْلَنتُمْ ﴾، من الطاعة والبِرِّ.
﴿ بِمَا أَخْفَيْتُمْ ﴾ من الخيانة ﴿ وَمَا أَعْلَنتُمْ ﴾ من الأمانة.
﴿ بِمَا أَخْفَيْتُمْ ﴾ من الغِلِّ والغِشِّ للناس، ﴿ وَمَآ أَعْلَنتُمْ ﴾ من الفضيحةِ للناس.
﴿ بِمَا أَخْفَيْتُمْ ﴾ من ارتكاب المحظورات، ﴿ وَمَآ أَعْلَنتُمْ ﴾ من الأمر بالمعروف.
﴿ بِمَا أَخْفَيْتُمْ ﴾ من تَرْكِ الحشمة مني وقلة المبالاة باطِّلاعي، وما أعلنتم من تعليم الناسِ ووَعْظِهمْ.
﴿ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ فقد حاد عن طريق الدين، ووَقَعَ في الكفر.
إنْ يَظْفَروا بكم وصادَفوكم يكونوا لكم أعداء، ولن تَسْلَموا من أيديهم بالسوءِ ولا من ألسنتهم بالذمِّ وذكْرِ والقبيح.
وكذلك صفة المخالِف، ولا ينبغي للمرء أن يتعطَّش إلى عشيرته - وإن داهَنَتْه في قالَةٍ، ولا أن ينخدعَ بتغريرها - وإنْ لا يَنْتَه في حالة.
أي لكم قُدْوَةٌ حسنة بإبراهيم ومَنْ قبله من الأنبياء حيث تبرَّؤوا من الكفار من أقوامهم ؛ فاقْتَدُوا بهم. . إلاَّ استغفار إِبراهيم لأبيه - وهو كافر - فلا تقتدوا به.
ولاَ تَسْتَغْفِروا للكفار، وكان إبراهيمُ قد وعده أبوه أنه يُؤمِن فلذلك كان يستغفر له، فَلَمَّا تَبَيّنَ له أنه لن يُؤمِنَ تَبرَّأ منه.
ويقال : كان منافقاً. . ولم يَعْلَمْ إبراهيم ذلك وقتَ استغفاره له.
ويقال : يجوز أنه لم يعلم في ذلك الوقت أنَّ الله لا يغفر للكفار.
والفائدةُ في هذه الآية تخفيفُ الأمر على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بتعريفهم أنَّ مَنْ كانوا قبلهم حين كَذَّبوا بأنبيائهم أهلكهم الله، وأنهم صبروا، وأنه ينبغي لذلك أن يكونَ بالصبرِ أمرُهم.
قوله جل ذكره :﴿ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾أخبر أنهم قالوا ذلك.
ويصحُّ أن يكون معناه : قولوا :﴿ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا ﴾وقد مضى القولُ في معنى التوكل والإنابةُ.
ربَّنا لا تُظْفِرهم بنا، ولا تُقَوِّهم علينا.
والإشارة في الآية : إلى الأمرِ بِسُنَّةِ إبراهيم في السخاء وحُسْنِ الخُلُقِ والإخلاصِ والصدقِ والصبرِ وكلِّ خصلةٍ له ذَكَرَها لنا.
وقفهم في مقتضى قوله تعالى :﴿ عَسَى اللَّهُ ﴾ عند حدِّ التجويز. . لا حُكْماً بالقَطْعِ، ولا دَفْعَ قلبٍ باليأس. . ثم أمَرَهم بالاقتصاد في العداوة والولاية معهم بقلوبهم، وعرَّفهم بوقوع الأمر حسب تقديره وقدرته، وَجَرَيانِ كلِّ شيءٍ على ما يريد لهم، وصَدَّق هذه الترجية بإيمان مَنْ آمَنَ منهم عند فتح مكة، وكيف أسلم كثيرون، وحصل بينهم وبين المسلمين مودةٌ أكيدة.
أمَرَهُم بشدة العداوة مع أعدائهم على الوجه الذي يفعلونه، وأمّا من كان فيهم ذا خُلُقٍ حَسَنٍ، أو كان منه للمسلمين وجهُ نَفْع أو رِفْقٍ - فقد أمَرَهم بالملاينة معه. والمُؤلَّفَةُ قلوبهم شاهدٌ لهذه الجملة، " فِإِنَّ الله يحب الرِّفق في جميع الأمور ".
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يمتحنهن باليمين، فَيَحْلِفَنَّ إنَّهن لم يخرجن إلاَّ لله، ولم يخرجن مغايظةً لأزواجهن، ولم يخرجن طمعاً في مالٍ.
وفي الجملة : الامتحانُ طريقٌ إلى المعرفة، وجواهرُ الناس تتبيَّن بالتجربة. ومَنْ أقْدَمَ على شيءٍ من غير تجربة تَحَسَّى كأسَ الندم.
﴿ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ﴾ لا توافِقوا مَنْ خالَفَ الحقَّ في قليل أو كثير.
إذا جاءك النساء يبايعنك على الإسلام فطالِبْهُنَّ وشارِطْهُنَّ بهذه الأشياء :
تَرْك الشِّرك، وترك السرقة والزنا وقتل الأولاد والافتراء في إلحاق النَّسبِ، وألا يعصينك في معروفٍ ؛ فلا يخالفنك فيما تأمرهن به، ويدخل في ذلك تَرْكُ النياحةِ وشقُّ الجيوب ونَتْفُ الشَّعْرِ عند المصيبة وتخميش الوجوه والتبرُّجُ وإظهارُ الزينة. . وغير ذلك مما هو من شعائر الدِّين في الجملة.
الذين غضب الله عليهم هم الكفار. يئسوا من الآخرة كما يئِسَ أصحاب القبور أن يعودوا إلى الدنيا ويُبْعثوا ( بعد ما تبينوا سوء منقلبهم ).
ويقال : كما يئس الكفار حين اعتقدوا أن الخَلْقَ لا يُبْعَثُون في القيامة.