ﰡ
﴿سُبْحَان﴾ أَيْ تَنْزِيه
﴿الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
﴿لَيْلًا﴾ نُصِبَ عَلَى الظَّرْف وَالْإِسْرَاء سَيْر اللَّيْل وَفَائِدَة ذِكْره الْإِشَارَة بِتَنْكِيرِهِ إلَى تَقْلِيل مُدَّته
﴿مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى﴾ بَيْت الْمَقْدِس لِبُعْدِهِ مِنْهُ
﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْله﴾ بِالثِّمَارِ وَالْأَنْهَار
﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتنَا﴾ عَجَائِب قُدْرَتنَا
﴿إنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير﴾ أَيْ الْعَالِم بِأَقْوَالِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَاله فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْإِسْرَاءِ الْمُشْتَمِل عَلَى اجْتِمَاعه بِالْأَنْبِيَاءِ وَعُرُوجه إلَى السَّمَاء وَرُؤْيَة عَجَائِب الْمَلَكُوت وَمُنَاجَاته لَهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُتِيت بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّة أَبْيَض فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل يَضَع حَافِره عِنْد مُنْتَهَى طَرَفه فَرَكِبْته فَسَارَ بِي حَتَّى أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس فَرَبَطْت الدَّابَّة بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِط فِيهَا الْأَنْبِيَاء ثُمَّ دَخَلْت فَصَلَّيْت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْت فَجَاءَنِي جِبْرِيل بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْر وَإِنَاء مِنْ لَبَن فَاخْتَرْت اللَّبَن قَالَ جِبْرِيل أَصَبْت الْفِطْرَة قَالَ ثُمَّ عُرِجَ بِي إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل قِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد قِيلَ أَوَ قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَم فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِالْخَيْرِ ثُمَّ عُرِجَ بِي إلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فقيل مَنْ أَنْتَ قَالَ
364
جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد قِيلَ أَوَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا بِابْنَيْ الْخَالَة يَحْيَى وَعِيسَى فَرَحَّبَا بِي وَدَعَوَا لِي بِالْخَيْرِ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ
365
جِبْرِيل فَقِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد فَقِيلَ أَوَ قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُف وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْر الْحُسْن فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيل فَقِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد فَقِيلَ أَوَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيس فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بنا السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيل فَقِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد فَقِيلَ أَوَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بَهَارُونَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيل فَقِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد فَقِيلَ أَوَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جبريل فقيل مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد فَقِيلَ أَوَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيم فَإِذَا هُوَ مُسْتَنِد إلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِذَا هُوَ يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَإِذَا أَوْرَاقهَا كَآذَانِ الْفِيَلَة وَإِذَا ثَمَرهَا كَالْقِلَالِ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أمر الله ما غشيها تغير فَمَا أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه تَعَالَى يَسْتَطِيع أَنْ يَصِفَهَا مِنْ حُسْنهَا قَالَ فَأَوْحَى اللَّه إلَيَّ مَا أَوْحَى وَفَرَضَ عَلَيَّ فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة خَمْسِينَ صَلَاة فَنَزَلْت حَتَّى انْتَهَيْت إلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبّك عَلَى أُمَّتك قُلْت خَمْسِينَ صَلَاة فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة قَالَ ارْجِعْ إلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ وَإِنِّي قَدْ بَلَوْت بَنِي إسْرَائِيل وَخَبَرْتهمْ قَالَ فَرَجَعْت إلَى رَبِّي فَقُلْت أَيْ رَبّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا فَرَجَعْت إلَى مُوسَى قَالَ مَا فَعَلْت فَقُلْت قَدْ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا قَالَ إنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ فَارْجِعْ إلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك قَالَ فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِع بَيْن رَبِّي وَبَيْن مُوسَى وَيَحُطّ عَنِّي خَمْسًا خَمْسًا حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّد هِيَ خَمْس صَلَوَات فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة بِكُلِّ صَلَاة عَشْر فَتِلْكَ خَمْسُونَ صَلَاة وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَة فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ فَإِنْ عَمِلَهَا كتبت له سيئة واحدة فنزلت حتى انتهت إلَى مُوسَى فَأَخْبَرْته فَقَالَ ارْجِعْ إلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ فَقُلْت قَدْ رَجَعْت إلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْت رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ وَرَوَى الْحَاكِم في المستدرك عن بن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم رأيت ربي عز وجل
366
