تفسير سورة محمد

تفسير البغوي
تفسير سورة سورة محمد من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي .
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ

كما جهدوا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ، أَيْ وَلَا تَسْتَعْجِلِ الْعَذَابَ لَهُمْ، فَإِنَّهُ نَازِلٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ، كَأَنَّهُ ضَجَرَ بَعْضَ الضَّجَرِ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْزِلَ الْعَذَابُ بِمَنْ أَبَى مِنْهُمْ، فَأُمِرَ بِالصَّبْرِ وَتَرَكِ الِاسْتِعْجَالِ، ثُمَّ أُخْبِرَ عَنْ قُرْبِ الْعَذَابِ فَقَالَ: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ، مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ، لَمْ يَلْبَثُوا، فِي الدُّنْيَا، إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ، أَيْ إِذَا عَايَنُوا الْعَذَابَ صَارَ طُولُ لُبْثِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ كَأَنَّهُ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، لِأَنَّ مَا مَضَى وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ قَالَ: بَلاغٌ، أَيْ هَذَا الْقُرْآنُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ بَلَاغٌ مِنَ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، وَالْبَلَاغُ بِمَعْنَى التَّبْلِيغِ، فَهَلْ يُهْلَكُ، بِالْعَذَابِ إِذَا نَزَلَ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ، الْخَارِجُونَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: تَأْوِيلُهُ لَا يَهْلَكُ مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ، وَلِهَذَا قَالَ قَوْمٌ: مَا فِي الرَّجَاءِ لِرَحْمَةِ اللَّهِ آيَةٌ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الآية.
سورة محمد
مدينة وهي ثمان وثلاثون آية
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١)، أَبْطَلَهَا فَلَمْ يَقْبَلْهَا وَأَرَادَ بِالْأَعْمَالِ مَا فَعَلُوا مِنْ إِطْعَامِ الطَّعَامِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، قَالَ الضَّحَّاكُ: أَبْطَلَ كَيْدَهُمْ وَمَكْرَهُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ الدَّائِرَةَ عَلَيْهِمْ.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يَعْنِي لَمْ يُخَالِفُوهُ فِي شَيْءٍ، وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
مُشْرِكُو مَكَّةَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الْأَنْصَارُ. كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ، حَالَهُمْ قَالَ ابْنُ عباس رضي الله عَنْهُمَا عَصَمَهُمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْإِصْلَاحَ يَعُودُ إِلَى إِصْلَاحِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى لَا يَعْصُوا.
ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ، الشَّيْطَانَ، وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ، يَعْنِي الْقُرْآنَ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ، أَشْكَالَهُمْ، قَالَ الزَّجَّاجُ: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ أَمْثَالَ حَسَنَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِضْلَالِ أَعْمَالِ الْكَافِرِينَ.
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ، نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيْ فَاضْرِبُوا رِقَابَهُمْ يَعْنِي أَعْنَاقَهُمْ. حَتَّى
208
إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ
، بالغنم فِي الْقَتْلِ وَقَهَرْتُمُوهُمْ، فَشُدُّوا الْوَثاقَ، يَعْنِي فِي الْأَسْرِ حَتَّى لَا يُفْلِتُوا مِنْكُمْ، وَالْأَسْرُ يَكُونُ بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقَتْلِ، كَمَا قَالَ: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الْأَنْفَالِ: ٦٧]، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً، يَعْنِي بَعْدَ أَنْ تَأْسِرُوهُمْ فَإِمَّا أَنْ تَمُنُّوا [١] عَلَيْهِمْ مَنًّا بِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَإِمَّا أَنْ تُفَادُوهُمْ فِدَاءً، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ:
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ [الْأَنْفَالِ: ٥٧]، وَبِقَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التَّوْبَةِ: ٥]، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالُوا: لَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي الْأَسْرِ مِنَ الْكُفَّارِ وَلَا الْفِدَاءُ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ وَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ في الرجال البالغين [٢] مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا وَقَعُوا فِي الْأَسْرِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ أَوْ يَسْتَرِقَّهُمْ أَوْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ فَيُطْلِقُهُمْ بِلَا عِوَضٍ أَوْ يُفَادِيهِمْ بِالْمَالِ، أَوْ بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأُسَارَى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَالِاخْتِيَارُ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ.
«١٩٣٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عبد الله بن يوسف ثنا الليث ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بن أثال سيد أهل اليمامة فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم فقال: وماذا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي يا محمد خير إن تقتلني [٣] تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ [٤] تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ ما شئت، فتركه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حَتَّى كَانَ الْغَدُ، فَقَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: ما عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تنعم تنعم على شاكر، فتركه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم:
«أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ»، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أحبّ الوجوه كلها إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فأصبح دينك أحبّ الدين كله
١٩٣٣- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- سعيد هو المقبري، الليث هو ابن سعد.
- وهو في «شرح السنة» ٢٧٠٦ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٣٧٢ عن عبد الله بن يوسف بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٤٦٢ و٢٤٢٢ ومسلم ١٧٦٤ وأبو داود ٢٦٧٩ والنسائي ١/ ١٠٩- ١١٠ وأحمد ٢/ ٤٥٣ وابن خزيمة ٢٥٢ والبيهقي ١/ ١٧١ وفي «دلائل النبوة» ٤/ ٧٨ من طرق عن الليث به.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٢٤٦ و٢٤٧ من طريق ابن عجلان عن سعيد المقبري به.
