تفسير سورة النّمل

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة النمل من كتاب التفسير الحديث .
لمؤلفه دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة النمل
في السورة حملة تقريع على الكفار وحكاية لبعض مواقفهم وأقوالهم وخاصة في صدد الآخرة وحسابها وجزائها. وفيها قصص بعض الأنبياء وأقوالهم. منها ما أسهب فيه، وهو قصة ما كان بين سليمان عليه السلام وملكة سبأ بقصد الموعظة. وفيها تقريرات عن مظاهر قدرة الله تعالى ورحمته بسبيل البرهنة على ربوبيته وتسفيه المشركين وتقريعهم. وفيها صورة من الدعوة النبوية في العهد المكي وتثبيت وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
وهي مشابهة في المطلع والنهاية والفصول القصصية الاستطرادية للسورة السابقة مما يمكن أن يكون فيه قرينة على صحة الترتيب. وفصولها مترابطة مما يسوغ القول : إنها نزلت متلاحقة حتى تمت.

﴿ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وكِتَابٍ مُّبِينٍ ١ هُدًى وبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ٢ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٣ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ٤ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ٥ وإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦ ﴾ [ ١ ٦ ]
بدأت السورة بحرفي الطاء والسين. وروى المفسرون عن أهل التأويل أنهما من أسماء الله أو أنهما قسم أقسمه الله. كما رووا أنهما مثل سائر الحروف التي بدأت بها السور الأخرى. ونحن نرجح ذلك ونرجح أنهما جاءا لاسترعاء السمع لما بعدهما من ذكر كتاب الله والتنويه به وبالمؤمنين. فهو الكتاب الذي أنزله الله هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوقنون بحقيقة البعث الأخروي. وقد تبع ذلك استطراد إلى الذين لا يوقنون بهذه الحقيقة فوصفوا بأن الله قد زين لهم أعمالهم فعموا عن هذه الحقيقة وإدراكها عمى شديدا فاستحقوا سوء العذاب والخسران في الآخرة.
وانتهت الآيات بتوجيه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسبيل التوكيد بأن القرآن الذي يتلقاه هو من لدن الله تعالى الحكيم الذي لا يفعل إلاّ ما فيه الحكمة والعليم الذي يعلم بكل شيء.
ولم يرو المفسرون رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات. ومن المحتمل أن تكون مقدمة بين يدي القصص التي حكتها الآيات لها، ولعل الآية السادسة والأخيرة منها قرينة على ذلك، والله أعلم.
تعليق على اجتماع كلمتي القرآن والكتاب معا في آية واحدة
ولقد اجتمعت كلمتا القرآن والكتاب معا في الآية الأولى. والكلمتان جاءتا في القرآن مترادفتين حينما لا تجتمعان. ومع ذلك فكل منهما مختلف الدلالة حيث تعني كلمة ( القرآن ) الشيء المقروء وكلمة ( الكتاب ) الشيء المكتوب. وكل من المعنيين متحقق في القرآن، ولعل الحكمة في جمعهما هنا هي الإشارة إلى كون آيات وفصول وسور القرآن كانت تكتب وكانت تقرأ. فهي قرآن مقروء ومكتوب وإذا صحّ هذا ففيه قرينة على أن الفصول القرآنية كانت تدون في العهد المكي لأن الآيات مكية. وهو المتسق مع الروايات المتواترة والدلالات القرآنية الكثيرة على ما ذكرناه في مناسبات سابقة وشرحناه في كتابنا القرآن المجيد.
تعليق على جملة :﴿ زينا لهم أعمالهم ﴾
ولقد اختلفت أقوال المفسرين وتعددت في تأويل جملة ﴿ زينا لهم أعمالهم ﴾ [ ٤ ] لأنها توهم أن الله تعالى زين للكافرين بالآخرة عملهم وكفرهم فعموا نتيجة لذلك عن رؤية الحق وإدراكه، فمما قيل : إن معناها حرمانهم التوفيق عقوبة لهم على كفرهم فازدانت أعمالهم في عيونهم١. ومنه إنا حسّنا لهم ما هم فيه ومددنا لهم في الغيّ جزاء تكذيبهم بالآخرة٢. ومنه إن إسناد التزيين إلى الله هو مجازي وإن معنى الجملة أن الله متّعهم بطول العمر وسعة الرزق فجعلوا ذلك ذريعة إلى إتباع الشهوات فكأنه زيّن لهم بذلك أعمالهم أو أن الله زيّن لهم أعمال الخير التي وجب عليهم عملها فعموا عنها٣. وكل من هذه الأقوال وجيه من شأنه إزالة ما قد يثير التوهم في الجملة. ولاسيما أن في القرآن آيات تنسب تزيين الكفر والضلال للشيطان منها آية سورة الأنعام هذه ﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ولَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٤٣ ﴾ وآية سورة النحل هذه ﴿ تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُو ولِيُّهُمُ الْيَوْمَ ولَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣ ﴾ وفيه كذلك آيات تنسب إلى الإنسان عمله وترتب جزاءه في الدنيا والآخرة على ذلك مما مرّ منه أمثلة عديدة. ومنه آية سورة فصلت هذه ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ومَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ٤٦ ﴾ وآية سورة النحل هذه ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٩٧ ﴾.
وقد تبادر لنا تأويلان آخران :( أولهما ) أن تقرير كون الذين زيّن الله تعالى أعمالهم هم الذين لا يؤمنون بالآخرة قد يجعل الجملة من باب ﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ [ ٢٧ ] في آية سورة إبراهيم و﴿ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلاّ الفاسقين ﴾ في سورة البقرة [ في الآية : ٢٦ ]. ووصفهم بالمجرمين قرينة مؤيدة لوجاهة هذا التأويل.
أما ( ثانيهما ) فهو أن الله تعالى قد أودع في عبادة ناموس استحسان أعمالهم، فمنهم من يبلغ ذلك فيهم إلى حد يعميهم عن إدراك الحق، وهؤلاء الذين يجحدون بآيات الله ويكذبون بالآخرة، وفي سورة الأنعام آية من باب الآية التي نحن في صددها وقد جاءت مطلقة وهي ﴿ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ١٠٨ ﴾ وعبارتها تشمل جميع الناس محسنهم ومسيئهم وتقوّي وجاهة التأويل الثاني.
وعلى كل حال فإن هذه التأويلات هي التي تتسق مع روح القرآن وتقريراته المحكمة عامة التي من ضمنها تقرير جعل الله في الإنسان قابلية الاختيار والكسب وإرساله الرسل للبشر ليبينوا لهم بإذنه ووحيه طرق الهدى والضلال والحق والباطل والخير والشر، وجزاؤه كلاّ بما اختاره وفي الوقت نفسه تنزه الله سبحانه عن تزيين أعمال الكفار والمعاصي للكفار والعصاة.
تعليق عام على آيات السورة الأولى
وكلمة ﴿ الزكاة ﴾ تأتي هنا لثاني مرة في آية مكية. وصيغة الآية مثل صيغة آية سورة الأعراف ﴿ واكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء ورَحْمَتِي وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ والَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ١٥٦ ﴾ التي ذكرت فيها الكلمة أي صيغة حثّ وتنويه. والسورة من السور المبكرة نوعا ما. وفي هذا وذاك دلالة جديدة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رتّب منذ أوائل الدعوة على الميسورين من المؤمنين مقدار معينا من المال باسم ( زكاة ) لمصلحة فقراء المسلمين ومصلحة الدعوة أو كان يحثّهم على إنفاق جزء من مالهم بهذا الاسم على هاتين المصلحتين على ما شرحناه في سياق سورة المزمل.
ولقد وصف المؤمنون في الآية الثالثة بأنهم الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويؤمنون بالآخرة وفي هذا توكيد للتقريرات القرآنية بكون الإسلام إيمانا وعملا وبكون التلازم بين ذلك أمرا محكما.
والآية الثانية بتقريرها أن آيات القرآن هي هدى وبشرى للمؤمنين قد انطوت بدلالة الآية الثالثة على تقرير كون الطبقة التي ترغب في الحق والهدى وتعزف عن المكابرة والمماحكة هي التي تهتدي بالقرآن وتستبشر وتنتفع، ثم على التنويه بالمسلمين الأولين الذين سارعوا إلى الاهتداء والاستبشار بالقرآن وعكفوا على عبادة الله سبحانه ومساعدة الفقراء بزكاة أموالهم.
ولقد اقتصرت الآية الرابعة على وصف الكفار بأنهم الذين لا يؤمنون بالآخرة. ولعل القصد من هذه الإشارة إلى أن جحود الكفار حقيقة الآخرة كان أهمّ مظهر لكفرهم وأشدّ العقبات في سبيل الدعوة. ويقوي هذا كون هذه الحقيقة من أكثر المواضيع المتكررة في القرآن ومن أكثر مواضع الجدل والحجاج بين النبي صلى لله عليه وسلم وبين الكفار مما مرّ منه أمثلة كثيرة، والآية التي نحن في صددها تعلل أعمال الكفار السيئة وكفرهم بعدم إيمانهم بالآخرة. وقد احتوت آيات كثيرة مثل هذا التعليل مر منها أمثلة كثيرة آية سورة النحل هذه ﴿ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ٢٢ ﴾ وآية سورة المؤمنون هذه ﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ٧٤ ﴾ ولعل مما ينطوي في ذلك التنويه بخطورة الإيمان بها وكون ذلك جوهريّا في حياة الإنسان الدنيوية والأخروية معا حيث يجعل المرء يفكر في عواقب أعماله فينصرف عما يسبب له الشقاء في الآخرة.
١ انظر مجمع البيان للطبرسي مثلا..
٢ تفسير ابن كثير..
٣ الكشاف للزمخشري..
يعمهون : متحيرون ومترددون ويتيهون. ويقول الزمخشري : إن العمه مثل العمى، إلاّ أن العمى عام في البصر والرأي والعمه في الرأي خاصة. وهذا هو التحير والتردد حيث لا يدري المرء أين يتجه. وأرض عمهاء بمعنى لا منار بها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:﴿ طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وكِتَابٍ مُّبِينٍ ١ هُدًى وبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ٢ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٣ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ٤ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ٥ وإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦ ﴾ [ ١ ٦ ]
بدأت السورة بحرفي الطاء والسين. وروى المفسرون عن أهل التأويل أنهما من أسماء الله أو أنهما قسم أقسمه الله. كما رووا أنهما مثل سائر الحروف التي بدأت بها السور الأخرى. ونحن نرجح ذلك ونرجح أنهما جاءا لاسترعاء السمع لما بعدهما من ذكر كتاب الله والتنويه به وبالمؤمنين. فهو الكتاب الذي أنزله الله هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوقنون بحقيقة البعث الأخروي. وقد تبع ذلك استطراد إلى الذين لا يوقنون بهذه الحقيقة فوصفوا بأن الله قد زين لهم أعمالهم فعموا عن هذه الحقيقة وإدراكها عمى شديدا فاستحقوا سوء العذاب والخسران في الآخرة.
وانتهت الآيات بتوجيه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسبيل التوكيد بأن القرآن الذي يتلقاه هو من لدن الله تعالى الحكيم الذي لا يفعل إلاّ ما فيه الحكمة والعليم الذي يعلم بكل شيء.
ولم يرو المفسرون رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات. ومن المحتمل أن تكون مقدمة بين يدي القصص التي حكتها الآيات لها، ولعل الآية السادسة والأخيرة منها قرينة على ذلك، والله أعلم.
تعليق على اجتماع كلمتي القرآن والكتاب معا في آية واحدة
ولقد اجتمعت كلمتا القرآن والكتاب معا في الآية الأولى. والكلمتان جاءتا في القرآن مترادفتين حينما لا تجتمعان. ومع ذلك فكل منهما مختلف الدلالة حيث تعني كلمة ( القرآن ) الشيء المقروء وكلمة ( الكتاب ) الشيء المكتوب. وكل من المعنيين متحقق في القرآن، ولعل الحكمة في جمعهما هنا هي الإشارة إلى كون آيات وفصول وسور القرآن كانت تكتب وكانت تقرأ. فهي قرآن مقروء ومكتوب وإذا صحّ هذا ففيه قرينة على أن الفصول القرآنية كانت تدون في العهد المكي لأن الآيات مكية. وهو المتسق مع الروايات المتواترة والدلالات القرآنية الكثيرة على ما ذكرناه في مناسبات سابقة وشرحناه في كتابنا القرآن المجيد.
تعليق على جملة :﴿ زينا لهم أعمالهم ﴾
ولقد اختلفت أقوال المفسرين وتعددت في تأويل جملة ﴿ زينا لهم أعمالهم ﴾ [ ٤ ] لأنها توهم أن الله تعالى زين للكافرين بالآخرة عملهم وكفرهم فعموا نتيجة لذلك عن رؤية الحق وإدراكه، فمما قيل : إن معناها حرمانهم التوفيق عقوبة لهم على كفرهم فازدانت أعمالهم في عيونهم١. ومنه إنا حسّنا لهم ما هم فيه ومددنا لهم في الغيّ جزاء تكذيبهم بالآخرة٢. ومنه إن إسناد التزيين إلى الله هو مجازي وإن معنى الجملة أن الله متّعهم بطول العمر وسعة الرزق فجعلوا ذلك ذريعة إلى إتباع الشهوات فكأنه زيّن لهم بذلك أعمالهم أو أن الله زيّن لهم أعمال الخير التي وجب عليهم عملها فعموا عنها٣. وكل من هذه الأقوال وجيه من شأنه إزالة ما قد يثير التوهم في الجملة. ولاسيما أن في القرآن آيات تنسب تزيين الكفر والضلال للشيطان منها آية سورة الأنعام هذه ﴿ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ولَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٤٣ ﴾ وآية سورة النحل هذه ﴿ تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُو ولِيُّهُمُ الْيَوْمَ ولَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣ ﴾ وفيه كذلك آيات تنسب إلى الإنسان عمله وترتب جزاءه في الدنيا والآخرة على ذلك مما مرّ منه أمثلة عديدة. ومنه آية سورة فصلت هذه ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ومَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ٤٦ ﴾ وآية سورة النحل هذه ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٩٧ ﴾.
وقد تبادر لنا تأويلان آخران :( أولهما ) أن تقرير كون الذين زيّن الله تعالى أعمالهم هم الذين لا يؤمنون بالآخرة قد يجعل الجملة من باب ﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ [ ٢٧ ] في آية سورة إبراهيم و﴿ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلاّ الفاسقين ﴾ في سورة البقرة [ في الآية : ٢٦ ]. ووصفهم بالمجرمين قرينة مؤيدة لوجاهة هذا التأويل.
أما ( ثانيهما ) فهو أن الله تعالى قد أودع في عبادة ناموس استحسان أعمالهم، فمنهم من يبلغ ذلك فيهم إلى حد يعميهم عن إدراك الحق، وهؤلاء الذين يجحدون بآيات الله ويكذبون بالآخرة، وفي سورة الأنعام آية من باب الآية التي نحن في صددها وقد جاءت مطلقة وهي ﴿ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ١٠٨ ﴾ وعبارتها تشمل جميع الناس محسنهم ومسيئهم وتقوّي وجاهة التأويل الثاني.
وعلى كل حال فإن هذه التأويلات هي التي تتسق مع روح القرآن وتقريراته المحكمة عامة التي من ضمنها تقرير جعل الله في الإنسان قابلية الاختيار والكسب وإرساله الرسل للبشر ليبينوا لهم بإذنه ووحيه طرق الهدى والضلال والحق والباطل والخير والشر، وجزاؤه كلاّ بما اختاره وفي الوقت نفسه تنزه الله سبحانه عن تزيين أعمال الكفار والمعاصي للكفار والعصاة.
تعليق عام على آيات السورة الأولى
وكلمة ﴿ الزكاة ﴾ تأتي هنا لثاني مرة في آية مكية. وصيغة الآية مثل صيغة آية سورة الأعراف ﴿ واكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء ورَحْمَتِي وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ والَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ١٥٦ ﴾ التي ذكرت فيها الكلمة أي صيغة حثّ وتنويه. والسورة من السور المبكرة نوعا ما. وفي هذا وذاك دلالة جديدة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رتّب منذ أوائل الدعوة على الميسورين من المؤمنين مقدار معينا من المال باسم ( زكاة ) لمصلحة فقراء المسلمين ومصلحة الدعوة أو كان يحثّهم على إنفاق جزء من مالهم بهذا الاسم على هاتين المصلحتين على ما شرحناه في سياق سورة المزمل.
ولقد وصف المؤمنون في الآية الثالثة بأنهم الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويؤمنون بالآخرة وفي هذا توكيد للتقريرات القرآنية بكون الإسلام إيمانا وعملا وبكون التلازم بين ذلك أمرا محكما.
والآية الثانية بتقريرها أن آيات القرآن هي هدى وبشرى للمؤمنين قد انطوت بدلالة الآية الثالثة على تقرير كون الطبقة التي ترغب في الحق والهدى وتعزف عن المكابرة والمماحكة هي التي تهتدي بالقرآن وتستبشر وتنتفع، ثم على التنويه بالمسلمين الأولين الذين سارعوا إلى الاهتداء والاستبشار بالقرآن وعكفوا على عبادة الله سبحانه ومساعدة الفقراء بزكاة أموالهم.
ولقد اقتصرت الآية الرابعة على وصف الكفار بأنهم الذين لا يؤمنون بالآخرة. ولعل القصد من هذه الإشارة إلى أن جحود الكفار حقيقة الآخرة كان أهمّ مظهر لكفرهم وأشدّ العقبات في سبيل الدعوة. ويقوي هذا كون هذه الحقيقة من أكثر المواضيع المتكررة في القرآن ومن أكثر مواضع الجدل والحجاج بين النبي صلى لله عليه وسلم وبين الكفار مما مرّ منه أمثلة كثيرة، والآية التي نحن في صددها تعلل أعمال الكفار السيئة وكفرهم بعدم إيمانهم بالآخرة. وقد احتوت آيات كثيرة مثل هذا التعليل مر منها أمثلة كثيرة آية سورة النحل هذه ﴿ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ٢٢ ﴾ وآية سورة المؤمنون هذه ﴿ وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ٧٤ ﴾ ولعل مما ينطوي في ذلك التنويه بخطورة الإيمان بها وكون ذلك جوهريّا في حياة الإنسان الدنيوية والأخروية معا حيث يجعل المرء يفكر في عواقب أعماله فينصرف عما يسبب له الشقاء في الآخرة.
١ انظر مجمع البيان للطبرسي مثلا..
٢ تفسير ابن كثير..
٣ الكشاف للزمخشري..

