ﰡ
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً، فَزَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالْفَوَاحِشِ، أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ، بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ، استفهام بمعين التَّقْرِيرِ، مَعْنَاهُ:
أَمَا لِهَذَا الْكَافِرِ الْمُكَذِّبِ مَأْوًى فِي جَهَنَّمَ.
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا، الَّذِينَ جَاهَدُوا الْمُشْرِكِينَ لِنُصْرَةِ دِينِنَا، لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا، لَنُثَبِّتَنَّهُمْ عَلَى مَا قَاتَلُوا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَنَزِيدَنَّهُمْ هُدَىً كَمَا قَالَ: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً [مَرْيَمَ: ٧٦]، وَقِيلَ:
لَنُوَفِّقَنَّهُمْ لِإِصَابَةِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمَةِ [والطرق المستقيمة] [١] هي التي توصل إِلَى رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قال سفيان بن عييند: إذا اختلف الناس فانظروتا مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الثُّغُورِ [٢]، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا، وَقِيلَ: الْمُجَاهَدَةُ هِيَ الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَاتِ. قَالَ الْحَسَنُ: أَفْضَلُ الْجِهَادِ مُخَالَفَةُ الْهَوَى.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ الْعَمَلِ بِهِ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِي إِقَامَةِ السُّنَّةِ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ الْجَنَّةِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالَّذِينَ جاهدوا في طاعتنا لنهديننهم سُبُلَ ثَوَابِنَا. وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ، بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ فِي دُنْيَاهُمْ وبالثواب والمغفرة في عقباهم.
تفسير سورة الروم
مكية [وهي ستون آية، وقيل: تسع وخمسون آية] [٣]
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣)الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ، سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ.
«١٦٣٩» أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ فَارِسَ وَالرُّومِ قِتَالٌ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَوَدُّونَ أَنْ تَغْلِبَ فَارِسُ الرُّومَ لِأَنَّ أَهْلَ فَارِسَ
- وهذا الخبر ورد من وجوه متعدد بألفاظ مختلفة منها ما أخرجه الترمذي ٣١٩٣ والنسائي في «الكرى» ١١٣٨٩ وفي «التفسير» ٤٠٩ وأحدم ١/ ٣٠٤ والطبري ٢٧٨٦٥ والحاكم ٢/ ٤١٠ والطبراني ٢/ ٢٩/ ١٢٣٧٧٧ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٣٣٠- ٣١ من حديث ابن عباس في قول الله تعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ قال: غلبت وغلبت،
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع «موضع المخافة في بروج البلدان» وهذا بلا ريب ليس من كلام ابن عيينة وإنما إقحام من الناسخ.
(٣) زيد في المطبوع.
ل افقال: لَا، فَتَعَالَ أُزَايِدُكَ فِي الْخَطَرِ، وَأُمَادُّكَ فِي الْأَجَلِ فَاجْعَلْهَا مِائَةَ قَلُوصٍ وَمِائَةُ قَلُوصٍ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ، وَقِيلَ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَلَمَّا خَشِيَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَنْ يَخْرُجَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ أَتَاهُ فَلَزِمَهُ وَقَالَ:
إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ فَأَقِمْ لِي كَفِيلًا فَكَفَلَ لَهُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا أَرَادَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى أُحُدٍ أَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَلَزِمَهُ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَدَعُكَ حَتَّى تُعْطِيَنِي كَفِيلًا فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ ثُمَّ رَجَعَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ فَمَاتَ بِمَكَّةَ مِنْ جِرَاحَتِهِ الَّتِي جَرَحَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَارَزَهُ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِ سَبْعِ سِنِينَ مِنْ مُنَاحَبَتِهِمْ. وَقِيلَ: كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ.
- قال سعيد: والبضع ما دون العشر. قال: ثم ظهرت الروم بعد.
- قال: فذلك قوله تعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ إلى قوله: يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ.
- قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر.
- صححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وله شواهد أخرى منها:
- حديث نيار بن مكرم الأسلمي أخرجه الترمذي ٣١٩٤ وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث نيار بن مكرم لا نعرفه إلّا من حديث عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ وإسناده حسن في الشواهد لأجل ابن أبي الزناد.
- ومرسل قتادة عند الطبري ٢٧٨٧٤ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٣٣٣- ٣٣٤ وله شواهد أخرى وعامتها ضعيف، لكن هذه الروايات تعتضد بمجموعها، وانظر «الكشاف» ٨٣٦ و «أحكام القرآن» ١٨٣٧ بتخريجي.
(١) تصحف في المطبوع «شهرمان».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «بخين» والمثبت عن المخطوطتين.
(٤) في المطبوع «لنظهرن».
(٥) زيد في المطبوع «على ما».
