تفسير سورة المزّمّل

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة المزمل من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة المزمل
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً)
قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى العنزي، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن زرارة أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله. فقدم المدينة. فأراد أن يبيع عقارا له بها. فيجعله في السلاح والكراع.
ويجاهد الروم حتى يموت. فلمّا قدم المدينة، لقي أناسا من أهل المدينة، فنهوه عن ذلك. وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنهاهم نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال: "أليس لكم فيّ أسوة؟ " فلما حدّثوه بذلك راجع امرأته.
وقد كان طلقها. وأشهد على رجعتها. فأتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال ابن عباس: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: من؟ قال: عائشة. فأتها فاسألها. ثم ائتني فأخبرني بردّها عليك. فانطلقتُ إليها. فأتيتُ على حكيم بن أفلح. فاستلحقته إليها.
فقال: ما أنا بقاربها. لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت فيهما إلا مُضيا. قال فأقسمتُ عليه. فجاء. فانطلقنا إلى عائشة. فاستأذنا عليها.
فأذنت لنا، فدخلنا عليها، فقالت: أحكيم؟ (فعرفته) فقال: نعم. فقالت: من معك؟ قال: سعد بن هشام. قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر.
فترحّمتْ عليه. وقالت خيراً. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) فقلتُ: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خُلُق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قالت: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلتُ: بلى. قالت: فإن خُلق نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان القرآن. قال: فهممتُ أن أقوم، ولا أسأل أحداً عن شيء حتى أموت. ثم بدا لي فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالت: ألستَ تقرأ: (يا أيها المزمل) ؟ قلت: بلى.
قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
549
وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، حتى أنزل الله في أخر هذه السورة التخفيف. فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. قال: قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالت: كنا نعُدّ له سواكه وطهوره. فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل. فيتسوّك ويتوضأ ويُصلي تسع ركعات. لا يجلس فيها إلا في الثامنة.
(الصحيح ١/٥١٢-٥١٣- ك صلاة المسافرين، ب جامع صلاة الليل... ح ٧٤٦).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيها المزمل) أي: المتزمل بثيابه.
قوله تعالى (أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (قم الليل إلا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا، فشق ذلك على المؤمنين، ثم خفف عنهم فرحمهم، وأنزل الله بعد هذا (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض)... إلى قوله (فاقرءوا ما تيسر منه) فوسع الله وله الحمد، ولم يضيق.
انظر سورة الإسراء آية (٧٩). قوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً).
قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا أبو عاصم، أخبرنا ابن جريج، أخبرنا ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن" وزاد غيره: "يجهر به".
(الصحيح ١٣/٥١٠- ك التوحيد، ب قوله تعالى (وأسروا قولكم أو اجهروا به... ) ح ٧٥٢٧).
قال البخاري: حدثنا محمد بن خلف أبو بكر، حدثنا أبو يحيى الحماني: حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "يا أبا موسى، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود".
(الصحيح ٨/٧١٠ - ك فضائل القرآن، ب حسن الصوت بالقراءة للقرآن ح ٥٠٤٨)، وأخرجه مسلم (الصحيح ١/٥٤٦- ك صلاة المسافرين، ب استحباب تحسين الصوت بالقرآن ح ٧٩٣) بنحوه.
550
قال البخاري: حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، عن قتادة قال: "سُئل أنس: كيف كانت قراءة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: كانت مدّاً. ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمدّ ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم".
(الصحيح ٨/٧٠٩ ح ٥٠٤٦- ك فضائل القرآن، ب مد القراءة).
قال أبو داود: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي، ثنا ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة (أنها) ذكرت، أو كلمة غيرها، قراءة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين) يقطع قراءته آية آية. (قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: القراءة القديمة (مالك يوم الدين).
(السنن ٤/٣٧ ح ٤٠٠١- ك الحروف والقراءات)، وأخرجه الترمذي (السنن ٥/١٨٥ ح ٢٩٢٧) من طريق علي بن حجر عن يحيى بن سعيد الأموي بنحوه، وقال: هذا حديث غريب. قال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي ٣/١٣، الإرواء ح ٣٤٣)، وأخرجه الدارقطني وقال: إسناده صحيح (السنن ١٣٢١/٣١٣)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٢٣١- ٢٣٢)، وذكره ابن الجزري وقال: وهو حديث حسن وسنده صحيح (النشر ١/٢٢٦).
قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا يحيى، عن سفيان، حدثني عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند أخر آية تقرؤها".
