تفسير سورة الممتحنة

جهود القرافي في التفسير
تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب جهود القرافي في التفسير .
لمؤلفه القرافي . المتوفي سنة 684 هـ

١٢١٤- اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة في قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ﴾ فمنع الموالاة والتودد وقال في الآية الأخرى :﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ﴾١، وقال عليه السلام : " استوصوا بأهل الذمة خيرا " ٢ وقال في حديث آخر : " استوصوا بالقبط خيرا ".
فلا بد من الجمع بين هذه النصوص، وإن الإحسان لأهل الذمة مطلوب، وأن التودد والموالاة منهي عنهما والبابان ملبسان فيحتاجان إلى الفرق.
وسر الفرق : أن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام. فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غبية في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام، وكذلك حكى ابن حزم في " مراتب الإجماع " ٣ له : أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعق الذمة. وحكى ذلك في إجماع الأمة.
فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صونا لمقتضاه عن الضياع أنه لعظيم، وإذا كان عقد الذمة بهذه المثابة تعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره بدل على مودات القلوب، ولا تعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع وصار من قبل ما نهي عنه في الآية وغيرها. ( الفروق : ٣/١٤-١٥ ).
١ - سورة الحشر : ٨..
٢ - رواه الطبراني في الكبير عن كعب بن مالك بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح كما قال الهيثمي في :"مجمع الزوائد" : ١٠/٦٣ ولفظه: "إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإنه لهم ذمة ورحما. وأصله في صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة. باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر، عن أبي ذر مرفوعا..
٣ - ن : كتاب : قسم الفيء والجهاد والسير : ٩-١١ وما بعدها..
١٢١٥- في هذه الآية من المسائل : الاستثناء فيها مماذا ؟ وهل هو متصل أم لا ؟ .
والجواب : اختلف في المستثنى منه، فقيل : من الإسوة، وهي التأسي والاقتداء.
فمعنى الآية : " تأسوا بإبراهيم وقومه إلا في الاستغفار لأبيه فإنه كان كافرا والاستغفار للكافر حرام، فلا تتأسوا بذلك، فإن إبراهيم عليه السلام إنما استغفر لبيه لأجل موعدة وعدها إياه. وهذا الموجب منفي في حقكم، فسقطت الإسوة منه " وعلى هذا يكون الاستثناء متصلا.
وقيل : الاستثناء من التنزيه، فيكون المعنى : " إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم إلا قول إبراهيم لأبيه، فإنه لم يتبرأ من أبيه، وهو من جملة القوم ". ( الاستغناء : ٣٥٥ ).
١٢١٦- قوله تعالى :﴿ فإن علمتموهن مؤمنات ﴾ يجوز إطلاق العلم ويراد به الظن مجازا كقوله تعالى :﴿ فإن علمتموهن مؤمنات ﴾ أي : ظننتموهن. ( الفروق : ٣/٦١ ).
١٢١٧- قوله تعالى :﴿ فلا ترجعوهن إلى الكفار ﴾ يرد من جاء مسلما إلى الكفار وفاء بالعهد من الرجال دون النساء لقوله تعالى :﴿ فلا ترجعوهن إلى الكفار ﴾ ولأن ردتهن أقرب، وقيل : يمنع الجميع لحرمة الإسلام. ( الذخيرة : ١٣/٤٤٩ ).
١٢١٨- قوله تعالى :﴿ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ﴾ أي : من كفر من أزواجكم. ( نفسه : ٤/٣٣٥ ).
Icon