وَكَانَ سَبَبُ غَلَبَةِ الروم فارسا على ما:
«١٦٤١» قال عكرمة وغيره: أن شهريراز بعد ما غلبت الروم لم يزل يطأهم وَيُخَرِّبُ مَدَائِنَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْخَلِيجَ، فَبَيْنَا أَخُوهُ فَرْخَانُ [١] جَالِسٌ ذَاتَ يوم يشرب إذ قال لِأَصْحَابِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ كَأَنِّي جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِ كِسْرَى، فَبَلَغَتْ كَلِمَتُهُ كسرى فكت إلى شهريراز إذ أتاك كتابي [هذا] [٢] فَابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِ فَرْخَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ مِثْلَ فَرْخَانَ إِنَّ لَهُ نِكَايَةً وَصَوْتًا فِي الْعَدُوِّ، فَلَا تفعل البتة، فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّ فِي رِجَالِ فارس خلفا منه، فعجل عليّ بِرَأْسِهِ فَرَاجَعَهُ فَغَضِبَ كِسْرَى وَلَمْ يجبه، وبعث يريد إِلَى أَهْلِ فَارِسَ أَنِّي قَدْ نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليم فرخان الملك، ثم رفع إِلَى الْبَرِيدِ صَحِيفَةً صَغِيرَةً أَمَرَهُ فِيهَا بِقَتْلِ شَهْرَيَرَازَ، وَقَالَ إِذَا وَلَّى فَرْخَانَ الْمُلْكَ وَانْقَادَ لَهُ أخوه فأعطه فلم اقرأ شَهْرَيَرَازُ الْكِتَابَ قَالَ سَمْعًا وَطَاعَةً، وَنَزَلَ عَنْ سَرِيرِهِ وَجَلَسَ فَرْخَانُ ورفع إليه الصحيفة [فلما قرأها] [٣] قال ائتوني بشهريراز فقدهم لِيُضْرَبَ عُنُقُهُ، فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ حَتَّى أَكْتُبَ وَصِيَّتِي، قَالَ: نَعَمْ فَدَعَا بِالسَّفَطِ فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَ صحائف وقال: كل هذا رجعت فِيكَ كِسْرَى وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي بِكِتَابٍ وَاحِدٍ، فَرَدَّ الْمُلْكَ إِلَى أَخِيهِ وَكَتَبَ شَهْرَيَرَازُ [٤] إِلَى قيصر ملك الرقوم إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً لَا تَحْمِلُهَا الْبُرُدُ وَلَا تُبَلِّغُهَا الصُّحُفُ فَالْقَنِي وَلَا تَلْقَنِي إِلَّا فِي خَمْسِينَ رُومِيًا فَإِنِّي أَلْقَاكَ فِي خَمْسِينَ فَارِسِيًّا، فَأَقْبَلَ قَيْصَرُ فِي خَمْسِمِائَةِ أَلْفِ رُومِيٍّ وَجَعَلَ يَضَعُ الْعُيُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الطُّرُقِ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ مُكِرَ بِهِ حَتَّى أَتَاهُ عُيُونُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا خَمْسُونَ رَجُلًا ثُمَّ بَسَطَ لَهُمَا فَالْتَقَيَا فِي قُبَّةِ دِيبَاجٍ ضُرِبَتْ لَهُمَا وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِكِّينٌ فَدَعَوَا بِتُرْجُمَانَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ شَهْرَيَرَازُ إِنَّ الَّذِينَ خَرَّبُوا مَدَائِنَكَ أَنَا وَأَخِي بِكَيْدِنَا وَشَجَاعَتِنَا وَإِنَّ كِسْرَى حَسَدَنَا وَأَرَادَ أَنْ أَقْتُلَ أَخِي فَأَبَيْتُ ثُمَّ أَمَرَ أَخِي أَنْ يَقْتُلَنِي، فَقَدْ خَلَعْنَاهُ جَمِيعًا فَنَحْنُ نُقَاتِلُهُ مَعَكَ، قَالَ قَدْ أَصَبْتُمَا ثُمَّ أَشَارَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ أَنَّ السِّرَّ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِذَا جَاوَزَ اثْنَيْنِ فَشَا فَقَتَلَا التُّرْجُمَانَ مَعًا بسكينهما فأديلت الروم على فارقس عِنْدَ ذَلِكَ فَاتَّبَعُوهُمْ يُقَتِّلُونَهُمْ، وَمَاتَ كِسْرَى وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية ففرح ون معه [بذلك] [٥] فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ.
أَيْ أَقْرَبِ أَرْضِ الشَّامِ إِلَى أَرْضِ فَارِسَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ أذرعات وكشكر، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرْضُ الْجَزِيرَةِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْأُرْدُنُ وَفِلَسْطِينُ. وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ، أَيْ الرُّومُ مِنْ بَعْدِ غَلَبَةِ فَارِسَ إِيَّاهُمْ، وَالْغَلَبُ والغلبة لغتان، سَيَغْلِبُونَ، فارس.
١٦٤١- أخرجه الطبري ٧٨٧٣ عن عكرمة به.
(١) في المطبوع «فرحان». [.....]
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) تصحف في المطبوع وقد تكرر «شهرمان».
(٥) زيادة عن المخطوط.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤ الى ٧]
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧)فِي بِضْعِ سِنِينَ، وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى السَّبْعِ، [وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ] [١].
وقيل: ما دون العشر. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ: «غَلَبَتْ» بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ، «سَيُغْلَبُونَ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِفَتْحِ اللَّامِ، وَقَالُوا نَزَلَتْ حِينَ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن غلبة الروم فارس، وَمَعْنَى الْآيَةِ: الم غَلَبَتِ الرُّومُ فارس فِي أَدْنَى الْأَرْضِ إِلَيْكُمْ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبَهِمْ سَيُغْلَبُونَ] [يَغْلِبُهُمُ] [٢] الْمُسْلِمُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ، وَعِنْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ فِي جِهَادِ الرُّومِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، مِنْ قَبْلِ دَوْلَةِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ وَمِنْ بَعْدِهَا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ كَانَ لَهُمُ الْغَلَبَةُ فَهُوَ بِأَمْرِ اللَّهُ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ.
بِنَصْرِ اللَّهِ، الرُّومَ عَلَى فَارِسَ، قَالَ السُّدِّيُّ: فَرِحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِظُهُورِهِمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ، يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ، الْغَالِبُ، الرَّحِيمُ، بِالْمُؤْمِنِينَ.
وَعْدَ اللَّهِ، نُصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ وَعَدَ اللَّهُ وَعْدًا بِظُهُورِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا، يعني أمر معايشهم [٣] كَيْفَ يَكْتَسِبُونَ وَيَتَّجِرُونَ وَمَتَى يَغْرِسُونَ وَيَزْرَعُونَ وَيَحْصُدُونَ وَكَيْفَ يَبْنُونَ وَيَعِيشُونَ، وقال الْحَسَنُ: إِنَّ أَحَدَهُمْ لِيَنْقُرُ الدِّرْهَمَ بِطَرَفِ ظُفْرِهِ فَيَذْكُرُ وَزْنَهُ وَلَا يخطىء وهو لا يحسن أن يُصَلِّي وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ، ساهون عنها جاهلون لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَلَا يَعْمَلُونَ لها.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٨ الى ١١]
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ، أَيْ لِلْحَقِّ، وَقِيلَ: لِإِقَامَةِ الْحَقِّ، وَأَجَلٍ مُسَمًّى، أَيْ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ إِذَا انْتَهَتْ إليه فنيت وهو [يوم] [٤] الْقِيَامَةُ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ.