شهاب قبس : شعلة مقتبسة من النار.
تصطلون : تستدفئون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ إذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ٧ فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ ومَنْ حَوْلَهَا وسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٨ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٩ وأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولَّى مُدْبِرًا ولَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ١٠ إلاّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ١١ وأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ١٢ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ١٣ وجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ١٤ ﴾ [ ٧ ـ ١٤ ]
تعليق على قصة موسى وفرعون في السورة
هذه الآيات حلقة من سلسلة قصصية اقتضتها حكمة التنزيل وتجدد المناسبات. وقد جاءت عقب الآيات التي نوّهت بالمؤمنين ونددت بالجاحدين بقصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وإنذار الكفار، جريا على الأسلوب القرآني، وهي والحال هذه متصلة بالسياق.
وقد تضمنت الحلقة قصة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه. وعبارتها واضحة وقد جاءت مقتضبة مع الاتساق بينها وبين ما جاء في سورتي طه والأعراف إجمالا.
وقصد الموعظة وضرب المثل والتثبيت واضح فيها سواء أفي حرف " إذ " الذي بدئت به والذي هو حرف تذكير أم في نهايتها التي تلفت النظر إلى العاقبة التي صار إليها المفسدون والتي ذكرت في السورتين المذكورتين وتذكر بها.
والجديد في صيغة القصة هنا ذكر جحود فرعون وقومه لآيات الله ظلما وعلوّا مع استيقانهم بصدق كونها من عند الله. وقد انطوى فيه على ما هو المتبادر قصد المقارنة بين ما صدر من فرعون وقومه وبين ما صدر من كفار العرب الذين كانوا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجحدون بآياته استكبارا في الأرض ومكر السيئ على ما ذكرته آيات سورة فاطر هذه ﴿ وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إلاّ نُفُورًا ٤٢ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ ومَكْرَ السَّيِّئِ ولَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إلاّ سُنَّتَ الْأَولِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا٤٣ ﴾ وغيرها من الآيات التي أوردناها في سياق هذه الآيات في سورة فاطر ؛ ثم قصد إنذار الكفار وتذكيرهم بعاقبة فرعون وقومه الذين جحدوا بآيات الله ظلما وعلوّا.
ومن الجديد فيها كذلك ما جاء في الآيتين [ ١٠ـ١١ ] من خطاب الله عزّ وجل لموسى. وهذا غير وارد في سفر الخروج. ونعتقد أنه كان المتداول عند اليهود والوارد في بعض قراطيسهم التي لم تصل إلينا.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل لما جاء في الآيتين المذكورتين من ذلك أنه شامل للمرسلين وغير المرسلين. ومن ذلك أن المقصود من الصيغة استثناء المرسلين من الخوف. وتقرير كون الخوف إنما هو من شأن الظالم، والمرسلون لا يظلمون. ومن ذلك أن القصد من الآية الثانية مع ذلك هو إيذان الله تعالى بأنه يغفر ويرحم لمن يبدل حسنا بعد سوء إطلاقا وكلا القولين وجيه.
وفي الآيات تساوق مع المبادئ القرآنية التي تكرر التنبيه عليها في مناسبات عديدة مرّت أمثلة منها. والتي يؤذن الله تعالى فيها بالمغفرة والرحمة لمن ظلم ثم تاب وبدل حسنا بعد سوء. وفي هذا التساوق يبدو التماثل بين ما أوحى الله إلى موسى وإلى محمد عليهما السلام، ولعلّ هذا من حكمة ذلك. والله أعلم.
مغزى وصف الله نفسه برب العالمين
في آيات هذه القصة
وفي وصف الله تعالى نفسه هنا بوصف ﴿ رب العالمين ﴾ وهو يخاطب موسى مغزى مهم يؤكد ويتمم المغزى الذي انطوى في آيات سورة الأعراف [ ١٠٥ـ١٢١ ] والذي نبهنا عليه في تعليق خاص. ففي الآية [ ١٠٥ ] وصف الله تعالى بهذا الوصف بلسان موسى عليه السلام. وفي الآية [ ١٢١ ] وصف بهذا الوصف بلسان بني إسرائيل. وهنا وصف الله عز وجل نفسه به وبذلك انسد باب دعوى بني إسرائيل باختصاص الله بهم انسدادا محكما وتم تكذيبهم فيها بصورة حاسمة وصحح التحريف الذي حرّفوه في أسفارهم١ على ما نبهنا عليه في التعريف المذكور.

جان : اسم من أسماء الأفعى أو جنس من أجناسها الضخمة أو السريعة الحركة الشديدة الاضطراب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ إذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ٧ فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ ومَنْ حَوْلَهَا وسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٨ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٩ وأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولَّى مُدْبِرًا ولَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ١٠ إلاّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ١١ وأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ١٢ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ١٣ وجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ١٤ ﴾ [ ٧ ـ ١٤ ]
تعليق على قصة موسى وفرعون في السورة
هذه الآيات حلقة من سلسلة قصصية اقتضتها حكمة التنزيل وتجدد المناسبات. وقد جاءت عقب الآيات التي نوّهت بالمؤمنين ونددت بالجاحدين بقصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وإنذار الكفار، جريا على الأسلوب القرآني، وهي والحال هذه متصلة بالسياق.
وقد تضمنت الحلقة قصة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه. وعبارتها واضحة وقد جاءت مقتضبة مع الاتساق بينها وبين ما جاء في سورتي طه والأعراف إجمالا.
وقصد الموعظة وضرب المثل والتثبيت واضح فيها سواء أفي حرف " إذ " الذي بدئت به والذي هو حرف تذكير أم في نهايتها التي تلفت النظر إلى العاقبة التي صار إليها المفسدون والتي ذكرت في السورتين المذكورتين وتذكر بها.
والجديد في صيغة القصة هنا ذكر جحود فرعون وقومه لآيات الله ظلما وعلوّا مع استيقانهم بصدق كونها من عند الله. وقد انطوى فيه على ما هو المتبادر قصد المقارنة بين ما صدر من فرعون وقومه وبين ما صدر من كفار العرب الذين كانوا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجحدون بآياته استكبارا في الأرض ومكر السيئ على ما ذكرته آيات سورة فاطر هذه ﴿ وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إلاّ نُفُورًا ٤٢ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ ومَكْرَ السَّيِّئِ ولَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إلاّ سُنَّتَ الْأَولِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا٤٣ ﴾ وغيرها من الآيات التي أوردناها في سياق هذه الآيات في سورة فاطر ؛ ثم قصد إنذار الكفار وتذكيرهم بعاقبة فرعون وقومه الذين جحدوا بآيات الله ظلما وعلوّا.
ومن الجديد فيها كذلك ما جاء في الآيتين [ ١٠ـ١١ ] من خطاب الله عزّ وجل لموسى. وهذا غير وارد في سفر الخروج. ونعتقد أنه كان المتداول عند اليهود والوارد في بعض قراطيسهم التي لم تصل إلينا.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل لما جاء في الآيتين المذكورتين من ذلك أنه شامل للمرسلين وغير المرسلين. ومن ذلك أن المقصود من الصيغة استثناء المرسلين من الخوف. وتقرير كون الخوف إنما هو من شأن الظالم، والمرسلون لا يظلمون. ومن ذلك أن القصد من الآية الثانية مع ذلك هو إيذان الله تعالى بأنه يغفر ويرحم لمن يبدل حسنا بعد سوء إطلاقا وكلا القولين وجيه.
وفي الآيات تساوق مع المبادئ القرآنية التي تكرر التنبيه عليها في مناسبات عديدة مرّت أمثلة منها. والتي يؤذن الله تعالى فيها بالمغفرة والرحمة لمن ظلم ثم تاب وبدل حسنا بعد سوء. وفي هذا التساوق يبدو التماثل بين ما أوحى الله إلى موسى وإلى محمد عليهما السلام، ولعلّ هذا من حكمة ذلك. والله أعلم.
مغزى وصف الله نفسه برب العالمين
في آيات هذه القصة
وفي وصف الله تعالى نفسه هنا بوصف ﴿ رب العالمين ﴾ وهو يخاطب موسى مغزى مهم يؤكد ويتمم المغزى الذي انطوى في آيات سورة الأعراف [ ١٠٥ـ١٢١ ] والذي نبهنا عليه في تعليق خاص. ففي الآية [ ١٠٥ ] وصف الله تعالى بهذا الوصف بلسان موسى عليه السلام. وفي الآية [ ١٢١ ] وصف بهذا الوصف بلسان بني إسرائيل. وهنا وصف الله عز وجل نفسه به وبذلك انسد باب دعوى بني إسرائيل باختصاص الله بهم انسدادا محكما وتم تكذيبهم فيها بصورة حاسمة وصحح التحريف الذي حرّفوه في أسفارهم١ على ما نبهنا عليه في التعريف المذكور.

في تسع آيات : المعجزات التي أظهرها الله تعالى على يد موسى. وهي اليد والعصا والجراد والضفادع والدم والقمل والطوفان والسنين ونقص الثمرات وقد ذكرت في سورة الأعراف١.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ إذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ٧ فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ ومَنْ حَوْلَهَا وسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٨ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٩ وأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولَّى مُدْبِرًا ولَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ١٠ إلاّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ١١ وأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ١٢ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ١٣ وجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ١٤ ﴾ [ ٧ ـ ١٤ ]
تعليق على قصة موسى وفرعون في السورة
هذه الآيات حلقة من سلسلة قصصية اقتضتها حكمة التنزيل وتجدد المناسبات. وقد جاءت عقب الآيات التي نوّهت بالمؤمنين ونددت بالجاحدين بقصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وإنذار الكفار، جريا على الأسلوب القرآني، وهي والحال هذه متصلة بالسياق.
وقد تضمنت الحلقة قصة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه. وعبارتها واضحة وقد جاءت مقتضبة مع الاتساق بينها وبين ما جاء في سورتي طه والأعراف إجمالا.
وقصد الموعظة وضرب المثل والتثبيت واضح فيها سواء أفي حرف " إذ " الذي بدئت به والذي هو حرف تذكير أم في نهايتها التي تلفت النظر إلى العاقبة التي صار إليها المفسدون والتي ذكرت في السورتين المذكورتين وتذكر بها.
والجديد في صيغة القصة هنا ذكر جحود فرعون وقومه لآيات الله ظلما وعلوّا مع استيقانهم بصدق كونها من عند الله. وقد انطوى فيه على ما هو المتبادر قصد المقارنة بين ما صدر من فرعون وقومه وبين ما صدر من كفار العرب الذين كانوا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجحدون بآياته استكبارا في الأرض ومكر السيئ على ما ذكرته آيات سورة فاطر هذه ﴿ وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إلاّ نُفُورًا ٤٢ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ ومَكْرَ السَّيِّئِ ولَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إلاّ سُنَّتَ الْأَولِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا٤٣ ﴾ وغيرها من الآيات التي أوردناها في سياق هذه الآيات في سورة فاطر ؛ ثم قصد إنذار الكفار وتذكيرهم بعاقبة فرعون وقومه الذين جحدوا بآيات الله ظلما وعلوّا.
ومن الجديد فيها كذلك ما جاء في الآيتين [ ١٠ـ١١ ] من خطاب الله عزّ وجل لموسى. وهذا غير وارد في سفر الخروج. ونعتقد أنه كان المتداول عند اليهود والوارد في بعض قراطيسهم التي لم تصل إلينا.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل لما جاء في الآيتين المذكورتين من ذلك أنه شامل للمرسلين وغير المرسلين. ومن ذلك أن المقصود من الصيغة استثناء المرسلين من الخوف. وتقرير كون الخوف إنما هو من شأن الظالم، والمرسلون لا يظلمون. ومن ذلك أن القصد من الآية الثانية مع ذلك هو إيذان الله تعالى بأنه يغفر ويرحم لمن يبدل حسنا بعد سوء إطلاقا وكلا القولين وجيه.
وفي الآيات تساوق مع المبادئ القرآنية التي تكرر التنبيه عليها في مناسبات عديدة مرّت أمثلة منها. والتي يؤذن الله تعالى فيها بالمغفرة والرحمة لمن ظلم ثم تاب وبدل حسنا بعد سوء. وفي هذا التساوق يبدو التماثل بين ما أوحى الله إلى موسى وإلى محمد عليهما السلام، ولعلّ هذا من حكمة ذلك. والله أعلم.
مغزى وصف الله نفسه برب العالمين
في آيات هذه القصة
وفي وصف الله تعالى نفسه هنا بوصف ﴿ رب العالمين ﴾ وهو يخاطب موسى مغزى مهم يؤكد ويتمم المغزى الذي انطوى في آيات سورة الأعراف [ ١٠٥ـ١٢١ ] والذي نبهنا عليه في تعليق خاص. ففي الآية [ ١٠٥ ] وصف الله تعالى بهذا الوصف بلسان موسى عليه السلام. وفي الآية [ ١٢١ ] وصف بهذا الوصف بلسان بني إسرائيل. وهنا وصف الله عز وجل نفسه به وبذلك انسد باب دعوى بني إسرائيل باختصاص الله بهم انسدادا محكما وتم تكذيبهم فيها بصورة حاسمة وصحح التحريف الذي حرّفوه في أسفارهم١ على ما نبهنا عليه في التعريف المذكور.


١ الآيات [١٠٧ و ١٠٨ و ١٣٠ و ١٣٣] وقد سميت في الآيات بالآيات التي تعني المعجزات..
مبصرة : واضحة بينة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ إذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ٧ فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ ومَنْ حَوْلَهَا وسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٨ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٩ وأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولَّى مُدْبِرًا ولَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ١٠ إلاّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ١١ وأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ١٢ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ١٣ وجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ١٤ ﴾ [ ٧ ـ ١٤ ]
تعليق على قصة موسى وفرعون في السورة
هذه الآيات حلقة من سلسلة قصصية اقتضتها حكمة التنزيل وتجدد المناسبات. وقد جاءت عقب الآيات التي نوّهت بالمؤمنين ونددت بالجاحدين بقصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وإنذار الكفار، جريا على الأسلوب القرآني، وهي والحال هذه متصلة بالسياق.
وقد تضمنت الحلقة قصة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه. وعبارتها واضحة وقد جاءت مقتضبة مع الاتساق بينها وبين ما جاء في سورتي طه والأعراف إجمالا.
وقصد الموعظة وضرب المثل والتثبيت واضح فيها سواء أفي حرف " إذ " الذي بدئت به والذي هو حرف تذكير أم في نهايتها التي تلفت النظر إلى العاقبة التي صار إليها المفسدون والتي ذكرت في السورتين المذكورتين وتذكر بها.
والجديد في صيغة القصة هنا ذكر جحود فرعون وقومه لآيات الله ظلما وعلوّا مع استيقانهم بصدق كونها من عند الله. وقد انطوى فيه على ما هو المتبادر قصد المقارنة بين ما صدر من فرعون وقومه وبين ما صدر من كفار العرب الذين كانوا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجحدون بآياته استكبارا في الأرض ومكر السيئ على ما ذكرته آيات سورة فاطر هذه ﴿ وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إلاّ نُفُورًا ٤٢ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ ومَكْرَ السَّيِّئِ ولَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إلاّ سُنَّتَ الْأَولِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا٤٣ ﴾ وغيرها من الآيات التي أوردناها في سياق هذه الآيات في سورة فاطر ؛ ثم قصد إنذار الكفار وتذكيرهم بعاقبة فرعون وقومه الذين جحدوا بآيات الله ظلما وعلوّا.
ومن الجديد فيها كذلك ما جاء في الآيتين [ ١٠ـ١١ ] من خطاب الله عزّ وجل لموسى. وهذا غير وارد في سفر الخروج. ونعتقد أنه كان المتداول عند اليهود والوارد في بعض قراطيسهم التي لم تصل إلينا.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل لما جاء في الآيتين المذكورتين من ذلك أنه شامل للمرسلين وغير المرسلين. ومن ذلك أن المقصود من الصيغة استثناء المرسلين من الخوف. وتقرير كون الخوف إنما هو من شأن الظالم، والمرسلون لا يظلمون. ومن ذلك أن القصد من الآية الثانية مع ذلك هو إيذان الله تعالى بأنه يغفر ويرحم لمن يبدل حسنا بعد سوء إطلاقا وكلا القولين وجيه.
وفي الآيات تساوق مع المبادئ القرآنية التي تكرر التنبيه عليها في مناسبات عديدة مرّت أمثلة منها. والتي يؤذن الله تعالى فيها بالمغفرة والرحمة لمن ظلم ثم تاب وبدل حسنا بعد سوء. وفي هذا التساوق يبدو التماثل بين ما أوحى الله إلى موسى وإلى محمد عليهما السلام، ولعلّ هذا من حكمة ذلك. والله أعلم.
مغزى وصف الله نفسه برب العالمين
في آيات هذه القصة
وفي وصف الله تعالى نفسه هنا بوصف ﴿ رب العالمين ﴾ وهو يخاطب موسى مغزى مهم يؤكد ويتمم المغزى الذي انطوى في آيات سورة الأعراف [ ١٠٥ـ١٢١ ] والذي نبهنا عليه في تعليق خاص. ففي الآية [ ١٠٥ ] وصف الله تعالى بهذا الوصف بلسان موسى عليه السلام. وفي الآية [ ١٢١ ] وصف بهذا الوصف بلسان بني إسرائيل. وهنا وصف الله عز وجل نفسه به وبذلك انسد باب دعوى بني إسرائيل باختصاص الله بهم انسدادا محكما وتم تكذيبهم فيها بصورة حاسمة وصحح التحريف الذي حرّفوه في أسفارهم١ على ما نبهنا عليه في التعريف المذكور.

استيقنتها أنفسهم : علموا صدق كونها من الله تعالى في قرارة أنفسهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ إذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ٧ فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ ومَنْ حَوْلَهَا وسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٨ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٩ وأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولَّى مُدْبِرًا ولَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ١٠ إلاّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ١١ وأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ١٢ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ١٣ وجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ١٤ ﴾ [ ٧ ـ ١٤ ]
تعليق على قصة موسى وفرعون في السورة
هذه الآيات حلقة من سلسلة قصصية اقتضتها حكمة التنزيل وتجدد المناسبات. وقد جاءت عقب الآيات التي نوّهت بالمؤمنين ونددت بالجاحدين بقصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وإنذار الكفار، جريا على الأسلوب القرآني، وهي والحال هذه متصلة بالسياق.
وقد تضمنت الحلقة قصة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه. وعبارتها واضحة وقد جاءت مقتضبة مع الاتساق بينها وبين ما جاء في سورتي طه والأعراف إجمالا.
وقصد الموعظة وضرب المثل والتثبيت واضح فيها سواء أفي حرف " إذ " الذي بدئت به والذي هو حرف تذكير أم في نهايتها التي تلفت النظر إلى العاقبة التي صار إليها المفسدون والتي ذكرت في السورتين المذكورتين وتذكر بها.
والجديد في صيغة القصة هنا ذكر جحود فرعون وقومه لآيات الله ظلما وعلوّا مع استيقانهم بصدق كونها من عند الله. وقد انطوى فيه على ما هو المتبادر قصد المقارنة بين ما صدر من فرعون وقومه وبين ما صدر من كفار العرب الذين كانوا يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجحدون بآياته استكبارا في الأرض ومكر السيئ على ما ذكرته آيات سورة فاطر هذه ﴿ وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إلاّ نُفُورًا ٤٢ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ ومَكْرَ السَّيِّئِ ولَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلاّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إلاّ سُنَّتَ الْأَولِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا٤٣ ﴾ وغيرها من الآيات التي أوردناها في سياق هذه الآيات في سورة فاطر ؛ ثم قصد إنذار الكفار وتذكيرهم بعاقبة فرعون وقومه الذين جحدوا بآيات الله ظلما وعلوّا.
ومن الجديد فيها كذلك ما جاء في الآيتين [ ١٠ـ١١ ] من خطاب الله عزّ وجل لموسى. وهذا غير وارد في سفر الخروج. ونعتقد أنه كان المتداول عند اليهود والوارد في بعض قراطيسهم التي لم تصل إلينا.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل لما جاء في الآيتين المذكورتين من ذلك أنه شامل للمرسلين وغير المرسلين. ومن ذلك أن المقصود من الصيغة استثناء المرسلين من الخوف. وتقرير كون الخوف إنما هو من شأن الظالم، والمرسلون لا يظلمون. ومن ذلك أن القصد من الآية الثانية مع ذلك هو إيذان الله تعالى بأنه يغفر ويرحم لمن يبدل حسنا بعد سوء إطلاقا وكلا القولين وجيه.
وفي الآيات تساوق مع المبادئ القرآنية التي تكرر التنبيه عليها في مناسبات عديدة مرّت أمثلة منها. والتي يؤذن الله تعالى فيها بالمغفرة والرحمة لمن ظلم ثم تاب وبدل حسنا بعد سوء. وفي هذا التساوق يبدو التماثل بين ما أوحى الله إلى موسى وإلى محمد عليهما السلام، ولعلّ هذا من حكمة ذلك. والله أعلم.
مغزى وصف الله نفسه برب العالمين
في آيات هذه القصة
وفي وصف الله تعالى نفسه هنا بوصف ﴿ رب العالمين ﴾ وهو يخاطب موسى مغزى مهم يؤكد ويتمم المغزى الذي انطوى في آيات سورة الأعراف [ ١٠٥ـ١٢١ ] والذي نبهنا عليه في تعليق خاص. ففي الآية [ ١٠٥ ] وصف الله تعالى بهذا الوصف بلسان موسى عليه السلام. وفي الآية [ ١٢١ ] وصف بهذا الوصف بلسان بني إسرائيل. وهنا وصف الله عز وجل نفسه به وبذلك انسد باب دعوى بني إسرائيل باختصاص الله بهم انسدادا محكما وتم تكذيبهم فيها بصورة حاسمة وصحح التحريف الذي حرّفوه في أسفارهم١ على ما نبهنا عليه في التعريف المذكور.

﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.
منطق الطير : أصواتها أو معانيها أو أغراضها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

يوزعون : يساقون أو يحسبون موقفا بعد موقف حتى يتلاحقوا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

لا يحطمنكم : لا يدوسنكم ويسحقنكم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

أوزعني : اجعلني أو احصرني أو ألهمني.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

بسلطان مبين : ببرهان ومبرر واضح.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

فمكث غير بعيد : فغاب غير طويل.
أحطت : علمت ووقفت على خبر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

الخبء : المخفي أو المخبوء أو كناية عن مطر السماء ونبات الأرض.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

أتمدونني بمال : من الإمداد بمعنى المعونة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

عفريت : معناه الخبيث أو الداهية أو المارد الجبار.
قبل أن تقوم من مقامك : قبل أن تقوم من مجلسك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

قبل أن يرتد إليك طرفك : قبل أن ترمش عينك، أو كما يقال بأسرع من لمح البصر.
ليبلوني : ليختبرني.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نكروا لها عرشها : غيروا معالم عرشها.
ننظر أتهتدي : لنرى هل تهتدي إليه وتعرفه رغم ما طرأ عليه من التغيير.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

وصدها ما كانت تعبد من دون الله : ومنعها أو جعلها ترجع عما كانت تعبد من دون الله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

الصرح : القصر أو إحدى قاعاته.
لجة : بحيرة ماء.
ممرد : مملس.
قوارير : زجاج.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وسُلَيْمَانَ عِلْمًا وقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥ وورِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ ١٦ وحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٧ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلَى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ١٩ وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ٢٠ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ٢١ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ولَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣ وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ٢٤ إلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ ٢٥ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُو رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ٢٦ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٧ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَولَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ٢٨ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ٢٩ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمان الرَّحِيمِ ٣٠ ألاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣١ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ٣٢ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ٣٣ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ٣٤ وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ٣٦ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا و َلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وهُمْ صَاغِرُونَ ٣٧ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ٣٨ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُونِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أم تكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢ وصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ٤٣ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤ ﴾ [ ١٥ ٤٤ ]
تعليق على قصة داود و سليمان وملكة سبأ
في الحلقة الثانية من السورة
وهذه حلقة ثانية من السلسلة، وقد احتوت إشارة إلى ما آتاه الله داود وسليمان من علم وحمدهما إياه على ذلك، ثم إلى أحداث جرت لسليمان وبخاصة ما كان بينه وبين ملكة سبأ بشيء من الإسهاب، وعبارتها واضحة.
ومعظم ما جاء فيها من جديد باستثناء ما كان من تسخير الجنّ لسليمان حيث ذكر في سورة ص. ومع ما يبدو عليها مقصد الإخبار، فإن فيها مواضع عبرة عديدة تجعلها تتسق في أهدافها مع أهداف القصص القرآني بوجه عام، وهي التذكير وضرب المثل والموعظة والعبرة.
وخبر زيارة ملكة سبأ لسليمان عليه السلام وارد في الإصحاح العاشر من سفر الملوك الأول الذي هو في الطبعة الكاثوليكية الثالث. وما جاء في هذا الإصحاح أن الملكة نوهت بحكمة سليمان وقدمت له هدايا مائة وعشرين قنطارا من الذهب وطيوبا كثيرة وحجارة كريمة. وأنه أعطاها كل بغيتها التي سألتها فوق ما أعطاها من العطايا وانصرفت إلى أرضها.
وليس في هذا السفر ولا غيره من الأسفار ما جاء في الآيات من قصة الهدهد وتعلم سليمان منطق الطير وحشد جنوده من الجن والإنس والطير ووادي النمل وكلام النملة وكتاب سليمان لملكة سبأ ومحاورتها مع ملأها. ومسألة الإتيان بعرشها والصرح الذي حسبته لجة وهو من القوارير. ولكنا نعتقد أنها كانت متداولة بين اليهود وواردة في قراطيس وأسفار أخرى. وفي كتب التفسير بيانات كثيرة مروية عن علماء الأخبار ومسلمة اليهود في الصدر الأول في نطاق كل ذلك مما فيه دلالة على أن ما اقتضت حكمة التنزيل منه مما كان متداولا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له مصدر إلاّ اليهود.
ولما كان هدف القصة وما فيها هو الموعظة والعبرة كما قلنا، فإننا لم نر طائلا في إيراد البيانات التي أوردها المفسرون والتي فيها كثير من الإغراب ولا في شرح محتويات الآيات موضوعيا والتوسع في التخمين والتأويل كما فعل المفسرون. ونرى الأولى الوقوف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيحاؤه لتحقيق ذلك الهدف.
هدف الحلقة ومواضع العبرة فيها
إن ما قلناه في سياق قصتي داود وسليمان عليهما السلام في سورة ص اللتين جاءتا عقب ذكر تمرد الأقوام الأولى ومواقف كفار العرب من الرسالة النبوية، من كون الهدف الرئيسي للقصتين هو التنويه بما كان من إخلاص داود وسليمان لله تعالى مع ما وصل إليه ملكهما من عظمة وقوة بسبيل تسلية النبي صلى الله عليه وسلم يقال هنا بتمامه. فإذا كان فرعون استكبر وظلم وجحد بآيات الله فإن داود وسليمان عليهما السلام صاحبي الملك العظيم المسخر لهما قوى الكون الهائلة لم يغتروا بذلك وظلوا منيبين لله معترفين بفضله. يلتمسون منه أن يدخلهم في عباده الصالحين. ويلحظ أن ذكر داود وسليمان وملكهما وعظمته قد جاء هنا عقب ذكر فرعون وتمرده مما فيه تساوق أسلوبي ونظمي مع سياق قصتهما في سورة ( ص ) مما فيه تدعيم لما نبهنا عليه من الهدف الرئيسي الذي استهدف هنا كما استهدف في تلك السورة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من مواضع العبرة في الحلقة الحوار الذي حكته الآيات بين ملكة سبأ ورجال دولتها حيث احتوى حكما جليلة في صدد سياسة الملك. فالملكة تعلن أنها ما كانت مستبدة ولا ظالمة ولا قاطعة أمرا إلاّ بعد مشاورة أولي الرأي في مملكتها. وواضح أن كلمة ( الملوك ) التي وردت في كلامها تعني الملوك الأجانب ؛ حيث تقرر أنهم إذا غزوا بلادا ما واحتلوها انصرف همهم إلى إفساد تلك البلاد وجعل أعزة أهلها أذلة. وإن من الواجب وقاية البلاد من أخطارهم بأي وسيلة. مما فيه حكمة اجتماعية رائعة خالدة. وأسلوب الحوار وإن كان قصصيا ففيه ما يلهم قصد التنويه بما حكاه عن لسان الملكة والدعوة إلى التأسي به وجعله خطة يسار عليها وهي خطة حكيمة سليمة حقا.
ومن ذلك إسلام ملكة سبأ لله بعد أن سمعت من سليمان عليه السلام ما سمعت من حكمة وعظة، حيث ينطوي في هذا تقرير بأنه إذا كان الكفار لا يستجيبون إلى دعوة الله فهناك من عظماء الملوك من كان كافرا فاستجاب إلى هذه الدعوة وأسلم نفسه لله تعالى مع نبيه.
تعريف بسبأ
وفحوى الآيات يفيد أن المقصود من سبأ اسم بلد أو قوم. وقد ذكر هذا الاسم في آية في سورة سميت به يفيد نفس الشيء وهي الآية [ ١٥ ] من سورة سبأ وهي ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ١٥ ﴾. ولقد ذكر اسم سبأ في الإصحاح العاشر والإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين بصفته أحد أبناء يقطان بن عاجر من نسل سام بن نوح. والروايات العربية تذكر سبأ رئيسا لعرب اليمن فهو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. وهو أبو حمير وكهلان، وإلى حمير وكهلان تنتسب جميع القبائل القحطانية. وإلى هذا فقد ذكر اسم سبأ في نقوش يمنية قديمة كاسم قوم ومملكة قامت في القرن العاشر قبل الميلاد وعظم أمرها وعم سلطانها بلاد اليمن وبنت السدود والقصور والمعابد واستخرجت الذهب من المناجم وعظمت تجارتها وزراعتها وازدهرت. واشتهر من سدودها سد مأرب العظيم الذي كان من أعظم الأعمال الهندسية الإروائية في العصور القديمة، والذي لا تزال آثاره قائمة تشهد على عظمته والذي كان من أسباب ازدهار الزراعة فيها مما أشير إليه في آية سبأ المذكورة آنفا. وقد استمر حكمها واسمها إلى ما بعد الميلاد المسيحي ثم أخذ يطرأ عليها الوهن وخرب سدها وطغى على ما جاوره ودمره وقد سمي هذا بسيل العرم الذي ذكر في سورة سبأ بعد الآية المذكورة ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ١٦ ﴾.

﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.
تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة : تستعجلون عذاب الله تعالى دون رحمته وفضله.
لولا : بمعنى هلا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

اطيرنا : تشاءمنا.
طائركم : شؤمكم.
تفتنون : تختبرون بطاعة الله ومعصيته.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

تسعة رهط : الرهط بمعنى الجماعة. والمتبادر أن الجملة تعني رهطا مؤلفا من تسعة أشخاص.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

تقاسموا بالله : احلفوا الأيمان.
لنبيتنه : لنباغتنه ليلا.
لوليه : لأهل عصبيته.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ٤٥ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٤٦ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ٤٧ وكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ولَا يُصْلِحُونَ ٤٨ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِولِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصَادِقُونَ ٤٩ ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنَا مَكْرًا وهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٠ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ٥١ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥٢ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكَانُوا يَتَّقُونَ ٥٣ ولُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ٥٤ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ٥٥ فَمَا كَانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلاّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٥٦ فَأَنجَيْنَاهُ وأَهْلَهُ إلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧ وأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ٥٨ ﴾ [ ٤٥ ٥٨ ]
تعليق على قصتي صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما
احتوت هذه الآيات حلقتين أخريين من بقية الحلقات في السلسلة القصصية، وفيهما قصتا صالح ولوط عليهما السلام مع قومهما. ومحتوياتها مطابقة مع ما جاء من ذلك في سور الشعراء والأعراف والقمر وغيرها. وعبارتها واضحة وعظ الكفار وإنذارهم وضرب المثل لهم بأفعالهم وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وتطمينهم بنصر الله وخذلان الكفار واضح في آيات الحلقتين. وهو ما استهدفته كما هو المتبادر.
وفي آيات قصة صالح عليه السلام شيء جديد وهو المؤامرة التي دبرها الرهط المفسدون لقتل صالح عليه السلام ونتيجتها. وقد انطوى في ذلك كما هو المتبادر قصد تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين كانوا يتعرضون لأذى الكفار ومؤامرتهم وتطمينهم بنصر الله وإنذار الكفار بعاقبة مثل عاقبة ثمود.

﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ٥٩ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ٦٠ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وجَعَلَ لَهَا رَواسِيَ وجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٦١ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ٦٢ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ ومَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٦٣ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ومَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٦٤ ﴾ [ ٥٩ ٦٤ ]
جاء هذا الفصل معقبا على سلسلة القصص جريا على الأسلوب القرآني الذي نبهنا إليه غير مرة، فهو متصل بالسياق والحال هذه، وعبارة الآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتقرير الحمد لله والسلام على الذين اصطفاهم عباده، ثم بتوجيه أسئلة للكفار فيها تقريع وتحد واستنكار لكفرهم وجحودهم وشركهم مع ما يقوم من الدلائل الباهرة على وجود الله وشمول قدرته ووحدانية ومطلق تصرفه ووافر نعمه في الأرض والسماء والمطر والشجر والليل والنهار والجبال والبحار والأنهار والرياح والنجوم، وتيسير الرزق للناس وكشف الضرّ عنهم، واستخلافهم في الأرض الخ. وأسلوب الأسئلة استنكاري انطوى فيه كما هو المتبادر تقرير نفي أي احتمال بأن يكون مع الله عزّ وجل إله آخر. والفقرة الأخيرة بخاصة انطوت على تحدي الكفار وتبكيتهم من جهة، وعلى تقرير نفي قدرتهم على إقامة البرهان على صواب شركهم من جهة أخرى.
تعليق على الآيات
التي جاءت بعد سلسلة القصص وتنويه بما فيها من روعة
والمتبادر أن المشار إليهم في الآية الأولى – أي عباد الله الذين اصطفاهم الأنبياء السابقون والذين آمنوا بهم ؛ تقفية على ذكر قصص بعضهم في الآيات التي قبلها وإنّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى بتقرير الحمد لله، إنما هو بسبب جعله هو والذين آمنوا به في زمرة الذين اصطفاهم الله، وينطوي في هذا تطمين وتبشير للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة، ودعم لما قلناه من أن الفصل قد جاء معقبا على السلسلة وأن هدفها الجوهري هو الموعظة والعبرة وضرب المثل، وهكذا ترتبط آيات السورة منذ بدئها في سياق منسجم.
وأسلوب الآيات التقريعي يلهم أن سامعي القرآن من الكفار يعترفون بأن الله هو ربّ الأرباب وخالق الكون ومدبره ورازق الناس وملجأهم الأعظم. قد حكت آيات عديدة ذلك عنهم أوردناها في مناسبات سابقة، وبذلك تستحكم الحجة والتقريع والتنديد بهم كما هو المتبادر، والفصل من روائع الفصول القرآنية الشاملة في التنبيه على مشاهد عظمة الله تعالى وقدرته ووحدانيته بسبيل التدليل على أنه هو وحده المستحق للعبادة والاتجاه والدعاء. يبدو من خلاله صورة رائعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يهتف بالكفار بهذه الهتافات والأسئلة، أو بالأصحّ الصرخات القوية النافذة إلى الأعماق في التقريع والاستنكار والإفحام والتسفيه على إشراك غير الله مع الله وعدم التدبر في آيات الله الماثلة في كونه والتي لا يماري فيها إلاّ مكابر سفيه، ثم وهو مستغرق في الدعوة إلى الله وحده معلنا الحرب على الشرك في أي مظهر من مظاهره وأي معنى من معانيه ظاهرا وباطنا، قريبا وبعيدا، وسيلة وأصلا.
وبمناسبة أمر الله تعالى بحمده الوارد في الآية الأولى نقول : إن هذا الأمر تكرر في القرآن والمتبادر أنه بسبيل تعلم النبي والمؤمنين حمدهم الله على نعمه المتنوعة التي لا تحصى عليهم وتذكيرهم بذلك. ولقد أثرت في ذلك أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ورد في كتب الصحاح وهذا واحد منها رواه الترمذي عن النبي صلى عليه وسلم قال : " أفضل الذكر لا إله إلاّ الله و أفضل الدعاء الحمد لله " ١.
١ التاج ج ٥ ص ٨٢ وانظر هذا الجزء ٧٨ وما بعدها ففيه صيغ دعاء وحمد عديدة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم..
يعدلون : يساوون بين الله وشركائهم أو يجعلون له ندا وعديلا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ٥٩ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ٦٠ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وجَعَلَ لَهَا رَواسِيَ وجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٦١ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ٦٢ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ ومَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٦٣ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ومَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٦٤ ﴾ [ ٥٩ ٦٤ ]
جاء هذا الفصل معقبا على سلسلة القصص جريا على الأسلوب القرآني الذي نبهنا إليه غير مرة، فهو متصل بالسياق والحال هذه، وعبارة الآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتقرير الحمد لله والسلام على الذين اصطفاهم عباده، ثم بتوجيه أسئلة للكفار فيها تقريع وتحد واستنكار لكفرهم وجحودهم وشركهم مع ما يقوم من الدلائل الباهرة على وجود الله وشمول قدرته ووحدانية ومطلق تصرفه ووافر نعمه في الأرض والسماء والمطر والشجر والليل والنهار والجبال والبحار والأنهار والرياح والنجوم، وتيسير الرزق للناس وكشف الضرّ عنهم، واستخلافهم في الأرض الخ. وأسلوب الأسئلة استنكاري انطوى فيه كما هو المتبادر تقرير نفي أي احتمال بأن يكون مع الله عزّ وجل إله آخر. والفقرة الأخيرة بخاصة انطوت على تحدي الكفار وتبكيتهم من جهة، وعلى تقرير نفي قدرتهم على إقامة البرهان على صواب شركهم من جهة أخرى.
تعليق على الآيات
التي جاءت بعد سلسلة القصص وتنويه بما فيها من روعة
والمتبادر أن المشار إليهم في الآية الأولى – أي عباد الله الذين اصطفاهم الأنبياء السابقون والذين آمنوا بهم ؛ تقفية على ذكر قصص بعضهم في الآيات التي قبلها وإنّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى بتقرير الحمد لله، إنما هو بسبب جعله هو والذين آمنوا به في زمرة الذين اصطفاهم الله، وينطوي في هذا تطمين وتبشير للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة، ودعم لما قلناه من أن الفصل قد جاء معقبا على السلسلة وأن هدفها الجوهري هو الموعظة والعبرة وضرب المثل، وهكذا ترتبط آيات السورة منذ بدئها في سياق منسجم.
وأسلوب الآيات التقريعي يلهم أن سامعي القرآن من الكفار يعترفون بأن الله هو ربّ الأرباب وخالق الكون ومدبره ورازق الناس وملجأهم الأعظم. قد حكت آيات عديدة ذلك عنهم أوردناها في مناسبات سابقة، وبذلك تستحكم الحجة والتقريع والتنديد بهم كما هو المتبادر، والفصل من روائع الفصول القرآنية الشاملة في التنبيه على مشاهد عظمة الله تعالى وقدرته ووحدانيته بسبيل التدليل على أنه هو وحده المستحق للعبادة والاتجاه والدعاء. يبدو من خلاله صورة رائعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يهتف بالكفار بهذه الهتافات والأسئلة، أو بالأصحّ الصرخات القوية النافذة إلى الأعماق في التقريع والاستنكار والإفحام والتسفيه على إشراك غير الله مع الله وعدم التدبر في آيات الله الماثلة في كونه والتي لا يماري فيها إلاّ مكابر سفيه، ثم وهو مستغرق في الدعوة إلى الله وحده معلنا الحرب على الشرك في أي مظهر من مظاهره وأي معنى من معانيه ظاهرا وباطنا، قريبا وبعيدا، وسيلة وأصلا.
وبمناسبة أمر الله تعالى بحمده الوارد في الآية الأولى نقول : إن هذا الأمر تكرر في القرآن والمتبادر أنه بسبيل تعلم النبي والمؤمنين حمدهم الله على نعمه المتنوعة التي لا تحصى عليهم وتذكيرهم بذلك. ولقد أثرت في ذلك أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ورد في كتب الصحاح وهذا واحد منها رواه الترمذي عن النبي صلى عليه وسلم قال :" أفضل الذكر لا إله إلاّ الله و أفضل الدعاء الحمد لله " ١.
١ التاج ج ٥ ص ٨٢ وانظر هذا الجزء ٧٨ وما بعدها ففيه صيغ دعاء وحمد عديدة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ٥٩ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ٦٠ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وجَعَلَ لَهَا رَواسِيَ وجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٦١ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ٦٢ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ ومَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٦٣ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ومَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٦٤ ﴾ [ ٥٩ ٦٤ ]
جاء هذا الفصل معقبا على سلسلة القصص جريا على الأسلوب القرآني الذي نبهنا إليه غير مرة، فهو متصل بالسياق والحال هذه، وعبارة الآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتقرير الحمد لله والسلام على الذين اصطفاهم عباده، ثم بتوجيه أسئلة للكفار فيها تقريع وتحد واستنكار لكفرهم وجحودهم وشركهم مع ما يقوم من الدلائل الباهرة على وجود الله وشمول قدرته ووحدانية ومطلق تصرفه ووافر نعمه في الأرض والسماء والمطر والشجر والليل والنهار والجبال والبحار والأنهار والرياح والنجوم، وتيسير الرزق للناس وكشف الضرّ عنهم، واستخلافهم في الأرض الخ. وأسلوب الأسئلة استنكاري انطوى فيه كما هو المتبادر تقرير نفي أي احتمال بأن يكون مع الله عزّ وجل إله آخر. والفقرة الأخيرة بخاصة انطوت على تحدي الكفار وتبكيتهم من جهة، وعلى تقرير نفي قدرتهم على إقامة البرهان على صواب شركهم من جهة أخرى.
تعليق على الآيات
التي جاءت بعد سلسلة القصص وتنويه بما فيها من روعة
والمتبادر أن المشار إليهم في الآية الأولى – أي عباد الله الذين اصطفاهم الأنبياء السابقون والذين آمنوا بهم ؛ تقفية على ذكر قصص بعضهم في الآيات التي قبلها وإنّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى بتقرير الحمد لله، إنما هو بسبب جعله هو والذين آمنوا به في زمرة الذين اصطفاهم الله، وينطوي في هذا تطمين وتبشير للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة، ودعم لما قلناه من أن الفصل قد جاء معقبا على السلسلة وأن هدفها الجوهري هو الموعظة والعبرة وضرب المثل، وهكذا ترتبط آيات السورة منذ بدئها في سياق منسجم.
وأسلوب الآيات التقريعي يلهم أن سامعي القرآن من الكفار يعترفون بأن الله هو ربّ الأرباب وخالق الكون ومدبره ورازق الناس وملجأهم الأعظم. قد حكت آيات عديدة ذلك عنهم أوردناها في مناسبات سابقة، وبذلك تستحكم الحجة والتقريع والتنديد بهم كما هو المتبادر، والفصل من روائع الفصول القرآنية الشاملة في التنبيه على مشاهد عظمة الله تعالى وقدرته ووحدانيته بسبيل التدليل على أنه هو وحده المستحق للعبادة والاتجاه والدعاء. يبدو من خلاله صورة رائعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يهتف بالكفار بهذه الهتافات والأسئلة، أو بالأصحّ الصرخات القوية النافذة إلى الأعماق في التقريع والاستنكار والإفحام والتسفيه على إشراك غير الله مع الله وعدم التدبر في آيات الله الماثلة في كونه والتي لا يماري فيها إلاّ مكابر سفيه، ثم وهو مستغرق في الدعوة إلى الله وحده معلنا الحرب على الشرك في أي مظهر من مظاهره وأي معنى من معانيه ظاهرا وباطنا، قريبا وبعيدا، وسيلة وأصلا.
وبمناسبة أمر الله تعالى بحمده الوارد في الآية الأولى نقول : إن هذا الأمر تكرر في القرآن والمتبادر أنه بسبيل تعلم النبي والمؤمنين حمدهم الله على نعمه المتنوعة التي لا تحصى عليهم وتذكيرهم بذلك. ولقد أثرت في ذلك أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ورد في كتب الصحاح وهذا واحد منها رواه الترمذي عن النبي صلى عليه وسلم قال :" أفضل الذكر لا إله إلاّ الله و أفضل الدعاء الحمد لله " ١.
١ التاج ج ٥ ص ٨٢ وانظر هذا الجزء ٧٨ وما بعدها ففيه صيغ دعاء وحمد عديدة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ٥٩ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ٦٠ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وجَعَلَ لَهَا رَواسِيَ وجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٦١ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ٦٢ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ ومَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٦٣ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ومَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٦٤ ﴾ [ ٥٩ ٦٤ ]
جاء هذا الفصل معقبا على سلسلة القصص جريا على الأسلوب القرآني الذي نبهنا إليه غير مرة، فهو متصل بالسياق والحال هذه، وعبارة الآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتقرير الحمد لله والسلام على الذين اصطفاهم عباده، ثم بتوجيه أسئلة للكفار فيها تقريع وتحد واستنكار لكفرهم وجحودهم وشركهم مع ما يقوم من الدلائل الباهرة على وجود الله وشمول قدرته ووحدانية ومطلق تصرفه ووافر نعمه في الأرض والسماء والمطر والشجر والليل والنهار والجبال والبحار والأنهار والرياح والنجوم، وتيسير الرزق للناس وكشف الضرّ عنهم، واستخلافهم في الأرض الخ. وأسلوب الأسئلة استنكاري انطوى فيه كما هو المتبادر تقرير نفي أي احتمال بأن يكون مع الله عزّ وجل إله آخر. والفقرة الأخيرة بخاصة انطوت على تحدي الكفار وتبكيتهم من جهة، وعلى تقرير نفي قدرتهم على إقامة البرهان على صواب شركهم من جهة أخرى.
تعليق على الآيات
التي جاءت بعد سلسلة القصص وتنويه بما فيها من روعة
والمتبادر أن المشار إليهم في الآية الأولى – أي عباد الله الذين اصطفاهم الأنبياء السابقون والذين آمنوا بهم ؛ تقفية على ذكر قصص بعضهم في الآيات التي قبلها وإنّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى بتقرير الحمد لله، إنما هو بسبب جعله هو والذين آمنوا به في زمرة الذين اصطفاهم الله، وينطوي في هذا تطمين وتبشير للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة، ودعم لما قلناه من أن الفصل قد جاء معقبا على السلسلة وأن هدفها الجوهري هو الموعظة والعبرة وضرب المثل، وهكذا ترتبط آيات السورة منذ بدئها في سياق منسجم.
وأسلوب الآيات التقريعي يلهم أن سامعي القرآن من الكفار يعترفون بأن الله هو ربّ الأرباب وخالق الكون ومدبره ورازق الناس وملجأهم الأعظم. قد حكت آيات عديدة ذلك عنهم أوردناها في مناسبات سابقة، وبذلك تستحكم الحجة والتقريع والتنديد بهم كما هو المتبادر، والفصل من روائع الفصول القرآنية الشاملة في التنبيه على مشاهد عظمة الله تعالى وقدرته ووحدانيته بسبيل التدليل على أنه هو وحده المستحق للعبادة والاتجاه والدعاء. يبدو من خلاله صورة رائعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يهتف بالكفار بهذه الهتافات والأسئلة، أو بالأصحّ الصرخات القوية النافذة إلى الأعماق في التقريع والاستنكار والإفحام والتسفيه على إشراك غير الله مع الله وعدم التدبر في آيات الله الماثلة في كونه والتي لا يماري فيها إلاّ مكابر سفيه، ثم وهو مستغرق في الدعوة إلى الله وحده معلنا الحرب على الشرك في أي مظهر من مظاهره وأي معنى من معانيه ظاهرا وباطنا، قريبا وبعيدا، وسيلة وأصلا.
وبمناسبة أمر الله تعالى بحمده الوارد في الآية الأولى نقول : إن هذا الأمر تكرر في القرآن والمتبادر أنه بسبيل تعلم النبي والمؤمنين حمدهم الله على نعمه المتنوعة التي لا تحصى عليهم وتذكيرهم بذلك. ولقد أثرت في ذلك أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ورد في كتب الصحاح وهذا واحد منها رواه الترمذي عن النبي صلى عليه وسلم قال :" أفضل الذكر لا إله إلاّ الله و أفضل الدعاء الحمد لله " ١.
١ التاج ج ٥ ص ٨٢ وانظر هذا الجزء ٧٨ وما بعدها ففيه صيغ دعاء وحمد عديدة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ٥٩ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ٦٠ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وجَعَلَ لَهَا رَواسِيَ وجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٦١ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ٦٢ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ ومَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٦٣ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ومَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٦٤ ﴾ [ ٥٩ ٦٤ ]
جاء هذا الفصل معقبا على سلسلة القصص جريا على الأسلوب القرآني الذي نبهنا إليه غير مرة، فهو متصل بالسياق والحال هذه، وعبارة الآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتقرير الحمد لله والسلام على الذين اصطفاهم عباده، ثم بتوجيه أسئلة للكفار فيها تقريع وتحد واستنكار لكفرهم وجحودهم وشركهم مع ما يقوم من الدلائل الباهرة على وجود الله وشمول قدرته ووحدانية ومطلق تصرفه ووافر نعمه في الأرض والسماء والمطر والشجر والليل والنهار والجبال والبحار والأنهار والرياح والنجوم، وتيسير الرزق للناس وكشف الضرّ عنهم، واستخلافهم في الأرض الخ. وأسلوب الأسئلة استنكاري انطوى فيه كما هو المتبادر تقرير نفي أي احتمال بأن يكون مع الله عزّ وجل إله آخر. والفقرة الأخيرة بخاصة انطوت على تحدي الكفار وتبكيتهم من جهة، وعلى تقرير نفي قدرتهم على إقامة البرهان على صواب شركهم من جهة أخرى.
تعليق على الآيات
التي جاءت بعد سلسلة القصص وتنويه بما فيها من روعة
والمتبادر أن المشار إليهم في الآية الأولى – أي عباد الله الذين اصطفاهم الأنبياء السابقون والذين آمنوا بهم ؛ تقفية على ذكر قصص بعضهم في الآيات التي قبلها وإنّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى بتقرير الحمد لله، إنما هو بسبب جعله هو والذين آمنوا به في زمرة الذين اصطفاهم الله، وينطوي في هذا تطمين وتبشير للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة، ودعم لما قلناه من أن الفصل قد جاء معقبا على السلسلة وأن هدفها الجوهري هو الموعظة والعبرة وضرب المثل، وهكذا ترتبط آيات السورة منذ بدئها في سياق منسجم.
وأسلوب الآيات التقريعي يلهم أن سامعي القرآن من الكفار يعترفون بأن الله هو ربّ الأرباب وخالق الكون ومدبره ورازق الناس وملجأهم الأعظم. قد حكت آيات عديدة ذلك عنهم أوردناها في مناسبات سابقة، وبذلك تستحكم الحجة والتقريع والتنديد بهم كما هو المتبادر، والفصل من روائع الفصول القرآنية الشاملة في التنبيه على مشاهد عظمة الله تعالى وقدرته ووحدانيته بسبيل التدليل على أنه هو وحده المستحق للعبادة والاتجاه والدعاء. يبدو من خلاله صورة رائعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يهتف بالكفار بهذه الهتافات والأسئلة، أو بالأصحّ الصرخات القوية النافذة إلى الأعماق في التقريع والاستنكار والإفحام والتسفيه على إشراك غير الله مع الله وعدم التدبر في آيات الله الماثلة في كونه والتي لا يماري فيها إلاّ مكابر سفيه، ثم وهو مستغرق في الدعوة إلى الله وحده معلنا الحرب على الشرك في أي مظهر من مظاهره وأي معنى من معانيه ظاهرا وباطنا، قريبا وبعيدا، وسيلة وأصلا.
وبمناسبة أمر الله تعالى بحمده الوارد في الآية الأولى نقول : إن هذا الأمر تكرر في القرآن والمتبادر أنه بسبيل تعلم النبي والمؤمنين حمدهم الله على نعمه المتنوعة التي لا تحصى عليهم وتذكيرهم بذلك. ولقد أثرت في ذلك أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ورد في كتب الصحاح وهذا واحد منها رواه الترمذي عن النبي صلى عليه وسلم قال :" أفضل الذكر لا إله إلاّ الله و أفضل الدعاء الحمد لله " ١.
١ التاج ج ٥ ص ٨٢ وانظر هذا الجزء ٧٨ وما بعدها ففيه صيغ دعاء وحمد عديدة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٩:﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ٥٩ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ وأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ٦٠ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وجَعَلَ لَهَا رَواسِيَ وجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٦١ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ٦٢ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ ومَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٦٣ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ومَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء والْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٦٤ ﴾ [ ٥٩ ٦٤ ]
جاء هذا الفصل معقبا على سلسلة القصص جريا على الأسلوب القرآني الذي نبهنا إليه غير مرة، فهو متصل بالسياق والحال هذه، وعبارة الآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتقرير الحمد لله والسلام على الذين اصطفاهم عباده، ثم بتوجيه أسئلة للكفار فيها تقريع وتحد واستنكار لكفرهم وجحودهم وشركهم مع ما يقوم من الدلائل الباهرة على وجود الله وشمول قدرته ووحدانية ومطلق تصرفه ووافر نعمه في الأرض والسماء والمطر والشجر والليل والنهار والجبال والبحار والأنهار والرياح والنجوم، وتيسير الرزق للناس وكشف الضرّ عنهم، واستخلافهم في الأرض الخ. وأسلوب الأسئلة استنكاري انطوى فيه كما هو المتبادر تقرير نفي أي احتمال بأن يكون مع الله عزّ وجل إله آخر. والفقرة الأخيرة بخاصة انطوت على تحدي الكفار وتبكيتهم من جهة، وعلى تقرير نفي قدرتهم على إقامة البرهان على صواب شركهم من جهة أخرى.
تعليق على الآيات
التي جاءت بعد سلسلة القصص وتنويه بما فيها من روعة
والمتبادر أن المشار إليهم في الآية الأولى – أي عباد الله الذين اصطفاهم الأنبياء السابقون والذين آمنوا بهم ؛ تقفية على ذكر قصص بعضهم في الآيات التي قبلها وإنّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى بتقرير الحمد لله، إنما هو بسبب جعله هو والذين آمنوا به في زمرة الذين اصطفاهم الله، وينطوي في هذا تطمين وتبشير للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة، ودعم لما قلناه من أن الفصل قد جاء معقبا على السلسلة وأن هدفها الجوهري هو الموعظة والعبرة وضرب المثل، وهكذا ترتبط آيات السورة منذ بدئها في سياق منسجم.
وأسلوب الآيات التقريعي يلهم أن سامعي القرآن من الكفار يعترفون بأن الله هو ربّ الأرباب وخالق الكون ومدبره ورازق الناس وملجأهم الأعظم. قد حكت آيات عديدة ذلك عنهم أوردناها في مناسبات سابقة، وبذلك تستحكم الحجة والتقريع والتنديد بهم كما هو المتبادر، والفصل من روائع الفصول القرآنية الشاملة في التنبيه على مشاهد عظمة الله تعالى وقدرته ووحدانيته بسبيل التدليل على أنه هو وحده المستحق للعبادة والاتجاه والدعاء. يبدو من خلاله صورة رائعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يهتف بالكفار بهذه الهتافات والأسئلة، أو بالأصحّ الصرخات القوية النافذة إلى الأعماق في التقريع والاستنكار والإفحام والتسفيه على إشراك غير الله مع الله وعدم التدبر في آيات الله الماثلة في كونه والتي لا يماري فيها إلاّ مكابر سفيه، ثم وهو مستغرق في الدعوة إلى الله وحده معلنا الحرب على الشرك في أي مظهر من مظاهره وأي معنى من معانيه ظاهرا وباطنا، قريبا وبعيدا، وسيلة وأصلا.
وبمناسبة أمر الله تعالى بحمده الوارد في الآية الأولى نقول : إن هذا الأمر تكرر في القرآن والمتبادر أنه بسبيل تعلم النبي والمؤمنين حمدهم الله على نعمه المتنوعة التي لا تحصى عليهم وتذكيرهم بذلك. ولقد أثرت في ذلك أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ورد في كتب الصحاح وهذا واحد منها رواه الترمذي عن النبي صلى عليه وسلم قال :" أفضل الذكر لا إله إلاّ الله و أفضل الدعاء الحمد لله " ١.
١ التاج ج ٥ ص ٨٢ وانظر هذا الجزء ٧٨ وما بعدها ففيه صيغ دعاء وحمد عديدة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم..

﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.
بل ادارك علمهم في الآخرة : تدارك بمعنى تلاحق. وتداولت الجملة بتأويلات عديدة منها أنها بمعنى اجتمع علمهم عن الآخرة وتلاحقت الأخبار عندهم بأنها لن تكون. ومنها أنها بمعنى عجز علمهم عن فهم حكمة الآخرة. ومنها أن علمهم ويقينهم بالآخرة جاء متداركا بعد فوات الوقت فلم ينفعهم ذلك. وقد رجحنا المعنى الثاني. والله أعلم.
عمون : جمع عم. والكلمة وصف للكفار بعدم الإدراك والإبصار. والكلمة أشد من العمى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.

ردف : معنى ردفه جاء وراءه ودهمه. والكلمة في مقامها تعني أن ما يستعجلونه يمكن أن يكون وشيك المداهمة لهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.

تكن : تخفي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.

كتاب مبين : الجملة كفاية عن علم الله تعالى وإحاطته بكل ما كان ويكون.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللَّهُ ومَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ٦٥ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ٦٦ وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ٦٧ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إلاّ أَسَاطِيرُ الْأَولِينَ ٦٨ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٩٦ ولَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ٧٠ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٧١ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ٧٢ وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ٧٣ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٤ ومَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء والْأَرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ٧٥ ﴾ [ ٦٥ ٧٥ ]
الآيات استمرار للسياق ومتصلة بما سبقها كما هو المتبادر، وبدؤها بأمر " قل " الذي بدأ به الفصل السابق قرينة على ذلك. وفي الوقت نفسه فإن فيها عودا على ما احتواه مطلع السورة من ذكر جحود الجاحدين بالآخرة وخسرانهم مما يجعل الترابط قائما بين فصولها.
وفي الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرر ويقول : إنه ليس من أحد في السماوات والأرض غير الله يعلم الغيب، وأنه ليس من أحد يعلم وقت البعث والنشور، وفي الثانية توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة وحكمتها وشكهم فيها بسبب ذلك، وأنهم في عماية تامة عنها، والآيتان الثالثة والرابعة حكت تساؤل الكفار على سبيل الإنكار عن إمكان البعث بعد أن يصبحوا هم وآباؤهم من قبل ترابا، وقولهم إن الوعد بالآخرة ليس جديدا وإن آباءهم أوعدوا به من قبلهم، وقد احتوت الآية الخامسة أمرا بالرد عليهم على طريقة الأسلوب الحكيم ؛ فما عليهم إلاّ أن يطوفوا في الأرض ليروا عاقبة المكذبين المجرمين وآثار نكال الله تعالى فيهم، واحتوت الآية السادسة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : فليس عليه أن يحزن ويضيق صدره مما يمكرونه ويكيدونه للدعوة ويقفونه منها من مواقف التكذيب. وعادت الآية السابعة إلى حكاية تساؤلهم عن موعد تحقيق ما يوعدون بأسلوب الإنكار والتحدي، فردت عليهم الآية الثامنة آمرة النبي صلى الله عليه وسلم بإنذارهم باحتمال قرب ما يستعجلون من عذاب الله، ثم استطردت الآيات التي جاءت بعدها إلى تقريرات مباشرة : فالله سبحانه ذو فضل على خلقه ولكن أكثرهم لا يشركونه على ذلك به، والله سبحانه عليم بما يسرّه الناس ويعلنونه من أفكار وأعمال وليس من شيء مهما دقّ وخفي في السماوات والأرض إلاّ قد أحاط علم الله به إحاطة تامة. والمتبادر أن في الآيات الثلاث التقريرية الأخيرة إنذارا وتبكيتا، والآية الأولى منها بخاصة تتضمن تقرير كون الله تعالى إذا لم يعجل للكفار بالعذاب الذي يستعجلونه فإنما ذلك فضل منه يستحق الشكر ؛ لأن فيه فرصة لهم.
والآيات كما هو واضح تحتوي صورة من صور الجدل والحجاج والعناد والاستهتار التي كانت تبدو من الكفار، وبخاصة في صدد البعث الذي كان كما قلنا من أهم مواضع الجدل وأشد عقبات الدعوة، والراجح أنه كان يحدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار مجادلات وجاهية في هذا الصدد، فتنزل الآيات للتدعيم والتثبيت والردّ والتسفيه والتطمين حسب مقتضيات الموقف.
والأسئلة المحكية عن الكفار قد تكررت حكايتها كثيرا مما مرّت أمثلة عديدة منها، وهذا يدل على تكرر مواقف الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في نفس الصدد في المناسبات التي كانت تتكرر أو تتجدد مما هو متصل بطبيعة مهمة النبي صلى الله عليه وسلم واتصالاته المتوالية بمختلف الفئات.