- وأخرجه مسلم ١٧٦٤ ح ٦٠ والبيهقي في «الدلائل» ٤/ ٧٩ من طريقين عن سعيد المقبري به.
- وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ٤/ ٨١ من طريق ابن إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي هريرة.
(١) في المطبوع «تمنعوا» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «العاقلين» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «تقتل» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٤) زيد في المخطوط (ب) «علي». [.....]
209
إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلها إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ أَصَبَوْتَ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ أَسْلَمَتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«١٩٣٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ أَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَأَوْثَقُوهُ، وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَدَاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ.
قوله تعالى: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها، أَيْ أَثْقَالَهَا وَأَحْمَالَهَا، يَعْنِي حَتَّى تَضَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ السِّلَاحَ [١]، فَيُمْسِكُوا عَنِ الحرب، وأصل الوزر، ما يحمله [٢] الْإِنْسَانُ فَسَمَّى الْأَسْلِحَةَ أَوْزَارًا لِأَنَّهَا تُحْمَلُ، وَقِيلَ: الْحَرْبُ هُمُ الْمُحَارِبُونَ كالسرب [٣] وَالرَّكْبِ، وَقِيلَ: الْأَوْزَارُ الْآثَامُ، وَمَعْنَاهُ حَتَّى يَضَعَ الْمُحَارِبُونَ آثَامَهَا، بِأَنْ يَتُوبُوا مِنْ كَفْرِهِمْ فَيُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَقِيلَ: حَتَّى تَضَعَ حَرْبُكُمْ وَقِتَالُكُمْ أَوْزَارَ الْمُشْرِكِينَ وَقَبَائِحَ أَعْمَالِهِمْ بِأَنْ يُسْلِمُوا، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَثْخِنُوا الْمُشْرِكِينَ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ حَتَّى يَدْخُلَ أَهْلُ الْمِلَلِ كُلِّهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ جِهَادٌ وَلَا قِتَالٌ، وَذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مريم عليه [٤] السَّلَامُ.
«١٩٣٥» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ [٥] آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُسَالِمُوا وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَتَّى لا يبق إِلَّا مُسْلِمٌ أَوْ مُسَالِمٌ. ذلِكَ، الَّذِي ذَكَرْتُ وَبَيَّنْتُ مِنْ حُكْمِ الْكُفَّارِ، وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَهُمْ وَكَفَاكُمْ أَمْرَهُمْ بِغَيْرِ قتال، وَلكِنْ، أمركم بالقتال، لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ، فَيَصِيرُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الثَّوَابِ وَمَنْ قَتَلَ مِنَ الْكَافِرِينَ إِلَى الْعَذَابِ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَحَفْصٌ: قُتِلُوا بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ التَّاءِ خَفِيفٌ، يَعْنِي الشُّهَدَاءَ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ قَاتَلُوا بِالْأَلْفِ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ، وَهُمُ الْمُجَاهِدُونَ، فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ، قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أنزلت يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدْ فَشَتْ فِي المسلمين الجراحات والقتل.
١٩٣٤- إسناده صحيح. الشافعي ثقة إمام ومن دونه ثقات. وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم غير أبي المهلب تفرد عنه مسلم.
- الربيع هو ابن سليمان المرادي، الشافعي هو محمد بن إدريس، أيوب هو ابن أبي تميمة، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي، أبو المهلب هو عمرو بن معاوية، وقيل: عبد الرحمن بن معاوية، وقيل غير ذلك.
- وهو في «مسند الشافعي» ٢/ ١٢١ عن عبد الوهاب الثقفي بهذا الإسناد مطوّلا.
- وأخرجه مسلم ١٦٤١ وأبو داود ٣٣١٦ والترمذي ١٥٦٨ وأحمد ٤/ ٤٣٠ و٤٣٣- ٤٣٤ وابن حبان ٤٨٥٩ وابن الجارود ٩٣٣ والبيهقي ٩/ ٧٢ وفي «الدلائل» ٤/ ١٨٨- ١٨٩ من طرق عن أيوب به، وله قصة.
١٩٣٥- حسن. أخرجه أبو داود ٢٥٣٢ وأبو يعلى ٤٣١١ والبيهقي ٩/ ١٥٦ من حديث أنس وصدره «ثلاث من أصل الإسلام... ».
- وإسناده ضعيف، لجهالة يزيد بن أبي نشبة. لكن للحديث شواهد. انظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية.
(١) في المطبوع «السلام» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «يحتمل» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «كالشرب» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «عليهما» والمثبت عن المخطوط.
(٥) في المخطوط (ب) «يقتل».
210

[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٥ الى ٧]

سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧)
سَيَهْدِيهِمْ، أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَرْشَدِ الْأُمُورِ، وَفِي الْآخِرَةِ إِلَى الدَّرَجَاتِ، وَيُصْلِحُ بالَهُمْ، يُرْضِي خُصَمَاءَهُمْ وَيَقْبَلُ أَعْمَالَهُمْ.