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أو لم يُسَافِرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا إِلَى مَصَارِعِ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ فَيَعْتَبِرُوا، كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ، حرثوها وقلبوها للزراعة،
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «معاشهم».
(٤) زيادة عن المخطوط.
ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا، أي أساءوا الْعَمَلَ، السُّواى، يَعْنِي الْخَلَّةَ الَّتِي تسوؤهم وهي النار، وقيل: السوء اسْمٌ لِجَهَنَّمَ كَمَا أَنَّ الْحُسْنَى اسْمٌ لِلْجَنَّةِ، أَنْ كَذَّبُوا، أَيْ لأن كذبوا، وقيل تفسير السوء ما بعده وهو قول «أَنْ كَذَّبُوا» يَعْنِي ثُمَّ كَانَ عاقبة المسيئين التكذيب حملتهم تِلْكَ السَّيِّئَاتِ عَلَى أَنْ كَذَّبُوا، بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: «عَاقِبَةُ» بِالرَّفْعِ أَيْ ثُمَّ كَانَ آخِرُ أَمْرِهِمُ السُّوءَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ على خبر كان، وتقديره: ثم كان السوء عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، أَيْ يَخْلُقُهُمُ ابْتِدَاءً ثُمَّ يُعِيدُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ أَحْيَاءً، وَلَمْ يَقُلْ يُعِيدُهُمْ، رَدَّهُ إِلَى الْخَلْقِ، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، فَيَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ: «يُرْجَعُونَ» بِالْيَاءِ وَالْآخَرُونَ بالتاء.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٢ الى ١٨]
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦)
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢)، قَالَ قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ: يَيْأَسُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَنْقَطِعُ كَلَامُهُمْ وَحَجَّتُهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَفْتَضِحُونَ.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣)، جاحدين متبرئين يتبرؤون مِنْهَا وَتَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤)، أَيْ يَتَمَيَّزُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَتَفَرَّقُونَ بَعْدَ الْحِسَابِ إِلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَلَا يَجْتَمِعُونَ أَبَدًا.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ، وَهِيَ الْبُسْتَانُ الَّذِي فِي غَايَةِ النَّضَارَةِ، يُحْبَرُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكْرَمُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يُنَعَّمُونَ. وَقَالَ أبو عبيدة: يسرون، والحبرة السُّرُورُ، وَقِيلَ: الْحَبْرَةُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ نِعْمَةٍ حَسَنَةٍ وَالتَّحْبِيرُ التَّحْسِينُ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: تُحْبَرُونَ هُوَ السَّمَاعُ فِي الْجَنَّةِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا أَخَذَ فِي السَّمَاعِ لَمْ يَبْقَ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا وَرَدَّتْ، وَقَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْ إِسْرَافِيلَ، فَإِذَا أَخَذَ فِي السَّمَاعِ قَطَعَ أَهْلِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ صَلَاتَهُمْ وَتَسْبِيحَهُمْ.
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ، أَيْ الْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَسُبْحانَ اللَّهِ، أَيْ سبحوا الله و [قيل] [١] معناه صَلُّوا لِلَّهِ، حِينَ تُمْسُونَ، أَيْ
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يحمده أهل السموات وَالْأَرْضِ وَيُصَلُّونَ لَهُ، وَعَشِيًّا، أَيْ صَلُّوا لِلَّهِ عَشِيًا يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَحِينَ تُظْهِرُونَ، تَدْخُلُونَ فِي الظهيرة وهو الظُّهْرِ، قَالَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ تَجِدُ الصَّلَوَاتِ [١] الْخَمْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَرَأَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَقَالَ: جَمَعَتِ الْآيَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَمَوَاقِيتَهَا.
«١٦٤٢» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَنِ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ [فِي كُلِّ يَوْمٍ] [٢] مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ».
«١٦٤٣» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حفص التاجر ثنا السري بن خزيمة الأبيوردي [٣] ثنا المعلى بن أسد [٤] أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ سُمَّيٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ [عليه] [٥] ».
«١٦٤٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أنا
- أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بكر، مالك بن أنس، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٥٥ بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» ١/ ٢٠٩- ٢١٠ عن سمي به.
- وأخرجه البخاري ٦٤٠٥ ومسلم ٢٦٩١ والترمذي ٣٤٦٦ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٢٦ وابن ماجه ٣٨١٢ وأحمد ٢/ ٣٠٢ و٥١٥ وابن أبي شيبة ١٠/ ٢٩٠ وابن حبان ٨٢٩ من طرق عن مالك به.
١٦٤٣- صحيح. السري بن خزيمة قد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- سهيل هو ابن أبي صالح، سمي هو مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن الحارث، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٥٦ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٦٩٢ والترمذي ٣٤٦٩ والنسائي ٥٦٨ من طريق محمد بن عبد الملك عن عبد العزيز بن المختار به.
- وأخرجه أبو داود ٥٠٩١ وابن حبان ٨٦٠ من طريق روح بن القاسم عن سهيل به.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٣٧١ والحاكم ١/ ٥١٨ وابن حبان ٨٥٩ من طريق حمّاد بن سلمة عن سهيل.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٣٧١ والحاكم ١/ ٥١٨ وابن حبان ٨٥٩ من طريق حماد بن سلمة عن سهيل عن أبيه به.
١٦٤٤- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
(١) في المطبوع «صلاة».
(٢) ما بين الحاصرتين في المطبوع «في أول النهار وآخره». [.....]
(٣) تصحف في المطبوع «البيرودي».
(٤) تصحف في المطبوع «أسعد».
(٥) زيادة عن المخطوط.