قال تعالى ﴿واتينا موسى الكتاب﴾ التوراة ﴿وجعلناه هدى لبني إسرائيل﴾ ل ﴿أ﴾ ن ﴿لا يتخذوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾ يُفَوِّضُونَ إلَيْهِ أَمْرهمْ وَفِي قِرَاءَة تَتَّخِذُوا بِالْفَوْقَانِيَّةِ الْتِفَاتًا فَأَنْ زَائِدَة وَالْقَوْل مضمر
يا ﴿ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح﴾ فِي السَّفِينَة ﴿إنه كان عبدا شَكُورًا﴾ كَثِير الشُّكْر لَنَا حَامِدًا فِي جَمِيع أحواله
﴿وقضينا﴾ أوحينا ﴿إلى بني إسرائيل فِي الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْض﴾ أَرْض الشام بالمعاصي ﴿مرتين وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ تَبْغُونَ بَغْيًا عَظِيمًا
﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا﴾ أُولَى مَرَّتَيْ الْفَسَاد ﴿بعثنا عليكم عبادا لنا أُولِي بَأْس شَدِيد﴾ أَصْحَاب قُوَّة فِي الْحَرْب وَالْبَطْش ﴿فَجَاسُوا﴾ تَرَدَّدُوا لِطَلَبِكُمْ ﴿خِلَال الدِّيَار﴾ وَسْط دِيَاركُمْ لِيَقْتُلُوكُمْ وَيَسْبُوكُمْ ﴿وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾ وَقَدْ أَفْسَدُوا الْأُولَى بِقَتْلِ زَكَرِيَّا فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ جَالُوت وَجُنُوده فَقَتَلُوهُمْ وَسَبَوْا أَوْلَادهمْ وَخَرَّبُوا بَيْت الْمَقْدِس
﴿ثم رددنا لكم الْكَرَّة﴾ الدَّوْلَة وَالْغَلَبَة ﴿عَلَيْهِمْ﴾ بَعْد مِائَة سَنَة بقتل جالوت ﴿وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا﴾ عشيرة
وقلنا ﴿إنْ أَحْسَنْتُمْ﴾ بِالطَّاعَةِ ﴿أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ لِأَنْ ثَوَابه لها ﴿وإن أسأتم﴾ بالفساد ﴿فلها﴾ إساءتكم ﴿فإذا جاء وَعْد﴾ الْمَرَّة ﴿الْآخِرَة﴾ بَعَثْنَاهُمْ ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ﴾ يُحْزِنُوكُمْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْي حُزْنًا يَظْهَر فِي وُجُوهكُمْ ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد﴾ بَيْت الْمَقْدِس فَيُخَرِّبُوهُ ﴿كَمَا دَخَلُوهُ﴾ وَخَرَّبُوهُ ﴿أول مرة وليتبروا﴾ يهلكوا ﴿ما علوا﴾ غبلوا عَلَيْهِ ﴿تَتْبِيرًا﴾ هَلَاكًا وَقَدْ أَفْسَدُوا ثَانِيًا بِقَتْلِ يَحْيَى فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ بُخْتُنَصَّر فَقَتَلَ مِنْهُمْ أُلُوفًا وسبى ذريتهم وخرب بيت المقدس
وقلنا في الكتاب ﴿عسى ربكم أن يَرْحَمكُمْ﴾ بَعْد الْمَرَّة الثَّانِيَة إنْ تُبْتُمْ ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ﴾ إلَى الْفَسَاد ﴿عُدْنَا﴾ إلَى الْعُقُوبَة وَقَدْ عَادُوا بِتَكْذِيبِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُلِّطَ عَلَيْهِمْ بِقَتْلِ قُرَيْظَة وَنَفْي النَّضِير وَضَرْب الْجِزْيَة عَلَيْهِمْ ﴿وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا﴾ محبسا وسجنا
﴿إن هذا القرآن يهدي لِلَّتِي﴾ أَيْ لِلطَّرِيقَةِ الَّتِي ﴿هِيَ أَقْوَم﴾ أَعْدَل وأصوب ﴿ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا﴾
١ -
﴿وَ﴾ يُخْبِر ﴿أَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا﴾ أَعْدَدْنَا ﴿لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ مُؤْلِمًا هُوَ النار
١ -
﴿ويدعو الْإِنْسَان بِالشَّرِّ﴾ عَلَى نَفْسه وَأَهْله إذَا ضَجِرَ ﴿دُعَاءَهُ﴾ أَيْ كَدُعَائِهِ لَهُ ﴿بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَان﴾ الْجِنْس ﴿عَجُولًا﴾ بِالدُّعَاءِ عَلَى نَفْسه وَعَدَم النَّظَر في عاقبته
١ -
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ﴾ دَالَّتَيْنِ عَلَى قُدْرَتنَا ﴿فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل﴾ طَمَسْنَا نُورهَا بِالظَّلَامِ لِتَسْكُنُوا فيه والإضافة للبيان ﴿وجعلنا آية النهار مُبْصِرَة﴾ أَيْ مُبْصِرًا فِيهَا بِالضَّوْءِ ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ فِيهِ ﴿فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ﴾ بِالْكَسْبِ ﴿وَلِتَعْلَمُوا﴾ بِهِمَا ﴿عَدَد السِّنِينَ وَالْحِسَاب﴾ لِلْأَوْقَاتِ ﴿وَكُلّ شَيْء﴾ يُحْتَاج إلَيْهِ ﴿فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾ بَيَّنَّاهُ تَبْيِينًا
١ -
﴿وَكُلّ إنْسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِره﴾ عَمَله يَحْمِلهُ ﴿فِي عُنُقه﴾ خُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنْ اللُّزُوم فِيهِ أَشَدّ وَقَالَ مُجَاهِد مَا مِنْ مَوْلُود يُولَد إلَّا وَفِي عُنُقه وَرَقَة مَكْتُوب فِيهَا شَقِيّ أَوْ سعيد ﴿ونخرج له يوم القيامة كِتَابًا﴾ مَكْتُوبًا فِيهِ عَمَله ﴿يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ صِفَتَانِ لكتابا
١ -
ويقال له ﴿اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا﴾ محاسبا
١ -
﴿مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ لِأَنَّ ثَوَاب اهْتِدَائِهِ لَهُ
﴿وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا﴾ لِأَنَّ إثمه عليها
﴿وَلَا تَزِر﴾ نَفْس
﴿وَازِرَة﴾ آثِمَة أَيْ لَا تَحْمِل
﴿وِزْر﴾ نَفْس
﴿أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ﴾ أَحَدًا
﴿حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا﴾ يُبَيِّن لَهُ مَا يَجِب عليه
367
﴿وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُتْرَفِيهَا﴾ مُنَعَّمِيهَا بِمَعْنَى رُؤَسَائِهَا بِالطَّاعَةِ عَلَى لِسَان رُسُلنَا ﴿فَفَسَقُوا فِيهَا﴾ فَخَرَجُوا عَنْ أَمْرنَا ﴿فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْل﴾ بِالْعَذَابِ ﴿فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ أَهْلَكْنَاهَا بِإِهْلَاكِ أهلها وتخريبها
١ -
﴿وَكَمْ﴾ أَيْ كَثِيرًا ﴿أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُون﴾ الْأُمَم ﴿من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ عَالِمًا بِبَوَاطِنِهَا وَظَوَاهِرهَا وَبِهِ يَتَعَلَّق بذنوب
١ -
﴿مَنْ كَانَ يُرِيد﴾ بِعَمَلِهِ ﴿الْعَاجِلَة﴾ أَيْ الدُّنْيَا ﴿عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد﴾ بالتعجيل لَهُ بَدَل مِنْ لَهُ بِإِعَادَةِ الْجَارّ ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿جَهَنَّم يَصْلَاهَا﴾ يَدْخُلهَا ﴿مَذْمُومًا﴾ مَلُومًا ﴿مَدْحُورًا﴾ مَطْرُودًا عَنْ الرَّحْمَة