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦)، أَيْ بَيَّنَ لَهُمْ مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى يَهْتَدُوا إلى مساكنهم لا يخطؤونها وَلَا يَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهَا أَحَدًا كَأَنَّهُمْ سُكَّانُهَا مُنْذُ خُلِقُوا فَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ أَهْدَى إِلَى دَرَجَتِهِ، وَزَوْجَتِهِ وَخَدَمِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَهْلِهِ فِي الدُّنْيَا، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَرَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَرَّفَها لَهُمْ أَيْ طَيَّبَهَا لَهُمْ مِنَ الْعَرْفِ، وَهُوَ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ وَطَعَامٌ مُعَرَّفٌ أَيْ مُطَيَّبٌ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ، أَيْ دِينَهُ وَرَسُولَهُ، يَنْصُرْكُمْ، عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ، عِنْدَ الْقِتَالِ.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٨ الى ١٤]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بُعْدًا لَهُمْ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سُقُوطًا لَهُمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: خَيْبَةً لَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: شَقَاءً لَهُمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ.
وَقِيلَ: فِي الدُّنْيَا الْعَثْرَةُ، وَفِي الْآخِرَةِ التَّرَدِّي فِي النَّارِ. وَيُقَالُ لِلْعَاثِرِ: تَعْسًا إِذَا لم يريدوا قيامة، وضده لما [١] إِذَا أَرَادُوا قِيَامَهُ، وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ.
ذلِكَ التَّعْسُ وَالْإِضْلَالُ، بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ، ثُمَّ خَوَّفَ الْكُفَّارَ.
فَقَالَ: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، أَيْ أَهْلَكَهُمْ، وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها، أي لَمْ يُؤْمِنُوا يَتَوَعَّدُ مُشْرِكِي مَكَّةَ.
ذلِكَ، الَّذِي ذَكَرْتُ، بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا، وَلِيُّهُمْ وَنَاصِرُهُمْ، وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ، لَا نَاصِرَ لَهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ مَآلَ الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ، فِي الدُّنْيَا، وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ، لَيْسَ لَهُمْ هِمَّةً إِلَّا بُطُونُهُمْ وَفُرُوجُهُمْ، وَهُمْ لَاهُونَ سَاهُونَ عَمَّا فِي غَدٍ، قِيلَ: الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا يَتَزَوَّدُ وَالْمُنَافِقُ يَتَزَيَّنُ وَالْكَافِرُ يَتَمَتَّعُ، وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ.
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ، أي أشد قوة من أهل مكة، الَّتِي أَخْرَجَتْكَ، أي أخرجك
(١) في المطبوع «أما» وفي المخطوط (ب) «نفا» والمثبت عن ط والمخطوط (أ).
أَهْلُهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَمْ رِجَالٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ؟ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَهْلَكْناهُمْ، وَلَمْ يَقُلْ:
أَهْلَكْنَاهَا، فَلا ناصِرَ لَهُمْ.
«١٩٣٦» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْغَارِ الْتَفَتَ إِلَى مَكَّةَ وَقَالَ: «أَنْتِ أَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَأَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إِلَيَّ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُخْرِجُونِي لَمْ أَخْرُجْ مِنْكِ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، يَقِينٍ مِنْ دِينِهِ مُحَمَّدٌ وَالْمُؤْمِنُونَ، كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ، يَعْنِي عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ أَبُو جهل والمشركون.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٥ الى ١٧]
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ، أَيْ صِفَتُهَا، فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ، آجِنٍ مُتَغَيِّرٍ مُنْتِنٍ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ آسِنٍ بِالْقَصْرِ، وَالْآخَرُونَ بِالْمَدِّ، وَهُمَا لُغَتَانِ يقال: أس الماء يأسن أسنا، وآسن يأسن وياسن، وأجن يأجن أجنا [١]، أُسُونًا وَأُجُونًا إِذَا تَغَّيرَ، وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ، لَذِيذَةٌ لِلشَّارِبِينَ، لَمْ تُدَنِّسْهَا الْأَرْجُلُ وَلَمْ تُدَنِّسْهَا الْأَيْدِي، وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى.
«١٩٣٧» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَمِيرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ [٢] اللَّهِ بن عمر عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ [٣] الْجَنَّةِ».
قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: نَهْرُ دِجْلَةَ نَهْرُ مَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَنَهْرُ الْفُرَاتِ نَهْرُ لَبَنِهِمْ، وَنَهْرُ مِصْرَ نَهْرُ خَمْرِهِمْ، وَنَهْرُ سَيْحَانَ نَهْرُ عَسَلِهِمْ، وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ الْأَرْبَعَةُ تَخْرُجُ مِنْ نَهْرِ الْكَوْثَرِ، وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ، أَيْ مَنْ كَانَ فِي هَذَا النَّعِيمِ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ، وَسُقُوا ماءً حَمِيماً،
١٩٣٦- ضعيف بذكر الآية. أخرجه الطبري ٣١٣٧٢ وأبو يعلى كما في «المطالب العالية» ٣٧٣٧٧ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ٤/ ٢١٢ من حديث ابن عباس. وفي إسناده الحسين بن قيس، وهو متروك، والغريب فيه ذكر نزول الآية، وأما أصله فله شواهد.
١٩٣٧- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أبو بكر هو عبد الله بن محمد، أبو أسامة هو حماد بن أسامة.
- وهو في «صحيح مُسْلِمٌ» ٢٨٣٩ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٢٨٩ و٤٤٠ والخطيب في «تاريخ بغداد» ١/ ٥٤- ٥٥ من طريق عبيد الله بن عمر به.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٢٦١ والحميدي ١١٦٣ وأبو يعلى ٥٩٢١ والخطيب ١/ ٥٤ و٨/ ١٨٥، من طرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
(١) في المطبوع «ويأجن» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن «شرح السنة».