«١٦٤٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ أَنَا علي بن المديني أنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ قال: سمعت كريبا أبارشدين يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ غَدَاةٍ مِنْ عِنْدِهَا وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةُ فَحَوَّلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمَّاهَا جُوَيْرِيَةَ، وَكْرِهَ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ برد، فَخَرَجَ وَهِيَ [٢] فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَعَ بعد ما تَعَالَى النَّهَارُ فَقَالَ: «مَا زِلْتِ فِي مَجْلِسِكِ هَذَا مُنْذُ خَرَجْتُ بعد؟ قالت: نعمه، فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كلمات ثلاث مرات لو [وزنّ كلماتك] [٣] لَوَزَنَتْهُنَّ:
سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَاءَ نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، ومداد كلماته».
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٩ الى ٢٣]
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣)
- وهو في «شرح السنة» ١٢٥٧ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٦٦٨٢ عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٤٠٦ و٧٥٦٣ ومسلم ٢٦٩٤ والترمذي ٣٤٦٧ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٣٠ وابن ماجه ٣٨٠٦ وأحمد ٢/ ٢٣٢ وابن أبي شيبة ١٠/ ٢٨٨ و٢٨٩ وابن حبان ٨٣١ و٨٤١ من طرق عن محمد بن فضيل به.
١٦٤٥- صحيح. حميد ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال الصحيح.
- فقد تفرد البخاري عن علي بن المديني، وتفرد مسلم عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وابن عيينة وكريب روى لهما الشيخان، فمثل هذا يصح أن يقال فيه: على شرط الصحيح، أي بعض رجاله رجال مسلم وآخرون رجال الخباري.
ابن عيينة هوسفيان، كريب هـ وابن أبي مسلم.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٦٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٧٢٦ ح ٧٩ وأبو داود ١٥٠٣ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ١٦١ وأحمد ١/ ٢٥٨ وابن حبان ٨٣٢ من طرق عن ابن عيينة به.
- وأخرجه الترمذي ٣٥٥٥ والنسائي ٣/ ٧٧ وفي «اليوم والليلة» ١٦٣ و١٦٤ وابن حبان ٨٢٨ من طرق عن شعبة عن محدم بن عبد الرحمن به.
- وأخرجه مسلم ٢٧٢٦ وابن ماجه ٣٨٠٨ والنسائي ١٦٥ من طريقين عن مسعر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
- وأخرجه أحمد ١/ ٣٥٣ من طريق المسعودي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع «وهو».
(٣) عبارة المطبوع «وزنت بما قلت منذ اليوم».
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ، أَيْ خَلَقَ أَصْلَكُمْ يَعْنِي آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ، تَنْبَسِطُونَ فِي الْأَرْضِ.
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً، مِنْ جِنْسِكُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقِيلَ: خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ، لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، جَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ فَهُمَا يَتَوَادَّانِ وَيَتَرَاحَمَانِ وَمَا شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ رَحِمٍ بَيْنَهُمَا، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ.
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ، يَعْنِي اخْتِلَافَ اللُّغَاتِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَلْوانِكُمْ، أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ وَأَحْمَرَ وَأَنْتُمْ وَلَدُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ، قَرَأَ حَفْصٌ: «لِلْعَالِمِينَ» بِكَسْرِ اللَّامِ.
وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ، أَيْ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ بِالنَّهَارِ أَيْ تَصَرُّفُكُمْ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ، سماع تدبر واعتبار.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٢٤ الى ٢٧]
وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)
وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً، للمسافر ن الصَّوَاعِقِ، وَطَمَعاً، لِلْمُقِيمِ فِي الْمَطَرِ. وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ، يَعْنِي بِالْمَطَرِ، الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، أَيْ بَعْدَ يَبَسِهَا وَجُدُوبَتِهَا، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَامَتَا عَلَى غَيْرِ عَمَدٍ بأمره. وقيل:
يدوم قيامهما بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنَ الْقُبُورِ، إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ، مِنْهَا وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ مِنَ الْأَرْضِ.
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ، مُطِيعُونَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: هَذَا خَاصٌ لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُطِيعًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلٌّ لَهُ مُطِيعُونَ فِي الحياد وَالْبَقَاءِ وَالْمَوْتِ وَالْبَعْثِ وَإِنْ عَصَوْا في العبادة.
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، يَخْلُقُهُمْ أَوَّلًا ثم يعيده مبعد الْمَوْتِ لِلْبَعْثِ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، قال الربعي بن خيثم و [الحسن و] [١] قتادة وَالْكَلْبِيُّ: أَيْ هُوَ هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَمَا شَيْءٌ عَلَيْهِ بِعَزِيزٍ، وَهُوَ [في] [٢] رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ يَجِيءُ أَفْعَلُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ كقول الفرزدق:
(٢) زيادة عن المخطوط.