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ وإِنَّهُ لَهُدًى ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ٧٧ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وهُو الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ٧٨ ﴾ [ ٧٦ ٧٨ ]
تقرر الآيات أن القرآن يحتوي أكثر الحقائق التي يختلف بنو إسرائيل فيها ويحارون في أمرها، وأن القرآن هو هدى ورحمة للمؤمنين، وأن الله تعالى سوف يقضي بينهم بحكمه الذي سوف يكون فصلا حاسما، لأنه هو العليم بحقائق الأمور، ذو العزة الذي لا يعجزه شيء.
تعليق على آية
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾
وتبدو الآيات كأنها منفصلة عن السياق، ولم نر المفسرين يذكرون شيئا في صدد ذلك، وكل ما قالوه أن الآيات تشير إلى ما كان من خلاف حول عيسى عليه السلام وغيره من الشؤون الدينية، والذي تبادر لنا أن يكون بعض كفار العرب سألوا أحد اليهود في مكة عن أمر الآخرة، فأجاب جوابا مبهما أو باعثا على الشك ؛ لأنه لا يوجد في الأسفار نصوص صريحة عن الآخرة وحسابها وعقابها وثوابها كما جاء في القرآن، فأخذ الكفار يعلنون ذلك ويستندون إليه في مواقف الجدل والحجاج والإنكار في صدد الآخرة، وظنوا أنهم استحكموا النبي صلى الله عليه وسلم بالحجة ؛ لأنه يقول لهم بلسان القرآن إنه مصدق لما قبله من الكتب ؛ فاقتضت حكمة التنزيل بوحي هذه الآيات بالرد عليهم، والإشارة إلى أن بني إسرائيل قد حاروا في فهم كثير من الحقائق والإشارة واختلفوا، وأن أمر الآخرة في جملة ذلك، وأن القرآن يحتوي الحقائق الصحيحة في كل أمر وفي المسائل التي حاروا فيها واختلفوا. وإذا صحّ هذا بدت الصلة والمناسبة قائمتين بين هذه الآيات والآيات السابقة. ونرجو أن يكون ذلك هو الصحيح ؛ لأن ورود الآيات هنا بدون هذا التعليل يبدو مشكلا من وجهة النظم القرآني واتساق السياق.
على كل حال فالآية خطيرة المغزى في حدّ ذاتها بتقريرها أن القرآن يحتوي الحقائق والحلول الصحيحة لمختلف الشؤون التي كان يختلف عليها بنو إسرائيل. وهناك آيات عديدة أخرى مكية ومدنية فيها إشارة إلى اختلافات النصارى أيضا بالإضافة إلى بني إسرائيل مثل آيات سورة السجدة [ ٢٣ ٢٥ ] وفصلت [ ٤٥ ] و الجاثية [ ١٦ ١٧ ] المكية وآيات المائدة [ ١٣ ١٩ ٤٨ ] المدنية.
ولقد كتبنا في سياق تفسير آيات [ ٣٤ ٣٧ ] من سورة مريم تعليقا على ما سجله القرآن مكررا من اختلاف أهل الكتاب. وعلة ذلك وواقعه. ونبهنا في التعليق على ما في التسجيل القرآني من حكمة ومقاصد فنكتفي بالإشارة إلى ذلك في مناسبة الآية التي نحن في صددها.
هذا والآية [ ٧٧ ] تكرار للآية الثالثة من السورة بفرق كلمة رحمة هنا مقابل بشرى هناك، وتكرارها في المناسبة التي جاءت بها ينطوي على مقارنة تنويهية بين الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا بكل ما جاء به القرآن واهتدوا، ومن جملة ذلك الآخرة، فكان لهم رحمة، وبين بني إسرائيل المختلفين فيما بينهم في كثير من نصوص كتبهم الدينية وبين الكفار الذين جحدوا رسالة النبي والقرآن وكذبوا بالآخرة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٦:﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ وإِنَّهُ لَهُدًى ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ٧٧ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وهُو الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ٧٨ ﴾ [ ٧٦ ٧٨ ]
تقرر الآيات أن القرآن يحتوي أكثر الحقائق التي يختلف بنو إسرائيل فيها ويحارون في أمرها، وأن القرآن هو هدى ورحمة للمؤمنين، وأن الله تعالى سوف يقضي بينهم بحكمه الذي سوف يكون فصلا حاسما، لأنه هو العليم بحقائق الأمور، ذو العزة الذي لا يعجزه شيء.
تعليق على آية
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾
وتبدو الآيات كأنها منفصلة عن السياق، ولم نر المفسرين يذكرون شيئا في صدد ذلك، وكل ما قالوه أن الآيات تشير إلى ما كان من خلاف حول عيسى عليه السلام وغيره من الشؤون الدينية، والذي تبادر لنا أن يكون بعض كفار العرب سألوا أحد اليهود في مكة عن أمر الآخرة، فأجاب جوابا مبهما أو باعثا على الشك ؛ لأنه لا يوجد في الأسفار نصوص صريحة عن الآخرة وحسابها وعقابها وثوابها كما جاء في القرآن، فأخذ الكفار يعلنون ذلك ويستندون إليه في مواقف الجدل والحجاج والإنكار في صدد الآخرة، وظنوا أنهم استحكموا النبي صلى الله عليه وسلم بالحجة ؛ لأنه يقول لهم بلسان القرآن إنه مصدق لما قبله من الكتب ؛ فاقتضت حكمة التنزيل بوحي هذه الآيات بالرد عليهم، والإشارة إلى أن بني إسرائيل قد حاروا في فهم كثير من الحقائق والإشارة واختلفوا، وأن أمر الآخرة في جملة ذلك، وأن القرآن يحتوي الحقائق الصحيحة في كل أمر وفي المسائل التي حاروا فيها واختلفوا. وإذا صحّ هذا بدت الصلة والمناسبة قائمتين بين هذه الآيات والآيات السابقة. ونرجو أن يكون ذلك هو الصحيح ؛ لأن ورود الآيات هنا بدون هذا التعليل يبدو مشكلا من وجهة النظم القرآني واتساق السياق.
على كل حال فالآية خطيرة المغزى في حدّ ذاتها بتقريرها أن القرآن يحتوي الحقائق والحلول الصحيحة لمختلف الشؤون التي كان يختلف عليها بنو إسرائيل. وهناك آيات عديدة أخرى مكية ومدنية فيها إشارة إلى اختلافات النصارى أيضا بالإضافة إلى بني إسرائيل مثل آيات سورة السجدة [ ٢٣ ٢٥ ] وفصلت [ ٤٥ ] و الجاثية [ ١٦ ١٧ ] المكية وآيات المائدة [ ١٣ ١٩ ٤٨ ] المدنية.
ولقد كتبنا في سياق تفسير آيات [ ٣٤ ٣٧ ] من سورة مريم تعليقا على ما سجله القرآن مكررا من اختلاف أهل الكتاب. وعلة ذلك وواقعه. ونبهنا في التعليق على ما في التسجيل القرآني من حكمة ومقاصد فنكتفي بالإشارة إلى ذلك في مناسبة الآية التي نحن في صددها.
هذا والآية [ ٧٧ ] تكرار للآية الثالثة من السورة بفرق كلمة رحمة هنا مقابل بشرى هناك، وتكرارها في المناسبة التي جاءت بها ينطوي على مقارنة تنويهية بين الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا بكل ما جاء به القرآن واهتدوا، ومن جملة ذلك الآخرة، فكان لهم رحمة، وبين بني إسرائيل المختلفين فيما بينهم في كثير من نصوص كتبهم الدينية وبين الكفار الذين جحدوا رسالة النبي والقرآن وكذبوا بالآخرة.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٦:﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ وإِنَّهُ لَهُدًى ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ٧٧ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وهُو الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ٧٨ ﴾ [ ٧٦ ٧٨ ]
تقرر الآيات أن القرآن يحتوي أكثر الحقائق التي يختلف بنو إسرائيل فيها ويحارون في أمرها، وأن القرآن هو هدى ورحمة للمؤمنين، وأن الله تعالى سوف يقضي بينهم بحكمه الذي سوف يكون فصلا حاسما، لأنه هو العليم بحقائق الأمور، ذو العزة الذي لا يعجزه شيء.
تعليق على آية
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ٧٦ ﴾
وتبدو الآيات كأنها منفصلة عن السياق، ولم نر المفسرين يذكرون شيئا في صدد ذلك، وكل ما قالوه أن الآيات تشير إلى ما كان من خلاف حول عيسى عليه السلام وغيره من الشؤون الدينية، والذي تبادر لنا أن يكون بعض كفار العرب سألوا أحد اليهود في مكة عن أمر الآخرة، فأجاب جوابا مبهما أو باعثا على الشك ؛ لأنه لا يوجد في الأسفار نصوص صريحة عن الآخرة وحسابها وعقابها وثوابها كما جاء في القرآن، فأخذ الكفار يعلنون ذلك ويستندون إليه في مواقف الجدل والحجاج والإنكار في صدد الآخرة، وظنوا أنهم استحكموا النبي صلى الله عليه وسلم بالحجة ؛ لأنه يقول لهم بلسان القرآن إنه مصدق لما قبله من الكتب ؛ فاقتضت حكمة التنزيل بوحي هذه الآيات بالرد عليهم، والإشارة إلى أن بني إسرائيل قد حاروا في فهم كثير من الحقائق والإشارة واختلفوا، وأن أمر الآخرة في جملة ذلك، وأن القرآن يحتوي الحقائق الصحيحة في كل أمر وفي المسائل التي حاروا فيها واختلفوا. وإذا صحّ هذا بدت الصلة والمناسبة قائمتين بين هذه الآيات والآيات السابقة. ونرجو أن يكون ذلك هو الصحيح ؛ لأن ورود الآيات هنا بدون هذا التعليل يبدو مشكلا من وجهة النظم القرآني واتساق السياق.
على كل حال فالآية خطيرة المغزى في حدّ ذاتها بتقريرها أن القرآن يحتوي الحقائق والحلول الصحيحة لمختلف الشؤون التي كان يختلف عليها بنو إسرائيل. وهناك آيات عديدة أخرى مكية ومدنية فيها إشارة إلى اختلافات النصارى أيضا بالإضافة إلى بني إسرائيل مثل آيات سورة السجدة [ ٢٣ ٢٥ ] وفصلت [ ٤٥ ] و الجاثية [ ١٦ ١٧ ] المكية وآيات المائدة [ ١٣ ١٩ ٤٨ ] المدنية.
ولقد كتبنا في سياق تفسير آيات [ ٣٤ ٣٧ ] من سورة مريم تعليقا على ما سجله القرآن مكررا من اختلاف أهل الكتاب. وعلة ذلك وواقعه. ونبهنا في التعليق على ما في التسجيل القرآني من حكمة ومقاصد فنكتفي بالإشارة إلى ذلك في مناسبة الآية التي نحن في صددها.
هذا والآية [ ٧٧ ] تكرار للآية الثالثة من السورة بفرق كلمة رحمة هنا مقابل بشرى هناك، وتكرارها في المناسبة التي جاءت بها ينطوي على مقارنة تنويهية بين الذين آمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا بكل ما جاء به القرآن واهتدوا، ومن جملة ذلك الآخرة، فكان لهم رحمة، وبين بني إسرائيل المختلفين فيما بينهم في كثير من نصوص كتبهم الدينية وبين الكفار الذين جحدوا رسالة النبي والقرآن وكذبوا بالآخرة.

﴿ فَتَوكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ٧٩ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ولَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا ولَّوْا مُدْبِرِينَ ٨٠ ومَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ٨١ ﴾ [ ٧٩ ٨١ ]
في الآيات تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية، حيث تأمره بجعل اعتماده على الله تعالى، وتطمئنه بأنه على الحق الواضح، وتسلية مقررة أنه ليس من شأنه ولا في إمكانه إسماع الموتى والصمّ وهداية العمي ورجعهم عن ضلالتهم، وأن كل مهمته وما في إمكانه أن يسمع الراغبين في الحق والهدى. فهم الذين يؤمنون بآيات الله وأسلموا أنفسهم إليه واستعدوا لتصديق كل ما يأتيهم من الله تعالى.
والمتبادر أن الآيات جاءت معقبة على الفصول التي سبقتها بعد انتهاء سلسلة القصص والتي حكى فيها حجاج الكفار وعنادهم، فهي من هذه الناحية استمرار للسياق ومتصلة به، وفيها قرينة على أن الآيات التي قبلها مباشرة متصلة بالسياق ومواقف الكفار الجدلية أيضا.
وقد تكرر مثل هذه التسلية والتطمين في مناسبات مماثلة كثيرة مرت أمثلة عديدة منها.
وكلمات الموتى والصمّ والعمي في الآيات استعيرت لوصف الكفار على ما هو المتبادر بسبب ما يبدو منهم من مكابرة وتصامم وتعام عن الحق والهدى، والتشبيه قوي لاذع.
هذا، والآيات وإن كانت نزلت في صدد مواقف الحجاج مع الكفار وظروف السيرة النبوية فإن فيها تلقينا مستمرّا في ما احتوته من تثبيت من يكون على الحق الواضح، ودعوته إلى عدم المبالاة بالمشاكسة والمعاندة والمكابرة التي تبدو من سيئي النية وخبثاء الطوية وإلى عدم الجهد والاهتمام بهذه الطبقة حينما تبدو على حقيقتها لأنها تكون قد غلّبت الهوى على الحق والحقيقة، ثم فيما احتوته من إشارة وثناء على من يستجيب إلى الحق ويسلم به وينضوي إليه ومن تقريع واستنكار لمن يقف منه موقف المكابرة والعناد.
ونقول في صدد الوصف الذي وصف به الكفار هنا ما قلناه وفي سياق الآية العاشرة من سورة يس وغيرها من أنه تسجيل لواقع أمرهم حين نزول الآيات بدليل أن كثيرا منهم سمع وآمن واهتدى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٩:﴿ فَتَوكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ٧٩ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ولَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا ولَّوْا مُدْبِرِينَ ٨٠ ومَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ٨١ ﴾ [ ٧٩ ٨١ ]
في الآيات تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية، حيث تأمره بجعل اعتماده على الله تعالى، وتطمئنه بأنه على الحق الواضح، وتسلية مقررة أنه ليس من شأنه ولا في إمكانه إسماع الموتى والصمّ وهداية العمي ورجعهم عن ضلالتهم، وأن كل مهمته وما في إمكانه أن يسمع الراغبين في الحق والهدى. فهم الذين يؤمنون بآيات الله وأسلموا أنفسهم إليه واستعدوا لتصديق كل ما يأتيهم من الله تعالى.
والمتبادر أن الآيات جاءت معقبة على الفصول التي سبقتها بعد انتهاء سلسلة القصص والتي حكى فيها حجاج الكفار وعنادهم، فهي من هذه الناحية استمرار للسياق ومتصلة به، وفيها قرينة على أن الآيات التي قبلها مباشرة متصلة بالسياق ومواقف الكفار الجدلية أيضا.
وقد تكرر مثل هذه التسلية والتطمين في مناسبات مماثلة كثيرة مرت أمثلة عديدة منها.
وكلمات الموتى والصمّ والعمي في الآيات استعيرت لوصف الكفار على ما هو المتبادر بسبب ما يبدو منهم من مكابرة وتصامم وتعام عن الحق والهدى، والتشبيه قوي لاذع.
هذا، والآيات وإن كانت نزلت في صدد مواقف الحجاج مع الكفار وظروف السيرة النبوية فإن فيها تلقينا مستمرّا في ما احتوته من تثبيت من يكون على الحق الواضح، ودعوته إلى عدم المبالاة بالمشاكسة والمعاندة والمكابرة التي تبدو من سيئي النية وخبثاء الطوية وإلى عدم الجهد والاهتمام بهذه الطبقة حينما تبدو على حقيقتها لأنها تكون قد غلّبت الهوى على الحق والحقيقة، ثم فيما احتوته من إشارة وثناء على من يستجيب إلى الحق ويسلم به وينضوي إليه ومن تقريع واستنكار لمن يقف منه موقف المكابرة والعناد.
ونقول في صدد الوصف الذي وصف به الكفار هنا ما قلناه وفي سياق الآية العاشرة من سورة يس وغيرها من أنه تسجيل لواقع أمرهم حين نزول الآيات بدليل أن كثيرا منهم سمع وآمن واهتدى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

مسلمون : هنا بمعنى منقادون مطيعون لله سبحانه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٩:﴿ فَتَوكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ٧٩ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ولَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا ولَّوْا مُدْبِرِينَ ٨٠ ومَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ٨١ ﴾ [ ٧٩ ٨١ ]
في الآيات تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية، حيث تأمره بجعل اعتماده على الله تعالى، وتطمئنه بأنه على الحق الواضح، وتسلية مقررة أنه ليس من شأنه ولا في إمكانه إسماع الموتى والصمّ وهداية العمي ورجعهم عن ضلالتهم، وأن كل مهمته وما في إمكانه أن يسمع الراغبين في الحق والهدى. فهم الذين يؤمنون بآيات الله وأسلموا أنفسهم إليه واستعدوا لتصديق كل ما يأتيهم من الله تعالى.
والمتبادر أن الآيات جاءت معقبة على الفصول التي سبقتها بعد انتهاء سلسلة القصص والتي حكى فيها حجاج الكفار وعنادهم، فهي من هذه الناحية استمرار للسياق ومتصلة به، وفيها قرينة على أن الآيات التي قبلها مباشرة متصلة بالسياق ومواقف الكفار الجدلية أيضا.
وقد تكرر مثل هذه التسلية والتطمين في مناسبات مماثلة كثيرة مرت أمثلة عديدة منها.
وكلمات الموتى والصمّ والعمي في الآيات استعيرت لوصف الكفار على ما هو المتبادر بسبب ما يبدو منهم من مكابرة وتصامم وتعام عن الحق والهدى، والتشبيه قوي لاذع.
هذا، والآيات وإن كانت نزلت في صدد مواقف الحجاج مع الكفار وظروف السيرة النبوية فإن فيها تلقينا مستمرّا في ما احتوته من تثبيت من يكون على الحق الواضح، ودعوته إلى عدم المبالاة بالمشاكسة والمعاندة والمكابرة التي تبدو من سيئي النية وخبثاء الطوية وإلى عدم الجهد والاهتمام بهذه الطبقة حينما تبدو على حقيقتها لأنها تكون قد غلّبت الهوى على الحق والحقيقة، ثم فيما احتوته من إشارة وثناء على من يستجيب إلى الحق ويسلم به وينضوي إليه ومن تقريع واستنكار لمن يقف منه موقف المكابرة والعناد.
ونقول في صدد الوصف الذي وصف به الكفار هنا ما قلناه وفي سياق الآية العاشرة من سورة يس وغيرها من أنه تسجيل لواقع أمرهم حين نزول الآيات بدليل أن كثيرا منهم سمع وآمن واهتدى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