(٣) في المطبوع «أنها» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.
شديد الحر تسعر عليه جَهَنَّمُ مُنْذُ خُلِقَتْ إِذَا أُدْنِيَ منهم يشوي وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم فَإِذَا شَرِبُوهُ، فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ، فَخَرَجَتْ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، وَالْأَمْعَاءُ جَمِيعُ مَا فِي الْبَطْنِ مِنَ الْحَوَايَا وَاحِدُهَا معي.
وَمِنْهُمْ، يَعْنِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ، مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ، وَهْمُ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَمِعُونَ قَوْلَكَ فَلَا يَعُونَهُ وَلَا يَفْهَمُونَهُ تَهَاوُنًا بِهِ وَتَغَافُلًا، حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ، يَعْنِي فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ، قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، مِنَ الصَّحَابَةِ، مَاذَا قالَ، مُحَمَّدٌ، آنِفاً، يَعْنِي الآن، وهو مِنَ الِائْتِنَافِ وَيُقَالُ: ائْتَنَفْتُ الْأَمْرَ أَيِ ابْتَدَأْتُهُ [١] وَأُنْفُ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ، قَالَ مُقَاتِلٌ [٢] : وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ وَيَعِيبُ الْمُنَافِقِينَ، فَإِذَا خَرَجُوا مِنَ الْمَسْجِدِ سَأَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتِهْزَاءً مَاذَا قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَدْ سُئِلَتْ فِيمَنْ سُئِلَ أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ، فِلْمْ يُؤْمِنُوا، وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ، فِي الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ.
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا، يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ، زادَهُمْ، ما قال الرسول، هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ، وَفَّقَهُمْ لِلْعَمَلِ بما أمر الله [٣] بِهِ، وَهُوَ التَّقْوَى، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَآتَاهُمْ ثَوَابَ تَقْوَاهُمْ.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٨ الى ١٩]
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً.
«١٩٣٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ثَنَا الحسين بن [٤] الحسن ثنا ابن المبارك أنا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَمَّنْ سَمِعَ الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ
١٩٣٨- إسناده ضعيف، فيه راو لم يسمّ، وباقي الإسناد ثقات.
- ابن المبارك هو عبد الله.
- وهو في «شرح السنة»
٣٩١٧ بهذا الإسناد.
- وهو في «الزهد» لابن المبارك (٧) عن معمر بن راشد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم ٤/ ٣٢٠- ٣٢١ وأبو يعلى ٦٥٤٢ من طريق ابن المبارك عن معمر عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُقْبُرِيَّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هريرة.
- قال الحاكم: إن كان معمر بن راشد سمع من المقبري، فالحديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وسقط عند الحاكم الراوي المجهول، لذا علق صحة الحديث بسماع معمر من المقبري، وقد صرح معمر بعدم سماعة له عند ابن المبارك والبغوي.
- وأخرجه الترمذي ٢٣٠٦ وابن الجوزي في «مشيخته» ص ١٩٦ من طريق أبي مصعب عن محرر بن هارون عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أبي هريرة به.
- وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
- كذا قال مع أن في إسناده محرر قال عنه البخاري والنسائي والساجي: منكر الحديث. فهذا الطريق لا يشهد للأول لشدة وهنه، وأخشى أن يكون هو المذكور في الإسناد المتقدم. [.....]
(١) في المخطوط (ب) «ابتداء به».
(٢) ذكره المصنف هاهنا تعليقا، وإسناده إليه أول الكتاب، ومقاتل إن كان ابن سليمان فهو كذاب، فإن كان ابن حيان فذو مناكير.
(٣) في المطبوع «أمرهم» والمثبت عن المخطوط (ب).
(٤) في المطبوع «ثنا» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط (أ).
213
مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا [١]، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ فَالدَّجَّالُ شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةُ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها، أَيْ أَمَارَاتُهَا وَعَلَامَاتُهَا وَاحِدُهَا شَرْطٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.
«١٩٣٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أحمد بن المقدام ثنا فضيل [٢] بن سليمان ثنا أبو حازم ثنا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِأُصْبُعَيْهِ هَكَذَا بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كهاتين».
«١٩٤٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ويوسف ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا حفص بن عمر الحوضي ثنا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَدِّثَنَّكُمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ وَيَكْثُرُ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةٍ الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ».
«١٩٤١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
١٩٣٩- إسناده صحيح على شرط البخاري فقد تفرد عن أحمد بن مقدام، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- أبو حازم هو سلمة بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» ٤١٨٩ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٩٣٦ عن أحمد بن المقدام بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٣٠١ و٥٣٠١ ومسلم ٢٩٥٠ وأحمد ٥/ ٣٣٠ و٣٣١ و٣٣٥ و٣٣٨ والحميدي ٩٢٥ وابن حبان ٦٦٤٢ والطبراني ٥٨٧٣ و٥٨٨٥ و٥٩٨٨ و٥٩١٢ من طرق عن أبي حازم به.
١٩٤٠- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- هشام هو ابن عبد الله، قتادة ابن دعامة.
