ﰡ
٦٣٣- في الحديث : " كان من قبلنا يضع الغنائم فتأتي نار من السماء تأكلها " ١، وكانت حراما عليهم لما في مسلم : قال عليه السلام : " فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون " ٢. قال ابن يونس : اختلف أصحابه عليه السلام يوم بدر قبل نزول المنع إلا عمر رضي الله عنه، فعاتبهم الله تعالى بقوله :﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾٣ يريد : في تحليلها ﴿ لمسَّكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم ﴾٤ الآية. ثم تنازعت طائفة غنموها، وطائفة اتبعوا العدو، وطائفة أحذقوا بالنبي عليه السلام، فنزل :﴿ يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ﴾ فسلموها له عليه السلام ببدر ثم نسخ ببدر بقوله تعالى :﴿ واعلموا إنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ فاختص عليه السلام بالخمس٥ بقوله : " ما لي إلا الخمس، والخمس مردود عليكم " ٦ وإلا فظاهر الآية يقتضي أن له السدس. ( نفسه : ٣/٤٢٣- ٤٢٤ )
٢ - رواه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، في فاتحته. والترمذي في السير، باب: ما جاء في الغنيمة، عن أبي هريرة..
٣ - سورة الأنفال: ٦٩..
٤ - سورة الأنفال: ٦٩- ٧٠..
٥ - يرى د. مصطفى زيد أن ذلك ليس نسخا، وإنما هو تفصيل لمجمل، حيث قال: "والصحيح أن الآية الأولى أجملت الجواب عن سؤالهم. فقالت: ﴿الأنفال لله والرسول﴾ بمعنى: حكم الأنفال لله يحكم فيها بما يشاء ويقسمها الرسول على ما حكم به الله، فإن فيه وحده ما يكفل المصلحة. ثم جاءت الآية الثانية ففصلت هذا الإجمال، حيث قررت أن الغنيمة توزع أخماسا، وأن خمسا واحدا منها للذين ذكروا في الآية، أما الأخماس الأربعة الباقية فإن سكوتها عنها يشعر بأنها حق للغانمين...". النسخ في القرآن: ٢/٦١٨..
٦ - خرجه النسائي في سننه، كتاب الفيء، عن عبادة بن الصامت..
٦٣٦- قيل : خاص ببدر، والصحيح تعميمه إلى الأبد. ( الذخيرة : ٣/٤١١ )
في الموطأ : " قالت أم سلمة : يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم، إذا كثر الخبث " ١.
وقال الله تعالى :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ وعارض هذه النصوص قوله تعالى :﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾٢ وقوله تعالى :﴿ لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ﴾٣.
٢ - سورة الإسراء: ١٥..
٣ - سورة المائدة ١٠٥..
٦٣٩- دليل وجوب عرض التوبة على المرتد قوله تعالى :﴿ قل للذين كفروا ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف ﴾، والأمر للوجوب، ولأنه إجماع الصحابة، ولأنه يحتمل أن تكون عرضت له شبهة فتأول أو يزيلها عنه. ( نفسه : ١٢/٤٠ )
٢ - ن: مراتب الإجماع لابن حزم: ١٢٧..
٦٤١- مفهومه : أن الأربعة الأخماس للغانمين. ( نفسه : ٣/٨ )
٦٤٢- الآية تقتضي أن السلب١ فيه الخمس لله عز وجل، وبقيته للغانمين. ( الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام : ١١٨ )
٦٤٣- جعل الغانمين شركاء فيما غنموا بقتالهم، وهي شركة الأبدان. ( الذخيرة : ٨/٣٣ )
٦٤٤- قال أبو حنيفة رحمه الله : تعتبر الحاجة مع القرابة، ثم جوز حرمان ذوي القربى٢ فقال الشافعية : هذا تخصيص باطل لا يحتمله اللفظ، لأنه أضاف المال إليهم بلام التمليك، وعرف كل جهة بصفة، وعرف هذه الجهة في الاستحقاق بالقرابة. وأبو حنيفة ألغى القرابة المذكورة، واعتبر الحاجة المذكورة، وهذا بعيد عن اللفظ٣.
قال الغزالي : " وهذا عندي في محل الاجتهاد، وليس فيه إلا تخصيص عموم لفظ ذوي القربى بالمحتاجين منهم كما فعله الشافعية على أحد القولين في اعتبار الحاجة مع اليتيم في سياق هذه الآية٤.
فإن قال : لفظ اليتيم ينبئ عن الحاجة، فلم يحمل عليه قوله عليه السلام : " لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر " ٥ فإن قرينة إعطاء المال هي المنبهة على اعتبار الحاجة مع اليتم، فله أن يقول : اقتران ذي القربى باليتامى والمساكين قرينة دالة أيضا على ذلك، وإنما دعا إلى ذكر القرابة كونهم محرومين من الزكاة حتى يعلم أنهم ليسوا محرومين من هذا المال.
فهذا تخصيص لو دل عليه دليل لوجب قبوله، فليس ينبو عنه اللفظ نبوة حديث النكاح بلا ولي، وأنه أريد به المكاتبة. ( العقد : ٢/٢٢٨-٢٢٩ )
٢ - ن: بداية المجتهد: ٣/٤٤٧..
٣ - يقول د. محمد بننصر: "الآية بيان لما أجمل من حكم الأنفال الذي افتتحت به السورة. فما حصل عليه المسلمون من الغنائم فإن لله والرسول حقا فيه وهو الخمس، ولذي القربى من بني هاشم وعبد المطلب- على أرجح الأقوال- والجمهور على أنهم يستحقون دون اشتراط الفقر لأن ظاهر الآية أن القرابة هي سبب الحق، واللفظ يساعد على ذلك. وأبو حنيفة جعل الحق منوطا بالفقر، فمن كان محتاجا أخذ، ومن كان غير محتاج حرم، وتخصيصه هذا يحتاج إلى مستند" ن: العقد المنظوم: ٢/٢٢٩ هامشا..