﴿ وإِذَا وقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ٨٢ ويَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ٨٣ حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي ولَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٨٤ ووقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ ٨٥ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ والنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٨٦ ﴾ [ ٨٢ ٨٦ ]
في الآية الأولى تقرير بأن الله تعالى إذا ما استحق المخاطبون غضبه وعذابه أخرج لهم دابة من الأرض تخاطبهم وتبكتهم بسبب عدم إيمانهم بتحقيق ما وعد الله.
وفي الثانية والثالثة والرابعة حكاية ما سوف يكون من أمر الكفار والمكذبين حينما تقوم الساعة، حيث يأمر الله تعالى بحشر المكذبين بآياته من كل أمة وسوقهم إليه فيسألهم سؤال التأنيب والتقريع عن تكذيبهم بآياته بدون علم وعما كانوا يفعلونه في دنياهم، وحينئذ يبهتون لأن الحجة قد قامت عليهم بظلمهم وبغيهم ولا يجدون ما يدفعون به عن أنفسهم.
أما الآية الخامسة ففيها لفت نظر الكفار إلى مشهد من مشاهد قدرة الله ونواميسه في كونه، فهو الذي دبر أمر الليل والنهار ليكون الأول للناس سكنا وراحة والآخر مضيئا يقضون حاجاتهم وشؤون معايشهم، وقد انتهت الآية بتقرير كون ذلك دليلا كافيا لمن حسنت نيته واستجاب إلى الدعوة وآمن بالله وآياته على قدرة الله على كل شيء ومن الجملة على البعث، والآيات غير منفصلة عن السياق حيث استؤنف فيها حكاية مواقف الجاحدين بالآخرة ومصائرهم.
ومن تحصيل الحاصل أن نقول : إن الآية الخامسة لم ترد أن تقول إن دليل الليل والنهار هو الوحيد على قدرة الله. وإنما ذلك أسلوب من أساليب النظم القرآني وقد مرّ منه أمثلة كثيرة.
تعليق على الدابة المذكورة
في الآية [ ٨٢ ]
في كتب التفسير١ والحديث أحاديث عديدة معزوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صدد الدابة وأوصافها وظروف خروجها وهول أثرها. ومن هذه الأحاديث ما ورد في كتب الأحاديث الخمسة الأولى٢ ومنها ما لم يرد. ومما ذكر في الأحاديث أن اسم الدابة هو الجسّاسة. وأنها تخرج من منطقة الحرم المكي، وأنها ذات شعر ووبر كثيفين وأنها سريعة الجري، وأنها تخرج في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة وحينما يترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتبكت الناس وتدمغ جباههم فيعرف بذلك المؤمن منهم من الكافر. وأن تميما الداري أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآها في جزيرة وأخبرته أن المسيح مقيد بسلاسل من الحديد في دير الجزيرة ينتظر الإذن بالخروج. وعلى كل حال ففي القرآن صراحة بخروج دابة من الأرض بأمر الله إذا ما حق القول على الكافرين بعدم إيقانهم بآيته لتكلمهم أو تبكتهم. ومثل هذه الصراحة موجودة بصورة ما في الأحاديث الصحيحة. والإيمان بذلك واجب على المسلم مثل الإيمان بالأمور المغيبة والخارقة التي أخبر بها القرآن أو ثبت خبرها في أحاديث صحيحة. وإن لم يدرك العقل كنهها مع القول إن ذكر ذلك لا بد له من حكمة ويلمح في الآيات والأحاديث ما يسوغ القول إن إنذار الكفار وتخويفهم من هذه الحكمة لعلهم يرعوون ويرتدعون.
على أن في الأحاديث ونظم الآية ما يسوّغ إيراد بعض الملاحظات. فالأحاديث الصحيحة لا تربط بين الآية وبين خروج الدابة. وتدور في نطاق خروج الدابة في آخر الزمن كعلامة من علامات الساعة. والأحاديث التي تربط بينهما ليست من الصحاح. والضمير في جملة ﴿ وإذا وقع القول عليهم ﴾ عائد كما هو المتبادر إلى الكفار السامعين للقرآن الذين وصفوا قبل الآية [ ٨٢ ] بالموتى والصمّ والعمي. وهذا يقتضي أن يكون الضمير في ( تكلمهم ) راجع إليهم أيضا. وكثير منهم بل أكثرهم أسلموا والذين ظلوا على كفرهم هلكوا وسيمضي على هلاكهم إلى قيام الساعة دهر لا تحصى أعوامه. ولم تذكر الأحاديث أن الله تعالى سوف يحيى الجاحدين من السابق للقرآن موضوع الخطاب لتكلمهم الدابة، حيث يبدو من هذا أن الوعيد الموجه إليهم لا يتحقق بالنسبة لأشخاصهم، وهذا يسوّغ القول إن دابة آخر الزمن التي ذكرت في الأحاديث الصحيحة غير الدابة التي ورد الوعيد بها في الآية القرآنية. وإن الربط بينهما هو من الرواة. وإن الوعيد القرآني قد قصد به بالإضافة إلى ما تضمنه الخبر الإيماني إثارة الرعب في نفوس السامعين وإيذانهم بأنهم إذا استمرار على جحودهم فيكونون من صنف الحيوانات التي لا يصح أن يكلمها إلاّ دابة مثلها ما دام لم ينفعهم إنذار الله المبلغ بواسطة رسوله. ولقد وصف الكافرون المصرون على الجحود في آيات أخرى بوصف ﴿ الأنعام ﴾ و﴿ شر الدواب ﴾ كما جاء في آيات سورة الأعراف [ ١٨٩ ] والأنفال [ ٣٢ ٣٣ ] والفرقان [ ٤٤ ] مما قد يصح الاستئناس به على ذلك، والله أعلم.
أما الدابة التي تخرج في آخر الزمن فما دام أن خبرها وارد في أحاديث صحيحة. فيجب كما قلنا الإيمان بخبرها مثل سائر الأمور الغيبية والخارقة التي ثبت خبرها في القرآن وأحاديث نبوية صحيحة مع ترك تأويلها لله تعالى إذا أعيا العقل تأويلها ومع استشفاف الحكمة في ذكرها، والتي يتبادر أن منها إثارة الرعب في نفوس الكفار وجاحدي اليوم الآخر. ولا نستبعد إلى هذا أن يكون ظهور مثل هذه الدابة بين يدي الساعة مما كان يتحدث به في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم. ومما كان يرويه أهل الكتاب، والحديث الذي يروى أن تميما الداري أخبر النبي بها من الصحاح، وقد يكون في ذلك دعم لهذا، والله تعالى أعلم.
تعليق على مدى الآية
﴿ ويَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ﴾
والآيات الثلاث التالية لها
قال بعض المفسرين : إن الحشر هو للجميع وإن الآية الأولى تعني جميعهم فوجا بعد فوج. وقال بعضهم : إنها تعني الرؤساء والمتبوعين لأنهم الأشد استحقاقا لغضب الله. ويتبادر لنا أن القول الثاني هو الأوجه والمتسق مع نظم الآية. فهذه الطبقة هي التي كانت تقود المعارضة وتصد الناس فاستهدفت الآية فيما استهدفته إنذارهم بصورة خاصة، والله أعلم.
ومع أن كل مفسري السنة مجمعون على أن الحشر هو حشر يوم القيامة فإن مفسري الشيعة يستدلون بالآيات على عقيدة الرجعة التي يدينون بها والتي هي من أهمّ عقائدهم حتى إن بعضهم يكفّرون من لا يؤمن بها والتي يصفون بها رجعة علي أو أئمتهم وأوليائهم مع أعدائهم وهاضمي حقوقهم، حيث يحيي الله قوما من أوليائهم وقوما من أعدائهم قبل انقضاء الدنيا لينتقم الأولون من الآخرين، وبقطع النظر عن عقيدتهم العجيبة فإن في الاستدلال عليها بالآيات التي نحن في صددها تعسفا ظاهرا وتكلفا حزبيا صارخا. سواء من ناحية سياقها أم من ناحية فحواها.
وفي تفسير الطبرسي وهو من أكثرهم اعتدالا كلام طويل عجيب في تفصيل وإثبات ذلك ومما قاله : إنه مما تظاهرت أخباره عن أئمة الهدى من آل محمد وإجماعهم حجة. ونحن نريد أن ننزه أي واحد منهم فضلا عن جميعهم من أن يكون قد استنبط ذلك من هذه الآيات.
١ انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..
٢ انظر كتاب التاج ج ٤ ص ١٧٦ و ج ٥ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٢:﴿ وإِذَا وقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ٨٢ ويَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ٨٣ حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي ولَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٨٤ ووقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ ٨٥ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ والنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٨٦ ﴾ [ ٨٢ ٨٦ ]
في الآية الأولى تقرير بأن الله تعالى إذا ما استحق المخاطبون غضبه وعذابه أخرج لهم دابة من الأرض تخاطبهم وتبكتهم بسبب عدم إيمانهم بتحقيق ما وعد الله.
وفي الثانية والثالثة والرابعة حكاية ما سوف يكون من أمر الكفار والمكذبين حينما تقوم الساعة، حيث يأمر الله تعالى بحشر المكذبين بآياته من كل أمة وسوقهم إليه فيسألهم سؤال التأنيب والتقريع عن تكذيبهم بآياته بدون علم وعما كانوا يفعلونه في دنياهم، وحينئذ يبهتون لأن الحجة قد قامت عليهم بظلمهم وبغيهم ولا يجدون ما يدفعون به عن أنفسهم.
أما الآية الخامسة ففيها لفت نظر الكفار إلى مشهد من مشاهد قدرة الله ونواميسه في كونه، فهو الذي دبر أمر الليل والنهار ليكون الأول للناس سكنا وراحة والآخر مضيئا يقضون حاجاتهم وشؤون معايشهم، وقد انتهت الآية بتقرير كون ذلك دليلا كافيا لمن حسنت نيته واستجاب إلى الدعوة وآمن بالله وآياته على قدرة الله على كل شيء ومن الجملة على البعث، والآيات غير منفصلة عن السياق حيث استؤنف فيها حكاية مواقف الجاحدين بالآخرة ومصائرهم.
ومن تحصيل الحاصل أن نقول : إن الآية الخامسة لم ترد أن تقول إن دليل الليل والنهار هو الوحيد على قدرة الله. وإنما ذلك أسلوب من أساليب النظم القرآني وقد مرّ منه أمثلة كثيرة.
تعليق على الدابة المذكورة
في الآية [ ٨٢ ]
في كتب التفسير١ والحديث أحاديث عديدة معزوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صدد الدابة وأوصافها وظروف خروجها وهول أثرها. ومن هذه الأحاديث ما ورد في كتب الأحاديث الخمسة الأولى٢ ومنها ما لم يرد. ومما ذكر في الأحاديث أن اسم الدابة هو الجسّاسة. وأنها تخرج من منطقة الحرم المكي، وأنها ذات شعر ووبر كثيفين وأنها سريعة الجري، وأنها تخرج في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة وحينما يترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتبكت الناس وتدمغ جباههم فيعرف بذلك المؤمن منهم من الكافر. وأن تميما الداري أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآها في جزيرة وأخبرته أن المسيح مقيد بسلاسل من الحديد في دير الجزيرة ينتظر الإذن بالخروج. وعلى كل حال ففي القرآن صراحة بخروج دابة من الأرض بأمر الله إذا ما حق القول على الكافرين بعدم إيقانهم بآيته لتكلمهم أو تبكتهم. ومثل هذه الصراحة موجودة بصورة ما في الأحاديث الصحيحة. والإيمان بذلك واجب على المسلم مثل الإيمان بالأمور المغيبة والخارقة التي أخبر بها القرآن أو ثبت خبرها في أحاديث صحيحة. وإن لم يدرك العقل كنهها مع القول إن ذكر ذلك لا بد له من حكمة ويلمح في الآيات والأحاديث ما يسوغ القول إن إنذار الكفار وتخويفهم من هذه الحكمة لعلهم يرعوون ويرتدعون.
على أن في الأحاديث ونظم الآية ما يسوّغ إيراد بعض الملاحظات. فالأحاديث الصحيحة لا تربط بين الآية وبين خروج الدابة. وتدور في نطاق خروج الدابة في آخر الزمن كعلامة من علامات الساعة. والأحاديث التي تربط بينهما ليست من الصحاح. والضمير في جملة ﴿ وإذا وقع القول عليهم ﴾ عائد كما هو المتبادر إلى الكفار السامعين للقرآن الذين وصفوا قبل الآية [ ٨٢ ] بالموتى والصمّ والعمي. وهذا يقتضي أن يكون الضمير في ( تكلمهم ) راجع إليهم أيضا. وكثير منهم بل أكثرهم أسلموا والذين ظلوا على كفرهم هلكوا وسيمضي على هلاكهم إلى قيام الساعة دهر لا تحصى أعوامه. ولم تذكر الأحاديث أن الله تعالى سوف يحيى الجاحدين من السابق للقرآن موضوع الخطاب لتكلمهم الدابة، حيث يبدو من هذا أن الوعيد الموجه إليهم لا يتحقق بالنسبة لأشخاصهم، وهذا يسوّغ القول إن دابة آخر الزمن التي ذكرت في الأحاديث الصحيحة غير الدابة التي ورد الوعيد بها في الآية القرآنية. وإن الربط بينهما هو من الرواة. وإن الوعيد القرآني قد قصد به بالإضافة إلى ما تضمنه الخبر الإيماني إثارة الرعب في نفوس السامعين وإيذانهم بأنهم إذا استمرار على جحودهم فيكونون من صنف الحيوانات التي لا يصح أن يكلمها إلاّ دابة مثلها ما دام لم ينفعهم إنذار الله المبلغ بواسطة رسوله. ولقد وصف الكافرون المصرون على الجحود في آيات أخرى بوصف ﴿ الأنعام ﴾ و﴿ شر الدواب ﴾ كما جاء في آيات سورة الأعراف [ ١٨٩ ] والأنفال [ ٣٢ ٣٣ ] والفرقان [ ٤٤ ] مما قد يصح الاستئناس به على ذلك، والله أعلم.
أما الدابة التي تخرج في آخر الزمن فما دام أن خبرها وارد في أحاديث صحيحة. فيجب كما قلنا الإيمان بخبرها مثل سائر الأمور الغيبية والخارقة التي ثبت خبرها في القرآن وأحاديث نبوية صحيحة مع ترك تأويلها لله تعالى إذا أعيا العقل تأويلها ومع استشفاف الحكمة في ذكرها، والتي يتبادر أن منها إثارة الرعب في نفوس الكفار وجاحدي اليوم الآخر. ولا نستبعد إلى هذا أن يكون ظهور مثل هذه الدابة بين يدي الساعة مما كان يتحدث به في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم. ومما كان يرويه أهل الكتاب، والحديث الذي يروى أن تميما الداري أخبر النبي بها من الصحاح، وقد يكون في ذلك دعم لهذا، والله تعالى أعلم.
تعليق على مدى الآية
﴿ ويَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ﴾
والآيات الثلاث التالية لها
قال بعض المفسرين : إن الحشر هو للجميع وإن الآية الأولى تعني جميعهم فوجا بعد فوج. وقال بعضهم : إنها تعني الرؤساء والمتبوعين لأنهم الأشد استحقاقا لغضب الله. ويتبادر لنا أن القول الثاني هو الأوجه والمتسق مع نظم الآية. فهذه الطبقة هي التي كانت تقود المعارضة وتصد الناس فاستهدفت الآية فيما استهدفته إنذارهم بصورة خاصة، والله أعلم.
ومع أن كل مفسري السنة مجمعون على أن الحشر هو حشر يوم القيامة فإن مفسري الشيعة يستدلون بالآيات على عقيدة الرجعة التي يدينون بها والتي هي من أهمّ عقائدهم حتى إن بعضهم يكفّرون من لا يؤمن بها والتي يصفون بها رجعة علي أو أئمتهم وأوليائهم مع أعدائهم وهاضمي حقوقهم، حيث يحيي الله قوما من أوليائهم وقوما من أعدائهم قبل انقضاء الدنيا لينتقم الأولون من الآخرين، وبقطع النظر عن عقيدتهم العجيبة فإن في الاستدلال عليها بالآيات التي نحن في صددها تعسفا ظاهرا وتكلفا حزبيا صارخا. سواء من ناحية سياقها أم من ناحية فحواها.
وفي تفسير الطبرسي وهو من أكثرهم اعتدالا كلام طويل عجيب في تفصيل وإثبات ذلك ومما قاله : إنه مما تظاهرت أخباره عن أئمة الهدى من آل محمد وإجماعهم حجة. ونحن نريد أن ننزه أي واحد منهم فضلا عن جميعهم من أن يكون قد استنبط ذلك من هذه الآيات.
١ انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..
٢ انظر كتاب التاج ج ٤ ص ١٧٦ و ج ٥ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٢:﴿ وإِذَا وقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ٨٢ ويَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ٨٣ حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي ولَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٨٤ ووقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ ٨٥ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ والنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٨٦ ﴾ [ ٨٢ ٨٦ ]
في الآية الأولى تقرير بأن الله تعالى إذا ما استحق المخاطبون غضبه وعذابه أخرج لهم دابة من الأرض تخاطبهم وتبكتهم بسبب عدم إيمانهم بتحقيق ما وعد الله.
وفي الثانية والثالثة والرابعة حكاية ما سوف يكون من أمر الكفار والمكذبين حينما تقوم الساعة، حيث يأمر الله تعالى بحشر المكذبين بآياته من كل أمة وسوقهم إليه فيسألهم سؤال التأنيب والتقريع عن تكذيبهم بآياته بدون علم وعما كانوا يفعلونه في دنياهم، وحينئذ يبهتون لأن الحجة قد قامت عليهم بظلمهم وبغيهم ولا يجدون ما يدفعون به عن أنفسهم.
أما الآية الخامسة ففيها لفت نظر الكفار إلى مشهد من مشاهد قدرة الله ونواميسه في كونه، فهو الذي دبر أمر الليل والنهار ليكون الأول للناس سكنا وراحة والآخر مضيئا يقضون حاجاتهم وشؤون معايشهم، وقد انتهت الآية بتقرير كون ذلك دليلا كافيا لمن حسنت نيته واستجاب إلى الدعوة وآمن بالله وآياته على قدرة الله على كل شيء ومن الجملة على البعث، والآيات غير منفصلة عن السياق حيث استؤنف فيها حكاية مواقف الجاحدين بالآخرة ومصائرهم.
ومن تحصيل الحاصل أن نقول : إن الآية الخامسة لم ترد أن تقول إن دليل الليل والنهار هو الوحيد على قدرة الله. وإنما ذلك أسلوب من أساليب النظم القرآني وقد مرّ منه أمثلة كثيرة.
تعليق على الدابة المذكورة
في الآية [ ٨٢ ]
في كتب التفسير١ والحديث أحاديث عديدة معزوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صدد الدابة وأوصافها وظروف خروجها وهول أثرها. ومن هذه الأحاديث ما ورد في كتب الأحاديث الخمسة الأولى٢ ومنها ما لم يرد. ومما ذكر في الأحاديث أن اسم الدابة هو الجسّاسة. وأنها تخرج من منطقة الحرم المكي، وأنها ذات شعر ووبر كثيفين وأنها سريعة الجري، وأنها تخرج في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة وحينما يترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتبكت الناس وتدمغ جباههم فيعرف بذلك المؤمن منهم من الكافر. وأن تميما الداري أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآها في جزيرة وأخبرته أن المسيح مقيد بسلاسل من الحديد في دير الجزيرة ينتظر الإذن بالخروج. وعلى كل حال ففي القرآن صراحة بخروج دابة من الأرض بأمر الله إذا ما حق القول على الكافرين بعدم إيقانهم بآيته لتكلمهم أو تبكتهم. ومثل هذه الصراحة موجودة بصورة ما في الأحاديث الصحيحة. والإيمان بذلك واجب على المسلم مثل الإيمان بالأمور المغيبة والخارقة التي أخبر بها القرآن أو ثبت خبرها في أحاديث صحيحة. وإن لم يدرك العقل كنهها مع القول إن ذكر ذلك لا بد له من حكمة ويلمح في الآيات والأحاديث ما يسوغ القول إن إنذار الكفار وتخويفهم من هذه الحكمة لعلهم يرعوون ويرتدعون.
على أن في الأحاديث ونظم الآية ما يسوّغ إيراد بعض الملاحظات. فالأحاديث الصحيحة لا تربط بين الآية وبين خروج الدابة. وتدور في نطاق خروج الدابة في آخر الزمن كعلامة من علامات الساعة. والأحاديث التي تربط بينهما ليست من الصحاح. والضمير في جملة ﴿ وإذا وقع القول عليهم ﴾ عائد كما هو المتبادر إلى الكفار السامعين للقرآن الذين وصفوا قبل الآية [ ٨٢ ] بالموتى والصمّ والعمي. وهذا يقتضي أن يكون الضمير في ( تكلمهم ) راجع إليهم أيضا. وكثير منهم بل أكثرهم أسلموا والذين ظلوا على كفرهم هلكوا وسيمضي على هلاكهم إلى قيام الساعة دهر لا تحصى أعوامه. ولم تذكر الأحاديث أن الله تعالى سوف يحيى الجاحدين من السابق للقرآن موضوع الخطاب لتكلمهم الدابة، حيث يبدو من هذا أن الوعيد الموجه إليهم لا يتحقق بالنسبة لأشخاصهم، وهذا يسوّغ القول إن دابة آخر الزمن التي ذكرت في الأحاديث الصحيحة غير الدابة التي ورد الوعيد بها في الآية القرآنية. وإن الربط بينهما هو من الرواة. وإن الوعيد القرآني قد قصد به بالإضافة إلى ما تضمنه الخبر الإيماني إثارة الرعب في نفوس السامعين وإيذانهم بأنهم إذا استمرار على جحودهم فيكونون من صنف الحيوانات التي لا يصح أن يكلمها إلاّ دابة مثلها ما دام لم ينفعهم إنذار الله المبلغ بواسطة رسوله. ولقد وصف الكافرون المصرون على الجحود في آيات أخرى بوصف ﴿ الأنعام ﴾ و﴿ شر الدواب ﴾ كما جاء في آيات سورة الأعراف [ ١٨٩ ] والأنفال [ ٣٢ ٣٣ ] والفرقان [ ٤٤ ] مما قد يصح الاستئناس به على ذلك، والله أعلم.
أما الدابة التي تخرج في آخر الزمن فما دام أن خبرها وارد في أحاديث صحيحة. فيجب كما قلنا الإيمان بخبرها مثل سائر الأمور الغيبية والخارقة التي ثبت خبرها في القرآن وأحاديث نبوية صحيحة مع ترك تأويلها لله تعالى إذا أعيا العقل تأويلها ومع استشفاف الحكمة في ذكرها، والتي يتبادر أن منها إثارة الرعب في نفوس الكفار وجاحدي اليوم الآخر. ولا نستبعد إلى هذا أن يكون ظهور مثل هذه الدابة بين يدي الساعة مما كان يتحدث به في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم. ومما كان يرويه أهل الكتاب، والحديث الذي يروى أن تميما الداري أخبر النبي بها من الصحاح، وقد يكون في ذلك دعم لهذا، والله تعالى أعلم.
تعليق على مدى الآية
﴿ ويَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ﴾
والآيات الثلاث التالية لها
قال بعض المفسرين : إن الحشر هو للجميع وإن الآية الأولى تعني جميعهم فوجا بعد فوج. وقال بعضهم : إنها تعني الرؤساء والمتبوعين لأنهم الأشد استحقاقا لغضب الله. ويتبادر لنا أن القول الثاني هو الأوجه والمتسق مع نظم الآية. فهذه الطبقة هي التي كانت تقود المعارضة وتصد الناس فاستهدفت الآية فيما استهدفته إنذارهم بصورة خاصة، والله أعلم.
ومع أن كل مفسري السنة مجمعون على أن الحشر هو حشر يوم القيامة فإن مفسري الشيعة يستدلون بالآيات على عقيدة الرجعة التي يدينون بها والتي هي من أهمّ عقائدهم حتى إن بعضهم يكفّرون من لا يؤمن بها والتي يصفون بها رجعة علي أو أئمتهم وأوليائهم مع أعدائهم وهاضمي حقوقهم، حيث يحيي الله قوما من أوليائهم وقوما من أعدائهم قبل انقضاء الدنيا لينتقم الأولون من الآخرين، وبقطع النظر عن عقيدتهم العجيبة فإن في الاستدلال عليها بالآيات التي نحن في صددها تعسفا ظاهرا وتكلفا حزبيا صارخا. سواء من ناحية سياقها أم من ناحية فحواها.
وفي تفسير الطبرسي وهو من أكثرهم اعتدالا كلام طويل عجيب في تفصيل وإثبات ذلك ومما قاله : إنه مما تظاهرت أخباره عن أئمة الهدى من آل محمد وإجماعهم حجة. ونحن نريد أن ننزه أي واحد منهم فضلا عن جميعهم من أن يكون قد استنبط ذلك من هذه الآيات.
١ انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..
٢ انظر كتاب التاج ج ٤ ص ١٧٦ و ج ٥ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٢:﴿ وإِذَا وقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ٨٢ ويَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ٨٣ حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي ولَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٨٤ ووقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ ٨٥ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ والنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٨٦ ﴾ [ ٨٢ ٨٦ ]
في الآية الأولى تقرير بأن الله تعالى إذا ما استحق المخاطبون غضبه وعذابه أخرج لهم دابة من الأرض تخاطبهم وتبكتهم بسبب عدم إيمانهم بتحقيق ما وعد الله.
وفي الثانية والثالثة والرابعة حكاية ما سوف يكون من أمر الكفار والمكذبين حينما تقوم الساعة، حيث يأمر الله تعالى بحشر المكذبين بآياته من كل أمة وسوقهم إليه فيسألهم سؤال التأنيب والتقريع عن تكذيبهم بآياته بدون علم وعما كانوا يفعلونه في دنياهم، وحينئذ يبهتون لأن الحجة قد قامت عليهم بظلمهم وبغيهم ولا يجدون ما يدفعون به عن أنفسهم.
أما الآية الخامسة ففيها لفت نظر الكفار إلى مشهد من مشاهد قدرة الله ونواميسه في كونه، فهو الذي دبر أمر الليل والنهار ليكون الأول للناس سكنا وراحة والآخر مضيئا يقضون حاجاتهم وشؤون معايشهم، وقد انتهت الآية بتقرير كون ذلك دليلا كافيا لمن حسنت نيته واستجاب إلى الدعوة وآمن بالله وآياته على قدرة الله على كل شيء ومن الجملة على البعث، والآيات غير منفصلة عن السياق حيث استؤنف فيها حكاية مواقف الجاحدين بالآخرة ومصائرهم.
ومن تحصيل الحاصل أن نقول : إن الآية الخامسة لم ترد أن تقول إن دليل الليل والنهار هو الوحيد على قدرة الله. وإنما ذلك أسلوب من أساليب النظم القرآني وقد مرّ منه أمثلة كثيرة.
تعليق على الدابة المذكورة
في الآية [ ٨٢ ]
في كتب التفسير١ والحديث أحاديث عديدة معزوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صدد الدابة وأوصافها وظروف خروجها وهول أثرها. ومن هذه الأحاديث ما ورد في كتب الأحاديث الخمسة الأولى٢ ومنها ما لم يرد. ومما ذكر في الأحاديث أن اسم الدابة هو الجسّاسة. وأنها تخرج من منطقة الحرم المكي، وأنها ذات شعر ووبر كثيفين وأنها سريعة الجري، وأنها تخرج في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة وحينما يترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتبكت الناس وتدمغ جباههم فيعرف بذلك المؤمن منهم من الكافر. وأن تميما الداري أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآها في جزيرة وأخبرته أن المسيح مقيد بسلاسل من الحديد في دير الجزيرة ينتظر الإذن بالخروج. وعلى كل حال ففي القرآن صراحة بخروج دابة من الأرض بأمر الله إذا ما حق القول على الكافرين بعدم إيقانهم بآيته لتكلمهم أو تبكتهم. ومثل هذه الصراحة موجودة بصورة ما في الأحاديث الصحيحة. والإيمان بذلك واجب على المسلم مثل الإيمان بالأمور المغيبة والخارقة التي أخبر بها القرآن أو ثبت خبرها في أحاديث صحيحة. وإن لم يدرك العقل كنهها مع القول إن ذكر ذلك لا بد له من حكمة ويلمح في الآيات والأحاديث ما يسوغ القول إن إنذار الكفار وتخويفهم من هذه الحكمة لعلهم يرعوون ويرتدعون.
على أن في الأحاديث ونظم الآية ما يسوّغ إيراد بعض الملاحظات. فالأحاديث الصحيحة لا تربط بين الآية وبين خروج الدابة. وتدور في نطاق خروج الدابة في آخر الزمن كعلامة من علامات الساعة. والأحاديث التي تربط بينهما ليست من الصحاح. والضمير في جملة ﴿ وإذا وقع القول عليهم ﴾ عائد كما هو المتبادر إلى الكفار السامعين للقرآن الذين وصفوا قبل الآية [ ٨٢ ] بالموتى والصمّ والعمي. وهذا يقتضي أن يكون الضمير في ( تكلمهم ) راجع إليهم أيضا. وكثير منهم بل أكثرهم أسلموا والذين ظلوا على كفرهم هلكوا وسيمضي على هلاكهم إلى قيام الساعة دهر لا تحصى أعوامه. ولم تذكر الأحاديث أن الله تعالى سوف يحيى الجاحدين من السابق للقرآن موضوع الخطاب لتكلمهم الدابة، حيث يبدو من هذا أن الوعيد الموجه إليهم لا يتحقق بالنسبة لأشخاصهم، وهذا يسوّغ القول إن دابة آخر الزمن التي ذكرت في الأحاديث الصحيحة غير الدابة التي ورد الوعيد بها في الآية القرآنية. وإن الربط بينهما هو من الرواة. وإن الوعيد القرآني قد قصد به بالإضافة إلى ما تضمنه الخبر الإيماني إثارة الرعب في نفوس السامعين وإيذانهم بأنهم إذا استمرار على جحودهم فيكونون من صنف الحيوانات التي لا يصح أن يكلمها إلاّ دابة مثلها ما دام لم ينفعهم إنذار الله المبلغ بواسطة رسوله. ولقد وصف الكافرون المصرون على الجحود في آيات أخرى بوصف ﴿ الأنعام ﴾ و﴿ شر الدواب ﴾ كما جاء في آيات سورة الأعراف [ ١٨٩ ] والأنفال [ ٣٢ ٣٣ ] والفرقان [ ٤٤ ] مما قد يصح الاستئناس به على ذلك، والله أعلم.
أما الدابة التي تخرج في آخر الزمن فما دام أن خبرها وارد في أحاديث صحيحة. فيجب كما قلنا الإيمان بخبرها مثل سائر الأمور الغيبية والخارقة التي ثبت خبرها في القرآن وأحاديث نبوية صحيحة مع ترك تأويلها لله تعالى إذا أعيا العقل تأويلها ومع استشفاف الحكمة في ذكرها، والتي يتبادر أن منها إثارة الرعب في نفوس الكفار وجاحدي اليوم الآخر. ولا نستبعد إلى هذا أن يكون ظهور مثل هذه الدابة بين يدي الساعة مما كان يتحدث به في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم. ومما كان يرويه أهل الكتاب، والحديث الذي يروى أن تميما الداري أخبر النبي بها من الصحاح، وقد يكون في ذلك دعم لهذا، والله تعالى أعلم.
تعليق على مدى الآية
﴿ ويَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ﴾
والآيات الثلاث التالية لها
قال بعض المفسرين : إن الحشر هو للجميع وإن الآية الأولى تعني جميعهم فوجا بعد فوج. وقال بعضهم : إنها تعني الرؤساء والمتبوعين لأنهم الأشد استحقاقا لغضب الله. ويتبادر لنا أن القول الثاني هو الأوجه والمتسق مع نظم الآية. فهذه الطبقة هي التي كانت تقود المعارضة وتصد الناس فاستهدفت الآية فيما استهدفته إنذارهم بصورة خاصة، والله أعلم.
ومع أن كل مفسري السنة مجمعون على أن الحشر هو حشر يوم القيامة فإن مفسري الشيعة يستدلون بالآيات على عقيدة الرجعة التي يدينون بها والتي هي من أهمّ عقائدهم حتى إن بعضهم يكفّرون من لا يؤمن بها والتي يصفون بها رجعة علي أو أئمتهم وأوليائهم مع أعدائهم وهاضمي حقوقهم، حيث يحيي الله قوما من أوليائهم وقوما من أعدائهم قبل انقضاء الدنيا لينتقم الأولون من الآخرين، وبقطع النظر عن عقيدتهم العجيبة فإن في الاستدلال عليها بالآيات التي نحن في صددها تعسفا ظاهرا وتكلفا حزبيا صارخا. سواء من ناحية سياقها أم من ناحية فحواها.
وفي تفسير الطبرسي وهو من أكثرهم اعتدالا كلام طويل عجيب في تفصيل وإثبات ذلك ومما قاله : إنه مما تظاهرت أخباره عن أئمة الهدى من آل محمد وإجماعهم حجة. ونحن نريد أن ننزه أي واحد منهم فضلا عن جميعهم من أن يكون قد استنبط ذلك من هذه الآيات.
١ انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..
٢ انظر كتاب التاج ج ٤ ص ١٧٦ و ج ٥ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٢:﴿ وإِذَا وقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ٨٢ ويَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ٨٣ حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي ولَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٨٤ ووقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ ٨٥ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ والنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٨٦ ﴾ [ ٨٢ ٨٦ ]
في الآية الأولى تقرير بأن الله تعالى إذا ما استحق المخاطبون غضبه وعذابه أخرج لهم دابة من الأرض تخاطبهم وتبكتهم بسبب عدم إيمانهم بتحقيق ما وعد الله.
وفي الثانية والثالثة والرابعة حكاية ما سوف يكون من أمر الكفار والمكذبين حينما تقوم الساعة، حيث يأمر الله تعالى بحشر المكذبين بآياته من كل أمة وسوقهم إليه فيسألهم سؤال التأنيب والتقريع عن تكذيبهم بآياته بدون علم وعما كانوا يفعلونه في دنياهم، وحينئذ يبهتون لأن الحجة قد قامت عليهم بظلمهم وبغيهم ولا يجدون ما يدفعون به عن أنفسهم.
أما الآية الخامسة ففيها لفت نظر الكفار إلى مشهد من مشاهد قدرة الله ونواميسه في كونه، فهو الذي دبر أمر الليل والنهار ليكون الأول للناس سكنا وراحة والآخر مضيئا يقضون حاجاتهم وشؤون معايشهم، وقد انتهت الآية بتقرير كون ذلك دليلا كافيا لمن حسنت نيته واستجاب إلى الدعوة وآمن بالله وآياته على قدرة الله على كل شيء ومن الجملة على البعث، والآيات غير منفصلة عن السياق حيث استؤنف فيها حكاية مواقف الجاحدين بالآخرة ومصائرهم.
ومن تحصيل الحاصل أن نقول : إن الآية الخامسة لم ترد أن تقول إن دليل الليل والنهار هو الوحيد على قدرة الله. وإنما ذلك أسلوب من أساليب النظم القرآني وقد مرّ منه أمثلة كثيرة.
تعليق على الدابة المذكورة
في الآية [ ٨٢ ]
في كتب التفسير١ والحديث أحاديث عديدة معزوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صدد الدابة وأوصافها وظروف خروجها وهول أثرها. ومن هذه الأحاديث ما ورد في كتب الأحاديث الخمسة الأولى٢ ومنها ما لم يرد. ومما ذكر في الأحاديث أن اسم الدابة هو الجسّاسة. وأنها تخرج من منطقة الحرم المكي، وأنها ذات شعر ووبر كثيفين وأنها سريعة الجري، وأنها تخرج في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة وحينما يترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتبكت الناس وتدمغ جباههم فيعرف بذلك المؤمن منهم من الكافر. وأن تميما الداري أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآها في جزيرة وأخبرته أن المسيح مقيد بسلاسل من الحديد في دير الجزيرة ينتظر الإذن بالخروج. وعلى كل حال ففي القرآن صراحة بخروج دابة من الأرض بأمر الله إذا ما حق القول على الكافرين بعدم إيقانهم بآيته لتكلمهم أو تبكتهم. ومثل هذه الصراحة موجودة بصورة ما في الأحاديث الصحيحة. والإيمان بذلك واجب على المسلم مثل الإيمان بالأمور المغيبة والخارقة التي أخبر بها القرآن أو ثبت خبرها في أحاديث صحيحة. وإن لم يدرك العقل كنهها مع القول إن ذكر ذلك لا بد له من حكمة ويلمح في الآيات والأحاديث ما يسوغ القول إن إنذار الكفار وتخويفهم من هذه الحكمة لعلهم يرعوون ويرتدعون.
على أن في الأحاديث ونظم الآية ما يسوّغ إيراد بعض الملاحظات. فالأحاديث الصحيحة لا تربط بين الآية وبين خروج الدابة. وتدور في نطاق خروج الدابة في آخر الزمن كعلامة من علامات الساعة. والأحاديث التي تربط بينهما ليست من الصحاح. والضمير في جملة ﴿ وإذا وقع القول عليهم ﴾ عائد كما هو المتبادر إلى الكفار السامعين للقرآن الذين وصفوا قبل الآية [ ٨٢ ] بالموتى والصمّ والعمي. وهذا يقتضي أن يكون الضمير في ( تكلمهم ) راجع إليهم أيضا. وكثير منهم بل أكثرهم أسلموا والذين ظلوا على كفرهم هلكوا وسيمضي على هلاكهم إلى قيام الساعة دهر لا تحصى أعوامه. ولم تذكر الأحاديث أن الله تعالى سوف يحيى الجاحدين من السابق للقرآن موضوع الخطاب لتكلمهم الدابة، حيث يبدو من هذا أن الوعيد الموجه إليهم لا يتحقق بالنسبة لأشخاصهم، وهذا يسوّغ القول إن دابة آخر الزمن التي ذكرت في الأحاديث الصحيحة غير الدابة التي ورد الوعيد بها في الآية القرآنية. وإن الربط بينهما هو من الرواة. وإن الوعيد القرآني قد قصد به بالإضافة إلى ما تضمنه الخبر الإيماني إثارة الرعب في نفوس السامعين وإيذانهم بأنهم إذا استمرار على جحودهم فيكونون من صنف الحيوانات التي لا يصح أن يكلمها إلاّ دابة مثلها ما دام لم ينفعهم إنذار الله المبلغ بواسطة رسوله. ولقد وصف الكافرون المصرون على الجحود في آيات أخرى بوصف ﴿ الأنعام ﴾ و﴿ شر الدواب ﴾ كما جاء في آيات سورة الأعراف [ ١٨٩ ] والأنفال [ ٣٢ ٣٣ ] والفرقان [ ٤٤ ] مما قد يصح الاستئناس به على ذلك، والله أعلم.
أما الدابة التي تخرج في آخر الزمن فما دام أن خبرها وارد في أحاديث صحيحة. فيجب كما قلنا الإيمان بخبرها مثل سائر الأمور الغيبية والخارقة التي ثبت خبرها في القرآن وأحاديث نبوية صحيحة مع ترك تأويلها لله تعالى إذا أعيا العقل تأويلها ومع استشفاف الحكمة في ذكرها، والتي يتبادر أن منها إثارة الرعب في نفوس الكفار وجاحدي اليوم الآخر. ولا نستبعد إلى هذا أن يكون ظهور مثل هذه الدابة بين يدي الساعة مما كان يتحدث به في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم. ومما كان يرويه أهل الكتاب، والحديث الذي يروى أن تميما الداري أخبر النبي بها من الصحاح، وقد يكون في ذلك دعم لهذا، والله تعالى أعلم.
تعليق على مدى الآية
﴿ ويَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ﴾
والآيات الثلاث التالية لها
قال بعض المفسرين : إن الحشر هو للجميع وإن الآية الأولى تعني جميعهم فوجا بعد فوج. وقال بعضهم : إنها تعني الرؤساء والمتبوعين لأنهم الأشد استحقاقا لغضب الله. ويتبادر لنا أن القول الثاني هو الأوجه والمتسق مع نظم الآية. فهذه الطبقة هي التي كانت تقود المعارضة وتصد الناس فاستهدفت الآية فيما استهدفته إنذارهم بصورة خاصة، والله أعلم.
ومع أن كل مفسري السنة مجمعون على أن الحشر هو حشر يوم القيامة فإن مفسري الشيعة يستدلون بالآيات على عقيدة الرجعة التي يدينون بها والتي هي من أهمّ عقائدهم حتى إن بعضهم يكفّرون من لا يؤمن بها والتي يصفون بها رجعة علي أو أئمتهم وأوليائهم مع أعدائهم وهاضمي حقوقهم، حيث يحيي الله قوما من أوليائهم وقوما من أعدائهم قبل انقضاء الدنيا لينتقم الأولون من الآخرين، وبقطع النظر عن عقيدتهم العجيبة فإن في الاستدلال عليها بالآيات التي نحن في صددها تعسفا ظاهرا وتكلفا حزبيا صارخا. سواء من ناحية سياقها أم من ناحية فحواها.
وفي تفسير الطبرسي وهو من أكثرهم اعتدالا كلام طويل عجيب في تفصيل وإثبات ذلك ومما قاله : إنه مما تظاهرت أخباره عن أئمة الهدى من آل محمد وإجماعهم حجة. ونحن نريد أن ننزه أي واحد منهم فضلا عن جميعهم من أن يكون قد استنبط ذلك من هذه الآيات.
١ انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن..
٢ انظر كتاب التاج ج ٤ ص ١٧٦ و ج ٥ ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥..