- وهو في «صحيح البخاري» ٥٢٣١ عن حفص بن عمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٥٧٧ وأحمد ٣/ ٢١٣ و٢١٤ والطيالسي ١٠١ من طرق عن هشام به.
- وأخرجه البخاري ٦٨٠٨ وأحمد ٣/ ٢٨٩ وأبو يعلى ٢٨٩٢ وأبو نعيم في «الحلية» ٢/ ٣٤٢ من طرق عن همام عن قتادة به.
- وأخرجه البخاري ٨١ ومسلم ٢٦٧١ ح ٩ والترمذي ٢٢٠٦ وأحمد ٣/ ١٧٦ و٢٠٢ و٢٧٣ وابن ماجه ٤٠٤٥ من طرق عن شعبة عن قتادة به.
- وأخرجه البخاري ٨٠ ومسلم ٢٦٧١ أحمد ٣/ ١٥١ من طريق أبي التياح عن أنس به.
- وأخرجه مسلم ٢٦٧١ ح ٩ من طريق سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قتادة به.
- وأخرجه عبد الرزاق ٢٠٨٠١ من طريق معمر عن قتادة به.
١٩٤١- صحيح. إسناده حسن، فليح وإن روى له البخاري ومسلم فقد ضعفه غير واحد، لذا ينحط حديثه عن درجة الصحيح، لكن للحديث شواهد، فهو صحيح إن شاء الله، والله أعلم.
فليح هو ابن سليمان.-
(١) تصحف في المطبوع إلى «مقيدا».
(٢) تصحف في المطبوع إلى «فضل».
214
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بن سنان ثنا فُلَيْحٌ حَدَّثَنِي هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظَرِ السَّاعَةَ» : قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظَرِ السَّاعَةَ».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُمُ التَّذَكُّرُ وَالِاتِّعَاظُ وَالتَّوْبَةُ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ، نَظِيرُهُ: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى [الفجر: ٢٣].
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، قِيلَ: الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرَهُ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ فَاثْبُتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: فَازْدَدْ عِلْمًا عَلَى عِلْمِكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ عُيَيْنَةَ: هُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ مَعْنَاهُ: إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَفْزَعَ عِنْدَ قِيَامِهَا إِلَّا إِلَى اللَّهِ. وَقِيلَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَنَّ الْمَمَالِكَ تَبْطُلُ عِنْدَ قِيَامِهَا فَلَا مُلْكَ ولا حكم لأحد إلّا الله.
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ، أَمْرٌ بِالِاسْتِغْفَارِ مَعَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ لِتَسْتَنَّ بِهِ أمته.
«١٩٤٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ [١] أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أنا أبو جعفر الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثنا سليمان بن حرب ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنِ الْأَغَرِّ الْمُزْنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ [٢] مِائَةَ مَرَّةٍ».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، هَذَا إِكْرَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ حَيْثُ [٣] أَمَرَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِذُنُوبِهِمْ وَهُوَ الشَّفِيعُ الْمُجَابُ فِيهِمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ:
مُتَقَلَّبَكُمْ مُتَصَرَّفُكُمْ وَمُنْتَشَرُكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا، (وَمَثْوَاكُمْ) مَصِيرُكُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَابْنُ جَرِيرٍ: (متقلبكم) متصرفكم لِأَشْغَالِكُمْ بِالنَّهَارِ (وَمَثْوَاكُمْ) مَأْوَاكُمْ إِلَى مَضَاجِعِكُمْ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مُتَقَلَّبَكُمْ مِنْ أَصْلَابِ الْآبَاءِ إِلَى أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ وَمَثْوَاكُمْ مَقَامُكُمْ فِي الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: (مُتَقَلَّبَكُمْ) مِنْ ظَهْرٍ إِلَى بَطْنٍ (وَمَثْوَاكُمْ) مَقَامُكُمْ فِي الْقُبُورِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شيء منها.
- وهو في «شرح السنة» ٤١٢٧ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٥٩ و٦٤٩٦ عن محمد بن سنان بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٤/ ٣٦١ وابن حبان ١٠٤ والبيهقي ١٠/ ١١٨ من طرق عن فليح به.
١٩٤٢- صحيح. حميد ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- ثابت هو ابن أسلم، أبو بردة هو ابن أبي موسى الأشعري، مشهور بكنيته، الأغر هو ابن عبد الله.
- وهو في «شرح السنة» ١٢٨٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٧٠٢ ح ٤١ وأبو داود ١٥١٥ وأحمد ٤/ ٢٦٠ وابن حبان ٩٣١ من طرق عن حماد بن زيد به.
- وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٤٤٢ والطبراني ٨٨٨ من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ البناني به.
- وأخرجه الطبراني ٨٨٩ من طريق هشام بن حسان عن ثابت البناني به.
(١) زيد في المطبوع «أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النعيمي».
(٢) في المخطوط (أ) «في اليوم».
(٣) في المخطوط (أ) «حين». [.....]