أَيْ عَزِيزَةٌ طَوِيلَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أَيْ أَيْسَرُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ ضرب لامثل أَيْ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَقَعُ فِي عُقُولِكُمْ، فَإِنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي عُقُولِ النَّاسِ أَنَّ الْإِعَادَةَ تَكُونُ أَهْوَنَ مِنَ الْإِنْشَاءِ، [أَيْ الِابْتِدَاءِ] [١]، وَقِيلَ: هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ عِنْدَكُمْ. وَقِيلَ: هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْخَلْقِ يَقُومُونَ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا نُطَفًا ثم علقا ثم مضغا إليب أَنْ يَصِيرُوا رِجَالًا وَنِسَاءً، وَهَذَا معين رواية ابن حيان عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى، أَيِ الصِّفَةُ الْعُلْيَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ هِيَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [٢] وَهُوَ الْعَزِيزُ، فِي مُلْكِهِ، الْحَكِيمُ، فِي خَلْقِهِ.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠)
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ، أَيْ بَيَّنَ لَكُمْ شَبَهًا بِحَالِكُمُ، وذلك المثل من أنفسك ثُمَّ بَيَّنَ الْمَثَلَ فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أَيْ عَبِيدُكُمْ وَإِمَائِكُمْ، مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ، مِنَ الْمَالِ، فَأَنْتُمْ، وَهُمْ، فِيهِ سَواءٌ، أَيْ [فيما] [٣] شرع [سَوَاءٌ] [٤] أَيْ هَلْ يُشَارِكُكُمْ عَبِيدُكُمْ فِي أَمْوَالِكُمُ الَّتِي أَعْطَيْنَاكُمْ، تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ تَخَافُونَ أَنْ يُشَارِكُوكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ وَيُقَاسِمُوكُمْ كَمَا يَخَافُ الْحُرُّ شَرِيكَهُ الْحُرَّ فِي الْمَالِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ فِيهِ بِأَمْرٍ دُونَهُ وَكَمَا يَخَافُ الرَّجُلُ شَرِيكَهُ فِي الْمِيرَاثِ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَخَافُونَهُمْ أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَإِذَا لم [٥] تخافوا هذا من مماليككم [٦] وَلَمْ تَرْضَوْا ذَلِكَ لِأَنْفُسِكُمْ فَكَيْفَ رَضِيتُمْ أَنْ تَكُونَ آلِهَتُكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا شُرَكَائِي وَهُمْ عَبِيدِي، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَنْفُسِكُمْ أَيْ أَمْثَالَكُمْ مِنَ الْأَحْرَارِ كَقَوْلِهِ: ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً [النُّورِ: ١٢] أَيْ بِأَمْثَالِهِمْ، كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، يَنْظُرُونَ إِلَى هَذِهِ الدَّلَائِلِ بِعُقُولِهِمْ.
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا، أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، أَهْواءَهُمْ، فِي الشِّرْكِ، بِغَيْرِ عِلْمٍ، جَهْلًا بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ، أَيْ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ، ما نعين يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ، أَيْ أَخْلِصْ دِينَكَ لِلَّهِ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِقَامَةُ الوجه وإقامة
(٢) في المطبوع «هو».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٥) كذا في المخطوطتين والنسخ، وفي العبارة نظر، ولعل الصواب «فإذا كنتم... ».
(٦) تصحف في المطبوع «ماليككم».
«١٦٤٦» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ [مُحَمَّدِ بْنِ] [١] مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أحدم بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُولَدُ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كما تنتج الْبَهِيمَةَ هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ».
«١٦٤٧» وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَزَادَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هريرة اقرؤوا إن شئتم فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قَوْلُهُ: «مَنْ يُولَدُ يُولَدُ عَلَى الفطر» ةيعني عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الْأَعْرَافِ: ١٧٢]، وَكُلُّ مَوْلُودٍ فِي الْعَالَمِ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْحَنِيفِيَّةُ الَّتِي وَقَعَتِ الْخِلْقَةُ عَلَيْهَا وإن عبد غيره كما قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزُّخْرُفِ: ٨٧]، وَقَالُوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزُّمَرِ: ٣]، وَلَكِنْ لَا عِبْرَةَ بِالْإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ الم. مور به المكتب بِالْإِرَادَةِ وَالْفِعْلِ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ»، فَهُوَ مَعَ وُجُودِ الْإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ فِيهِ مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ، وَهَذَا معنى:
- عبد الرزاق بن همّام، معمر بن راشد.
- وهو في «شرح السنة» ٨٣ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٥٩٩ ومسلم ٢٦٥٨ ح ٢٤ وأحمد ٢/ ٣١٥ من طرق عن عبد الرزاق به.
وانظر ما بعده.
١٦٤٧- صحيح. أخرجه مسلم ٢٦٥٨ وأحمد ٢/ ٢٧٥ وابن حبان ١٣٠ من طرق عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عن الزهري به.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» برقم ٢٠٠٨٧.
- أخرجه مسمل ٢٦٥٨ وأحمد ٢/ ٢٣٣ من طريقين عن الزهري به.
- وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» ٣/ ٣٠٨ من طريق قتادد عن ابن المسيب به.
- وورد من وجه آخر مختصرا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا «كل مولود يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وينصرانه، ويمجّسانه».
أخرجه البخار ٠ ١٣٥٨ و١٣٥٩ و١٣٨٥ و٤٧٧٥ ومسلم ٢٦٥٨ وأحمد ٢/ ٣٩٣ وابن حبان ١٢٨.
- وورد أيضا من طريق الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أبي هريرة باللفظ المذكور آنفا عند مسلم ٢٦٥٨ ح ٢٣ والترمذي ٢١٣٨ وأحمد ٢/ ٢٥٣ و٤٨١ والطيالسي ٢٤٣٣ وأبو نعيم في «الحلية» ٩/ ٩٦ والمصنف في «شرح السنة» ٨٤.
(١) زيادة عن المخطوط.