١ -
﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة وَسَعَى لَهَا سَعْيهَا﴾ عَمِلَ عملها اللائق بها ﴿وهو مؤمن﴾ حال ﴿فأولئك كان سعيهم مَشْكُورًا﴾ عِنْد اللَّه أَيْ مَقْبُولًا مُثَابًا عَلَيْهِ
٢ -
﴿كُلًّا﴾ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ ﴿نُمِدّ﴾ نُعْطِي ﴿هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ﴾ بَدَل ﴿مِنْ﴾ مُتَعَلِّق بِنُمِدّ ﴿عَطَاء رَبّك﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك﴾ فِيهَا ﴿مَحْظُورًا﴾ مَمْنُوعًا عَنْ أَحَد
٢ -
﴿اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض﴾ فِي الرِّزْق وَالْجَاه ﴿وَلَلْآخِرَة أَكْبَر﴾ أَعْظَم ﴿دَرَجَات وَأَكْبَر تَفْضِيلًا﴾ مِنْ الدُّنْيَا فَيَنْبَغِي الِاعْتِنَاء بِهَا دُونهَا
٢ -
﴿لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا﴾ لا ناصر لك
٢ -
﴿وقضى﴾ أمر ﴿ربك أَ﴾ نْ أَيْ بِأَنْ ﴿لَا تَعْبُدُوا إلَّا إياه و﴾ أن تحسنوا ﴿بالوالدين إحسانا﴾ بأن تبروهما ﴿إما يبلغن عندك الكبر أحدهما﴾ فاعل ﴿أو كلاهما﴾ وَفِي قِرَاءَة يَبْلُغَانِّ فَأَحَدهمَا بَدَل مِنْ أَلِفه ﴿فلا تقل لهما أُفّ﴾ بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْرهَا مُنَوَّنًا وَغَيْر مُنَوَّن مَصْدَر بِمَعْنَى تَبًّا وَقُبْحًا ﴿وَلَا تَنْهَرهُمَا﴾ تَزْجُرهُمَا ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ جَمِيلًا لَيِّنًا
٢ -
﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ﴾ أَلِنْ لَهُمَا جَانِبك الذليل ﴿من الرحمة﴾ أي لرقتك عليهما ﴿وقل رب ارحمهما كَمَا﴾ رَحِمَانِي حِين ﴿رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾
٢ -
﴿رَبّكُمْ أَعْلَم بِمَا فِي نُفُوسكُمْ﴾ مِنْ إضْمَار الْبِرّ وَالْعُقُوق
﴿إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ﴾ طَائِعِينَ لِلَّهِ
﴿فإنه كان لِلْأَوَّابِينَ﴾ الرَّجَّاعِينَ إلَى طَاعَته
﴿غَفُورًا﴾ لِمَا صَدَرَ مِنْهُمْ فِي حَقّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ بَادِرَة وَهُمْ لَا يُضْمِرُونَ عُقُوقًا
368
﴿وَآتِ﴾ أَعْطِ ﴿ذَا الْقُرْبَى﴾ الْقَرَابَة ﴿حَقّه﴾ مِنْ الْبِرّ وَالصِّلَة ﴿والمسكين وبن السبيل وَلَا تُبَذِّر تَبْذِيرًا﴾ بِالْإِنْفَاقِ فِي غَيْر طَاعَة الله
٢ -
﴿إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَان الشَّيَاطِين﴾ أَيْ عَلَى طريقتهم ﴿وكان الشيطان لربه كَفُورًا﴾ شَدِيد الْكُفْر لِنِعَمِهِ فَكَذَلِكَ أَخُوهُ الْمُبَذِّر
٢ -
﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ﴾ أَيْ الْمَذْكُورِينَ مِنْ ذِي الْقُرْبَى وَمَا بَعْدهمْ فَلَمْ تُعْطِهِمْ ﴿ابْتِغَاء رَحْمَة مِنْ رَبّك تَرْجُوهَا﴾ أَيْ لِطَلَبِ رِزْق تَنْتَظِرهُ يأتيك فتعطيهم منه ﴿فقل لهم قَوْلًا مَيْسُورًا﴾ لَيِّنًا سَهْلًا بِأَنْ تَعِدهُمْ بِالْإِعْطَاءِ عِنْد مَجِيء الرِّزْق
٢ -
﴿وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إلَى عُنُقك﴾ أَيْ لَا تُمْسِكهَا عَنْ الْإِنْفَاق كُلّ الْمَسْك ﴿وَلَا تَبْسُطهَا﴾ فِي الْإِنْفَاق ﴿كُلّ الْبَسْط فَتَقْعُد مَلُومًا﴾ رَاجِع لِلْأَوَّلِ ﴿مَحْسُورًا﴾ مُنْقَطِعًا لَا شَيْء عِنْدك راجع للثاني
٣ -
﴿إن ربك يَبْسُط الرِّزْق﴾ يُوَسِّعهُ ﴿لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِر﴾ يُضَيِّقهُ لِمَنْ يَشَاء ﴿إنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ عَالِمًا بِبَوَاطِنِهِمْ وَظَوَاهِرهمْ فَيَرْزُقهُمْ عَلَى حسب مصالحهم
٣ -
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ﴾ بِالْوَأْدِ ﴿خَشْيَة﴾ مَخَافَة ﴿إمْلَاق﴾ فقر ﴿نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا﴾ إثما ﴿كبيرا﴾ عظيما
٣ -
﴿ولا تقربوا الزنى﴾ أبلغ من لا تأتوه ﴿إنه كان فَاحِشَة﴾ قَبِيحًا ﴿وَسَاءَ﴾ بِئْسَ ﴿سَبِيلًا﴾ طَرِيقًا هُوَ
٣ -
﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إلَّا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لِوَلِيِّهِ﴾ لِوَارِثِهِ ﴿سُلْطَانًا﴾ تَسَلُّطًا عَلَى الْقَاتِل ﴿فَلَا يُسْرِف﴾ يَتَجَاوَز الْحَدّ ﴿فِي الْقَتْل﴾ بِأَنْ يَقْتُل غَيْر قَاتِله أَوْ بِغَيْرِ مَا قُتِلَ بِهِ ﴿إنه كان منصورا﴾
٣ -
﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلابالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾ إذَا عَاهَدْتُمْ اللَّه أَوْ النَّاس ﴿إن العهد كان مسئولا﴾ عنه
٣ -
﴿وأوفوا الكيل﴾ أتموه ﴿إذا كلتم وزنوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيم﴾ الْمِيزَان السَّوِيّ ﴿ذَلِكَ خَيْر وَأَحْسَن تأويلا﴾ مالا
٣ -
﴿ولا تقف﴾ تتبع
﴿ما ليس لك به علم إن السمع والبصر وَالْفُؤَاد﴾ الْقَلْب
﴿كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ صَاحِبه مَاذَا فَعَلَ بِهِ
369
﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا﴾ أَيْ ذَا مَرَح بِالْكِبْرِ وَالْخُيَلَاء ﴿إنَّك لَنْ تَخْرِق الْأَرْض﴾ تَثْقُبهَا حَتَّى تَبْلُغ آخِرهَا بِكِبْرِك ﴿وَلَنْ تَبْلُغ الْجِبَال طُولًا﴾ الْمَعْنَى أَنَّك لَا تَبْلُغ هَذَا المبلغ فكيف تختال
٣ -
﴿كل ذلك﴾ المذكور ﴿كان سيئة عند ربك مكروها﴾
٣ -
﴿ذلك مما أوحى إليك﴾ يا محمد ﴿ربك من الحكمة﴾ الموعظة ﴿ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مَدْحُورًا﴾ مَطْرُودًا عَنْ رَحْمَة اللَّه
٤ -
﴿أفأصفاكم﴾ أخلصكم يا أهل مكة ﴿ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا﴾ بنات لنفسه بزعمكم ﴿إنكم لتقولون﴾ بذلك ﴿قولا عظيما﴾
٤ -
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾ بَيَّنَّا ﴿فِي هَذَا الْقُرْآن﴾ مِنْ الْأَمْثَال وَالْوَعْد وَالْوَعِيد ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ يَتَّعِظُوا ﴿وَمَا يَزِيدهُمْ﴾ ذَلِكَ ﴿إلَّا نُفُورًا﴾ عَنْ الْحَقّ