215

[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٢]

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا، حِرْصًا مِنْهُمْ على الجهاد، لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ، تَأْمُرُنَا بِالْجِهَادِ، فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ، قَالَ قَتَادَةُ: كُلُّ سُورَةٍ ذُكِرَ فِيهَا الْجِهَادُ فَهِيَ مُحَكَّمَةٌ وَهِيَ أَشَدُّ الْقُرْآنِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، شَزَرًا بِتَحْدِيقٍ شَدِيدٍ كَرَاهِيَةً مِنْهُمْ لِلْجِهَادِ وَجُبْنًا عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، كَمَا يَنْظُرُ الشَّاخِصُ بَصَرُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَأَوْلى لَهُمْ، وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي التَّهْدِيدِ أَوْلَى لَكَ أَيْ وَلِيَكَ وَقَارَبَكَ مَا تَكْرَهُ.
ثُمَّ قَالَ: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ، وَهَذَا ابْتِدَاءٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ تَقْدِيرُهُ: طَاعَةٌ، وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ أَمْثَلُ، أَيْ لَوْ أَطَاعُوا وَقَالُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا كَانَ أَمْثَلُ وَأَحْسَنُ. وَقِيلَ: مَجَازُهُ يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ قَبْلَ نُزُولِ السُّورَةِ الْمُحْكَمَةِ طَاعَةٌ رَفَعَ عَلَى الْحِكَايَةِ أَيْ أَمْرُنَا طَاعَةٌ أَوْ مِنَّا طَاعَةٌ، وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ حَسَنٌ. وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ واللام في قوله بِمَعْنَى الْبَاءِ، مَجَازُهُ: فَأَوْلَى بِهِمْ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ بالإجابة، أي لو أطاعوا [وأجابوا] [١] كَانَتِ الطَّاعَةُ وَالْإِجَابَةُ أَوْلَى بِهِمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ. فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ، أَيْ جَدَّ الْأَمْرُ وَلَزِمَ فَرْضُ الْقِتَالِ وَصَارَ الْأَمْرُ مَعْزُومًا [٢]، فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ، فِي إِظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ، وَقِيلَ جَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ نَكَّلُوا وَكَذَّبُوا فِيمَا وَعَدُوا وَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ.
فَهَلْ عَسَيْتُمْ، فلعلكم [قَرَأَ نَافِعٌ عَسَيْتُمْ بِكَسْرِ السِّينِ والباقون بفتحها وهما لغتان والفتح أفصح] [٣] إِنْ تَوَلَّيْتُمْ، أَعْرَضْتُمْ عَنِ الْقُرْآنِ وَفَارَقْتُمْ أَحْكَامَهُ، أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، تَعُودُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بِالْمَعْصِيَةِ وَالْبَغْيِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَتَرْجِعُوا إِلَى الْفُرْقَةِ بَعْدَ مَا جَمَعَكُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ. وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ، قَرَأَ يَعْقُوبُ وَتُقَطِّعُوا بِفَتْحِ التَّاءِ خفيف، والآخرون بالتشديد مِنَ التَّقْطِيعِ عَلَى التَّكْثِيرِ لِأَجْلِ الْأَرْحَامِ، قَالَ قَتَادَةُ: كَيْفَ رَأَيْتُمُ الْقَوْمَ حِينَ تَوَلَّوْا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ أَلَمْ يَسْفِكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَقَطَّعُوا الْأَرْحَامَ، وَعَصَوُا الرَّحْمَنَ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنَ الْوِلَايَةِ. وَقَالَ الْمُسَيِّبُ بْنُ شَرِيكٍ وَالْفَرَّاءُ: يَقُولُ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنَّ وُلِّيتُمْ أَمْرَ النَّاسِ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بِالظُّلْمِ، نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمِّيَّةَ وَبَنِي هَاشِمٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تَوَلَّيْتُمْ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْوَاوِ وَكَسْرِ اللَّامِ، يقول: إن وليتكم ولاة جائزة خرجتم معهم في الفتنة وعاونتوهم.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٣ الى ٢٦]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦)
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣)، عن الحق.
(١) زيادة عن المخطوط (ب).
(٢) في المخطوط (أ) «معروفا».
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع واستدرك من «تفسير الطبري».
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)، فَلَا تَفْهَمُ مَوَاعِظَ القرآن وأحكامه، وأَمْ بِمَعْنَى (بَلْ).
«١٩٤٣» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إبراهيم أنا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنْبَأَنِي عَقِيلُ بن محمد أنا المعافي بن زكريا أنا محمد بن جرير ثنا بشر [ثنا يزيد قال: ثنا سعيد قال:] [١] ثنا حماد بن زيد ثنا هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
تَلَا [٢] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) فَقَالَ شَابٌّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ: بَلْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ يَفْتَحُهَا أَوْ يُفَرِّجُهَا، فَمَا زَالَ الشَّابُّ فِي نَفْسِ عُمَرَ حَتَّى وَلِيَ فَاسْتَعَانَ بِهِ.
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ، رَجَعُوا كُفَّارًا، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى، قَالَ قَتَادَةُ: هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ الْكِتَابِ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا عرفوه وجدوا نَعْتَهُ فِي كِتَابِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ، الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ، زَيَّنَ لَهُمُ الْقَبِيحَ، وَأَمْلى لَهُمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِضَمِّ الْأَلْفِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ بِإِرْسَالِ الْيَاءِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَتُرْوَى هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ يَعْقُوبَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ وَأَمْلى لَهُمْ بِفَتْحِ الْأَلِفِ أَيْ وَأَمْلَى الشَّيْطَانُ لَهُمْ مَدَّ لَهُمْ في الأمل.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ أَوِ الْيَهُودَ، قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ، وَهْمُ الْمُشْرِكُونَ، سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ، فِي التَّعَاوُنِ عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ، وَكَانُوا يَقُولُونَهُ سِرًّا فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا عَلَى جَمْعِ السِّرِّ.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٧ الى ٣٢]
فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢)
فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧).
