ﰡ
قوله تعالى :﴿ وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربّهم يتوكّلون ﴾ [ الأنفال : ٢ ].
إن قلتَ : كيف قال ذلك، مع أن حقيقة الإيمان –عند الأكثر- لا تزيد ولا تنقص، كالإلهية والوحدانية ؟
قلتُ : المراد بزيادته آثاره من الطمأنينة، واليقين، والخشية ونحوها، وعليه يُحمل ما نُقل عن الشافعي من أنه يقبل الزيادة والنقص.
إن قلتَ : فيه تحصيل الحاصل ؟
قلتُ : لا، لأن المراد بالحقّ الإيمان، وبالباطل الشرك.
فإن قلتَ : ما فائدة تكرار ﴿ ليحقّ الحقّ ﴾ هنا مع قوله قبلُ ﴿ ويريد الله أن يحقّ الحقّ بكلمته ويقطع دابر الكافرين ﴾ [ الأنفال : ٧ ].
قلتُ : فائدته أنه أُريد بالأول، ما وعد الله به في هذه الواقعة، من النّصر والظفر بالأعداء، بقرينة قوله عَقِبه ﴿ ويقطع دابر الكافرين ﴾.
وبالثاني تقوية الدّين، ونصرة الشريعة، بقرينة قوله عقبه ﴿ ويبطل الباطل ﴾.
إن قلتَ : كيف نفى عن المؤمنين قتل الكفّار، مع أنهم قتلوهم يوم بدر، ونفى عن النبي صلى الله عليه وسلم رميهم، مع أنه رماهم يوم بدر بالحصباء في وجوههم ؟ !
قلتُ : نفي الفعل عنهم وعنه باعتبار الإيجاد، إذ الموجد له حقيقة هو الله تعالى، وإثباته لهم وله باعتبار الكسب والصورة( ١ ).
أو أُفرد باعتبار عوده إلى الله وحده، لأنه الأصل، مع أن طاعة الله، وطاعة رسوله متلازمتان. أو أنّ الاسم المفرد، يأتي في لغة العرب ويُراد به الاثنان والجمع، كقولهم : إنعام فلان ومعروفه يُغنيني، والإنعام والمعروف لا ينفع مع فلان، وعلى ذلك قوله تعالى :﴿ والله ورسوله أحقّ أن يُرضوه ﴾ [ التوبة : ٦٢ ].
إن قلتَ : قد عذّبهم الله يوم بدر والنبي صلى الله عليه وسلم فيهم ؟
قلتُ : المراد ﴿ وأنت فيهم ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ] مقيم بمكة، وتعذيبهم ببدر إنما كان بعد خروجه من مكة.
أو المراد : ما كان الله ليعذبهم العذاب الذي طلبوه وهو إمطار الحجارة( ١ ) وأنت فيهم.
إن قلتَ : هذا ينافي قوله أولا ﴿ وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم ﴾ ؟ ! [ الأنفال : ٣٣ ].
قلتُ : لا منافاة، لأن الأول مقيّد بكونه صلى الله عليه وسلم فيهم، والثاني بخروجه عنهم. أو المراد : بالأول عذاب الدنيا، وبالثاني عذاب الآخرة.
إن قلتَ : فائدة تقليل الكفّار في أعين المؤمنين ظاهر، وهو زوال الرعب من قلوب المؤمنين، فما فائدة تقليل المؤمنين في أعين الكفار، في قوله :﴿ ويقلّلكم في أعينهم ﴾ ؟ [ الأعراف : ٤٤ ].
قلتُ : فائدته ألا يبالغوا في الاستعداد لقتال المؤمنين، لظنهم كمال قدرتهم فيقدموا عليهم، ثم تفجؤهم كثرة المؤمنين، فيُدهشوا، ويتحيروا، ويفشلوا.
إن قلتَ : كيف قال الشيطان ذلك، مع أنه لا يخافه، وإلا لما خالفه وأضلّ عبيده ؟ !
قلتُ : قاله كذبا كما قاله قتادة( ١ )، أو صدقا كما قاله عطاء، لكنه خالف عناداً.
أو الخوف بمعنى العلم، كما في قوله تعالى :﴿ إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] أي أعلم صدق وعد الله نبيّه النصر.
والثاني : إخبار عن عذاب مكَّن الله ُ الناس من فعل مثله، وهو الإهلاك والإغراق.
أو معنى الأول ﴿ كدأب آل فرعون ﴾ [ الأنفال : ٥٢ ] فيما فعلوا، والثاني ﴿ كدأب آل فرعون ﴾ فيما فُعِلَ بهم.
أو المراد بالأول كفرهم بالله، وبالثاني تكذيبهم الأنبياء.
قلتُ : مرادُه أن يبيّن أن شرّ الدواب هم الذين كفروا، واستمرّوا على كفرهم إلى وقت موتهم.
وفائدة التكرار الدّلالة على أن الحال مع الكثرة والقلة لا يختلف، فكما تغلِب العشرون المائتين، تغلب المائة الألف، وكما تغلب المائة المائتين، يغلب الألف الألفين.