٤ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿لَوْ كَانَ مَعَهُ﴾ أَيْ اللَّه ﴿آلهة كما يقولون إذا لا بتغوا﴾ طَلَبُوا ﴿إلَى ذِي الْعَرْش﴾ أَيْ اللَّه ﴿سَبِيلًا﴾ ليقاتلوه
٤ -
﴿سُبْحَانه﴾ تَنْزِيهًا لَهُ ﴿وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ﴾ مِنْ الشركاء ﴿علوا كبيرا﴾
٤ -
﴿تسبح له﴾ تنزهه ﴿السماوات السبع والأرض ومن فيهن وَإِنْ﴾ مَا ﴿مِنْ شَيْء﴾ مِنْ الْمَخْلُوقَات ﴿إلَّا يسبح﴾ مُتَلَبِّسًا ﴿بِحَمْدِهِ﴾ أَيْ يَقُول سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ﴾ تَفْهَمُونَ ﴿تَسْبِيحهمْ﴾ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلُغَتِكُمْ ﴿إنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ حَيْثُ لَمْ يُعَاجِلكُمْ بالعقوبة
٤ -
﴿وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مَسْتُورًا﴾ أَيْ سَاتِرًا لَك عَنْهُمْ فَلَا يَرَوْنَك نَزَلَ فِيمَنْ أَرَادَ الْفَتْك بِهِ صَلَّى اللَّه عليه وسلم
٤ -
﴿وجعلنا على قلوبهم أَكِنَّة﴾ أَغْطِيَة
﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ مِنْ أَنْ يَفْهَمُوا الْقُرْآن أَيْ فَلَا يَفْهَمُونَهُ
﴿وَفِي آذَانهمْ وَقْرًا﴾ ثقلا فلا يسمعونه
﴿وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا﴾ عنه
370
﴿ونحن أعلم بما يستمعون بِهِ﴾ بِسَبَبِهِ مِنْ الْهُزْء ﴿إذْ يَسْتَمِعُونَ إلَيْك﴾ قِرَاءَتك ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى﴾ يَتَنَاجَوْنَ بَيْنهمْ أَيْ يَتَحَدَّثُونَ ﴿إذْ﴾ بَدَل مِنْ إذْ قَبْله ﴿يَقُول الظالمون﴾ في تناجيهم ﴿إنْ﴾ مَا ﴿تَتَّبِعُونَ إلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ مَخْدُوعًا مغلوبا على عقله قال تعالى
٤ -
﴿اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَال﴾ بِالْمَسْحُورِ وَالْكَاهِن وَالشَّاعِر ﴿فَضَلُّوا﴾ بِذَلِكَ عَنْ الْهُدَى ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سبيلا﴾ طريقا إليه
٤ -
﴿وقالوا﴾ منكرين للبعث ﴿أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا﴾
٥ -
﴿قل﴾ لهم ﴿كونوا حجارة أو حديدا﴾
٥ -
﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُر فِي صُدُوركُمْ﴾ يَعْظُم عَنْ قَبُول الْحَيَاة فَضْلًا عَنْ الْعِظَام وَالرُّفَات فَلَا بُدّ مِنْ إيجَاد الرُّوح فِيكُمْ ﴿فَسَيَقُولُونَ من يعيدنا﴾ إلى الحياة ﴿قل الذي فَطَرَكُمْ﴾ خَلَقَكُمْ ﴿أَوَّل مَرَّة﴾ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا لِأَنَّ الْقَادِر عَلَى الْبَدْء قَادِر عَلَى الْإِعَادَة بل هي أهون ﴿فسينغضون﴾ يحركون ﴿إليك رؤوسهم﴾ تَعَجُّبًا ﴿وَيَقُولُونَ﴾ اسْتِهْزَاء ﴿مَتَى هُوَ﴾ أَيْ الْبَعْث ﴿قل عسى أن يكون قريبا﴾
٥ -
﴿يَوْم يَدْعُوكُمْ﴾ يُنَادِيكُمْ مِنْ الْقُبُور عَلَى لِسَان إسْرَافِيل ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ﴾ فَتُجِيبُونَ دَعْوَتَهُ مِنْ الْقُبُور ﴿بِحَمْدِهِ﴾ بأمره وقيل وله الحمد ﴿وتظنون إنْ﴾ مَا ﴿لَبِثْتُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿إلَّا قَلِيلًا﴾ لِهَوْلِ مَا تَرَوْنَ
٥ -
﴿وقل لعبادي﴾ المؤمنين ﴿يقولوا﴾ للكفار الكلمة ﴿التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ﴾ يفسد ﴿بينهم إنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ بَيِّن العداوة والكلمة التي هي أحسن هي
٥ -
﴿رَبّكُمْ أَعْلَم بِكُمْ إنْ يَشَأْ يَرْحَمكُمْ﴾ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِيمَان ﴿أَوْ إنْ يَشَأْ﴾ تَعْذِيبكُمْ ﴿يُعَذِّبكُمْ﴾ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْر ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾ فَتُجْبِرهُمْ عَلَى الْإِيمَان وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ
٥ -
﴿وَرَبّك أَعْلَم بِمَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ فَيَخُصّهُمْ بِمَا شَاءَ عَلَى قَدْر أَحْوَالهمْ
﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْض النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض﴾ بِتَخْصِيصِ كُلّ مِنْهُمْ بِفَضِيلَةٍ كَمُوسَى بِالْكَلَامِ وَإِبْرَاهِيم بِالْخُلَّةِ وَمُحَمَّد بِالْإِسْرَاءِ {وآتينا داود زبورا
371
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿اُدْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ أَنَّهُمْ آلِهَة ﴿من دونه﴾ كالملائكة وعيسى وعزير ﴿فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تَحْوِيلًا﴾ لَهُ إلَى غَيْركُمْ
٥ -
﴿أولئك الذين يدعون﴾ هم آلِهَة ﴿يَبْتَغُونَ﴾ يَطْلُبُونَ ﴿إلَى رَبّهمْ الْوَسِيلَة﴾ الْقُرْبَة بِالطَّاعَةِ ﴿أَيّهمْ﴾ بَدَل مِنْ وَاو يَبْتَغُونَ أَيْ يَبْتَغِيهَا الَّذِي هُوَ ﴿أَقْرَب﴾ إلَيْهِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَته وَيَخَافُونَ عَذَابه﴾ كَغَيْرِهِمْ فَكَيْفَ تَدْعُونَهُمْ آلهة ﴿إن عذاب ربك كان محذورا﴾
٥ -
﴿وإن﴾ ما ﴿من قرية﴾ أريد أهلها ﴿إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة﴾ بِالْمَوْتِ ﴿أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا﴾ بِالْقَتْلِ وَغَيْره ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَاب﴾ اللَّوْح الْمَحْفُوظ ﴿مَسْطُورًا﴾ مكتوبا
٥ -
﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِل بِالْآيَاتِ﴾ الَّتِي اقْتَرَحَهَا أَهْل مَكَّة ﴿إلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هولاء لَكَذَّبُوا بِهَا وَاسْتَحَقُّوا الْإِهْلَاك وَقَدْ حَكَمْنَا بِإِمْهَالِهِمْ لِإِتْمَامِ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَآتَيْنَا ثَمُود النَّاقَة﴾ آيَة ﴿مُبْصِرَة﴾ بَيِّنَة وَاضِحَة ﴿فظلموا﴾ كفروا ﴿بها﴾ فأهلكوا ﴿وما نرسل بِالْآيَاتِ﴾ الْمُعْجِزَات ﴿إلَّا تَخْوِيفًا﴾ لِلْعِبَادِ فَيُؤْمِنُوا
٦ -
