ﰡ
﴿إِذَا جَاءكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله﴾ أرادوا شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم ﴿والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ أي والله يعلم أن الأمر كما يدل عليه قولهم إِنَّكَ لَرَسُولُ الله ﴿والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون﴾ في ادعاء المواطأة أو إنهم لكاذبون فيه لأنه اذا خلا عن الموطأة لم يكن شهادة في الحقيقة فهم كاذبون في تسميته شهادة أو إنهم لكاذبون عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم إِنَّكَ لرسول الله صلى الله كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه
﴿اتخذوا أيمانهم جُنَّةً﴾ وقاية من السبي والقتل وفيه دليل على أن أشهد يمين ﴿فَصَدُّواْ﴾ الناس ﴿عَن سَبِيلِ الله﴾ عن الإسلام بالتنفير وإلقاء الشبه ﴿إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله وفي ساء معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين
﴿ذلك﴾ إشارة إلى قوله سَاء مَا كَانُواْ يعملون أي ذلك القول الشاهدة عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا ﴿بأنهم﴾ بسب أنهم ﴿آمنوا ثُمَّ كَفَرُواْ﴾ أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان وبالايمان
والخطاب في ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجسامهم﴾ لرسول الله أو لكل من
يخاطب ﴿وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ كان ابن أبي رجلا جسيما صبيحا واضحا وقوم من المنافقين في مثل صفته فكانوا يحضرون مجلس النبي ﷺ فيستندرون فيه ولهم جهارة المناظرة وفصاحة الألسن فكان النبي ﷺ ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم وموضع ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ﴾ رفع على هم كأنهم خشب أو هو كلام مستأنف لا محل له ﴿مُّسَنَّدَةٌ﴾ إلى الحائط شبهوا في اسنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير بالخشب المسندة على الحائط لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جمار أو غيرها من مظان الانتفاع وما دام متروكاً غير منتفع به اسند على الحائط فشبهوا به في عدم الانتفاع أو لأنهم أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام خُشُبٌ أبو عمرو غير عباس وعلي جمع خشبة كبدنة وبدن وخشب كثمرة وثمر ﴿يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم﴾ كُلَّ صَيْحَةٍ مفعول أول والمفعول الثاني عَلَيْهِمْ وتم الكلام أي يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم لخيفتهم ورعبهم يعني إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة وانشدت ضالة ظنوه إبقاعا بهم ثم قال ﴿هُمُ العدو﴾ أي هم الكاملون في العدواة لان اعدى الاعداء العدو المداجي الذي الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُؤُوسَهُمْ﴾ عطفوها وأمالوها إعراضاً عن ذلك واستكبارا الواوا بالتخفيف نافع ﴿ورأيتهم يصدون وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ عن الاعتذار والاستغفار رُوي أن رسول الله ﷺ حين لقي بني المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم ازدحم على الماء جهجاه ابن سعيد أجير لعمر وسنان الجهني حليف لابن ابي واقتتلا فصرخ جهجاه للمهاجرين وسنان يا للأنصار فأعان جهجاها من فقراء المهاجرين ولطم سنان فقال عبد الله الجعال وأنت هناك وقال ما صحبنا محمداً إلا لنلطم والله ما مثلنا ومثلما إلا كما قال سمن كلبك يأكلك وأما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل عني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله ﷺ ثم قال لقومه والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم فلا تنفقوا عليه ينفضوا من حول محمد بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد على رأسه تاج المعراج في عز من الرحمن وقوة من المسلمين فقال عبد الله اسكت فإنما كنت ألعب فأخبر زيد رسول الله ﷺ فقال عمر رضي الله عنه دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله فقال إذن ترعد أنف كثيرة بيثرب قال فإن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصارينا قال فكيف اذا تحد الناس
أن محمدا يقتل اصحابه وقال عليه الصلاة السلام لعبد الله أنت صاحب الكلام الذي بلغني قال والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك وإن زيداً لكاذب فهو قوله اتخذوا أيمانهم جُنَّةً فقال الحاضرون يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام عسى أن يكن قد وهم فلما نزلت قال
﴿سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ﴾ أي ما داموا على النافق والمعنى سواء عليم الاستغفار وعدمه لأنهم لا يلتفتون إليه ولا يعتدون به لكفرهم أو لأن الله لا يغفر لهم وقرئ استغفرت على حذف حرف الاستفهام لأن أم المعادلة تدل عليه ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين﴾
﴿هُمُ الذين يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عند رسول الله حتى تنفضوا﴾ يتفرقوا ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السماوات والأرض﴾ أي وله الأرزاق القسم فهو رازقهم نمها وإن أبى أهل المدينة أن ينفقوا عليهم ﴿ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ﴾ ولكن عبد الله وأضرابه جاهلون لا يفقهون ذلك فيهذون بما يزين لهم الشيطان
﴿يقولون لئن رجعنا﴾ من غزوة بن المصطلق ﴿إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل وَلِلَّهِ العزة﴾ الغلبة والقوة ﴿وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ولمن أعزه الله وأيده من رسوله ومن المؤمنين وهم الأخصاء بذلك كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين وعن بعض الصالحات كانت في هيئة رثة ألست على الاسلام وه والعز الذي لا ذل معه والغني الذي لا فقر معه وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رجلاً قال له إن الناس يزعمون
﴿يا أيها الذين آمنوا لاَ تُلْهِكُمْ﴾ لا تشغلكم ﴿أموالكم﴾ والتصرف فيها والسعي في تدبير امرها بالنماء وطلب التاج ﴿وَلاَ أولادكم﴾ وسروركم بهم وشفقتكم عليهم والقيام بمؤنهم ﴿عَن ذِكْرِ الله﴾ أي عن الصلوات الخمس أو عن القرآن ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك﴾
يريد الشغل بالدنيا عن الدين وقيل من يشتغل بثمير أمواله عن تدبير أحواله وبمرضاة أولاده عن إصلاح معاده ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون﴾ في تجارتهم حيث باعوا الباقي بالفاني
﴿وأنفقوا من ما رزقناكم﴾ من للتبعيض والمرد بالإنفاق الواجب ﴿مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الموت﴾ أي من أن يرى قبل دلائل الموت ويعاين ما ييأس معه من الإمهال ويتعذر عليه الإنفاق ﴿فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى﴾ هلا أخرت موتي ﴿إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ إلى زمان قليل ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ فأتصدق وهو جواب لولا ﴿وَأَكُن مّنَ الصالحين﴾ من المؤمنين والآية في المؤمنين وقيل في المنافقين وأكون أبو عمرو بالنصب عطفاً على اللفظ والجزم على موضع فَأَصَّدَّقَ كأنه قيل إن أخرتني أصدق وأكن
﴿وَلَن يُؤَخّرَ الله نَفْساً﴾ عن الموت ﴿إِذَا جَاء أَجَلُهَا﴾ المكتوب في اللوح المحفوظ ﴿والله خبير بما تعملون﴾ يعملون حماد ويحيى المعنى أنكم اذا علمتم أن تأخير الموت عو وقته مما لا سبيل إليه وأنه هاجم لا محالة وأن الله عليم
سورة التغابن ثماني عشرة آية مختلف فيها
بسم الله الرحمن الرحيم