ﰡ
﴿ لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء... ﴾ نزلت في حاطب بن أبي بلتعة. وكان من المهاجرين وممن شهد بدرا، وكان له في مكة قرابة قريبة، وليس له في قريش نسب ؛ إذ هو مولى. فأرسل كتابا إلى أناس من المشركين بمكة، يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عيه وسلم في شأن غزوهم ؛ ليتخذ عندهم يدا فيحموا بها أقاربهم – مع مولاة تسمى سارة. فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بما كان منه ؛ فأرسل في أثرها عليا – كرم الله وجهه – ومعه آخرون فأحضروا الكتاب، واعتذر حاطب ؛ وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم عذره. نهى الله تعالى المؤمنين عن موالاة أعدائه وأعدائهم، وفسرها بقوله تعالى : " تلقون إليهم بالمودة " أي ترسلون إليهم أخباره صلى الله عليه وسلم بسبب ما بينكم وبينهم من المودة، وبقوله : " تسرون إليهم بالمودة ". والحكم عام ولا عبرة بخصوص السبب. وقد ورد النهي عن موالاتهم، واتخاذهم بطانة ووليجة من دون المؤمنين في غير آية، وبينت حكمة النهي في هذه الآية وفي غيرها بما يشهد به الواقع. ﴿ أن تؤمنوا بالله ربكم ﴾ أي لأجل إيمانكم بربكم ؛ فهو العلة لإخراج الرسول والمؤمنين من مكة، وهو العلة دائما في كراهة الكفار للمسلمين. ﴿ ومن يفعله منكم... ﴾ أي ومن يتخذهم منكم أولياء فقد أخطأ طريق الحق والصواب.
﴿ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ﴾ جمع كافرة، والمراد : المشركان الباقيات بدار الحرب، أو اللاحقات بها مرتدات. والعصم : جمع عصمة، وهي ما يعتصم به من عقد وسبب. والمراد هنا : عقد النكاح، أي لا يكن بينكم وبين هؤلاء الزوجات المشركات علقة زوجية ؛ لانقطاع العصمة باختلاف الدارين.
﴿ ولا يأتين ببهتان يفترينه... ﴾ ولا يأتين بأولاد يلتقطنهم وينسبنهم كذبا إلى الأزواج ؛ وليس الراد به الزّنى لتقدم ذكره. ﴿ ولا يعصينك في معروف ﴾ أي في أيّ أمر معروف، ومنه ألا ينحن ولا يشققن جيبا، ولا يخدشن وجها، ولا يدعن بويل عند موت أو مصيبة. ﴿ فبايعهن ﴾ ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء بغير مصافحة ؛ وكان عددهن أربعمائة وسبعا وخمسين امرأة.
﴿ قد يئسوا من الآخرة ﴾ أي قد ترك هؤلاء العمل للآخرة، وآثروا عليها الحياة الفانية ؛ فكانوا بمنزلة اليائسين منها يأسا تاما، شبيها من موتاهم أن يعودوا إلى الدنيا أحياء. أو بيأس الكفار الذين ماتوا على الكفر وعاينوا العذاب في القبور من نعيم الآخرة. والله أعلم.