﴿و﴾ اذكر ﴿إِذْ قُلْنَا لَك إنَّ رَبّك أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ عِلْمًا وَقُدْرَة فَهُمْ فِي قَبْضَته فَبَلِّغْهُمْ وَلَا تخف أحدا فهو يعصمك منهم ﴿وما جعلنا الرؤيا التي أَرَيْنَاك﴾ عِيَانًا لَيْلَة الْإِسْرَاء ﴿إلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ﴾ أَهْل مَكَّة إذْ كَذَّبُوا بِهَا وَارْتَدَّ بَعْضهمْ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِهَا ﴿وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة فِي الْقُرْآن﴾ وَهِيَ الزَّقُّوم الَّتِي تَنْبُت فِي أَصْل الْجَحِيم جَعَلْنَاهَا فِتْنَة لَهُمْ إذْ قَالُوا النَّار تُحْرِق الشَّجَر فَكَيْفَ تُنْبِتهُ ﴿وَنُخَوِّفهُمْ﴾ بِهَا ﴿فَمَا يَزِيدهُمْ﴾ تخويفنا ﴿إلا طغيانا كبيرا﴾
٦ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ
﴿إذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم﴾ سجود تحية بالانحناء
﴿فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طِينًا﴾ نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِض أَيْ مِنْ طِين
372
﴿قَالَ أَرَأَيْتُك﴾ أَيْ أَخْبِرْنِي ﴿هَذَا الَّذِي كَرَّمْت﴾ فضلت ﴿علي﴾ بالأمر بالسجود له و ﴿أنا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار﴾ ﴿لَئِنْ﴾ لَام قسم ﴿أخرتن إلى يوم القيامة لَأَحْتَنِكَنَّ﴾ لَأَسْتَأْصِلَنَّ ﴿ذُرِّيَّته﴾ بِالْإِغْوَاءِ ﴿إلَّا قَلِيلًا﴾ مِنْهُمْ ممن عصمته
٦ -
﴿قَالَ﴾ تَعَالَى لَهُ ﴿اذْهَبْ﴾ مُنْظَرًا إلَى وَقْت النفخة الأولى ﴿فمن تبعك منهم فإن جهنم جَزَاؤُكُمْ﴾ أَنْتَ وَهُمْ ﴿جَزَاء مَوْفُورًا﴾ وَافِرًا كَامِلًا
٦ -
﴿واستفزز﴾ استخف ﴿من استطعت منهم بِصَوْتِك﴾ بِدُعَائِك بِالْغِنَاءِ وَالْمَزَامِير وَكُلّ دَاعٍ إلَى الْمَعْصِيَة ﴿وَأَجْلِبْ﴾ صِحْ ﴿عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجِلك﴾ وَهُمْ الرُّكَّاب وَالْمُشَاة فِي الْمَعَاصِي ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال﴾ الْمُحَرَّمَة كَالرِّبَا وَالْغَصْب ﴿وَالْأَوْلَاد﴾ مِنْ الزِّنَى ﴿وَعِدْهُمْ﴾ بِأَنْ لَا بَعْث وَلَا جَزَاء ﴿وَمَا يَعِدهُمْ الشَّيْطَان﴾ بِذَلِكَ ﴿إلَّا غُرُورًا﴾ بَاطِلًا
٦ -
﴿إن عبادي﴾ المؤمنين ﴿ليس لك عليهم سُلْطَان﴾ تَسَلُّط وَقُوَّة ﴿وَكَفَى بِرَبِّك وَكِيلًا﴾ حَافِظًا لهم منك
٦ -
﴿ربكم الذي يزجي﴾ يجري ﴿لكم الفلك﴾ السفن ﴿في البحر لِتَبْتَغُوا﴾ تَطْلُبُوا ﴿مِنْ فَضْله﴾ تَعَالَى بِالتِّجَارَةِ ﴿إنَّهُ كان بكم رحيما﴾ في تسخيرها لكم
٦ -
﴿وإذا مسكم الضُّرّ﴾ الشِّدَّة ﴿فِي الْبَحْر﴾ خَوْف الْغَرَق ﴿ضَلَّ﴾ غَابَ عَنْكُمْ ﴿مَنْ تَدْعُونَ﴾ تَعْبُدُونَ مِنْ الْآلِهَة فَلَا تَدْعُونَهُ ﴿إلَّا إيَّاهُ﴾ تَعَالَى فَإِنَّكُمْ تَدْعُونَهُ وحده لأنكم في شدة لا يكفشها إلَّا هُوَ ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ﴾ مِنْ الْغَرَق وَأَوْصَلَكُمْ ﴿إلى البر أَعْرَضْتُمْ﴾ عَنْ التَّوْحِيد ﴿وَكَانَ الْإِنْسَان كَفُورًا﴾ جَحُودًا للنعم
٦ -
﴿أفأمنتم أن يخسف بكم جَانِب الْبَرّ﴾ أَيْ الْأَرْض كَقَارُونَ ﴿أَوْ يُرْسِل عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ أَيْ يَرْمِيكُمْ بِالْحَصْبَاءِ كَقَوْمِ لُوط ﴿ثم لا تجدوا لكم وكيلا﴾ حافظا منه
٦ -
﴿أم أمنتم أن نعيدكم فيه﴾ أي البحر
﴿تارة﴾ مرة
﴿أخرى فنرسل عليكم قَاصِفًا مِنْ الرِّيح﴾ أَيْ رِيحًا شَدِيدَة لَا تَمُرّ بِشَيْءٍ إلَّا قَصَفَتْهُ فَتَكْسِر فُلْككُمْ
﴿فَيُغْرِقكُمْ بما كفرتم﴾ بكفركم
﴿ثم لا تجدوا لكم علينا به تَبِيعًا﴾ نَاصِرًا وَتَابِعًا يُطَالِبنَا بِمَا فَعَلْنَا بِكُمْ
373
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا﴾ فَضَّلْنَا ﴿بَنِي آدَم﴾ بِالْعِلْمِ وَالنُّطْق وَاعْتِدَال الْخَلْق وَغَيْر ذَلِكَ وَمِنْهُ طَهَارَتهمْ بَعْد الْمَوْت ﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ﴾ عَلَى الدَّوَابّ ﴿وَالْبَحْر﴾ على السفن ﴿ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا﴾ كَالْبَهَائِمِ وَالْوُحُوش ﴿تَفْضِيلًا﴾ فَمَنْ بِمَعْنَى مَا أَوْ عَلَى بَابهَا وَتَشْمَل الْمَلَائِكَة وَالْمُرَاد تَفْضِيل الْجِنْس وَلَا يَلْزَم تَفْضِيل أَفْرَاده إذْ هُمْ أَفْضَل مِنْ الْبَشَر غَيْر الْأَنْبِيَاء
٧ -
اذكر ﴿يوم ندعوا كل أناس بِإِمَامِهِمْ﴾ نَبِيّهمْ فَيُقَال يَا أُمَّة فُلَان أَوْ بِكِتَابِ أَعْمَالهمْ فَيُقَال يَا صَاحِب الشَّرّ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَمَنْ أُوتِيَ﴾ مِنْهُمْ ﴿كِتَابه بِيَمِينِهِ﴾ وهم السعداء أولو البصائر في الدنيا ﴿فأولئك يقرؤون كتابهم وَلَا يُظْلَمُونَ﴾ يُنْقَصُونَ مِنْ أَعْمَالهمْ ﴿فَتِيلًا﴾ قَدْر قِشْرَة النواة
٧ -
﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ﴾ أَيْ الدُّنْيَا ﴿أَعْمَى﴾ عَنْ الْحَقّ ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى﴾ عَنْ طَرِيق النَّجَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن ﴿وَأَضَلّ سَبِيلًا﴾ أَبْعَد طَرِيقًا عَنْهُ وَنَزَلَ فِي ثَقِيف وَقَدْ سَأَلُوهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَرِّم وَادِيَهُمْ وألحوا عليه
٧ -
﴿وإن﴾ مخففة ﴿كادوا﴾ قاربوا ﴿ليفتنونك﴾ ليستنزلونك ﴿عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا﴾ لو فعلت ذلك ﴿لا تخذوك خليلا﴾
٧ -
﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك﴾ عَلَى الْحَقّ بِالْعِصْمَةِ ﴿لَقَدْ كِدْت﴾ قَارَبْت ﴿تَرْكَن﴾ تَمِيل ﴿إلَيْهِمْ شَيْئًا﴾ رُكُونًا ﴿قَلِيلًا﴾ لِشِدَّةِ احْتِيَالهمْ وَإِلْحَاحهمْ وَهُوَ صَرِيح فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْكَن ولا قارب
٧ -
﴿إذا﴾ لو ركنت ﴿لأذقناك ضعف﴾ عذاب ﴿الحياة وضعف﴾ عذاب ﴿الْمَمَات﴾ أَيْ مِثْلَيْ مَا يُعَذَّب غَيْرك فِي الدنيا والآخرة ﴿ثم لا تجد لك علينا نَصِيرًا﴾ مَانِعًا مِنْهُ
٧ -
وَنَزَلَ لَمَّا قَالَ لَهُ الْيَهُود إنْ كُنْت نَبِيًّا فَالْحَقْ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا أَرْض الْأَنْبِيَاء ﴿وَإِنْ﴾ مُخَفَّفَة ﴿كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَك مِنْ الْأَرْض﴾ أَرْض الْمَدِينَة ﴿ليخرجوك منها وَإِذًا﴾ لَوْ أَخْرَجُوك ﴿لَا يَلْبَثُونَ خِلَافك﴾ فِيهَا ﴿إلَّا قَلِيلًا﴾ ثُمَّ يَهْلِكُونَ
٧ -
