ﰡ
١٧٨ - قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
١ - أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا والزبير والمقداد فقال: (انطلقوا حتى تأتوا روضةَ خاخٍ، فإن بها ظعينةً معها كتاب، فخذوه منها) قال: فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرِجِنَّ الكتاب أو لنلقِيَنَّ الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا فيه:
وفي رواية للبخاري قال عمرو: ونزلت فيه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) قال: لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو.
حدثنا علي: قيل لسفيان في هذا، فنزلت: (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي). قال سفيان: هذا في حديث الناس، حفظته من عمرو، ما تركت منه حرفًا، وما أُرى أحدًا حفظه غيري.
وفي رواية مسلم للحديث: وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر الآية. وجعلها إسحاق في روايته من تلاوة سفيان.
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.
قال الطبري: (وذُكر أن هذه الآيات من أول هذه السورة نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة، وكان كتب إلى قريش بمكة يطلعهم على أمر كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أخفاه عنهم، وبذلك جاءت الآثار والرواية عن جماعة من أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهم). اهـ.
قال البغوي: (قال المفسرون: نزلت الآية في حاطب بن أبي بلتعة كما جاء في الحديث). اهـ. وقال ابن عطية: (وهذه الآية نزلت بسبب حاطب بن أبي بلتعة). اهـ.
وقال ابن كثير: (وكان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن حاطبًا هذا كان رجلاً من المهاجرين. وكان من أهل بدر أيضًا وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم بل كان حليفًا لعثمان فلما عزم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فتح مكة لما نقض أهلها العهد فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال: (اللهم عمِّ عليهم خبرنا) فعمد حاطب هذا فكتب كتابًا وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يداً فأطلع اللَّه على ذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استجابة لدعائه فبعث في إثر المرأة فأخذ الكتاب منها وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحته). اهـ.
وقال السعدي: (ذكر كثير من المفسرين أن سبب نزول هذه الآيات الكريمات في قصة حاطب بن أبي بلتعة حين غزا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزاة الفتح.
وقال ابن عاشور: (اتفق المفسرون وثبت في صحيح الأحاديث أن هذه الآية نزلت في قضية الكتاب الذي كتب به حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى من قريش. وكان حاطب من المهاجرين أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن أهل بدر) اهـ.
هذه أقوال المفسرين شاهدة ظاهرة تُجمع القولَ أن هذه الآية نزلت بسبب قصة حاطب بن أبي بلتعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ومع هذا فقد مال ابن حجر إلى أن نزول الآية في هذا الحديث زيادة مدرجة فقال: (وقد بيّن سياق علي أن هذه الزيادة مدرجة) ثم استطرد في نقل أقوال المحدثين التي تثبت ذلك.
وعندي - والله أعلم - أن القول ما قال المفسرون وشهرة الأمر عند السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، واتفاقهم عليه تشفي وتكفي، كيف لا وقد أيَّد هذا سياق القرآن.
والحكم بالإدراج لا ينفي نزولها لهذا السبب، إذ قد تنزل ولا تذكر وليس عدم الذكر ذكراً للعدم، وكون أمر نزولها يشتهر على هذا النحو يدل حتماً على أن لذلك أصلاً.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآيات التي معنا لصحة سنده، وموافقته لسياق القرآن، وإجماع المفسرين عليه واللَّه أعلم.
* * * * *
* سَبَبُ النُّزُولِ:
١ - أخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالت: أتتني أمي راغبةً، في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: آصِلُها؟ قال: (نعم). قال ابن عيينة: فأنزل اللَّه تعالى فيها: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ).
٢ - وأخرج أحمد عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قدمت قَيْلة ابنت عبد العزى بن عبد أسعد - من بني مالك بن حِسْل - على ابنتها أسماء ابنة أبي بكر بهدايا ضباب وأقط وسمن - وهي مشركة - فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها. فسألت عائشة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ | ) إلى آخر الآية فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها. |
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر هذين الحديثين البغوي والقرطبي وابن كثير.
قال ابن كثير: (لا ينهاكم اللَّه عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ولم يعاونوا على إخراجكم كالنساء والضعفة منهم أن تحسنوا إليهم وتعدلوا) اهـ. بتصرف.
أما الطبري وابن عطية فقد ذكرا حديث عبد الله بن الزبير فقط.