الصور : آلة تشبه القرن ينفخ فيها لتكبير الصوت. وهي البوق أيضا.
داخرين : ذليلين أو صاغرين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ويَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاواتِ ومَن فِي الْأَرْضِ إلاّ مَن شَاء اللَّهُ وكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ٨٧ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ٨٨ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ٨٩ ومَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون ٩٠ ﴾ [ ٨٧ ـ ٩٠ ]
في الآيات صور للآخرة وهولها ومصائر الناس فيها، وهي متصلة بالسياق السابق واستمرار له كما هو واضح. وعبارتها واضحة. ويلحظ أن الجبال هنا تمر مسرعة كقطع السحاب بينما يظنها الراءون جامدة، في حين أن آيات أخرى ذكرت أنها تتفتت وتكون هباء وأنها تدك دكا وتنسف نسفا وتكون كالعهن المنفوش. ومع ذلك فمن الممكن أن لا تكون هذه الصور متعارضة تطبيقا. وعلى كل حال فبالإضافة إلى وجوب الإيمان بما يرد في القرآن من صور عن الآخرة فإن العبارة هنا كما هي في الأماكن الأخرى هي بسبيل وصف هول يوم القيامة وأنها استهدفت فيما استهدفته التشديد في الإنذار والترهيب.
ولقد أورد المفسرون أحاديث في صدد المستثنى من الفزع في جملة ﴿ إلاّ من شاء الله ﴾ يفيد بعضها أنهم كبار الملائكة ويفيد بعضها أنهم الشهداء. ويفيد بعضها أن الفزع هو كفاية عن الموت. والأحاديث لم ترد في كتب الصحاح، وتأويل الفزع بالموت غريب. وفي الآية [ ٨٩ ] ما يفيد بصراحة بأن الاستثناء هو ل﴿ من جاء بالحسنة ﴾ فلا يبقى محل لتأويل آخر. والمتبادر أن الاستثناء استهدف فيما استهدفه بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية بثّ الطمأنينة في قلوب المؤمنين المحسنين وتثبيتهم والحضّ على الإيمان والعمل الصالح. والصورة التي جاءت للكافرين مقابل ذلك قوية رهيبة حيث تكبّ وجوههم في النار، ويسألون سؤالا تقريعيّا عما إذا كان ينالون غير أجزاءهم الحق على أعمالهم الأثيمة والمتبادر أن مما استهدف بذلك إثارة الرعب والفزع في قلوب هؤلاء وأمثالهم ليرتدعوا.
وفي الآيتين الأخيرتين توكيد للتقريرات القرآنية بأن الناس يكتسبون أعمالهم باختيارهم، وأنهم يجزون عليها إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ حقا وعدلا، وأن القرآن يستهدف بذلك فيما يستهدف الحثّ على الأعمال الصالحة والتحذير من الأعمال السيئة.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ويَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاواتِ ومَن فِي الْأَرْضِ إلاّ مَن شَاء اللَّهُ وكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ٨٧ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ٨٨ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ٨٩ ومَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون ٩٠ ﴾ [ ٨٧ ـ ٩٠ ]
في الآيات صور للآخرة وهولها ومصائر الناس فيها، وهي متصلة بالسياق السابق واستمرار له كما هو واضح. وعبارتها واضحة. ويلحظ أن الجبال هنا تمر مسرعة كقطع السحاب بينما يظنها الراءون جامدة، في حين أن آيات أخرى ذكرت أنها تتفتت وتكون هباء وأنها تدك دكا وتنسف نسفا وتكون كالعهن المنفوش. ومع ذلك فمن الممكن أن لا تكون هذه الصور متعارضة تطبيقا. وعلى كل حال فبالإضافة إلى وجوب الإيمان بما يرد في القرآن من صور عن الآخرة فإن العبارة هنا كما هي في الأماكن الأخرى هي بسبيل وصف هول يوم القيامة وأنها استهدفت فيما استهدفته التشديد في الإنذار والترهيب.
ولقد أورد المفسرون أحاديث في صدد المستثنى من الفزع في جملة ﴿ إلاّ من شاء الله ﴾ يفيد بعضها أنهم كبار الملائكة ويفيد بعضها أنهم الشهداء. ويفيد بعضها أن الفزع هو كفاية عن الموت. والأحاديث لم ترد في كتب الصحاح، وتأويل الفزع بالموت غريب. وفي الآية [ ٨٩ ] ما يفيد بصراحة بأن الاستثناء هو ل﴿ من جاء بالحسنة ﴾ فلا يبقى محل لتأويل آخر. والمتبادر أن الاستثناء استهدف فيما استهدفه بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية بثّ الطمأنينة في قلوب المؤمنين المحسنين وتثبيتهم والحضّ على الإيمان والعمل الصالح. والصورة التي جاءت للكافرين مقابل ذلك قوية رهيبة حيث تكبّ وجوههم في النار، ويسألون سؤالا تقريعيّا عما إذا كان ينالون غير أجزاءهم الحق على أعمالهم الأثيمة والمتبادر أن مما استهدف بذلك إثارة الرعب والفزع في قلوب هؤلاء وأمثالهم ليرتدعوا.
وفي الآيتين الأخيرتين توكيد للتقريرات القرآنية بأن الناس يكتسبون أعمالهم باختيارهم، وأنهم يجزون عليها إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ حقا وعدلا، وأن القرآن يستهدف بذلك فيما يستهدف الحثّ على الأعمال الصالحة والتحذير من الأعمال السيئة.