(السنن ٢/٧٣- ك الصلاة، في استحباب الترتيل في القراءة ح ١٤٦٤)، وأخرجه الترمذي (السنن ٥/١٧٧ ح ٢٩١٤- ك فضائل القرآن، ب ١٨) من طريق أبي داود الحضري، وأبي نعيم، وأحمد (المسند ٢/١٩٣) من طريق عبد الرحمن، وابن حبان في صحيحه) الإحسان ٣/٤٣ ح ٧٦٦) من طريق ابن مهدي.
والحاكم (المستدرك ١/٥٥٢-٥٥٣) من طريق وكيع، كلهم عن سفيان به. قال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٧/١٦٢) وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن الترمذي ٣/١٠ ح ٢٣٢٩).
قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار: ثنا يحيى بن سعيد، ومحمد ابن جعفر.
قالا: ثنا شعبة، قال: سمعت طلحة اليامي، قال: سمعت عبد الرحمن بن
عوسجة، قال: سمعت البراء بن عازب يُحدِّث قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "زينوا القرآن بأصواتكم".
551
(السنن- ك إقامة الصلاة والسنة فيها، ب في حسن الصوت بالقرآن ح ١٣٤٢)، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن البراء (المسند ٤/٢٨٣، ٢٨٥، ٢٩٦، ٣٠٤)، (السنن- الوتر، ب استحباب الترتيل في القراءة)، (السنن- الافتتاح، ب تزيين القرآن بالصوت ٢/١٧٩). وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة ١/٢٢٤، وانظر الصحيحة ٧٧٢)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/٥٧١)، وعلقه البخاري بصيغة الجزم وعزاه الحافظ ابن حجر إلى ابن خزيمة في صحيحه وذكر له شواهد (انظر الفتح ١٣/٥١٨).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن الحسن في قوله (ورتل القرآن ترتيلا) قال: اقرأه قراءة بينة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ورتل القرآن ترتيلا) قال: بينه بيانا.
قوله تعالى (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا)
قال الحاكم: أخبرنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل، ثنا يحيى ابن أبي طالب، ثنا زيد بن الحباب، حدثني سليمان بن المغيرة البصري، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح الانصاري، عن أبي هريرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أوحى إليه لم يستطع أحد منا يرفع طرفه إليه حتى ينقضي الوحي.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك ٢/٢٢٢- ك التفسير) ووافقه الذهبي، وله شاهد صحيح عند مسلم (انظر صحيح الجامع ح ٤٥٦٢).
قال أحمد: ثنا سليمان بن داود قال: أنا عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: إن كان ليوحي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على راحلته فتضرب بجرانها.
(المسند ٦/١١٨)، وأخرجه الحاكم (المستدرك ٢/٥٠٥)، والبيهقي (دلائل النبوة ٢/٥٣) من طريق محمد بن ثور، عن معمر، عن هشام به، وفيه زيادة وهي: وتلت قول الله عز وجل (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً). قال الهيثمي - وقد عزاه لأحمد -: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٧/٢٥٧)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قوله: فتضرب بجرانها الجران: باطن العنق.
(النهايه لإبن الاثير ١/٢٦٣).
انظر حديث البخاري عن عاثشة المتقدم عند الآية (٣) من سورة الشورى.
انظر حديث البخاري عن زيد بن ثابت المتقدم عند الآية رقم (٩٥) من سورة النساء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) ثقيل والله فرائضه وحدوده.
552
قوله تعالى (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا واذكر اسم ربك وتبتل اليه تبتيلا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إن ناشئة الليل) قال: أي ساعة تهجد فيها متهجد من الليل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن ناشئة الليل) قال: ناشئة الليل: ما كان بعد العشاء فهو ناشئة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هي أشد وطئا) أي: أثبت في الخير، وأحفظ في الحفظ.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أشد وطئا) قال: مواطأة للقول، وفراغا للقلب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (سبحا طويلا) قال: فراغا طويلا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وتبتل إليه تبتيلا) قال: أخلص إليه المسألة والدعاء.
قوله تعالى (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلاً)
قال ابن كثير: أي هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل (فاتخذه وكيلا) كما قال في الآية الأخرى (فاعبده وتوكل عليه) وكقوله (إياك نعبد وإياك نستعين).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلاً) براءة نسخت ماهاهنا، أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يقبل منهم غيرها.
قوله تعالى (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن لدينا أنكالا وجحيما) يقول تعالى ذكره: إن عندنا لهؤلاء المكذبين بآياتنا أنكالا، يعني قيودا، واحدها: نكل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وطعاما ذا غصة) قال: شجرة الزقوم.
قوله تعالى (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) يقول، الرمل السائل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (كثيبا مهيلا) قال: ينهال.