وقال السعدي: (ولما نزلت هذه الآيات الكريمات المهيجة على عداوة الكافرين وقعت ميق المؤمنين كل موقع، وقاموا بها أتم القيام، وتأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين وظنوا أن ذلك داخل فيما نهى اللَّه عنه فأخبرهم الله أن ذلك لا يدخل في المحرم فقال: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي لا ينهاكم الله عن البر والصلة والمكافأة بالمعروف والقسط للمشركين من أقاربكم وغيرهم حيث كانوا بحال لم ينصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم
وقال ابن حجر: (قال ابن عيينة: فأنزل اللَّه فيها: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) وكذا وقع في آخر حديث عبد اللَّه بن الزبير ولعل ابن عيينة تلقاه منه، وروى ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا ألين شيء جانبًا للمسلمين وأحسنه أخلاقًا. قلت: ولا منافاة بينهما فإن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء) اهـ.
قلت: وفي نفسي من ذكر نزول الآية هنا شيء للأسباب التالية:
١ - أن جميع الطرق عن هشام بن عروة خلت من ذكر النزول إلا سفيان بن عيينة فوحده ذكر النزول عند البخاري، فربما قال هذا تفقهًا من عنده، أو تفقهًا ممن أخبره.
٢ - أن المفسرين عند ذكرهم لهذا تلمس وتُحس في أقوالهم الريب والتردد، ولم يقابلوا الحديث على صحته بالحفاوة والتعليق كالمعتاد بل الطبري على إمامته في التفسير لم يذكر حديث أسماء عند البخاري، ومن ذكره قال وقيل: إنه سبب نزول الآية.
٣ - أن سياق الآيات مرتبط ببعضه من أول السورة إلى الآية التاسعة ويدل على هذا الارتباط أن الله ذكر إخراج المشركين للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين معه في أول آية من السورة ثم ذكر في الآية الثامنة والتاسعة أيضًا الإخراج من الديار وإذا كان آخرها مرتبطًا بأولها فهذا يعني أنها نزلت في سياق الآيات التي تعاتب حاطبًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا صلة لها بقضية أسماء - رضي الله عنها - وأمها إلا من حيث إن عموم لفظها يتناولها أما أن تكون سببها ابتداءً فلا.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا لنزول الآية للشك في ثبوتها (أعني - زيادة التصريح بالنزول) وضعف الحديث الآخر، وتردد بعض المفسرين في إثبات النزول، مع اتصال الآية بقصة حاطب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واللَّه أعلم.
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري وأحمد عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة: يخبران خبرًا من خبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمرة الحديبية أنه لما كاتب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سهيل بن عمرو يوم الحديبية على قضية المدة وكان فيما اشترط سهيلُ بن عمرو أنه قال: لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، وخليت بيننا وبينه وأبى سهيل أن يقاضيَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا على ذلك، فكره المؤمنون ذلك وامَّعضوا، فتكلموا فيه فلما أبى سهيل أن يقاضي رسولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا على ذلك، كاتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرد رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا جندل بن سُهيل يومئذٍ إلى أبيه سهيل بن عمرو، ولم يأتِ رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد من الرجال إلا ردَّه في تلك المدة وإن كان مسلمًا، وجاءت المؤمنات مهاجراتٍ فكانت أم كلثوم بنتُ عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي عاتق فجاء أهلها يسألون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرجعها إليهم، حتى أنزل الله تعالى في المؤمنات ما أنزل.
وفي لفظ للبخاري وأحمد: ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل اللَّه تعالى:
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر هذا الحديث بعض المفسرين كالبغوي وابن العربي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن كثير: (تقدم في سورة الفتح في ذكر صلح الحديبية الذي وقع بين رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين كفار قريش فكان فيه: على أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، وفي رواية على أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وهذا قول عروة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد والزهري ومقاتل بن حيان والسدي فعلى هذه الرواية تكون هذه الآية مخصصةً للسنة وهذا من أحسن أمثلة ذلك، وعلى طريقة بعض السلف ناسخة فإن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أمر عباده المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن). اهـ.
وقال الطبري: (وقوله: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) يقول: فإن أقررت عند المحنة بما يصح به عقد الإيمان لهن، والدخول في الإسلام فلا تردوهن عند ذلك إلى الكفار، وإنما قيل ذلك للمؤمنين، لأن العهد كان جرى بين رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين مشركي قريش في صلح الحديبية أن يرد المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلماً، فأبطل ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات مهاجرات فامتحن، فوجدهن المسلمون مؤمنات، وصح ذلك عندهم مما قد ذكرنا قبل، وأمروا أن لا يردوهن إلى المشركين إذا علم أنهن مؤمنات) اهـ.
وقال ابن عطية: (نزلت إثر صلح الحديبية، وذلك أن الصلح تضمن أن
وقال السعدي: (وأما النساء فلما كان ردهن، فيه مفاسد كثيرة أمر المؤمنين إذا جاءهم المؤمنات مهاجرات وشكوا في صدق إيمانهن أن يمتحنوهن ويختبروهن بما يظهر به صدقهن من أيمان مغلظة وغيرها فإنه يحتمل أن يكون إيمانها غير صادق بل رغبة في زوج أو بلد أو غير ذلك من المقاصد الدنيوية، فإن كن بهذا الوصف تعين ردهن وفاءً بالشرط من غير حصول مفسدة، وإن امتحنوهن فوجدن صادقات أو علموا ذلك منهن من غير امتحان فلا يرجعوهن إلى الكفار) اهـ.