سورة النمل
في السورة حملة تقريع على الكفار وحكاية لبعض مواقفهم وأقوالهم وخاصة في صدد الآخرة وحسابها وجزائها. وفيها قصص بعض الأنبياء وأقوالهم. منها ما أسهب فيه، وهو قصة ما كان بين سليمان عليه السلام وملكة سبأ بقصد الموعظة. وفيها تقريرات عن مظاهر قدرة الله تعالى ورحمته بسبيل البرهنة على ربوبيته وتسفيه المشركين وتقريعهم. وفيها صورة من الدعوة النبوية في العهد المكي وتثبيت وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
وهي مشابهة في المطلع والنهاية والفصول القصصية الاستطرادية للسورة السابقة مما يمكن أن يكون فيه قرينة على صحة الترتيب. وفصولها مترابطة مما يسوغ القول : إنها نزلت متلاحقة حتى تمت.
كبّت وجوههم : طرحوا منكسين على وجوههم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ويَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاواتِ ومَن فِي الْأَرْضِ إلاّ مَن شَاء اللَّهُ وكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ٨٧ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ٨٨ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ٨٩ ومَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون ٩٠ ﴾ [ ٨٧ ـ ٩٠ ]
في الآيات صور للآخرة وهولها ومصائر الناس فيها، وهي متصلة بالسياق السابق واستمرار له كما هو واضح. وعبارتها واضحة. ويلحظ أن الجبال هنا تمر مسرعة كقطع السحاب بينما يظنها الراءون جامدة، في حين أن آيات أخرى ذكرت أنها تتفتت وتكون هباء وأنها تدك دكا وتنسف نسفا وتكون كالعهن المنفوش. ومع ذلك فمن الممكن أن لا تكون هذه الصور متعارضة تطبيقا. وعلى كل حال فبالإضافة إلى وجوب الإيمان بما يرد في القرآن من صور عن الآخرة فإن العبارة هنا كما هي في الأماكن الأخرى هي بسبيل وصف هول يوم القيامة وأنها استهدفت فيما استهدفته التشديد في الإنذار والترهيب.
ولقد أورد المفسرون أحاديث في صدد المستثنى من الفزع في جملة ﴿ إلاّ من شاء الله ﴾ يفيد بعضها أنهم كبار الملائكة ويفيد بعضها أنهم الشهداء. ويفيد بعضها أن الفزع هو كفاية عن الموت. والأحاديث لم ترد في كتب الصحاح، وتأويل الفزع بالموت غريب. وفي الآية [ ٨٩ ] ما يفيد بصراحة بأن الاستثناء هو ل﴿ من جاء بالحسنة ﴾ فلا يبقى محل لتأويل آخر. والمتبادر أن الاستثناء استهدف فيما استهدفه بالإضافة إلى الحقيقة الإيمانية بثّ الطمأنينة في قلوب المؤمنين المحسنين وتثبيتهم والحضّ على الإيمان والعمل الصالح. والصورة التي جاءت للكافرين مقابل ذلك قوية رهيبة حيث تكبّ وجوههم في النار، ويسألون سؤالا تقريعيّا عما إذا كان ينالون غير أجزاءهم الحق على أعمالهم الأثيمة والمتبادر أن مما استهدف بذلك إثارة الرعب والفزع في قلوب هؤلاء وأمثالهم ليرتدعوا.
وفي الآيتين الأخيرتين توكيد للتقريرات القرآنية بأن الناس يكتسبون أعمالهم باختيارهم، وأنهم يجزون عليها إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ حقا وعدلا، وأن القرآن يستهدف بذلك فيما يستهدف الحثّ على الأعمال الصالحة والتحذير من الأعمال السيئة.

( ١ ) البلدة الذي حرّمها : كناية عن مكة وتحريمها هو جعلها حرما آمنا يأمن الناس فيها على دمائهم ويحرّم فيها القتال وسفك الدم والظلم على ما عليه جمهور المفسرين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا( ١ ) ولَهُ كُلُّ شَيْءٍ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩١ وأَنْ أَتْلُو الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ ٩٢ وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ومَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ٩٣ ﴾ [ ٩١ ـ ٩٣ ]
الآيات جاءت خاتمة للسورة. وعليها طابع الختام الذي يطبع كثيرا من السور. وأسلوبها يدل على أنها جاءت لإنهاء المواقف الحجاجية التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في ظروف نزول السورة. وهي على الأرجح المواقف التي انطوت في الفصول السابقة وبخاصة منذ انتهاء السلسلة القصصية. وهي والحال هذه غير منفصلة عن السياق ومعقبة عليه.
وبدء الآية الأولى يوهم أن الكلام هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن ورود أمر ﴿ وقل ﴾ في الآيتين التاليتين يزيل الوهم ويفيد أن أيضا مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله.
وهذا ما يقرره جمهور المفسرين أيضا.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآيات بأن يعلن بأنه قد أمر بأن يعبد الله ربّ مكة المحرمة الذي هو ربّ كل شيء وأن يسلم نفسه له، وأن يتلو القرآن على الناس، وأن يقول لهم إنما هو منذر ينذرهم ويبشرهم ويبين لهم طريق الحق والخير ويحذرهم من الكفر والباطل والفواحش، فمن اهتدى فيكون قد اختار لنفسه الخير ومن ضلّ فيكون قد اختار لنفسه الشرّ عن بيّنة ؛ وأن يقرر بعد هذا الحمد لله والثناء عليه وأن ينذر الكفار بأنهم سيرون آيات الله ووعيده الموعود رأي العين واليقين بعد أن سمعوها ولم يؤمنوا بها، وبأن الله ليس بغافل عما يعملون وإن بدا أنه يمهلهم ولا يستعجل عليهم.
والآيتان الأولى والثانية احتوتا ما جاء في آيات عديدة أخرى من شرح مهمة النبي وهي التبشير والدعوة والإرشاد والموعظة وبيان طرق الخير والحق والشر والباطل، ثم من تقرير قابلية الناس التي أودعها الله فيهم للاختيار والتمييز وتحميلهم تبعة اختيارهم.
ولعل الآية الثانية قد انطوت على تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه مما يعتلج في نفسه من الحسرة والحزن من مواقف العناد والتكذيب التي يقفها قومه منه. وقد تكرر هذا في مطاوي آيات السورة السابقة وتكرر كثيرا في مطاوي السور السابقة.
والإنذار الذي ينطوي في الآية الأخيرة يحتمل أن يكون دنيويّا ويحتمل أن يكون أخرويّا ويحتمل أن يكون دنيويّا وأخرويّا معا، وهي على كل حال قوية حاسمة سواء أفي بثّ الثقة في نفس النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين أم في إنذار الكفار بأن وعد الله سيتحقق.
تعليق على جملة
﴿ البلدة الذي حرمها ﴾
ولقد شرحنا في سياق تفسير سورة قريش مدى ما كان من منح الله لأهل الأمن من الخوف بسبب وجود البيت في مدينتهم. فلسنا نرى ضرورة إلى الإعادة. وإن كان من شيء نزيده هنا بمناسبة جملة ﴿ البلدة الذي حرمها ﴾ في الآية الأولى من الآيات التي نحن في صددها هو أن الجملة تقرر كون مكة نفسها كانت محرمة. وليست منطقة الكعبة أو البيت فقط. وهو ما كان جاريا قبل الإسلام على ما شرحناه في سياق سورة قريش أيضا.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا( ١ ) ولَهُ كُلُّ شَيْءٍ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩١ وأَنْ أَتْلُو الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ ٩٢ وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ومَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ٩٣ ﴾ [ ٩١ ـ ٩٣ ]
الآيات جاءت خاتمة للسورة. وعليها طابع الختام الذي يطبع كثيرا من السور. وأسلوبها يدل على أنها جاءت لإنهاء المواقف الحجاجية التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في ظروف نزول السورة. وهي على الأرجح المواقف التي انطوت في الفصول السابقة وبخاصة منذ انتهاء السلسلة القصصية. وهي والحال هذه غير منفصلة عن السياق ومعقبة عليه.
وبدء الآية الأولى يوهم أن الكلام هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن ورود أمر ﴿ وقل ﴾ في الآيتين التاليتين يزيل الوهم ويفيد أن أيضا مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله.
وهذا ما يقرره جمهور المفسرين أيضا.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآيات بأن يعلن بأنه قد أمر بأن يعبد الله ربّ مكة المحرمة الذي هو ربّ كل شيء وأن يسلم نفسه له، وأن يتلو القرآن على الناس، وأن يقول لهم إنما هو منذر ينذرهم ويبشرهم ويبين لهم طريق الحق والخير ويحذرهم من الكفر والباطل والفواحش، فمن اهتدى فيكون قد اختار لنفسه الخير ومن ضلّ فيكون قد اختار لنفسه الشرّ عن بيّنة ؛ وأن يقرر بعد هذا الحمد لله والثناء عليه وأن ينذر الكفار بأنهم سيرون آيات الله ووعيده الموعود رأي العين واليقين بعد أن سمعوها ولم يؤمنوا بها، وبأن الله ليس بغافل عما يعملون وإن بدا أنه يمهلهم ولا يستعجل عليهم.
والآيتان الأولى والثانية احتوتا ما جاء في آيات عديدة أخرى من شرح مهمة النبي وهي التبشير والدعوة والإرشاد والموعظة وبيان طرق الخير والحق والشر والباطل، ثم من تقرير قابلية الناس التي أودعها الله فيهم للاختيار والتمييز وتحميلهم تبعة اختيارهم.
ولعل الآية الثانية قد انطوت على تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه مما يعتلج في نفسه من الحسرة والحزن من مواقف العناد والتكذيب التي يقفها قومه منه. وقد تكرر هذا في مطاوي آيات السورة السابقة وتكرر كثيرا في مطاوي السور السابقة.
والإنذار الذي ينطوي في الآية الأخيرة يحتمل أن يكون دنيويّا ويحتمل أن يكون أخرويّا ويحتمل أن يكون دنيويّا وأخرويّا معا، وهي على كل حال قوية حاسمة سواء أفي بثّ الثقة في نفس النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين أم في إنذار الكفار بأن وعد الله سيتحقق.
تعليق على جملة
﴿ البلدة الذي حرمها ﴾
ولقد شرحنا في سياق تفسير سورة قريش مدى ما كان من منح الله لأهل الأمن من الخوف بسبب وجود البيت في مدينتهم. فلسنا نرى ضرورة إلى الإعادة. وإن كان من شيء نزيده هنا بمناسبة جملة ﴿ البلدة الذي حرمها ﴾ في الآية الأولى من الآيات التي نحن في صددها هو أن الجملة تقرر كون مكة نفسها كانت محرمة. وليست منطقة الكعبة أو البيت فقط. وهو ما كان جاريا قبل الإسلام على ما شرحناه في سياق سورة قريش أيضا.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا( ١ ) ولَهُ كُلُّ شَيْءٍ وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٩١ وأَنْ أَتْلُو الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ ٩٢ وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ومَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ٩٣ ﴾ [ ٩١ ـ ٩٣ ]
الآيات جاءت خاتمة للسورة. وعليها طابع الختام الذي يطبع كثيرا من السور. وأسلوبها يدل على أنها جاءت لإنهاء المواقف الحجاجية التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار في ظروف نزول السورة. وهي على الأرجح المواقف التي انطوت في الفصول السابقة وبخاصة منذ انتهاء السلسلة القصصية. وهي والحال هذه غير منفصلة عن السياق ومعقبة عليه.
وبدء الآية الأولى يوهم أن الكلام هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن ورود أمر ﴿ وقل ﴾ في الآيتين التاليتين يزيل الوهم ويفيد أن أيضا مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله.
وهذا ما يقرره جمهور المفسرين أيضا.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الآيات بأن يعلن بأنه قد أمر بأن يعبد الله ربّ مكة المحرمة الذي هو ربّ كل شيء وأن يسلم نفسه له، وأن يتلو القرآن على الناس، وأن يقول لهم إنما هو منذر ينذرهم ويبشرهم ويبين لهم طريق الحق والخير ويحذرهم من الكفر والباطل والفواحش، فمن اهتدى فيكون قد اختار لنفسه الخير ومن ضلّ فيكون قد اختار لنفسه الشرّ عن بيّنة ؛ وأن يقرر بعد هذا الحمد لله والثناء عليه وأن ينذر الكفار بأنهم سيرون آيات الله ووعيده الموعود رأي العين واليقين بعد أن سمعوها ولم يؤمنوا بها، وبأن الله ليس بغافل عما يعملون وإن بدا أنه يمهلهم ولا يستعجل عليهم.
والآيتان الأولى والثانية احتوتا ما جاء في آيات عديدة أخرى من شرح مهمة النبي وهي التبشير والدعوة والإرشاد والموعظة وبيان طرق الخير والحق والشر والباطل، ثم من تقرير قابلية الناس التي أودعها الله فيهم للاختيار والتمييز وتحميلهم تبعة اختيارهم.
ولعل الآية الثانية قد انطوت على تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه مما يعتلج في نفسه من الحسرة والحزن من مواقف العناد والتكذيب التي يقفها قومه منه. وقد تكرر هذا في مطاوي آيات السورة السابقة وتكرر كثيرا في مطاوي السور السابقة.
والإنذار الذي ينطوي في الآية الأخيرة يحتمل أن يكون دنيويّا ويحتمل أن يكون أخرويّا ويحتمل أن يكون دنيويّا وأخرويّا معا، وهي على كل حال قوية حاسمة سواء أفي بثّ الثقة في نفس النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين أم في إنذار الكفار بأن وعد الله سيتحقق.
تعليق على جملة
﴿ البلدة الذي حرمها ﴾
ولقد شرحنا في سياق تفسير سورة قريش مدى ما كان من منح الله لأهل الأمن من الخوف بسبب وجود البيت في مدينتهم. فلسنا نرى ضرورة إلى الإعادة. وإن كان من شيء نزيده هنا بمناسبة جملة ﴿ البلدة الذي حرمها ﴾ في الآية الأولى من الآيات التي نحن في صددها هو أن الجملة تقرر كون مكة نفسها كانت محرمة. وليست منطقة الكعبة أو البيت فقط. وهو ما كان جاريا قبل الإسلام على ما شرحناه في سياق سورة قريش أيضا.

Icon