﴿سُنَّة مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ رُسُلنَا﴾ أَيْ كَسُنَّتِنَا فِيهِمْ مِنْ إهْلَاك مَنْ أَخْرَجَهُمْ ﴿ولا تجد لسنتنا تحويلا﴾ تبديلا
٧ -
﴿أَقِمْ الصَّلَاة لِدُلُوكِ الشَّمْس﴾ أَيْ مِنْ وَقْت زَوَالهَا
﴿إلَى غَسَق اللَّيْل﴾ إقْبَال ظُلْمَته أَيْ الظُّهْر وَالْعَصْر وَالْمَغْرِب وَالْعِشَاء
﴿وَقُرْآن الْفَجْر﴾ صَلَاة الصُّبْح
﴿إنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا﴾ تَشْهَدهُ ملائكة الليل وملائكة النهار
374
﴿ومن الليل فَتَهَجَّدْ﴾ فَصَلِّ ﴿بِهِ﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿نَافِلَة لَك﴾ فَرِيضَة زَائِدَة لَك دُون أُمَّتك أَوْ فَضِيلَة عَلَى الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثك﴾ يُقِيمك ﴿رَبّك﴾ فِي الْآخِرَة ﴿مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ يَحْمَدك فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَهُوَ مَقَام الشَّفَاعَة فِي فَصْل الْقَضَاء ونزل لما أمر بالهجرة
٨ -
﴿وقل رب أَدْخِلْنِي﴾ الْمَدِينَة ﴿مُدْخَل صِدْق﴾ إدْخَالًا مَرْضِيًّا لَا أَرَى فِيهِ مَا أَكْرَه ﴿وَأَخْرِجْنِي﴾ مِنْ مَكَّة ﴿مُخْرَج صِدْق﴾ إخْرَاجًا لَا أَلْتَفِت بِقَلْبِي إلَيْهَا ﴿وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْك سُلْطَانًا نَصِيرًا﴾ قُوَّة تَنْصُرنِي بِهَا عَلَى أَعْدَائِك
٨ -
﴿وَقُلْ﴾ عِنْد دُخُولك مَكَّة ﴿جَاءَ الْحَقّ﴾ الْإِسْلَام ﴿وَزَهَقَ الْبَاطِل﴾ بَطَلَ الْكُفْر ﴿إنَّ الْبَاطِل كَانَ زَهُوقًا﴾ مُضْمَحِلًّا زَائِلًا وَقَدْ دَخَلَهَا صَلَّى اللَّه عليه وسلم وحول البيت ثلاثمائة وَسِتُّونَ صَنَمًا فَجَعَلَ يَطْعَنهَا بِعُودٍ فِي يَده وَيَقُول ذَلِكَ حَتَّى سَقَطَتْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
٨ -
﴿وننزل من﴾ للبيان ﴿القرآن ما هو شِفَاء﴾ مِنْ الضَّلَالَة ﴿وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ بِهِ ﴿وَلَا يَزِيد الظَّالِمِينَ﴾ الْكَافِرِينَ ﴿إلَّا خَسَارًا﴾ لِكُفْرِهِمْ بِهِ
٨ -
﴿وإذا أنعمنا على الْإِنْسَان﴾ الْكَافِر ﴿أَعْرَضَ﴾ عَنْ الشُّكْر ﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ ثَنَى عِطْفه مُتَبَخْتِرًا ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ﴾ الْفَقْر وَالشِّدَّة ﴿كَانَ يَئُوسًا﴾ قَنُوطًا مِنْ رَحْمَة اللَّه
٨ -
﴿قُلْ كُلّ﴾ مِنَّا وَمِنْكُمْ ﴿يَعْمَل عَلَى شَاكِلَته﴾ طريقته ﴿فربكم أعلم بمن هو أَهْدَى سَبِيلًا﴾ طَرِيقًا فَيُثِيبهُ
٨ -
﴿وَيَسْأَلُونَك﴾ أَيْ الْيَهُود ﴿عَنْ الرُّوح﴾ الَّذِي يَحْيَا بِهِ الْبَدَن ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي﴾ أَيْ عِلْمه لَا تَعْلَمُونَهُ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْم إلَّا قَلِيلًا﴾ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمه تعالى
٨ -
﴿ولئن﴾ لام قسم ﴿شئنا لنذهبن بالذي أَوْحَيْنَا إلَيْك﴾ أَيْ الْقُرْآن بِأَنْ نَمْحُوهُ مِنْ الصدور والمصاحف ﴿ثم لا تجد لك به علينا وكيلا﴾
٨ -
﴿إلَّا﴾ لَكِنْ أَبْقَيْنَاهُ
﴿رَحْمَة مِنْ رَبّك إنَّ فَضْله كَانَ عَلَيْك كَبِيرًا﴾ عَظِيمًا حَيْثُ أَنْزَلَهُ عَلَيْك وَأَعْطَاك الْمَقَام الْمَحْمُود وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الفضائل
375
﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن﴾ في الفصاحة والبلاغة ﴿لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظَهِيرًا﴾ مُعِينًا نَزَلَ رَدًّا لِقَوْلِهِمْ وَلَوْ نَشَاء لقلنا مثل هذا
٨ -
﴿ولقد صرفنا﴾ بينا ﴿لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ كُلّ مَثَل﴾ صِفَة لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَثَلًا مِنْ جِنْس كُلّ مَثَل لِيَتَّعِظُوا ﴿فَأَبَى أَكْثَر النَّاس﴾ أَيْ أَهْل مَكَّة ﴿إلَّا كُفُورًا﴾ جُحُودًا للحق
٩ -
﴿وقالوا﴾ عطف على أبي ﴿لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا﴾ عينا ينبع منها الماء
٩ -
﴿أو تكون لك جنة﴾ بستان ﴿من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها﴾ وسطها ﴿تفجيرا﴾
٩ -
﴿أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا﴾ قطعا ﴿أو تأتي بالله والملائكة قبيلا﴾ مقابلة وعيانا فنراهم
٩ -
﴿أو يكون لك بيت من زُخْرُف﴾ ذَهَب ﴿أَوْ تَرْقَى﴾ تَصْعَد ﴿فِي السَّمَاء﴾ بِسُلَّمٍ ﴿وَلَنْ نُؤْمِن لِرُقِيِّك﴾ لَوْ رَقِيت فِيهَا ﴿حَتَّى تُنَزِّل عَلَيْنَا﴾ مِنْهَا ﴿كِتَابًا﴾ فِيهِ تَصْدِيقك ﴿نقرؤه قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿سُبْحَان رَبِّي﴾ تَعَجُّب ﴿هَلْ﴾ مَا ﴿كُنْت إلَّا بَشَرًا رَسُولًا كَسَائِرِ الرُّسُل﴾ وَلَمْ يكونوا يأتون بآية إلا بإذن الله
٩ -
﴿وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلَّا أَنْ قَالُوا﴾ أَيْ قَوْلهمْ مُنْكِرِينَ ﴿أَبَعَثَ اللَّه بَشَرًا رَسُولًا﴾ وَلَمْ يَبْعَث مَلَكًا
٩ -
﴿قل﴾ لهم ﴿لو كان في الأرض﴾ بدل البشر ﴿ملائكة يمشون مطمئنين لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء مَلَكًا رَسُولًا﴾ إذْ لَا يُرْسَل إلَى قَوْم رَسُول إلَّا مِنْ جنسهم ليمكنهم مخاطبته والفهم عنه
٩ -
﴿قل كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ﴾ عَلَى صِدْقِي ﴿إنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ عَالِمًا بِبَوَاطِنِهِمْ وظواهرهم
٩ -
﴿ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء﴾ يهدونهم ﴿من دونه ونحشرهم يوم القيامة﴾ ماشين ﴿على وجوههم عميا وبكما وصما مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم كُلَّمَا خَبَتْ﴾ سَكَنَ لَهَبهَا ﴿زِدْنَاهُمْ سعيرا﴾ تلهبا واشتعالا
٩ -
﴿ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا﴾ منكرين للبعث {أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعثون خلقا جديدا
376
﴿أو لم يَرَوْا﴾ يَعْلَمُوا ﴿أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ مَعَ عِظَمهمَا ﴿قَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُق مِثْلهمْ﴾ أَيْ الْأَنَاسِيّ فِي الصِّغَر ﴿وَجَعَلَ لَهُمْ أجلا﴾ للموت والبعث ﴿لا ريب فيه فَأَبَى الظَّالِمُونَ إلَّا كُفُورًا﴾ جُحُودًا لَهُ
