تفسير سورة النصر

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة النصر من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة النصر، وهي مدنية.

قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح﴾ أَجمعُوا على أَن الْفَتْح هُوَ فتح مَكَّة، وَقيل: إِن النَّصْر فِيهِ أَيْضا، وَيُقَال: إِن النَّصْر هُوَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَالْأول هُوَ الْأَظْهر وَالْأَشْهر.
وَقَوله: ﴿وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا﴾ أَي: زمرا زمرا، وفوجا فوجا.
وَفِي التَّفْسِير: أَن رَسُول الله لما فتح مَكَّة قَالَ الْمُشْركُونَ: إِن مُحَمَّدًا قد نَصره الله على قُرَيْش، وهم أهل الله وَأهل حرمه، فقد منع الله الْفِيل عَنْهُم فَلَا يدان لأيد [أحد] بِمُحَمد يَعْنِي: لَا قُوَّة، فَدَخَلُوا فِي دينه أَفْوَاجًا وَكَانَت الْقَبِيلَة بأسرها تسلم، ووفد عَلَيْهِ الْوُفُود من الجوانب، وَدخل أَكثر ديار الْعَرَب فِي الْإِسْلَام، وَلم يبْق إِلَّا الْقَلِيل، وَقد كَانَ قبل ذَلِك يدْخل الْوَاحِد والاثنان على خوف شَدِيد، فَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا﴾.
وَقَوله: ﴿فسبح بِحَمْد رَبك﴾ أَي: صل حامدا لِرَبِّك.
وَالأَصَح أَن مَعْنَاهُ: ﴿اذكره بالتحميد وَالشُّكْر لهَذِهِ النِّعْمَة الْعَظِيمَة، فَإِن التَّسْبِيح هُوَ بِمَعْنى الذّكر فَصَارَ معنى الْآيَة على هَذَا: فاذكر رَبك بالتحميد وَالشُّكْر.
وَقَوله: {وَاسْتَغْفرهُ﴾
أَي: اطلب التجاوز وَالْعَفو عَنهُ.
وَقَوله: ﴿إِنَّه كَانَ تَوَّابًا﴾ أَي: تَوَّابًا على عباده، وَيُقَال: التواب هُوَ المسهل لسبيل التَّوْبَة، وَيُقَال: هُوَ الْقَابِل لَهَا.
296
وَقد ثَبت عَن ابْن عَبَّاس أَن فِي الصُّورَة نعي النَّبِي إِلَى نَفسه، وَأمره بالتسبيح وَالِاسْتِغْفَار ليَكُون؛ آخر أمره وخاتمة عمله على زِيَادَة الطَّاعَة وَالذكر لله.
وَورد أَيْضا أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - كَانَ إِذا حضر الْمُهَاجِرين واستشارهم فِي شَيْء، أحضر مَعَهم عبد الله بن عَبَّاس، فَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن لنا أَوْلَادًا مثله - يَعْنِي أَنَّك لَا تحضرهم - فَقَالَ: إِنَّه من حَيْثُ تعلمُونَ، ثمَّ إِنَّه سَأَلَهُمْ مرّة عَن هَذِه السُّورَة فَقَالُوا: إِن الله تَعَالَى أَمر رَسُول الله بالتسبيح وَالِاسْتِغْفَار حِين جَاءَهُ الْفَتْح، وَدخل النَّاس فِي الدّين أَفْوَاجًا، فَسَأَلَ عبد الله بن عَبَّاس عَن معنى السُّورَة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن الله تَعَالَى نعى إِلَى رَسُول الله نَفسه بِهَذِهِ السُّورَة، وَأمره بِزِيَادَة الْعَمَل وَالذكر؛ ليَكُون خَاتِمَة عمره عَلَيْهِ فَقَالَ لسَائِر الْمُهَاجِرين: إِنَّمَا أحضرهُ لهَذَا وَأَمْثَاله، أَو كَلَام هَذَا مَعْنَاهُ، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور فِي الصَّحِيح فِي هَذَا الْخَبَر أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أجل رَسُول الله أعلمهُ إِيَّاه فَقَالَ لَهُ عمر: وَالله لَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا تعلم.
وَقيل: إِن السُّورَة نزلت فِي أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق.
وَقيل: إِن رَسُول الله لم يَعش بعد هَذِه السُّورَة إِلَّا ثَمَانِينَ لَيْلَة.
وَقد قيل: إِنَّهَا آخر سُورَة نزلت من الْقُرْآن كَامِلَة، وَالله أعلم.
297

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿تبت يدا أبي لَهب وَتب (١) ﴾
تَفْسِير سُورَة تبت
وَهِي مَكِّيَّة
298
Icon