وَيُحْكَى [مَعْنَى] [١] هَذَا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ إِنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى فِطْرَتِهِ أَيْ عَلَى خِلْقَتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى من السعادة والشقاوة فَكُلٌّ مِنْهُمْ صَائِرٌ فِي الْعَاقِبَةِ إِلَى مَا فُطِرَ عَلَيْهَا [وَعَامِلٌ] [٢] فِي الدُّنْيَا بِالْعَمَلِ الْمُشَاكِلِ لَهَا فنم أَمَارَاتِ الشَّقَاوَةِ لِلطِّفْلِ أَنْ يُولَدَ بَيْنَ يَهُودِيَّيْنِ أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ فَيَحْمِلَانِهِ لِشَقَائِهِ عَلَى اعْتِقَادِ دِينِهِمَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ فِي مَبْدَأِ الْخِلْقَةِ عَلَى الْفِطْرَةِ أَيْ عَلَى الْجِبِلَّةِ السَّلِيمَةِ وَالطَّبْعِ الْمُتَهَيِّئِ لِقَبُولِ الدِّينِ فَلَوْ تُرِكَ عَلَيْهَا لَاسْتَمَرَّ عَلَى لُزُومِهَا لِأَنَّ هذا الدين موجد حُسْنُهُ فِي الْعُقُولِ وَإِنَّمَا [٣] يَعْدِلُ عَنْهُ مَنْ يَعْدِلُ إِلَى غَيْرِهِ لآفة النُّشُوءِ وَالتَّقْلِيدِ فَلَوْ سَلِمَ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ لَمْ يَعْتَقِدْ غَيْرَهُ، ثُمَّ يَتَمَثَّلُ بِأَوْلَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَاتِّبَاعِهِمْ لِآبَائِهِمْ وَالْمَيْلِ إِلَى أَدْيَانِهِمْ فيزلون بذلك عن الفطرة السليمة والحجة الْمُسْتَقِيمَةِ، ذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي كِتَابِهِ. قَوْلُهُ: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ فنم حَمَلَ الْفِطْرَةَ عَلَى الدِّينِ قَالَ مَعْنَاهُ لَا تَبْدِيلَ لِدِينِ اللَّهِ فهو خبر مبعنى النَّهْيِ أَيْ لَا تُبَدِّلُوا دِينَ الله، قاله [٤] مجاهد وإبراهيم، ومعنى الْآيَةِ الْزَمُوا فِطْرَةَ اللَّهِ أَيْ دين الله واتبعوا وَلَا تُبَدِّلُوا التَّوْحِيدَ بِالشِّرْكِ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، الْمُسْتَقِيمُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، وَقِيلَ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أَيْ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنَ السَّعَادَةِ والشقوة لا يبدل فَلَا يَصِيرُ السَّعِيدُ شَقِيًّا وَلَا الشَّقِيُّ سَعِيدًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: معناه تحريم إخصاء البهائم.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٣١ الى ٣٣]
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣)
مُنِيبِينَ أَيْ فَأَقِمْ وَجْهَكَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ منيبين إليه لأن المخاطبة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدخل مَعَهُ فِيهَا الْأُمَّةُ كَمَا قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الطَّلَاقِ: ١]، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، أَيْ رَاجِعِينَ إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ مُقْبِلِينَ إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ، وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً أَيْ صَارُوا فِرَقًا مُخْتَلِفَةً وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، أَيْ رَاضُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ، قَحْطٌ وَشِدَّةٌ، دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، مُقْبِلِينَ إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ، ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً، خِصْبًا وَنِعْمَةً، إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٣٤ الى ٣٩]
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨)
وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) تصحف في المطبوع «وإنها».
(٤) تصحف في المطبوع «قال».
أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حُجَّةً وَعُذْرًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: كِتَابًا، فَهُوَ يَتَكَلَّمُ، يَنْطِقُ، بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ، أَيْ يَنْطِقُ بِشِرْكِهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ.
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً، أَيْ الْخِصْبَ وَكَثْرَةَ الْمَطَرِ، فَرِحُوا بِها، يَعْنِي فَرَحَ الْبَطَرِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ، أَيِ الْجَدْبُ وَقِلَّةُ الْمَطَرِ وَيُقَالُ الْخَوْفُ وَالْبَلَاءُ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، مِنَ السَّيِّئَاتِ، إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ، يَيْأَسُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَهَذَا خِلَافُ وَصْفِ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَشْكُرُ اللَّهَ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَيَرْجُو رَبَّهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ.
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ، من الْبِرَّ وَالصِّلَةَ، وَالْمِسْكِينَ، وَحَقُّهُ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَابْنَ السَّبِيلِ، يَعْنِي الْمُسَافِرَ، وَقِيلَ: هُوَ الضَّعِيفُ، ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ يَطْلُبُونَ ثَوَابَ اللَّهِ بِمَا يَعْمَلُونَ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: «أَتَيْتُمْ» مَقْصُورًا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْمَدِّ أَيْ أَعْطَيْتُمْ، فمن قَصَرَ فَمَعْنَاهُ مَا جِئْتُمْ مِنْ ربا ومجيئهم ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْطَاءِ كَمَا يقول أَتَيْتُ خَطَئًا وَأَتَيْتُ صَوَابًا فَهُوَ يُؤَوَّلُ فِي الْمَعْنَى [١] إِلَى قَوْلِ مَنْ مَدَّ. لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَعْقُوبُ لِتُرْبُوا بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا وَسُكُونِ الْوَاوِ عَلَى الْخِطَابِ أَيْ لِتُرْبُوا أَنْتُمْ وَتَصِيرُوا ذَوِي زِيَادَةٍ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَفَتْحِهَا، وَنَصْبِ الْوَاوِ وَجَعَلُوا الْفِعْلَ لِلرِّبَا لقوله: فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ، فِي أَمْوَالِ النَّاسِ أَيْ فِي اخْتِطَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَاجْتِذَابِهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ.
فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ الرَّجُلُ يُعْطِي غَيْرَهُ الْعَطِيَّةَ ليثيبه أَكْثَرَ مِنْهَا فَهَذَا جَائِزٌ حَلَالٌ ولكن لا يثاب عليها فِي الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عزّ وجلّ فلا يربو عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ هَذَا حَرَامًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [الْمُدَّثِّرِ: ٦]، أَيْ لَا تُعْطِ وَتَطْلُبْ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْتَ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: هُوَ الرَّجُلُ يُعْطِي صَدِيقَهُ أَوْ قَرِيبَهُ لِيُكْثِرَ مَالَهُ وَلَا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ الرَّجُلُ يَلْتَزِقُ بِالرَّجُلِ فَيَخْدِمُهُ وَيُسَافِرُ مَعَهُ فَيَجْعَلُ لَهُ رِبْحَ مَالِهِ الْتِمَاسَ عَوْنِهِ لوجه الله فلا يربو عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ، أَعْطَيْتُمْ مِنْ صدقة
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤٠ الى ٤٢]
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، يَعْنِي قَحْطَ الْمَطَرِ وَقِلَّةَ النَّبَاتِ وَأَرَادَ بِالْبَرِّ الْبَوَادِيَ وَالْمَفَاوِزَ وَبِالْبَحْرِ الْمَدَائِنَ وَالْقُرَى الَّتِي هِيَ عَلَى الْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: الْعَرَبُ تُسَمِّي الْمِصْرَ بَحْرًا تَقُولُ [١] أَجْدَبَ الْبَرُّ وَانْقَطَعَتْ مَادَّةُ الْبَحْرِ، بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ، أَيْ بِشُؤْمِ ذُنُوبِهِمْ، وَقَالَ عَطِيَّةُ وَغَيْرُهُ: الْبَرُّ ظهر الأرض الأمصار وغيرها والبحر هُوَ الْبَحْرُ الْمَعْرُوفُ وَقِلَّةُ الْمَطَرِ كَمَا تُؤَثِّرُ فِي الْبَرِّ تُؤَثِّرُ في البحر فتخلو أَجْوَافُ الْأَصْدَافِ [لِأَنَّ الصَّدَفَ] [٢] إِذَا جَاءَ الْمَطَرُ يَرْتَفِعُ إِلَى وَجْهِ الْبَحْرِ وَيَفْتَحُ فَاهُ فَمَا يَقَعُ فِي فِيهِ مِنَ الْمَطَرِ صَارَ لُؤْلُؤًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ قَتْلُ أحد بني آدَمَ أَخَاهُ، وَفِي الْبَحْرِ غَصْبُ الملك الجائر السفينة، وقال الضَّحَّاكُ: كَانَتِ الْأَرْضُ خَضِرَةً مُونِقَةً لَا يَأْتِي ابْنُ آدَمَ شَجَرَةً إِلَّا وَجَدَ عَلَيْهَا ثَمَرَةً وَكَانَ ماء البحر عذبا وكان يَقْصِدُ الْأَسَدُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، فَلَمَّا قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ اقْشَعَرَّتِ الْأَرْضُ وَشَاكَتِ الْأَشْجَارُ وَصَارَ مَاءُ الْبَحْرِ مِلْحًا زُعَافًا وَقَصَدَ الْحَيَوَانُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَضَلَالَةً، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ رَاجِعُونَ مِنَ النَّاسِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ مِنَ الْمَعَاصِي، يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ، لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا، أَيْ عُقُوبَةَ بَعْضِ الَّذِي عَمِلُوا مِنَ الذُّنُوبِ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، عَنِ الْكُفْرِ وَأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ.
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ، لِتَرَوْا مَنَازِلَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمْ خَاوِيَةً، كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ، فأهلكوا بكفرهم.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤٣ الى ٤٨]
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ، الْمُسْتَقِيمِ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى رَدِّهِ مِنَ اللَّهِ، يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ، أَيْ يَتَفَرَّقُونَ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وفريق في السعير.
(٢) زيادة عن المخطوط.
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ، قَالَ ابن عباس: لِيُثِيبَهُمُ اللَّهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ، تُبَشِّرُ بِالْمَطَرِ، وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، نِعْمَةَ الْمَطَرِ وَهِيَ الْخِصْبُ، «وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ في البحر»، بِهَذِهِ الرِّيَاحِ، بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، ولتطلبوا مِنْ رِزْقِهِ بِالتِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، رَبَّ هَذِهِ النِّعَمِ.
قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ
، بِالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ عَلَى صِدْقِهِمْ، انْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
، عَذَّبْنَا الَّذِينَ كذبوهم، كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
، وَإِنْجَاؤُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، فَفِي هَذَا تَبْشِيرٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظَّفَرِ فِي الْعَاقِبَةِ وَالنَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ، قَالَ الْحَسَنُ: أَنْجَاهُمْ مَعَ الرُّسُلِ مِنْ عَذَابِ الْأُمَمِ.
«١٦٤٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ أَنَا أَبُو جعفر
- إسناده ضعيف، وله علتان، جهالة أبي الشيخ الحراني حيث لم أجد له ترجمة، وضعف ليث لكن للحديث طرق وشواهد دون ذكر الآية.
- وهو في «شرح السنة» ٣٤٢٢ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٧٦٣٦ من طريق جرير عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سَلِيمٍ به.
- وأخرجه أحمد ٦/ ٤٤٩ وابن أبي الدنيا في «الصمت» ٢٣٩ من طريقين عن ليث به وليس فيه ذكر الآية.
- وأخرجه الترمذي ١٩٣١ وأحمد ٦/ ٤٥٠ وابن أبي الدنيا في «الصمت» ٢٥٠ من طريق ابن المبارك عن أبي بكر النهشلي عن مرزوق أبي بكر عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدرداء به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
- وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» ٨/ ٥٧٦ والبيهقي في «الشعب» ٧٦٣٤ من طريق الحكم عن ابن أبي الدرداء عن أبيه به، وفي إسناده ابن أبي ليلى، وهو محمد بن عبد الرحمن الفقيه سيىء الحفظ.
وللحديث شواهد منها:
- حديث أسماء بن يزيد أخرجه أحمد ٦/ ٤٦١ وابن عدي ٤/ ٣٢٨ وابن أبي الدنيا في «الصمت» ٢٤٠ وابن المبارك ٦٨٧ وأبو نعيم في «الحلية» ٦/ ٦٧ والطبراني في «الكبير» ٢٤/ (٤٤١) من طرق عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عنها.
- وإسناده ضعيف، لضعف عبيد الله.
- وحديث معاذ بن أنس، أخرجه أبو داود ٤٨٨٣ وأحمد ٣/ ٤٤١ وابن أبي الدنيا ٢٤٨ والبغوي في «شرح السنة» ٣٤٢١ وإسناده ضعيف.
- وحديث أنس، أخرجه ابن أبي الدنيا ٢٤٠ وإسناده ضعيف.
- وحديث جابر وأبي طلحة بن سهل، أخرجه أبو داود ٤/ ٢٧١ وأحمد ٤/ ٣٠ والبغوي ٣٤٢٥ وابن أبي الدنيا ٢٤١ وأبو نعيم ٨/ ١٨٩ وإسناده ضعيف.
- الخلاصة: هو حديث حسن بطرقه وشواهده، دون ذكر الآية لم يروا إلّا من وجه ضعيف، والأشبه أنه مدرج من كلام أحد الرواة. [.....]