١٠ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِن رَحْمَة رَبِّي﴾ مِنْ الرِّزْق وَالْمَطَر ﴿إذًا لَأَمْسَكْتُمْ﴾ لَبَخِلْتُمْ ﴿خشية الإنفاق﴾ خوف نفادها بالإنفاق فتقتروا ﴿وكان الإنسان قتورا﴾ بخيلا
١٠ -
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْع آيَات بَيِّنَات﴾ وَهِيَ الْيَد وَالْعَصَا وَالطُّوفَان وَالْجَرَاد وَالْقُمَّل وَالضَّفَادِع وَالدَّم أَوْ الطَّمْس وَنَقْص الثَّمَرَات ﴿فَاسْأَلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بَنِي إسْرَائِيل﴾ عَنْهُ سُؤَال تَقْرِير لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى صِدْقك أَوْ فَقُلْنَا لَهُ اسْأَلْ وَفِي قِرَاءَة بلفظ الماضي ﴿إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مَسْحُورًا﴾ مَخْدُوعًا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلك
١٠ -
﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْت مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ﴾ الْآيَات ﴿إلَّا رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بَصَائِر﴾ عِبَرًا وَلَكِنَّك تُعَانِد وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ التَّاء ﴿وَإِنِّي لَأَظُنّك يَا فِرْعَوْن مَثْبُورًا﴾ هَالِكًا أَوْ مَصْرُوفًا عَنْ الخير
١٠ -
﴿فَأَرَادَ﴾ فِرْعَوْن ﴿أَنْ يَسْتَفِزّهُمْ﴾ يُخْرِج مُوسَى وَقَوْمه ﴿من الأرض﴾ أرض مصر ﴿فآغرقناه ومن معه جميعا﴾
١٠ -
﴿وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وَعْد الْآخِرَة﴾ أَيْ السَّاعَة ﴿جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ جَمِيعًا أَنْتُمْ وَهُمْ
١٠ -
﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿وَبِالْحَقِّ﴾ الْمُشْتَمِل عَلَيْهِ ﴿نَزَلَ﴾ كَمَا أُنْزِلَ لَمْ يَعْتَرِهِ تَبْدِيل ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إلَّا مُبَشِّرًا﴾ مَنْ آمَنَ بِالْجَنَّةِ ﴿وَنَذِيرًا﴾ مَنْ كَفَرَ بِالنَّارِ
١٠ -
﴿وَقُرْآنًا﴾ مَنْصُوب بِفِعْلٍ يُفَسِّرهُ ﴿فَرَقْنَاهُ﴾ نَزَّلْنَاهُ مُفَرَّقًا في عشرين سنة أو وثلاث ﴿لتقرأه على الناس على مُكْث﴾ مَهْل وَتُؤَدَة لِيَفْهَمُوهُ ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ شَيْئًا بَعْد شَيْء عَلَى حَسَب الْمَصَالِح
١٠ -
﴿قُلْ﴾ لِكُفَّارِ مَكَّة ﴿آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تؤمنوا﴾ تهديد لهم ﴿إن الذين أوتوا العلم من قبله﴾ قبل نزوله وهم مؤمنوا أهل الكتاب ﴿إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا﴾
١٠ -
﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَان رَبّنَا﴾ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ خُلْف الْوَعْد
﴿إنْ﴾ مُخَفَّفَة
﴿كَانَ وَعْد رَبّنَا﴾ بِنُزُولِهِ وبعث النبي ﷺ {لمفعولا
377
﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ﴾ عَطْف بِزِيَادَةِ صِفَة ﴿وَيَزِيدهُمْ﴾ الْقُرْآن ﴿خُشُوعًا﴾ تَوَاضُعًا لِلَّهِ
١١ -
وكان ﷺ يقول ياألله يَا رَحْمَن فَقَالُوا يَنْهَانَا أَنْ نَعْبُد إلَهَيْنِ وَهُوَ يَدْعُو إلَهًا آخَرَ مَعَهُ فَنَزَلَ
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ
﴿اُدْعُوا اللَّه أَوْ اُدْعُوا الرَّحْمَن﴾ أَيْ سَمُّوهُ بِأَيِّهِمَا أَوْ نَادُوهُ بِأَنْ تَقُولُوا يَا اللَّه يَا رَحْمَن
﴿أَيًّا﴾ شَرْطِيَّة
﴿مَا﴾ زَائِدَة أَيْ أَيّ هَذَيْنِ
﴿تَدْعُوا﴾ فَهُوَ حَسَن دَلَّ عَلَى هَذَا
﴿فَلَهُ﴾ أَيْ لِمُسَمَّاهُمَا
﴿الْأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾ وَهَذَانِ مِنْهَا فَإِنَّهَا كَمَا فِي الْحَدِيث اللَّه الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم الْمَلِك الْقُدُّوس السَّلَام الْمُؤْمِن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار الْمُتَكَبِّر الْخَالِق الْبَارِئ الْمُصَوِّر الْغَفَّار الْقَهَّار الْوَهَّاب الرَّزَّاق الْفَتَّاح الْعَلِيم الْقَابِض الْبَاسِط الْخَافِض الرَّافِع الْمُعِزّ الْمُذِلّ السَّمِيع الْبَصِير الْحَكَم الْعَدْل اللَّطِيف الْخَبِير الْحَلِيم الْعَظِيم الْغَفُور الشَّكُور الْعَلِيّ الْكَبِير الْحَفِيظ الْمَقِيت الْحَسِيب الْجَلِيل الْكَرِيم الرَّقِيب الْمُجِيب الْوَاسِع الْحَكِيم الْوَدُود الْمَجِيد الْبَاعِث الشَّهِيد الْحَقّ الْوَكِيل الْقَوِيّ الْمَتِين الْوَلِيّ الْحَمِيد الْمُحْصِي الْمُبْدِئ الْمُعِيد الْمُحْيِي الْمُمِيت الْحَيّ الْقَيُّوم الْوَاجِد الْمَاجِد الْوَاحِد الْأَحَد الصَّمَد الْقَادِر الْمُقْتَدِر الْمُقَدِّم الْمُؤَخِّر الْأَوَّل الْآخِر الظَّاهِر الْبَاطِن الْوَالِي الْمُتَعَالِي الْبَرّ التَّوَّاب الْمُنْتَقِم الْعَفُوّ الرَّءُوف مَالِك الْمُلْك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام الْمُقْسِط الْجَامِع الْغَنِيّ الْمُغْنِي الْمَانِع الضَّارّ النَّافِع النُّور الْهَادِي الْبَدِيع الْبَاقِي الْوَارِث الرشيد الصبور رواه الترمذي قال تعالى
﴿وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك﴾ بِقِرَاءَتِك بِهَا فَيَسْمَعك الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوك وَيَسُبُّوا الْقُرْآن وَمَنْ أَنْزَلَهُ
﴿وَلَا تُخَافِت﴾ تُسِرّ
﴿بِهَا﴾ لِيَنْتَفِع أَصْحَابك
﴿وَابْتَغِ﴾ اقْصِدْ
﴿بَيْن ذَلِكَ﴾ الْجَهْر وَالْمُخَافَتَة
﴿سَبِيلًا﴾ طَرِيقًا وَسَطًا
378
﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ولم يكن له شَرِيك فِي الْمُلْك﴾ فِي الْأُلُوهِيَّة
﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيّ﴾ يَنْصُرهُ
﴿مِنْ﴾ أَجْل
﴿الذُّلّ﴾ أَيْ لَمْ يُذَلّ فَيَحْتَاج إلَى نَاصِر
﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ عَظِّمْهُ عَظَمَة تَامَّة عَنْ اتِّخَاذ الْوَلَد الشَّرِيك وَالذُّلّ وَكُلّ مَا لَا يَلِيق بِهِ وَتَرْتِيب الْحَمْد عَلَى ذَلِكَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمُسْتَحِقّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِد لِكَمَالِ ذَاته وَتَفَرُّده فِي صِفَاته وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ مُعَاذ الْجُهَنِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول آيَة الْعِزّ
﴿الْحَمْد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن لَهُ شَرِيك فِي الْمُلْك﴾ إلَى آخِر السُّورَة وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم قَالَ مُؤَلِّفه هَذَا آخِر مَا كَمَّلْت بِهِ تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم الَّذِي أَلَّفَهُ الشَّيْخ الْإِمَام الْعَالِم الْمُحَقِّق جَلَال الدِّين الْمُحَلَّى الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَدْ أَفْرَغْت لِمُكْمِلٍ وَعَلَيْهِ فِي الْآي الْمُتَشَابِهَة الِاعْتِمَاد وَالْمُعَوَّل فرحم الله امرءا نَظَرَ بِعَيْنِ الْإِنْصَاف إلَيْهِ وَوَقَفَ فِيهِ عَلَى خَطَأ فَأَطْلَعَنِي عَلَيْهِ وَقَدْ قُلْت حَمِدْت اللَّه رَبِّي إذْ هَدَانِي لِمَا أَبْدَيْت مَعَ عَجْزِي وَضَعْفِي فَمَنْ لِي بِالْخَطَأِ فَأَرُدّ عَنْهُ وَمَنْ لِي بِالْقَبُولِ وَلَوْ بِحَرْفِ هَذَا وَلَمْ يَكُنْ قَطّ فِي خَلَدِي أَنْ أَتَعَرَّض لِذَلِكَ لِعِلْمِي بِالْعَجْزِ عَنْ الْخَوْض فِي هَذِهِ الْمَسَالِك وَعَسَى اللَّه أَنْ يَنْفَع بِهِ نَفْعًا جَمًّا وَيَفْتَح بِهِ قُلُوبًا غُلْفًا وَأَعْيُنًا وَآذَانًا صُمًّا وَكَأَنِّي بِمَنْ اعْتَادَ الْمُطَوَّلَات وَقَدْ أَضْرَبَ عَنْ هَذِهِ التَّكْمِلَة وَأَصْلهَا حَسْمًا وَعَدَلَ إلَى صَرِيح الْعِنَاد وَلَمْ يُوَجِّه إلَى دَقَائِقهَا فَهْمًا
﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أَعْمَى﴾ رَزَقَنَا اللَّه بِهِ هِدَايَة إلَى سَبِيل الْحَقّ وَتَوْفِيقًا وَاطِّلَاعًا عَلَى دَقَائِق كَلِمَاته وَتَحْقِيقًا وَجَعَلَنَا بِهِ
﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ وَفَرَغَ مِنْ تَأْلِيفه يَوْم الْأَحَد عَاشِر شَوَّال سَنَة سَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَكَانَ الِابْتِدَاء فِي يَوْم الْأَرْبِعَاء مُسْتَهَلّ رَمَضَان مِنْ السَّنَة الْمَذْكُورَة وَفَرَغَ مِنْ تَبْيِيضه يَوْم الْأَرْبِعَاء سَادِس صَفَر سَنَة إحْدَى وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَاَللَّه أَعْلَم قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الْخَطِيب الطُّوخِيّ أَخْبَرَنِي صَدِيقِي الشَّيْخ الْعَلَّامَة كَمَال الدِّين الْمُحَلَّى أَخُو شَيْخنَا الشَّيْخ جَلَال الدِّين الْمُحَلَّى رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ رَأَى أَخَاهُ الشَّيْخ جَلَال الدِّين الْمَذْكُور فِي النَّوْم وَبَيْن يَدَيْهِ صَدِيقنَا الشَّيْخ الْعَلَّامَة الْمُحَقِّق جَلَال الدِّين السُّيُوطِيّ مُصَنِّف هَذِهِ التَّكْمِلَة وَقَدْ أَخَذَ الشَّيْخ هَذِهِ التَّكْمِلَة فِي يَده وَتَصَفَّحَهَا وَيَقُول لِمُصَنِّفِهَا الْمَذْكُور أَيّهمَا أَحْسَن وَضْعِي أَوْ وَضْعك فَقَالَ وَضْعِي فَقَالَ اُنْظُرْ وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَوَاضِع فِيهَا وَكَأَنَّهُ يُشِير إلَى اعْتِرَاض فِيهَا بِلُطْفٍ وَمُصَنِّف هَذِهِ التَّكْمِلَة كُلَّمَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ شَيْئًا يُجِيبهُ وَالشَّيْخ يَبْتَسِم وَيَضْحَك قَالَ شَيْخنَا الْإِمَام الْعَلَّامَة جَلَال الدِّين عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر السُّيُوطِيّ
379
مُصَنِّف هَذِهِ التَّكْمِلَة الَّذِي أَعْتَقِدهُ وَأَجْزِم بِهِ أَنَّ الْوَضَع الَّذِي وَضَعَهُ الشَّيْخ جَلَال الدِّين الْمُحَلَّى رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي قِطْعَته أَحْسَن مِنْ وَضْعِي أَنَا بِطَبَقَاتٍ كَثِيرَة كَيْفَ وَغَالِب مَا وَضَعْته هُنَا مُقْتَبَس مِنْ وَضْعه وَمُسْتَفَاد مِنْهُ لَا مِرْيَة عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الذي رؤي فِي الْمَنَام الْمَكْتُوب أَعْلَاهُ فَلَعَلَّ الشَّيْخ أَشَارَ بِهِ إلَى الْمَوَاضِع الْقَلِيلَة الَّتِي خَالَفْت وَضْعه فِيهَا لِنُكْتَةٍ وَهِيَ يَسِيرَةٌ جِدًّا مَا أَظُنّهَا تَبْلُغ عَشَرَةَ مَوَاضِع مِنْهَا أَنَّ الشَّيْخ قَالَ فِي سُورَة ص وَالرُّوح جِسْم لَطِيف يَحْيَا بِهِ الْإِنْسَان بِنُفُوذِهِ فِيهِ وَكُنْت تَبِعْته أَوَّلًا فَذَكَرْت هَذَا الْحَدّ فِي سُورَة الْحِجْر ثُمَّ ضَرَبْت عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
﴿وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوح قُلْ الرُّوح مِنْ أَمْر رَبِّي﴾ الْآيَة فَهِيَ صَرِيحَة أَوْ كَالصَّرِيحَةِ فِي أَنَّ الرُّوح مِنْ عِلْم اللَّه تَعَالَى لَا نَعْلَمهُ فَالْإِمْسَاك عَنْ تَعْرِيفهَا أَوْلَى وَلِذَا قَالَ الشَّيْخ تَاج الدِّين بْن السُّبْكِيّ فِي جَمْع الْجَوَامِع وَالرُّوح لَمْ يَتَكَلَّم عَلَيْهَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُمْسِك عَنْهَا وَمِنْهَا أَنَّ الشَّيْخ قَالَ فِي سُورَة الْحَجّ الصَّابِئُونَ فِرْقَة مِنْ الْيَهُود فَذَكَرْت ذَلِكَ فِي سُورَة الْبَقَرَة وَزِدْت أَوْ النَّصَارَى بَيَانًا لِقَوْلٍ ثَانٍ فَإِنَّهُ الْمَعْرُوف خُصُوصًا عِنْد أَصْحَابنَا الْفُقَهَاء وَفِي الْمِنْهَاج وَإِنْ خَالَفَتْ السَّامِرَة الْيَهُود وَالصَّابِئَة النَّصَارَى فِي أَصْل دِينهمْ وَفِي شَرْحه أَنَّ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ الصَّابِئِينَ فِرْقَة مِنْ النَّصَارَى وَلَا أَسْتَحْضِر الْآن مَوْضِعًا ثَالِثًا فَكَأَنَّ الشَّيْخ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى يُشِير إلَى مِثْل هَذَا وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِع وَالْمَآب = ١٨ سُورَة الْكَهْف
مَكِّيَّة إلَّا
﴿وَاصْبِرْ نَفْسك﴾ الْآيَة وَهِيَ مِائَة وَعَشْر آيَات أَوْ خَمْس عَشْرَة آيَة نَزَلَتْ بَعْد سُورَة الْغَاشِيَة
380