ذلِكَ، أي الضَّرْبُ، بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِمَا كَتَمُوا مِنَ التَّوْرَاةِ وَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ، كَرِهُوا مَا فِيهِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَهُوَ الطَّاعَةُ وَالْإِيمَانُ. فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ.
١٩٤٣- إسناده ضعيف، رجاله ثقات، وعلته الإرسال، والمرسل من قسم الضعيف.
- بشر هو ابن خالد، يزيد هو ابن هارون، سعيد هو ابن أبي عروة.
- وهو في «تفسير الطبري» ٣١٤٠٨ عن بشر بهذا الإسناد.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ١٢٧ من طريق وهيب عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه به.
(١) زيادة في المخطوط.
(٢) في المخطوط (أ) «قرأ».
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ، أن لَنْ يُظْهِرَ أَحْقَادَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيُبْدِيهَا حَتَّى يَعْرِفُوا نِفَاقَهُمْ، وَاحِدُهَا ضِغْنٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَسَدُهُمْ.
وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ، أَيْ لَأَعْلَمْنَاكَهُمْ وَعَرَّفْنَاكَهُمْ، فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ، بِعَلَامَتِهِمْ، قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا عَلَى الْمُنَافِقِينَ عَلَامَةً تَعْرِفُهُمْ بِهَا.
قَالَ أَنَسٌ: مَا خَفِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ.
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ، فِي مَعْنَاهُ وَمَقْصِدِهِ، وَاللَّحْنُ: وَجْهَانِ صَوَابٌ وَخَطَأٌ، فَالْفِعْلُ مِنَ الصَّوَابِ لَحِنَ يَلْحَنُ لَحْنًا فَهُوَ لَحِنٌ إِذَا فَطِنَ لِلشَّيْءِ.
«١٩٤٤» وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ».
وَالْفِعْلُ مِنَ الْخَطَأِ لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْنًا فَهُوَ لَاحِنٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ إِزَالَةُ الْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ، وَالْمَعْنَى إِنَّكَ تَعْرِفُهُمْ فِيمَا يُعَرِّضُونَ بِهِ مِنْ تَهْجِينِ أَمْرِكَ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ، فَكَانَ بَعْدَ هَذَا لَا يَتَكَلَّمُ مُنَافِقٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَرَفَهُ بِقَوْلِهِ، وَيَسْتَدِلُّ بِفَحْوَى كَلَامِهِ عَلَى فَسَادِ خلقه وعقيدته، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ.
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ، وَلِنُعَامِلَنَّكُمْ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبِرِ بِأَنْ نَأْمُرَكُمْ بِالْجِهَادِ وَالْقِتَالِ، حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ، أَيْ عِلْمَ الْوُجُودِ يُرِيدُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُجَاهِدُ وَالصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ، أَيْ نُظْهِرُهَا وَنَكْشِفُهَا بِإِبَاءِ مَنْ يَأْبَى الْقِتَالَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْجِهَادِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَلَيَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى يَعْلَمَ، وَيَبْلُو بِالْيَاءِ فِيهِنَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ فِيهِنَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَنَبْلُوا سَاكِنَةَ الْوَاوِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْفَتْحِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى نَعْلَمَ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً، إِنَّمَا يَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ، فَلَا يَرَوْنَ لَهَا ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمْ الْمُطْعِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظِيرُهُا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال: ٣٦].
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٣٣ الى ٣٧]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣)، قَالَ عَطَاءٌ: بِالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بِالْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِخْلَاصِ ذَنْبٌ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال.
١٩٤٤- هو بعض حديث تقدم في سورة البقرة عند آية: ١٨٨.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَا تَمُنُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ، نَزَلَتْ فِي بَنِي أَسَدٍ وَسَنَذْكُرُهُ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، قِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ وَحُكْمُهَا عَامٌّ.
فَلا تَهِنُوا، لَا تَضْعُفُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ، أَيْ لَا تَدْعُوَا إِلَى الصُّلْحِ، ابْتِدَاءً مَنَعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْعُوا الْكَفَّارَ إِلَى الصُّلْحِ، وَأَمَرَهُمْ بِحَرْبِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ، الْغَالِبُونَ قَالَ الْكَلْبِيُّ: آخِرُ الْأَمْرِ لَكُمْ وَإِنْ غَلَبُوكُمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَاللَّهُ مَعَكُمْ، بِالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ، وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ، لَنْ يَنْقُصَكُمْ شَيْئًا مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِكُمْ، يُقَالُ: وَتِرَهُ يَتِرُهُ وَتَرًا وَتِرَةً إِذَا نَقَصَ حَقَّهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ: لَنْ يَظْلِمَكُمْ أَعْمَالَكُمُ الصَّالِحَةَ بَلْ يُؤْتِيكُمْ أُجُورَهَا.