وما ذكره المفسرون في الآية هو الذي دلَّ عليه الحديث الذي معنا وبهذا يكون سبب نزولها.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا هو سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وموافقته لسياق القرآن، وتصريحه بالنزول واحتجاج المفسرين به والله أعلم.
* * * * *
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمتحنُهُن وبلغنا أنه لما أنزل اللَّه تعالى: أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم، وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بِعِصَمِ الكوافر أن عمر طلق امرأتين، قريبةَ بنت أبي أمية، وابنة جرولٍ الخزاعي، فتزوج قريبةَ معاويةُ، وتزوج الأخرى أبو جهم، فلما أبى الكفار أن يُقرُّوا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم أنزل اللَّه تعالى: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ) والعَقَبُ ما يؤدي المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار، فأمر أن يُعطى من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللائي هاجرن، وما نعلم أحدًا من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، لكنّ المفسرين لم يذكروا هذا الحديث عند تفسيرها وإن كانوا ذكروا معناه كالطبري، وابن العربي وابن عطية، والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.
قال الطبري: (واختلف أهل التأويل في المال الذي أُمر أن يُعطى منه الذي ذهبت زوجته إلى المشركين، فقال بعضهم: أُمروا أن يعطوهم صداق من
وقال آخرون: بل أمروا أن يعطوه من الغنيمة أو الفيء... ثم ساق الآثار حتى قال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: أمر الله - عَزَّ وَجَلَّ - في هذه الآية المؤمنين أن يعطوا من فرّت زوجته من المؤمنين إلى أهل الكفر إذا هم كانت لهم على أهل الكفر عقبى، إما بغنيمة يصيبونها منهم، أو بلحاق نساء بعضهم بهم، مثل الذي أنفقوا على الفارّة منهم إليهم، ولم يخصص إيتاءهم ذلك من مال دون مال فعليهم أن يعطوهم ذلك من كل الأموال التي ذكرناها) اهـ. بتصرف.
وقال ابن العربي: (قال علماؤنا: المعنى إن ارتدت امرأة، ولم يرد الكفار صداقها إلى زوجها كما أُمروا فردوا أنتم إلى زوجها مثل ما أنفق) اهـ.
وقال ابن عطية: (واختلف الناس من أي مال يدفع إليه الصداق، فقال محمد بن شهاب الزهري: يدفع إليه من الصدقات التي كانت تدفع إلى الكفار بسبب من هاجر من أزواجهم، وأزال الله تعالى دفعها إليهم حين لم يرضوا حكمه حسبما ذكرناه وهذا قول صحيح يقتضيه قوله تعالى: (فَعَاقَبْتُمْ) اهـ.
وقال السعدي: (إن الكفار إذا كانوا يأخذون بدل ما يفوت من أزواجهم إلى المسلمين فمن ذهبت زوجته من المسلمين إلى الكفار، وفاتت عليه فعلى المسلمين أن يعطوه من الغنيمة بدل ما أنفق) اهـ. بتصرف يسير.
وقال ابن عاشور: (روي أن المسلمين كتبوا إلى المشركين يعلمونهم بما تضمنته هذه الآية من الترادّ بين الفريقين في قوله تعالى: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا
وقال أيضاً: (والمعنى: إن فرت بعض أزواجكم ولحقت بالكفار وحصل التعاقب بينكم وبين الكفار فعقّبتم على أزواج الكفار وعقّب الكفار على أزواجكم وأبى الكفار من دفع مهور بعض النساء اللائي ذهبن إليهم فادفعوا أنتم لمن حرمه الكفار مهر امرأته أي ما هو حقه، واحجزوا ذلك عن الكفار، وهو أظهر ما فسرت به الآية). اهـ باختصار.
وما ذكره المفسرون - بحمد الله - يوافق تماماً ما روته أم المؤمنين - رضي الله عنها - إلا أن الخلاف بينهم ينصبُّ على الجهة التي يُعطى منها من فات له زوج إلى الكفار.
حديث عائشة لم يبين هذا، فمنهم من يقول يُعطى من الغنيمة، ومنهم من يقول يُعطى من أموال الكفار الذين هاجرت زوجاتهم إلى المسلمين.
والأمر - واللَّه أعلم - كما قال ابن كثير: (إن أمكن الأول فهو الأولى وإلا فمن الغنائم اللاتي تؤخذ من أيدي الكفار وهذا أوسع) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، واتفاق المفسرين على معناه واللَّه أعلم.
* * * * *