٤ - ن: المستصفى: ١/٤٠٨..
٥ - رواه أصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعا بألفاظ متقاربة، في كتب النكاح..
٦٤٧- قال ابن حبيب : اختلف في قوله تعالى :﴿ ألآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ﴾ قيل : التخفيف في العدد، فلا يفر العدد من مثليه وإن كان أشد منهم سلاحا وجلدا إلا أن يكون بأرض الحرب بموضع مددهم فله التولية سعة. وقيل : ذلك إنما هو في القوة دون العدد. ( الذخيرة : ٣/٤١٠ )
٦٥٠- قوله تعالى :﴿ إلا تفعلوه ﴾ : إذا قيل : " إلا " في الآية استثنت ماذا ؟ وما المستثنى ؟ وما المستثنى منه ؟
قلنا : ليس هاهنا استثناء، بل " إلا " هاهنا مدغمة. والفرق بينها وبين " إلا " في الاستثناء من عشرة أوجه :
أحدهما : أن " إلا " هاهنا مركبة من حرفين، تقديره : " إن لا تفعلوه ". والنون والتنوين يدغمان في اللام، لأنها تدغم في حروف " يرملون "، فلما أدغمت بنيت " إلا " على صورة حرف الاستثناء، و " إلا " تلك حرف واحد لا تركيب فيه.
وثانيها : أن هذه تقضي إبطال جملة ما تقدم قبلها، وتقرر نقيضه على صورة التعليق، وتلك تقتضي إبطال بعض ما تقدم فقط، أو إثبات بعضه إن كان الاستثناء من نفي.
وثالثها : هذه لا تقع بعدها إلا الجملة الفعلية والاسمية، لأنه جواب شرط، وجواب الشرط لابد أن يكون جملة، وتلك يقع بعدها المفرد بدلا منصوبا أو مرفوعا أو مجرورا، أو غير بدل منصوبا مطلقا. وهذه يجوز أن تقترن بها الواو لأنها ابتداء جملة، والواو يجوز اقترانها بأوائل الجمل، وتلك يمتنع معها الواو، فلا تقول : " قام القوم وإلا زيدا " لأن الواو للتشريك والجمع، و " إلا " للإخراج، فهما متناقضتان، فلا يجمع بينهما.
ورابعها : هذه تتعين للاستقبال، لأن المعلق والمعلق عليه لابد وأن يكونا مستقبلين، فإن معنى ذلك : ربط أمر متوقع بأمر مستقبل، وتوقيف دخوله في الوجود على دخوله، والماضي الحال لا معنى لتوقيفهما على غيرهما، لتعيينهما للوقوع. والإخراج يحتمل الماضي والحال والاستقبال، لصحة الاستثناء من جميع ذلك.
وخامسها : هذه معها كلام مضمر، وهو تقدير عدم ما قبلها معلقا عليه غيره، وتلك مستقلة لا إضمار معها إلا عامل، على الخلاف في العامل بعد إلا ما هو ؟
وسادسها : هذه لا توجب تعدية الفعل الذي قبلها، بل تستأنف بعدها جملة أخرى، وتلك تعدي الفعل الذي قبلها، فيعمل فيما بعدها كما يفعله حرف الجر في التعدية.
وسابعها : هذه داخلة على ما هو مقصود، لأن التعاليق اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم، والأسباب شأنها الاشتمال على الحكم والمصالح، فهي مقصودة، وتلك لا تدخل على ما هو مقصود بل تخرج ما هو ليس بمقصود عما هو مقصود، لأن هذا هو شأن الاستثناء أن يخرج ما عساه سها عنه المتكلم فأدرجه، ولذلك منعه بعض العلماء إلا فيما هو أقل، لأنه هو الذي يعذر في الغفلة عنه عادة، أما أكثر الكلام فلا.
وثامنها : أن هذه تتعين لنقيض ما تقدم، فإنك أدخلت " لا " لنفي ما تقدم وتعليق نقيضه، فكانت في الاستثناء المنقطع، فلم تتعين لنقيض كما في قوله تعالى :﴿ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ﴾١، فما بعد " إلا " ليس نقيض :﴿ لا يذوقون فيها الموت ﴾ : " يذوقون، وهو تعالى لم يحكم به، بل بالموتة الأولى في الدنيا ".
وتاسعها : أن هذه شأنها أن يصحبها الشك لما فيها من التعيق على " إن "، وشأن " إن " لا يعلق عليها إلا المحتمل، فلا تقول : " إن زالت الشمس اليوم أكرمتك "، بل : " ذا زالت الشمس أكرمتك "، فإن " إذا " يعلق عليها المحتمل، وغيره، بخلاف " إن ".
وأما تلك فلا يصحبها الشك، لأنها حكم بالنقيض، والحكم يعتمد الاعتقاد.
والمعلق في هذه ليس حاكما بوقوع النقيض، بل بالربط بين النقيض وما يترتب عليه من الشروط.
وعاشرها : أن هذه لا يجب إيصالها بما تقدم من الزمان، بل يجوز أن تقول بعد مدة طويلة، " إلا يكن كذا فحكمه كذا "، لأنه كلام مستقل له إيقاعه، متصلا ومنفصلا.
وتلك يجب اتصالها بالزمان على الصحيح من المذاهب، لأنها فضلة في الكلام لا مستقلة، والفضلة في الكلام لا يجوز إفرادها بخلاف الجملة المستقلة، يجوز أن ينطق بها في أي زمان شاء المتكلم. ( الاستغناء : ٥٧ إلى ٦٠ )