ثُمَّ حَضَّ عَلَى طَلَبِ الْآخِرَةِ فَقَالَ: إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، بَاطِلٌ وَغُرُورٌ، وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا، الْفَوَاحِشَ، يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ، جَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ فِي الآخرة، وَلا يَسْئَلْكُمْ، رَبُّكُمْ، أَمْوالَكُمْ، لِإِيتَاءِ الْأَجْرِ بَلْ يَأْمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ لِيُثِيبَكُمْ عَلَيْهَا الْجَنَّةَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ [الذَّارِيَاتِ: ٥٧]، وَقِيلَ: لَا يَسْأَلُكُمْ مُحَمَّدٌ أَمْوَالَكُمْ، نَظِيرُهُ: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:
٥٧، ص: ٨٦]، وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَسْأَلُكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْوَالَكُمْ كُلَّهَا فِي الصَّدَقَاتِ، إِنَّمَا يَسْأَلَانِكُمْ غَيْضًا [١] مِنْ فَيْضٍ، رُبْعَ الْعُشْرِ فَطِيبُوا بِهَا نفسا، وقروا بها عينا.
وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ، أَيْ يُجْهِدُكُمْ وَيُلْحِفُ عَلَيْكُمْ بِمَسْأَلَةِ جَمِيعِهَا، يُقَالُ: أَحْفَى فَلَانٌ فَلَانًا إِذَا جَهِدَهُ، وَأَلْحَفَ عَلَيْهِ بِالْمَسْأَلَةِ، تَبْخَلُوا، بِهَا فَلَا تُعْطُوهَا، وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ، بغضكم وعدواتكم، قَالَ قَتَادَةُ: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْوَالِ خُرُوجَ الْأَضْغَانِ.
[سورة محمد (٤٧) : آية ٣٨]
هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)
هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَعْنِي إِخْرَاجَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ، بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ، وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ، عَنْ صَدَقَاتِكُمْ وَطَاعَتِكُمْ، وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ، إِلَيْهِ وَإِلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ، بَلْ يَكُونُوا أَمْثَلَ مِنْكُمْ وَأَطْوَعَ لِلَّهِ مِنْكُمْ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ كِنْدَةُ وَالنَّخْعُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْعَجَمُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: فَارِسٌ وَالرُّومِ.
«١٩٤٥» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أبي نصر الكوفاني [٢] أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عمر بن محمد بن
١٩٤٥- عجزه صحيح، وتأويل الآية بأهل فارس لا يصح.
- إسناده ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي.-
(١) في المخطوط (ب) «فيضا» والمثبت عن ط والمخطوط (أ).
(٢) في المطبوع «الكوفاتي» والمثبت عن المخطوط (أ) وط وفي المخطوط (ب) «القوفاتي».
219
إسحاق التّجيبي المصري المعروف بابن النحاس أنا أَبُو الطَّيِّبِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرياش ثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثنا ابن وهب ثنا مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِنَّ تَوَلَّيْنَا اسْتُبْدِلُوا بِنَا ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَنَا؟ فَضَرَبَ عَلَى فَخِذِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وَقَوْمُهُ، وَلَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنَ الْفُرْسِ».
- ابن وهب هو عبد الله، عبد الرحمن هو ابن يعقوب مولى الحرقة.
- وهو في «شرح السنة» ٣٨٩٥ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبري ٣١٤٤٣ وابن حبان ٧١٢٣ وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» ١/ ٣ من طرق عن ابن وهب بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبري ٣١٤٤٢ و٣١٤٤ وأبو نعيم ١/ ٢ و٣ من طرق عن مسلم بن خالد به.
- وأخرجه الترمذي ٣٢٦١ وأبو نعيم ١/ ٣ والواحدي ٤/ ١٣١ من طريقين عن إسماعيل بن جعفر عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ نجيح عن العلاء به.
- وعبد الله بن جعفر، ضعيف متروك.
- وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ٦/ ٣٣٤ من طريق أبي الربيع سليمان بن داود الزهراني عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء به، والظاهر أنه منقطع بين إسماعيل وسليمان بدليل الواسطة بينهما في الحديث المتقدم.
- وأخرجه الترمذي ٣٢٦٠ من طريق عبد الرزاق عن شيخ من أهل المدينة عن العلاء به.
- وقال الترمذي: هذا حديث غريب في إسناده مقال.
- قلت: هو ضعيف فيه من لم يسم، ولعل المراد إبراهيم المدني الآتي ذكره.
- وأخرجه أبو نعيم في «تاريخ أصبهان» ١/ ٣- ٤ من طريق عبد الله بن جعفر ومن طريق إبراهيم بن محمد المدني كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
- وعبد الله بن جعفر ضعيف، والمدني أظنه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي ذاك المتروك المتهم.
- وعجزه دون ذكر الآية أخرجه مسلم ٢٥٤٦ ح ٢٣٠ وأحمد ٢/ ٣٠٩ وأبو نعيم ١/ ٤ من طريق يزيد بن الأصم عن أبي هريرة.
- وانظر الحديث الآتي في سورة الجمعة عند آية: ٣.
- وانظر «فتح القدير» ٢٢٨١ بتخريجي.
الخلاصة: لا يصح تفسير الآية بأن المراد بذلك أهل فارس فحسب بمثل هذه الروايات الضعيفة، وعجز الحديث «ولو كان....» متفق عليه لكن بلفظ «الإيمان» بدل «الدين».
- نعم صح الحديث في أهل الفارس في تفسير آية سورة الجمعة وهي وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وسيأتي، والله أعلم.
220
Icon