قال ابن كثير: (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) أي: تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء، ثم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب، حتى تصير الأرض قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا أي: واديا، ولا أمتا أي: رابية.
ومعناه: لا شيء ينخفض ولا شيء يرتفع. ا. هـ.
وهذا التفسير مأخوذ من سورة طه آية (١٠٥-١٠٧).
قوله تعالى (فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أخذا وبيلا) قال: شديداً.
قوله تعالى (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً (١٧) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً)
انظر حديث البخاري عن أبي سعيد المتقدم تحت الآية رقم (٢) من سورة الحج. وحديث مسلم المتقدم تحت الآية رقم (٢٤) من سورة الصافات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا) يقول: كيف تتقون يوماً وأنتم قد كفرتم به ولا تصدقون به.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (منفطر به) قال: مثقلة به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن هذه تذكرة) يعني: القرآن (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) بطاعة الله.
قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنبأ ابن وهب، أخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن قيام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قلت: بلى. قالت: هو قيامه.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك ٢/٥٠٥- ك التفسير)، ووافقه الذهبي، وأخرجه محمد بن نصر المروزي من طريق ابن وهب به، (مختصر قيام الليل ص ٨). وأبو الزاهرية هو: حدير بن كريب الحضرمي الحمصي معروف بالرواية عن جبير بن نفير وبرواية معاوية بن صالح عنه (تهذيب الكمال ٥/٤٩١).
قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا عيسى، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر".
(السنن ٢/٦١ ح ١٤١٦- ك الصلاة، ب استحباب الوتر)، وأخرجه الترمذي (السنن ٢/٣١٦ ح ٤٥٣- ك الصلاة، ب ما جاء أن الوتر ليس بختم)، والنسائي (السنن ٣/٢٢٨- ك الصلاة، ب الأمر بالوتر)، وابن ماجة (السنن ١/٣٧٠ ح ١١٦٩- ك إقامة الصلاة، ب ما جاء في الوتر)، والحاكم (المستدرك ١/٣٠٠- ك الوتر) أربعهم من طريق أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق به. قال الترمذي: حديث حسن، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة ١/١٩٣).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (علم أن لن تحصوه) قيام الليل كتب عليكم (فاقرءوا ما تيسر من القرآن).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: ثم أنبأ بخصال المؤمنين، فقال: (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه) قال: افترض الله القيام في أول هذه السورة.
قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثني عروة أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عَبْدٍ القاريّ حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكدتُ أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلّم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: كذبت أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إني سمعت هذا يقراُ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال: أرسله، اقرأ يا هشام؟ فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك أنزلت، ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقرأ يا عمر؟ فقرأت فقال: كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه.
(الصحيح ١٣/٥٣٠- ك التوحيد، ب (الآية) ح ٧٥٥٠)، وأخرجه مسلم (الصحيح - الصلاة، ب بيان أن القرآن على سبعة أحرف ١/٥٦٠ ح ٨١٨).
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا دخل المسجد ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس في ناحية المسجد- فصلّى ثم جاء فسلّم عليه، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصل. فرجع فصلّى، ثم جاء فسلّم، فقال: وعليك السلام، فارجع فصلّ فإنك لم تصل.
556
فقال في الثانية - أو في التي بعدها - علّمني يا رسول الله. فقال: "إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبّر، ثم اقرأ بما تيسّر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها".
وقال أبو أسامة في الأخير: "حتى تستوي قائما".
(الصحيح ١١/٣٨-٣٩ ح ٦٢٥١- ك الإستئذان، ب من رد فقال: عيك السلام... )، وأخرجه مسلم (الصحيح ١/٢٩٨- ك الصلاة، ب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وأقيمو الصلاة وآتوا الزكاة) فهما فريضتان واجبتان، لا رخصة لأحد فيهما، فأدوهما إلى الله تعالى ذكره.
قال ابن كثير: وقوله تعالى (وأقرضوا الله قرضا حسناً) يعني من الصدقات فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء وأوفره، كما قال (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسناً فيضاعفه له أضعافا كثيرة).
وانظر سورة البقرة آية (٢٤٥).
قال البخاري: حدثني عمر بن حفص، حدثني أبي، حدثنا الأعمش قال: حدثني إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله"؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: "فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر".
(الصحيح ١١/٢٦٤-٢٦٥ ح ٦٤٤٢- ك الرقاق، ب ما قدّم من مال فهو له).
قوله تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
انظر سورة البقرة آية (٨٣) وفيها حديث مسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه -: "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق".
557
Icon