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً، أَيْ يَنْشُرُهُ، فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ، مَسِيرَةَ يَوْمٍ أَوْ يومين أو أكثر على ما يَشَاءُ، وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً، قِطَعًا مُتَفَرِّقَةً، فَتَرَى الْوَدْقَ، الْمَطَرَ، يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ، وَسَطِهِ، فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ، أي الودق، مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، يفرحون بالمطر.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٤٩ الى ٥٤]
وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤)
وَإِنْ كانُوا، وَقَدْ كَانُوا، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ، أي آيسين، قيل: وَإِنْ كَانُوا أَيْ وَمَا كَانُوا إِلَّا مُبْلِسِينَ، وَأَعَادَ قَوْلَهُ مِنْ قَبْلِهِ تَأْكِيدًا، وَقِيلَ: الْأُولَى تَرْجِعُ إِلَى إِنْزَالِ الْمَطَرِ وَالثَّانِيَةُ إِلَى إِنْشَاءِ السَّحَابِ.
وَفِي حَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ لِمُبْلِسِينَ»، غَيْرَ مُكَرَّرٍ.
فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ، هَكَذَا قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَأَبُو بَكْرٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: «إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ»، عَلَى الْجَمْعِ أَرَادَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ الْمَطَرَ أَيِ انْظُرْ إِلَى حُسْنِ تَأْثِيرِهِ في الأرض، قال مُقَاتِلٌ: أَثَرُ رَحْمَةِ اللَّهِ أَيْ نعمته وفي النبت [وإخراج الثمر منه] [٢]، كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى، يَعْنِي إِنَّ ذَلِكَ الَّذِي يُحْيِي الْأَرْضَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً، بَارِدَةً مُضِرَّةً فَأَفْسَدَتِ الزرع، فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا أي والنبت وَالزَّرْعَ مُصْفَرًّا بَعْدَ الْخُضْرَةِ، لَظَلُّوا، لصاروا، مِنْ بَعْدِهِ مِنْ بَعْدِ اصْفِرَارِ الزَّرْعِ، يَكْفُرُونَ، يَجْحَدُونَ مَا سَلَفَ مِنَ النِّعْمَةِ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَفْرَحُونَ عِنْدَ الْخِصْبِ وَلَوْ أَرْسَلْتُ عَذَابًا عَلَى زَرْعِهِمْ جَحَدُوا سَالِفَ نِعْمَتِي.
فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢).
وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣).
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، قرىء بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا، فَالضَّمُّ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَالْفَتْحُ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَمَعْنَى مِنْ ضَعْفٍ أَيْ مِنْ نُطْفَةٍ يُرِيدُ مِنْ ذِي ضَعْفٍ أَيْ مِنْ مَاءٍ ذِي ضَعْفٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ [الْمُرْسَلَاتِ: ٢٠]، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً أي من بعد ضعف الطفولة شَبَابًا وَهُوَ وَقْتُ الْقُوَّةِ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً [هَرَمًا] [٣] وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشاءُ، من الضعف والقوة والشباب
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٥٥ الى ٦٠]
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٥٩)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ، يَحْلِفُ الْمُشْرِكُونَ، مَا لَبِثُوا، فِي الدُّنْيَا، غَيْرَ ساعَةٍ، إِلَّا سَاعَةً اسْتَقَلُّوا أَجَلَ الدُّنْيَا لَمَّا عَايَنُوا الْآخِرَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: مَا لَبِثُوا فِي قُبُورِهِمْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَمَا قَالَ: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ [الْأَحْقَافِ: ٣٥]. كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ، يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَمَا كَذَبُوا فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا بَعْثَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَفْضَحَهُمْ فَحَلَفُوا عَلَى شيء يتبين لِأَهْلِ الْجَمْعِ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِيهِ، وكان ذلك بقضاء الله وقدره بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: يُؤْفَكُونَ أَيْ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ، ثُمَّ ذَكَرَ إِنْكَارَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ كَذِبَهُمْ فَقَالَ:
وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ، أَيْ فِيمَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ مِنَ اللُّبْثِ فِي الْقُبُورِ، وَقِيلَ: فِي كِتَابِ اللَّهِ أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تقديره:
وَقَالَ الَّذِينَ [أُوتُوا الْعِلْمَ] [١] فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ لَقَدْ لَبِثْتُمْ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ يَعْنِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَقَرَأُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٠]، أَيْ قَالُوا لِلْمُنْكِرِينَ [٢] لَقَدْ لَبِثْتُمْ، إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ، الَّذِي كُنْتُمْ تُنْكِرُونَهُ فِي الدُّنْيَا، وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، وُقُوعَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَنْفَعُكُمُ الْعِلْمُ بِهِ الْآنَ بِدَلِيلِ:
قَوْلِهِ تَعَالَى: فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ، يَعْنِي عُذْرَهُمْ، وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، لَا يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْعُتْبَى وَالرُّجُوعُ إلى الدنيا، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: «لَا يَنْفَعُ» بِالْيَاءِ هَاهُنَا وَفِي حم الْمُؤْمِنِ [وافق نَافِعٌ فِي حم الْمُؤْمِنِ] [٣]، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ فِيهِمَا.
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (٥٨)، مَا أَنْتُمْ إِلَّا عَلَى بَاطِلٍ.
كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٥٩) تَوْحِيدَ اللَّهِ.
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، فِي نُصْرَتِكَ وَإِظْهَارِكَ على عدوك وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ، ولا يَسْتَجْهِلَنَّكَ مَعْنَاهُ لَا يَحْمِلَنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ عَلَى الْجَهْلِ وَاتِّبَاعِهِمْ فِي الْغَيِّ وَقِيلَ لَا يَسْتَخِفَّنَّ رَأْيَكَ وَحِلْمَكَ، الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ، بالبعث والحساب.
(٢) في المطبوع «للمتكبرين».
(٣) زيادة عن المخطوط.